هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
61 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا ، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، فَاسْتَحْيَيْتُ ، ثُمَّ قَالُوا : حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : هِيَ النَّخْلَةُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
61 حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ، وإنها مثل المسلم ، فحدثوني ما هي فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله : ووقع في نفسي أنها النخلة ، فاستحييت ، ثم قالوا : حدثنا ما هي يا رسول الله قال : هي النخلة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا ، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، فَاسْتَحْيَيْتُ ، ثُمَّ قَالُوا : حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : هِيَ النَّخْلَةُ .

Narrated Ibn `Umar:

Allah's Messenger (ﷺ) said, Amongst the trees, there is a tree, the leaves of which do not fall and is like a Muslim. Tell me the name of that tree. Everybody started thinking about the trees of the desert areas. And I thought of the date-palm tree but felt shy to answer the others then asked, What is that tree, O Allah's Messenger (ﷺ) ? He replied, It is the date-palm tree.

0061 Ibn Umar dit : Une fois, le Messager de Dieu a dit: « Parmi les arbres, il y a un dont les feuilles ne tombent pas, il ressemble au musulman; lequel ? » Et les présents de commencer à citer les arbres du désert. Quand à moi, je pensai au palmier mais je ne dit mot à cause de ma timidité. Puis on demanda : « O Messager de Dieu ! renseigne-nous ! lequel ? » « C’est le palmier.«   

":"ہم سے قتیبہ بن سعید نے بیان کیا ، کہا ہم سے اسماعیل بن جعفر نے بیان کیا ، انھوں نے عبداللہ بن دینار سے ، انھوں نے عبداللہ بن عمر رضی اللہ عنہما سے کہا کہآنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا درختوں میں ایک درخت ایسا ہے کہ اس کے پتے نہیں جھڑتے اور مسلمان کی مثال اسی درخت کی سی ہے ۔ بتاؤ وہ کون سا درخت ہے ؟ یہ سن کر لوگوں کا خیال جنگل کے درختوں کی طرف دوڑا ۔ عبداللہ رضی اللہ عنہ نے کہا میرے دل میں آیا کہ وہ کھجور کا درخت ہے ۔ مگر میں اپنی ( کم سنی کی ) شرم سے نہ بولا ۔ آخر صحابہ نے آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم ہی سے پوچھا کہ وہ کون سا درخت ہے ؟ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا وہ کھجور کا درخت ہے ۔

0061 Ibn Umar dit : Une fois, le Messager de Dieu a dit: « Parmi les arbres, il y a un dont les feuilles ne tombent pas, il ressemble au musulman; lequel ? » Et les présents de commencer à citer les arbres du désert. Quand à moi, je pensai au palmier mais je ne dit mot à cause de ma timidité. Puis on demanda : « O Messager de Dieu ! renseigne-nous ! lequel ? » « C’est le palmier.«   

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [61] .

     قَوْلُهُ  إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً زَادَ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْفَهم فِي الْعلم قَالَ صَحِبت بن عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ.

     وَقَالَ  إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ وَلَهُ عَنْهُ فِي الْبُيُوعِ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا .

     قَوْلُهُ  لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِكَسْرِ مِيمِ مِثْلِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة بفتحهما وَهُمَا بِمَعْنًى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ مِثْلُهُ وَمَثَلُهُ كَلِمَةُ تَسْوِيَةٍ كَمَا يُقَالُ شِبْهُهُ وَشَبَهُهُ بِمَعْنًى قَالَ وَالْمَثَلُ بِالتَّحْرِيكِ أَيْضًا مَا يُضْرَبُ مِنَ الْأَمْثَالِ انْتَهَى وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ النَّخْلَةِ وَالْمُسْلِمِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ سُقُوطِ الْوَرَقِ مَا رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بن عُمَرَ وَلَفْظُهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ إِن مثل الْمُؤمن كَمثل شَجَرَة لاتسقط لَهَا أُنْمُلَةٌ أَتَدْرُونَ مَا هِيَ قَالُوا لَا قَالَ هِيَ النَّخْلَة لاتسقط لَهَا أُنْمُلَةٌ وَلَا تَسْقُطُ لِمُؤْمِنٍ دَعْوَةٌ وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ قَالَ حَدثنِي مُجَاهِد عَن بن عُمَرَ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَبَرَكَةُ النَّخْلَةِ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا مُسْتَمِرَّةٌ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا فَمِنْ حِينِ تَطْلُعُ إِلَى أَنْ تَيْبَسَ تُؤْكَلُ أَنْوَاعًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْتَفَعُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا حَتَّى النَّوَى فِي عَلْفِ الدَّوَابِّ وَاللِّيفِ فِي الْحِبَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَايَخْفَى وَكَذَلِكَ بَرَكَةُ الْمُسْلِمِ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَنَفْعُهُ مُسْتَمِرٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيق نَافِع عَن بن عُمَرَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا وَلَا وَلَا وَلَا كَذَا ذَكَرَ النَّفْيَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى طَرِيقِ الِاكْتِفَاءِ فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ ثَمَرُهَا وَلَا يُعْدَمُ فَيْؤُهَا وَلَا يَبْطُلُ نَفْعُهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ذِكْرُ النَّفْيِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَظَنَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ الرَّاوِي عَنْهُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  تُؤْتِي أُكُلَهَا فَاسْتَشْكَلَهُ.

     وَقَالَ  لَعَلَّ لَا زَائِدَةٌ وَلَعَلَّهُ وَتُؤْتِي أُكُلَهَا وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ مَعْمُولُ النَّفْيِ مَحْذُوفٌ عَلَى سَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَقَولُهُ تُؤْتِي ابْتِدَاءُ كَلَامٍ عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ لِمَا تَقَدَّمَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِتَقْدِيمِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا فَسَلِمَ مِنَ الْإِشْكَالِ .

     قَوْلُهُ  فَوَقَعَ النَّاسُ أَيْ ذَهَبَتْ أَفْكَارُهُمْ فِي أَشْجَارِ الْبَادِيَةِ فَجَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ يُفَسِّرُهَا بِنَوْعٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ وَذَهِلُوا عَنِ النَّخْلَةِ يُقَالُ وَقَعَ الطَّائِرُ عَلَى الشَّجَرَةِ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ بن عُمَرَ الرَّاوِي .

     قَوْلُهُ  وَوَقَعَ فِي نَفْسِي بَيَّنَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَن بن عُمَرَ وَجْهَ ذَلِكَ قَالَ فَظَنَنْتُ أَنَّهَا النَّخْلَةُ مِنْ أَجْلِ الْجُمَّارِ الَّذِي أُتِيَ بِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُلْغَزَ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَفَطَّنَ لِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الْوَاقِعَةِ عِنْدَ السُّؤَالِ وَأَنَّ الْمُلْغِزَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي التَّعْمِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَجْعَلُ لِلْمُلْغَزِ بَابًا يَدْخُلُ مِنْهُ بَلْ كُلَّمَا قَرَّبَهُ كَانَ أَوْقَعَ فِي نَفْسِ سَامِعِهِ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَحْيَيْتُ زَادَ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ فِي بَابِ الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ وَلَهُ فِي الْأَطْعِمَةِ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ وَفِي رِوَايَةِ نَافِعٍ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَلَمَّا قُمْنَا.

.

قُلْتُ لِعُمَرَ يَا أَبَتَاهُ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي بَابِ الْحَيَاءِ فِي الْعِلْمِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا زَاد بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَحْسَبُهُ قَالَ حُمْرُ النَّعَمِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ امْتِحَانُ الْعَالِمِ أَذْهَانَ الطَّلَبَةِ بِمَا يَخْفَى مَعَ بَيَانِهِ لَهُمْ إِنْ لَمْ يَفْهَمُوهُ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْأُغْلُوطَاتِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَحَدُ رُوَاتِهِ هِيَ صِعَابُ الْمَسَائِلِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ أَوْ مَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ تَعَنُّتِ الْمَسْئُولِ أَوْ تَعْجِيزِهِ وَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بَابُ الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْحَيَاءِ مَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى تَفْوِيتِ مَصْلَحَةٍ وَلِهَذَا تَمَنَّى عُمَرُ أَنْ يَكُونَ ابْنُهُ لَمْ يَسْكُتْ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي الْعِلْمِ وَفِي الْأَدَبِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بَرَكَةِ النَّخْلَةِ وَمَا تُثْمِرُهُ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَيْضا وَفِيه دَلِيل على أَنَّ بَيْعَ الْجُمَّارِ جَائِزٌ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَكْلُهُ جَازَ بَيْعُهُ وَلِهَذَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤلف فِي الْبيُوع وَتعقبه بن بَطَّالٍ لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ عَقِبَ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَعَلَّ مُتَخَيِّلًا يَتَخَيَّلُ أَنَّ هَذَا مِنْ ذَاكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَجْمِيرِ النَّخْلِ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ فِي الْأَطْعِمَةِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَأَوْرَدَهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طيبَة إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّجَرَةِ النَّخْلَةُ وَقَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَا هِيَ قَالَ بن عُمَرَ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَمَنَعَنِي أَنْ أَتَكَلَّمَ مَكَانُ سِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْجُمَّارِ فَشَرَعَ فِي أَكْلِهِ تَالِيًا لِلْآيَةِ قَائِلًا إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَة إِلَى آخِره وَوَقع عِنْد بن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عبد الله بن دِينَار عَن بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ يُخْبِرُنِي عَنْ شَجَرَةٍ مِثْلُهَا مِثْلُالْمُؤْمِنِ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهُوَ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْبَزَّارِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَصْلَ دِينِ الْمُسْلِمِ ثَابِتٌ وَأَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنَ الْعُلُومِ وَالْخَيْرِ قُوتٌ لِلْأَرْوَاحِ مُسْتَطَابٌ وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ مَسْتُورًا بِدِينِهِ وَأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِكُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ حَيًّا وَمَيِّتًا انْتَهَى.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ فَرْعِ الْمُؤْمِنِ فِي السَّمَاءِ رَفْعُ عَمَلِهِ وَقَبُولُهُ وَرَوَى الْبَزَّارُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَن مُجَاهِد عَن بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ النَّخْلَةِ مَا أَتَاكَ مِنْهَا نَفَعَكَ هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ أَفْصَحَ بِالْمَقْصُودِ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ.

.
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَوْقِعَ التَّشْبِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالنَّخْلَةِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ النَّخْلَةِ إِذَا قُطِعَ رَأْسُهَا مَاتَتْ أَوْ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ حَتَّى تُلَقَّحَ أَوْ لِأَنَّهَا تَمُوتُ إِذَا غَرِقَتْ أَوْ لِأَنَّ لِطَلْعِهَا رَائِحَةَ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ أَوْ لِأَنَّهَا تَعْشَقُ أَوْ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ مِنْ أَعْلَاهَا فَكُلُّهَا أَوْجُهٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنَ الْمُشَابِهَاتِ مُشْتَرِكٌ فِي الْآدَمِيِّينَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ وَأَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَةِ طِينِ آدَمَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ ضَرْبٌ الْأَمْثَالِ وَالْأَشْبَاهِ لِزِيَادَةِ الْإِفْهَامِ وَتَصْوِيرُ الْمَعَانِي لِتَرْسَخَ فِي الذِّهْنِ وَلِتَحْدِيدِ الْفِكْرِ فِي النَّظَرِ فِي حُكْمِ الْحَادِثَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تَشْبِيهَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَظِيرَهُ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الْجَمَادَاتِ وَلَا يُعَادِلُهُ وَفِيهِ تَوْقِيرُ الْكَبِيرِ وَتَقْدِيمُ الصَّغِيرِ أَبَاهُ فِي الْقَوْلِ وَأَنَّهُ لَا يُبَادِرُهُ بِمَا فَهِمَهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَفِيهِ أَنَّ الْعَالِمَ الْكَبِيرَ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ بَعْضُ مَا يُدْرِكُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ لِأَنَّ الْعِلْمَ مَوَاهِبُ وَاللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ الْخَوَاطِرَ الَّتِي تَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ مَحَبَّةِ الثَّنَاءِ عَلَى أَعْمَالِ الْخَيْرِ لَا يَقْدَحُ فِيهَا إِذَا كَانَ أَصْلُهَا لِلَّهِ وَذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَمَنِّي عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَوَجْهُ تَمَنِّي عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ ماطبع الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ وَلِتَظْهَرَ فَضِيلَةُ الْوَلَدِ فِي الْفَهْمِ مِنْ صِغَرِهِ وَلِيَزْدَادَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُظْوَةً وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرْجُو أَنْ يَدْعُوَ لَهُ إِذْ ذَاكَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْفَهْمِ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى حَقَارَةِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ قَابَلَ فَهْمَ ابْنَهُ لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ بِحُمْرِ النَّعَمِ مَعَ عِظَمِ مِقْدَارِهَا وَغَلَاءِ ثَمَنِهَا فَائِدَةٌ قَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا السِّيَاق الا بن عُمَرَ وَحْدَهُ وَلَمَّا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثٍ مُخْتَصَرٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَوْرَدَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ لَفْظُهُ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ النَّخْلَة وَعند التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَالنَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كشجرة طيبَة قَالَ هِيَ النَّخْلَةُ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ فَاسْتَفَدْنَا مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مِنْهُمْ أَبَا بَكْرٍ وَعمر وبن عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِنْ كَانَا سَمِعَا مَا رَوَيَاهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي ذَلِك الْمجْلس وَالله تَعَالَى أعلم ( قَولُهُ بَابُ طَرْحِ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ الْمَذْكُورَ بِلَفْظٍ قَرِيبٍ مِنْ لَفْظِ الَّذِي قبله وَإِنَّمَاأَوْرَدَهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ إِيثَارًا لِابْتِدَاءِ فَائِدَةٍ تَدْفَعُ اعْتِرَاضَ مَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّكْرَارَ بِلَا فَائِدَةٍ.

.
وَأَمَّا دَعْوَى الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ لِمُرَاعَاةِ صَنِيعِ مَشَايِخِهِ فِي تراجم مصنفاتهم وَأَنَّ رِوَايَةَ قُتَيْبَةَ هُنَا كَانَتْ فِي بَيَانِ مَعْنَى التَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ وَرِوَايَةَ خَالِدٍ كَانَتْ فِي بَيَانِ طَرْحِ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَنْ شَيْخِهِ الَّذِي رَوَى لَهُ الْحَدِيثَ لِذَلِكَ الْأَمْرِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ عَرَفَ حَالَ الْبُخَارِيِّ وَسَعَةَ عِلْمِهِ وَجَوْدَةَ تَصَرُّفِهِ حَكَى أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّدُ فِي التَّرَاجِمِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَقَدْ تَوَارَدَ النَّقْلُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا امْتَازَ بِهِ كِتَابُ الْبُخَارِيِّ دِقَّةَ نَظَرِهِ فِي تَصَرُّفِهِ فِي تَرَاجِمِ أَبْوَابِهِ وَالَّذِي ادَّعَاهُ الْكِرْمَانِيُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ فِيهِ لِمَشَايِخِهِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنْ قُتَيْبَةَ وَخَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ لَمْ يُذْكَرْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا مِمَّنْ صَنَّفَ فِي بَيَانِ حَالِهِمَا أَنَّ لَهُ تَصْنِيفًا عَلَى الْأَبْوَابِ فَضْلًا عَنِ التَّدْقِيقِ فِي التَّرَاجِمِ وَقَدْ أَعَادَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَا الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ مِرَارًا وَلَمْ أَجِدْ لَهُ سَلَفًا فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَرَاوِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ سُلَيْمَان هُوَ بن بِلَالٍ الْمَدَنِيُّ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ وَلَمْ أَجِدْهُ مِنْ رِوَايَتِهِ إِلَّا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَقَعْ لِأَحَدٍ مِمَّنِ اسْتَخْرَجَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ إِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْفَرَبْرِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ نَفْسِهِ وَقَدْ وَجَدْتُهُ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الرَّاوِي عَنْ سُلَيْمَانَ الْمَذْكُورِ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ لَكِنَّهُ قَالَ عَنْ مَالِكٍ بَدَلَ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلِخَالِدٍ فِيهِ شَيْخَانِ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ لَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيره( قَولُهُ بَابُ الْقِرَاءَةِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْمُحَدِّثِ) إِنَّمَا غَايَرَ بَيْنَهُمَا بِالْعَطْفِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لِأَنَّ الطَّالِبَ إِذَا قَرَأَ كَانَ أَعَمَّ مِنَ الْعَرْضِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَقَعُ الْعَرْضُ إِلَّا بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الْعَرْضَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُعَارِضُ بِهِ الطَّالِبُ أَصْلَ شَيْخِهِ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَتَوَسَّعَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَأَطْلَقَهُ عَلَى مَا إِذَا أَحْضَرَ الْأَصْلَ لِشَيْخِهِ فَنَظَرَ فِيهِ وَعَرَفَ صِحَّتَهُ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَدِّثَهُ بِهِ أَوْ يَقْرَأَهُ الطَّالِبُ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا يُسَمَّى عَرْضَ الْمُنَاوَلَةِ بِالتَّقْيِيدِ لَا الْإِطْلَاقِ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا يَعْتَدُّونَ إِلَّا بِمَا سَمِعُوهُ مِنَ أَلْفَاظِ الْمَشَايِخِ دُونَ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى جَوَازِهِ وَأَوْرَدَ فِيهِ قَوْلَ الْحَسَنِ وَهُوَ الْبَصْرِيُّ لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ ثُمَّ أَسْنَدَهُ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ عَلَّقَهُ وَكَذَا ذُكِرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ مَوْصُولًا أَنَّهُمَا سَوَّيَا بَيْنَ السَّمَاعِ مِنَ الْعَالِمِ وَالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ وَقَولُهُ جَائِزًا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ جَائِزَةً أَيِ الْقِرَاءَةَ لِأَن السماع لانزاع فِيهِ .

     قَوْلُهُ  وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ الْمُحْتَجُّ بِذَلِكَ هُوَ الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ قَالَهُ فِي كِتَابِ النَّوَادِرِ لَهُ كَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْتُهُ وَتَبِعْتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي خِلَافُهُ وَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمعرفَة من طَرِيق بن خُزَيْمَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلٍ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ عِنْدِي خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ قِصَّةُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ انْتَهَى وَلَيْسَ فِي الْمَتْنِ الَّذِي سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ بَعْدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ ضِمَامٍ أَنَّ ضِمَامًا أَخْبَرَ قَوْمَهُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أُخْرَى ذَكَرَهَا أَحْمد وَغَيره من طَرِيق بن إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ بَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِي آخِرِهِ أَنَّ ضِمَامًا قَالَ لِقَوْمِهِ عِنْدَمَا رَجَعَ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا فَمَعْنَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ فَأَجَازُوهُ أَيْ قَبِلُوهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقْصِدِ الْإِجَازَةَ الْمُصْطَلَحَةَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِالصَّكِّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الصَّكُّ يَعْنِي بِالْفَتْحِ الْكِتَابُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْجَمْعُ صِكَاكٌ وَصُكُوكٌ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ إِقْرَارُ الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ فَقَالَ نَعَمْ سَاغَتِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ هُوَ بِمَا فِيهِ فَكَذَلِكَ إِذَا قُرِئَ عَلَى الْعَالِمِ فَأَقَرَّ بِهِ صَحَّ أَنْ يُرْوَى عَنْهُ.

.
وَأَمَّا قِيَاسُ مَالِكٍ قِرَاءَةَ الْحَدِيثِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة من طَرِيق بن وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنِ الْكُتُبِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَيَقُولُ الرَّجُلُ حَدَّثَنِي قَالَ نَعَمْ كَذَلِكَ الْقُرْآنُ أَلَيْسَ الرَّجُلُ يَقْرَأُ عَلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ أَقْرَأَنِي فُلَانٌ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ مُطَرِّفٍ قَالَ صَحِبْتُ مَالِكًا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَمَا رَأَيْتُهُ قَرَأَ الْمُوَطَّأ على أحد بل يقرؤون عَلَيْهِقَالَ وَسَمِعْتُهُ يَأْبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ عَلَى مَنْ يَقُولُ لَا يَجْزِيهِ إِلَّا السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ وَيَقُولُ كَيْفَ لَا يَجْزِيكَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ وَيَجْزِيكَ فِي الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ أَعْظَمُ.

.

قُلْتُ وَقَدِ انْقَرَضَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخ لاتجزى وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُتَشَدِّدِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ لَا تَدَعُونَ تَنَطُّعَكُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ الْعَرْضُ مِثْلُ السَّمَاعِ وَبَالَغَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ فَقَالُوا إِنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّيْخِ أَرْفَعُ مِنَ السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِهِ وَنَقَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ عَنْهُ وَنَقَلَهُ الْخَطِيبُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَة عَن شُعْبَة وبن أَبِي ذِئْبٍ وَيَحْيَى الْقَطَّانِ وَاعْتَلُّوا بِأَنَّ الشَّيْخَ لَوْ سَهَا لَمْ يَتَهَيَّأْ لِلطَّالِبِ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ الْقِرَاءَةُ عَلَيَّ أَثْبَتُ وَأَفْهَمُ لِي مِنْ أَنْ أَتَوَلَّى الْقِرَاءَةَ أَنَا وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ وَعَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ السَّمَاعَ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ يُصَيِّرُ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ أَوْلَى وَمِنْ ثَمَّ كَانَ السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَرْفَعَ الدَّرَجَاتِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ تَحَرُّزِ الشَّيْخِ وَالطَّالِبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْحَسَنِ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ هَذَا الْأَثَرُ رَوَاهُ الْخَطِيبُ أَتَمَّ سِيَاقًا مِمَّا هُنَا فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْحَسَنَ فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْزِلِي بَعِيدٌ وَالِاخْتِلَافُ يَشُقُّ عَلَيَّ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَى بِالْقِرَاءَةِ بَأْسًا قَرَأْتُ عَلَيْكَ قَالَ مَا أُبَالِي قَرَأْتُ عَلَيْكَ أَوْ قَرَأْتَ عَلَيَّ قَالَ فَأَقُولُ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ قَالَ نَعَمْ قُلْ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ وَرَوَاهُ أَبُو الْفَضْلِ السُّلَيْمَانِيُّ فِي كِتَابِ الْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ بِلَفْظِ قُلْنَا لِلْحَسَنِ هَذِهِ الْكُتُبُ الَّتِي تُقْرَأُ عَلَيْكَ أَيْشِ نَقُولُ فِيهَا قَالَ قُولُوا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [61] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ.
ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ».
[الحديث أطرافه في: 62، 72، 131، 2209، 4698، 5444، 5448، 6132، 6144] .
وبالسند إلى المؤلف رحمه الله قال: ( حدّثنا قتيبة) زاد في رواية ابن عساكر ابن سعيد وقد مرّ قال: ( حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المذكور في باب علامة المنافق ( عن عبد الله بن دينار) السابق في باب أمور الإيمان ( عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( إن من الشجر) أي من جنسه ( شجرة) بالنصب اسم إن وخبرها الجار والمجرور ومن للتبعيض.
وقوله ( لا يسقط ورقها) في محل نصب صفة لشجرة وهي صفة سلبية تبين أن موصوفها مختص بها دون غيرها ( وإنها مثل المسلم) بكسر الهمزة عطفًا على أن الأولى وبكسر ميم مثل وسكون المثلثة كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية الأصيلي وكريمة مثل بفتحهما كشبه وشبه لفظًا ومعنى، واستعير المثل هنا كاستعارة الأسد للمقدام للحال العجيبة أو الصفة الغريبة كأنه قال: حال المسلم العجيب الشأن كحال النخلة أو صفته الغريبة كصفتها فالمسلم هو المشبه والنخلة هي المشبه بها.
وقوله: ( فحدّثوني) فعل أمر أي إن عرفتموها فحدّثوني ( ما هي) جملة من مبتدأ وخبر سدّت مسد مفعول التحديث ( فوقع الناس في شجر البوادي) أي جعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع وذهلوا عن النخلة، ( قال عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: ( ووقع في نفسي أنها النخلة) بالرفع خبر أن وبفتح الهمزة لأنها فاعل وقع ( فاستحييت) أن أتكلم، وعنده أبو بكر وعمر وغيرهما رضي اللهعنهم هيبة منه وتوقيرًا لهم ( ثم قالوا: حدّثنا) بكسر الدال وسكون المثلثة ( ما هي يا رسول الله: قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( هي النخلة) .
وعند المؤلف في التفسير من طريق نافع عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا ذكر النفي ثلاث مرات على طريق الاكتفاء، وقد ذكروا في تفسيره ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيئها ولا يبطل نفعها.
5 - باب طَرْحِ الإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ هذا ( باب طرح) بالجر للإضافة أي إلقاء ( الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم) أي ليمتحن الذي عندهم ( من العلم) .

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [61] حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا إسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قالَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ ورَقُهَا وإِنَّها مَثَلُ المُسْلِمِ فَحَدِّثونِي مَا هِيَ) فَوقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوْادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّه: ووقَعَ فِي نَفْسِي أنَّهَا النَّخْلَةُ فاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قالُوا: حدّثنا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّه: ( قَالَ هِيَ النَّخْلَةُ) .. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ قَالُوا: حَدثنَا مَا هِيَ يَا رَسُول الله) وَفِي قَوْله: ( فحدثوني مَا هِيَ) .
فَإِن قلت: التَّرْجَمَة بِثَلَاثَة أَلْفَاظ، وَهِي التحديث والإخبار والإنباء، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث إِلَّا لفظ التحديث، قلت: أَلْفَاظ الحَدِيث مُخْتَلفَة، فَإِذا جمعت طرقه يُوجد ذَلِك كُله، فَفِي رِوَايَة عبد اللَّه بن دِينَار الْمَذْكُورَة هَهُنَا لفظ: حَدثُونِي مَا هِيَ، وَفِي رِوَايَة نَافِع عَنهُ فِي التَّفْسِير عِنْد البُخَارِيّ أَيْضا: اخبروني، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن نَافِع عَنهُ: انبؤني، فَاشْتَمَلَ الحَدِيث الْمَذْكُور على هَذَا الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة.
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة، وَالْكل ذكرُوا.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الْعلم هَذَا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع عَن قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن ابْن دِينَار عَن ابْن عمر وَعَن خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان عَن ابْن دِينَار بِهِ، وَعَن عَليّ عَن سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَعَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن ابْن دِينَار بِهِ، وَفِيه: ( فَقَالُوا: يَا رَسُول الله أخبرنَا بهَا) .
واخرجه فِي الْبيُوع فِي: بَاب بيع الْجمار وَأكله، عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر، وَفِي الْأَطْعِمَة عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر، وَعَن أبي نعيم عَن مُحَمَّد ابْن طَلْحَة عَن زبيد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر، وَلَفظ حَدِيث عمر بن حَفْص: ( بَينا نَحن عِنْد النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، جُلُوس، إِذْ أُتِي بجمار نَخْلَة، فَقَالَ: عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِن من الشّجر لما بركته كبركة الْمُسلم، فَظَنَنْت أَنه يَعْنِي النَّخْلَة، فَأَرَدْت أَن أَقُول: هِيَ النَّخْلَة يَا رَسُول الله! ثمَّ الْتفت فَإِذا أَنا عَاشر عشرَة أَنا أحدثهم، فَسكت، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ النَّخْلَة) .
وَفِي أول بعض طرقه: ( كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَأْكُل الْجمار) ، وَأخرجه فِي الْأَدَب فِي: بَاب لَا يستحي من الْحق، عَن آدم عَن شُعْبَة عَن محَارب عَن أبن عمر، قَالَ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ( مثل الْمُؤمن كَمثل شَجَرَة خضراء لَا يسْقط وَرقهَا وَلَا يتحات، فَقَالَ الْقَوْم: هِيَ شَجَرَة كَذَا، فَأَرَدْت أَن أَقُول: هِيَ النَّخْلَة، وَأَنا غُلَام شَاب فَاسْتَحْيَيْت، فَقَالَ: هِيَ النَّخْلَة) .
وَعَن شُعْبَة عَن خبيب عَن حَفْص عَن ابْن عمر مثله، وَزَاد: ( فَحدثت بِهِ عمر، فَقَالَ: لَو كنت قلتهَا لَكَانَ أحب إِلَيّ من كَذَا وَكَذَا) .
وَأخرجه مُسلم فِي تلو كتاب التَّوْبَة عَن مُحَمَّد بن عبيد عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن أبي الْجَلِيل، وَعَن أبي بكر وَابْن أبي عمر عَن سُفْيَان عَن أبي نجيح، وَعَن أبي نمير عَن أَبِيه عَن سيف بن سُلَيْمَان،.

     وَقَالَ  ابْن أبي سُلَيْمَان: كلهم عَن مُجَاهِد بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة، وَأبي أَيُّوب، وَابْن حجر عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن ابْن دِينَار عَن ابْن عمر بِهِ، وَفِي بَعْضهَا قَالَ ابْن عمر: ( فَألْقى الله تَعَالَى فِي روعي أَنَّهَا النَّخْلَة) .
الحَدِيث.
بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( من الشّجر) ، قَالَ الصغاني فِي ( الْعباب) : الشّجر والشجرة مَا كَانَ على سَاق من نَبَات الأَرْض،.

     وَقَالَ  الدينَوَرِي: من الْعَرَب من يَقُول: شَجَرَة وشجرة، فيكسر الشين وبفتح الْجِيم، وَهِي لُغَة لبني سليم، وَأَرْض شجراء كَثِيرَة الْأَشْجَار، وَلَا يُقَال: وَاد شجر، وَوَاحِد الشجراء شَجَرَة، وَلم يَأْتِ على هَذَا الْمِثَال إلاَّ أحرف يسيرَة، وَهِي شَجَرَة وشجراء، وقصبة وقصباء، وطرفة وطرفاء، وحلفة وحلفاء..
     وَقَالَ  سيبوبه: الشجراء وَاحِد وَجمع، وَكَذَلِكَ: القصباء والطرفاء والحلفاء..
     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ:بالعلو والاستعلاء، يكون حَقِيقَة فِي بَابه، وَإِذا كَانَ لمساويه يكون التماساً، وَإِذا كَانَ لأعلى مِنْهُ يكون طلبا وسؤالاً.
فَافْهَم.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ اسْتِحْبَاب إِلْقَاء الْعَالم الْمَسْأَلَة على أَصْحَابه ليختبر أفهامهم، ويرغبهم فِي الْفِكر.
الثَّانِي: فِيهِ توقير الْكِبَار وَترك التَّكَلُّم عِنْدهم، وَقد بوب عَلَيْهِ البُخَارِيّ بَابا، كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
الثَّالِث: فِيهِ اسْتِحْبَاب الْحيَاء مَا لم يؤد إِلَى تَفْوِيت مصلحَة، وَلِهَذَا تمنى عمر، رَضِي الله عَنهُ، أَن يكون ابْنه لم يسكت.
الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز اللغز مَعَ بَيَانه.
فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث مُعَاوِيَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَنه نهى عَن الأغلوطات) ، قَالَ الْأَوْزَاعِيّ، أحد رُوَاته: هِيَ صعاب الْمسَائِل.
قلت: هُوَ مَحْمُول على مَا إِذا أخرج على سَبِيل تعنيت المسؤول أَو تعجيزه أَو تخجيله وَنَحْو ذَلِك.
الْخَامِس: فِيهِ جَوَاز ضرب الْأَمْثَال والأشباه لزِيَادَة الأفهام، وتصوير الْمعَانِي فِي الذِّهْن، وتحديد الْفِكر، وَالنَّظَر فِي حكم الْحَادِثَة.
السَّادِس: فِيهِ تلويح إِلَى أَن التَّشْبِيه لَا عُمُوم لَهُ، وَلَا يلْزم أَن يكون الْمُشبه مثل الْمُشبه بِهِ فِي جَمِيع الْوُجُوه.
السَّابِع: فِيهِ أَن الْعَالم الْكَبِير قد يخفى عَلَيْهِ بعض مَا يُدْرِكهُ من هُوَ دونه، لِأَن الْعلم منح إلهية ومواهب رحمانية، وَأَن الْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء.
الثَّامِن: فِيهِ دلَالَة على فَضِيلَة النّخل.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: { ضرب الله مثلا كلمة طيبَة} ( إِبْرَاهِيم: 24) لَا إلاه إِلَّا الله، { كشجرة طيبَة} ( إِبْرَاهِيم: 24) هِيَ: النَّخْلَة { أَصْلهَا ثَابت} ( إِبْرَاهِيم: 24) فِي الأَرْض، { وفرعها فِي السَّمَاء} ( إِبْرَاهِيم: 24) أَي: رَأسهَا { تؤتي أكلهَا كل} ( إِبْرَاهِيم: 25) وَقت.
شبه الله الْإِيمَان بالنخلة لثبات الْإِيمَان فِي قلب الْمُؤمن، كثبات النَّخْلَة فِي منبتها، وَشبه ارْتِفَاع عمله إِلَى السَّمَاء بارتفاع فروع النَّخْلَة، وَمَا يكتسبه الْمُؤمن من بركَة الْإِيمَان وثوابه فِي كل وَقت وزمان بِمَا ينَال من ثَمَر النَّخْلَة فِي أَوْقَات السّنة كلهَا من الرطب وَالتَّمْر، وَقد ورد ذَلِك صَرِيحًا فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّار من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: ( قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... فَذكر هَذِه الْآيَة فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هِيَ؟ قَالَ ابْن عمر: لم يخف عَليّ أَنَّهَا النَّخْلَة، فَمَنَعَنِي أَن أَتكَلّم لمَكَان سني، فَقَالَ رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام: هِيَ النَّخْلَة) .
وروى ابْن حبَان من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن مُسلم عَن عبد اللَّه بن دِينَار عَن عبد اللَّه بن عمر، رَضِي الله عَنْهُمَا، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( من يُخْبِرنِي عَن شَجَرَة مثلهَا مثل الْمُؤمن { أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء} ( إِبْرَاهِيم: 24) ؟ فَذكر الحَدِيث، وروى الْبَزَّار أَيْضا من طَرِيق سُفْيَان بن حُسَيْن عَن أبي بشر عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مثل الْمُؤمن مثل النَّخْلَة، فَمَا أَتَاك مِنْهَا نفعك) .
هَكَذَا أوردهُ مُخْتَصرا، وَإِسْنَاده صَحِيح،.

     وَقَالَ  قَالَ الْبَزَّار: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، بِهَذَا السِّيَاق إلاَّ ابْن عمر وَحده، وَلما ذكره التِّرْمِذِيّ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة.
قلت: أخرجه عبد بن حميد فِي تَفْسِيره بِلَفْظ: مثل الْمُؤمن مثل النَّخْلَة، وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حبَان من حَدِيث أنس، رَضِي الله عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( قَرَأَ: { مثلا كلمة طيبَة كشجرة طيبَة} ( إِبْرَاهِيم: 24) ، قَالَ: هِيَ النَّخْلَة) .
تفرد بِرَفْعِهِ حَمَّاد بن سَلمَة..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قيل: إِن النَّخْلَة خلقت من بَقِيَّة طِينَة آدم، عَلَيْهِ السَّلَام، فَهِيَ كالعمة للأناسي.
قلت: رُوِيَ فِيهِ حَدِيث مَرْفُوع، وَلكنه لم يثبت.
5 - ( بَاب طرْحِ الإِمَامِ المَسْألَةَ عَلى أصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ)

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ الْمُحَدِّثِ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا)
قَالَ بن رَشِيدٍ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّهُ بَنَى كِتَابَهُ عَلَى الْمُسْنَدَاتِ الْمَرْوِيَّاتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

.

قُلْتُ وَمُرَادُهُ هَلْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَمْ لَا وَإِيرَادُهُ قَوْلَ بن عُيَيْنَةَ دُونَ غَيْرِهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَارُهُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الْحُمَيْدِيُّ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ.

     وَقَالَ  لَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَهُوَ مُتَّصِلٌ وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ كَرِيمَةَ .

     قَوْلُهُ  وَأَنْبَأَنَا وَمِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنَا وَثَبَتَ الْجَمِيعُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ قَوْله.

     وَقَالَ  بن مَسْعُودٍ هَذَا التَّعْلِيقُ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي خَلْقِ الْجَنِينِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  شَقِيقٌ هُوَ أَبُو وَائِل عَن عبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ سَيَأْتِي مَوْصُولًا أَيْضًا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَيَأْتِي أَيْضًا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَمُرَادُهُ مِنْ هَذِهِ التَّعَالِيقِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ قَالَ تَارَةً حَدَّثَنَا وَتَارَةً سَمِعْتُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الصِّيَغِ وَأما أَحَادِيث بن عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ فَقَدْ وَصَلَهَا فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ وَأَرَادَ بِذِكْرِهَا هُنَا التَّنْبِيهَ عَلَى الْعَنْعَنَةِ وَأَنَّ حُكْمَهَا الْوَصْلُ عِنْدَ ثُبُوت اللقى وَأَشَارَ على مَا ذكره بن رَشِيدٍ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هِيَ عَنْ رَبِّهِ سَوَاءٌ صَرَّحَ الصَّحَابِيُّ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَنْ رَبِّهِ وَلَكِنَّهُ اخْتِصَارٌ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّقْدِيرِ.

.

قُلْتُ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ مَا كَانَ ذَلِكَ سَبِيلَهُ صِحَّةُ الِاحْتِجَاجِ بِمَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ الْوَاسِطَةَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ رَبِّهِ فِيمَا لَمْ يُكَلِّمْهُ بِهِ مِثْلُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ جِبْرِيلٌ وَهُوَ مَقْبُولٌ قَطْعًا وَالْوَاسِطَةُ بَيْنَ الصَّحَابِيِّ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْبُولٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ صَحَابِيٌّ آخَرُ وَهَذَا فِي أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ دُونَ غَيْرِهَا فَإِنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ رُبَّمَا حَمَلَهَا عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مِثْلَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ تَنْبِيهٌ أَبُو الْعَالِيَةِ الْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ الرِّيَاحِيُّ بِالْيَاءِ الْأَخِيرَةِ وَاسْمُهُ رفيع بِضَم الرَّاء وَمن زَعَمَ أَنَّهُ الْبَرَّاءُ بِالرَّاءِ الثَّقِيلَةِ فَقَدْ وَهَمَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مَعْرُوفٌ بِرِوَايَةِ الرِّيَاحِيِّ دُونَهُ فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ حَدِيثِ بن عُمَرَ لِلتَّرْجَمَةِ وَمُحَصَّلُ التَّرْجَمَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ صِيَغِ الْأَدَاءِ الصَّرِيحَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنِ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ إِذَا اجْتَمَعَتْ طُرُقُهُ فَإِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ فَحَدَّثُونِي مَا هِيَ وَفِي رِوَايَةِ نَافِعٍ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي التَّفْسِيرِ اخبروني وَفِي رِوَايَة عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ انبئوني وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْحَيَاءِ فِي الْعِلْمِ حَدَّثُونِي مَا هِيَ.

     وَقَالَ  فِيهَا فَقَالُوا أَخْبَرَنَا بِهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّحْدِيثَ وَالْإِخْبَارَ وَالْإِنْبَاءَ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللُّغَةِ وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِيهِ قَوْله تَعَالَى يَوْمئِذٍ تحدث اخبارها وَقَوله تَعَالَى وَلَا ينبئك مثل خَبِير.

.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاصْطِلَاحِ فَفِيهِ الْخِلَافُ فَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى أَصْلِ اللُّغَةِ وَهَذَا رَأْيُ الزُّهْرِيّ وَمَالك وبن عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى الْقَطَّانِ وَأَكْثَرِ الْحِجَازِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَعَلَيْهِ اسْتمرّ عمل المغاربة وَرجحه بن الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَنُقِلَ عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى إِطْلَاقَ ذَلِكَ حَيْثُ يَقْرَأُ الشَّيْخُ مِنْ لَفْظِهِ وَتَقْيِيدِهِ حَيْثُ يُقْرَأُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه وَالنَّسَائِيّ وبن حبَان وبن مَنْدَهْ وَغَيْرِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الصِّيَغِ بِحَسَبِ افْتِرَاقِ التَّحَمُّلِ فَيَخُصُّونَ التَّحْدِيثَ بِمَا يَلْفِظُ بِهِ الشَّيْخُ وَالْإِخْبَارُ بِمَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَب بن جريج وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وبن وَهْبٍ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ ثُمَّ أَحْدَثَ أَتْبَاعُهُمْ تَفْصِيلًا آخَرَ فَمَنْ سَمِعَ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ أَفْرَدَ فَقَالَ حَدَّثَنِي وَمَنْ سَمِعَ مَعَ غَيْرِهِ جَمَعَ وَمَنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ عَلَى الشَّيْخِ أَفْرَدَ فَقَالَ أَخْبَرَنِي وَمَنْ سَمِعَ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ جَمَعَ وَكَذَا خَصَّصُوا الْإِنْبَاءَ بِالْإِجَازَةِ الَّتِي يُشَافِهُ بهَا الشَّيْخ من يُجِيزهُ وكل هَذَا مُسْتَحْسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا أَرَادُوا التَّمْيِيزَ بَيْنَ أَحْوَالِ التَّحَمُّلِ وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ فَتَكَلَّفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ لَهُ وَعَلَيْهِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ نَعَمْ يَحْتَاجُ الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَى مُرَاعَاةِ الِاصْطِلَاحِ الْمَذْكُورِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ لِأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً عِنْدَهُمْ فَمَنْ تَجَوَّزَ عَنْهَا احْتَاجَ إِلَى الْإِتْيَانِ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَنُ اخْتِلَاطُ الْمَسْمُوعِ بِالْمَجَازِ بَعْدَ تَقْرِيرِ الِاصْطِلَاحِ فَيُحْمَلُ مَا يَرِدُ مِنَ أَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى مَحْمَلٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ

[ قــ :61 ... غــ :61] .

     قَوْلُهُ  إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً زَادَ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْفَهم فِي الْعلم قَالَ صَحِبت بن عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ.

     وَقَالَ  إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ وَلَهُ عَنْهُ فِي الْبُيُوعِ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا .

     قَوْلُهُ  لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِكَسْرِ مِيمِ مِثْلِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة بفتحهما وَهُمَا بِمَعْنًى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ مِثْلُهُ وَمَثَلُهُ كَلِمَةُ تَسْوِيَةٍ كَمَا يُقَالُ شِبْهُهُ وَشَبَهُهُ بِمَعْنًى قَالَ وَالْمَثَلُ بِالتَّحْرِيكِ أَيْضًا مَا يُضْرَبُ مِنَ الْأَمْثَالِ انْتَهَى وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ النَّخْلَةِ وَالْمُسْلِمِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ سُقُوطِ الْوَرَقِ مَا رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بن عُمَرَ وَلَفْظُهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ إِن مثل الْمُؤمن كَمثل شَجَرَة لاتسقط لَهَا أُنْمُلَةٌ أَتَدْرُونَ مَا هِيَ قَالُوا لَا قَالَ هِيَ النَّخْلَة لاتسقط لَهَا أُنْمُلَةٌ وَلَا تَسْقُطُ لِمُؤْمِنٍ دَعْوَةٌ وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ قَالَ حَدثنِي مُجَاهِد عَن بن عُمَرَ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَبَرَكَةُ النَّخْلَةِ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا مُسْتَمِرَّةٌ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا فَمِنْ حِينِ تَطْلُعُ إِلَى أَنْ تَيْبَسَ تُؤْكَلُ أَنْوَاعًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْتَفَعُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا حَتَّى النَّوَى فِي عَلْفِ الدَّوَابِّ وَاللِّيفِ فِي الْحِبَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى وَكَذَلِكَ بَرَكَةُ الْمُسْلِمِ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَنَفْعُهُ مُسْتَمِرٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيق نَافِع عَن بن عُمَرَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا وَلَا وَلَا وَلَا كَذَا ذَكَرَ النَّفْيَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى طَرِيقِ الِاكْتِفَاءِ فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ ثَمَرُهَا وَلَا يُعْدَمُ فَيْؤُهَا وَلَا يَبْطُلُ نَفْعُهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ذِكْرُ النَّفْيِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَظَنَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ الرَّاوِي عَنْهُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  تُؤْتِي أُكُلَهَا فَاسْتَشْكَلَهُ.

     وَقَالَ  لَعَلَّ لَا زَائِدَةٌ وَلَعَلَّهُ وَتُؤْتِي أُكُلَهَا وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ مَعْمُولُ النَّفْيِ مَحْذُوفٌ عَلَى سَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَقَولُهُ تُؤْتِي ابْتِدَاءُ كَلَامٍ عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ لِمَا تَقَدَّمَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِتَقْدِيمِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا فَسَلِمَ مِنَ الْإِشْكَالِ .

     قَوْلُهُ  فَوَقَعَ النَّاسُ أَيْ ذَهَبَتْ أَفْكَارُهُمْ فِي أَشْجَارِ الْبَادِيَةِ فَجَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ يُفَسِّرُهَا بِنَوْعٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ وَذَهِلُوا عَنِ النَّخْلَةِ يُقَالُ وَقَعَ الطَّائِرُ عَلَى الشَّجَرَةِ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ بن عُمَرَ الرَّاوِي .

     قَوْلُهُ  وَوَقَعَ فِي نَفْسِي بَيَّنَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَن بن عُمَرَ وَجْهَ ذَلِكَ قَالَ فَظَنَنْتُ أَنَّهَا النَّخْلَةُ مِنْ أَجْلِ الْجُمَّارِ الَّذِي أُتِيَ بِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُلْغَزَ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَفَطَّنَ لِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الْوَاقِعَةِ عِنْدَ السُّؤَالِ وَأَنَّ الْمُلْغِزَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي التَّعْمِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَجْعَلُ لِلْمُلْغَزِ بَابًا يَدْخُلُ مِنْهُ بَلْ كُلَّمَا قَرَّبَهُ كَانَ أَوْقَعَ فِي نَفْسِ سَامِعِهِ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَحْيَيْتُ زَادَ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ فِي بَابِ الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ وَلَهُ فِي الْأَطْعِمَةِ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ وَفِي رِوَايَةِ نَافِعٍ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَلَمَّا قُمْنَا.

.

قُلْتُ لِعُمَرَ يَا أَبَتَاهُ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي بَابِ الْحَيَاءِ فِي الْعِلْمِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا زَاد بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَحْسَبُهُ قَالَ حُمْرُ النَّعَمِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ امْتِحَانُ الْعَالِمِ أَذْهَانَ الطَّلَبَةِ بِمَا يَخْفَى مَعَ بَيَانِهِ لَهُمْ إِنْ لَمْ يَفْهَمُوهُ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْأُغْلُوطَاتِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَحَدُ رُوَاتِهِ هِيَ صِعَابُ الْمَسَائِلِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ أَوْ مَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ تَعَنُّتِ الْمَسْئُولِ أَوْ تَعْجِيزِهِ وَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بَابُ الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْحَيَاءِ مَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى تَفْوِيتِ مَصْلَحَةٍ وَلِهَذَا تَمَنَّى عُمَرُ أَنْ يَكُونَ ابْنُهُ لَمْ يَسْكُتْ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي الْعِلْمِ وَفِي الْأَدَبِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بَرَكَةِ النَّخْلَةِ وَمَا تُثْمِرُهُ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَيْضا وَفِيه دَلِيل على أَنَّ بَيْعَ الْجُمَّارِ جَائِزٌ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَكْلُهُ جَازَ بَيْعُهُ وَلِهَذَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤلف فِي الْبيُوع وَتعقبه بن بَطَّالٍ لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ عَقِبَ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَعَلَّ مُتَخَيِّلًا يَتَخَيَّلُ أَنَّ هَذَا مِنْ ذَاكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَجْمِيرِ النَّخْلِ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ فِي الْأَطْعِمَةِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَأَوْرَدَهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طيبَة إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّجَرَةِ النَّخْلَةُ وَقَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَا هِيَ قَالَ بن عُمَرَ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَمَنَعَنِي أَنْ أَتَكَلَّمَ مَكَانُ سِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْجُمَّارِ فَشَرَعَ فِي أَكْلِهِ تَالِيًا لِلْآيَةِ قَائِلًا إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَة إِلَى آخِره وَوَقع عِنْد بن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عبد الله بن دِينَار عَن بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ يُخْبِرُنِي عَنْ شَجَرَةٍ مِثْلُهَا مِثْلُ الْمُؤْمِنِ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهُوَ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْبَزَّارِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَصْلَ دِينِ الْمُسْلِمِ ثَابِتٌ وَأَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنَ الْعُلُومِ وَالْخَيْرِ قُوتٌ لِلْأَرْوَاحِ مُسْتَطَابٌ وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ مَسْتُورًا بِدِينِهِ وَأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِكُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ حَيًّا وَمَيِّتًا انْتَهَى.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ فَرْعِ الْمُؤْمِنِ فِي السَّمَاءِ رَفْعُ عَمَلِهِ وَقَبُولُهُ وَرَوَى الْبَزَّارُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَن مُجَاهِد عَن بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ النَّخْلَةِ مَا أَتَاكَ مِنْهَا نَفَعَكَ هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ أَفْصَحَ بِالْمَقْصُودِ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ.

.
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَوْقِعَ التَّشْبِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالنَّخْلَةِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ النَّخْلَةِ إِذَا قُطِعَ رَأْسُهَا مَاتَتْ أَوْ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ حَتَّى تُلَقَّحَ أَوْ لِأَنَّهَا تَمُوتُ إِذَا غَرِقَتْ أَوْ لِأَنَّ لِطَلْعِهَا رَائِحَةَ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ أَوْ لِأَنَّهَا تَعْشَقُ أَوْ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ مِنْ أَعْلَاهَا فَكُلُّهَا أَوْجُهٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنَ الْمُشَابِهَاتِ مُشْتَرِكٌ فِي الْآدَمِيِّينَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ وَأَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَةِ طِينِ آدَمَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ ضَرْبٌ الْأَمْثَالِ وَالْأَشْبَاهِ لِزِيَادَةِ الْإِفْهَامِ وَتَصْوِيرُ الْمَعَانِي لِتَرْسَخَ فِي الذِّهْنِ وَلِتَحْدِيدِ الْفِكْرِ فِي النَّظَرِ فِي حُكْمِ الْحَادِثَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تَشْبِيهَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَظِيرَهُ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الْجَمَادَاتِ وَلَا يُعَادِلُهُ وَفِيهِ تَوْقِيرُ الْكَبِيرِ وَتَقْدِيمُ الصَّغِيرِ أَبَاهُ فِي الْقَوْلِ وَأَنَّهُ لَا يُبَادِرُهُ بِمَا فَهِمَهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَفِيهِ أَنَّ الْعَالِمَ الْكَبِيرَ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ بَعْضُ مَا يُدْرِكُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ لِأَنَّ الْعِلْمَ مَوَاهِبُ وَاللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ الْخَوَاطِرَ الَّتِي تَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ مَحَبَّةِ الثَّنَاءِ عَلَى أَعْمَالِ الْخَيْرِ لَا يَقْدَحُ فِيهَا إِذَا كَانَ أَصْلُهَا لِلَّهِ وَذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَمَنِّي عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَوَجْهُ تَمَنِّي عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ ماطبع الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ وَلِتَظْهَرَ فَضِيلَةُ الْوَلَدِ فِي الْفَهْمِ مِنْ صِغَرِهِ وَلِيَزْدَادَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُظْوَةً وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرْجُو أَنْ يَدْعُوَ لَهُ إِذْ ذَاكَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْفَهْمِ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى حَقَارَةِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ قَابَلَ فَهْمَ ابْنَهُ لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ بِحُمْرِ النَّعَمِ مَعَ عِظَمِ مِقْدَارِهَا وَغَلَاءِ ثَمَنِهَا فَائِدَةٌ قَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا السِّيَاق الا بن عُمَرَ وَحْدَهُ وَلَمَّا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثٍ مُخْتَصَرٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَوْرَدَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ لَفْظُهُ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ النَّخْلَة وَعند التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَالنَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كشجرة طيبَة قَالَ هِيَ النَّخْلَةُ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ فَاسْتَفَدْنَا مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مِنْهُمْ أَبَا بَكْرٍ وَعمر وبن عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِنْ كَانَا سَمِعَا مَا رَوَيَاهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي ذَلِك الْمجْلس وَالله تَعَالَى أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب قَوْلِ الْمُحَدِّثِ "حَدَّثَنَا" أَوْ "أَخْبَرَنَا" وَ"أَنْبَأَنَا"
وَقَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ: كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا وَسَمِعْتُ وَاحِدًا..
     وَقَالَ  ابْنُ

مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ..
     وَقَالَ  شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلِمَةً..
     وَقَالَ  حُذَيْفَةُ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَيْنِ..
     وَقَالَ  أَبُو الْعَالِيَةِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ..
     وَقَالَ  أَنَسٌ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ..
     وَقَالَ  أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ.


( باب قول المحدث) أي الذي يحدث غيره ( حدثنا أو أخبرنا) وللأصيلي وغيره: وأخبرنا ( وأنبأنا) هل بينهما فرق أو الكل واحد؟ ولكريمة بإسقاط وأنبأنا، وللأصيلي بإسقاط وأخبرنا، وثبت الجميع في رواية أبي ذر.
( قال) لنا ( الحميدي) بضم المهملة وفتح الميم فياء تصغير وياء نسبة أبو بكر بن عبد الله بن الزبير المكّي المذكور أوّل الكتاب ( كان عند ابن عيينة) سفيان، وللأصيلي وكريمة وقال لنا الحميدي، وكذا ذكره أبو نعيم في المستخرج فهو متصل، وأفاد جعفر بن حمدان النيسابوري أن كل ما في البخاري من قال ليس فلان فهو عرض أو مناولة.
( حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحدًا) لا فرق بين هذه الألفاظ الأربعة عند المؤلف كما يعطيه قوة تخصيصه بذكره عن شيخه الحميدي من غير ذكر ما يخالفه، وهو مروي أيضًا عن مالك والحسن البصري ويحيى بن سعيد القطان ومعظم الكوفيين والحجازيين، وممن رواه عن مالك إسماعيل بن أبي أُويس فإنه قال: إنه سئل عن حديث أسماع هو فقال منه سماع ومنه عرض وليس العرض عندنا بأدنى من السماع.

وقال القاضي عياض: لا خلاف أنه يجوز في السماع من لفظ الشيخ أن يقول السامع فيه حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعته يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان، وإليه مال الطحاوي، وصحح هذا المذهب ابن الحاجب ونقل هو وغيره أنه مذهب الأئمة الأربعة، ومنهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه وتقييده حيث يقرأ عليه وهو مذهب إسحاق بن راهويه والنسائي وابن حبان وابن منده وغيرهم.
وقال آخرون بالتفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل، فلما سمع من لفظ الشيخ سمعت أو حدّثنا، ولما قرأه على الشيخ أخبرنا، والأحوط الإفصاح بصورة الواقع فيقول إن كان قرأ قرأت على فلان أو أخبرنا بقراءتي عليه، وإن كان سمع: قرأ علي فلان وأنا أسمع، وأخبرنا فلان قراءة عليه وأنا أسمع، وأنبأنا ونبأنا بالتشديد للإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه، وهذا مذهب ابن جريج والأوزاعي وابن وهب وجمهور أهل المشرق، ثم أحدث أتباعهم تفصيلاً آخر فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال حدّثني، ومن سمع مع غيره جمع فقال حدّثنا، ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال أخبرني، ومن سمع بقراءة غيره جمع فقال أخبرنا، وأما قال لنا أو قال لي واذكر لنا وذكر ليس ففيما سمع في حال المذاكرة، وجزم ابن منده بأنه للإجازة، وكذا قال أبو يعقوب الحافظ، وقال أبو جعفر بن أحمد أنه عرض ومناولة.
قال في فتح المغيث: وهو على تقدير تسليمه منهم له حكم الاتصال أيضًا على رأي الجمهور لكنه مردود عليهم، فقد أخرج البخاري في الصوم من صحيحه حديث أبي هريرة قال: قال: إذا نسي أحدكم فأكل أو شرب فقال فيه حدّثنا عبدان، وأورده في تاريخه بصيغة قال ليس عبدان، وأورد حديثًا في التفسير من صحيحه عن إبراهيم بن موسى

بصيغة التحديث، ثم أورده في الإيمان والنذور منه أيضًا بصيغة قال ليس إبراهيم بن موسى في أمثلة كثيرة.
قال: وحقّقه شيخنا باستقرائه لها أنه إنما يأتي بهذه الصيغة يعني بانفرادها إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه كأن يقول ظاهره الوقف أو في السند من ليس على شرطه في الاحتجاج، وذلك في المتابعات والشواهد، وإنما خصّوا قراءة الشيخ بحدّثنا لقوّة إشعاره بالنطق والمشافهة، وينبغي ملاحظة هذا الاصطلاح لئلا يختلط المسموع بالمجاز، قال الإسفرايني: لا يجوز فيما قرأ أو سمع أن يقول حدّثنا ولا فيما سمع لفظًا أن يقول أخبرنا، إذ بينهما فرق ظاهر، ومن لم يحفظ ذلك على نفسه كان من المدلسين، ثم عطف المؤلف ثلاثة تعاليق يؤيد بها مذهبه في التسوية بين الصيغ الأربعة فقال:
( وقال ابن مسعود) عبد الله رضي الله عنه ( حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الصادق) في نفس الأمر ( المصدوق) بالنسبة إلى الله تعالى أو إلى الناس أو بالنسبة إلى ما قاله غيره أي جبريل له، وهذا طرف من حديث وصله المؤلف في القدر.

( وقال شقيق) بفتح المعجمة أبو وائل السابق في باب خوف المؤمن أن يحبط عمله من كتاب الإيمان ( عن عبد الله) أي ابن مسعود، وإذا أطلق كان هو المراد من بين العبادلة ( سمعت النبي) ولأبي ذر والأصيلي سمعت من النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلمة) وهذا وصله المؤلف في الجنائز.


( وقال حذيفة) بن اليمان صاحب سرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنافقين، المتوفى بالمدائن سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأربعين ليلة ومقول قوله: ( حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثين) وهذا وصله المؤلف في الرقاق، وساق التعاليق الثلاثة تنبيهًا على أن الصحابي تارة يقول حدّثنا، وتارة يقول سمعت، فدلّ على عدم الفرق بينهما.
ثم عطف على هذه الثلاثة ثلاثة أخرى فقال: ( وقال أبو العالية) بالمهملة والمثناة التحتية هو رفيع بضم الراء وفتح الفاء ابن مهران بكسر الميم الرياحي بالمثناة التحتية والحاء المهملة، أسلم بعد موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسنتين، وتوفي سنة تسعين.
وقال العيني، كالقطب الحلبي: هو البراء بتشديد الراء نسبة لبري النبل، واسمه زياد بن فيروز القرشي البصري المتوفى سنة تسعين.
قال ابن حجر: وهو وهم فإن الحديث المذكور معروف برواية الرياحي دونه، وتعقبه العيني بأن كل واحد منهما يروي عن ابن عباس، وترجيح أحدهما عن الآخر في رواية هذا الحديث عن ابن عباس يحتاج إلى دليل، وبأن قوله: فإن الحديث المذكور معروف برواية الرياحي دونه يحتاج إلى نقل عن أحد يعتمد عليه.
وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن المصنف وصله في التوحيد، ولو راجعه العيني من هناك لما احتاج إلى طلب الدليل.
( عن ابن عباس، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يروي عن ربه) عز وجل.

( وقال أنس) بن مالك رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرويه عن ربه عز وجل) وللأصيلي فيما يرويه عن ربه، ولأبوي ذر والوقت تبارك وتعالى بدلاً عن قوله عز وجل.

( وقال أبو هريرة) رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرويه عن ربكم عز وجل) بكاف الخطاب مع ميم الجمع، وهذه التعاليق الثلاثة وصلها المؤلف في كتاب التوحيد، وأوردها هنا تنبيهًا على حكم المعنعن، والذي ذهب إليه هو وأئمة جمهور المحدّثين أنه موصول إذا أتى عن رواة مسمّين معروفين بشرط السلامة واللقاء، وهو مذهب ابن المديني وابن عبد البر والخطيب وغيرهم.
وعزاه النووي للمحققين بل هو مقتضى كلام الشافعي.
نعم لم يشترطه مسلم بل أنكر اشتراطه في مقدمة صحيحة وادّعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه، وإن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديمًا وحديثًا ما ذهب هو إليه من عدم اشتراطه لكنه اشترط تعاصرهما فقط، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا وتشافها يعني تحسينًا للظن بالثقة وفيما قاله نظر يطول ذكره.


[ قــ :61 ... غــ : 61 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ.
ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ».
[الحديث 61 - أطرافه في: 62، 72، 131، 2209، 4698، 5444، 5448، 6132، 6144] .

وبالسند إلى المؤلف رحمه الله قال: ( حدّثنا قتيبة) زاد في رواية ابن عساكر ابن سعيد وقد مرّ قال: ( حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المذكور في باب علامة المنافق ( عن عبد الله بن دينار) السابق في باب أمور الإيمان ( عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن من الشجر) أي من جنسه ( شجرة) بالنصب اسم إن وخبرها الجار والمجرور ومن للتبعيض.
وقوله ( لا يسقط ورقها) في محل نصب صفة لشجرة وهي صفة سلبية تبين أن موصوفها مختص بها دون غيرها ( وإنها مثل المسلم) بكسر الهمزة عطفًا على أن الأولى وبكسر ميم مثل وسكون المثلثة كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية الأصيلي وكريمة مثل بفتحهما كشبه وشبه لفظًا ومعنى، واستعير المثل هنا كاستعارة الأسد للمقدام للحال العجيبة أو الصفة الغريبة كأنه قال: حال المسلم العجيب الشأن كحال النخلة أو صفته الغريبة كصفتها فالمسلم هو المشبه والنخلة هي المشبه بها.


وقوله: ( فحدّثوني) فعل أمر أي إن عرفتموها فحدّثوني ( ما هي) جملة من مبتدأ وخبر سدّت مسد مفعول التحديث ( فوقع الناس في شجر البوادي) أي جعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع وذهلوا عن النخلة، ( قال عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: ( ووقع في نفسي أنها النخلة) بالرفع خبر أن وبفتح الهمزة لأنها فاعل وقع ( فاستحييت) أن أتكلم، وعنده أبو بكر وعمر وغيرهما رضي الله عنهم هيبة منه وتوقيرًا لهم ( ثم قالوا: حدّثنا) بكسر الدال وسكون المثلثة ( ما هي يا رسول الله: قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( هي النخلة) .
وعند المؤلف في التفسير من طريق نافع عن ابن عمر قال: كنا عند

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا ذكر النفي ثلاث مرات على طريق الاكتفاء، وقد ذكروا في تفسيره ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيئها ولا يبطل نفعها.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ قَوْلِ المُحَدِّثِ: حدّثنا أوْ أخْبَرَنَا وأنْبأَنَا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قَول الْمُحدث: حَدثنَا وَأخْبرنَا وأنبأنا، هَل فِيهِ فرق أم الْكل وَاحِد؟ وَالْمرَاد بالمحدث اللّغَوِيّ، وَهُوَ الَّذِي يحدث غَيره، لَا الاصطلاحي، وَهُوَ الَّذِي يشْتَغل بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيّ.
فَإِن قلت: مَا وَجه ذكر هَذَا الْبابُُ فِي كتاب الْعلم؟ وَمَا وَجه الْمُنَاسبَة بَينه وَبَين الْبابُُ الَّذِي قبله؟ قلت: أما ذكره مُطلقًا فللتنبيه على أَنه بنى كِتَابه على المسندات المروية عَن النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم.
وَأما ذكره فِي كتاب الْعلم فَظَاهر لِأَنَّهُ من جملَة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُحدث فِي معرفَة الْفرق بَين الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة لُغَة وَاصْطِلَاحا، وَأما وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ فَهُوَ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبابُُ السَّابِق: رفع الْعَالم صَوته بِالْعلمِ ليتعلم الْحَاضِرُونَ ذَلِك، ويعلمون غَيرهم بالرواية عَنهُ، فَعِنْدَ الرِّوَايَة وَالنَّقْل عَنهُ لَا بُد من ذكر لَفْظَة من الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة، فحينئذٍ ظهر الِاحْتِيَاج إِلَى مَعْرفَتهَا لُغَة وَاصْطِلَاحا.
وَمن حَيْثُ الْفرق بَينهَا وَعَدَمه، وَفِي بعض النّسخ: أخبرنَا وَحدثنَا وأنبأنا.

وَقَالَ لَنَا الحُمَيْدِيُّ كانَ عِنْدَ ابنِ عُيَيْنَةَ: حدّثنا وأخْبَرَنَا وأنْبَانَا، وسَمِعْتُ واحِداً.

الْحميدِي، بِضَم الْحَاء، هُوَ أَبُو بكر عبد اللَّه بن الزبير الْقرشِي الْأَسدي الْمَكِّيّ، أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، وَقد مر ذكره.
وتصدير الْبابُُ بقوله تَنْبِيه على أَنه اخْتَار هَذَا القَوْل فِي عدم الْفرق بَين هَذِه الْأَلْفَاظ الْأَرْبَعَة، نقل هَذَا عَن شَيْخه الْحميدِي، والْحميدِي أَيْضا نقل ذَلِك عَن شَيْخه سُفْيَان بن عَيْنِيَّة، وَهُوَ أَيْضا قد ذكر.
وَفِي بعض النّسخ:.

     وَقَالَ  لنا الْحميدِي، وَهِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي.
وَكَذَا ذكر أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) وَلَيْسَ فِي رِوَايَة كَرِيمَة: وانبأنا، وَالْكل فِي رِوَايَة أبي ذَر.
ثمَّ اعْلَم أَن قَوْله: قَالَ الْحميدِي، لَا يدل جزما على أَنه سَمعه مِنْهُ، فَيحْتَمل الْوَاسِطَة، وَهُوَ أحط مرتبَة من: حَدثنَا وَنَحْوه، سَوَاء كَانَ بِزِيَادَة: لنا، أَو لم يكن، لِأَنَّهُ يُقَال على سَبِيل المذاكرة، بِخِلَاف نَحْو: حَدثنَا، فَإِنَّهُ يُقَال على سَبِيل النَّقْل والتحمل..
     وَقَالَ  جَعْفَر بن حمدَان النَّيْسَابُورِي: كلما قَالَ البُخَارِيّ فِيهِ: قَالَ لي فلَان، فَهُوَ عرض ومناولة..
     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: لَا خلاف أَنه يجوز فِي السماع من لفظ الشَّيْخ أَن يَقُول السَّامع فِيهِ: حَدثنَا، وَأخْبرنَا، وانبأنا، وسمعته يَقُول،.

     وَقَالَ  لنا فلَان، وَذكر لنا فلَان؛ وَإِلَيْهِ مَال الطَّحَاوِيّ.
وَصحح هَذَا الْمَذْهَب ابْن الْحَاجِب، وَنقل هُوَ وَغَيره عَن الْحَاكِم أَنه مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، وَهُوَ مَذْهَب جمَاعَة من الْمُحدثين مِنْهُم الزُّهْرِيّ وَيحيى الْقطَّان.
وَقيل: إِنَّه قَول مُعظم الْحِجَازِيِّينَ والكوفيين فَلذَلِك اخْتَارَهُ البُخَارِيّ بنقله عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ بِالْمَنْعِ فِي الْقِرَاءَة على الشَّيْخ إلاَّ مُقَيّدا مثل: حَدثنَا فلَان قِرَاءَة عَلَيْهِ، وَأخْبرنَا قِرَاءَة عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين..
     وَقَالَ  آخَرُونَ بِالْمَنْعِ فِي: حَدثنَا، وبالجواز فِي أخبرنَا، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَأَصْحَابه، وَمُسلم بن الْحجَّاج وَجُمْهُور أهل الْمشرق، وَنقل عَن أَكثر الْمُحدثين مِنْهُم ابْن جريج وَالْأَوْزَاعِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن وهب.
وَقيل: إِن عبد اللَّه ابْن وهب أول من أحدث هَذَا الْفرق بِمصْر، وَصَارَ هُوَ الشَّائِع الْغَالِب على أهل الحَدِيث، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال فِيهِ: إِنَّه اصْطِلَاح مِنْهُم أَرَادوا بِهِ التَّمْيِيز بَين النَّوْعَيْنِ، وخصصوا قِرَاءَة الشَّيْخ: بحدثنا، لقُوَّة إشعاره بالنطق والمشافهة، وأحدث الْمُتَأَخّرُونَ تَفْصِيلًا آخر وَهُوَ أَنه مَتى سمع وَحده من لفظ الشَّيْخ أفرد، فَقَالَ: حَدثنِي أَو أَخْبرنِي أَو سَمِعت، وَمَتى سمع مَعَ غَيره جمع فَقَالَ: حَدثنَا أَو أخبرنَا، وَمَتى قَرَأَ بِنَفسِهِ على الشَّيْخ أفرد فَقَالَ: أَخْبرنِي.
وخصصوا الإنباء بِالْإِجَازَةِ الَّتِي يشافه بهَا الشَّيْخ من يُخبرهُ، وكل هَذَا مستحسن، وَلَيْسَ بِوَاجِب عِنْدهم، لِأَن هَذَا اصْطِلَاح وَلَا مُنَازعَة فِيهِ..
     وَقَالَ  بَعضهم: التحديث والإخبار والإنباء سَوَاء وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ عِنْد أهل الْعلم بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللُّغَة.
قلت: لَا نسلم ذَلِك، لِأَن الحَدِيث هُوَ القَوْل، وَالْخَبَر من الْخَبَر، بِضَم الْخَاء وَسُكُون الْبَاء، وَهُوَ الْعلم بالشَّيْء من خبرت الشَّيْء أخبرهُ خَبرا وخبرة، وَمن أَيْن خبرت هَذَا أَي: عَلمته، وَإِنَّمَا اسْتِوَاء هَذِه الْأَلْفَاظ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاصْطِلَاح، وكل مَا جَاءَ من لفظ الْخَبَر وَمَا يشتق مِنْهُ فِي الْقُرْآن والْحَدِيث وَغَيرهمَا فَمَعْنَاه الْأَصْلِيّ هُوَ الْعلم.
فَافْهَم.
وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: حدّثنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهَوَ الصَّادِقُ المَصْدُوق،.

     وَقَالَ  شَقِيقُ عَنْ عَبْدِ اللَّه: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَةً،.

     وَقَالَ  حذَيْفَةُ: حدّثنا رسولُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثَيْنِ.

هَذِه ثَلَاث تعاليق أوردهَا تَنْبِيها على أَن الصَّحَابِيّ تَارَة كَانَ يَقُول: حَدثنَا، وَتارَة كَانَ يَقُول: سَمِعت، فَدلَّ ذَلِك على أَنه لَا فرق بَينهمَا.
التَّعْلِيق الأول: الَّذِي رَوَاهُ عبد اللَّه بن مَسْعُود طرف من الحَدِيث الْمَشْهُور، أوصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْقدر، وَسَيَجِيءُ الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
الثَّانِي: رَوَاهُ أَبُو وَائِل شَقِيق عَن عبد اللَّه هُوَ ابْن مَسْعُود، أوصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْجَنَائِز.
الثَّالِث: رَوَاهُ حُذَيْفَة ابْن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ، أوصله البُخَارِيّ فِي كتاب الرقَاق، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَاسم الْيَمَان: حسل، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، وَيُقَال: حسيل، بِالتَّصْغِيرِ ابْن جَابر بن عَمْرو بن ربيعَة بن جروة، بِالْجِيم الْمَكْسُورَة، ابْن الْحَارِث بن مَازِن بن قطيعة بن عبس بن بغيض، بِفَتْح الْمُوَحدَة وغين وضاد معجمتين، ابْن ريث، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة، بن غطفان بن سعد بن قيس بن غيلَان بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان الْعَبْسِي، حَلِيف بني عبد الْأَشْهَل من الْأَنْصَار.
قَالُوا: واليمان، لقب حسل..
     وَقَالَ  الْكَلْبِيّ وَابْن سعد: هُوَ لقب جروة، وَإِنَّمَا لقب الْيَمَان لِأَن جروة أصَاب دَمًا فِي قومه فهرب إِلَى الْمَدِينَة، فَخَالف بني عبد الْأَشْهَل من الْأَنْصَار، فَسَماهُ قومه: الْيَمَان، لِأَنَّهُ حَالف اليمانية، أسلم هُوَ وَأَبوهُ وشهدا أحدا، وَقتل أَبوهُ يَوْمئِذٍ، قَتله الْمُسلمُونَ خطأ، فوهب لَهُم دَمه، وَأسْلمت أم حُذَيْفَة وَهَاجَرت، وأرادا أَن يشهدَا بَدْرًا فَاسْتَحْلَفَهُمَا الْمُشْركُونَ أَن لَا يشهدَا مَعَ النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فَحَلفا لَهُم ثمَّ سَأَلَا النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام: ( نفي لَهُم بعهدهم ونستعين بِاللَّه عَلَيْهِم) .
وَكَانَ صَاحب سر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمُنَافِقين، يعلمهُمْ وَحده.
وَسَأَلَهُ عمر، رَضِي الله عَنهُ: هَل فِي عمالهم أحد مِنْهُم؟ قَالَ: نعم، وَاحِد.
قَالَ: من هُوَ؟ قَالَ: لَا أذكرهُ، فَعَزله عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَأَنَّمَا دلّ عَلَيْهِ.
وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِذا مَاتَ ميت، فَإِن حضر الصَّلَاة عَلَيْهِ حُذَيْفَة صلى عَلَيْهِ عمر، رَضِي الله عَنهُ، وإلاَّ فَلَا.
وَحَدِيثه لَيْلَة الْأَحْزَاب مَشْهُور فِيهِ معجزات، وَكَانَ فتح هَمدَان والري والدينور على يَده، ولاه عمر، رَضِي الله عَنهُ، الْمَدَائِن، وَكَانَ كثير السُّؤَال لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْفِتَن وَالشَّر ليجتنبهما، ومناقبه كَثِيرَة، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون حَدِيثا.
قَالَه الْكرْمَانِي فِي شَرحه،.

     وَقَالَ  الشَّيْخ قطب الدّين فِي شَرحه: أخرجَا لَهُ اثْنَي عشر حَدِيثا اتفقَا عَلَيْهَا وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِثمَانِيَة، وَمُسلم بسبعة عشر.
قلت: فَهَذَا يدل على سقط عدد من الْكرْمَانِي إِمَّا مِنْهُ وَإِمَّا من النساخ، توفّي حُذَيْفَة بِالْمَدَائِنِ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ بعد قتل عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ، بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.

وقالَ أبُو العَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ، وقالَ أنَسُ: عَنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ عَزَّ وجَلَّ.

هَذِه ثَلَاث تعاليق أُخْرَى أوردهَا تَنْبِيها على حكم العنعنة، وَأَن حكمهَا الْوَصْل عِنْد ثُبُوت اللقى، وَفِيه تَنْبِيه آخر وَهُوَ أَن رِوَايَة النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِنَّمَا هِيَ عَن ربه، سَوَاء صرح بذلك الصَّحَابِيّ أم لَا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا، روى عَنهُ حَدِيثه الْمَذْكُور فِي مَوضِع آخر، وَلم يذكر فِيهِ: عَن ربه، لَا يُقَال: ذكر العنعنة لَا تعلق لَهُ بالترجمة، وَكَذَا ذكر الرِّوَايَة، لأَنا نقُول: لفظ الرِّوَايَة شَامِل لجَمِيع الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة، وَكَذَا لفظ العنعنة، لاحْتِمَاله كلاًّ من هَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة، وَهَذِه التَّعَالِيق وَصلهَا البُخَارِيّ فِي كتاب التَّوْحِيد، وَهَؤُلَاء الصَّحَابَة قد ذكرُوا فِيمَا مضى، وَأما أَبُو الْعَالِيَة فقد قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين فِي شَرحه: هُوَ الْبَراء، بالراء الْمُشَدّدَة، واسْمه زِيَاد بن فَيْرُوز الْبَصْرِيّ الْقرشِي مَوْلَاهُم، وَقيل: اسْمه أذينة، وَقيل: كُلْثُوم، وَقيل: زِيَاد بن أذينة، سمع ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَغَيرهم، قَالَ أَبُو زرْعَة: ثِقَة توفّي سنة تسعين، روى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: الْبَراء، لِأَنَّهُ كَانَ يبري النبل، وَمثله: أَبُو معشر الْبَراء، واسْمه يُوسُف، وَكَانَ يبري النبل.
وَقيل يبري الْعود، وَمن عداهما الْبَراء مخفف، وَكله مَمْدُود،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَبُو الْعَالِيَة، بِالْمُهْمَلَةِ والتحتانية، وَالظَّاهِر أَنه رفيع، بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء، ابْن مهْرَان الريَاحي، أَعتَقته امْرَأَة من بني ريَاح، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَأسلم بعد موت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِسنتَيْنِ، مَاتَ سنة تسعين.
ورياح، بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتَانِيَّة، حَيّ من بني تَمِيم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَبُو الْعَالِيَة الْمَذْكُور هَهُنَا هُوَ الريَاحي، وَهُوَ رفيع، بِضَم الرَّاء، وَمن زعم أَنه: الْبَراء، بالراء المثقلة فقد وهم، فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور مَعْرُوف بِرِوَايَة الريَاحي دونه.
قلت: كل وَاحِد من أبي الْعَالِيَة الْبَراء، وَأبي الْعَالِيَة رفيع من الروَاة عَن ابْن عَبَّاس، وترجيح أَحدهمَا على الآخر فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس يحْتَاج إِلَى دَلِيل.
وَقَوله: فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور مَعْرُوف بِرِوَايَة الريَاحي دونه، يحْتَاج إِلَى نقل عَن أحد مِمَّن يعْتَمد عَلَيْهِ.



[ قــ :61 ... غــ :61 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا إسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قالَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ ورَقُهَا وإِنَّها مَثَلُ المُسْلِمِ فَحَدِّثونِي مَا هِيَ) فَوقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوْادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّه: ووقَعَ فِي نَفْسِي أنَّهَا النَّخْلَةُ فاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قالُوا: حدّثنا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّه: ( قَالَ هِيَ النَّخْلَةُ) ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ قَالُوا: حَدثنَا مَا هِيَ يَا رَسُول الله) وَفِي قَوْله: ( فحدثوني مَا هِيَ) .
فَإِن قلت: التَّرْجَمَة بِثَلَاثَة أَلْفَاظ، وَهِي التحديث والإخبار والإنباء، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث إِلَّا لفظ التحديث، قلت: أَلْفَاظ الحَدِيث مُخْتَلفَة، فَإِذا جمعت طرقه يُوجد ذَلِك كُله، فَفِي رِوَايَة عبد اللَّه بن دِينَار الْمَذْكُورَة هَهُنَا لفظ: حَدثُونِي مَا هِيَ، وَفِي رِوَايَة نَافِع عَنهُ فِي التَّفْسِير عِنْد البُخَارِيّ أَيْضا: اخبروني، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن نَافِع عَنهُ: انبؤني، فَاشْتَمَلَ الحَدِيث الْمَذْكُور على هَذَا الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة، وَالْكل ذكرُوا.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الْعلم هَذَا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع عَن قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن ابْن دِينَار عَن ابْن عمر وَعَن خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان عَن ابْن دِينَار بِهِ، وَعَن عَليّ عَن سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَعَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن ابْن دِينَار بِهِ، وَفِيه: ( فَقَالُوا: يَا رَسُول الله أخبرنَا بهَا) .
واخرجه فِي الْبيُوع فِي: بابُُ بيع الْجمار وَأكله، عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر، وَفِي الْأَطْعِمَة عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر، وَعَن أبي نعيم عَن مُحَمَّد ابْن طَلْحَة عَن زبيد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر، وَلَفظ حَدِيث عمر بن حَفْص: ( بَينا نَحن عِنْد النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، جُلُوس، إِذْ أُتِي بجمار نَخْلَة، فَقَالَ: عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِن من الشّجر لما بركته كبركة الْمُسلم، فَظَنَنْت أَنه يَعْنِي النَّخْلَة، فَأَرَدْت أَن أَقُول: هِيَ النَّخْلَة يَا رَسُول الله! ثمَّ الْتفت فَإِذا أَنا عَاشر عشرَة أَنا أحدثهم، فَسكت، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ النَّخْلَة) .
وَفِي أول بعض طرقه: ( كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَأْكُل الْجمار) ، وَأخرجه فِي الْأَدَب فِي: بابُُ لَا يستحي من الْحق، عَن آدم عَن شُعْبَة عَن محَارب عَن أبن عمر، قَالَ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ( مثل الْمُؤمن كَمثل شَجَرَة خضراء لَا يسْقط وَرقهَا وَلَا يتحات، فَقَالَ الْقَوْم: هِيَ شَجَرَة كَذَا، فَأَرَدْت أَن أَقُول: هِيَ النَّخْلَة، وَأَنا غُلَام شَاب فَاسْتَحْيَيْت، فَقَالَ: هِيَ النَّخْلَة) .
وَعَن شُعْبَة عَن خبيب عَن حَفْص عَن ابْن عمر مثله، وَزَاد: ( فَحدثت بِهِ عمر، فَقَالَ: لَو كنت قلتهَا لَكَانَ أحب إِلَيّ من كَذَا وَكَذَا) .
وَأخرجه مُسلم فِي تلو كتاب التَّوْبَة عَن مُحَمَّد بن عبيد عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن أبي الْجَلِيل، وَعَن أبي بكر وَابْن أبي عمر عَن سُفْيَان عَن أبي نجيح، وَعَن أبي نمير عَن أَبِيه عَن سيف بن سُلَيْمَان،.

     وَقَالَ  ابْن أبي سُلَيْمَان: كلهم عَن مُجَاهِد بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة، وَأبي أَيُّوب، وَابْن حجر عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن ابْن دِينَار عَن ابْن عمر بِهِ، وَفِي بَعْضهَا قَالَ ابْن عمر: ( فَألْقى الله تَعَالَى فِي روعي أَنَّهَا النَّخْلَة) .
الحَدِيث.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( من الشّجر) ، قَالَ الصغاني فِي ( الْعبابُ) : الشّجر والشجرة مَا كَانَ على سَاق من نَبَات الأَرْض،.

     وَقَالَ  الدينَوَرِي: من الْعَرَب من يَقُول: شَجَرَة وشجرة، فيكسر الشين وبفتح الْجِيم، وَهِي لُغَة لبني سليم، وَأَرْض شجراء كَثِيرَة الْأَشْجَار، وَلَا يُقَال: وَاد شجر، وَوَاحِد الشجراء شَجَرَة، وَلم يَأْتِ على هَذَا الْمِثَال إلاَّ أحرف يسيرَة، وَهِي شَجَرَة وشجراء، وقصبة وقصباء، وطرفة وطرفاء، وحلفة وحلفاء..
     وَقَالَ  سيبوبه: الشجراء وَاحِد وَجمع، وَكَذَلِكَ: القصباء والطرفاء والحلفاء..
     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: الشَّجَرَة، بِكَسْر الشين، والشيرة، بِكَسْر الشين وَالْيَاء، وَعَن أبي عَمْرو أَنه كرهها،.

     وَقَالَ : يقْرَأ بهَا برابر مَكَّة وسودانها.
قَوْله: ( الْبَوَادِي) ، جمع بادية وَهِي خلاف الْحَاضِرَة، والبدو مثل الْبَادِيَة، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِمَا بدوي، وَعَن أبي زيد: بداوي، وَأَصلهَا بَاء ودال وواو، من البدو، وَهُوَ الظُّهُور، وَهُوَ ظَاهر فِي معنى الْبَادِيَة، وَفِي بعض الرِّوَايَات البواد، بِحَذْف الْيَاء، وَهِي لُغَة.
قَوْله: ( النَّخْلَة) ، وَاحِدَة النّخل وَفِي ( الْعبابُ) : النّخل والنخيل بِمَعْنى وَاحِد، الْوَاحِدَة نَخْلَة.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( شَجَرَة) نصب لِأَنَّهُ اسْم: إِن، وخبرها قَوْله: ( من الشَّجَرَة) ، وَكلمَة: من، للتَّبْعِيض، وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى من جنس الشَّجَرَة.
قَوْله: ( لَا يسْقط وَرقهَا) ، جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَحل النصب على أَنَّهَا صفة لشَجَرَة.
قَوْله: ( وَأَنَّهَا) ، بِالْكَسْرِ عطف على ( إِن) الأولى.
قَوْله ( مَا هِيَ) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة سدت حسد المفعولين لفعل الحَدِيث.
قَوْله: ( إِنَّهَا النحلة) .
بِفَتْح: أَن لِأَنَّهَا فَاعل وَقع، والنخلة، مَرْفُوع لِأَنَّهَا خبر ان.
قَوْله: ( حَدثنَا مَا هِيَ) مُبْتَدأ وَهِي خَبره، وَالْجُمْلَة سدت مسد المفعولين أَيْضا، وَقَوله: ( هِيَ النَّخْلَة) مُبْتَدأ وَخبر وَقعت مقول القَوْل.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( إِن من الشّجر شَجَرَة) ، مخرج على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر، لِأَن المخاطبين فِيهِ كَانُوا مستشرفين كاستشراف الطَّالِب المتردد، فَلذَلِك حسن تأكيده: بِأَن، وصوغه بِالْجُمْلَةِ الإسمية.
قَوْله: ( لَا يسْقط وَرقهَا) صفة سلبية تبين أَن موصوفها مُخْتَصّ بهَا دون غَيره.
قَوْله: ( وَإِنَّهَا مثل الْمُسلم) كَذَلِك مخرج على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر، كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: ( فَوَقع النَّاس فِي شجر الْبَوَادِي) أَي: ذهبت أفكارهم إِلَى شجر الْبَوَادِي وذهلوا عَن النَّخْلَة، فَجعل كل مِنْهُم يُفَسِّرهَا بِنَوْع من الْأَنْوَاع، يُقَال: وَقع الطَّائِر على الشَّجَرَة.
إِذا نزل عَلَيْهَا.
قَوْله: ( قَالَ عبد اللَّه) أَي: عبد اللَّه بِهِ عمر، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَوْله: ( فَاسْتَحْيَيْت) زَاد فِي رِوَايَة مُجَاهِد، فِي: بابُُ الْفَهم فِي الْعلم: ( فَأَرَدْت أَن أَقُول: هِيَ النَّخْلَة، فَإِذا أَنا أَصْغَر الْقَوْم) .
وَله فِي الْأَطْعِمَة: ( فَإِذا أَنا عَاشر عشرَة أَنا أحدثهم) .
وَفِي رِوَايَة نَافِع: ( وَرَأَيْت أَبَا بكر وَعمر لَا يتكلمان، فَكرِهت أَن أَتكَلّم) .
وَفِي رِوَايَة مَالك عَن عبد اللَّه بن دِينَار عِنْد البُخَارِيّ، فِي بابُُ الْحيَاء فِي الْعلم، قَالَ عبد اللَّه: ( فَحدثت أبي بِمَا وَقع ( نَفسِي) ، فَقَالَ: لِأَن كنت قلتهَا أحب إِلَيّ من أَن يكون لي كَذَا وَكَذَا) .
زَاد ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) : ( احسبه قَالَ: حمر النعم) .

بَيَان الْبَيَان: قَوْله: ( مثل الْمُسلم) ، بِفَتْح الْمِيم والثاء مَعًا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: مثل، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الثَّاء.
قَالَ الْجَوْهَرِي: مثل، كلمة تَسْوِيَة.
يُقَال: هَذَا مثله ومثيله.
كَمَا يُقَال: شبهه وشبيهه، بِمَعْنى..
     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: الْمثل، فِي أصل كَلَامهم بِمَعْنى الْمثل، يُقَال: مثل وَمثل ومثيل كشبه وَشبه وشبيه، ثمَّ قيل لِلْقَوْلِ السائر الممثل مضربه بمورده: مثل، وَلم يضْربُوا مثلا وَلَا رَأَوْهُ أَهلا للتسيير، وَلَا جَدِيرًا بالتداول وَالْقَبُول إلاَّ قولا فِيهِ غرابة من بعض الْوُجُوه.
قلت: لضرب الْمثل شَأْن فِي إبراز خبيئات الْمعَانِي، وَرفع الاستار عَن الْحَقَائِق، فَإِن الْأَمْثَال تري المخيل فِي صُورَة الْمُحَقق، والمتوهم فِي معرض الْمُتَيَقن، وَالْغَائِب كَأَنَّهُ مشَاهد، وَلَا يضْرب مثل إلاَّ قَول فِيهِ غرابة، فَإِن قلت: مَا المورد وَمَا المضرب؟ قلت: المورد: الصُّورَة الَّتِي ورد فِيهَا ذَلِك القَوْل، والمضرب هِيَ الصُّورَة الَّتِي شبهت بهَا.
ثمَّ اعْلَم أَن الْمثل لَهُ مَفْهُوم لغَوِيّ، وَهُوَ النظير.
وَمَفْهُوم عرفي، وَهُوَ القَوْل السائر، وَمعنى مجازي وَهُوَ الْحَال الغريبة، واستعير الْمثل هُنَا كاستعارة الْأسد للمقدام، للْحَال العجيبية أَو الصّفة الغريبة، كَأَنَّهُ قيل: حَال الْمُسلم العجيب الشَّأْن كَحال النَّخْلَة، أَو: صفة الْمُسلم الغريبة كصفة النَّخْلَة، فالمسلم هُوَ الْمُشبه، والنخلة هُوَ الْمُشبه بهَا، وَأما وَجه الشّبَه فقد اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ كَثْرَة خَيرهَا ودوام ظلها وَطيب ثَمَرهَا ووجودها على الدَّوَام، فَإِنَّهُ من حِين يطلع ثَمَرهَا لَا يزَال يُؤْكَل مِنْهُ حَتَّى ييبس، وَبعد أَن ييبس يتَّخذ مِنْهَا مَنَافِع كَثِيرَة، من خشبها وورقها وَأَغْصَانهَا، فيستعمل جذوعاً وحطباً وعصياً ومحاضر وحصراً وحبالاً وأواني، وَغير ذَلِك مِمَّا ينْتَفع بِهِ من أَجْزَائِهَا، ثمَّ آخرهَا نَوَاهَا ينْتَفع بِهِ، علفاً لِلْإِبِلِ وَغَيره، ثمَّ جمال نباتها وَحسن ثَمَرَتهَا وَهِي كلهَا مَنَافِع، وَخير وجمال، وَكَذَلِكَ الْمُؤمن خير كُله من كَثْرَة طاعاته وَمَكَارِم أخلاقه ومواظبته على صلَاته وصيامه وَذكره وَالصَّدَََقَة وَسَائِر الطَّاعَات، هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي وَجه الشّبَه..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَجه التَّشْبِيه أَن النَّخْلَة إِذا قطعت رَأسهَا مَاتَت بِخِلَاف بَاقِي الشّجر،.

     وَقَالَ  بَعضهم: لِأَنَّهَا لَا تحمل حَتَّى تلقح،.

     وَقَالَ  بَعضهم: لِأَنَّهَا تَمُوت إِذا مزقت أَو فسد مَا هُوَ كالقلب لَهَا..
     وَقَالَ  بَعضهم: لِأَن لطلعها رَائِحَة الْمَنِيّ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: لِأَنَّهَا تعشق كالإنسان، وَهَذِه الْأَقْوَال كلهَا ضَعِيفَة من حَيْثُ إِن التَّشْبِيه إِنَّمَا وَقع بِالْمُسلمِ، وَهَذِه الْمعَانِي تَشْمَل الْمُسلم وَالْكَافِر.
قَوْله: ( حَدثنَا) صُورَة أَمر وَلَكِن المُرَاد مِنْهُ الطّلب وَالسُّؤَال، وَقد علم أَن الْأَمر إِذا كَانَ بالعلو والاستعلاء، يكون حَقِيقَة فِي بابُُه، وَإِذا كَانَ لمساويه يكون التماساً، وَإِذا كَانَ لأعلى مِنْهُ يكون طلبا وسؤالاً.
فَافْهَم.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ اسْتِحْبابُُ إِلْقَاء الْعَالم الْمَسْأَلَة على أَصْحَابه ليختبر أفهامهم، ويرغبهم فِي الْفِكر.
الثَّانِي: فِيهِ توقير الْكِبَار وَترك التَّكَلُّم عِنْدهم، وَقد بوب عَلَيْهِ البُخَارِيّ بابُُا، كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
الثَّالِث: فِيهِ اسْتِحْبابُُ الْحيَاء مَا لم يؤد إِلَى تَفْوِيت مصلحَة، وَلِهَذَا تمنى عمر، رَضِي الله عَنهُ، أَن يكون ابْنه لم يسكت.
الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز اللغز مَعَ بَيَانه.
فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث مُعَاوِيَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَنه نهى عَن الأغلوطات) ، قَالَ الْأَوْزَاعِيّ، أحد رُوَاته: هِيَ صعاب الْمسَائِل.
قلت: هُوَ مَحْمُول على مَا إِذا أخرج على سَبِيل تعنيت المسؤول أَو تعجيزه أَو تخجيله وَنَحْو ذَلِك.
الْخَامِس: فِيهِ جَوَاز ضرب الْأَمْثَال والأشباه لزِيَادَة الأفهام، وتصوير الْمعَانِي فِي الذِّهْن، وتحديد الْفِكر، وَالنَّظَر فِي حكم الْحَادِثَة.
السَّادِس: فِيهِ تلويح إِلَى أَن التَّشْبِيه لَا عُمُوم لَهُ، وَلَا يلْزم أَن يكون الْمُشبه مثل الْمُشبه بِهِ فِي جَمِيع الْوُجُوه.
السَّابِع: فِيهِ أَن الْعَالم الْكَبِير قد يخفى عَلَيْهِ بعض مَا يُدْرِكهُ من هُوَ دونه، لِأَن الْعلم منح إلهية ومواهب رحمانية، وَأَن الْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء.
الثَّامِن: فِيهِ دلَالَة على فَضِيلَة النّخل.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: { ضرب الله مثلا كلمة طيبَة} ( إِبْرَاهِيم: 24) لَا إلاه إِلَّا الله، { كشجرة طيبَة} ( إِبْرَاهِيم: 24) هِيَ: النَّخْلَة { أَصْلهَا ثَابت} ( إِبْرَاهِيم: 24) فِي الأَرْض، { وفرعها فِي السَّمَاء} ( إِبْرَاهِيم: 24) أَي: رَأسهَا { تؤتي أكلهَا كل} ( إِبْرَاهِيم: 25) وَقت.
شبه الله الْإِيمَان بالنخلة لثبات الْإِيمَان فِي قلب الْمُؤمن، كثبات النَّخْلَة فِي منبتها، وَشبه ارْتِفَاع عمله إِلَى السَّمَاء بارتفاع فروع النَّخْلَة، وَمَا يكتسبه الْمُؤمن من بركَة الْإِيمَان وثوابه فِي كل وَقت وزمان بِمَا ينَال من ثَمَر النَّخْلَة فِي أَوْقَات السّنة كلهَا من الرطب وَالتَّمْر، وَقد ورد ذَلِك صَرِيحًا فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّار من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: ( قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... فَذكر هَذِه الْآيَة فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هِيَ؟ قَالَ ابْن عمر: لم يخف عَليّ أَنَّهَا النَّخْلَة، فَمَنَعَنِي أَن أَتكَلّم لمَكَان سني، فَقَالَ رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام: هِيَ النَّخْلَة) .
وروى ابْن حبَان من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن مُسلم عَن عبد اللَّه بن دِينَار عَن عبد اللَّه بن عمر، رَضِي الله عَنْهُمَا، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( من يُخْبِرنِي عَن شَجَرَة مثلهَا مثل الْمُؤمن { أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء} ( إِبْرَاهِيم: 24) ؟ فَذكر الحَدِيث، وروى الْبَزَّار أَيْضا من طَرِيق سُفْيَان بن حُسَيْن عَن أبي بشر عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مثل الْمُؤمن مثل النَّخْلَة، فَمَا أَتَاك مِنْهَا نفعك) .
هَكَذَا أوردهُ مُخْتَصرا، وَإِسْنَاده صَحِيح،.

     وَقَالَ  قَالَ الْبَزَّار: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، بِهَذَا السِّيَاق إلاَّ ابْن عمر وَحده، وَلما ذكره التِّرْمِذِيّ قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن أبي هُرَيْرَة.
قلت: أخرجه عبد بن حميد فِي تَفْسِيره بِلَفْظ: مثل الْمُؤمن مثل النَّخْلَة، وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حبَان من حَدِيث أنس، رَضِي الله عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( قَرَأَ: { مثلا كلمة طيبَة كشجرة طيبَة} ( إِبْرَاهِيم: 24) ، قَالَ: هِيَ النَّخْلَة) .
تفرد بِرَفْعِهِ حَمَّاد بن سَلمَة..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قيل: إِن النَّخْلَة خلقت من بَقِيَّة طِينَة آدم، عَلَيْهِ السَّلَام، فَهِيَ كالعمة للأناسي.
قلت: رُوِيَ فِيهِ حَدِيث مَرْفُوع، وَلكنه لم يثبت.