هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5404 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ ، سَمِعْتُ عَمْرُو بْنَ حُرَيْثٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ قَالَ شُعْبَةُ : وَأَخْبَرَنِي الحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ ، عَنِ الحَسَنِ العُرَنِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ شُعْبَةُ : لَمَّا حَدَّثَنِي بِهِ الحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ المَلِكِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5404 حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن عبد الملك ، سمعت عمرو بن حريث ، قال : سمعت سعيد بن زيد ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين قال شعبة : وأخبرني الحكم بن عتيبة ، عن الحسن العرني ، عن عمرو بن حريث ، عن سعيد بن زيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال شعبة : لما حدثني به الحكم لم أنكره من حديث عبد الملك
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Sa`id bin Zaid:

I heard the Prophet (ﷺ) saying, Truffles are like Manna (i.e. they grow naturally without man's care) and their water heals eye diseases.

":"ہم سے محمد بن مثنیٰ نے بیان کیا ، کہا ہم سے غندر نے بیان کیا کہا ہم سے شعبہ نے بیان کیا ، ان سے عبدالملک بن عمیر نے کہا کہ میں نے عمرو بن حریث سے سنا ، کہا کہ میں نے حضرت سعید بن زید رضی اللہ عنہ سے سنا ، انہوں نے بیان کیا کہمیں نے نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا ، آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ کھنبی من میں سے ہے اور اس کا پانی آنکھ کے لیے شفاء ہے ۔ اسی سند سے شعبہ نے بیان کیا کہ مجھے حکم بن عتیبہ نے خبر دی ، انہیں حسن بن عبداللہ عرنی نے ، انہیں عمرو بن حریث نے اور انہیں سعید بن زید رضی اللہ عنہ نے اور انہیں نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے یہی حدیث بیان کی ، شعبہ نے کہا کہ جب حکم نے بھی مجھ سے یہ حدیث بیان کر دی تو پھر عبدالملک بن عمیر کی روایت پر مجھکو اعتماد ہو گیا کیونکہ عبدالملک کا حافظہ آخر میں بگڑ گیا تھا شعبہ کو صرف اس کی روایت پر بھروسہ نہ رہا ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [5708] .

     قَوْلُهُ  عَن عبد الْملك هُوَ بن عُمَيْرٍ وَصَرَّحَ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ هُوَ الْمَخْزُومِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ سَعِيدَ بن زيد أَي بن عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيِّ أَحَدَ الْعَشَرَةِ وَعُمَرُ بن الْخطاب بن نفَيْل بن عَمِّ أَبِيهِ كَذَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَخَالَفَهُمْ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْهُ فَقَالَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنده وبن السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ.

     وَقَالَ  فِي الْعِلَلِ الصَّوَابُ رِوَايَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ.

     وَقَالَ  بن السَّكَنِ أَظُنُّ عَبْدَ الْوَارِثِ أَخْطَأَ فِيهِ وَقِيلَ كَانَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ تَزَوَّجَ أُمَّ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي وَأَرَادَ زَوْجَ أُمِّهِ مَجَازًا فَظَنَّهُ الرَّاوِي أَبَاهُ حَقِيقَةً .

     قَوْلُهُ  الْكَمْأَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي الْعَامَّةِ مَنْ لَا يَهْمِزُهُ وَاحِدَةُ الْكَمْءِ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ ثمَّ همزَة مثل تَمْرَة وتمر وَعكس بن الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ الْكَمْأَةُ الْجَمْعُ وَالْكَمْءُ الْوَاحِدُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ وَلَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِهِمْ نَظِيرُ هَذَا سِوَى خَبْأَةٍ وَخَبْءٍ وَقِيلَ الْكَمْأَةُ قد تطلق على الْوَاحِد وَعَلَى الْجَمْعِ وَقَدْ جَمَعُوهَا عَلَى أَكْمُؤٍ قَالَ الشَّاعِرُ وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَسَاقِلَا وَالْعَسَاقِلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَقَافٍ وَلَامٍ الشَّرَابُ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَكْمُؤَ مَحَلُّ وِجْدَانِهَا الْفَلَوَاتُ وَالْكَمْأَةُ نَبَاتٌ لَا وَرَقَ لَهَا وَلَا سَاقَ تُوجَدُ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُزْرَعَ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِتَارِهَا يُقَالُ كَمَأَ الشَّهَادَةَ إِذَا كَتَمَهَا وَمَادَّةُ الكمأة من جَوْهَر أرضي بُخَارَى يَحْتَقِنُ نَحْوَ سَطْحِ الْأَرْضِ بِبَرْدِ الشِّتَاءِ وَيُنَمِّيهِ مَطَرُ الرَّبِيعِ فَيَتَوَلَّدُ وَيَنْدَفِعُ مُتَجَسِّدًا وَلِذَلِكَ كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يُسَمِّيهَا جُدَرِيَّ الْأَرْضِ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْجُدَرِيِّ مَادَّةً وَصُورَةً لِأَنَّ مَادَّتَهُ رُطُوبَةٌ دَمَوِيَّةٌ تَنْدَفِعُ غَالِبًا عِنْدَ التَّرَعْرُعِ وَفِي ابْتِدَاءِ اسْتِيلَاءِ الْحَرَارَةِ وَنَمَاءِ الْقُوَّةِ وَمُشَابَهَتُهَا لَهُ فِي الصُّورَةِ ظَاهِرٌ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا الْكَمْأَةُ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الْحَدِيثَ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ بن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَثُرَتِ الْكَمْأَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَامْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْ أَكْلِهَا وَقَالُوا هِيَ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ فَبَلَغَهُ ذَلِكَفَقَالَ إِنَّ الْكَمْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ جُدَرِيِّ الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ الْكَمْأَةَ مِنَ الْمَنِّ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْكَمْأَةَ أَيْضًا بَنَاتَ الرَّعْدِ لِأَنَّهَا تَكْثُرُ بِكَثْرَتِهِ ثُمَّ تَنْفَطِرُ عَنْهَا الْأَرْضُ وَهِيَ كَثِيرَةٌ بِأَرْضِ الْعَرَبِ وَتُوجَدُ بِالشَّامِ وَمِصْرَ فَأَجْوَدهَا مَا كَانَتْ أَرْضُهُ رَمْلَةٌ قَلِيلَةُ الْمَاءِ وَمِنْهَا صِنْفٌ قَتَّالٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إِلَى الْحُمْرَةِ وَهِيَ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ فِي الثَّانِيَةِ رَدِيئَةٌ لِلْمَعِدَةِ بَطِيئَةُ الْهَضْمِ وَإِدْمَانُ أَكْلِهَا يُورِثُ الْقُولَنْجَ وَالسَّكْتَةَ وَالْفَالِجَ وَعُسْرَ الْبَوْلِ وَالرَّطْبُ مِنْهَا أَقَلُّ ضَرَرًا مِنَ الْيَابِسِ وَإِذَا دُفِنَتْ فِي الطِّينِ الرَّطْبِ ثُمَّ سُلِقَتْ بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالسَّعْتَرِ وَأُكِلَتْ بِالزَّيْتِ وَالتَّوَابِلِ الْحَارَّةِ قَلَّ ضَرَرُهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهَا جَوْهَرُ مَائِيٍّ لَطِيفٍ بِدَلِيلِ خِفَّتِهَا فَلِذَلِكَ كَانَ مَاؤُهَا شِفَاءً لِلْعَيْنِ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْمَنِّ قِيلَ فِي الْمُرَادُ بِالْمَنِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ الطَّلُّ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ فَيُجْمَعُ وَيُؤْكَلُ حُلْوًا وَمِنْهُ التَّرَنْجَبِينُ فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ بِهِ الْكَمْأَةَ بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَفْوًا بِغَيْرِ عِلَاجٍ.

.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَذَكَرْتُ مَنْ زَادَ فِي مَتْنِ هَذَا الْحَدِيثِ الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهَا مِنَ الْمَنِّ الَّذِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ عَفْوًا بِغَيْرِ عِلَاجٍ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا نَوْعٌ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنَّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ كَالتَّرَنْجَبِينِ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ الْكَمْأَةَ شَيْءٌ يَنْبُتُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ بِبَذْرٍ وَلَا سَقْيٍ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَنِّ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَقَعُ عَلَى الشَّجَرِ فَيَتَنَاوَلُونَهُ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ أَنْوَاعًا مِنْهَا مَا يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ وَمِنْهَا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ فَتَكُونُ الْكَمْأَةُ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ فَقَالُوا إِنَّ الْمَنَّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ هُوَ مَا يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ فَقَطْ بَلْ كَانَ أَنْوَاعًا مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِهَا مِنَ النَّبَاتِ الَّذِي يُوجَدُ عَفْوًا وَمِنَ الطَّيْرِ الَّتِي تَسْقُطُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ اصْطِيَادٍ وَمِنَ الطَّلِّ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ وَالْمَنُّ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ مَمْنُونٌ بِهِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ فِيهِ شَائِبَةُ كَسْبٍ كَانَ مَنًّا مَحْضًا وَإِنْ كَانَتْ جَمِيعُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبِيدِهِ مَنًّا مِنْهُ عَلَيْهِمْ لَكِنْ خُصَّ هَذَا بِاسْمِ الْمَنِّ لِكَوْنِهِ لَا صُنْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قوتهم فِي التبه الْكَمْأَةَ وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَ الْخُبْزِ وَأُدُمُهُمُ السَّلْوَى وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَ اللَّحْمِ وَحَلْوَاهُمُ الطَّلُّ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى الشَّجَرِ فَكَمَّلَ بِذَلِكَ عَيْشَهُمْ وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَنِّ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ فَالتَّرَنْجَبِينُ كَذَلِكَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَنِّ وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَنِّ عَلَيْهِ عُرْفًا اه وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا .

     قَوْلُهُ مْ لَنْ نَصْبِرَ على طَعَام وَاحِد لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَحْدَةِ دَوَامُ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ تَبَدُّلٍ وَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَطْعُومُ أَصْنَافًا لَكِنَّهَا لَا تَتَبَدَّلُ أَعْيَانُهَا .

     قَوْلُهُ  وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي مِنَ الْعَيْنِ أَيْ شِفَاءٌ مِنْ دَاءِ الْعَيْنِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا اخْتَصَّتِ الْكَمْأَةُ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِأَنَّهَا مِنَ الْحَلَالِ الْمَحْضِ الَّذِي لَيْسَ فِي اكْتِسَابِهِ شُبْهَةٌ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْحَلَالِ الْمَحْضِ يَجْلُو الْبَصَر وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ قَالَ بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمُرَادِ بِكَوْنِهَا شِفَاءً لِلْعَيْنِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَاؤُهَا حَقِيقَةً إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ صِرْفًا فِي الْعَيْنِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ عَلَى رَأْيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُخْلَطُ فِي الْأَدْوِيَةِ الَّتِي يُكْتَحَلُ بِهَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ وَيُصَدِّقُ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ بَعْضَ الْأَطِبَّاءِ قَالُوا أَكْلُ الْكَمْأَةِ يَجْلُو الْبَصَرَ ثَانِيهُمَا أَنْ تُؤْخَذَ فَتُشَقُّ وَتُوضَعُ عَلَى الْجَمْرِ حَتَّى يَغْلِيَ مَاؤُهَا ثُمَّ يُؤْخَذُ الْمِيلُ فَيُجْعَلُ فِي ذَلِكَ الشِّقِّ وَهُوَ فَاتِرٌ فَيُكْتَحَلُ بِمَائِهَا لِأَنَّ النَّارَ تُلَطِّفُهُ وَتُذْهِبُ فَضَلَاتَهُ الرَّدِيئَةَ وَيَبْقَى النَّافِعُ مِنْهُ وَلَا يُجْعَلُ الْمِيلُ فِي مَائِهَاوَهِيَ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ فَلَا يَنْجَعُ وَقَدْ حَكَى إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنْ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ أَنَّهُمَا اشْتَكَتْ أَعْيُنُهُمَا فَأَخَذَا كَمْأَةً وَعَصَرَاهَا وَاكْتَحَلَا بِمَائِهَا فَهَاجَتْ أَعْيُنُهُمَا وَرَمِدَا قَالَ بن الْجَوْزِيِّ وَحَكَى شَيْخُنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ عَصَرَ مَاءَ كَمْأَةٍ فَاكْتَحَلَ بِهِ فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ مَاؤُهَا الَّذِي تَنْبُتُ بِهِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَطَرٍ يَقَعُ فِي الْأَرْضِ فَتُرَبَّى بِهِ الْأَكْحَالُ حَكَاهُ بن الْجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي أَيْضًا فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إِضَافَةَ الْكُلِّ لَا إِضَافَةَ جُزْء قَالَ بن الْقَيِّمِ وَهَذَا أَضْعَفُ الْوُجُوهِ.

.

قُلْتُ وَفِيمَا ادَّعَاهُ بن الْجَوْزِيِّ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ صِرْفًا نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الطِّبِّ فِي التَّدَاوِي بِمَاءِ الْكَمْأَةِ تَفْصِيلًا وَهُوَ إِنْ كَانَ لِتَبْرِيدِ مَا يَكُونُ بِالْعَيْنِ مِنَ الْحَرَارَةِ فَتُسْتَعْمَلُ مُفْرَدَةً وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِك فتستعمل مركبة وَبِهَذَا جزم بن الْعَرَبِيِّ فَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفَعُ بِصُورَتِهِ فِي حَالٍ وَبِإِضَافَتِهِ فِي أُخْرَى وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ فَوُجِدَ صَحِيحًا نَعَمْ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِمَا قَالَ بن الْجَوْزِيِّ فَقَالَ تُرَبَّى بِهَا التُّوتِيَاءُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَكْحَالِ قَالَ وَلَا تُسْتَعْمَلُ صِرْفًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْعَيْنَ.

     وَقَالَ  الْغَافِقِيُّ فِي الْمُفْرَدَاتِ مَاءُ الْكَمْأَةِ أَصْلَحُ الْأَدْوِيَةِ لِلْعَيْنِ إِذَا عُجِنَ بِهِ الْإِثْمِدُ وَاكْتُحِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الْجَفْنَ وَيَزِيدُ الرُّوحَ الْبَاصِرَ حِدَّةً وَقُوَّةً وَيَدْفَعُ عَنْهَا النَّوَازِلَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ مَاءَهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ مُطْلَقًا فَيُعْصَرُ مَاؤُهَا وَيُجْعَلُ فِي الْعَيْنِ مِنْهُ قَالَ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا وَغَيْرِي فِي زَمَانِنَا مَنْ كَانَ عَمِيَ وَذَهَبَ بَصَرُهُ حَقِيقَةً فَكَحَّلَ عَيْنَهُ بِمَاءِ الْكَمْأَةِ مُجَرَّدًا فَشُفِيَ وَعَادَ إِلَيْهِ بَصَرُهُ وَهُوَ الشَّيْخُ الْعَدْلُ الْأَمِينُ الْكَمَالُ بْنُ عَبْدٍ الدِّمَشْقِيُّ صَاحِبُ صَلَاحٍ وَرِوَايَةٍ فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ لِمَاءِ الْكَمْأَةِ اعْتِقَادًا فِي الْحَدِيثِ وَتَبَرُّكًا بِهِ فَنَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ.

.

قُلْتُ الْكَمَالُ الْمَذْكُورُ هُوَ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ الْخَضِرِ يُعْرَفُ بِابْنِ عَبْدٍ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ الْحَارِثِيُّ الدِّمَشْقِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي طَاهِرٍ الْخُشُوعِيِّ سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِ شُيُوخِنَا عَاشَ ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سَنَةً وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ قَبْلَ النَّوَوِيِّ بِأَرْبَعِ سِنِينَ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةَ اعْتِقَادٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَالْعَمَلِ بِهِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ وَهُوَ يُنَافِي قَوْلَهُ أَوَّلًا مُطْلَقًا وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى قَتَادَةَ قَالَ حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَخَذْتُ ثَلَاثَةَ أَكْمُؤٍ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَعَصَرْتُهُنَّ فَجَعَلْتُ مَاءَهُنَّ فِي قَارُورَةٍ فَكَحَّلْتُ بِهِ جَارِيَةً لِي فبرئت.

     وَقَالَ  بن الْقَيِّمِ اعْتَرَفَ فُضَلَاءُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ مَاءَ الْكَمْأَةِ يجلو الْعين مِنْهُم المسبحي وبن سِينَا وَغَيْرُهُمَا وَالَّذِي يُزِيلُ الْإِشْكَالَ عَنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الْكَمْأَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ خُلِقَتْ فِي الْأَصْلِ سَلِيمَةً مِنَ الْمَضَارِّ ثُمَّ عَرَضَتْ لَهَا الْآفَاتُ بِأُمُورٍ أُخْرَى مِنْ مُجَاوَرَةٍ أَوِ امْتِزَاجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَالْكَمْأَةُ فِي الْأَصْلِ نَافِعَةٌ لِمَا اخْتَصَّتْ بِهِ مِنْ وَصْفِهَا بِأَنَّهَا مِنَ اللَّهِ وَإِنَّمَا عَرَضَتْ لَهَا الْمَضَارُّ بِالْمُجَاوَرَةِ وَاسْتِعْمَالُ كُلِّ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ بِصِدْقٍ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ وَيَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُ الضَّرَرَ بِنِيَّتِهِ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  شُعْبَةُ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِوَاوٍ فِي أَوَّلِهِ وَصُورَتُهُ صُورَةُ التَّعْلِيقِ وَسَقَطَتِ الْوَاوُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّهُ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَأَعَادَ الْإِسْنَادَ مِنْ أَوَّلِهِ لِلطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ وَكَذَا أَوْرَدَهُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بالإسنادين مَعًا قَوْله وَأَخْبرنِي الحكم هُوَ بن عتيبة بمثناة ثمَّ مُوَحدَة مصغر وَالْحَسَنُ الْعُرَنِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا نون هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ كُوفِيٌّ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَالْعجلِي وبن سعد.

     وَقَالَ  بن مَعِينٍ صَدُوقٌ.

.

قُلْتُ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ شُعْبَةُ لَمَّا حَدَّثَنِي بِهِ الْحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ كَبِرَ وَتَغَيَّرَ حِفْظُهُ فَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ شُعْبَةَ توقف فِيهِفَلَمَّا تَابَعَهُ الْحَكَمُ بِرِوَايَتِهِ ثَبَتَ عِنْدَ شُعْبَةَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَانْتَفَى عَنْهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ وَقَدْ تَكَلَّفَ الْكِرْمَانِيُّ لِتَوْجِيهِ كَلَامِ شُعْبَةَ أَشْيَاءَ فِيهَا نَظَرٌ أَحَدُهَا أَنَّ الْحَكَمَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ عَنْعَنَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ سَمِعْتُهُ فَلَمَّا تَقَوَّى بِرِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمْ يَبْقَ بِهِ مَحَلٌّ لِلْإِنْكَارِ.

.

قُلْتُ شُعْبَةُ مَا كَانَ يَأْخُذُ عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ ذَكَرَ عَنْهُمُ التَّدْلِيسَ إِلَّا مَا يَتَحَقَّقُ سَمَاعُهُمْ فِيهِ وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ بِبُعْدِ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ كَانَ يَلْزَمُ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ يَقُولَ لَمَّا حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُلْكِ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ ثَانِيهَا لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ مَنْكُورًا لِي لِأَنِّي كُنْتُ أَحْفَظُهُ ثَالِثُهَا يَحْتَمِلُ الْعَكْسُ بِأَنْ يُرَادَ لَمْ يُنْكِرْ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَدْ سَاقَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الطَّرِيقَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى عَنِ الْحَكَمِ وَوَقَعَ عِنْدَهُ فِي الْمَتْنِ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَفِي لَفْظِ عَلَى مُوسَى وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى مَا فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنَ الْفَائِدَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ( قَولُهُ بَابُ اللَّدُودِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُصَبُّ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ فَمِ الْمَرِيضِ وَاللُّدُودُ بِالضَّمِّ الْفِعْلُ وَلَدَدَتَ الْمَرِيضَ فَعَلْتَ ذَلِك بِهِ وَتقدم شرح الحَدِيث الأول مُسْتَوْفًى فِي بَابِ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانُ مَا لَدُّوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ وَبَيَانُ مَنْ عُرِفَ اسْمُهُ مِمَّنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ وَلُدَّ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي بَابِ الْعُذْرَةِ قَرِيبًا( قَولُهُ بَابُ كَذَا) لَهُمْ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ وَمِنْ قَبْلِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِيهِ فِي الطَّهَارَة وَقد اسْتشْكل بن بَطَّالٍ مُنَاسَبَةَ حَدِيثِ هَذَا الْبَابِ لِتَرْجَمَةِ الَّذِي قَبْلَهُ بَعْدَ أَنْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْبَابَ إِذَا كَانَ بِلَا تَرْجَمَةٍ يَكُونُ كَالْفَصْلِ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُفْعَلُ بِالْمَرِيضِ بِأَمْرِهِ لَا يَلْزَمُ فَاعِلَ ذَلِكَ لَوْمٌ وَلَا قِصَاصٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَهُ بِخِلَافِ مَا نَهَى عَنْهُ أَنْ لَا يُفْعَلَ بِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ جِنَايَةٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقِصَاصُ.

.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى بُعْدَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَرَّبَ بِأَنْ يُقَالَ أَوَّلًا إِنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ عَائِشَةَ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا اتَّفَقَ لَهُ فِيهِ وَاحِدٌ ذَكَرَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ تَامًّا وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِهِ وَقِصَّةُ اللُّدُودِ كَانَتْ عِنْدَمَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قِصَّةُ السَّبْعِ قِرَبٍ لَكِنَّ اللُّدُودَ كَانَ نَهَى عَنْهُ وَلِذَلِكَ عَاتَبَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّبِّ فَإِنَّهُ كَانَ أَمَرَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا كَانَ عَارِفًا لَا يُكْرَهُ عَلَى تَنَاوُلِ شَيْءٍ يَنْهَى عَنْهُ وَلَا يُمْنَعُ من شَيْء يَأْمر بِهِ قَولُهُ بَابُ الْعُذْرَةِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ وَجَعُ الْحَلْقِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى سُقُوط اللهاةوَقِيلَ هُوَ اسْمُ اللَّهَاةِ وَالْمُرَادُ وَجَعُهَا سُمِّيَ بِاسْمِهَا وَقِيلَ هُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهَاةِ وَاللَّهَاةُ بِفَتْحِ اللَّامِ اللَّحْمَةِ الَّتِي فِي أَقْصَى الْحَلْقِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الْمَنِّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ شِفَاءٌ مِنَ الْعَيْنِ وَعَلَيْهَا شرح بن بَطَّالٍ وَيَأْتِي تَوْجِيهُهَا وَفِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بالمن فِي حَدِيث الْبَاب الصِّنْف الْمَخْصُوص وَمن الْمَأْكُولِ لَا الْمَصْدَرُ الَّذِي بِمَعْنَى الِامْتِنَانِ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْمَنِّ شِفَاءٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ أَنَّ الْكَمْأَةَ مِنْهُ وَفِيهَا شِفَاءٌ فَإِذَا ثَبَتَ الْوَصْفُ لِلْفَرْعِ كَانَ ثُبُوتُهُ لِلْأَصْلِ أَوْلَى

[ قــ :5404 ... غــ :5708] .

     قَوْلُهُ  عَن عبد الْملك هُوَ بن عُمَيْرٍ وَصَرَّحَ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ هُوَ الْمَخْزُومِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ سَعِيدَ بن زيد أَي بن عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيِّ أَحَدَ الْعَشَرَةِ وَعُمَرُ بن الْخطاب بن نفَيْل بن عَمِّ أَبِيهِ كَذَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَخَالَفَهُمْ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْهُ فَقَالَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنده وبن السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ.

     وَقَالَ  فِي الْعِلَلِ الصَّوَابُ رِوَايَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ.

     وَقَالَ  بن السَّكَنِ أَظُنُّ عَبْدَ الْوَارِثِ أَخْطَأَ فِيهِ وَقِيلَ كَانَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ تَزَوَّجَ أُمَّ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي وَأَرَادَ زَوْجَ أُمِّهِ مَجَازًا فَظَنَّهُ الرَّاوِي أَبَاهُ حَقِيقَةً .

     قَوْلُهُ  الْكَمْأَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي الْعَامَّةِ مَنْ لَا يَهْمِزُهُ وَاحِدَةُ الْكَمْءِ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ ثمَّ همزَة مثل تَمْرَة وتمر وَعكس بن الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ الْكَمْأَةُ الْجَمْعُ وَالْكَمْءُ الْوَاحِدُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ وَلَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِهِمْ نَظِيرُ هَذَا سِوَى خَبْأَةٍ وَخَبْءٍ وَقِيلَ الْكَمْأَةُ قد تطلق على الْوَاحِد وَعَلَى الْجَمْعِ وَقَدْ جَمَعُوهَا عَلَى أَكْمُؤٍ قَالَ الشَّاعِرُ وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَسَاقِلَا وَالْعَسَاقِلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَقَافٍ وَلَامٍ الشَّرَابُ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَكْمُؤَ مَحَلُّ وِجْدَانِهَا الْفَلَوَاتُ وَالْكَمْأَةُ نَبَاتٌ لَا وَرَقَ لَهَا وَلَا سَاقَ تُوجَدُ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُزْرَعَ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِتَارِهَا يُقَالُ كَمَأَ الشَّهَادَةَ إِذَا كَتَمَهَا وَمَادَّةُ الكمأة من جَوْهَر أرضي بُخَارَى يَحْتَقِنُ نَحْوَ سَطْحِ الْأَرْضِ بِبَرْدِ الشِّتَاءِ وَيُنَمِّيهِ مَطَرُ الرَّبِيعِ فَيَتَوَلَّدُ وَيَنْدَفِعُ مُتَجَسِّدًا وَلِذَلِكَ كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يُسَمِّيهَا جُدَرِيَّ الْأَرْضِ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْجُدَرِيِّ مَادَّةً وَصُورَةً لِأَنَّ مَادَّتَهُ رُطُوبَةٌ دَمَوِيَّةٌ تَنْدَفِعُ غَالِبًا عِنْدَ التَّرَعْرُعِ وَفِي ابْتِدَاءِ اسْتِيلَاءِ الْحَرَارَةِ وَنَمَاءِ الْقُوَّةِ وَمُشَابَهَتُهَا لَهُ فِي الصُّورَةِ ظَاهِرٌ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا الْكَمْأَةُ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الْحَدِيثَ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ بن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَثُرَتِ الْكَمْأَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَامْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْ أَكْلِهَا وَقَالُوا هِيَ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ الْكَمْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ جُدَرِيِّ الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ الْكَمْأَةَ مِنَ الْمَنِّ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْكَمْأَةَ أَيْضًا بَنَاتَ الرَّعْدِ لِأَنَّهَا تَكْثُرُ بِكَثْرَتِهِ ثُمَّ تَنْفَطِرُ عَنْهَا الْأَرْضُ وَهِيَ كَثِيرَةٌ بِأَرْضِ الْعَرَبِ وَتُوجَدُ بِالشَّامِ وَمِصْرَ فَأَجْوَدهَا مَا كَانَتْ أَرْضُهُ رَمْلَةٌ قَلِيلَةُ الْمَاءِ وَمِنْهَا صِنْفٌ قَتَّالٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إِلَى الْحُمْرَةِ وَهِيَ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ فِي الثَّانِيَةِ رَدِيئَةٌ لِلْمَعِدَةِ بَطِيئَةُ الْهَضْمِ وَإِدْمَانُ أَكْلِهَا يُورِثُ الْقُولَنْجَ وَالسَّكْتَةَ وَالْفَالِجَ وَعُسْرَ الْبَوْلِ وَالرَّطْبُ مِنْهَا أَقَلُّ ضَرَرًا مِنَ الْيَابِسِ وَإِذَا دُفِنَتْ فِي الطِّينِ الرَّطْبِ ثُمَّ سُلِقَتْ بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالسَّعْتَرِ وَأُكِلَتْ بِالزَّيْتِ وَالتَّوَابِلِ الْحَارَّةِ قَلَّ ضَرَرُهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهَا جَوْهَرُ مَائِيٍّ لَطِيفٍ بِدَلِيلِ خِفَّتِهَا فَلِذَلِكَ كَانَ مَاؤُهَا شِفَاءً لِلْعَيْنِ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْمَنِّ قِيلَ فِي الْمُرَادُ بِالْمَنِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ الطَّلُّ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ فَيُجْمَعُ وَيُؤْكَلُ حُلْوًا وَمِنْهُ التَّرَنْجَبِينُ فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ بِهِ الْكَمْأَةَ بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَفْوًا بِغَيْرِ عِلَاجٍ.

.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَذَكَرْتُ مَنْ زَادَ فِي مَتْنِ هَذَا الْحَدِيثِ الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهَا مِنَ الْمَنِّ الَّذِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ عَفْوًا بِغَيْرِ عِلَاجٍ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا نَوْعٌ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنَّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ كَالتَّرَنْجَبِينِ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ الْكَمْأَةَ شَيْءٌ يَنْبُتُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ بِبَذْرٍ وَلَا سَقْيٍ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَنِّ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَقَعُ عَلَى الشَّجَرِ فَيَتَنَاوَلُونَهُ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ أَنْوَاعًا مِنْهَا مَا يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ وَمِنْهَا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ فَتَكُونُ الْكَمْأَةُ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ فَقَالُوا إِنَّ الْمَنَّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ هُوَ مَا يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ فَقَطْ بَلْ كَانَ أَنْوَاعًا مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِهَا مِنَ النَّبَاتِ الَّذِي يُوجَدُ عَفْوًا وَمِنَ الطَّيْرِ الَّتِي تَسْقُطُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ اصْطِيَادٍ وَمِنَ الطَّلِّ الَّذِي يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ وَالْمَنُّ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ مَمْنُونٌ بِهِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ فِيهِ شَائِبَةُ كَسْبٍ كَانَ مَنًّا مَحْضًا وَإِنْ كَانَتْ جَمِيعُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبِيدِهِ مَنًّا مِنْهُ عَلَيْهِمْ لَكِنْ خُصَّ هَذَا بِاسْمِ الْمَنِّ لِكَوْنِهِ لَا صُنْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قوتهم فِي التبه الْكَمْأَةَ وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَ الْخُبْزِ وَأُدُمُهُمُ السَّلْوَى وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَ اللَّحْمِ وَحَلْوَاهُمُ الطَّلُّ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى الشَّجَرِ فَكَمَّلَ بِذَلِكَ عَيْشَهُمْ وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَنِّ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ فَالتَّرَنْجَبِينُ كَذَلِكَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَنِّ وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَنِّ عَلَيْهِ عُرْفًا اه وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا .

     قَوْلُهُ مْ لَنْ نَصْبِرَ على طَعَام وَاحِد لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَحْدَةِ دَوَامُ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ تَبَدُّلٍ وَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَطْعُومُ أَصْنَافًا لَكِنَّهَا لَا تَتَبَدَّلُ أَعْيَانُهَا .

     قَوْلُهُ  وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي مِنَ الْعَيْنِ أَيْ شِفَاءٌ مِنْ دَاءِ الْعَيْنِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا اخْتَصَّتِ الْكَمْأَةُ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِأَنَّهَا مِنَ الْحَلَالِ الْمَحْضِ الَّذِي لَيْسَ فِي اكْتِسَابِهِ شُبْهَةٌ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْحَلَالِ الْمَحْضِ يَجْلُو الْبَصَر وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ قَالَ بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمُرَادِ بِكَوْنِهَا شِفَاءً لِلْعَيْنِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَاؤُهَا حَقِيقَةً إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ صِرْفًا فِي الْعَيْنِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ عَلَى رَأْيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُخْلَطُ فِي الْأَدْوِيَةِ الَّتِي يُكْتَحَلُ بِهَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ وَيُصَدِّقُ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ بَعْضَ الْأَطِبَّاءِ قَالُوا أَكْلُ الْكَمْأَةِ يَجْلُو الْبَصَرَ ثَانِيهُمَا أَنْ تُؤْخَذَ فَتُشَقُّ وَتُوضَعُ عَلَى الْجَمْرِ حَتَّى يَغْلِيَ مَاؤُهَا ثُمَّ يُؤْخَذُ الْمِيلُ فَيُجْعَلُ فِي ذَلِكَ الشِّقِّ وَهُوَ فَاتِرٌ فَيُكْتَحَلُ بِمَائِهَا لِأَنَّ النَّارَ تُلَطِّفُهُ وَتُذْهِبُ فَضَلَاتَهُ الرَّدِيئَةَ وَيَبْقَى النَّافِعُ مِنْهُ وَلَا يُجْعَلُ الْمِيلُ فِي مَائِهَا وَهِيَ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ فَلَا يَنْجَعُ وَقَدْ حَكَى إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنْ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ أَنَّهُمَا اشْتَكَتْ أَعْيُنُهُمَا فَأَخَذَا كَمْأَةً وَعَصَرَاهَا وَاكْتَحَلَا بِمَائِهَا فَهَاجَتْ أَعْيُنُهُمَا وَرَمِدَا قَالَ بن الْجَوْزِيِّ وَحَكَى شَيْخُنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ عَصَرَ مَاءَ كَمْأَةٍ فَاكْتَحَلَ بِهِ فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ مَاؤُهَا الَّذِي تَنْبُتُ بِهِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَطَرٍ يَقَعُ فِي الْأَرْضِ فَتُرَبَّى بِهِ الْأَكْحَالُ حَكَاهُ بن الْجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي أَيْضًا فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إِضَافَةَ الْكُلِّ لَا إِضَافَةَ جُزْء قَالَ بن الْقَيِّمِ وَهَذَا أَضْعَفُ الْوُجُوهِ.

.

قُلْتُ وَفِيمَا ادَّعَاهُ بن الْجَوْزِيِّ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ صِرْفًا نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الطِّبِّ فِي التَّدَاوِي بِمَاءِ الْكَمْأَةِ تَفْصِيلًا وَهُوَ إِنْ كَانَ لِتَبْرِيدِ مَا يَكُونُ بِالْعَيْنِ مِنَ الْحَرَارَةِ فَتُسْتَعْمَلُ مُفْرَدَةً وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِك فتستعمل مركبة وَبِهَذَا جزم بن الْعَرَبِيِّ فَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفَعُ بِصُورَتِهِ فِي حَالٍ وَبِإِضَافَتِهِ فِي أُخْرَى وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ فَوُجِدَ صَحِيحًا نَعَمْ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِمَا قَالَ بن الْجَوْزِيِّ فَقَالَ تُرَبَّى بِهَا التُّوتِيَاءُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَكْحَالِ قَالَ وَلَا تُسْتَعْمَلُ صِرْفًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْعَيْنَ.

     وَقَالَ  الْغَافِقِيُّ فِي الْمُفْرَدَاتِ مَاءُ الْكَمْأَةِ أَصْلَحُ الْأَدْوِيَةِ لِلْعَيْنِ إِذَا عُجِنَ بِهِ الْإِثْمِدُ وَاكْتُحِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الْجَفْنَ وَيَزِيدُ الرُّوحَ الْبَاصِرَ حِدَّةً وَقُوَّةً وَيَدْفَعُ عَنْهَا النَّوَازِلَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ مَاءَهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ مُطْلَقًا فَيُعْصَرُ مَاؤُهَا وَيُجْعَلُ فِي الْعَيْنِ مِنْهُ قَالَ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا وَغَيْرِي فِي زَمَانِنَا مَنْ كَانَ عَمِيَ وَذَهَبَ بَصَرُهُ حَقِيقَةً فَكَحَّلَ عَيْنَهُ بِمَاءِ الْكَمْأَةِ مُجَرَّدًا فَشُفِيَ وَعَادَ إِلَيْهِ بَصَرُهُ وَهُوَ الشَّيْخُ الْعَدْلُ الْأَمِينُ الْكَمَالُ بْنُ عَبْدٍ الدِّمَشْقِيُّ صَاحِبُ صَلَاحٍ وَرِوَايَةٍ فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ لِمَاءِ الْكَمْأَةِ اعْتِقَادًا فِي الْحَدِيثِ وَتَبَرُّكًا بِهِ فَنَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ.

.

قُلْتُ الْكَمَالُ الْمَذْكُورُ هُوَ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ الْخَضِرِ يُعْرَفُ بِابْنِ عَبْدٍ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ الْحَارِثِيُّ الدِّمَشْقِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي طَاهِرٍ الْخُشُوعِيِّ سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِ شُيُوخِنَا عَاشَ ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سَنَةً وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ قَبْلَ النَّوَوِيِّ بِأَرْبَعِ سِنِينَ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةَ اعْتِقَادٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَالْعَمَلِ بِهِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ وَهُوَ يُنَافِي قَوْلَهُ أَوَّلًا مُطْلَقًا وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى قَتَادَةَ قَالَ حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَخَذْتُ ثَلَاثَةَ أَكْمُؤٍ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَعَصَرْتُهُنَّ فَجَعَلْتُ مَاءَهُنَّ فِي قَارُورَةٍ فَكَحَّلْتُ بِهِ جَارِيَةً لِي فبرئت.

     وَقَالَ  بن الْقَيِّمِ اعْتَرَفَ فُضَلَاءُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ مَاءَ الْكَمْأَةِ يجلو الْعين مِنْهُم المسبحي وبن سِينَا وَغَيْرُهُمَا وَالَّذِي يُزِيلُ الْإِشْكَالَ عَنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الْكَمْأَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ خُلِقَتْ فِي الْأَصْلِ سَلِيمَةً مِنَ الْمَضَارِّ ثُمَّ عَرَضَتْ لَهَا الْآفَاتُ بِأُمُورٍ أُخْرَى مِنْ مُجَاوَرَةٍ أَوِ امْتِزَاجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَالْكَمْأَةُ فِي الْأَصْلِ نَافِعَةٌ لِمَا اخْتَصَّتْ بِهِ مِنْ وَصْفِهَا بِأَنَّهَا مِنَ اللَّهِ وَإِنَّمَا عَرَضَتْ لَهَا الْمَضَارُّ بِالْمُجَاوَرَةِ وَاسْتِعْمَالُ كُلِّ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ بِصِدْقٍ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ وَيَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُ الضَّرَرَ بِنِيَّتِهِ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  شُعْبَةُ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِوَاوٍ فِي أَوَّلِهِ وَصُورَتُهُ صُورَةُ التَّعْلِيقِ وَسَقَطَتِ الْوَاوُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّهُ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَأَعَادَ الْإِسْنَادَ مِنْ أَوَّلِهِ لِلطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ وَكَذَا أَوْرَدَهُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بالإسنادين مَعًا قَوْله وَأَخْبرنِي الحكم هُوَ بن عتيبة بمثناة ثمَّ مُوَحدَة مصغر وَالْحَسَنُ الْعُرَنِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا نون هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ كُوفِيٌّ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَالْعجلِي وبن سعد.

     وَقَالَ  بن مَعِينٍ صَدُوقٌ.

.

قُلْتُ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ شُعْبَةُ لَمَّا حَدَّثَنِي بِهِ الْحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ كَبِرَ وَتَغَيَّرَ حِفْظُهُ فَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ شُعْبَةَ توقف فِيهِ فَلَمَّا تَابَعَهُ الْحَكَمُ بِرِوَايَتِهِ ثَبَتَ عِنْدَ شُعْبَةَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَانْتَفَى عَنْهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ وَقَدْ تَكَلَّفَ الْكِرْمَانِيُّ لِتَوْجِيهِ كَلَامِ شُعْبَةَ أَشْيَاءَ فِيهَا نَظَرٌ أَحَدُهَا أَنَّ الْحَكَمَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ عَنْعَنَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ سَمِعْتُهُ فَلَمَّا تَقَوَّى بِرِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمْ يَبْقَ بِهِ مَحَلٌّ لِلْإِنْكَارِ.

.

قُلْتُ شُعْبَةُ مَا كَانَ يَأْخُذُ عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ ذَكَرَ عَنْهُمُ التَّدْلِيسَ إِلَّا مَا يَتَحَقَّقُ سَمَاعُهُمْ فِيهِ وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ بِبُعْدِ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ كَانَ يَلْزَمُ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ يَقُولَ لَمَّا حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُلْكِ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ ثَانِيهَا لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ مَنْكُورًا لِي لِأَنِّي كُنْتُ أَحْفَظُهُ ثَالِثُهَا يَحْتَمِلُ الْعَكْسُ بِأَنْ يُرَادَ لَمْ يُنْكِرْ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَدْ سَاقَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الطَّرِيقَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى عَنِ الْحَكَمِ وَوَقَعَ عِنْدَهُ فِي الْمَتْنِ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَفِي لَفْظِ عَلَى مُوسَى وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى مَا فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنَ الْفَائِدَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الْمَنُّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ
هذا ( باب) بالتنوين ( المن شفاء للعين) أي من داء العين والمن بفتح الميم وتشديد النون كل طل بنزل من السماء على شجر أو حجر ويحلو وينعقد عسلاً ويجف جفاف الصمغ كالشيرخشت والترنجبين والمعروف بالمن ما وقع على شجر البلوط معتدل نافع للسعال الرطب والصدر والرئة، وأطلق المؤلّف على المن شفاء لأن الحديث ورد أن الكمأة منه وفيها شفاء فإذا ثبت الوصف للفرع كان ثبوته للأصل أولى.


[ قــ :5404 ... غــ : 5708 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ».

قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِىِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ شُعْبَةُ: لَمَّا حَدَّثَنِى بِهِ الْحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ قال: ( حدّثنا غندر) ولأبي ذر محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عبد الملك) بن عمير أنه ( قال: سمعت عمرو بن حريث) بفتح العين في الأوّل وضم الحاء المهملة وفتح الراء آخره مثلثة مصغرًا في الثاني المخزومي له صحبة ( قال: سمعت سعيد بن زيد) أي ابن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة المبشرة -رضي الله عنهم- ( قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( الكمأة) بفتح الكاف وسكون الميم بعدها همزة وتاء تأنيث قال في القاموس: الكمء نبات معروف وجمعه أكمؤ وكمآت أو هي اسم للجمع أو هي للواحد والكمء للجمع أو هي تكون واحدة وجمعًا وقال غيره نبات لا ورق له ولا ساق توجد في الفلوات من غير أن تزرع وهي
كثيرة بأرض المغرب وتوجد بأرض الشام ومصر وأجودها ما كانت أرضه رملة قليلة الماء وأنواعها المشهورة ثلاثة، أحدها: ما يضرب لونه إلى الحمرة وهي قتادة، والثاني يضرب إلى البياض وتسمى الفقع بفتح الفاء وكسرها وتسمى شحمة الأرض، والثالث إلى الغبرة والسواد وهي التي تؤكل وهي بأنواعها باردة رطبة في الدرجة الثانية تؤكل نيئة ومطبوخة باللحوم والأودهان والأفاوية ولما كانت الكمأة من النبات توجد عفوًّا من غير علاج ولا بذر قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( الكمأة من المن) أي الذي امتن الله به على عباده من غير مشقة وفي مسلم الكمأة من المن الذي أنزل على بني إسرائيل.

واستشكل بأن المنزل عليهم كان الترنجبين الساقط من السماء وهذا ينبت من الأرض وأجيب: باحتمال أن الذي أنزل عليهم كان أنواعًا من الله تعالى عليهم بها من النبات ومن الطير الذي يسقط عليهم من غير اصطياد ومن الطل الساقط على الشجر والمن مصدر بمعنى المفعول أي ممنون به فلما لم يكن لهم فيه شائبة كسب كان منًّا محضًا وإن كانت نعم الله على عباده منًّا منه عليهم فالكمأة فرد من أفراد المن.

( وماؤها شفاء للعين) من دائها أو مخلوطًا بدواء كالكحل والتوتيا وقيل إن كان لتبريد ما في العين من حرارة فماؤها مجرّدًا شفاء وإلاّ فمركبًا، وقال النووي: والصحيح بل الصواب أن ماءها مجرّدًا شفاء للعين مطلقًا وقد جربت أنا وغيري في زماننا ممن ذهب بصره فكحل عينه بماء الكمأة مجردًا فشفي وعاد إليه بصره وهو الشيخ العدل الكمال الدمشقي صاحب رواية في الحديث وكان استعماله لها اعتقادًا في الحديث وتبركًا به انتهى.

وقيل إن استعمالها يكون بعد شيّها واستقطار مائها لأن النار تلطفه وتنضجه وتذيب فضلاته ورطوباته الرديئة وتبقى المنافع وقيل المراد بمائها الماء الذي يحدث به من المطر وهو أوّل مطر ينزل إلى الأرض فتكون إضافة اقتران لا إضافة جزء.
قال في زاد المعاد: وهذا أبعد الوجوه وأضعفها، وفي الطب لأبي نعيم عن ابن عباس مرفوعًا: ضحكت الجنة فأخرجت الكمأة، ولأبي ذر عن المستملي: من العين.

( قال شعبة) بن الحجاج بالإسناد السابق ( وأخبرني) بالإفراد ( الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف ( ابن عتيبة) بضم العين مصغرًا أبو محمد الكندي الكوفي ( عن الحسن) بفتح الحاء ابن عبد الله ( العرني) بضم العين المهملة وفتح الراء بعدها نون الكوفي ( عن عمرو بن حريث) القرشي المخزومي الصحابي الصغير المذكور ( عن سعيد بن زيد) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال شعبة) بن الحجاج ( لما) بالتشديد ( حدّثني) بالإفراد ( به) بالحديث السابق ( الحكم) بن عتيبة ( لم أنكره من حديث عبد الملك) بن عمير قال الحافظ ابن حجر: كأنه أراد أن عبد الملك كبر وتغير حفظه فلما حدّث به شعبة توقف فيه فلما تابعه الحكم بروايته ثبت عند شعبة فلم ينكره وانتفى عنه التوقف فيه.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابٌُ المنُّ شِفاءٌ لِلْعَيْنِ) أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: الْمَنّ شِفَاء للعين، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة االأكثرين بِاللَّامِ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: شِفَاء من الْعين، وَوَجهه أَن الْمُضَاف فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره: الْمَنّ شِفَاء من دَاء الْعين مثل: { واسأل الْقرْيَة} ( يُوسُف: 82) أَي: أهل الْقرْيَة، وَلَيْسَ المُرَاد من قَوْلهم: الْمَنّ الْمصدر الَّذِي هُوَ الامتنان، بل المُرَاد بِهِ هُوَ الْعَسَل الحلو الَّذِي ينزل من السَّمَاء على شجر فَيُؤْخَذ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ ينزل من السَّمَاء على بني إِسْرَائِيل، وَوجه كَونه شِفَاء للعين أَنه يُربي بِهِ الْكحل والتوتيا وَنَحْوهمَا مِمَّا يكتحل بِهِ فينتفع بذلك، وَلَيْسَ بِأَن يكتحل بِهِ وَحده لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْعين ويقذيها.



[ قــ :5404 ... غــ :5708 ]
- حدّثنا مُحمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عبْدِ المَلِكِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرو بنَ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعيدَ بنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: الكَمْأةُ مِنَ المَنِّ وماؤها شِفاءٌ لِلْعَيْنِ.
( انْظُر الحَدِيث: 4478 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الكمأة لما كَانَت من الْمَنّ وَأَن ماءها شِفَاء للعين كَانَ الْمَنّ أَيْضا شِفَاء للعين لِأَنَّهُ الَّذِي ثَبت للفرع فثبوته للْأَصْل بِالطَّرِيقِ الأولى.
وَأما معنى كَون الكمأة من الْمَنّ فَهُوَ أَن الْمَنّ ينزل من السَّمَاء عفوا بِلَا علاج، وَكَذَلِكَ الكمأة لَا مُؤنَة فِيهَا ببذر وَلَا سقِِي، وَيُقَال: المُرَاد بِالْعينِ الَّتِي هِيَ النظرة للشَّيْء يتعجب مِنْهُ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة من روى: شِفَاء من الْعين.

وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَضمّهَا هُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر وَقد صرح بِهِ أَحْمد فِي رِوَايَته عَن غنْدر، وَعَمْرو بن حُرَيْث المَخْزُومِي الصَّحَابِيّ، وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل الْعَدوي أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ.
وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

وَقد مر الحَدِيث فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة، وَمر الْكَلَام فِيهِ من أَن الكمأة جمع وَاحِدهَا ( كمء) على غير قِيَاس، وَهُوَ من النَّوَادِر.

قَالَ شُعْبَةُ وَأَخْبرنِي الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ عنِ الحَسَنِ العُرَنِيِّ عنْ عَمْرو بنِ حُرَيْث عنْ سَعيدِ بنِ زَيْدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ شُعْبَةُ: لَمَّا حدَّثني بِهِ الحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ المَلِك.

قَوْله: ( قَالَ شُعْبَة) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر:.

     وَقَالَ  شُعْبَة، بواو الْعَطف وَصورته صُورَة التَّعْلِيق.

وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الْبابُُ، وَالْحسن العرني بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالنون هُوَ ابْن عبد الله البَجلِيّ الْكُوفِي وَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَالْعجلِي وَابْن سعد،.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين: صَدُوق وَمَاله فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْموضع.

قَوْله: ( لم أنكرهُ من حَدِيث عبد الْملك) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن عبد الْملك لما كبر وَتغَير حفظه توقف شُعْبَة فِي حَدِيثه، فَلَمَّا تَابعه الحكم فِي رِوَايَته ثَبت عِنْد شُعْبَة فَلم يُنكره، وانتفى عَنهُ التَّوَقُّف..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لم أنكرهُ، أَي: مَا أنْكرت على الحكم من جِهَة مَا حَدثنِي بِهِ عبد الْملك، وَذَلِكَ لِأَن الحكم روى مُعَنْعنًا وَعبد الْملك بِلَفْظ: سَمِعت أوَ لِأَن الحكم مُدَلّس، فَلَمَّا تقوى بِرِوَايَة عبد الْملك لم يبْق مَحل للإنكار، أَو مَعْنَاهُ: لم يكن الحَدِيث منكوراً أَي: مَجْهُولا لي من جِهَة أَنِّي كنت حفظته من عبد الْملك، فعلى الأول الضَّمِير للْحكم، وَهُوَ بِمَعْنى الْإِنْكَار، وعَلى الثَّانِي للْحَدِيث، وَهُوَ من النكرَة ضد الْمعرفَة، وَيحْتَمل الْعَكْس بِأَن يُرَاد: لم أنكر شَيْئا من حَدِيث عبد الْملك.
<