هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5708 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ القَاسِمِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا عَائِشَةُ ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5708 حدثنا عمرو بن عيسى ، حدثنا محمد بن سواء ، حدثنا روح بن القاسم ، عن محمد بن المنكدر ، عن عروة ، عن عائشة : أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه قال : بئس أخو العشيرة ، وبئس ابن العشيرة فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه ، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة : يا رسول الله ، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة ، متى عهدتني فحاشا ، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated 'Aisha:

A man asked permission to enter upon the Prophet. When the Prophet (ﷺ) saw him, he said, What an evil brother of his tribe! And what an evil son of his tribe! When that man sat down, the Prophet (ﷺ) behaved with him in a nice and polite manner and was completely at ease with him. When that person had left, 'Aisha said (to the Prophet). O Allah's Apostle! When you saw that man, you said so-and-so about him, then you showed him a kind and polite behavior, and you enjoyed his company? Allah's Messenger (ﷺ) said, O 'Aisha! Have you ever seen me speaking a bad and dirty language? (Remember that) the worst people in Allah's sight on the Day of Resurrection will be those whom the people leave (undisturbed) to be away from their evil (deeds).

":"ہم سے عمرو بن عیسیٰ نے بیان کیا ، کہا ہم سے محمد بن سواء نے بیان کیا ، کہا ہم سے روح ابن قاسم نے بیان کیا ، ان سے محمد بن منکدر نے ، ان سے عروہ نے اور ان سے حضرت عائشہ رضی اللہ عنہا نے کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم سے ایک شخص نے اندر آنے کی اجازت چاہی ۔ آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے اسے دیکھ کر فرمایا کہ برا ہے فلاں قبیلہ کا بھائی ۔ یا ( آپ نے فرمایا ) کہ برا ہے فلاں قبیلہ کا بیٹا ۔ پھر جب وہ آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم کے پاس آبیٹھا تو آپ اس کے ساتھ بہت خوش خلقی کے ساتھ پیش آئے ۔ وہ شخص جب چلا گیا تو حضرت عائشہ رضی اللہ عنہا نے آپ سے عرض کیا یا رسول اللہ ! جب آپ نے اسے دیکھا تھا تو اس کے متعلق یہ کلمات فرمائے تھے ، جب آپ اس سے ملے تو بہت ہی خندہ پیشانی سے ملے ۔ آنحضرت نے فرمایا اے عائشہ ! تم نے مجھے بدگو کب پایا ۔ اللہ کے یہاں قیامت کے دن وہ لوگ بدترین ہوں گے جن کے شر کے ڈر سے لوگ اس سے ملنا چھوڑ دیں ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [6032] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى هُوَ أَبُو عُثْمَانَ الضُّبَعِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مُسْتَقِيمُ الحَدِيث قَالَه بن حِبَّانَ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ هُوَ أَبُو الْخَطَّابِ السَّدُوسِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ أَيْضًا لَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ وَآخَرُ فِي الْمَنَاقِبِ وَشَيْخُهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ مَشْهُورٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ وَقَدْ تَابَعَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ اغْتِيَابِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَفِي بَابِ الْمُدَارَاةِ وَمَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسِيَاقُ رَوْحٍ أَتَمُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ بن عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ .

     قَوْلُهُ  أَن رجلا قَالَ بن بَطَّالٍ هُوَ عُيَيْنَةَ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْأَحْمَقُ الْمُطَاعُ وَرَجَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِ تَأَلُّفَهُ لِيُسْلِمَ قَوْمُهُ لِأَنَّهُ كَانَ رَئِيسُهُمْ وَكَذَا فَسَّرَهُ بِهِ عِيَاضٌ ثُمَّ الْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيّ جازمين بذلك وَنَقله بن التِّين عَن الدَّاودِيّ لَكِن احْتِمَالا جَزْمًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ اسْتَأْذَنَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بئس بن الْعَشِيرَة الحَدِيث وَأخرجه بن بَشْكُوَالَ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عُيَيْنَةَ اسْتَأْذَنَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَأَخْرَجَ عَبْدُ الْغَنِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامِرٍ الْخَرَّازِ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَسْتَأْذِنُ فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ قَالَ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ الْحَدِيثَ وَهَكَذَا وَقَعَ لَنَا فِي أَوَاخِرِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ فَوَائِدِ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيِّ وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ وَقَدْ حَكَى الْمُنْذِرُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ هُوَ عُيَيْنَةُ وَقِيلَ مخرمَة وَأما شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ فَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ مَخْرَمَةُ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الدِّمْيَاطِيِّ فَقَصَّرَ لَكِنَّهُ حكى بعد ذَلِك عَن بن التِّينِ أَنَّهُ جَوَّزَ أَنَّهُ عُيَيْنَةُ قَالَ وَصَرَّحَ بِهِ بن بطال قَوْله بئس أَخُو الْعَشِيرَة وَبئسَ بن الْعَشِيرَةِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِئْسَ أَخُو الْقَوْمِ وبن الْقَوْمِ وَهِيَ بِالْمَعْنَى قَالَ عِيَاضٌ الْمُرَادُ بِالْعَشِيرَةِ الْجَمَاعَةُ أَوِ الْقَبِيلَةُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْعَشِيرَةُ الْأَدْنَى إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِهِ وَهُمْ وَلَدُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ أَبْدَى لَهُ طَلَاقَةَ وَجْهِهِ يُقَالُ وَجْهُهُ طَلْقٌ وَطَلِيقٌ أَيْ مُسْتَرْسِلٌ منبسط غير عبوس وَوَقع فِي رِوَايَة بن عَامِرٍ بَشَّ فِي وَجْهِهِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَاسْتَأْذَنَ آخَرُ فَقَالَ نِعْمَ أَخُو الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ لَمْ يَهَشَّ لَهُ وَلَمْ يَنْبَسِطْ كَمَا فَعَلَ بِالْآخَرِ فَسَأَلْتُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عِلْمًا وَأَدَبًا وَلَيْسَ فِي قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ بِالْأُمُورِ الَّتِي يُسَمِّيهِمْ بِهَا وَيُضِيفُهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَكْرُوهِ غِيبَةٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ وَيُفْصِحَ بِهِ وَيُعَرِّفَ النَّاسَ أَمْرَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْأُمَّةِ وَلَكِنَّهُ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَرَمِ وَأُعْطِيَهِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ أظهر لَهُ البشاشة وَلم يجبهه بِالْمَكْرُوهِ لِتَقْتَدِي بِهِ أُمَّتُهُ فِي اتِّقَاءِ شَرِّ مَنْ هَذَا سَبِيلُهُ وَفِي مُدَارَاتِهِ لِيَسْلَمُوا مِنْ شَرِّهِ وَغَائِلَتِهِ.

.

قُلْتُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْخَصَائِصِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَنِ اطَّلَعَ مِنْ حَالِ شَخْصٍ عَلَى شَيْءٍ وَخَشِيَ أَنَّ غَيْرَهُ يَغْتَرُّ بِجَمِيلِ ظَاهِرِهِ فَيَقَعُ فِي مَحْذُورٍ مَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى مَا يَحْذَرُ مِنْ ذَلِكَ قَاصِدًا نَصِيحَتَهُ وَإِنَّمَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُكْشَفَ لَهُ عَنْ حَالِ مَنْ يَغْتَرُّ بِشَخْصٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِعَهُ الْمُغْتَرُّ عَلَى حَالِهِ فَيُذَمُّ الشَّخْصَ بِحَضْرَتِهِ لِيَتَجَنَّبَهُ الْمُغْتَرُّ لِيَكُونَ نَصِيحَةً بِخِلَافِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ جَوَازَ ذَمِّهِ لِلشَّخْصِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ مِمَّنْ يُرِيدُ نُصْحَهُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ غِيبَةِ الْمُعْلِنِ بِالْفِسْقِ أَوِ الْفُحْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْبِدْعَةِ مَعَ جَوَازِ مُدَارَاتِهِمُ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ تَبَعًا لعياض وَالْفرق بَين المدارة وَالْمُدَاهَنَةِ أَنَّ الْمُدَارَاةَ بَذْلُ الدُّنْيَا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا أَوِ الدِّينِ أَوْ هُمَا مَعًا وَهِيَ مُبَاحَةٌ وَرُبَّمَا اسْتُحِبَّتْ وَالْمُدَاهَنَةُ تَرْكُ الدِّينِ لِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَذَلَ لَهُ مِنْ دُنْيَاهُ حُسْنَ عِشْرَتِهِ وَالرِّفْقَ فِي مُكَالَمَتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَمْدَحْهُ بِقَوْلٍ فَلَمْ يُنَاقِضْ .

     قَوْلُهُ  فِيهِ فِعْلَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ قَوْلُ حَقٍّ وَفِعْلَهُ مَعَهُ حُسْنُ عِشْرَةٍ فَيَزُولُ مَعَ هَذَا التَّقْرِيرِ الْإِشْكَالُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ لَمْ يَكُنْ عُيَيْنَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حِينَئِذٍ أَسْلَمَ فَلَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ فِيهِ غِيبَةً أَوْ كَانَ أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُ نَاصِحًا فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ بَاطِنَهُ وَقَدْ كَانَتْ مِنْهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ أُمُورٌ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ فَيَكُونُ مَا وَصَفَهُ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُمْلَةِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.

.
وَأَمَّا إِلَانَةُ الْقَوْلِ لَهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فَعَلَى سَبِيلِ التَّأَلُّفِ لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْمُدَارَاةِ وَفِي جَوَازِ غِيبَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَنَحْوِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مَتَى عَهِدْتِنِي فَاحِشًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَحَّاشًا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ تَرَكَهُالنَّاسُ فِي رِوَايَةِ عُيَيْنَةَ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ قَالَ الْمَازِرِيُّ ذَكَرَ بَعْضُ النُّحَاةِ أَنَّ الْعَرَبَ أَمَاتُوا مَصْدَرَ يَدَعْ وَمَاضِيهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَقَدْ نَطَقَ بِالْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ وَبِمَاضِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ أَمَاتُوهُ أَيْ تَرَكُوا اسْتِعْمَالَهُ إِلَّا نَادِرًا قَالَ وَلَفْظُ أَمَاتُوهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَعَ شَكِّ الرَّاوِيِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ تَرَكَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ النُّحَاةِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ .

     قَوْلُهُ  اتِّقَاءَ شَرِّهِ أَيْ قُبْحِ كَلَامِهِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ كَانَ مِنْ جُفَاةِ الْعَرَبِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عُيَيْنَةَ الْمَذْكُورَ خُتِمَ لَهُ بِسُوءٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقَى فُحْشَهُ وَشَرَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ يَكُونُ شَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ فَمَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ الَّذِي يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ عُيَيْنَةَ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ يَحْتَمِلُ لِأَنْ يُقَيَّدَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي قِيلَ فِيهَا ذَلِكَ وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ تَابَ وَأَنَابَ وَقَدْ كَانَ عُيَيْنَةُ ارْتَدَّ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَحَارَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَأَسْلَمَ وَحَضَرَ بَعْضَ الْفُتُوحِ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَلَهُ مَعَ عُمَرَ قِصَّةٌ ذُكِرَتْ فِي تَفْسِيرِ الْأَعْرَافِ وَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى جَفَائِهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ أَحْمَقُ مُطَاعٌ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ جَاءَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ أَلَا أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أَجْمَلَ مِنْهَا فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ .

     .

     وَقَالَتْ  
مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا أَحْمَقُ وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ وَزَادَ فِيهِ اخْرُجْ فَاسْتَأْذِنْ قَالَ إِنَّهَا يَمِينٌ عَلَيَّ أَنْ لَا أَسْتَأْذِنَ عَلَى مُضَرِيٍّ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلْقَاضِي قَبْلَهُ فِي عُيَيْنَةَ لَا يَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ فِي مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُدَارَاةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَفْسِيرَ الْمُبْهَمِ هُنَا بمخرمة هُوَ الرَّاجِح( قَولُهُ بَابُ حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ) وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الْبُخْلِ جَمَعَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ السَّخَاءَ مِنْ جُمْلَةِ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ بَلْ هُوَ مِنْ مُعْظَمِهَا وَالْبُخْلُ ضِدُّهُ فَأَمَّا الْحُسْنُ فَقَالَ الرَّاغِبُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَرْغُوبٍ فِيهِ إِمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الْعِرْضِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الْحُسْنِ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي عُرْفِ الْعَامَّةِ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ فِي الشَّرْعِ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْبَصِيرَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.

.
وَأَمَّا الْخُلُقُ فَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ وَيَجُوزُ سُكُونُهَا قَالَ الرَّاغِبُ الْخَلْقُ وَالْخُلُقُ يَعْنِي بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالشَّرْبِ وَالشُّرْبِ لَكِنْ خُصَّ الْخَلْقَ الَّذِي بِالْفَتْحِ بِالْهَيْئَاتِ وَالصُّوَرِ الْمُدْرَكَةِ بِالْبَصَرِ وَخُصَّ الْخُلُقُ الَّذِي بِالضَّمِّ بِالْقُوَى وَالسَّجَايَا الْمُدْرَكَةِ بِالْبَصِيرَةِ انْتَهَى وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الطَّوِيلِ فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الْأَخْلَاقُ أَوْصَافُ الْإِنْسَانِ الَّتِي يُعَامَلُ بِهَا غَيْرُهُ وَهِيَ مَحْمُودَةٌ وَمَذْمُومَةٌ فَالْمَحْمُودَةُ عَلَى الْإِجْمَالِ أَنْ تَكُونَ مَعَ غَيْرِكَ عَلَى نَفْسِكَ فَتُنْصِفُ مِنْهَا وَلَا تُنْصِفُ لَهَا وَعَلَى التَّفْصِيلِ الْعَفْوُ وَالْحِلْمُ وَالْجُودُ وَالصَّبْرُ وَتَحَمُّلُ الْأَذَى وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ وَقَضَاءُ الْحَوَائِجِ وَالتَّوَادُدُ وَلِينُ الْجَانِبِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْمَذْمُومُ مِنْهَا ضِدُّ ذَلِكَاللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ اسْتَأْذَنَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بئس بن الْعَشِيرَة الحَدِيث وَأخرجه بن بَشْكُوَالَ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عُيَيْنَةَ اسْتَأْذَنَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَأَخْرَجَ عَبْدُ الْغَنِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامِرٍ الْخَرَّازِ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَسْتَأْذِنُ فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ قَالَ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ الْحَدِيثَ وَهَكَذَا وَقَعَ لَنَا فِي أَوَاخِرِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ فَوَائِدِ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيِّ وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ وَقَدْ حَكَى الْمُنْذِرُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ هُوَ عُيَيْنَةُ وَقِيلَ مخرمَة وَأما شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ فَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ مَخْرَمَةُ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الدِّمْيَاطِيِّ فَقَصَّرَ لَكِنَّهُ حكى بعد ذَلِك عَن بن التِّينِ أَنَّهُ جَوَّزَ أَنَّهُ عُيَيْنَةُ قَالَ وَصَرَّحَ بِهِ بن بطال قَوْله بئس أَخُو الْعَشِيرَة وَبئسَ بن الْعَشِيرَةِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِئْسَ أَخُو الْقَوْمِ وبن الْقَوْمِ وَهِيَ بِالْمَعْنَى قَالَ عِيَاضٌ الْمُرَادُ بِالْعَشِيرَةِ الْجَمَاعَةُ أَوِ الْقَبِيلَةُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْعَشِيرَةُ الْأَدْنَى إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِهِ وَهُمْ وَلَدُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ أَبْدَى لَهُ طَلَاقَةَ وَجْهِهِ يُقَالُ وَجْهُهُ طَلْقٌ وَطَلِيقٌ أَيْ مُسْتَرْسِلٌ منبسط غير عبوس وَوَقع فِي رِوَايَة بن عَامِرٍ بَشَّ فِي وَجْهِهِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَاسْتَأْذَنَ آخَرُ فَقَالَ نِعْمَ أَخُو الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ لَمْ يَهَشَّ لَهُ وَلَمْ يَنْبَسِطْ كَمَا فَعَلَ بِالْآخَرِ فَسَأَلْتُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عِلْمًا وَأَدَبًا وَلَيْسَ فِي قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ بِالْأُمُورِ الَّتِي يُسَمِّيهِمْ بِهَا وَيُضِيفُهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَكْرُوهِ غِيبَةٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ وَيُفْصِحَ بِهِ وَيُعَرِّفَ النَّاسَ أَمْرَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْأُمَّةِ وَلَكِنَّهُ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَرَمِ وَأُعْطِيَهِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ أظهر لَهُ البشاشة وَلم يجبهه بِالْمَكْرُوهِ لِتَقْتَدِي بِهِ أُمَّتُهُ فِي اتِّقَاءِ شَرِّ مَنْ هَذَا سَبِيلُهُ وَفِي مُدَارَاتِهِ لِيَسْلَمُوا مِنْ شَرِّهِ وَغَائِلَتِهِ.

.

قُلْتُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْخَصَائِصِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَنِ اطَّلَعَ مِنْ حَالِ شَخْصٍ عَلَى شَيْءٍ وَخَشِيَ أَنَّ غَيْرَهُ يَغْتَرُّ بِجَمِيلِ ظَاهِرِهِ فَيَقَعُ فِي مَحْذُورٍ مَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى مَا يَحْذَرُ مِنْ ذَلِكَ قَاصِدًا نَصِيحَتَهُ وَإِنَّمَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُكْشَفَ لَهُ عَنْ حَالِ مَنْ يَغْتَرُّ بِشَخْصٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِعَهُ الْمُغْتَرُّ عَلَى حَالِهِ فَيُذَمُّ الشَّخْصَ بِحَضْرَتِهِ لِيَتَجَنَّبَهُ الْمُغْتَرُّ لِيَكُونَ نَصِيحَةً بِخِلَافِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ جَوَازَ ذَمِّهِ لِلشَّخْصِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ مِمَّنْ يُرِيدُ نُصْحَهُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ غِيبَةِ الْمُعْلِنِ بِالْفِسْقِ أَوِ الْفُحْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْبِدْعَةِ مَعَ جَوَازِ مُدَارَاتِهِمُ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ تَبَعًا لعياض وَالْفرق بَين المدارة وَالْمُدَاهَنَةِ أَنَّ الْمُدَارَاةَ بَذْلُ الدُّنْيَا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا أَوِ الدِّينِ أَوْ هُمَا مَعًا وَهِيَ مُبَاحَةٌ وَرُبَّمَا اسْتُحِبَّتْ وَالْمُدَاهَنَةُ تَرْكُ الدِّينِ لِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَذَلَ لَهُ مِنْ دُنْيَاهُ حُسْنَ عِشْرَتِهِ وَالرِّفْقَ فِي مُكَالَمَتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَمْدَحْهُ بِقَوْلٍ فَلَمْ يُنَاقِضْ .

     قَوْلُهُ  فِيهِ فِعْلَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ قَوْلُ حَقٍّ وَفِعْلَهُ مَعَهُ حُسْنُ عِشْرَةٍ فَيَزُولُ مَعَ هَذَا التَّقْرِيرِ الْإِشْكَالُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ لَمْ يَكُنْ عُيَيْنَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حِينَئِذٍ أَسْلَمَ فَلَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ فِيهِ غِيبَةً أَوْ كَانَ أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُ نَاصِحًا فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ بَاطِنَهُ وَقَدْ كَانَتْ مِنْهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ أُمُورٌ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ فَيَكُونُ مَا وَصَفَهُ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُمْلَةِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.

.
وَأَمَّا إِلَانَةُ الْقَوْلِ لَهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فَعَلَى سَبِيلِ التَّأَلُّفِ لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْمُدَارَاةِ وَفِي جَوَازِ غِيبَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَنَحْوِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مَتَى عَهِدْتِنِي فَاحِشًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَحَّاشًا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ تَرَكَهُالنَّاسُ فِي رِوَايَةِ عُيَيْنَةَ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ قَالَ الْمَازِرِيُّ ذَكَرَ بَعْضُ النُّحَاةِ أَنَّ الْعَرَبَ أَمَاتُوا مَصْدَرَ يَدَعْ وَمَاضِيهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَقَدْ نَطَقَ بِالْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ وَبِمَاضِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ أَمَاتُوهُ أَيْ تَرَكُوا اسْتِعْمَالَهُ إِلَّا نَادِرًا قَالَ وَلَفْظُ أَمَاتُوهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَعَ شَكِّ الرَّاوِيِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ تَرَكَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ النُّحَاةِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ .

     قَوْلُهُ  اتِّقَاءَ شَرِّهِ أَيْ قُبْحِ كَلَامِهِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ كَانَ مِنْ جُفَاةِ الْعَرَبِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عُيَيْنَةَ الْمَذْكُورَ خُتِمَ لَهُ بِسُوءٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقَى فُحْشَهُ وَشَرَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ يَكُونُ شَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ فَمَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ الَّذِي يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ عُيَيْنَةَ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ يَحْتَمِلُ لِأَنْ يُقَيَّدَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي قِيلَ فِيهَا ذَلِكَ وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ تَابَ وَأَنَابَ وَقَدْ كَانَ عُيَيْنَةُ ارْتَدَّ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَحَارَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَأَسْلَمَ وَحَضَرَ بَعْضَ الْفُتُوحِ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَلَهُ مَعَ عُمَرَ قِصَّةٌ ذُكِرَتْ فِي تَفْسِيرِ الْأَعْرَافِ وَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى جَفَائِهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ أَحْمَقُ مُطَاعٌ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ جَاءَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ أَلَا أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أَجْمَلَ مِنْهَا فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ .

     .

     وَقَالَتْ  
مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا أَحْمَقُ وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ وَزَادَ فِيهِ اخْرُجْ فَاسْتَأْذِنْ قَالَ إِنَّهَا يَمِينٌ عَلَيَّ أَنْ لَا أَسْتَأْذِنَ عَلَى مُضَرِيٍّ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلْقَاضِي قَبْلَهُ فِي عُيَيْنَةَ لَا يَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ فِي مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُدَارَاةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَفْسِيرَ الْمُبْهَمِ هُنَا بمخرمة هُوَ الرَّاجِح( قَولُهُ بَابُ حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ) وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الْبُخْلِ جَمَعَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ السَّخَاءَ مِنْ جُمْلَةِ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ بَلْ هُوَ مِنْ مُعْظَمِهَا وَالْبُخْلُ ضِدُّهُ فَأَمَّا الْحُسْنُ فَقَالَ الرَّاغِبُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَرْغُوبٍ فِيهِ إِمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الْعِرْضِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الْحُسْنِ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي عُرْفِ الْعَامَّةِ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ فِي الشَّرْعِ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْبَصِيرَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.

.
وَأَمَّا الْخُلُقُ فَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ وَيَجُوزُ سُكُونُهَا قَالَ الرَّاغِبُ الْخَلْقُ وَالْخُلُقُ يَعْنِي بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالشَّرْبِ وَالشُّرْبِ لَكِنْ خُصَّ الْخَلْقَ الَّذِي بِالْفَتْحِ بِالْهَيْئَاتِ وَالصُّوَرِ الْمُدْرَكَةِ بِالْبَصَرِ وَخُصَّ الْخُلُقُ الَّذِي بِالضَّمِّ بِالْقُوَى وَالسَّجَايَا الْمُدْرَكَةِ بِالْبَصِيرَةِ انْتَهَى وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الطَّوِيلِ فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الْأَخْلَاقُ أَوْصَافُ الْإِنْسَانِ الَّتِي يُعَامَلُ بِهَا غَيْرُهُ وَهِيَ مَحْمُودَةٌ وَمَذْمُومَةٌ فَالْمَحْمُودَةُ عَلَى الْإِجْمَالِ أَنْ تَكُونَ مَعَ غَيْرِكَ عَلَى نَفْسِكَ فَتُنْصِفُ مِنْهَا وَلَا تُنْصِفُ لَهَا وَعَلَى التَّفْصِيلِ الْعَفْوُ وَالْحِلْمُ وَالْجُودُ وَالصَّبْرُ وَتَحَمُّلُ الْأَذَى وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ وَقَضَاءُ الْحَوَائِجِ وَالتَّوَادُدُ وَلِينُ الْجَانِبِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْمَذْمُومُ مِنْهَا ضِدُّ ذَلِكَاللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ اسْتَأْذَنَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بئس بن الْعَشِيرَة الحَدِيث وَأخرجه بن بَشْكُوَالَ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عُيَيْنَةَ اسْتَأْذَنَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَأَخْرَجَ عَبْدُ الْغَنِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامِرٍ الْخَرَّازِ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَسْتَأْذِنُ فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ قَالَ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ الْحَدِيثَ وَهَكَذَا وَقَعَ لَنَا فِي أَوَاخِرِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ فَوَائِدِ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيِّ وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ وَقَدْ حَكَى الْمُنْذِرُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ هُوَ عُيَيْنَةُ وَقِيلَ مخرمَة وَأما شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ فَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ مَخْرَمَةُ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الدِّمْيَاطِيِّ فَقَصَّرَ لَكِنَّهُ حكى بعد ذَلِك عَن بن التِّينِ أَنَّهُ جَوَّزَ أَنَّهُ عُيَيْنَةُ قَالَ وَصَرَّحَ بِهِ بن بطال قَوْله بئس أَخُو الْعَشِيرَة وَبئسَ بن الْعَشِيرَةِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِئْسَ أَخُو الْقَوْمِ وبن الْقَوْمِ وَهِيَ بِالْمَعْنَى قَالَ عِيَاضٌ الْمُرَادُ بِالْعَشِيرَةِ الْجَمَاعَةُ أَوِ الْقَبِيلَةُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْعَشِيرَةُ الْأَدْنَى إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِهِ وَهُمْ وَلَدُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ أَبْدَى لَهُ طَلَاقَةَ وَجْهِهِ يُقَالُ وَجْهُهُ طَلْقٌ وَطَلِيقٌ أَيْ مُسْتَرْسِلٌ منبسط غير عبوس وَوَقع فِي رِوَايَة بن عَامِرٍ بَشَّ فِي وَجْهِهِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَاسْتَأْذَنَ آخَرُ فَقَالَ نِعْمَ أَخُو الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ لَمْ يَهَشَّ لَهُ وَلَمْ يَنْبَسِطْ كَمَا فَعَلَ بِالْآخَرِ فَسَأَلْتُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عِلْمًا وَأَدَبًا وَلَيْسَ فِي قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ بِالْأُمُورِ الَّتِي يُسَمِّيهِمْ بِهَا وَيُضِيفُهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَكْرُوهِ غِيبَةٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ وَيُفْصِحَ بِهِ وَيُعَرِّفَ النَّاسَ أَمْرَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْأُمَّةِ وَلَكِنَّهُ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَرَمِ وَأُعْطِيَهِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ أظهر لَهُ البشاشة وَلم يجبهه بِالْمَكْرُوهِ لِتَقْتَدِي بِهِ أُمَّتُهُ فِي اتِّقَاءِ شَرِّ مَنْ هَذَا سَبِيلُهُ وَفِي مُدَارَاتِهِ لِيَسْلَمُوا مِنْ شَرِّهِ وَغَائِلَتِهِ.

.

قُلْتُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْخَصَائِصِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَنِ اطَّلَعَ مِنْ حَالِ شَخْصٍ عَلَى شَيْءٍ وَخَشِيَ أَنَّ غَيْرَهُ يَغْتَرُّ بِجَمِيلِ ظَاهِرِهِ فَيَقَعُ فِي مَحْذُورٍ مَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى مَا يَحْذَرُ مِنْ ذَلِكَ قَاصِدًا نَصِيحَتَهُ وَإِنَّمَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُكْشَفَ لَهُ عَنْ حَالِ مَنْ يَغْتَرُّ بِشَخْصٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِعَهُ الْمُغْتَرُّ عَلَى حَالِهِ فَيُذَمُّ الشَّخْصَ بِحَضْرَتِهِ لِيَتَجَنَّبَهُ الْمُغْتَرُّ لِيَكُونَ نَصِيحَةً بِخِلَافِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ جَوَازَ ذَمِّهِ لِلشَّخْصِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ مِمَّنْ يُرِيدُ نُصْحَهُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ غِيبَةِ الْمُعْلِنِ بِالْفِسْقِ أَوِ الْفُحْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْبِدْعَةِ مَعَ جَوَازِ مُدَارَاتِهِمُ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ تَبَعًا لعياض وَالْفرق بَين المدارة وَالْمُدَاهَنَةِ أَنَّ الْمُدَارَاةَ بَذْلُ الدُّنْيَا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا أَوِ الدِّينِ أَوْ هُمَا مَعًا وَهِيَ مُبَاحَةٌ وَرُبَّمَا اسْتُحِبَّتْ وَالْمُدَاهَنَةُ تَرْكُ الدِّينِ لِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَذَلَ لَهُ مِنْ دُنْيَاهُ حُسْنَ عِشْرَتِهِ وَالرِّفْقَ فِي مُكَالَمَتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَمْدَحْهُ بِقَوْلٍ فَلَمْ يُنَاقِضْ .

     قَوْلُهُ  فِيهِ فِعْلَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ قَوْلُ حَقٍّ وَفِعْلَهُ مَعَهُ حُسْنُ عِشْرَةٍ فَيَزُولُ مَعَ هَذَا التَّقْرِيرِ الْإِشْكَالُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ لَمْ يَكُنْ عُيَيْنَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حِينَئِذٍ أَسْلَمَ فَلَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ فِيهِ غِيبَةً أَوْ كَانَ أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُ نَاصِحًا فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ بَاطِنَهُ وَقَدْ كَانَتْ مِنْهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ أُمُورٌ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ فَيَكُونُ مَا وَصَفَهُ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُمْلَةِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.

.
وَأَمَّا إِلَانَةُ الْقَوْلِ لَهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فَعَلَى سَبِيلِ التَّأَلُّفِ لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْمُدَارَاةِ وَفِي جَوَازِ غِيبَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَنَحْوِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مَتَى عَهِدْتِنِي فَاحِشًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَحَّاشًا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ تَرَكَهُالنَّاسُ فِي رِوَايَةِ عُيَيْنَةَ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ قَالَ الْمَازِرِيُّ ذَكَرَ بَعْضُ النُّحَاةِ أَنَّ الْعَرَبَ أَمَاتُوا مَصْدَرَ يَدَعْ وَمَاضِيهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَقَدْ نَطَقَ بِالْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ وَبِمَاضِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ أَمَاتُوهُ أَيْ تَرَكُوا اسْتِعْمَالَهُ إِلَّا نَادِرًا قَالَ وَلَفْظُ أَمَاتُوهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَعَ شَكِّ الرَّاوِيِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ تَرَكَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ النُّحَاةِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ .

     قَوْلُهُ  اتِّقَاءَ شَرِّهِ أَيْ قُبْحِ كَلَامِهِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ كَانَ مِنْ جُفَاةِ الْعَرَبِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عُيَيْنَةَ الْمَذْكُورَ خُتِمَ لَهُ بِسُوءٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقَى فُحْشَهُ وَشَرَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ يَكُونُ شَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ فَمَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ الَّذِي يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ عُيَيْنَةَ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ يَحْتَمِلُ لِأَنْ يُقَيَّدَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي قِيلَ فِيهَا ذَلِكَ وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ تَابَ وَأَنَابَ وَقَدْ كَانَ عُيَيْنَةُ ارْتَدَّ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَحَارَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَأَسْلَمَ وَحَضَرَ بَعْضَ الْفُتُوحِ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَلَهُ مَعَ عُمَرَ قِصَّةٌ ذُكِرَتْ فِي تَفْسِيرِ الْأَعْرَافِ وَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى جَفَائِهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ أَحْمَقُ مُطَاعٌ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ جَاءَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ أَلَا أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أَجْمَلَ مِنْهَا فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ .

     .

     وَقَالَتْ  
مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا أَحْمَقُ وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ وَزَادَ فِيهِ اخْرُجْ فَاسْتَأْذِنْ قَالَ إِنَّهَا يَمِينٌ عَلَيَّ أَنْ لَا أَسْتَأْذِنَ عَلَى مُضَرِيٍّ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلْقَاضِي قَبْلَهُ فِي عُيَيْنَةَ لَا يَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ فِي مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُدَارَاةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَفْسِيرَ الْمُبْهَمِ هُنَا بمخرمة هُوَ الرَّاجِح( قَولُهُ بَابُ حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ) وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الْبُخْلِ جَمَعَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ السَّخَاءَ مِنْ جُمْلَةِ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ بَلْ هُوَ مِنْ مُعْظَمِهَا وَالْبُخْلُ ضِدُّهُ فَأَمَّا الْحُسْنُ فَقَالَ الرَّاغِبُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَرْغُوبٍ فِيهِ إِمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الْعِرْضِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الْحُسْنِ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي عُرْفِ الْعَامَّةِ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ فِي الشَّرْعِ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْبَصِيرَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.

.
وَأَمَّا الْخُلُقُ فَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ وَيَجُوزُ سُكُونُهَا قَالَ الرَّاغِبُ الْخَلْقُ وَالْخُلُقُ يَعْنِي بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالشَّرْبِ وَالشُّرْبِ لَكِنْ خُصَّ الْخَلْقَ الَّذِي بِالْفَتْحِ بِالْهَيْئَاتِ وَالصُّوَرِ الْمُدْرَكَةِ بِالْبَصَرِ وَخُصَّ الْخُلُقُ الَّذِي بِالضَّمِّ بِالْقُوَى وَالسَّجَايَا الْمُدْرَكَةِ بِالْبَصِيرَةِ انْتَهَى وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الطَّوِيلِ فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الْأَخْلَاقُ أَوْصَافُ الْإِنْسَانِ الَّتِي يُعَامَلُ بِهَا غَيْرُهُ وَهِيَ مَحْمُودَةٌ وَمَذْمُومَةٌ فَالْمَحْمُودَةُ عَلَى الْإِجْمَالِ أَنْ تَكُونَ مَعَ غَيْرِكَ عَلَى نَفْسِكَ فَتُنْصِفُ مِنْهَا وَلَا تُنْصِفُ لَهَا وَعَلَى التَّفْصِيلِ الْعَفْوُ وَالْحِلْمُ وَالْجُودُ وَالصَّبْرُ وَتَحَمُّلُ الْأَذَى وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ وَقَضَاءُ الْحَوَائِجِ وَالتَّوَادُدُ وَلِينُ الْجَانِبِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْمَذْمُومُ مِنْهَا ضِدُّ ذَلِكَ( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَاحِشًا)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَا مُتَفَحِّشًا بِالتَّشْدِيدِ كَمَا فِي لَفْظِ حَدِيث عبد الله بن عمر وَفِي الْبَابِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا بِلَفْظِ مُتَفَاحِشًا وَالْفُحْشُ كُلُّ مَا خَرَجَ عَنْ مِقْدَارِهِ حَتَّى يُسْتَقْبَحَ وَيَدْخُلَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالصِّفَةِ يُقَالُ طَوِيلٌ فَاحِشُ الطُّولِ إِذَا أَفْرَطَ فِي طُولِهِ لَكِنِ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْقَوْلِ أَكْثَرُ وَالْمُتَفَحِّشُ بِالتَّشْدِيدِ الَّذِي يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ وَيُكْثِرُ مِنْهُ وَيَتَكَلَّفُهُ وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ الْفَاحِشُ الَّذِي يَقُولُ الْفُحْشَ وَالْمُتَفَحِّشُ الَّذِي يَسْتَعْمِلُ الْفُحْشَ لِيُضْحِكَ النَّاسَ ذَكَرَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيث الحَدِيث الأول حَدِيث عبد الله بن عمر وَأوردهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ الْأَعْمَشُ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ وَمَنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ وَهُوَ أَبُو وَائِلٍ الْمَذْكُورُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَتْنُ بِتَمَامِهِ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ فِي مَعْنَاهُ وَفِيهِ أَيْضًا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :5708 ... غــ :6032] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى هُوَ أَبُو عُثْمَانَ الضُّبَعِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مُسْتَقِيمُ الحَدِيث قَالَه بن حِبَّانَ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ هُوَ أَبُو الْخَطَّابِ السَّدُوسِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ أَيْضًا لَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ وَآخَرُ فِي الْمَنَاقِبِ وَشَيْخُهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ مَشْهُورٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ وَقَدْ تَابَعَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ اغْتِيَابِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَفِي بَابِ الْمُدَارَاةِ وَمَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسِيَاقُ رَوْحٍ أَتَمُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ بن عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ .

     قَوْلُهُ  أَن رجلا قَالَ بن بَطَّالٍ هُوَ عُيَيْنَةَ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْأَحْمَقُ الْمُطَاعُ وَرَجَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِ تَأَلُّفَهُ لِيُسْلِمَ قَوْمُهُ لِأَنَّهُ كَانَ رَئِيسُهُمْ وَكَذَا فَسَّرَهُ بِهِ عِيَاضٌ ثُمَّ الْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيّ جازمين بذلك وَنَقله بن التِّين عَن الدَّاودِيّ لَكِن احْتِمَالا جَزْمًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ اسْتَأْذَنَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بئس بن الْعَشِيرَة الحَدِيث وَأخرجه بن بَشْكُوَالَ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عُيَيْنَةَ اسْتَأْذَنَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَأَخْرَجَ عَبْدُ الْغَنِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامِرٍ الْخَرَّازِ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَسْتَأْذِنُ فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ قَالَ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ الْحَدِيثَ وَهَكَذَا وَقَعَ لَنَا فِي أَوَاخِرِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ فَوَائِدِ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيِّ وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ وَقَدْ حَكَى الْمُنْذِرُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ هُوَ عُيَيْنَةُ وَقِيلَ مخرمَة وَأما شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ فَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ مَخْرَمَةُ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الدِّمْيَاطِيِّ فَقَصَّرَ لَكِنَّهُ حكى بعد ذَلِك عَن بن التِّينِ أَنَّهُ جَوَّزَ أَنَّهُ عُيَيْنَةُ قَالَ وَصَرَّحَ بِهِ بن بطال قَوْله بئس أَخُو الْعَشِيرَة وَبئسَ بن الْعَشِيرَةِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِئْسَ أَخُو الْقَوْمِ وبن الْقَوْمِ وَهِيَ بِالْمَعْنَى قَالَ عِيَاضٌ الْمُرَادُ بِالْعَشِيرَةِ الْجَمَاعَةُ أَوِ الْقَبِيلَةُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْعَشِيرَةُ الْأَدْنَى إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِهِ وَهُمْ وَلَدُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ أَبْدَى لَهُ طَلَاقَةَ وَجْهِهِ يُقَالُ وَجْهُهُ طَلْقٌ وَطَلِيقٌ أَيْ مُسْتَرْسِلٌ منبسط غير عبوس وَوَقع فِي رِوَايَة بن عَامِرٍ بَشَّ فِي وَجْهِهِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَاسْتَأْذَنَ آخَرُ فَقَالَ نِعْمَ أَخُو الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ لَمْ يَهَشَّ لَهُ وَلَمْ يَنْبَسِطْ كَمَا فَعَلَ بِالْآخَرِ فَسَأَلْتُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عِلْمًا وَأَدَبًا وَلَيْسَ فِي قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ بِالْأُمُورِ الَّتِي يُسَمِّيهِمْ بِهَا وَيُضِيفُهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَكْرُوهِ غِيبَةٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ وَيُفْصِحَ بِهِ وَيُعَرِّفَ النَّاسَ أَمْرَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْأُمَّةِ وَلَكِنَّهُ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَرَمِ وَأُعْطِيَهِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ أظهر لَهُ البشاشة وَلم يجبهه بِالْمَكْرُوهِ لِتَقْتَدِي بِهِ أُمَّتُهُ فِي اتِّقَاءِ شَرِّ مَنْ هَذَا سَبِيلُهُ وَفِي مُدَارَاتِهِ لِيَسْلَمُوا مِنْ شَرِّهِ وَغَائِلَتِهِ.

.

قُلْتُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْخَصَائِصِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَنِ اطَّلَعَ مِنْ حَالِ شَخْصٍ عَلَى شَيْءٍ وَخَشِيَ أَنَّ غَيْرَهُ يَغْتَرُّ بِجَمِيلِ ظَاهِرِهِ فَيَقَعُ فِي مَحْذُورٍ مَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى مَا يَحْذَرُ مِنْ ذَلِكَ قَاصِدًا نَصِيحَتَهُ وَإِنَّمَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُكْشَفَ لَهُ عَنْ حَالِ مَنْ يَغْتَرُّ بِشَخْصٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِعَهُ الْمُغْتَرُّ عَلَى حَالِهِ فَيُذَمُّ الشَّخْصَ بِحَضْرَتِهِ لِيَتَجَنَّبَهُ الْمُغْتَرُّ لِيَكُونَ نَصِيحَةً بِخِلَافِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ جَوَازَ ذَمِّهِ لِلشَّخْصِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ مِمَّنْ يُرِيدُ نُصْحَهُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ غِيبَةِ الْمُعْلِنِ بِالْفِسْقِ أَوِ الْفُحْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْبِدْعَةِ مَعَ جَوَازِ مُدَارَاتِهِمُ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ تَبَعًا لعياض وَالْفرق بَين المدارة وَالْمُدَاهَنَةِ أَنَّ الْمُدَارَاةَ بَذْلُ الدُّنْيَا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا أَوِ الدِّينِ أَوْ هُمَا مَعًا وَهِيَ مُبَاحَةٌ وَرُبَّمَا اسْتُحِبَّتْ وَالْمُدَاهَنَةُ تَرْكُ الدِّينِ لِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَذَلَ لَهُ مِنْ دُنْيَاهُ حُسْنَ عِشْرَتِهِ وَالرِّفْقَ فِي مُكَالَمَتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَمْدَحْهُ بِقَوْلٍ فَلَمْ يُنَاقِضْ .

     قَوْلُهُ  فِيهِ فِعْلَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ قَوْلُ حَقٍّ وَفِعْلَهُ مَعَهُ حُسْنُ عِشْرَةٍ فَيَزُولُ مَعَ هَذَا التَّقْرِيرِ الْإِشْكَالُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ لَمْ يَكُنْ عُيَيْنَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حِينَئِذٍ أَسْلَمَ فَلَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ فِيهِ غِيبَةً أَوْ كَانَ أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُ نَاصِحًا فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ بَاطِنَهُ وَقَدْ كَانَتْ مِنْهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ أُمُورٌ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ فَيَكُونُ مَا وَصَفَهُ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُمْلَةِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.

.
وَأَمَّا إِلَانَةُ الْقَوْلِ لَهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فَعَلَى سَبِيلِ التَّأَلُّفِ لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْمُدَارَاةِ وَفِي جَوَازِ غِيبَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَنَحْوِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مَتَى عَهِدْتِنِي فَاحِشًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَحَّاشًا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ فِي رِوَايَةِ عُيَيْنَةَ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ قَالَ الْمَازِرِيُّ ذَكَرَ بَعْضُ النُّحَاةِ أَنَّ الْعَرَبَ أَمَاتُوا مَصْدَرَ يَدَعْ وَمَاضِيهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَقَدْ نَطَقَ بِالْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ وَبِمَاضِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ أَمَاتُوهُ أَيْ تَرَكُوا اسْتِعْمَالَهُ إِلَّا نَادِرًا قَالَ وَلَفْظُ أَمَاتُوهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَعَ شَكِّ الرَّاوِيِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ تَرَكَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ النُّحَاةِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ .

     قَوْلُهُ  اتِّقَاءَ شَرِّهِ أَيْ قُبْحِ كَلَامِهِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ كَانَ مِنْ جُفَاةِ الْعَرَبِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عُيَيْنَةَ الْمَذْكُورَ خُتِمَ لَهُ بِسُوءٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقَى فُحْشَهُ وَشَرَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ يَكُونُ شَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ فَمَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ الَّذِي يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ عُيَيْنَةَ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ يَحْتَمِلُ لِأَنْ يُقَيَّدَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي قِيلَ فِيهَا ذَلِكَ وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ تَابَ وَأَنَابَ وَقَدْ كَانَ عُيَيْنَةُ ارْتَدَّ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَحَارَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَأَسْلَمَ وَحَضَرَ بَعْضَ الْفُتُوحِ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَلَهُ مَعَ عُمَرَ قِصَّةٌ ذُكِرَتْ فِي تَفْسِيرِ الْأَعْرَافِ وَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى جَفَائِهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ أَحْمَقُ مُطَاعٌ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ جَاءَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ أَلَا أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أَجْمَلَ مِنْهَا فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ .

     .

     وَقَالَتْ  
مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا أَحْمَقُ وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ وَزَادَ فِيهِ اخْرُجْ فَاسْتَأْذِنْ قَالَ إِنَّهَا يَمِينٌ عَلَيَّ أَنْ لَا أَسْتَأْذِنَ عَلَى مُضَرِيٍّ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلْقَاضِي قَبْلَهُ فِي عُيَيْنَةَ لَا يَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ فِي مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُدَارَاةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَفْسِيرَ الْمُبْهَمِ هُنَا بمخرمة هُوَ الرَّاجِح

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :5708 ... غــ : 6032 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِى فَحَّاشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ» [الحديث 6032 - طرفاه في: 6054، 6131] .

وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن عيسى) بفتح العين وسكون الميم أبو عثمان الضبعيّ البصري ثقة مستقيم الحديث وليس له في البخاري إلا هذا وآخر في الصلاة قال: ( حدّثنا محمد بن سواء) بفتح المهملة وتخفيف الواو مهموز ممدود أبو الخطاب السدوسي المكفوف البصري ثقة له في البخاري هذا الحديث وآخر في المناقب قال: ( حدّثنا روح بن القاسم) بفتح الراء وسكون الواو أبو غياث التميمي ( عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله التيمي المدني الحافظ ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة) -رضي الله عنها- ( أن رجلاً) قال عبد الغني بن سعيد في المبهمات هو مخرمة بن نوفل والد المسوّر، وقيل عيينة بن حصن الفزاري وكان يقال له الأحمق المطاع، وفي حواشي نسخة الدمياطي من البخاري بخطه الجزم بأنه مخرمة ( استأذن على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما رآه قال) :
( بئس أخو العشيرة) الجماعة أو القبيلة ( وبئس ابن العشيرة) وكان يظهر الإسلام ويخفي الكفر فأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبين حاله وهذا من أعلام النبوّة لأنه ارتدّ بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجيء به أسيرًا إلى أبي بكر -رضي الله عنه- ( فلما جلس تطلق) بفتح الفوقية والطاء المهملة واللام المشددة بعدها قاف أي انشرح وهشّ ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وجهه وانبسط إليه) لما جبل عليه من حسن الخُلق ورجا بذلك تأليفه ليسلم قومه لأنه كان رئيسهم ولم يواجهه بذلك لتقتدي أمته به في اتقاء شر من هو بهذه الصفة ليسلم من شره ( فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا) تعني قوله بئس أخو العشيرة إلى آخره ( ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا عائشة متى عهدتني فحاشًا) بالتشديد ولأبي ذر عن الكشميهني فاحشًا بالتخفيف بدل التشديد ( إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره) أي قبيح كلامه لأن المذكور كان من جفاة الأعراب، وفيه أن من اطّلع من حال شخص على شيء وخشي أن غيره يغتر بجميل ظاهره فيقع في محذور ما فعليه أن يطلعه على ما يحذر من ذلك قاصدًا نصيحته.

وقد استشكل فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع الرجل بعد ذلك القول.
وأجيب: بأنه لم يمدحه ولا أثنى عليه في وجهه فلا مخالفة بينهما، وقد قال الخطابي رحمه الله: ليس قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمته بالأمور التي يضيفها إليهم من المكروه غيبة، وإنما يكون ذلك من بعضهم في بعض اهـ.

وهذا ينبغي تقييده بما إذا لم يكن لغرض شرعي وإلاّ فلا يكون غيبة بل ينبغي ذكره على ما سبق.
والحديث أخرجه البخاري أيضًا ومسلم وأبو داود في الأدب والترمذي في البرّ.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :5708 ... غــ :6032 ]
- حدَّثنا عَمْرُو بنُ عِيسَى حَدثنَا مُحَمَّد بنُ سَواءٍ حَدثنَا رَوْحُ بنُ القاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ: أنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رآهُ قَالَ: بِئْسَ أخُو العَشِيرَةِ وبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجْهِهِ وانْبَسَطَ إلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قالَتْ لَهُ عائِشَةُ: يَا رسُولَ الله {حِينَ رأيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وجْهِهِ وانْبَسَطْتَ إلَيْهِ؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عائِشَةَ} مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشاً؟ إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ الله مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقاءَ شَرِّهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( مَتى عهدتني فحاشاً) .
وَعَمْرو بن عِيسَى أَبُو عُثْمَان الضبعِي الْبَصْرِيّ.
وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر فِي كتاب الصَّلَاة، وَمُحَمّد بن سَوَاء بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وبالمد أَبُو الْخطاب السدُوسِي المكفوف، لَهُ عِنْد البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث وَآخر فِي المناقب، وروح بِفَتْح الرَّاء ابْن الْقَاسِم مَشْهُور كثير الحَدِيث، وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر على وزن إسم الْفَاعِل من الانكدار.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن صَدَقَة بن الْفضل وقتيبة.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَدَب أَيْضا عَن عَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد وَغَيره.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد عَن سُفْيَان بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان بِهِ.

قَوْله: ( عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة) وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: سَمِعت عُرْوَة أَن عَائِشَة أخْبرته.
قَوْله: ( أَن رجلا) قَالَ ابْن بطال: هُوَ عُيَيْنَة بن حصن بن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ، وَكَانَ يُقَال لَهُ: الأحمق المطاع، فَرح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بإقباله عَلَيْهِ قبل أَن يسلم قومه، وَجَاء حِين أقبل على الشّرك وَترك حَدِيثه مَعَ ابْن أم مَكْتُوم، فَأنْزل الله عز وَجل: وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} ( عبس: 1 2) وَأخرج عبد الْغَنِيّ من طَرِيق أبي عَامر الخزاز عَن أبي يزِيد الْمدنِي عَن عَائِشَة قَالَت: جَاءَ مخرمَة بن نَوْفَل يسْتَأْذن، فَلَمَّا سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَوته قَالَ: بئس أَخُو الْعَشِيرَة ... الحَدِيث.
وَحكى الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ فِي ( مُخْتَصره) الفولين، فَقَالَ: هُوَ عُيَيْنَة، وَقيل: مخرمَة.
قَوْله: ( بئس أَخُو الْعَشِيرَة وَبئسَ ابْن الْعَشِيرَة) وَفِي رِوَايَة معمر: بئس أَخُو الْقَوْم،.

     وَقَالَ  عباض: المُرَاد بالعشيرة الْجَمَاعَة والقبيلة أَي: بئس هَذَا الرجل مِنْهَا، وَهُوَ كَقَوْلِك: يَا أَخا الْعَرَب، لرجل مِنْهُم، وَهَذَا الْكَلَام من أَعْلَام النُّبُوَّة لِأَنَّهُ ارْتَدَّ بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَجِيء بِهِ أَسِيرًا إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ.
قَوْله: ( تطلق) على وزن تفعل من العلاقة أَي: انْشَرَحَ وانبسط، وَمِنْه يُقَال: وَجه طلق وطليق أَي: مسترسل منبسط غير عبوس.
قَوْله: ( مَتى عهدتني فحاشاً) ؟ هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني: فحاشاً، بِصِيغَة الْمُبَالغَة وَفِي رِوَايَة غَيره: فَاحِشا.
قَوْله: ( اتقاء شَره) أَي: لأجل الاتقاء عَن شَره.

وَفِيه مداراة من يتقى فحشه، وَجَوَاز غيبَة الْفَاسِق الْمُعْلن بِفِسْقِهِ، وَمن يحْتَاج النَّاس إِلَى التحذير مِنْهُ، وَهَذَا الحَدِيث أصل فِي المداراة وَفِي جَوَاز غيبَة أهل الْكفْر وَالْفِسْق والظلمة وَأهل الْفساد.