هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5469 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ ، مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ ، مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً ، وَفِي الآخَرِ دَاءً
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5469 حدثنا قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عتبة بن مسلم ، مولى بني تيم ، عن عبيد بن حنين ، مولى بني زريق ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ، ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه شفاء ، وفي الآخر داء
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Huraira:

Allah's Messenger (ﷺ) said, If a fly falls in the vessel of any of you, let him dip all of it (into the vessel) and then throw it away, for in one of its wings there is a disease and in the other there is healing (antidote for it) i e. the treatment for that disease.

":"ہم سے قتیبہ بن سعید نے بیان کیا ، انہوں نے کہا ہم سے اسماعیل بن جعفر نے بیان کیا ، انہوں نے کہا ہم سے بنی تمیم کے مولیٰ عتبہ بن مسلم نے بیان کیا ، ان سے بنی زریق کے مولیٰ عبید بن حنین نے بیان کیا اور ان سے حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا جب مکھی تم میں سے کسی کے برتن میں پڑ جائے تو پوری مکھی کو برتن میں ڈبو دے اور پھر اسے نکال کر پھینک دے کیونکہ اس کے ایک پر میں شفاء ہے اور دوسرے میں بیماری ہے ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [5782] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ هُوَ مَدَنِيٌّ وَأَبُوهُ يُكَنَّى أَبَا عُتْبَةَ وَمَا لِعُتْبَةَ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَضَى فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونَيْنِ مصغر وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  مَوْلَى بَنِي زُرَيْق بزاي ثمَّ رَاء ثمَّ قَاف مصغر وَحَكَى الْكَلَابَاذِيُّ أَنَّهُ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَن بن عُيَيْنَةَ أَنَّهُ مَوْلَى الْعَبَّاسِ وَهُوَ خَطَأٌ كَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمَا لِعُبَيْدٍ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ سوى هَذَا الحَدِيث أوردهُ فِي موضِعين .

     قَوْلُهُ  إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ قِيلَ سُمِّيَ ذُبَابًا لِكَثْرَةِ حَرَكَتِهِ وَاضْطِرَابِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى عَن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا عُمْرُ الذُّبَابِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً وَالذُّبَابُ كُلُّهُ فِي النَّارِ إِلَّا النَّحْلَ وَسَنَدُهُ لَا بَأْس بِهِ وَأخرجه بن عَدِيٍّ دُونَ أَوَّلِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ قَالَ الْجَاحِظُ كَوْنُهُ فِي النَّارِ لَيْسَ تَعْذِيبًا لَهُ بَلْ لِيُعَذَّبَ أَهْلُ النَّارِ بِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الطُّيُورِ يَلَغُ إِلَّا الذُّبَابُ.

     وَقَالَ  أَفْلَاطُونُ الذُّبَابُ أَحْرَصُ الْأَشْيَاءِ حَتَّى إِنَّهُ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُهُ وَيَتَوَلَّدُ مِنَ الْعُفُونَةِ وَلَا جَفْنَ لِلذُّبَابَةِ لِصِغَرِ حَدَقَتِهَا وَالْجَفْنُ يَصْقُلُ الْحَدَقَةَ فَالذُّبَابَةُ تَصْقُلُ بِيَدَيْهَا فَلَا تَزَالُ تمسح عينيها وَمن عَجِيب أمره أَن رجعيه يَقَعُ عَلَى الثَّوْبِ الْأَسْوَدِ أَبْيَضَ وَبِالْعَكْسِ وَأَكْثَرُ مَا يَظْهَرُ فِي أَمَاكِنِ الْعُفُونَةِ وَمَبْدَأُ خَلْقِهِ مِنْهَا ثُمَّ مِنَ التَّوَالُدِ وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الطُّيُورِ سِفَادًا رُبَّمَا بَقِيَ عَامَّةَ الْيَوْمِ عَلَى الْأُنْثَى وَيُحْكَى أَنَّ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ سَأَلَ الشَّافِعِيَّ لِأَيِّ عِلَّةٍ خُلِقَ الذُّبَابُ فَقَالَ مَذَلَّةً لِلْمُلُوكِ وَكَانَتْ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ ذُبَابَةٌ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ سَأَلَنِي وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي جَوَابٌ فَاسْتَنْبَطْتُهُ مِنَ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَالِقِيُّ ذُبَابُ النَّاسِ يَتَوَلَّدُ مِنَ الزِّبْلِ وَإِنْ أُخِذَ الذُّبَابُ الْكَبِيرُ فَقُطِعَتْ رَأْسُهَا وَحُكَّ بِجَسَدِهَا الشَّعْرَةِ الَّتِي فِي الْجَفْنِ حَكًّا شَدِيدًا أَبْرَأَتْهُ وَكَذَا دَاءُ الثَّعْلَبِ وَإِنْ مُسِحَ لَسْعَةُ الزُّنْبُورِ بِالذُّبَابِ سَكَنَ الْوَجَعُ .

     قَوْلُهُ  فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ شَرَابٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سعيد عِنْد النَّسَائِيّ وبن ماجة وَصَححهُ بن حِبَّانَ إِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِنَاءِ أَشْمَلُ وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ .

     قَوْلُهُ  فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ أَمْرُ إِرْشَادٍ لِمُقَابَلَةِ الدَّاءِ بِالدَّوَاءِ وَفِي قَوْلِهِ كُلُّهُ رَفْعُ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِغَمْسِ بَعْضِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ ثُمَّ لْيَنْزِعْهُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ فَوَقَعَ ذُبَابٌ فِي إِنَاءٍ فَقَالَ أَنَسٌ بِإِصْبَعِهِ فَغَمَسَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ.

     وَقَالَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ فَقَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَجَّحَهَا أَبُو حَاتِمٍ وَأماالدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ الطَّرِيقَانِ مُحْتَمَلَانِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّ فِي أَحَدٍ وَالْجَنَاحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَقِيلَ أُنِّثَ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ وَجَزَمَ الصَّغَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُؤَنَّثُ وَصَوَّبَ رِوَايَةَ أَحَدٍ وَحَقِيقَتُهُ لِلطَّائِرِ وَيُقَالُ لِغَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاخْفِضْ لَهما جنَاح الذل وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ وَلَمْ يَقَعْ لِي فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ تَعْيِينُ الْجَنَاحِ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ تَأَمَّلَهُ فَوَجَدَهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الْأَيْسَرِ فَعُرِفَ أَنَّ الْأَيْمَنَ هُوَ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ وَالْمُنَاسَبَةُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَفْسِيرُ الدَّاءِ الْوَاقِعِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السُّمُّ فَيُسْتَغْنَى عَنِ التَّخْرِيجِ الَّذِي تَكَلَّفَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ إِنَّ فِي اللَّفْظِ مَجَازًا وَهُوَ كَوْنُ الدَّاءِ فِي أَحَدِ الْجَنَاحَيْنِ فَهُوَ إِمَّا مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ وَالتَّقْدِيرُ فَإِنَّ فِي أحد جناحيه سَبَب دَاء وَإِمَّا مُبَالَغَةٌ بِأَنْ يُجْعَلَ كُلُّ الدَّاءِ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لَهُ.

     وَقَالَ  آخَرُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الدَّاءُ مَا يُعْرَضُ فِي نَفْسِ الْمَرْءِ مِنَ التَّكَبُّرِ عَنْ أَكْلِهِ حَتَّى رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَإِتْلَافِهِ وَالدَّوَاءُ مَا يَحْصُلُ مِنْ قَمْعِ النَّفْسِ وَحَمْلِهَا عَلَى التَّوَاضُعِ .

     قَوْلُهُ  وَفِي الْآخَرِ شِفَاءٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَفِي الْأُخْرَى وَفِي نُسْخَةٍ وَالْأُخْرَى بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءٌ وَالْآخَرِ شِفَاءٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ يُجِيزُ الْعَطْفَ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ كَالْأَخْفَشِ وَعَلَى هَذَا فَيُقْرَأُ بِخَفْضِ الْآخَرِ وَبِنَصْبِ شِفَاءٍ فَعُطِفَ الْآخَرُ عَلَى الْأَحَدِ وَعُطِفَ شِفَاءٌ عَلَى دَاءٍ وَالْعَامِلُ فِي إِحْدَى حَرْفُ فِي وَالْعَامِلُ فِي دَاءٍ إِنَّ وَهُمَا عَامِلَانِ فِي الْآخَرِ وَشِفَاءٍ وَسِيبَوَيْهِ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ وَيَقُولُ إِنَّ حَرْفَ الْجَرِّ حُذِفَ وَبَقِيَ الْعَمَلُ وَقَدْ وَقَعَ صَرِيحًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَفِي الْأُخْرَى شِفَاءٌ وَيَجُوزُ رَفْعُ شِفَاءٍ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَنْجَسُ بِوُقُوعِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ فِيهِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ بِغَمْسِ مَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ إِذَا مَاتَ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِفْسَادٌ.

     وَقَالَ  بَعْضُ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ غَمْسِ الذُّبَابِ مَوْتُهُ فَقَدْ يَغْمِسُهُ بِرِفْقٍ فَلَا يَمُوتُ وَالْحَيُّ لَا يُنَجِّسُ مَا يَقَعُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ الْبَغَوِيُّ بِاسْتِنْبَاطِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ لَمْ يَقْصِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَيَانَ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بَيَانَ التَّدَاوِي مِنْ ضَرَرِ الذُّبَابِ وَكَذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَالْإِذْنِ فِي مَرَاحِ الْغَنَمِ طَهَارَةً وَلَا نَجَاسَةً وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْخُشُوعَ لَا يُوجَدُ مَعَ الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ.

.

قُلْتُ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ حُكْمٌ آخَرُ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِغَمْسِهِ يَتَنَاوَلُ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يَغْمِسَهُ مُحْتَرِزًا عَنْ مَوْتِهِ كَمَا هُوَ الْمُدَّعَى هُنَا وَأَنْ لَا يَحْتَرِزَ بَلْ يَغْمِسُهُ سَوَاءً مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ وَيَتَنَاوَلُ مَا لَوْ كَانَ الطَّعَامُ حَارًّا فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَمُوتُ بِخِلَافِ الطَّعَامِ الْبَارِدِ فَلَمَّا لَمْ يَقَعِ التَّقْيِيدُ حُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ يُصَدَّقُ بِصُورَةٍ فَإِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى صُورَةٍ مُعينَة حمل عَلَيْهَا وَاسْتشْكل بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِلْحَاقَ غَيْرِ الذُّبَابِ بِهِ فِي الحكم الْمَذْكُور بطرِيق أُخْرَى فَقَالَ وَرَدَ النَّصُّ فِي الذُّبَابِ فَعَدُّوهُ إِلَى كُلِّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الذُّبَابِ قَاصِرَة وَهِي عُمُوم البلوي بِهِ وَهَذِهِ مُسْتَنْبَطَةٌ أَوِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً وَهَذِهِ مَنْصُوصَةٌ وَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ لَا يُوجَدَانِ فِي غَيْرِهِ فَيَبْعُدُ كَوْنُ الْعِلَّةِ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ جُزْءُ عِلَّةٍ لَا عِلَّةٌ كَامِلَةٌ انْتَهَى وَقَدْ رَجَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَا يَعُمُّ وُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ كَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَمَا لَا يَعُمُّ كَالْعَقَارِبِ يُنَجِّسُ وَهُوَ قَوِيٌّ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَاالْحَدِيثِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَقَالَ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الشِّفَاءُ وَالدَّاءُ فِي جَنَاحَيِ الذُّبَابِ وَكَيْفَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ حَتَّى يُقَدِّمَ جَنَاحَ الشِّفَاءِ وَمَا أَلْجَأَهُ إِلَى ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا سُؤَالُ جَاهِلٍ أَوْ مُتَجَاهِلٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْحَيَوَانِ قَدْ جَمَعَ الصِّفَاتِ الْمُتَضَادَّةَ وَقَدْ أَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَهَا وَقَهَرَهَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَجَعَلَ مِنْهَا قُوَى الْحَيَوَانِ وَإِنَّ الَّذِي أَلْهَمَ النَّحْلَةَ اتِّخَاذَ الْبَيْتِ الْعَجِيبِ الصَّنْعَةِ لِلتَّعْسِيلِ فِيهِ وَأَلْهَمَ النَّمْلَةَ أَن تدخر قوتها أَو أَن حَاجَتِهَا وَأَنْ تَكْسِرَ الْحَبَّةَ نِصْفَيْنِ لِئَلَّا تَسْتَنْبِتَ لَقَادِرٌ عَلَى إِلْهَامِ الذُّبَابَةِ أَنْ تُقَدِّمَ جَنَاحًا وتؤخر آخر.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ مَا نُقِلَ عَنْ هَذَا الْقَائِلِ لَيْسَ بِعَجِيبٍ فَإِنَّ النَّحْلَةَ تُعَسِّلُ مِنْ أَعْلَاهَا وَتُلْقِي السُّمَّ مِنْ أَسْفَلِهَا وَالْحَيَّةُ الْقَاتِلُ سُمُّهَا تَدْخُلُ لُحُومَهَا فِي التِّرْيَاقِ الَّذِي يُعَالَجُ بِهِ السُّمُّ وَالذُّبَابَةُ تُسْحَقُ مَعَ الْإِثْمِدِ لِجَلَاءِ الْبَصَرِ وَذَكَرَ بَعْضُ حُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ فِي الذُّبَابِ قُوَّةً سُمِّيَّةً يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ وَالْحَكَّةُ الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ لَهُ فَإِذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِيمَا يُؤْذِيهِ تَلَقَّاهُ بِسِلَاحِهِ فَأَمَرَ الشَّارِعُ أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ السُّمِّيَّةَ بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَنَاحِ الْآخَرِ مِنَ الشِّفَاءِ فَتَتَقَابَلُ الْمَادَّتَانِ فَيَزُولُ الضَّرَرُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ عَلَى أَنَّهَا تَنْجَسُ بِالْمَوْتِ كَمَا هُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَنْجَسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الطِّبِّ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى مِائَةِ حَدِيثٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ طَرِيقًا وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ طَرِيقًا وَالْخَالِصُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي نُزُولِ الدَّاء والشفاء وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ وَحَدِيثِ أَنَسٍ رَخَّصَ لِأَهْلِ بَيْتٍ فِي الرُّقْيَةِ وَحَدِيثِهِ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَوَاهُ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّبْرِ عَلَى الطَّاعُونِ وَحَدِيثِ أَنَسٍ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ سِتَّة عشرا أثرا وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ قَـوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( كِتَابُ اللِّبَاسِ) وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ كَذَا للْأَكْثَر وَزَاد بن نعيم والطيبات من الرزق وَلِلنَّسَفِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة الله الْآيَةوَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ سعيد بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرَاةً يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ مَنْ حرم زِينَة الله الْآيَة وَسَنَده صَحِيح وَأخرج الطَّبَرِيّ وبن أبي حَاتِم بأسانيد جِيَاد عَن أَصْحَاب بن عَبَّاسٍ كَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمَا نَحْوَهُ وَكَذَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالسُّدِّيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي طَوَافِ الْمُشْرِكِينَ بِالْبَيْتِ وَهُمْ عُرَاةٌ وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ طَاوُسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَلَكِنْ كَانُوا إِذَا طَافَ أَحَدُهُمْ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ضُرِبَ وَانْتُزِعَتْ مِنْهُ يَعْنِي فَنَزَلَتْ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ سَقَطَ عَنِّي ثَوْبِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ عَلَيْكَ ثَوْبَكَ وَلَا تَمْشُوا عُرَاةً .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ ثَبَتَ هَذَا التَّعْلِيقُ لِلْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ فَقَطْ وَسَقَطَ لِلْبَاقِينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا مُعَلَّقَةً وَلَمْ يَصِلْهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ وَلَمْ يَقَعِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ وَذَكَرَهُ الْحَارِثُ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَتِهِ وَتَصَدَّقُوا وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَوَقَعَ لَنَا مَوْصُولًا أَيْضًا فِي كِتَابِ الشُّكْرِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا بِتَمَامِهِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْهُ وَهِيَ الزِّيَادَةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَهَذَا مُصَيَّرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ إِلَى تَقْوِيَةِ شَيْخِهِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَلَمْ أَرَ فِي الصَّحِيحِ إِشَارَةً إِلَيْهَا إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ قَلَبَ هَذَا الْإِسْنَادَ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَصَحَّفَ وَالِدُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقَولُهُ عَنْ أَبِيه ذكر بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ الَّذِي بَعْدَهُ لِلْآيَةِ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ فِي الَّتِي قبلهَا كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وَالْإِسْرَافُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي كُلِّ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ وَهُوَ فِي الْإِنْفَاقِ أَشْهَرُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ.

     وَقَالَ  تَعَالَى فَلَا يسرف فِي الْقَتْل وَالْمَخِيلَةُ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ وَهِيَ بِمَعْنَى الْخُيَلَاءِ وَهُوَ التكبر.

     وَقَالَ  بن التِّينِ هِيَ بِوَزْنِ مُفَعِّلَةٍ مِنَ اخْتَالَ إِذَا تَكَبَّرَ قَالَ وَالْخُيَلَاءُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَقَدْ يُكْسَرُ مَمْدُودًا التَّكَبُّرُ.

     وَقَالَ  الرَّاغِبُ الْخُيَلَاءُ التَّكَبُّرُ يَنْشَأُ عَن فَضِيلَة يتراءاها الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ وَالتَّخَيُّلُ تَصْوِيرُ خَيَالِ الشَّيْءِ فِي النَّفْسِ وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي الْإِسْرَافِ وَالْمَخِيلَةِ أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ تَنَاوُلِهِ أَكْلًا وَلُبْسًا وَغَيْرِهِمَا إِمَّا لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَهُوَ الْإِسْرَافُ وَإِمَّا لِلتَّعَبُّدِ كَالْحَرِيرِ إِنْ لَمْ تَثْبُتْ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ تَتَنَاوَلُ مُخَالَفَةَ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فَيَدْخُلُ الْحَرَامُ وَقَدْ يَسْتَلْزِمُ الْإِسْرَافُ الْكِبْرَ وَهُوَ الْمَخِيلَةُ قَالَ الْمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ جَامِعٌ لِفَضَائِلِ تَدْبِيرِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَفِيهِ تَدْبِيرُ مَصَالِحِ النَّفْسِ وَالْجَسَدِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّ السَّرَفَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَضُرُّ بِالْجَسَدِ وَيَضُرُّ بِالْمَعِيشَةِ فَيُؤَدِّي إِلَى الْإِتْلَافِ وَيَضُرُّ بِالنَّفْسِ إِذْ كَانَتْ تَابِعَةً لِلْجَسَدِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ وَالْمَخِيلَةُ تَضُرُّ بِالنَّفْسِ حَيْثُ تُكْسِبُهَا الْعُجْبَ وَتَضُرُّ بِالْآخِرَةِ حَيْثُ تُكْسِبُ الْإِثْمَ وَبِالدُّنْيَا حَيْثُ تُكْسِبُ الْمَقْتَ من النَّاس قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ كُلْ مَا شِئْتَ وَاشْرَبْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ وَصَلَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالدِّينَوَرِيُّ فِي الْمُجَالَسَةِ من رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَن بن عَبَّاس أما بن أَبِي شَيْبَةَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِهِ.

.
وَأَمَّا الدِّينَوَرِيُّ فَلَمْ يَذْكُرِ السَّرَفَ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِعَن معمر عَن بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ أَحَلَّ اللَّهُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ بِهِ وَقَولُهُ مَا أَخْطَأَتْكَ كَذَا لِلْجَمِيعِ بِإِثْبَاتِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ الطَّاءِ وَأَوْرَدَهُ بن التِّينِ بِحَذْفِهَا قَالَ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ أَخْطَأْتُ وَلَا تَقُلْ أَخْطَيْتُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ مَا أَخْطَأَتْكَ أَيْ تَنَاوَلْ مَا شِئْتَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ مَا دَامَتْ كُلُّ خَصْلَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ تُجَاوِزُكَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا نَافِيَةً أَيْ لَمْ يُوقِعْكَ فِي الْخَطَأِ اثْنَتَانِ.

.

قُلْتُ وَفِيهِ بُعْدٌ وَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ تَرُدُّهُ حَيْثُ قَالَ مَا لَمْ تَكُنْ سَرَفٌ أَو مخيلة وَقَوله أَو قَالَ الْكرْمَانِي أَنِّي بِأَوْ مَوْضِعَ الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُطِعْ مِنْهُم آثِما أَو كفورا عَلَى تَقْدِيرِ النَّفْيِ أَيْ أَنَّ انْتِفَاءَ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ فِيهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ مَنْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ مَنْعِهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ بِطَرِيقِ الأولى قَالَ بن مَالِكٍ هُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَمْنِ اللَّبْسِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر فَقَالُوا لنا اثْنَتَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا صُدُورُ رِمَاحٍ أُشْرِعَتْ أَوْ سلاسل

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي الْإِنَاءِ)
الذُّبَابُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَخْفِيفٍ قَالَ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ الذُّبَابُ وَاحِدٌ وَالْجَمْعُ ذِبَّانٌ كِغِرْبَانٌ وَالْعَامَّةُ تَقُولُ ذُبَابٌ لِلْجَمْعِ وَلِلْوَاحِدِ ذُبَابَةٌ بِوَزْنِ قُرَادَةٍ وَهُوَ خَطَأٌ وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ إِنَّهُ خَطَأٌ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ الذُّبَابُ وَاحِدَةُ ذُبَابَةٍ وَلَا تَقُلْ ذِبَّانَةٌ وَنُقِلَ فِي الْمُحْكَمِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ خَلَفٍ الْأَحْمَرِ تَجْوِيزُ مَا زَعَمَ الْعَسْكَرِيُّ أَنَّهُ خَطَأٌ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ فِي الْجَمْعِ ذُبٌّ وَقَرَأْتُهُ بِخَطِّ الْبُحْتُرِيِّ مَضْبُوطًا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ

[ قــ :5469 ... غــ :5782] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ هُوَ مَدَنِيٌّ وَأَبُوهُ يُكَنَّى أَبَا عُتْبَةَ وَمَا لِعُتْبَةَ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَضَى فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونَيْنِ مصغر وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  مَوْلَى بَنِي زُرَيْق بزاي ثمَّ رَاء ثمَّ قَاف مصغر وَحَكَى الْكَلَابَاذِيُّ أَنَّهُ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَن بن عُيَيْنَةَ أَنَّهُ مَوْلَى الْعَبَّاسِ وَهُوَ خَطَأٌ كَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمَا لِعُبَيْدٍ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ سوى هَذَا الحَدِيث أوردهُ فِي موضِعين .

     قَوْلُهُ  إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ قِيلَ سُمِّيَ ذُبَابًا لِكَثْرَةِ حَرَكَتِهِ وَاضْطِرَابِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى عَن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا عُمْرُ الذُّبَابِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً وَالذُّبَابُ كُلُّهُ فِي النَّارِ إِلَّا النَّحْلَ وَسَنَدُهُ لَا بَأْس بِهِ وَأخرجه بن عَدِيٍّ دُونَ أَوَّلِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ قَالَ الْجَاحِظُ كَوْنُهُ فِي النَّارِ لَيْسَ تَعْذِيبًا لَهُ بَلْ لِيُعَذَّبَ أَهْلُ النَّارِ بِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الطُّيُورِ يَلَغُ إِلَّا الذُّبَابُ.

     وَقَالَ  أَفْلَاطُونُ الذُّبَابُ أَحْرَصُ الْأَشْيَاءِ حَتَّى إِنَّهُ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُهُ وَيَتَوَلَّدُ مِنَ الْعُفُونَةِ وَلَا جَفْنَ لِلذُّبَابَةِ لِصِغَرِ حَدَقَتِهَا وَالْجَفْنُ يَصْقُلُ الْحَدَقَةَ فَالذُّبَابَةُ تَصْقُلُ بِيَدَيْهَا فَلَا تَزَالُ تمسح عينيها وَمن عَجِيب أمره أَن رجعيه يَقَعُ عَلَى الثَّوْبِ الْأَسْوَدِ أَبْيَضَ وَبِالْعَكْسِ وَأَكْثَرُ مَا يَظْهَرُ فِي أَمَاكِنِ الْعُفُونَةِ وَمَبْدَأُ خَلْقِهِ مِنْهَا ثُمَّ مِنَ التَّوَالُدِ وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الطُّيُورِ سِفَادًا رُبَّمَا بَقِيَ عَامَّةَ الْيَوْمِ عَلَى الْأُنْثَى وَيُحْكَى أَنَّ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ سَأَلَ الشَّافِعِيَّ لِأَيِّ عِلَّةٍ خُلِقَ الذُّبَابُ فَقَالَ مَذَلَّةً لِلْمُلُوكِ وَكَانَتْ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ ذُبَابَةٌ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ سَأَلَنِي وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي جَوَابٌ فَاسْتَنْبَطْتُهُ مِنَ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَالِقِيُّ ذُبَابُ النَّاسِ يَتَوَلَّدُ مِنَ الزِّبْلِ وَإِنْ أُخِذَ الذُّبَابُ الْكَبِيرُ فَقُطِعَتْ رَأْسُهَا وَحُكَّ بِجَسَدِهَا الشَّعْرَةِ الَّتِي فِي الْجَفْنِ حَكًّا شَدِيدًا أَبْرَأَتْهُ وَكَذَا دَاءُ الثَّعْلَبِ وَإِنْ مُسِحَ لَسْعَةُ الزُّنْبُورِ بِالذُّبَابِ سَكَنَ الْوَجَعُ .

     قَوْلُهُ  فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ شَرَابٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سعيد عِنْد النَّسَائِيّ وبن ماجة وَصَححهُ بن حِبَّانَ إِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِنَاءِ أَشْمَلُ وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ .

     قَوْلُهُ  فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ أَمْرُ إِرْشَادٍ لِمُقَابَلَةِ الدَّاءِ بِالدَّوَاءِ وَفِي قَوْلِهِ كُلُّهُ رَفْعُ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِغَمْسِ بَعْضِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ ثُمَّ لْيَنْزِعْهُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ فَوَقَعَ ذُبَابٌ فِي إِنَاءٍ فَقَالَ أَنَسٌ بِإِصْبَعِهِ فَغَمَسَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ.

     وَقَالَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ فَقَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَجَّحَهَا أَبُو حَاتِمٍ وَأما الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ الطَّرِيقَانِ مُحْتَمَلَانِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّ فِي أَحَدٍ وَالْجَنَاحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَقِيلَ أُنِّثَ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ وَجَزَمَ الصَّغَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُؤَنَّثُ وَصَوَّبَ رِوَايَةَ أَحَدٍ وَحَقِيقَتُهُ لِلطَّائِرِ وَيُقَالُ لِغَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاخْفِضْ لَهما جنَاح الذل وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ وَلَمْ يَقَعْ لِي فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ تَعْيِينُ الْجَنَاحِ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ تَأَمَّلَهُ فَوَجَدَهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الْأَيْسَرِ فَعُرِفَ أَنَّ الْأَيْمَنَ هُوَ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ وَالْمُنَاسَبَةُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَفْسِيرُ الدَّاءِ الْوَاقِعِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السُّمُّ فَيُسْتَغْنَى عَنِ التَّخْرِيجِ الَّذِي تَكَلَّفَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ إِنَّ فِي اللَّفْظِ مَجَازًا وَهُوَ كَوْنُ الدَّاءِ فِي أَحَدِ الْجَنَاحَيْنِ فَهُوَ إِمَّا مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ وَالتَّقْدِيرُ فَإِنَّ فِي أحد جناحيه سَبَب دَاء وَإِمَّا مُبَالَغَةٌ بِأَنْ يُجْعَلَ كُلُّ الدَّاءِ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لَهُ.

     وَقَالَ  آخَرُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الدَّاءُ مَا يُعْرَضُ فِي نَفْسِ الْمَرْءِ مِنَ التَّكَبُّرِ عَنْ أَكْلِهِ حَتَّى رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَإِتْلَافِهِ وَالدَّوَاءُ مَا يَحْصُلُ مِنْ قَمْعِ النَّفْسِ وَحَمْلِهَا عَلَى التَّوَاضُعِ .

     قَوْلُهُ  وَفِي الْآخَرِ شِفَاءٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَفِي الْأُخْرَى وَفِي نُسْخَةٍ وَالْأُخْرَى بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءٌ وَالْآخَرِ شِفَاءٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ يُجِيزُ الْعَطْفَ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ كَالْأَخْفَشِ وَعَلَى هَذَا فَيُقْرَأُ بِخَفْضِ الْآخَرِ وَبِنَصْبِ شِفَاءٍ فَعُطِفَ الْآخَرُ عَلَى الْأَحَدِ وَعُطِفَ شِفَاءٌ عَلَى دَاءٍ وَالْعَامِلُ فِي إِحْدَى حَرْفُ فِي وَالْعَامِلُ فِي دَاءٍ إِنَّ وَهُمَا عَامِلَانِ فِي الْآخَرِ وَشِفَاءٍ وَسِيبَوَيْهِ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ وَيَقُولُ إِنَّ حَرْفَ الْجَرِّ حُذِفَ وَبَقِيَ الْعَمَلُ وَقَدْ وَقَعَ صَرِيحًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَفِي الْأُخْرَى شِفَاءٌ وَيَجُوزُ رَفْعُ شِفَاءٍ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَنْجَسُ بِوُقُوعِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ فِيهِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ بِغَمْسِ مَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ إِذَا مَاتَ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِفْسَادٌ.

     وَقَالَ  بَعْضُ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ غَمْسِ الذُّبَابِ مَوْتُهُ فَقَدْ يَغْمِسُهُ بِرِفْقٍ فَلَا يَمُوتُ وَالْحَيُّ لَا يُنَجِّسُ مَا يَقَعُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ الْبَغَوِيُّ بِاسْتِنْبَاطِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ لَمْ يَقْصِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَيَانَ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بَيَانَ التَّدَاوِي مِنْ ضَرَرِ الذُّبَابِ وَكَذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَالْإِذْنِ فِي مَرَاحِ الْغَنَمِ طَهَارَةً وَلَا نَجَاسَةً وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْخُشُوعَ لَا يُوجَدُ مَعَ الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ.

.

قُلْتُ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ حُكْمٌ آخَرُ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِغَمْسِهِ يَتَنَاوَلُ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يَغْمِسَهُ مُحْتَرِزًا عَنْ مَوْتِهِ كَمَا هُوَ الْمُدَّعَى هُنَا وَأَنْ لَا يَحْتَرِزَ بَلْ يَغْمِسُهُ سَوَاءً مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ وَيَتَنَاوَلُ مَا لَوْ كَانَ الطَّعَامُ حَارًّا فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَمُوتُ بِخِلَافِ الطَّعَامِ الْبَارِدِ فَلَمَّا لَمْ يَقَعِ التَّقْيِيدُ حُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ يُصَدَّقُ بِصُورَةٍ فَإِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى صُورَةٍ مُعينَة حمل عَلَيْهَا وَاسْتشْكل بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِلْحَاقَ غَيْرِ الذُّبَابِ بِهِ فِي الحكم الْمَذْكُور بطرِيق أُخْرَى فَقَالَ وَرَدَ النَّصُّ فِي الذُّبَابِ فَعَدُّوهُ إِلَى كُلِّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الذُّبَابِ قَاصِرَة وَهِي عُمُوم البلوي بِهِ وَهَذِهِ مُسْتَنْبَطَةٌ أَوِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً وَهَذِهِ مَنْصُوصَةٌ وَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ لَا يُوجَدَانِ فِي غَيْرِهِ فَيَبْعُدُ كَوْنُ الْعِلَّةِ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ جُزْءُ عِلَّةٍ لَا عِلَّةٌ كَامِلَةٌ انْتَهَى وَقَدْ رَجَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَا يَعُمُّ وُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ كَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَمَا لَا يَعُمُّ كَالْعَقَارِبِ يُنَجِّسُ وَهُوَ قَوِيٌّ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَقَالَ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الشِّفَاءُ وَالدَّاءُ فِي جَنَاحَيِ الذُّبَابِ وَكَيْفَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ حَتَّى يُقَدِّمَ جَنَاحَ الشِّفَاءِ وَمَا أَلْجَأَهُ إِلَى ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا سُؤَالُ جَاهِلٍ أَوْ مُتَجَاهِلٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْحَيَوَانِ قَدْ جَمَعَ الصِّفَاتِ الْمُتَضَادَّةَ وَقَدْ أَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَهَا وَقَهَرَهَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَجَعَلَ مِنْهَا قُوَى الْحَيَوَانِ وَإِنَّ الَّذِي أَلْهَمَ النَّحْلَةَ اتِّخَاذَ الْبَيْتِ الْعَجِيبِ الصَّنْعَةِ لِلتَّعْسِيلِ فِيهِ وَأَلْهَمَ النَّمْلَةَ أَن تدخر قوتها أَو أَن حَاجَتِهَا وَأَنْ تَكْسِرَ الْحَبَّةَ نِصْفَيْنِ لِئَلَّا تَسْتَنْبِتَ لَقَادِرٌ عَلَى إِلْهَامِ الذُّبَابَةِ أَنْ تُقَدِّمَ جَنَاحًا وتؤخر آخر.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ مَا نُقِلَ عَنْ هَذَا الْقَائِلِ لَيْسَ بِعَجِيبٍ فَإِنَّ النَّحْلَةَ تُعَسِّلُ مِنْ أَعْلَاهَا وَتُلْقِي السُّمَّ مِنْ أَسْفَلِهَا وَالْحَيَّةُ الْقَاتِلُ سُمُّهَا تَدْخُلُ لُحُومَهَا فِي التِّرْيَاقِ الَّذِي يُعَالَجُ بِهِ السُّمُّ وَالذُّبَابَةُ تُسْحَقُ مَعَ الْإِثْمِدِ لِجَلَاءِ الْبَصَرِ وَذَكَرَ بَعْضُ حُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ فِي الذُّبَابِ قُوَّةً سُمِّيَّةً يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ وَالْحَكَّةُ الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ لَهُ فَإِذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِيمَا يُؤْذِيهِ تَلَقَّاهُ بِسِلَاحِهِ فَأَمَرَ الشَّارِعُ أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ السُّمِّيَّةَ بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَنَاحِ الْآخَرِ مِنَ الشِّفَاءِ فَتَتَقَابَلُ الْمَادَّتَانِ فَيَزُولُ الضَّرَرُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ عَلَى أَنَّهَا تَنْجَسُ بِالْمَوْتِ كَمَا هُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَنْجَسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الطِّبِّ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى مِائَةِ حَدِيثٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ طَرِيقًا وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ طَرِيقًا وَالْخَالِصُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي نُزُولِ الدَّاء والشفاء وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ وَحَدِيثِ أَنَسٍ رَخَّصَ لِأَهْلِ بَيْتٍ فِي الرُّقْيَةِ وَحَدِيثِهِ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَوَاهُ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّبْرِ عَلَى الطَّاعُونِ وَحَدِيثِ أَنَسٍ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ سِتَّة عشرا أثرا وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ قَـوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِى الإِنَاءِ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا وقع الذباب في الإناء) والذباب بالذال المعجمة والواحدة بهاء والجمع أذبة وذبان بالكسر وذب بالضم قاله في القاموس، وروينا في مسند أبي يعلى الموصلي من حديث أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: عمر الذباب أربعون ليلة والذباب كله في النار إلا النحل، قيل كونه في النار ليس بعذاب له بل ليعذب به أهل النار بوقوعه عليهم وهو أجهل الخلق لأنه يلقي نفسه في الهلكة ويتولد من العفونة ولم يخلق له أجفان لصغر حدقته ومن شأن الجفن أن يصقل مرآة الحدقة من الغبار، فجعل الله تعالى له يدين يصقل بهما مرآة حدقته فلذا تراه أبدًا يمسح بيديه عينيه، ومن الحكمة في إيجادها مذلة الجبابرة قيل لولا هي لجافت الدنيا ورجيعها يقع على الأسود أبيض وبالعكس.


[ قــ :5469 ... غــ : 5782 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِى تَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى بَنِى زُرَيْقٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِى أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِى الآخَرِ دَاءً».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدني ( عن عتبة بن مسلم) أبي عتبة ( مولى بني تيم) بفتح الفوقية وسكون الحتية ( عن عبيد بن حنين) بتصغيرهما من غير إضافة لشيء ( مولى بني زريق) بتقديم الزاي المضمومة على الراء مصغرًا ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم) وعند النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان عن أبي سعيد: إذا وقع في الطعام وفي بدء الخلق من البخاري بلفظ: شراب والأولى أشمل منهما
( فليغمسه كله) فيما وقع فيه ( ثم ليطرحه) بعد استخراجه من الإناء ( فإن في أحد جناحيه شفاء) أي الأيمن لأنه يتقي بالأيسر، ولأبي ذر: إحدى بتأنيثه باعتبار اليد لكن جزم الصغاني بأنه لا يؤنث وصوّب الأول ( وفي الآخر داء) .
وعند ابن حبان في صحيحه من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه يقدم السمّ ويؤخر الشفاء ففيه تفسير الداء الواقع في حديث الباب، واستفيد من الحديث أنه إذا وقع في الماء لا ينجسه فإنه يموت فيه وهذا هو المشهور.

وهذا الحديث قد سبق في بدء الخلق والله الموفق.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابٌُ إذَا وقَع الذُّبابُُ فِي الإِناءِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي مَا إِذا وَقع الذُّبابُُ فِي الْإِنَاء كَيفَ يكون حكمه، والذبابُ بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة.
قَالَ أَبُو هِلَال العسكري: الذُّبابُُ وَاحِد وَالْجمع ذبان كغربان يَعْنِي: بِكَسْر الذَّال، والعامة تَقول: ذُبابُُ، للْجمع والواحدة: ذُبابَُُة.
كقردانة وَهُوَ خطأ، وَكَذَا نقل عَن أبي حَاتِم السّخْتِيَانِيّ: أَنه خطا، وَنقل ابْن سَيّده فِي ( الْمُحكم) عَن أبي عُبَيْدَة عَن خلف الْأَحْمَر تَجْوِيز مَا زعم العسكري أَنه خطأ، وَحكى سِيبَوَيْهٍ فِي الْجمع ذب بِضَم أَوله وَالتَّشْدِيد،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الذُّبابُُ مَعْرُوف، الْوَاحِدَة ذُبابَُُة، وَلَا تقل: ذُبابَُُة وَجمع الْقلَّة أذبة وَالْكثير ذُبابُُ مثل غراب وأغربة وغربان، وَأَرْض مذبة ذَات ذُبابُُ، وَقيل: سمي ذبابُاً لِكَثْرَة حركته واضطرابه.
وَقد أخرج أَبُو يعلى بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: عمر الذُّبابُُ أَرْبَعُونَ لَيْلَة، والذبابُ كُله فِي النَّار إلاَّ النَّحْل،.

     وَقَالَ  الجاحظ: كَونه فِي النَّار لَيْسَ تعذيباً لَهُ بل ليعذب أهل النَّار بِهِ،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: يُقَال: إِنَّه لَيْسَ شَيْء من الطُّيُور يلغ إلاَّ الذُّبابُُ..
     وَقَالَ  أفلاطون: الذُّبابُُ أحرص الْأَشْيَاء حَتَّى إِنَّه يلقِي نَفسه فِي كل شَيْء وَلَو كَانَ فِيهِ هَلَاكه، ويتولد من العفونة، وَلَا جفن للذبابُة لصِغَر حدقتها، والجفن يصقل الحدقة فالذبابُة تصقل بِيَدَيْهَا فَلَا تزَال تمسح عيينها وَهُوَ من أَكثر الطُّيُور سفاداً، وَرُبمَا بَقِي عَامَّة الْيَوْم على الْأُنْثَى، وَأدنى الْحِكْمَة فِي خلقه: أَذَى الْجَبابُُِرَة، وَقيل: لَوْلَا هِيَ لجافت الدُّنْيَا.



[ قــ :5469 ... غــ :5782 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا إسْماعِيلُ بنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَني تَميمٍ عنْ عُبَيْدِ بنُ حُنَيْنٍ مَوْلَى بَني زُرَيْقٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إذَا وقَعَ الذُّبابُُ فِي إناءِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كلَّهُ ثُمَّ ليَطْرَحْهُ، فإنَّ فِي إحْدَى جَناحَيْهِ شِفاءً وَفِي الآخَرِ دَاء.
( انْظُر الحَدِيث: 3320) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي صدر الحَدِيث.
والْحَدِيث قد مر فِي بَدْء الْخلق فِي: بابُُ إِذا وَقع الذُّبابُُ فِي شراب أحدكُم إِلَى آخِره.
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عتبَة بن مُسلم إِلَى آخِره، وَلَفظه: إِذا وَقع الذُّبابُُ فِي شراب أحدكُم، وَلَفظ الْإِنَاء أشمل، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( كُله) تَأْكِيد رفع توهم الْمجَاز من الِاكْتِفَاء بغمس بعضه.
قَوْله: ( فَإِن فِي إِحْدَى جناحيه) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: فَإِن فِي أحد، والجناح يذكر وَيُؤَنث، وَقيل: أنث بِاعْتِبَار الْيَد وَحَقِيقَته للطائر، وَيُقَال لغيره على سَبِيل الْمجَاز كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { واخفض لَهما جنَاح الذل} ( الْإِسْرَاء: 24) وَلم يَقع تعْيين الْجنَاح الَّذِي فِيهِ الشِّفَاء، وَذكر عَن بعض الْعلمَاء أَنه تَأمله فَوَجَدَهُ يَتَّقِي بجناحه الْأَيْسَر، فَعرف أَن الْأَيْمن هُوَ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاء.
قَوْله ( دَاء) المُرَاد بِهِ السم الَّذِي فِيهِ، ويوضحه حَدِيث أبي سعيد، فَإِن فِيهِ أَنه يقدم السم وَيُؤَخر الشِّفَاء وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّخْرِيج الَّذِي تكلفه بعض الشُّرَّاح، فَقَالَ: إِن فِي اللَّفْظ مجَازًا، وَهُوَ كَون الدَّاء فِي أحد الجناحين فَهُوَ إِمَّا من مجَاز الْحَذف، وَالتَّقْدِير: فَإِن فِي أحد جناحيه سَبَب دَاء، وَإِمَّا مُبَالغَة بِأَن يَجْعَل كل الدَّاء فِي أحد جناحيه لما كَانَ سَببا لَهُ..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذَا مِمَّا يُنكره من لم يشْرَح الله قلبه بِنور الْمعرفَة، وَلم يتعجب من النحلة جمع الله فِيهَا الشِّفَاء والسم مَعًا، فتعسل من أَعْلَاهَا وَتَسِم من أَسْفَلهَا بحمتها، والحية سمها قَاتل ولحمها مِمَّا يستشفى بِهِ من الترياق الْأَكْبَر من سمها، فريقها دَاء ولحمها دَوَاء، وَلَا حَاجَة لنا مَعَ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّادِق الصدوق إِلَى النَّظَائِر، وأقوال أهل الطِّبّ الَّذين مَا وصلوا إِلَى علمهمْ إلاَّ بالتجربة، والتجربة خطر، وَالله على كل شَيْء قدير، وَإِلَيْهِ التَّوَكُّل والمصير.