هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5804 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5804 حدثنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Huraira:

The Prophet (ﷺ) said, A believer is not stung twice (by something) out of one and the same hole.

":"ہم سے قتیبہ بن سعید نے بیان کیا ، انہوں نے کہا ہم سے لیث بن سعد نے بیان کیا ، انہوں نے کہا ان سے عقیل نے بیان کیا ، ان سے زہری نے ، ان سے ابن مسیب نے اور ان سے حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا مومن کوایک سوراخ سے دوبارہ ڈنگ نہیں لگ سکتا ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [6133] قَوْله عَن بن الْمُسَيَّبِ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أخرجه الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ فِيهِ وَخَالَفَهُمْ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ وَزَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ وَهُمَا ضَعِيفَانِ فَقَالَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ زَمعَة وبن أَبِي الْأَخْضَرِ وَاسْتَغْرَبَهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُعَافَى قَالَ.

.
وَأَمَّا زَمْعَةُ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا أَبُو نُعَيْمٍ.

.

قُلْتُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ وَرَوَاهُ عَنْ زَمْعَةَ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو أَحْمد الزبيرِي أخرجه بن مَاجَهْ .

     قَوْلُهُ  لَا يُلْدَغُ هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى صِيغَةِ الْخَبَرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ أَيْ لِيَكُنِ الْمُؤْمِنُ حَازِمًا حَذِرًا لَا يُؤْتَى مِنْ نَاحِيَةِ الْغَفْلَةِ فَيُخْدَعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي أَمْرِ الدِّينِ كَمَا يَكُونُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَهُوَ أَوْلَاهُمَا بِالْحَذَرِ وَقَدْ رُوِيَ بِكَسْرِ الْغَيْنِ فِي الْوَصْل فَيتَحَقَّق معنى النَّهْي عَنهُ قَالَ بن التِّينِ وَكَذَلِكَ قَرَأْنَاهُ قِيلَ مَعْنَى لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ أَنَّ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا لَا يُعَاقَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ.

.

قُلْتُ إِنْ أَرَادَ قَائِلُ هَذَا أَنَّ عُمُومَ الْخَبَرِ يَتَنَاوَلُ هَذَا فَيُمْكِنُ وَإِلَّا فَسَبَبُ الْحَدِيثِ يَأْبَى ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِيهِ تَحْذِيرٌ مِنَ التَّغْفِيلِ وَإِشَارَةٌ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْفِطْنَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ إِذَا نُكِبَ مِنْ وَجْهٍ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ.

.

قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الْأَكْثَرُ وَمِنْهُمُ الزُّهْرِيُّ رَاوِي الْخَبَرِ فَأَخْرَجَ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ لَمَّا قَدِمَ مِنْ عِنْدَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَاذَا صَنَعَ بِكَ قَالَ أَوْفَى عَنِّي دَيْنِي ثُمَّ قَالَ يَا بن شِهَابٍ تَعُودُ تُدَانُ.

.

قُلْتُ لَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ لَا يُعَاقَبُ فِي الدُّنْيَا بِذَنْبٍ فَيُعَاقَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَحَمَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَامِلِ الَّذِي قَدْ أَوْقَفَتْهُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى غَوَامِضِ الْأُمُورِ حَتَّى صَارَ يَحْذَرُ مِمَّا سَيَقَعُ.

.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْمُغَفَّلُ فَقَدْ يُلْدَغُ مِرَارًا .

     قَوْلُهُ  مِنْ جُحْرٍ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ وَاحِدٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ جُحْرِ حَيَّةٍ وَهِيَ زِيَادَةٌ شَاذَّة قَالَ بن بَطَّالٍ وَفِيهِ أَدَبٌ شَرِيفٌ أَدَّبَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ وَنَبَّهَهُمْ كَيْفَ يَحْذَرُونَ مِمَّا يَخَافُونَ سُوءَ عَاقِبَتِهِ وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ حَذِرٌ أَخْرَجَهُ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَالَ وَهَذَا الْكَلَامُ مِمَّا لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوَّلُ مَا قَالَهُ لِأَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ وَكَانَ شَاعِرًا فَأُسِرَ بِبَدْرٍ فَشكى عَائِلَةً وَفَقْرًا فَمَنَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطْلَقَهُ بِغَيْرِ فِدَاءٍ فَظَفِرَ بِهِ بِأُحُدٍ فَقَالَ مُنَّ عَلَيَّ وَذَكَرَ فَقْرَهُ وَعِيَالَهُ فَقَالَ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ تَقُولُ سَخِرْتُ بِمُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنِ وَأُمِرَ بِهِ فَقُتِلَ وَأَخْرَجَ قِصَّتَهُ بن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي بِغَيْر إِسْنَاد.

     وَقَالَ  بن هِشَامٍ فِي تَهْذِيبِ السِّيرَةِ بَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَئِذٍ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ وَصَنِيعُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْثَال مُشكل على قَول بن بَطَّالٍ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ ذَلِك وَلذَلِك قَالَ بن التِّينِ إِنَّهُ مَثَلٌ قَدِيمٌ.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّ هَذَا السَّبَبُ يُضَعِّفُ الْوَجْهَ الثَّانِي يَعْنِي الرِّوَايَةَ بِكَسْرِ الْغَيْنعَلَى النَّهْيِ وَأَجَابَ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهُ يُوَجَّهُ بِأَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مِنْ نَفْسِهِ الزَّكِيَّةِ الْمَيْلَ إِلَى الْحِلْمِ جَرَّدَ مِنْهَا مُؤْمِنًا حَازِمًا فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ يَعْنِي لَيْسَ مِنْ شِيمَةِ الْمُؤْمِنِ الْحَازِمِ الَّذِي يَغْضَبُ لِلَّهِ أَنْ يَنْخَدِعَ مِنَ الْغَادِرِ الْمُتَمَرِّدِ فَلَا يَسْتَعْمِلُ الْحِلْمَ فِي حَقِّهِ بَلْ يَنْتَقِمُ مِنْهُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا قَالَ فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحِلْمَ لَيْسَ مَحْمُودًا مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ الْجُودَ لَيْسَ مَحْمُودًا مُطْلَقًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الصَّحَابَة أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم قَالَ وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ بِالرَّفْعِ فَيَكُونُ إِخْبَارًا مَحْضًا لَا يُفْهَمُ هَذَا الْغَرَضُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ بِصِيغَةِ النَّهْيِ أَرْجَحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ احْتَرِسُوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ بِالْعَنْعَنَةِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى وَهُوَ ضَعِيفٌ فَلَهُ عِلَّتَانِ وَصَحَّ مِنْ قَوْلِ مطرف التَّابِعِيّ الْكَبِير أخرجه مُسَدّد ( قَولُهُ بَابُ حَقِّ الضَّيْفِ)

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ)
اللَّدْغُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَا يَكُونُ مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ وَاللَّذْعُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَا يَكُونُ مِنَ النَّارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَالْجُحْرُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مُعَاوِيَةُ لَا حَكِيمَ إِلَّا بِتَجْرِبَةٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِوَزْنِ عَظِيمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا حِلْمَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ إِلَّا بِتَجْرِبَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِلَّا لِذِي تَجْرِبَةٍ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ مُعَاوِيَةُ لَا حِلْمَ إِلَّا بِالتَّجَارِبِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ ثُمَّ انْتَبَهَ فَقَالَ لَا حَلِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ قَالَهَا ثَلَاثًا وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا لَا حَلِيمَ إِلَّا ذُو عَثْرَةٍ وَلَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَححهُ بن حبَان قَالَ بن الْأَثِيرِ مَعْنَاهُ لَا يَحْصُلُ الْحِلْمُ حَتَّى يَرْتَكِبَ الْأُمُورَ وَيَعْثُرَ فِيهَا فَيَعْتَبِرُ بِهَا وَيَسْتَبِينُ مَوَاضِعَ الْخَطَأِ وَيَجْتَنِبُهَا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْمَعْنَى لَا يَكُونُ حَلِيمًا كَامِلًا إِلَّا مَنْ وَقَعَ فِي زَلَّةٍ وَحَصَلَ مِنْهُ خَطَأٌ فَحِينَئِذٍ يَخْجَلُ فَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَنْ يَسْتُرَ مَنْ رَآهُ عَلَى عَيْبٍ فَيَعْفُوَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ مَنْ جَرَّبَ الْأُمُورَ عَلِمَ نَفْعَهَا وَضَرَرَهَا فَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا إِلَّا عَنْ حِكْمَةٍ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصُ الْحَلِيمِ بِذِي التَّجْرِبَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ غَيْرَ الْحَكِيمِ بِخِلَافِهِ وَأَنَّ الْحَلِيمَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ تَجْرِبَةٌ قَدْ يَعْثُرُ فِي مَوَاضِعَ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِيهَا الْحِلْمُ بِخِلَافِ الْحَلِيمِ الْمُجَرِّبِ وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ أَثَرِ مُعَاوِيَةَ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَالله تَعَالَى أعلم

[ قــ :5804 ... غــ :6133] قَوْله عَن بن الْمُسَيَّبِ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أخرجه الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ فِيهِ وَخَالَفَهُمْ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ وَزَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ وَهُمَا ضَعِيفَانِ فَقَالَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ زَمعَة وبن أَبِي الْأَخْضَرِ وَاسْتَغْرَبَهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُعَافَى قَالَ.

.
وَأَمَّا زَمْعَةُ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا أَبُو نُعَيْمٍ.

.

قُلْتُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ وَرَوَاهُ عَنْ زَمْعَةَ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو أَحْمد الزبيرِي أخرجه بن مَاجَهْ .

     قَوْلُهُ  لَا يُلْدَغُ هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى صِيغَةِ الْخَبَرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ أَيْ لِيَكُنِ الْمُؤْمِنُ حَازِمًا حَذِرًا لَا يُؤْتَى مِنْ نَاحِيَةِ الْغَفْلَةِ فَيُخْدَعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي أَمْرِ الدِّينِ كَمَا يَكُونُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَهُوَ أَوْلَاهُمَا بِالْحَذَرِ وَقَدْ رُوِيَ بِكَسْرِ الْغَيْنِ فِي الْوَصْل فَيتَحَقَّق معنى النَّهْي عَنهُ قَالَ بن التِّينِ وَكَذَلِكَ قَرَأْنَاهُ قِيلَ مَعْنَى لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ أَنَّ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا لَا يُعَاقَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ.

.

قُلْتُ إِنْ أَرَادَ قَائِلُ هَذَا أَنَّ عُمُومَ الْخَبَرِ يَتَنَاوَلُ هَذَا فَيُمْكِنُ وَإِلَّا فَسَبَبُ الْحَدِيثِ يَأْبَى ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِيهِ تَحْذِيرٌ مِنَ التَّغْفِيلِ وَإِشَارَةٌ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْفِطْنَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ إِذَا نُكِبَ مِنْ وَجْهٍ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ.

.

قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الْأَكْثَرُ وَمِنْهُمُ الزُّهْرِيُّ رَاوِي الْخَبَرِ فَأَخْرَجَ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ لَمَّا قَدِمَ مِنْ عِنْدَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَاذَا صَنَعَ بِكَ قَالَ أَوْفَى عَنِّي دَيْنِي ثُمَّ قَالَ يَا بن شِهَابٍ تَعُودُ تُدَانُ.

.

قُلْتُ لَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ لَا يُعَاقَبُ فِي الدُّنْيَا بِذَنْبٍ فَيُعَاقَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَحَمَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَامِلِ الَّذِي قَدْ أَوْقَفَتْهُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى غَوَامِضِ الْأُمُورِ حَتَّى صَارَ يَحْذَرُ مِمَّا سَيَقَعُ.

.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْمُغَفَّلُ فَقَدْ يُلْدَغُ مِرَارًا .

     قَوْلُهُ  مِنْ جُحْرٍ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ وَاحِدٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ جُحْرِ حَيَّةٍ وَهِيَ زِيَادَةٌ شَاذَّة قَالَ بن بَطَّالٍ وَفِيهِ أَدَبٌ شَرِيفٌ أَدَّبَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ وَنَبَّهَهُمْ كَيْفَ يَحْذَرُونَ مِمَّا يَخَافُونَ سُوءَ عَاقِبَتِهِ وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ حَذِرٌ أَخْرَجَهُ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَالَ وَهَذَا الْكَلَامُ مِمَّا لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوَّلُ مَا قَالَهُ لِأَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ وَكَانَ شَاعِرًا فَأُسِرَ بِبَدْرٍ فَشكى عَائِلَةً وَفَقْرًا فَمَنَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطْلَقَهُ بِغَيْرِ فِدَاءٍ فَظَفِرَ بِهِ بِأُحُدٍ فَقَالَ مُنَّ عَلَيَّ وَذَكَرَ فَقْرَهُ وَعِيَالَهُ فَقَالَ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ تَقُولُ سَخِرْتُ بِمُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنِ وَأُمِرَ بِهِ فَقُتِلَ وَأَخْرَجَ قِصَّتَهُ بن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي بِغَيْر إِسْنَاد.

     وَقَالَ  بن هِشَامٍ فِي تَهْذِيبِ السِّيرَةِ بَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَئِذٍ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ وَصَنِيعُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْثَال مُشكل على قَول بن بَطَّالٍ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ ذَلِك وَلذَلِك قَالَ بن التِّينِ إِنَّهُ مَثَلٌ قَدِيمٌ.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّ هَذَا السَّبَبُ يُضَعِّفُ الْوَجْهَ الثَّانِي يَعْنِي الرِّوَايَةَ بِكَسْرِ الْغَيْن عَلَى النَّهْيِ وَأَجَابَ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهُ يُوَجَّهُ بِأَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مِنْ نَفْسِهِ الزَّكِيَّةِ الْمَيْلَ إِلَى الْحِلْمِ جَرَّدَ مِنْهَا مُؤْمِنًا حَازِمًا فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ يَعْنِي لَيْسَ مِنْ شِيمَةِ الْمُؤْمِنِ الْحَازِمِ الَّذِي يَغْضَبُ لِلَّهِ أَنْ يَنْخَدِعَ مِنَ الْغَادِرِ الْمُتَمَرِّدِ فَلَا يَسْتَعْمِلُ الْحِلْمَ فِي حَقِّهِ بَلْ يَنْتَقِمُ مِنْهُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا قَالَ فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحِلْمَ لَيْسَ مَحْمُودًا مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ الْجُودَ لَيْسَ مَحْمُودًا مُطْلَقًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الصَّحَابَة أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم قَالَ وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ بِالرَّفْعِ فَيَكُونُ إِخْبَارًا مَحْضًا لَا يُفْهَمُ هَذَا الْغَرَضُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ بِصِيغَةِ النَّهْيِ أَرْجَحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ احْتَرِسُوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ بِالْعَنْعَنَةِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى وَهُوَ ضَعِيفٌ فَلَهُ عِلَّتَانِ وَصَحَّ مِنْ قَوْلِ مطرف التَّابِعِيّ الْكَبِير أخرجه مُسَدّد

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ.

     وَقَالَ  مُعَاوِيَةُ لاَ حَكِيمَ إِلاَّ ذُو تَجْرِبَةٍ
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
وقال معاوية)
بن أبي سفيان: صخر بن حرب ( لا حكيم) بالكاف المكسورة بوزن عظيم في الفرع ( إلا ذو) أي صاحب ( تجربة) وهذا لفظ أبي سعيد مرفوعًا أخرجه أحمد وصححه ابن حبان، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لا حلم بكسر الحاء المهملة وسكون اللام إلا بتجربة، ولأبي ذر عن الكشميهني: إلا لذي تجربة، والحلم التأني في الأمور المقلقة والمعنى أن المرء لا يوصف بالحلم حتى يجرب الأمور، وقيل المعنى لا يونس حليمًا كاملاً إلا من وقع في زلة وحصل منه خطأ فحينئذٍ يخجل.
وقال ابن الأثير: معناه لا يحصل الحلم حتى يركب الأمور ويعثر فيها فيعتبر بها ويستبين مواضع الخطأ ويجتنبها، وقيل: المراد أن من جرب الأمور وعرف عواقبها آثر الحلم وصبر على قليل الأذى ليدفع به ما هو أكبر منه.
وقال الطيبي: ويمكن أن يكون تخصيص الحليم بذي التجربة للإشارة إلى أن غير الحليم بخلافه فإن الحليم الذي ليس له تجربة قد يعثر في مواضع لا ينبغي له فيها الحلم بخلاف الحليم المجرب، وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة في مصنفه عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال معاوية: لا حلم إلا بالتجارب، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: كنت جالسًا عند معاوية فقال: لا حليم إلا ذو تجربة قالها ثلاثًا.
وأخرج من حديث أبي سيد مرفوعًا: لا حليم إلا ذو عثرة ولا حكيم إلا ذو تجربة، وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان ومرّ.


[ قــ :5804 ... غــ : 6133 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد البلخي قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن ابن المسيب) سعيد ( عن أبي هريرة رضي الله عنه فإنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) :
( لا يلدغ المؤمن) بالدال المهملة والغين المعجمة على صيغة المجهول وهو ما يكون من ذوات السموم وأما الذي بالذال المعجمة والعين المهملة فما يكون من النار والمؤمن مرفوع بيلدغ ( من جحر) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة ( واحد مرتين) .
وقوله: يلدغ بالرفع على صيغة الخبر ومعناه الأمر أي ليكن المؤمن حازمًا حذرًا لا يؤتي من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى وقد
يكون ذلك في أمر الذين كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر، وروي بكسر الغين بلفظ النهي فيتحقق فيه معنى النهي على هذه الرواية قاله الخطابي.
قال السفاقسي بعد ذكره له: وكذا قرأناه انتهى أي: لا يخدعن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه، لكن قال التوربشتي: أرى أن الحديث لم يبلغ الخطابي على ما كان عليه وهو مشهور عند أهل السير وذلك أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منّ على أبي عزة الشاعر الجمحي وشرط عليه أن لا يجلب عليه، فلما بلغ مأمنه عاد إلى ما كان فأسر مرة أخرى فأمر بضرب عنقه وكلمه بعض الناس في المنّ عليه فقال: ( لا يلدغ المؤمن) الحديث.

ونقل النووي عن القاضي عياض هذه القصة وقال: سبب هذا الحديث معروف وهو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسر أبا عزة الشاعر يوم بدر فمنّ عليه وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه فأطلقه فلحق بقومه ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسر يوم أُحد فسأله المنّ فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يلدغ المؤمن" الحديث: وهذا السبب يضعف الوجه الثاني.

وأجاب في شرح المشكاة بأنه يوجه بأن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رأى من نفسه الزكية الكريمة الميل إلى الحلم والعفو عنه جرد منها مؤمنًا كاملاً حازمًا ذا شهامة ونهاه عن ذلك يعني ليس من شيمة المؤمن الحازم الذي يغضب لله ويذب عن دين الله أن ينخدع من مثل هذا الغادر المتمرد مرة بعد أخرى، فانته عن حديث الحلم وامض لشأنك في الانتقام منه والانتصار من عدو الله فإن مقام الغضب لله يأبى الحلم والعفو ومن أوصافه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان لا ينتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لها، وقد ظهر من هذا أن الحلم مطلقًا غير محمود كما أن الحرد كذلك فمقام التحلم مع المؤمنين مندوب إليه مع الأولياء والغلظة مع الأعداء.
قال تعالى في وصف الصحابة { أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29] فظهر من هذا أن القول بالنهي أولى والمقام له أدعى، وسلوك ما ذهب إليه أبو سليمان الخطابي -رحمه الله- أوضح وأهدى وأحق أن يتبع وأحرى، وهذا الكلام منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأول ما قاله لأبي عزة المذكور، وأما قول السفاقسي وهذا مثل قديم تمثل به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا ما يتمثل بالأمثال القديمة، وأصل ذلك أن رجلاً أدخل يده في جحر لصيد أو غيره فلدغته حيّة في يده فضربته العرب مثلاً فقالوا: لا يدخل الرجل يده في جحر فيلدغ منه مرة ثانية، فتعقبه في المصابيح بأنه إذا كان المثل العربي على الصورة التي حكاها فالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يورده كذلك حتى يقال: إنه تمثل به.
نعم أورد كلامًا بمعناه، وانظر فرق ما بين كلامه عليه الصلاة والسلام وبين لفظ المثل المذكور، فطلاوة البلاغة على لفظه عليه الصلاة والسلام وحلاوة العبارة فيه بادية يدركها ذو الذوق السليم عليه أفضل صلاة الله وأزكى التسنيم.


تنبيه:
قال شيخنا في الأحاديث المشتهرة، وسبقه إلى الإشارة لنحوه شيخه في فتح الباري: حديث لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجة والعسكري كلهم من
حديث عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به مرفوعًا، لكن ليس عند ابن ماجة والعسكري واحد، وهو عند مسلم أيضًا من طريق ابن أخي ابن شهاب الزهري عن عمه به مثله، وتابعهما سعيد بن عبد العزيز أن هشام بن عبد الملك قضى عن الزهري سبعة آلاف دينار فقال هشام للزهري: لا تعد لمثلها.
فقال الزهري: يا أمير المؤمنين حدثني سعيد وذكره بلفظ: لا يلسع المؤمن من جحر مرّتين، وكذا تابعهم يونس عن الزهري وهو الصواب وخالفهم زمعة بن صالح حيث رواه عن الزهري فقال عن سالم عن ابن عمر بلفظ: لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين أخرجه القضاعي، وتابعه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري، لكن صالح وزمعة ضعيفان.
وفي الباب عن عمرو بن عوف المزني عند الطبراني في الكبير والأوسط وإليه الإشارة يقول يعقوب في قصة ابنه عليهما الصلاة والسلام: { هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} [يوسف: 64] .

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابٌُ لَا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْر مَرَّتَيْنِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ، غير أَن فِي الحَدِيث من: جُحر وَاحِد، واللدغ بِالدَّال الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة مَا يكون من ذَوَات السمُوم، واللذع بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة مَا يكون من النَّار، والجحر بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة.

وَقَالَ مُعاوِيَةُ: لَا حَلِيمَ إلاَّ ذُو تَجْرِبَةٍ
مُعَاوِيَة هُوَ ابْن أبي سُفْيَان.
ومناسبة ذكر أَثَره للْحَدِيث الَّذِي هُوَ التَّرْجَمَة هِيَ أَن الْحَلِيم الَّذِي لَيْسَ لَهُ تجربة قد يَقع فِي أَمر مرّة بعد أُخْرَى فَلذَلِك قيد الْحَلِيم بِذِي التجربة.
قَوْله: لَا حَلِيم إلاَّ ذُو تجربة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: لَا حلم بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون اللَّام إلاَّ بتجربة، والحلم عبارَة عَن التأني فِي الْأُمُور المقلقة، وَالْمعْنَى: أَن الْمَرْء لَا يُوصف بالحلم حَتَّى يجرب الْأُمُور، وَقيل: إِن من جرب الْأُمُور وَعرف عواقبها آثر الْحلم وصبر على قَلِيل الْأَذَى ليدفع بِهِ مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ، وَتَعْلِيق مُعَاوِيَة وَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) عَن عِيسَى بن يُونُس عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة: لَا حلم إلاَّ بالتجارب.



[ قــ :5804 ... غــ :6133 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنِ ابنِ المُسَيَّب عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ( لَا يُلْدغُ المْؤْمِنُ مِنْ جْحْرٍ واحدٍ مَرَّتَيْنِ) .


الحَدِيث هُوَ عين التَّرْجَمَة.
وَعقيل بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف ابْن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب وَأَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب كِلَاهُمَا عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن مُحَمَّد بن الْحَارِث الْمصْرِيّ.

قَوْله: ( لَا يلْدغ) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمُؤمن مَرْفُوع بِهِ على صِيغَة الْخَبَر،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذَا لَفظه خبر وَمَعْنَاهُ أَمر أَي: لَكِن الْمُؤمن حازماً حذرا لَا يُؤْتى من نَاحيَة الْغَفْلَة فينخدع مرّة بعد أُخْرَى، وَقد يكون ذَلِك فِي أَمر الدّين كَمَا يكون فِي أَمر الدُّنْيَا، وَهُوَ أولاهما بالحذر.
قَالَ: وَقد رُوِيَ بِكَسْر الْغَيْن فِي الْوَصْل فَيتَحَقَّق معنى النَّهْي فِيهِ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَكَذَلِكَ قَرَأنَا،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ إِذا نكث من وَجه أَن يعود إِلَيْهِ، وَقيل: المُرَاد بِالْمُؤمنِ فِي هَذَا الحَدِيث الْكَامِل الَّذِي قد وقفته مَعْرفَته على غوامض الْأُمُور حَتَّى صَار يحذر مِمَّا سيقع، وَأما الْمُؤمن الْمُغَفَّل فقد يلْدغ مرَارًا، وَهَذَا الْكَلَام مِمَّا لم يسْبق إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأول مَا قَالَه لأبي غرَّة الجُمَحِي وَكَانَ شَاعِرًا فَأسر ببدر فَشكى عائلة وفقراً فَمن عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأطْلقهُ بِغَيْر فدَاه، فظفر بِهِ بِأحد فَقَالَ: من عَليّ وَذكر فقره وَعِيَاله، فَقَالَ: لَا تمسح عَارِضَيْك بِمَكَّة، وَتقول: سخرت بِمُحَمد مرَّتَيْنِ، وَأمر بِهِ فَقتل.