هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5765 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا . وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5765 حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا . وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated `Abdullah:

The Prophet (ﷺ) said, Truthfulness leads to righteousness, and righteousness leads to Paradise. And a man keeps on telling the truth until he becomes a truthful person. Falsehood leads to Al-Fajur (i.e. wickedness, evil-doing), and Al-Fajur (wickedness) leads to the (Hell) Fire, and a man may keep on telling lies till he is written before Allah, a liar.

":"ہم سے عثمان بن ابی شیبہ نے بیان کیا ، انہوں نے کہا ہم سے جریر نے بیان کیا ، ان سے منصور نے بیان کیا ، ان سے ابووائل نے بیان کیا اور ان سے عبداللہ بن مسعود رضی اللہ عنہما نے بیان کیا کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ، بلاشبہ سچ آدمی کو نیکی کی طرف بلاتا ہے اور نیکی جنت کی طرف لے جاتی ہے اور ایک شخص سچ بولتا رہتا ہے یہاں تک کہ وہ صدیق کالقب اور مرتبہ حاصل کر لیتا ہے اور بلاشبہ جھوٹ برائی کی طرف لے جاتا ہے اور برائی جہنم کی طرف اور ایک شخص جھوٹ بولتا رہتا ہے ، یہان تک کہ وہ اللہ کے یہاں بہت جھوٹا لکھ دیا جاتا ہے ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [6094] قَوْله جرير هُوَ بن عبد الحميد وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ.

.
وَأَمَّا جَرِيرٌ الْمَذْكُورُ فِي ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَاب فَهُوَ بن حَازِمٍ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ الْهِدَايَةِ وَهِيَ الدَّلَالَةُ الْمُوصِلَةُ إِلَى الْمَطْلُوبِ هَكَذَا وَقَعَ أَوَّلُ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَوَقَعَ فِي أَوَّلِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ وَفِيهِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ إِلَخْ .

     قَوْلُهُ  إِلَى الْبِرِّ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَصْلُهُ التَّوَسُّعُ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرَاتِ كُلِّهَا وَيُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِ الْخَالِصِ الدَّائِمِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ الْبر يهدي إِلَى الْجنَّة قَالَ بن بَطَّالٍ مِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الْأَبْرَار لفي نعيم .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَكَذَا زَادَهَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا قَالَ بن بَطَّالٍ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الصِّدْقُ حَتَّى يسْتَحق اسْم الْمُبَالغَة فِي الصدْق قَوْله ان الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ قَالَ الرَّاغِبُ أَصْلُ الْفَجْرِ الشَّقُّ فَالْفُجُورُ شَقُّ سِتْرِ الدِّيَانَةِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَيْلِ إِلَى الْفَسَادِ وَعَلَى الِانْبِعَاثِ فِي الْمعاصِي وَهُوَ اسْم جَامع للشر قَوْله ان الرَّجُلَ لَيَكْذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَكُونُ وَهُوَ وَزْنُ الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابَةِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِظْهَارُهُ لِلْمَخْلُوقِينَ مِنَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَإِلْقَاءُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَقَدْ ذكره مَالك بلاغا عَن بن مَسْعُودٍ وَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً مُفِيدَةً وَلَفْظُهُ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ فَيُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ فَيُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْقِ وَهُوَ قَصْدُهُ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ وَعَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَإِنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ فِيهِ كَثُرَ مِنْهُ فَيُعْرَفُ بِهِ.

.

قُلْتُ وَالتَّقْيِيدُ بِالتَّحَرِّي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَكَذَا قَالَ فِي الْكَذِبِ وَعِنْدَهُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ وَهُوَ أَبُو وَائِلٍ وَأَوَّلُهُ عِنْدَهُ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ وَفِيهِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ.

     وَقَالَ  فِيهِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ فَذَكَرَهُ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ تَوَقَّى الْكَذِبَ بِالْقَصْدِ الصَّحِيحِ إِلَى الصِّدْقِ صَارَ لَهُ الصِّدْقُ سَجِيَّةً حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْوَصْفَ بِهِ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَمْدَ وَالذَّمَّ فِيهِمَا يَخْتَصُّ بِمَنْ يَقْصِدُ إِلَيْهِمَافَقَط وَإِن كَانَ الصَّادِقُ فِي الْأَصْلِ مَمْدُوحًا وَالْكَاذِبُ مَذْمُومًا ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي بِلَادِنَا وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَكَذَا نَقَلَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَنَقَلَ أَبُو مَسْعُودٍ عَنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ بن مثنى وبن بَشَّارٍ زِيَادَةً وَهِيَ إِنَّ شَرَّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ لِأَنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ مِنْهُ جِدٌّ وَلَا هَزْلٌ وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ ثُمَّ يُخْلِفُهُ فَذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَهَا أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَلَيْسَتْ عِنْدَنَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَالرَّوَايَا جَمْعُ روية بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ مَا يَتَرَوَّى فِيهِ الْإِنْسَانُ قَبْلَ قَوْله أَو فعله وَقيل هُوَ جمع راوية أَيْ لِلْكَذِبِ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ.

.

قُلْتُ لَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فِي الْأَطْرَافِ لِأَبِي مَسْعُودٍ وَلَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ فَلَعَلَّهُمَا ذكرَاهُ فِي غير هذَيْن الْكِتَابَيْنِ ثمَّ ذكر حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حدث كذب الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَطَرَفًا مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ فِي الْمَنَامِ الطَّوِيلِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ وَشَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَفِيهِ الَّذِي رَأَيْتُهُ يَشُقُّ شدقه الْكذَّاب قَالَ بن بَطَّالٍ إِذَا كَرَّرَ الرَّجُلُ الْكَذِبَ حَتَّى اسْتَحَقَّ اسْمَ الْمُبَالَغَةِ بِالْوَصْفِ بِالْكَذِبِ لَمْ يَكُنْ مِنْ صِفَاتِ كَمَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ يَعْنِي فَلهَذَا عقب البُخَارِيّ حَدِيث بن مَسْعُودٍ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

.

قُلْتُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ هُنَا فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ يَشْمَلُ الْكَذِبَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ فِي حَدِيثِهِ وَالثَّانِي فِي أَمَارَتِهِ وَالثَّالِثُ فِي وَعْدِهِ قَالَ وَأَخْبَرَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بِعُقُوبَةِ الْكَاذِبِ بِأَنَّهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ وَذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ فَمُهُ الَّذِي كَذَبَ بِهِ.

.

قُلْتُ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ عُقُوبَةَ الْكَاذِبِ أُطْلِقَتْ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِالنَّارِ فَكَانَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بَيَانُهَا .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ وَمَا يُنْهَى عَنِ الْكَذِبِ)
قَالَ الرَّاغِبُ أَصْلُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْقَوْلِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا وَعْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَا يَكُونَانِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ إِلَّا فِي الْخَبَرِ وَقَدْ يَكُونَانِ فِي غَيْرِهِ كَالِاسْتِفْهَامِ وَالطَّلَبِ وَالصِّدْقُ مُطَابَقَةُ الْقَوْلِ الضَّمِيرَ وَالْمُخْبَرَ عَنْهُ فَإِنِ انْخَرَمَ شَرْطٌ لَمْ يَكُنْ صِدْقًا بَلْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَذِبًا أَوْ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا عَلَى اعْتِبَارَيْنِ كَقَوْلِ الْمُنَافِقِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ صَدَقَ لكَون الْمخبر عَنهُ كَذَلِك وَيصِح أَنْ يُقَالَ كَذَبَ لِمُخَالَفَةِ قَوْلِهِ لِضَمِيرِهِ وَالصِّدِّيقُ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الصِّدْقُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ فِي كُلِّ مَا يَحِقُّ فِي الِاعْتِقَادِ وَيَحْصُلُ نَحْوَ صَدَقَ ظَنِّي وَفِي الْفِعْلِ نَحْوَ صَدَقَ فِي الْقِتَالِ وَمِنْهُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا اه مُلَخصا.

     وَقَالَ  بن التِّينِ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ مَعَ الصَّادِقِينَ فَقِيلَ مَعْنَاهُ مثلهم وَقِيلَ مِنْهُمْ.

.

قُلْتُ وَأَظُنُّ الْمُصَنِّفَ لَمَّحَ بِذِكْرِ الْآيَةِ إِلَى قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَمَا أَدَاء صِدْقُهُ فِي الْحَدِيثِ إِلَى الْخَيْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَ لَهُ مَا وَقَعَ مِنْ تَرْكِ الْمُسْلِمِينَ كَلَامَهُ تِلْكَ الْمُدَّةَ حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ.

     وَقَالَ  فِي قِصَّتِهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمُ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُ فَأَهْلَكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ الْكَذِبُ مِنْ قَبَائِحِ الذُّنُوبِ وَلَيْسَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ وَلِذَلِكَ يُؤْذَنُ فِيهِ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا إِلَى الْمَصْلَحَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ إِذَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْهُ ضَرَرٌ مُبَاحًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ فَلَا يُبَاحُ مِنْهُ إِلَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَن أبي بكر الصّديق قَالَ الْكَذِب بِجَانِب الْإِيمَانَ وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا.

     وَقَالَ  الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَفَعَهُ قَالَ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَشَاهِدُ الْمَرْفُوعِ مِنْ مُرْسَلِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ فِي الْمُوَطَّأ قَالَ بن التِّين ظَاهره يُعَارض حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَمْلُ حَدِيثِ صَفْوَانَ عَلَى الْمُؤمن الْكَامِل

[ قــ :5765 ... غــ :6094] قَوْله جرير هُوَ بن عبد الحميد وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ.

.
وَأَمَّا جَرِيرٌ الْمَذْكُورُ فِي ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَاب فَهُوَ بن حَازِمٍ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ الْهِدَايَةِ وَهِيَ الدَّلَالَةُ الْمُوصِلَةُ إِلَى الْمَطْلُوبِ هَكَذَا وَقَعَ أَوَّلُ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَوَقَعَ فِي أَوَّلِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ وَفِيهِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ إِلَخْ .

     قَوْلُهُ  إِلَى الْبِرِّ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَصْلُهُ التَّوَسُّعُ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرَاتِ كُلِّهَا وَيُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِ الْخَالِصِ الدَّائِمِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ الْبر يهدي إِلَى الْجنَّة قَالَ بن بَطَّالٍ مِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الْأَبْرَار لفي نعيم .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَكَذَا زَادَهَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا قَالَ بن بَطَّالٍ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الصِّدْقُ حَتَّى يسْتَحق اسْم الْمُبَالغَة فِي الصدْق قَوْله ان الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ قَالَ الرَّاغِبُ أَصْلُ الْفَجْرِ الشَّقُّ فَالْفُجُورُ شَقُّ سِتْرِ الدِّيَانَةِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَيْلِ إِلَى الْفَسَادِ وَعَلَى الِانْبِعَاثِ فِي الْمعاصِي وَهُوَ اسْم جَامع للشر قَوْله ان الرَّجُلَ لَيَكْذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَكُونُ وَهُوَ وَزْنُ الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابَةِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِظْهَارُهُ لِلْمَخْلُوقِينَ مِنَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَإِلْقَاءُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَقَدْ ذكره مَالك بلاغا عَن بن مَسْعُودٍ وَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً مُفِيدَةً وَلَفْظُهُ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ فَيُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ فَيُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْقِ وَهُوَ قَصْدُهُ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ وَعَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَإِنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ فِيهِ كَثُرَ مِنْهُ فَيُعْرَفُ بِهِ.

.

قُلْتُ وَالتَّقْيِيدُ بِالتَّحَرِّي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَكَذَا قَالَ فِي الْكَذِبِ وَعِنْدَهُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ وَهُوَ أَبُو وَائِلٍ وَأَوَّلُهُ عِنْدَهُ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ وَفِيهِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ.

     وَقَالَ  فِيهِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ فَذَكَرَهُ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ تَوَقَّى الْكَذِبَ بِالْقَصْدِ الصَّحِيحِ إِلَى الصِّدْقِ صَارَ لَهُ الصِّدْقُ سَجِيَّةً حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْوَصْفَ بِهِ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَمْدَ وَالذَّمَّ فِيهِمَا يَخْتَصُّ بِمَنْ يَقْصِدُ إِلَيْهِمَا فَقَط وَإِن كَانَ الصَّادِقُ فِي الْأَصْلِ مَمْدُوحًا وَالْكَاذِبُ مَذْمُومًا ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي بِلَادِنَا وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَكَذَا نَقَلَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَنَقَلَ أَبُو مَسْعُودٍ عَنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ بن مثنى وبن بَشَّارٍ زِيَادَةً وَهِيَ إِنَّ شَرَّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ لِأَنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ مِنْهُ جِدٌّ وَلَا هَزْلٌ وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ ثُمَّ يُخْلِفُهُ فَذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَهَا أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَلَيْسَتْ عِنْدَنَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَالرَّوَايَا جَمْعُ روية بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ مَا يَتَرَوَّى فِيهِ الْإِنْسَانُ قَبْلَ قَوْله أَو فعله وَقيل هُوَ جمع راوية أَيْ لِلْكَذِبِ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ.

.

قُلْتُ لَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فِي الْأَطْرَافِ لِأَبِي مَسْعُودٍ وَلَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ فَلَعَلَّهُمَا ذكرَاهُ فِي غير هذَيْن الْكِتَابَيْنِ ثمَّ ذكر حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حدث كذب الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَطَرَفًا مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ فِي الْمَنَامِ الطَّوِيلِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ وَشَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَفِيهِ الَّذِي رَأَيْتُهُ يَشُقُّ شدقه الْكذَّاب قَالَ بن بَطَّالٍ إِذَا كَرَّرَ الرَّجُلُ الْكَذِبَ حَتَّى اسْتَحَقَّ اسْمَ الْمُبَالَغَةِ بِالْوَصْفِ بِالْكَذِبِ لَمْ يَكُنْ مِنْ صِفَاتِ كَمَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ يَعْنِي فَلهَذَا عقب البُخَارِيّ حَدِيث بن مَسْعُودٍ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

.

قُلْتُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ هُنَا فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ يَشْمَلُ الْكَذِبَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ فِي حَدِيثِهِ وَالثَّانِي فِي أَمَارَتِهِ وَالثَّالِثُ فِي وَعْدِهِ قَالَ وَأَخْبَرَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بِعُقُوبَةِ الْكَاذِبِ بِأَنَّهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ وَذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ فَمُهُ الَّذِي كَذَبَ بِهِ.

.

قُلْتُ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ عُقُوبَةَ الْكَاذِبِ أُطْلِقَتْ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِالنَّارِ فَكَانَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بَيَانُهَا .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وَمَا يُنْهَى عَنِ الْكَذِبِ
( باب قول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} ) [التوبة: 119] في إيمانهم دون المنافقين أو مع الذين لم يتخلفوا أو مع الذين صدقوا في دين الله نيَّةً وقولاً وعملاً، والآية تدل على أن الإيمان حجة لأنه أمر بالكون مع الصادقين فيلزم قبول قولهم ( و) بيان ( ما ينهى عن الكذب) .


[ قــ :5765 ... غــ : 6094 ]
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا».

وبه قال: ( حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر بن أبي شيبة قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن أبي وائل) شقيق بن سلمة ( عن عبد الله) بن مسعود ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إن الصدق يهدي إلى البر) بكسر الموحدة وتشديد الراء أي يوصل إلى الخيرات كلها والصدق يطلق على صدق اللسان وهو نقيض الكذب، والصدق في النية وهو الإخلاص فيراعى معنى الصدق في مناجاته ولا يكن ممن قال: وجّهت وجهي لله وهو غافل كاذب، والصدق في العزم على خير نواه أي يقوي عزم أنه إذا ولي مثلاً لا يظلم، والصدق في الوفاء بالعزم أي حال وقوع الولاية مثلاً، والصدق في الأعمال وأقله استواء سريرته وعلانيته، والصدق في المقامات كالصدق في الخوف والرجاء وغيرهما فمن اتصف بالستة كان صديقًا أو ببعضها كان صادقًا.
وقال الراغب: الصدق مطابقة القول الضمير والمخبر عنه فإن انخرم شرط لم يكن صدقًا بل يكون كذبًا أو مترددًا بينهما على اعتبارين كقول المنافق: محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه يصح أن يقال صدق لكون المخبر عنه كذلك ويصح أن يقال كذب لمخالفة قوله لضميره ( وإن البر يهدي) يوصل ( إلى الجنة وإن الرجل ليصدق) في السر والعلانية ويتكرر ذلك منه ( حتى يكون صديقًا) بكسر الصاد والدال المشددة وهو من أبنية المبالغة ونظيره الضحيك والمراد فرط صدقه حتى يصدق قوله العمل فالتنكير للتعظيم والتفخيم أي بلغ في الصدق إلى غايته ونهايته حتى دخل زمرتهم واستحق ثوابهم ( وإن الكذب يهدي) يوصل ( إلى الفجور) الذي هو ضد البر ( وإن الفجور هدي) يوصل ( إلى النار) قال تعالى: { إن الإبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} [الانفطار: 14] ( وإن الرجل ليكذب) ويتكرر ذلك منه ( حتى يكتب) بضم أوّله مبنيًا للمفعول ( عند الله كذابًا) أي يحكم له بذلك ويظهره للمخلوقين من الملأ الأعلى ويلقي ذلك في قلوب أهل الأرض وألسنتهم فيستحق بذلك صفة الكذابين وعقابهم، ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى يكون بدل يكتب، وعن ابن مسعود مما ذكره الإمام مالك بلاغًا: لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتب عند الله من الكذابين.

وحديث الباب أخرجه مسلم في الأدب أيضًا.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا معع الصَّادِقين} ( التَّوْبَة: 119) وَمَا يُنْهاى عَنِ الكَذِبِ

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول الله عز وَجل: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} ... الْآيَة، قَوْله: { وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} أَي: مثلهم أَو مِنْهُم، والصادقون هم الَّذين يصدقون فِي قَوْلهم وعملهم، وَقيل: فِي أَيْمَانهم يُوفونَ بِمَا عَاهَدُوا.
قَوْله: ( وَمَا ينْهَى) أَي: الْبابُُ أَيْضا فِي بابُُ مَا ينْهَى عَن الْكَذِب.

[ قــ :5765 ... غــ :6094 ]
- حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَة حَدثنَا جَرِيرُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أبي وائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقاً، وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّار وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً.


وَجه الْمُطَابقَة بَينه وَبَين الْآيَة الْمَذْكُورَة ظَاهر، وَهُوَ أَن الصدْق يهدي إِلَى الْجنَّة وَالْآيَة فِيهَا أَيْضا الْأَمر بالكون مَعَ الصَّادِقين والكون مَعَهم أَيْضا يهدي إِلَى الْجنَّة.

وَعُثْمَان بن أبي شيبَة أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة، وَاسم أبي شيبَة إِبْرَاهِيم وَهُوَ جد عُثْمَان لِأَنَّهُ ابْن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب أَيْضا عَن عُثْمَان وَعَن أَخِيه أبي بكر بن أبي شيبَة.

قَوْله: ( يهدي) من الْهِدَايَة وَهِي الدّلَالَة الموصلة إِلَى البغية.
قَوْله: ( إِلَى الْبر) بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الرَّاء وَهُوَ الْعَمَل الصَّالح الْخَالِص من كل مَذْمُوم وَهُوَ إسم جَامع لِلْخَيْرَاتِ كلهَا.
قَوْله: ( صديقا) بِكَسْر الصَّاد وَتَشْديد الدَّال وَهُوَ صِيغَة الْمُبَالغَة.
قَوْله: ( إِلَى الْفُجُور) وَهُوَ الْميل إِلَى الْفساد، وَقيل: الانبعاث فِي الْمعاصِي وَهُوَ جَامع للشرور وهما متقابلان، قَالَ الله عز وَجل: { إِن الْأَبْرَار لفي نعيم.
.
لفي جحيم}
( الانفطار: 13 14) .
قَوْله: ( حَتَّى يكْتب) ، أَي: يحكم لَهُ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى يكون، وَالْمرَاد الْإِظْهَار للمخلوقين إِمَّا للملأ الْأَعْلَى وَإِمَّا أَن يلقى ذَلِك فِي قُلُوب النَّاس وألسنتهم، وإلاَّ فَحكم الله أزلي، وَالْغَرَض: أَنه يسْتَحق وصف الصديقين وثوابهم وَصفَة الْكَذَّابين وعقابهم، وَكَيف لَا وَإنَّهُ من عَلَامَات النِّفَاق، وَلَعَلَّه لم يقل فِي الصّديق بِلَفْظ يكْتب إِشَارَة إِلَى أَن الصّديق من جملَة الَّذين قَالَ الله فيهم: { الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين} ( النِّسَاء: 69) .
فَإِن قلت: حَدِيث عبد الله هَذَا يُعَارضهُ حَدِيث صَفْوَان بن سليم الَّذِي رَوَاهُ مَالك عَنهُ أَنه قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيكُون الْمُؤمن كذابا؟ قَالَ: لَا.
وَحَدِيث: يطبع الْمُؤمن على كل شَيْء لَيْسَ الْخِيَانَة وَالْكذب.
قلت: المُرَاد بِالْمُؤمنِ فِي حَدِيث صَفْوَان الْمُؤمن الْكَامِل أَي: لَا يكون الْمُؤمن المستكمل لأعلى دَرَجَات الْإِيمَان كذابا حَتَّى يغلبه الْكَذِب، لِأَن كذابا وَزنه فعال وَهُوَ من أبنية الْمُبَالغَة لمن يكثر الْكَذِب مِنْهُ ويتكرر حَتَّى يعرف بِهِ، وَكَذَلِكَ لكذوب، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي الحَدِيث الآخر.