هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
61 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَقَفَهُ ، عَنْ عَاصِمٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
61 حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، أخبرنا عاصم بن المنذر ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، قال : حدثني أبي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس ، قال أبو داود : حماد بن زيد وقفه ، عن عاصم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated 'Abdullah b. 'Umar:

The Apostle of Allaah ( sal Allaahu alayhi wa sallam ) said: When there is enough water to fill two pitchers, it does not become impure.

Abu Dawud said : Hammad b. Zaid has narrated this tradition on the authority of 'Asim ( without any reference to the Prophet)

شرح الحديث من عون المعبود لابى داود

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    [65] ( قُلَّتَيْنِ) وَالْمُرَادُ مِنَ الْقِلَالِ قِلَالُ هَجَرَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهَا فِي أَشْعَارِهِمْ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الطُّهُورِ وَكَذَلِكَ وَرَدَ التَّقَيُّدُ بِهَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ قِلَالُ هَجَرَ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَلِشُهْرَتِهَا عِنْدَهُمْ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رأى ليلة المعراج من نيق سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى بِقِلَالِ هَجَرَ فَقَالَ مِثْلُ آذَانِ الْفِيلَةِ وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ
وَاعْتِذَارُ الطَّحَاوِيِّ فِي تَرْكِ الْحَدِيثِ أَصْلًا بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ لَا يَكُونُ عُذْرًا عِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ
انْتَهَى ( فَإِنَّهُ) أَيِ الْمَاءَ ( لَا يَنْجَسُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا وَهَذَا مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ الْخَبَثَ
قَالَ المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَسُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ فَقَالَ هَذَا جَيِّدُ الْإِسْنَادِ فَقِيلَ لَهُ فَإِنَّ بن عُلَيَّةَ لَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ يَحْيَى وَإِنْ لَمْ يحفظه بن عُلَيَّةَ فَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْصُولٌ
انْتَهَى ( حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَقَفَهُ عَنْ عَاصِمٍ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ خَالَفَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَرَوَاهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا غَيْرَ مَرْفُوعٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ عَنِ بن عُمَرَ مَوْقُوفًا أَيْضًا
انْتَهَىQقَالَ الشَّيْخ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ فِي بَاب مَا يُنَجِّسُ الْمَاء وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك وَقَالَ صَحِيح عَلَى شَرْط الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ
رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ
هَكَذَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَجَمَاعَة عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ وَرَوَاهُ الْحَمِيدِيُّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثْنَا الْوَلِيدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ
فَهَذَانِ وَجْهَانِ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَلَمَّا اُخْتُلِفَ على أبي أسامة اخترنا أن نعلم من أتى بالصواب فنظرنا فِي ذَلِكَ فَإِذَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ قَدْ رَوَى عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَصَحَّ أَنَّ الْوَلِيد بْنَ كَثِيرٍ رَوَاهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ أَبُو أُسَامَةَ مَرَّة يُحَدِّث بِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمَرَّة يُحَدِّث بِهِ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عباد بْنِ جَعْفَرٍ
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه رواه جماعة عن بن إِسْحَاقَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ
وَفِيهِ تَقْوِيَة لِحَدِيثِ بن إِسْحَاقَ
فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَوْجُه وَقَدْ سَلَفَ آنِفًا مَا يُجَابُ عَنْ هَذَا
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ صَحِيحٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْمُولٌ بِهِ
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْصُولٌ وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وبن خزيمة وبن حبان والحاكم وقال بن مَنْدَهْ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ قَالَ أَبُو عِيسَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالُوا إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ وَقَالُوا يَكُونُ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ
وَفِي الْمُحَلَّى شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا بَلَغَ الْقُلَّتَيْنِ فَهُوَ كَثِيرٌ لَا يُنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الحديث منهم بن خُزَيْمَةَ انْتَهَى
وَأَمَّا الْجَرْحُ فِي حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ كما ذهب إليه الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا فَلَا يُقْبَلُ جَرْحُهُمْ إِلَّا بِبَيَانٍ وَاضِحٍ وَحُجَّةٍ بَالِغَةٍ
وَقَدْ حَقَّقَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْأَجَلُّ الْأَكْمَلُ السَّيِّدُ مُحَمَّدُ نَذِيرُ حُسَيْنٌ الْمُحَدِّثُ الدَّهْلَوِيُّ هَذَا الْمَبْحَثَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ انْدَفَعَ مَا قَالَ بَعْضُ قَاصِرِي الْأَنْظَارِ الْمَعْذُورِينَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي عَلَى بَعْضِ الْكُتُبِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ على التعديلQوَوَجْه خَامِس مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ عَنْ زائدة عن ليث عن مجاهد عن بن عمر عن النبي
وَوَجْه سَادِس مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَائِدَةَ عن ليث عن مجاهد عن بن عُمَرَ قَوْله
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ الصَّوَاب يَعْنِي حَدِيث مُجَاهِدٍ
وَوَجْه سَابِع بِالشَّكِّ فِي قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاث ذَكَرَهَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَكَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ دَخَلْت مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بُسْتَانًا فِيهِ مِقْرَاةُ مَاء ( 1) فِيهِ جِلْد بَعِير مَيِّت فَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَقُلْت أَتَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَفِيهِ جِلْد بَعِير مَيِّت فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ النبي قَالَ إِذَا بَلَغَ الْمَاء قَدْر قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاث لَمْ يُنَجِّسهُ شَيْء وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثْنَا حَجَّاجٌ قال بن جريج أخبرني لوط عن بن إسحاق عن مجاهد أن بن عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا كَانَ الْمَاء قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا لَمْ يُنَجِّسهُ شَيْء
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْر بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ بن عَبَّاسٍ كَذَلِكَ مَوْقُوفًا
وَرَوَى أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيث الْقَاسِمِ الْعَمْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله إِذَا بَلَغَ الْمَاء أَرْبَعِينَ قُلَّة لَا يَحْمِل الْخَبَث تَفَرَّدَ بِهِ الْقَاسِم الْعَمْرِيُّ هَكَذَا وَهُوَ ضَعِيف وَقَدْ نُسِبَ إِلَى الْغَلَط فِيهِ وَقَدْ ضَعَّفَ الْقَاسِمَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرهمْ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ سَمِعْت أَبَا عَلِيٍّ الْحَافِظَ يَقُول حَدِيث مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النبي إِذَا بَلَغَ الْمَاء أَرْبَعِينَ قُلَّة خَطَأ وَالصَّحِيح عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَوْله فلا يدافعه تصحيح بعض المحدثين له من ذكره بن حَجَرٍ وَغَيْرُهُ
وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ بَعْدَ التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ فَرْعٌ لِوُجُودِ الْجَرْحِ وَقَدْ نَفَيْنَاهُ لِعَدَمِ وُجُودِ وَجْهِهِ وَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا فَأَيْنَ الْمُقَدَّمُ وَأَيْنَ التَّقْدِيمُ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ وَجْهَ الِاضْطِرَابِ فِي الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ وَالْمَبْنَى فَقَدْ نَفَيْنَا الِاضْطِرَابَ فِي الْإِسْنَادِ وَسَنَنْفِي الْأَخِيرَيْنِ
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ مُحِبُّ اللَّهِ الْبَهَارِيُّ فِي الْمُسلَّمِ إِذَا تَعَارَضَ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ فَالتَّقْدِيمُ لِلْجَرْحِ مُطْلَقًا وَقِيلَ بَلْ لِلتَّعْدِيلِ عِنْدَ زِيَادَةِ الْمُعَدِّلِينَ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِذَا أُطْلِقَا أَوْ عَيَّنَ الْجَارِحُ شَيْئًا لَمْ يَنْفِهِ الْمُعَدِّلُ أَوْ نَفَاهُ لَا بِيَقِينٍ وَأَمَّا إِذَا نَفَاهُ يَقِينًا فَالْمَصِيرُ إِلَى التَّرْجِيحِ اتِّفَاقًا
وَقَالَ الْعَلَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ النُّخْبَةِ نَعَمْ إِنْ عَيَّنَ سَبَبًا
نَفَاهُ الْمُعَدِّلُ بِطَرِيقٍ مُعْتَبَرٍ فَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ
انْتَهَى
فَثَبَتَ صُلُوحُ مُعَارَضَةِ الْجَرْحِ لِلتَّعْدِيلِ ثُمَّ التَّرْجِيحُ لِلتَّعْدِيلِ لِجَوْدَةِ الْأَسَانِيدِ مِنْ حَيْثُ ثِقَاتِ الرُّوَاةِ
انْتَهَى كَلَامُهُQقُلْت كَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَوْله
وَرَوَى بن لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ إِذَا كَانَ الْمَاء أَرْبَعِينَ قُلَّة لَمْ يَحْمِل خَبَثًا وَخَالَفَهُ غَيْر وَاحِد فَرَوَوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالُوا أَرْبَعِينَ غَرْبًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ دَلْوًا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَالِاحْتِجَاج بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ مَبْنِيّ عَلَى ثُبُوت عِدَّة مَقَامَات ( الْأَوَّل) صِحَّة سَنَده
( الثَّانِي) ثُبُوت وَصْله وَأَنَّ إِرْسَاله غَيْر قَادِح فِيهِ
( الثَّالِث) ثُبُوت رَفْعه وَأَنَّ وَقْف مَنْ وَقَفَهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ
( الرَّابِع) أَنَّ الِاضْطِرَاب الَّذِي وَقَعَ فِي سَنَده لَا يُوهِنهُ
( الْخَامِس) أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ مُقَدَّرَتَانِ بِقِلَالِ هَجَرَ
( السَّادِس) أَنَّ قِلَال هَجَرَ مُتَسَاوِيَة الْمِقْدَار لَيْسَ فِيهَا كِبَار وَصِغَار
( السَّابِع) أَنَّ الْقُلَّة مُقَدَّرَة بِقِرْبَتَيْنِ حِجَازِيَّتَيْنِ وَأَنَّ قِرَب الْحِجَاز لَا تَتَفَاوَت
( الثَّامِن) أَنَّ الْمَفْهُوم حُجَّة
( التَّاسِع) أَنَّهُ مُقَدَّم عَلَى الْعُمُوم
( الْعَاشِر) أَنَّهُ مُقَدَّم عَلَى الْقِيَاس الْجَلِيّ
( الْحَادِي عَشَر) أَنَّ الْمَفْهُوم عَامّ فِي سَائِر صُوَر الْمَسْكُوت عَنْهُ
( الثَّانِي عَشَر) أَنَّ ذِكْر الْعَدَد خَرَجَ مَخْرَج التَّحْدِيد وَالتَّقْيِيد ( الثَّالِث عَشَر) الْجَوَاب عَنْ الْمُعَارِض وَمَنْ جَعَلَهُمَا خَمْسمِائَةِ رِطْل اِحْتَاجَ إِلَى مَقَام
( رَابِع عَشَر) وَهُوَ أَنَّهُ يَجْعَل الشَّيْء نِصْفًا اِحْتِيَاطًا
( وَمَقَام خَامِس عَشَر) أَنَّ مَا وَجَبَ بِهِ الِاحْتِيَاط صَارَ فَرْضًا
قَالَ الْمُحَدِّدُونَ الْجَوَاب عَمَّا ذَكَرْتُمْ أَمَّا صِحَّة سَنَده فَقَدْ وُجِدَتْ لِأَنَّ رُوَاته ثِقَات لَيْسَ فِيهِمْ مَجْرُوح وَلَا مُتَّهَم
وَقَدْ سَمِعَ بعضهم من بعض
ولهذا صححه بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرهمْ
وَأَمَّا وَصْله فَاَلَّذِينَ وصلوه ثقات وَهُمْ أَكْثَر مِنْ الَّذِينَ أَرْسَلُوهُ فَهِيَ زِيَادَة مِنْ ثِقَة وَمَعَهَا التَّرْجِيح
وَأَمَّا رَفْعه فَكَذَلِكَ
وإنما وقفه مجاهد على بن عمر ...............................
Qفَإِذَا كَانَ مُجَاهِدٌ قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ مَوْقُوفًا لَمْ يَمْنَع ذَلِكَ سَمَاع عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الله له من بن عُمَرَ مَرْفُوعًا
فَإِنْ قُلْنَا الرَّفْع زِيَادَة وَقَدْ أَتَى بِهَا ثِقَة فَلَا كَلَام
وَإِنْ قُلْنَا هي اختلاف وتعارض فعبد اللَّهِ أَوْلَى فِي أَبِيهِ مِنْ مُجَاهِدٍ لِمُلَازَمَتِهِ لَهُ وَعِلْمه بِحَدِيثِهِ وَمُتَابَعَة أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ لَهُ
وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّهُ مُضْطَرِب فَمِثْل هَذَا الِاضْطِرَاب لَا يَقْدَح فِيهِ إِذْ لَا مَانِع مِنْ سَمَاع الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْوَلِيد بْنَ كَثِيرٍ رَوَاهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا فَحَدَّثَ بِهِ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ لَا مَانِع مِنْ رِوَايَة عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ لَهُ جَمِيعًا عَنْ أَبِيهِمَا فَرَوَاهُ الْمُحَمَّدَانِ عَنْ هَذَا تَارَة وَعَنْ هَذَا تَارَة
وَأَمَّا تَقْدِير الْقُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا مسلم بن خالد عن بن جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرنِي ذِكْره أَنَّ رَسُول الله قَالَ إِذَا كَانَ الْمَاء قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل خَبَثًا وَقَالَ فِي الْحَدِيث بِقِلَالِ هَجَرَ وَقَالَ بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ أَنَّ يَحْيَى بْنَ عُقَيْلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رسول الله قَالَ إِذَا كَانَ الْمَاء قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل نَجَسًا وَلَا بَأْسًا قَالَ فَقُلْت لِيَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ قِلَال هَجَرَ قَالَ قِلَال هَجَرَ قَالَ فَأَظُنّ أَنَّ كُلّ قُلَّة تَأْخُذ قِرْبَتَيْنِ
قَالَ بن عَدِيٍّ مُحَمَّدٌ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى يُحَدِّث عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَيَحْيَى بن عقيل
قالوا وإن رسول الله ذَكَرَهَا لَهُمْ فِي حَدِيث الْمِعْرَاج وَقَالَ فِي سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقَهَا مِثْل قِلَال هَجَرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَعْلُومَة عِنْدهمْ
وَقَدْ قَالَ يحيى بن آدم ووكيع وبن إِسْحَاقَ الْقُلَّة الْجَرَّة
وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد الْقُلَّتَانِ الْجَرَّتَانِ
وَأَمَّا كَوْنهَا مُتَسَاوِيَة الْمِقْدَار فَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمه قِلَال هَجَرَ مَشْهُورَة الصَّنْعَة مَعْلُومَة الْمِقْدَار لَا تَخْتَلِف كَمَا لَا تَخْتَلِف الْمَكَايِيل وَالصِّيعَان
وَهُوَ حُجَّة فِي اللُّغَة
وَأَمَّا تقديرها بقرب الحجاز فقد قال بن جريج رأيت القلة تسع قربتين
وبن جُرَيْجٍ حِجَازِيٌّ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ قِرَب الْحِجَاز لَا الْعِرَاق وَلَا الشَّام وَلَا غَيْرهمَا
وَأَمَّا كَوْنهَا لَا تَتَفَاوَت فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْقِرَب الْمَنْسُوبَة إِلَى الْبُلْدَان الْمَحْذُوَّة عَلَى مِثَال وَاحِد يُرِيد أَنَّ قِرَب كُلّ بَلَدٍ عَلَى قَدْر وَاحِد لَا تَخْتَلِف
قَالَ وَالْحَدّ لَا يَقَع بِالْمَجْهُولِ
وَأَمَّا كَوْن الْمَفْهُوم حُجَّة فَلَهُ طَرِيقَانِ أَحَدهمَا التَّخْصِيص
وَالثَّانِي التَّعْلِيل
أَمَّا التَّخْصِيص فَهُوَ أَنْ يُقَال تَخْصِيص الْحُكْم بِهَذَا الْوَصْف وَالْعَدَد لَا بُدّ لَهُ مِنْ فَائِدَة وَهِيَ نَفْي الْحُكْم عَمَّا عَدَا الْمَنْطُوق
وَأَمَّا التَّعْلِيل فَيَخْتَصّ بِمَفْهُومِ الصِّفَة وَهُوَ أَنَّ تَعْلِيق الْحُكْم بِهَذَا الْوَصْف ...............................
Qالْمُنَاسِب يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ عِلَّة لَهُ فَيَنْتَفِي الْحُكْم بِانْتِفَائِهَا
فَإِنْ كَانَ الْمَفْهُوم مَفْهُوم شَرْط فَهُوَ قَوِيّ لِأَنَّ الْمَشْرُوط عَدَم عِنْد عَدَم شَرْطه وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لَهُ
وَأَمَّا تَقْدِيمه عَلَى الْعُمُوم فَلِأَنَّ دَلَالَته خَاصَّة فَلَوْ قُدِّمَ الْعُمُوم عَلَيْهِ بَطَلَتْ دَلَالَته جُمْلَة وَإِذَا خُصَّ بِهِ الْعُمُوم عُمِلَ بِالْعُمُومِ فِيمَا عَدَا الْمَفْهُوم وَالْعَمَل بِالدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاء أَحَدهمَا كَيْف وَقَدْ تَأَيَّدَ الْمَفْهُوم بِحَدِيثِ الْأَمْر بِغَسْلِ الْإِنَاء مِنْ وُلُوغ الْكَلْب وَإِرَاقَته وَبِحَدِيثِ النَّهْي عَنْ غَمْس الْيَد فِي الْإِنَاء قَبْل غَسْلهَا عِنْد الْقِيَام مِنْ نَوْم اللَّيْل
وَأَمَّا تَقْدِيمه عَلَى الْقِيَاس الْجَلِيّ فَوَاضِح لِأَنَّ الْقِيَاس عُمُوم مَعْنَوِيّ فَإِذَا ثَبَتَ تَقْدِيمه عَلَى الْعُمُوم اللَّفْظِيّ فَتَقْدِيمه عَلَى الْمَعْنَوِيّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيَكُون خُرُوج صُوَر الْمَفْهُوم مِنْ مُقْتَضَى الْقِيَاس كَخُرُوجِهَا مِنْ مُقْتَضَى لَفْظ الْعُمُوم
وَأَمَّا كَوْن الْمَفْهُوم عَامًّا فَلِأَنَّهُ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى نَفْي الْحُكْم عَمَّا عَدَا الْمَنْطُوق بِطَرِيقِ سُكُوته عَنْهُ وَمَعْلُوم أَنَّ نِسْبَة الْمَسْكُوت إِلَى جَمِيع الصُّوَر وَاحِدَة فَلَا يَجُوز نَفْي الْحُكْم عَنْ بَعْضهَا دُون بَعْض لِلتَّحَكُّمِ
وَلَا إِثْبَات حُكْم الْمَنْطُوق لَهَا لِإِبْطَالِ فَائِدَة التَّخْصِيص فَتَعَيَّنَ بِقَيْدٍ عَنْ جَمِيعهَا
وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّ الْعَدَد خَرَجَ مَخْرَج التَّحْدِيد فَلِأَنَّهُ عَدَد صَدَرَ مِنْ الشَّارِع فَكَانَ تَحْدِيدًا وَتَقْيِيدًا كَالْخَمْسَةِ الْأَوْسُق وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَم وَالْخَمْس مِنْ الْإِبِل وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْبَقَر وَغَيْر ذَلِكَ إِذْ لَا بُدّ لِلْعَدَدِ مِنْ فَائِدَة وَلَا فَائِدَة لَهُ إِلَّا التَّحْدِيد
وَأَمَّا الْجَوَاب عَنْ بَعْض الْمُعَارِض فَلَيْسَ مَعَكُمْ إِلَّا عُمُوم لَفْظِيّ أَوْ عُمُوم مَعْنَوِيّ وَهُوَ الْقِيَاس وَقَدْ بَيَّنَّا تَقْدِيم الْمَفْهُوم عَلَيْهِمَا
وَأَمَّا جَعْل الشَّيْء نِصْفًا فَلِأَنَّهُ قد شك فيه فجعلناه نِصْفًا اِحْتِيَاطِيًّا وَالظَّاهِر أَنَّهُ لَا يَكُون أَكْثَر مِنْهُ وَيَحْتَمِل النِّصْف فَمَا دُون فَتَقْدِيره بِالنِّصْفِ أَوْلَى
وَأَمَّا كَوْن مَا أَوْجَبَ بِهِ الِاحْتِيَاط يَصِير فَرْضًا فَلِأَنَّ هَذَا حَقِيقَة الِاحْتِيَاط كَإِمْسَاكِ جُزْء مِنْ اللَّيْل مَعَ النَّهَار وَغَسْل جُزْء مِنْ الرَّأْس مَعَ الْوَجْه
فَهَذَا تَمَام تَقْرِير هَذَا الْحَدِيث سَنَدًا وَمَتْنًا وَوَجْه الِاحْتِجَاج بِهِ
قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ التَّحْدِيد بِالْقُلَّتَيْنِ أَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّهُ قَدْ صَحَّ سَنَده فَلَا يُفِيد الْحُكْم بِصِحَّتِهِ لِأَنَّ صِحَّةَ السَّنَدِ شَرْط أَوْ جُزْء سَبَب لِلْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ لَا مُوجِب تَامّ فَلَا يَلْزَم مِنْ مُجَرَّد صِحَّة السَّنَد صِحَّة الْحَدِيث مَا لَمْ يَنْتِف عَنْهُ الشُّذُوذ وَالْعِلَّة وَلَمْ يَنْتَفِيَا عَنْ هَذَا الْحَدِيث
أَمَّا الشُّذُوذ فَإِنَّ هَذَا حَدِيث فَاصِل بَيْن الْحَلَال وَالْحَرَام وَالطَّاهِر وَالنَّجِس وَهُوَ فِي الْمِيَاه كَالْأَوْسُقِ فِي الزَّكَاة وَالنُّصُب فِي الزَّكَاة فَكَيْف لَا يَكُون مَشْهُورًا شائعا بين ...............................
Qالصحابة ينقله خلف عَنْ سَلَف لِشِدَّةِ حَاجَة الْأُمَّة إِلَيْهِ أَعْظَم مِنْ حَاجَتهمْ إِلَى نُصُب الزَّكَاة فَإِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا تَجِب عَلَيْهِمْ زَكَاة وَالْوُضُوء بِالْمَاءِ الطَّاهِر فَرْض عَلَى كُلّ مُسْلِم فَيَكُون الْوَاجِب نَقْل هَذَا الْحَدِيث كَنَقْلِ نَجَاسَة الْبَوْل وَوُجُوب غَسْله وَنَقْل عَدَد الرَّكَعَات وَنَظَائِر ذَلِكَ
وَمِنْ المعلوم أن هذا لم يروه غير بن عمر ولا عن بن عُمَرَ غَيْر عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ فَأَيْنَ نَافِعٌ وَسَالِمٌ وَأَيُّوبُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَيْنَ أَهْل الْمَدِينَة وَعُلَمَاؤُهُمْ عَنْ هَذِهِ السُّنَّة الَّتِي مَخْرَجهَا مِنْ عِنْدهمْ وَهُمْ إِلَيْهَا أَحْوَج الْخَلْق لِعِزَّةِ الْمَاء عِنْدهمْ وَمِنْ الْبَعِيد جِدًّا أَنَّ تكون هذه السنة عند بن عُمَرَ وَتَخْفَى عَلَى عُلَمَاء أَصْحَابه وَأَهْل بَلْدَته وَلَا يَذْهَب إِلَيْهَا أَحَد مِنْهُمْ وَلَا يَرْوُونَهَا وَيُدِيرُونَهَا بَيْنهمْ
وَمَنْ أَنْصَفَ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ اِمْتِنَاع هَذَا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ لِلسُّنَّةِ الْعَظِيمَة المقدار عند بن عُمَرَ لَكَانَ أَصْحَابه وَأَهْل الْمَدِينَة أَقْوَل النَّاس بِهَا وَأَرْوَاهُمْ لَهَا
فَأَيّ شُذُوذ أَبْلَغ مِنْ هَذَا وَحَيْثُ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا التَّحْدِيد أَحَد من أصحاب بن عُمَرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِنْده سنة من النبي فَهَذَا وَجْه شُذُوذه
وَأَمَّا عَلَيْهِ فَمِنْ ثَلَاثَة أوجه أحدها وقف مجاهد له على بن عُمَرَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ أَيْضًا رَفْعًا وَوَقْفًا
وَرَجَّحَ شَيْخَا الْإِسْلَام أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَقْفه وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنه وَقْفه مِنْ طَرِيق مُجَاهِدٍ وَجَعَلَهُ هُوَ الصَّوَاب قَالَ شَيْخنَا أَبُو الْعَبَّاسِ وَهَذَا كُلّه يَدُلّ عَلَى أن بن عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُحَدِّث بِهِ عَنْ النَّبِيّ وَلَكِنْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِحَضْرَةِ اِبْنه فَنَقَلَ اِبْنه ذَلِكَ عَنْهُ
قُلْت وَيَدُلّ عَلَى وَقْفه أَيْضًا أَنَّ مُجَاهِدًا وَهُوَ الْعَلَم الْمَشْهُور الثَّبْت إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ وَقْفًا وَرَفْعًا
الْعِلَّة الثَّانِيَة اِضْطِرَاب سَنَده كَمَا تَقَدَّمَ
الْعِلَّة الثَّالِثَة اِضْطِرَاب منه فَإِنَّ فِي بَعْض أَلْفَاظه إِذَا كَانَ الْمَاء قُلَّتَيْنِ وَفِي بَعْضهَا إِذَا بَلَغَ الْمَاء قَدْر قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاث وَاَلَّذِينَ زَادُوا هَذِهِ اللَّفْظَة لَيْسُوا بِدُونِ مَنْ سَكَتَ عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ
قَالُوا وَأَمَّا تَصْحِيح مَنْ صَحَّحَهُ مِنْ الْحُفَّاظ فَمُعَارَض بِتَضْعِيفِ مَنْ ضَعَّفَهُ وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ حَافِظُ الْمَغْرِبِ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْره
وَلِهَذَا أَعْرَضَ عَنْهُ أَصْحَاب الصَّحِيح جُمْلَة
قَالُوا وَأَمَّا تَقْدِير الْقُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ فَلَمْ يَصِحّ عن رسول الله فِيهِ شَيْء أَصْلًا
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فَمُنْقَطِع وَلَيْسَ قَوْله بِقِلَالِ هَجَرَ فِيهِ مِنْ كلام النبي وَلَا إِضَافَة الرَّاوِي إِلَيْهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْحَدِيث أَنَّ التَّفْسِير بِهَا مِنْ كَلَام يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ
فَكَيْف يَكُون بَيَان هَذَا الْحُكْم الْعَظِيم وَالْحَدّ الْفَاصِل بَيْن الْحَلَال وَالْحَرَام الَّذِي تَحْتَاج إِلَيْهِ جَمِيع الْأُمَّة لَا يُوجَد إِلَّا بِلَفْظٍ شَاذّ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِع وَذَلِكَ اللَّفْظ لَيْسَ من كلام رسول الله ...............................
Qقَالُوا وَأَمَّا ذِكْرهَا فِي حَدِيث الْمِعْرَاج فَمِنْ الْعَجَب أَنْ يُحَال هَذَا الْحَدّ الْفَاصِل عَلَى تمثيل النبي نَبْق السِّدْرَة بِهَا وَمَا الرَّابِط بَيْن الْحُكْمَيْنِ وَأَيّ مُلَازَمَة بَيْنهمَا أَلِكَوْنِهَا مَعْلُومَة عِنْدهمْ مَعْرُوفَة لَهُمْ مَثَّلَ لَهُمْ بِهَا وَهَذَا مِنْ عَجِيب حَمْل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد
وَالتَّقْيِيد بِهَا فِي حَدِيث الْمِعْرَاج لِبَيَانِ الْوَاقِع فَكَيْف يُحْمَل إِطْلَاق حَدِيث الْقُلَّتَيْنِ عَلَيْهِ وَكَوْنهَا مَعْلُومَة لَهُمْ لَا يُوجِب أَنْ يَنْصَرِف الْإِطْلَاق إِلَيْهَا حَيْثُ أُطْلِقَتْ الْعِلَّة فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَهَا وَيَعْرِفُونَ غَيْرهَا
وَالظَّاهِر أَنَّ الْإِطْلَاق فِي حَدِيث الْقُلَّتَيْنِ إِنَّمَا يَنْصَرِف إِلَى قِلَال الْبَلَد الَّتِي هِيَ أَعْرَف عِنْدهمْ وَهُمْ لَهَا أَعْظَم مُلَابَسَة مِنْ غَيْرهَا فَالْإِطْلَاق إِنَّمَا يَنْصَرِف إِلَيْهَا كَمَا يَنْصَرِف إِطْلَاق النَّقْد إِلَى نَقْد بَلَد دُون غَيْره هَذَا هُوَ الظاهر وإنما مثل النبي بِقِلَالِ هَجَرَ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاقِع فِي نَفْس الْأَمْر كَمَا مَثَّلَ بَعْض أَشْجَار الْجَنَّة بِشَجَرَةٍ بِالشَّامِ تُدْعَى الْجَوْزَة دُون النَّخْل وَغَيْره مِنْ أَشْجَارهمْ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاقِع لَا لِكَوْنِ الْجَوْز أَعْرَف الْأَشْجَار عِنْدهمْ
وَهَكَذَا التَّمْثِيل بِقِلَالِ هَجَرَ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاقِع لَا لِكَوْنِهَا أَعْرَف الْقِلَال عِنْدهمْ
هَذَا بِحَمْدِ اللَّه وَاضِح
وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّهَا مُتَسَاوِيَة الْمِقْدَار فَهَذَا إِنَّمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ ذِكْرهمَا تَحْدِيد وَالتَّحْدِيد إِنَّمَا يَقَع بِالْمَقَادِيرِ الْمُتَسَاوِيَة
وَهَذَا دَوْر بَاطِل وَهُوَ لَمْ يَنْقُلهُ عَنْ أَهْل اللُّغَة وَهُوَ الثِّقَة فِي نَقْله وَلَا أَخْبَرَ بِهِ عِيَان
ثُمَّ إِنَّ الْوَاقِع بِخِلَافِهِ فَإِنَّ الْقِلَال فِيهَا الْكِبَار وَالصِّغَار فِي الْعُرْف الْعَامّ أَوْ الْغَالِب وَلَا تَعْمَل بِقَالَبٍ وَاحِد
وَلِهَذَا قَالَ أَكْثَر السَّلَف الْقُلَّة الْجَرَّة
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَحَد رُوَاة الْحَدِيث الْقِلَال الْخَوَابِي الْعِظَام
وَأَمَّا تَقْدِيرهَا بِقِرَبِ الْحِجَاز فَلَا نُنَازِعكُمْ فِيهِ وَلَكِنْ الْوَاقِع أَنَّهُ قَدَّرَ قُلَّة مِنْ الْقِلَال بِقِرْبَتَيْنِ مِنْ الْقِرَب فَرَآهَا تَسَعهُمَا فَهَلْ يَلْزَم مِنْ هَذَا أَنَّ كُلّ قُلَّة مِنْ قِلَال هَجَرَ تَأْخُذ قِرْبَتَيْنِ مِنْ قِرَب الْحِجَاز وَأَنَّ قِرَب الْحِجَاز كُلّهَا عَلَى قَدْر وَاحِد لَيْسَ فِيهَا صِغَار وَكِبَار وَمَنْ جَعَلَهَا مُتَسَاوِيَة فَإِنَّمَا مُسْتَنَده أَنْ قَالَ التَّحْدِيد لَا يَقَع بِالْمَجْهُولِ فَيَا سُبْحَان اللَّه إِنَّمَا يَتِمّ هَذَا أَنْ لَوْ كَانَ التَّحْدِيد مُسْتَنِدًا إِلَى صَاحِب الشَّرْع فَأَمَّا وَالتَّقْدِير بِقِلَالِ هَجَرَ وَقِرَب الْحِجَاز تَحْدِيد يَحْيَى بْنِ عقيل وبن جُرَيْجٍ فَكَانَ مَاذَا وَأَمَّا تَقْرِير كَوْن الْمَفْهُوم حُجَّة فَلَا تَنْفَعكُمْ مُسَاعَدَتنَا عَلَيْهِ إِذْ الْمُسَاعَدَة عَلَى مُقَدِّمَة مِنْ مُقَدِّمَات الدَّلِيل لَا تَسْتَلْزِم الْمُسَاعَدَة عَلَى الدَّلِيل
وَأَمَّا تَقْدِيمكُمْ لَهُ عَلَى الْعُمُوم فَمَمْنُوع وَهِيَ مَسْأَلَة نِزَاع بَيْن الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء وَفِيهَا قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ
وَمَنْشَأ النِّزَاع تَعَارُض خُصُوص الْمَفْهُوم وَعُمُوم الْمَنْطُوق فَالْخُصُوص يَقْتَضِي التَّقْدِيم وَالْمَنْطُوق يَقْتَضِي التَّرْجِيح فَإِنْ رَجَّحْتُمْ الْمَفْهُوم بِخُصُوصِهِ رَجَّحَ مُنَازِعُوكُمْ الْعُمُوم بِمَنْطُوقِهِ
ثُمَّ التَّرْجِيح مَعَهُمْ ها هنا لِلْعُمُومِ مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّ حَدِيثه أَصَحّ
الثَّانِي أَنَّهُ مُوَافِق لِلْقِيَاسِ الصَّحِيح ...............................
Qالثَّالِث أَنَّهُ مُوَافِق لِعَمَلِ أَهْل الْمَدِينَة قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَإِنَّهُ لَا يُعْرَف عَنْ أَحَد مِنْهُمْ أَنَّهُ حَدَّدَ الْمَاء بِقُلَّتَيْنِ وَعَمَلهمْ بِتَرْكِ التَّحْدِيد فِي الْمِيَاه عَمَل نَقْلِيّ خَلَفًا عَنْ سَلَف فَجَرَى مَجْرَى نَقْلهمْ الصَّاع وَالْمُدّ وَالْأَجْنَاس وَتَرْك أَخْذ الزَّكَاة مِنْ الْخَضْرَوَاتِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمُحْتَجّ بِهِ مِنْ إِجْمَاعهمْ دُون مَا طَرِيقه الِاجْتِهَاد وَالِاسْتِدْلَال
فَإِنَّهُمْ وَغَيْرهمْ فِيهِ سَوَاء وَرُبَّمَا يُرَجَّح غَيْرهمْ عَلَيْهِمْ وَيُرَجَّحُوا هُمْ عَلَى غَيْرهمْ
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَوْضِع
فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ التَّرْجِيح فَمَعَنَا مِنْ التَّرْجِيح مَا يُقَابِلهُ وَهُوَ أَنَّ الْمَفْهُوم هُنَا قَدْ تَأَيَّدَ بِحَدِيثِ النَّهْي عَنْ الْبَوْل فِي الْمَاء الرَّاكِد وَالْأَمْر بِإِرَاقَةِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْب وَالْأَمْر بِغَسْلِ الْيَد مِنْ نَوْم اللَّيْل فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمَاء يَتَأَثَّر بِهَذِهِ الْأَشْيَاء وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّر وَلَا سَبِيل إِلَى تَأَثُّر كُلّ مَاء بِهَا بَلْ لَا بُدّ مِنْ تَقْدِيره فَتَقْدِيره بِالْقُلَّتَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيره بِغَيْرِهِمَا لِأَنَّ التَّقْدِير بِالْحَرَكَةِ وَالْأَذْرُع الْمُعَيَّنَة وَمَا يُمْكِن نَزْحه وَمَا لَا يُمْكِن تَقْدِيرَات بَاطِلَة لَا أَصْل لَهَا وَهِيَ غَيْر مُنْضَبِطَة فِي نَفْسهَا فَرُبَّ حَرَكَة تُحَرِّك غَدِيرًا عَظِيمًا مِنْ الْمَاء وَأُخْرَى تُحَرِّك مِقْدَارًا يَسِيرًا مِنْهُ بِحَسَبِ الْمُحَرِّك وَالْمُتَحَرِّك
وَهَذَا التَّقْدِير بِالْأَذْرُعِ تَحَكُّم مَحْض لَا بِسُنَّةٍ وَلَا قِيَاس وَكَذَا التَّقْدِير بِالنَّزْحِ الْمُمْكِن مَعَ عَدَم اِنْضِبَاطه فَإِنَّ عَشْرَة آلَاف مَثَلًا يُمْكِنهُمْ نَزْح مَا لَا يَنْزَحهُ غَيْرهمْ فَلَا ضَابِط لَهُ
وَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ التَّقْدِيرَات وَلَا بُدّ مِنْ تَقْدِير فَالتَّقْدِير بِالْقُلَّتَيْنِ أَوْلَى لِثُبُوتِهِ إما عن النبي وَإِمَّا عَنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ
قِيلَ هَذَا السُّؤَال مَبْنِيّ عَلَى مَقَامَات
أَحَدهَا أَنَّ النَّهْي فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث مُسْتَلْزِم لِنَجَاسَةِ الْمَاء الْمَنْهِيّ عَنْهُ
وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا التَّنْجِيس لَا يَعُمّ كُلّ مَاء بَلْ يَخْتَصّ بِبَعْضِ الْمِيَاه دُون بَعْض
وَالثَّالِث أَنَّهُ إِذَا تَعَيَّنَ التَّقْدِير كَانَ تَقْدِيره بِالْقُلَّتَيْنِ هُوَ الْمُتَعَيِّن
فَأَمَّا الْمَقَام الْأَوَّل فَنَقُول لَيْسَ فِي شَيْء مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيث أَنَّ الْمَاء يَنْجُس بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاة الْبَوْل وَالْوُلُوغ وَغَمْس الْيَد فِيهِ
أَمَّا النَّهْي عَنْ الْبَوْل فِيهِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْمَاء كُلّه يَنْجُس بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاة الْبَوْل لِبَعْضِهِ بَلْ قَدْ يَكُون ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَوْل سَبَب لِتَنْجِيسِهِ فَإِنَّ الْأَبْوَال مَتَى كَثُرَتْ فِي الْمِيَاه الدَّائِمَة أَفْسَدَتْهَا وَلَوْ كَانَتْ قِلَالًا عَظِيمَة
فَلَا يَجُوز أَنْ يُخَصّ نَهْيه بِمَا دُون الْقُلَّتَيْنِ فَيَجُوز لِلنَّاسِ أَنْ يَبُولُوا فِي الْقُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا وَحَاشَى لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُون نَهْيه خَرَجَ عَلَى مَا دُون الْقُلَّتَيْنِ وَيَكُون قَدْ جَوَّزَ لِلنَّاسِ الْبَوْل فِي كُلّ مَاء بَلَغَ الْقُلَّتَيْنِ أَوْ زَادَ عَلَيْهِمَا وَهَلْ هَذَا إِلَّا إِلْغَازٌ فِي الْخِطَاب أَنْ يَقُول لَا يَبُولَن أَحَدكُمْ فِي الْمَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يَجْرِي وَمُرَاده مِنْ هَذَا اللَّفْظ الْعَامّ أَرْبَعمِائَةِ رَطْل بِالْعِرَاقِيِّ أَوْ خَمْسمِائَةِ مَعَ مَا يَتَضَمَّنهُ التَّجْوِيز مِنْ الْفَسَاد الْعَامّ وَإِفْسَاد مَوَارِد النَّاس وَمِيَاههمْ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ حَمْله عَلَى مَا لَا يُمْكِن نَزْحه أَوْ مَا لَا يَتَحَرَّك أَحَد طَرَفَيْهِ بِحَرَكَةِ طَرَفه الْآخَر وَكُلّ هذا خلاف ...............................
Qمَدْلُول الْحَدِيث وَخِلَاف مَا عَلَيْهِ النَّاس وَأَهْل الْعِلْم قَاطِبَة
فَإِنَّهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْ الْبَوْل فِي هَذِهِ الْمِيَاه وَإِنْ كَانَ مُجَرَّد الْبَوْل لَا يُنَجِّسهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ
فَإِنَّهُ إِذَا مُكِّنَ النَّاس مِنْ الْبَوْل فِي هَذِهِ الْمِيَاه وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَة عَظِيمَة لَمْ تَلْبَث أَنْ تَتَغَيَّر وَتَفْسُد عَلَى النَّاس كَمَا رَأَيْنَا مِنْ تَغَيُّر الْأَنْهَار الْجَارِيَة بِكَثْرَةِ الْأَبْوَال
وَهَذَا كَمَا نَهَى عَنْ إِفْسَاد ظِلَالهمْ عَلَيْهِمْ بِالتَّخَلِّي فِيهَا وَإِفْسَاد طُرُقَاتهمْ بِذَلِكَ
فَالتَّعْلِيل بِهَذَا أَقْرَب إِلَى ظَاهِر لَفْظه وَمَقْصُوده وَحِكْمَته بِنَهْيِهِ وَمُرَاعَاته مَصَالِح الْعِبَاد وَحِمَايَتهمْ مِمَّا يُفْسِد عَلَيْهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ مَوَارِدهمْ وَطُرُقَاتهمْ وَظِلَالهمْ كَمَا نَهَى عَنْ إِفْسَاد مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ الْجِنّ مِنْ طَعَامهمْ وَعَلَف دَوَابّهمْ
فَهَذِهِ عِلَّة مَعْقُولَة تَشْهَد لَهَا الْعُقُول وَالْفِطَر وَيَدُلّ عَلَيْهَا تَصَرُّف الشَّرْع فِي مَوَارِده وَمَصَادِره وَيَقْبَلهَا كُلّ عَقْل سَلِيم وَيَشْهَد لَهَا بِالصِّحَّةِ
وَأَمَّا تَعْلِيل ذَلِكَ بِمِائَةِ وَثَمَانِيَّة أَرْطَال بِالدِّمَشْقِيِّ أَوْ بِمَا يَتَحَرَّك أَوْ لَا يَتَحَرَّك أَوْ بِعِشْرِينَ ذِرَاعًا مُكَسَّرَة أَوْ بِمَا لَا يُمْكِن نَزْحه فَأَقْوَال كُلٌّ مِنْهَا بِكُلٍّ مُعَارَضٌ وَكُلٌّ بِكُلٍّ مُنَاقَضٌ لَا يُشَمّ مِنْهَا رَائِحَة الْحِكْمَة وَلَا يُشَام مِنْهَا بَوَارِق الْمَصْلَحَة وَلَا تُعَطَّل بِهَا الْمَفْسَدَة الْمَخُوفَة
فَإِنَّ الرَّجُل إِذَا عَلِمَ أَنَّ النَّهْي إِنَّمَا تَنَاوَلَ هَذَا الْمِقْدَار مِنْ الْمَاء لَمْ يَبْقَ عِنْده وَازِع وَلَا زَاجِر عَنْ الْبَوْل فِيمَا هُوَ أَكْثَر مِنْهُ وَهَذَا يَرْجِع عَلَى مَقْصُود صَاحِب الشَّرْع بِالْإِبْطَالِ
وَكُلّ شَرْط أَوْ عِلَّة أَوْ ضَابِط يَرْجِع عَلَى مَقْصُود الشَّارِع بِالْإِبْطَالِ كَانَ هُوَ الْبَاطِل الْمُحَال
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى هَذَا أَنَّ النَّبِيّ ذَكَرَ فِي النَّهْي وَصْفًا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَبَر فِي النَّهْي وَهُوَ كَوْن الْمَاء دَائِمًا لَا يَجْرِي وَلَمْ يَقْتَصِر عَلَى قَوْله الدَّائِم حَتَّى نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّة بِقَوْلِهِ لَا يَجْرِي فَتَقِف النَّجَاسَة فِيهِ فَلَا يَذْهَب بِهَا
وَمَعْلُوم أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّة مَوْجُودَة فِي الْقُلَّتَيْنِ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا
وَالْعَجَب مِنْ مُنَاقَضَة الْمُحَدِّدِينَ بِالْقُلَّتَيْنِ لِهَذَا الْمَعْنَى حَيْثُ اِعْتَبَرُوا الْقُلَّتَيْنِ حَتَّى فِي الْجَارِي وَقَالُوا إِنْ كَانَتْ الْجَرِيَّة قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا لَمْ يَتَأَثَّر بِالنَّجَاسَةِ وَإِنْ كَانَتْ دُون الْقُلَّتَيْنِ تَأَثَّرَتْ وَأَلْغَوْا كَوْن الْمَاء جَارِيًا أَوْ وَاقِفًا وَهُوَ الْوَصْف الَّذِي اِعْتَبَرَهُ الشَّارِع
وَاعْتَبَرُوا فِي الْجَارِي وَالْوَاقِف الْقُلَّتَيْنِ
وَالشَّارِع لَمْ يَعْتَبِرهُ بَلْ اِعْتَبَرَ الْوُقُوف وَالْجَرَيَان
فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا لَمْ تُخَصِّصُوا الْحَدِيث وَلَمْ تُقَيِّدُوهُ بِمَاءٍ دُون مَاء لَزِمَكُمْ الْمُحَال وَهُوَ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْبَوْل فِي الْبَحْر لِأَنَّهُ دَائِم لَا يَجْرِي
قيل ذكره الْمَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يَجْرِي تَنْبِيه عَلَى أَنَّ حِكْمَة النَّهْي إِنَّمَا هِيَ مَا يَخْشَى مِنْ إِفْسَاد مِيَاه النَّاس عَلَيْهِمْ وَأَنَّ النَّهْي إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْمِيَاهِ الدَّائِمَة الَّتِي مِنْ شَأْنهَا أَنْ تُفْسِدهَا الْأَبْوَال
فَأَمَّا الْأَنْهَار الْعِظَام وَالْبِحَار فلم يدل نهي النبي عَلَيْهَا بِوَجْهِ بَلْ لَمَّا دَلَّ كَلَامه بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَاز الْبَوْل فِي الْأَنْهَار الْعِظَام كَالنِّيلِ وَالْفُرَات فَجَوَاز الْبَوْل فِي الْبِحَار أَوْلَى وَأَحْرَى وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا تَخْصِيص لِعُمُومِ كَلَامه فَلَا يَسْتَرِيب عَاقِل أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصه بِالْقُلَّتَيْنِ
أَوْ مَا لَا يُمْكِن نَزْحه أَوْ مَا لَا يُمْكِن تَبَلُّغ الْحَرَكَة طَرَفَيْهِ ...............................
Qلِأَنَّ الْمَفْسَدَة الْمَنْهِيّ عَنْ الْبَوْل لِأَجْلِهَا لَا تزول فِي هَذِهِ الْمِيَاه بِخِلَافِ مَاء الْبَحْر فَإِنَّهُ لَا مَفْسَدَة فِي الْبَوْل فِيهِ
وَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ نَهْيه عَنْ التَّخَلِّي فِي الظِّلّ
وَبَوْله فِي ظِلّ الشَّجَرَتَيْنِ وَاسْتِتَاره بِجِذْمِ الْحَائِط فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ التَّخَلِّي فِي الظِّلّ النَّافِع وَتَخَلَّى مُسْتَتِرًا بِالشَّجَرَتَيْنِ وَالْحَائِط حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِع أَحَد بِظِلِّهِمَا فَلَمْ يُفْسِد ذَلِكَ الظِّلّ عَلَى أَحَد
وبهذا الطريق يعلم أنه إذا كان قَدْ نَهَى عَنْ الْبَوْل فِي الْمَاء الدَّائِم مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُحْتَاج إِلَيْهِ فَلَأَنْ يَنْهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي إِنَاء ثُمَّ يَصُبّهُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى
وَلَا يَسْتَرِيب فِي هَذَا مَنْ عَلِمَ حِكْمَة الشَّرِيعَة وَمَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ مصالح العباد ونصائحهم
ودع الظاهرية البحتة فإنهما تقسي القلوب وتحجبها عن رؤية مَحَاسِن الشَّرِيعَة وَبَهْجَتهَا وَمَا أُودِعَتْهُ مِنْ الْحِكَم وَالْمَصَالِح وَالْعَدْل وَالرَّحْمَة
وَهَذِهِ الطَّرِيق الَّتِي جَاءَتْك عفوا تنظر إليها نظر متكىء عَلَى أَرِيكَته قَدْ تَقَطَّعَتْ فِي مَفَاوِزهَا أَعْنَاق الْمَطِيّ لَا يَسْلُكهَا فِي الْعَالَم إِلَّا الْفَرْد بَعْد الْفَرْد وَلَا يَعْرِف مِقْدَارهَا مَنْ أَفْرَحَتْ قَلْبه الْأَقْوَال الْمُخْتَلِفَة وَالِاحْتِمَالَات الْمُتَعَدِّدَة وَالتَّقْدِيرَات الْمُسْتَبْعَدَة
فَإِنْ عَلَتْ هِمَّته جَعَلَ مَذْهَبه عُرْضَة لِلْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّة وَخَدَمَهُ بِهَا وَجَعَلَهُ أَصْلًا مُحْكَمًا يَرُدّ إِلَيْهِ مُتَشَابِههَا فَمَا وَافَقَهُ مِنْهَا قَبِلَهُ وَمَا خَالَفَهُ تَكَلَّفَ لَهُ وُجُوهًا بِالرَّدِّ غَيْر الْجَمِيل فَمَا أَتْعَبَهُ مِنْ شَقِيّ وَمَا أَقَلّ فَائِدَته وَمِمَّا يُفْسِد قَوْل الْمُحَدِّدِينَ بِقُلَّتَيْنِ أَنَّ النَّبِيّ نَهَى عَنْ الْبَوْل فِي الْمَاء الدَّائِم ثُمَّ يَغْتَسِل الْبَائِل فِيهِ بَعْد الْبَوْل
هَكَذَا لَفْظ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَبُولَنَّ أَحَدكُمْ فِي الْمَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِل فِيهِ وَأُنْتَمَ تُجَوِّزُونَ أَنْ يَغْتَسِل فِي مَاء دَائِم قَدْر القلتين بعد ما بَالَ فِيهِ
وَهَذَا خِلَاف صَرِيح لِلْحَدِيثِ فَإِنْ مَنَعْتُمْ الْغُسْل فِيهِ نَقَضْتُمْ أَصْلكُمْ وَإِنْ جَوَّزْتُمُوهُ خَالَفْتُمْ الْحَدِيث
فَإِنْ جَوَّزْتُمْ الْبَوْل وَالْغُسْل خَالَفْتُمْ الْحَدِيث مِنْ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَلَا يُقَال فَهَذَا بِعَيْنِهِ وَارِد عَلَيْكُمْ لِأَنَّهُ إِذَا بَالَ فِي الْمَاء الْيَسِير وَلَمْ يَتَغَيَّر جَوَّزْتُمْ لَهُ الْغُسْل فِيهِ لِأَنَّا لَمْ نُعَلِّل النَّهْي بِالتَّنْجِيسِ وَإِنَّمَا عَلَّلْنَاهُ بِإِفْضَائِهِ إِلَى التَّنْجِيس كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَرِد عَلَيْنَا هَذَا
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاء كَثِيرًا فَبَالَ فِي نَاحِيَة ثُمَّ اِغْتَسَلَ فِي نَاحِيَة أُخْرَى لَمْ يَصِل إِلَيْهَا الْبَوْل فَلَا يَدْخُل فِي الْحَدِيث لِأَنَّهُ لَمْ يَغْتَسِل فِي الْمَاء الَّذِي بَالَ فِيهِ وَإِلَّا لَزِمَ إِذَا بَالَ فِي نَاحِيَة مِنْ الْبَحْر أَنْ لَا يَغْتَسِل فِيهِ أَبَدًا وَهُوَ فَاسِد
وَأَيْضًا فَالنَّبِيّ نَهَى عَنْ الْغُسْل فِيهِ بَعْد الْبَوْل لِمَا يُفْضِي إِلَيْهِ مِنْ إِصَابَة الْبَوْل لَهُ
وَنَظِير هَذَا نَهْيه أَنْ يَبُول الرَّجُل فِي مُسْتَحَمّه
وَذَلِكَ لِمَا يُفْضِي إِلَيْهِ مِنْ تَطَايُر رَشَاش الْمَاء الَّذِي يُصِيب الْبَوْل فَيَقَع فِي الْوَسْوَاس كَمَا فِي الْحَدِيث فَإِنَّ عَامَّة الْوَسْوَاس مِنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَكَان مُبَلَّطًا لَا يَسْتَقِرّ فِيهِ الْبَوْل بَلْ يَذْهَب مَعَ الْمَاء لَمْ يُكْرَه ذَلِكَ عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء
وَنَظِير هَذَا مَنْع الْبَائِل أَنْ يَسْتَجْمِر أَوْ يَسْتَنْجِي مَوْضِع بَوْله لِمَا يُفْضِي إِلَيْهِ مِنْ التَّلَوُّث بِالْبَوْلِ
ولم يرد النبي بِنَهْيِهِ الْإِخْبَار عَنْ نَجَاسَة الْمَاء الدَّائِم بِالْبَوْلِ فَلَا يَجُوز تَعْلِيل كَلَامه بِعِلَّةٍ عَامَّة ...............................
Qتَتَنَاوَل مَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ
وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي بِئْر بُضَاعَةَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْهَا وَهِيَ بِئْر يُطْرَح فِيهَا الْحَيْض ( 1) وَلُحُوم الْكِلَاب وَعُذْر النَّاس فَقَالَ الْمَاء طَهُور لَا يُنَجِّسهُ شَيْء
فَهَذَا نَصّ صَحِيح صَرِيح عَلَى أَنَّ الْمَاء لَا يَنْجُس بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَة مَعَ كَوْنه وَاقِفًا فَإِنَّ بِئْر بُضَاعَةَ كَانَتْ وَاقِفَة وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْده بِالْمَدِينَةِ مَاء جَارٍ أَصْلًا
فَلَا يَجُوز تَحْرِيم مَا أَبَاحَهُ وَفَعَلَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا نَهَى عَنْهُ وَيُعَارَض أَحَدهمَا بِالْآخَرِ بَلْ يُسْتَعْمَل هَذَا وَهَذَا هَذَا فِي مَوْضِعه وَهَذَا فِي مَوْضِعه وَلَا تضرب سنة رسول الله بعضها ببعض
فوضوؤه مِنْ بِئْر بُضَاعَةَ وَحَالهَا مَا ذَكَرُوهُ لَهُ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَاء لَا يَتَنَجَّس بِوُقُوعِ النَّجَاسَة فِيهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّر
وَنَهْيه عَنْ الْغُسْل فِي الْمَاء الدَّائِم بَعْد الْبَوْل فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إِفْضَائِهِ إِلَى تَلَوُّثه بِالْبَوْلِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ التَّعْلِيل بِنَظِيرِهِ فَاسْتَعْمَلْنَا السُّنَن عَلَى وُجُوههَا
وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْل حَدِيث بِئْر بُضَاعَةَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَكْثَر مِنْ قلتين لأن النبي لَمْ يُعَلِّل بِذَلِكَ وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ وَلَا دَلَّ كَلَامه عَلَيْهِ بِوَجْهٍ
وَإِنَّمَا عَلَّلَ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاء وَهَذِهِ عِلَّة مُطَّرِدَة فِي كُلّ مَاء
قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَا يَرِد الْمُتَغَيِّر لِأَنَّ طَهُور النَّجَاسَة فِيهِ يَدُلّ عَلَى تَنَجُّسه بِهَا فَلَا يَدْخُل فِي الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ مَحَلّ وفاق فلا يناقض به
وأيضا فلو أراد النَّهْي عَنْ اِسْتِعْمَال الْمَاء الدَّائِم الْيَسِير إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ أَيّ نَجَاسَة كَانَتْ لَأَتَى بِلَفْظٍ يَدُلّ عَلَيْهِ
وَنَهْيه عَنْ الْغُسْل فِيهِ بَعْد الْبَوْل لَا يَدُلّ عَلَى مِقْدَار وَلَا تَنْجِيس فَلَا يُحَمَّل مَا لَا يَحْتَمِلهُ
ثُمَّ إِنَّ كُلّ مَنْ قَدَّرَ الْمَاء الْمُتَنَجِّس بِقَدْرٍ خَالَفَ ظَاهِر الْحَدِيث
فَأَصْحَاب الْحَرَكَة خَالَفُوهُ بِأَنْ قَدَّرُوهُ بِمَا لَا يَتَحَرَّك طَرَفَاهُ وَأَصْحَاب النَّزْح خَصُّوهُ بِمَا لَا يُمْكِن نَزْحه وَأَصْحَاب الْقُلَّتَيْنِ خَصُّوهُ بِمِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ
وَأَسْعَد النَّاس بِالْحَدِيثِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِره وَلَمْ يَخُصّهُ وَلَمْ يُقَيِّدهُ بَلْ إِنْ كَانَ تَوَاتُر الْأَبْوَال فِيهِ يُفْضِي إِلَى إِفْسَاده مَنَعَ مِنْ جَوَازهَا وَإِلَّا مَنَعَ مِنْ اِغْتِسَاله فِي مَوْضِع بَوْله كَالْبَحْرِ وَلَمْ يَمْنَع مِنْ بَوْله فِي مَكَان وَاغْتِسَاله فِي غَيْره
وَكُلّ مَنْ اِسْتَدَلَّ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث عَلَى نَجَاسَة الْمَاء الدَّائِم لِوُقُوعِ النَّجَاسَة فِيهِ فَقَدْ تَرَكَ مِنْ ظَاهِر الْحَدِيث مَا هُوَ أَبْيَن دَلَالَة مِمَّا قَالَ بِهِ وَقَالَ بِشَيْءٍ لَا يَدُلّ عَلَيْهِ لَفْظ الْحَدِيث
لِأَنَّهُ إِنْ عَمَّمَ النَّهْي فِي كُلّ مَاء بَطَلَ اِسْتِدْلَاله بِالْحَدِيثِ وإن خصه بقدر خَالَفَ ظَاهِره وَقَالَ مَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ أَنْ يُجَوِّز الْبَوْل فِيمَا عَدَا ذَلِكَ الْقَدْر وَهَذَا لَا يَقُولهُ أَحَد
فَظَهَرَ بُطْلَان الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى التَّنْجِيس بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاة على كل تقدير
وأما من قدره بِالْحَرَكَةِ فَيَدُلّ عَلَى بُطْلَان قَوْله أَنَّ الْحَرَكَة مُخْتَلِفَة اِخْتِلَافًا لَا يَنْضَبِط وَالْبَوْل قَدْ يَكُون قَلِيلًا وَقَدْ يَكُون كَثِيرًا وَوُصُول النَّجَاسَة إِلَى الْمَاء أَمْر حِسِّيّ وَلَيْسَ تَقْدِيره بِحَرَكَةِ الطَّهَارَة الصُّغْرَى أَوْ الْكُبْرَى أَوْلَى مِنْ سَائِر أَنْوَاع الحركات فيا لله العجب حَرَكَة الطَّهَارَة مِيزَان وَمِعْيَار عَلَى وُصُول ...............................
Qالنَّجَاسَة وَسَرَيَانهَا مَعَ شِدَّة اِخْتِلَافهَا وَنَحْنُ نَعْلَم بِالضَّرُورَةِ أَنَّ حَرَكَة الْمُغْتَسِل تَصِل إِلَى مَوْضِعٍ لَا تَصِل إِلَيْهِ الْقَطْرَة مِنْ الْبَوْل وَنَعْلَم أَنَّ الْبَوْلَة الْكَبِيرَة تَصِل إِلَى مَكَان لَا تَصِل إِلَيْهِ الْحَرَكَة الضَّعِيفَة وَمَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَل حَدًّا فَاصِلًا بَيْن الْحَلَال وَالْحَرَام
وَالَّذِينَ قَدَّرُوهُ بِالنَّزْحِ أَيْضًا قَوْلهمْ بَاطِل فَإِنَّ الْعَسْكَر الْعَظِيم يُمْكِنهُمْ نَزْح مَا لَا يُمْكِن الْجَمَاعَة الْقَلِيلَة نَزْحه
وَأَمَّا حَدِيث وُلُوغ الْكَلْب فَقَالُوا لَا يُمْكِنكُمْ أَنْ تَحْتَجُّوا بِهِ عَلَيْنَا فَإِنَّهُ مَا مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ خَالَفَهُ أَوْ قَيَّدَهُ أَوْ خَصَّصَهُ فَخَالَفَ ظَاهِره فَإِنْ اِحْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا مَنْ لَا يُوجِب التَّسْبِيع وَلَا التُّرَاب كَانَ اِحْتِجَاجه بَاطِلًا
فَإِنَّ الْحَدِيث إِنْ كَانَ حُجَّة لَهُ فِي التَّنْجِيس بِالْمُلَاقَاةِ فَهُوَ حُجَّة عَلَيْهِ فِي الْعَدَد وَالتُّرَاب
فَأَمَّا أَنْ يَكُون حُجَّة لَهُ فِيمَا وَافَقَ مَذْهَبه وَلَا يَكُون حُجَّة عَلَيْهِ فِيمَا خَالَفَهُ فَكَلَّا
ثُمَّ هُمْ يَخُصُّونَهُ بِالْمَاءِ الَّذِي لَا تَبْلُغ الْحَرَكَة طَرَفَيْهِ وَأَيْنَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى هَذَا التَّخْصِيص ثُمَّ يَظْهَر تَنَاقُضهمْ مِنْ وَجْه آخَر وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَاء رَقِيقًا جِدًّا وَهُوَ مُنْبَسِط اِنْبِسَاطًا لَا تَبْلُغهُ الْحَرَكَة أَنْ يَكُون طَاهِرًا وَلَا يُؤَثِّر الْوُلُوغ فِيهِ وَإِذَا كَانَ عَمِيقًا جِدًّا وَهُوَ مُتَضَايِق بِحَيْثُ تَبْلُغ الْحَرَكَة طَرَفَيْهِ أَنْ يَكُون نَجِسًا وَلَوْ كَانَ أَضْعَاف أَضْعَاف الْأَوَّل
وَهَذَا تَنَاقُض بَيِّن لَا مَحِيد عَنْهُ
قَالُوا وَإِنْ اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُول بِالْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ يُخَصِّصهُ بِمَا دُون الْقُلَّتَيْنِ وَيَحْمِل الْأَمْر بِغَسْلِهِ وَإِرَاقَته عَلَى هَذَا الْمِقْدَار وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يُشْعِر بِهَذَا بِوَجْهٍ وَلَا يَدُلّ عَلَيْهِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الدَّلَالَات الثَّلَاث
وَإِذَا كَانَ لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ تَقْيِيد الْحَدِيث وَتَخْصِيصه وَمُخَالَفَة ظَاهِره كَانَ أَسْعَد النَّاس بِهِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْوُلُوغ الْمُعْتَاد فِي الْآنِيَة الْمُعْتَادَة الَّتِي يُمْكِن إِرَاقَتهَا وَهُوَ وُلُوغ مُتَتَابِع فِي آنِيَة صِغَار
يَتَحَلَّل مِنْ فَم الْكَلْب فِي كل مرة ريق ولعاب نحس يُخَالِط الْمَاء وَلَا يُخَالِف لَوْنَهُ لَوْنه فَيَظْهَر فِيهِ التَّغَيُّر فَتَكُون أَعْيَان النَّجَاسَة قَائِمَة بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تُرَ فَأَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ وَغَسْل الْإِنَاء
فَهَذَا الْمَعْنَى أَقْرَب إِلَى الْحَدِيث وَأَلْصَق بِهِ وَلَيْسَ فِي حَمْله عَلَيْهِ مَا يُخَالِف ظَاهِره
بَلْ الظَّاهِر أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الْآنِيَة الْمُعْتَادَة الَّتِي تُتَّخَذ لِلِاسْتِعْمَالِ فَيَلَغ فِيهَا الْكِلَاب فَإِنْ كَانَ حَمْله عَلَى هَذَا مُوَافَقَة لِلظَّاهِرِ فَهُوَ الْمَقْصُود وَإِنْ كَانَ مُخَالَفَة لِلظَّاهِرِ فَلَا رَيْب أَنَّهُ أَقَلّ مُخَالَفَة مِنْ حَمْله عَلَى الْأَقْوَال الْمُتَقَدِّمَة
فَيَكُون أَوْلَى عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ
قَالُوا وَأَمَّا حَدِيث النَّهْي عَنْ غَمْس الْيَد فِي الْإِنَاء عِنْد الْقِيَام مِنْ نَوْمه فَالِاسْتِدْلَال بِهِ أَضْعَف مِنْ هَذَا كُلّه فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى نَجَاسَة الْمَاء
وَجُمْهُور الْأُمَّة عَلَى طَهَارَته وَالْقَوْل بِنَجَاسَتِهِ مِنْ أَشَذِّ الشَّاذِّ وَكَذَا الْقَوْل بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَعْمَلًا ضَعِيف أَيْضًا وَإِنْ كَانَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتِيَار الْقَاضِي وَأَتْبَاعه وَاخْتِيَار أَبِي بَكْر وَأَصْحَاب أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى فَسَاد الْمَاء
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النَّهْي عَنْ الْبَوْل فِيهِ لَا يَدُلّ عَلَى فَسَاده بِمُجَرَّدِ الْبَوْل فَكَيْف يغمس الْيَد فِيهِ بَعْد الْقِيَام مِنْ النَّوْم وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي النَّهْي عَنْهُ فَقِيلَ تَعَبُّدِيّ وَيَرُدّ هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ مُعَلَّل فِي الْحَدِيث بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَده ...............................
Qوَقِيلَ مُعَلَّل بِاحْتِمَالِ النَّجَاسَة كَثْرَة فِي يَدَيْهِ أَوْ مُبَاشَرَة الْيَد لِمَحَلِّ الِاسْتِجْمَار
وَهُوَ ضَعِيف أَيْضًا
لِأَنَّ النَّهْي عَامّ لِلْمُسْتَنْجِي وَالْمُسْتَجْمِر وَالصَّحِيح وَصَاحِب الْبَثَرَات
فَيَلْزَمكُمْ أَنْ تَخُصُّوا النَّهْي بِالْمُسْتَجْمِرِ وَصَاحِب الْبُثُور وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَد
وَقِيلَ وَهُوَ الصَّحِيح أَنَّهُ مُعَلَّل بِخَشْيَةِ مَبِيت الشَّيْطَان عَلَى يَده أَوْ مَبِيتهَا عَلَيْهِ
وَهَذِهِ الْعِلَّة نَظِير تَعْلِيل صَاحِب الشَّرْع الِاسْتِنْشَاق بِمَبِيتِ الشَّيْطَان عَلَى الْخَيْشُوم فَإِنَّهُ قَالَ إِذَا اِسْتَيْقَظَ أَحَدكُمْ مِنْ نَوْمه فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنْ الْمَاء فَإِنَّ الشَّيْطَان يَبِيت عَلَى خَيْشُومه مُتَّفَق عَلَيْهِ
وَقَالَ هُنَا فَإِنَّ أَحَدكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَده
فَعَلَّلَ بِعَدَمِ الدِّرَايَة لِمَحَلِّ الْمَبِيت
وَهَذَا السَّبَب ثَابِت فِي مَبِيت الشَّيْطَان عَلَى الْخَيْشُوم فَإِنَّ الْيَد إِذَا بَاتَتْ مُلَابِسَة لِلشَّيْطَانِ لَمْ يَدْرِ صَاحِبهَا أَيْنَ بَاتَتْ وَفِي مَبِيت الشَّيْطَان عَلَى الْخَيْشُوم وَمُلَابَسَته لِلْيَدِ سِرّ يَعْرِفهُ مَنْ عَرَفَ أَحْكَام الْأَرْوَاح وَاقْتِرَان الشَّيَاطِين بِالْمَحَالِّ الَّتِي تُلَابِسهَا فَإِنَّ الشَّيْطَان خَبِيث يُنَاسِبهُ الْخَبَائِث فَإِذَا نَامَ الْعَبْد لَمْ يُرَ فِي ظَاهِر جَسَده أَوْسَخ مِنْ خَيْشُومه فَيَسْتَوْطِنهُ فِي الْمَبِيت وَأَمَّا مُلَابَسَته لِيَدِهِ فَلِأَنَّهَا أَعَمّ الْجَوَارِح كَسْبًا وَتَصَرُّفًا وَمُبَاشَرَة لِمَا يَأْمُر بِهِ الشَّيْطَان مِنْ الْمَعْصِيَة فَصَاحِبهَا كَثِير التَّصَرُّف وَالْعَمَل بِهَا وَلِهَذَا سُمِّيَتْ جَارِحَة لِأَنَّهُ يَجْتَرِح بِهَا أَيْ يَكْسِب
وَهَذِهِ الْعِلَّة لَا يَعْرِفهَا أَكْثَر الْفُقَهَاء وَهِيَ كَمَا تَرَى وُضُوحًا وَبَيَانًا
وَحَسْبك شَهَادَة النَّصّ لَهَا بِالِاعْتِبَارِ
وَالْمَقْصُود أَنَّهُ لَا دَلِيل لَكُمْ فِي الْحَدِيث بِوَجْهٍ مَا وَاللَّهُ أَعْلَم
وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا جَوَاب الْمَقَامَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِث
فَلْنَرْجِعْ إِلَى الْجَوَاب عَنْ تَمَام الْوُجُوه الْخَمْسَة عَشَر فَنَقُول وَأَمَّا تَقْدِيمكُمْ لِلْمَفْهُومِ مِنْ حَدِيث الْقُلَّتَيْنِ عَلَى الْقِيَاس الْجَلِيّ فَمِمَّا يُخَالِفكُمْ فِيهِ كَثِير مِنْ الْفُقَهَاء وَالْأُصُولِيِّينَ وَيَقُولُونَ الْقِيَاس الْجَلِيّ مُقَدَّم عَلَيْهِ وَإِذَا كَانُوا يُقَدِّمُونَ الْقِيَاس عَلَى الْعُمُوم الَّذِي هُوَ حُجَّة الِاتِّفَاق فَلَأَنْ يُقَدَّم عَلَى الْمَفْهُوم الْمُخْتَلَف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ أَوْلَى
ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا تَقْدِيم الْمَفْهُوم عَلَى الْقِيَاس فِي صُورَة ما فتقديم القياس ها هنا مُتَعَيِّن لِقُوَّتِهِ وَلِتَأَيُّدِهِ بِالْعُمُومَاتِ وَلِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّنَاقُض الْمُلَازِم لِمَنْ قَدَّمَ الْمَفْهُوم كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَلِمُوَافَقَتِهِ لِأَدِلَّةِ الشَّرْع الدَّالَّة عَلَى عَدَم التَّحْدِيد بِالْقُلَّتَيْنِ
فَالْمَصِير إِلَيْهِ أَوْلَى وَلَوْ كَانَ وَحْده فَكَيْف بِمَا مَعَهُ مِنْ الْأَدِلَّة وَهَلْ يُعَارِض مَفْهُوم وَاحِد لِهَذِهِ الْأَدِلَّة مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَالْقِيَاس الْجَلِيّ وَاسْتِصْحَاب الْحَال وَعَمَل أَكْثَر الْأُمَّة مَعَ اِضْطِرَاب أَصْل مَنْطُوقه وَعَدَم بَرَاءَته مِنْ الْعِلَّة وَالشُّذُوذ قَالُوا وَأَمَّا دَعْوَاكُمْ أَنَّ الْمَفْهُوم عَامّ فِي جَمِيع الصُّوَر الْمَسْكُوت عَنْهَا فَدَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا
فَإِنَّ الِاحْتِجَاج بِالْمَفْهُومِ يَرْجِع إِلَى حَرْفَيْنِ التَّخْصِيص وَالتَّعْلِيل كَمَا تَقَدَّمَ
وَمَعْلُوم أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَة بِدُونِ الْعُمُوم بَقِيَتْ دَعْوَى الْعُمُوم بَاطِلَة لِأَنَّهَا دَعْوَى مُجَرَّدَة وَلَا لَفْظ مَعَنَا يَدُلّ عَلَيْهَا
وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَم مِنْ اِنْتِفَاء حُكْم الْمَنْطُوق اِنْتِفَاؤُهُ عَنْ كُلّ فَرْد مِنْ أَفْرَاد الْمَسْكُوت لِجَوَازِ أَنْ يَكُون فِيهِ تَفْصِيل فَيَنْتَفِي عَنْ بَعْضهَا وَيَثْبُت لِبَعْضِهَا وَيَجُوز أَنْ يَكُون ...............................
Qثَابِتًا لِجَمِيعِهَا بِشَرْطٍ لَيْسَ فِي الْمَنْطُوق فَتَكُون فَائِدَة التَّخْصِيص بِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى ثُبُوت الْحُكْم لَهُ مُطْلَقًا وَثُبُوته لِلْمَفْهُومِ بِشَرْطٍ
فَيَكُون الْمَنْفِيّ عَنْهُ الثُّبُوت الْمُطْلَق لَا مُطْلَق الْمَثْبُوت
فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ الْعُمُوم لِلْمَفْهُومِ وَهُوَ مِنْ عَوَارِض الْأَلْفَاظ وَعَلَى هَذَا عَامَّة الْمَفْهُومَات
فَقَوْله تَعَالَى { فَلَا تَحِلّ لَهُ مِنْ بَعْد حَتَّى تَنْكِح زَوْجًا غَيْرَهُ} لَا يَدُلّ الْمَفْهُوم عَلَى أَنَّ بِمُجَرَّدِ نِكَاحهَا الزَّوْج الثَّانِي تَحِلّ لَهُ
وَكَذَا قَوْله ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) لَا يَدُلّ عَلَى عَدَم الْكِتَابَة عِنْد عَدَم هَذَا الشَّرْط مُطْلَقًا
وَكَذَا قَوْله { وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ}
وَنَظَائِره أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى
وَكَذَلِكَ إِنْ سَلَكَتْ طَرِيقَة التَّعْلِيل لَمْ يَلْزَم الْعُمُوم أَيْضًا فَإِنَّهُ يَلْزَم مِنْ اِنْتِفَاء الْعِلَّة اِنْتِفَاء مَعْلُولهَا وَلَا يَلْزَم اِنْتِفَاء الْحُكْم مُطْلَقًا لِجَوَازِ ثُبُوته بِوَصْفٍ آخَر
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَنْطُوق حَدِيث الْقُلَّتَيْنِ لَا نُنَازِعكُمْ فِيهِ وَمَفْهُومه لَا عُمُوم لَهُ
فَبَطَل الِاحْتِجَاج بِهِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا
وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّ الْعَدَد خَرَجَ مَخْرَج التَّحْدِيد وَالتَّقْيِيد كَنُصُبِ الزَّكَوَات فَهَذَا بَاطِل مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا مِقْدَارًا فَاصِلًا بَيْن الْحَلَال وَالْحَرَام وَالطَّاهِر وَالنَّجِس لَوَجَبَ عَلَى النَّبِيّ بَيَانه بَيَانًا عَامًّا مُتَتَابِعًا تَعْرِفهُ الْأُمَّة كَمَا بَيَّنَ نُصُب الزَّكَوَات وَعَدَد الْجَلْد فِي الْحُدُود وَمِقْدَار مَا يَسْتَحِقّهُ الْوَارِث فَإِنَّ هَذَا أَمْر يَعُمّ الِابْتِلَاء بِهِ كُلّ الْأُمَّة فَكَيْف لَا يُبَيِّنهُ حَتَّى يَتَّفِق سُؤَال سَائِل لَهُ عَنْ قَضِيَّة جُزْئِيَّة فَيُجِيبهُ بِهَذَا وَيَكُون ذَلِكَ حَدًّا عَامًّا لِلْأُمَّةِ كُلّهَا لَا يَسَع أَحَدًا جَهْله وَلَا تَتَنَاقَلهُ الْأُمَّة وَلَا يَكُون شَائِعًا بَيْنهمْ بَلْ يُحَالُونَ فِيهِ عَلَى مَفْهُوم ضَعِيف شَأْنه مَا ذَكَرْنَاهُ قَدْ خَالَفَتْهُ الْعُمُومَاتُ وَالْأَدِلَّة الْكَثِيرَة وَلَا يَعْرِفهُ أَهْل بَلْدَته وَلَا أَحَد مِنْهُمْ يَذْهَب إِلَيْهِ الثَّانِي أَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى قَالَ { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} وَقَالَ { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فَلَوْ كَانَ الْمَاء الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّر بِالنَّجَاسَةِ مِنْهُ مَا هُوَ حَلَال وَمِنْهُ مَا هُوَ حَرَام لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَدِيث بَيَان لِلْأُمَّةِ مَا يَتَّقُونَ وَلَا كَانَ قَدْ فَصَّلَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ
فَإِنَّ الْمَنْطُوق مِنْ حَدِيث الْقُلَّتَيْنِ لَا دَلِيل فِيهِ وَالْمَسْكُوت عَنْهُ كَثِير مِنْ أَهْل الْعِلْم يَقُولُونَ لَا يَدُلّ عَلَى شَيْء فَلَمْ يَحْصُل لَهُمْ بَيَان وَلَا فَصْل الْحَلَال مِنْ الْحَرَام
وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ لَا بُدّ مِنْ مُخَالَفَة الْمَسْكُوت لِلْمَنْطُوقِ وَمَعْلُوم أَنَّ مُطْلَق الْمُخَالَفَة لَا يَسْتَلْزِم الْمُخَالَفَة الْمُطْلَقَة الثَّابِتَة لكل فرد فرد من الْمَسْكُوت عَنْهُ فَكَيْف يَكُون هَذَا حَدًّا فَاصِلًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَنْطُوق وَلَا فِي الْمَسْكُوت عَنْهُ فَصْل وَلَا حَدٌّ
الثَّالِث أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ إِنَّمَا قَالُوا بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَب اِقْتَضَى التَّخْصِيص بِالْمَنْطُوقِ فَلَوْ ظَهَرَ سَبَب يَقْتَضِي التَّخْصِيص بِهِ لَمْ يَكُنْ الْمَفْهُوم مُعْتَبَرًا كَقَوْلِهِ ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ) فَذَكَرَ هَذَا الْقَيْد لِحَاجَةِ الْمُخَاطَبِينَ إِلَيْهِ إِذْ هُوَ الْحَامِل لَهُمْ عَلَى قَتْلهمْ لَا لِاخْتِصَاصِ الْحُكْم بِهِ
وَنَظِيره { لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} وَنَظَائِره كَثِيرَة
وَعَلَى هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُون ذِكْر الْقُلَّتَيْنِ وَقَعَ فِي الْجَوَاب لِحَاجَةِ السَّائِل إِلَى ذَلِكَ وَلَا يُمْكِن الْجَزْم ...............................
Qبِدَفْعِ هَذَا الِاحْتِمَال
نَعَمْ لَوْ أَنَّ النَّبِيّ قَالَ هَذَا اللَّفْظ اِبْتِدَاء مِنْ غَيْر سُؤَال لَانْدَفَعَ هَذَا الِاحْتِمَال
الرَّابِع أَنَّ حَاجَة الْأُمَّة حَضَرهَا وَبَدْوهَا عَلَى اِخْتِلَاف أَصْنَافهَا إِلَى مَعْرِفَة الْفَرْق بَيْن الطَّاهِر وَالنَّجِس ضَرُورِيَّة فَكَيْف يُحَالُونَ في ذلك على مالا سَبِيل لِأَكْثَرِهِمْ إِلَى مَعْرِفَته فَإِنَّ النَّاس لَا يَكْتَالُونَ الْمَاء وَلَا يَكَادُونَ يَعْرِفُونَ مِقْدَار الْقُلَّتَيْنِ لَا طُولهمَا وَلَا عَرْضهمَا وَلَا عُمْقهمَا فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاء نَجَاسَة فَمَا يُدْرِيه أَنَّهُ قُلَّتَانِ وَهَلْ تَكْلِيف ذَلِكَ إِلَّا مِنْ بَاب عِلْم الْغَيْب وَتَكْلِيف مَا لَا يُطَاق فَإِنْ قِيلَ يَسْتَظْهِر حَتَّى يَغْلِب عَلَى ظَنّه أَنَّهُ قُلَّتَانِ قِيلَ لَيْسَ هَذَا شَأْن الْحُدُود الشَّرْعِيَّة فَإِنَّهَا مَضْبُوطَة لَا يُزَاد عَلَيْهَا وَلَا يُنْقَص مِنْهَا كَعَدَدِ الْجَلَدَات وَنُصُب الزَّكَوَات وَعَدَد الرَّكَعَات وَسَائِر الْحُدُود الشَّرْعِيَّة
الْخَامِس أَنَّ خَوَاصّ الْعُلَمَاء إِلَى الْيَوْم لَمْ يَسْتَقِرّ لَهُمْ قَدَم عَلَى قَوْل وَاحِد فِي الْقُلَّتَيْنِ فَمِنْ قَائِل أَلْف رِطْل بِالْعِرَاقِيِّ وَمِنْ قَائِل سِتّمِائَةِ رِطْل وَمِنْ قَائِل خَمْسمِائَةِ وَمِنْ قَائِل أَرْبَعمِائَةِ
وَأَعْجَب مِنْ هَذَا جَعْل هَذَا الْمِقْدَار تَحْدِيدًا فَإِذَا كَانَ الْعُلَمَاء قَدْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قَدْر الْقُلَّتَيْنِ وَاضْطَرَبَتْ أَقْوَالهمْ فِي ذَلِكَ فَمَا الظَّنّ بِسَائِرِ الْأُمَّة وَمَعْلُوم أَنَّ الْحُدُود الشَّرْعِيَّة لَا يَكُون هَذَا شَأْنهَا
السَّادِس أَنَّ الْمُحَدِّدِينَ يَلْزَمهُمْ لَوَازِم بَاطِلَة شَنِيعَة جِدًّا
مِنْهَا أَنْ يَكُون مَاء وَاحِد إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْب تَنَجَّسَ وَإِذَا بَالَ فِيهِ لَمْ يُنَجِّسهُ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّعْرَة مِنْ الْمَيْتَة إِذَا كَانَتْ نَجِسَة فَوَقَعَتْ فِي قُلَّتَيْنِ إِلَّا رِطْلًا مَثَلًا أَنْ يَنْجُس الْمَاء وَلَوْ وَقَعَ رِطْل بَوْل فِي قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسهُ وَمَعْلُوم أَنَّ تَأَثُّر الْمَاء بِهَذِهِ النَّجَاسَة أَضْعَاف تَأَثُّره بِالشَّعْرَةِ فَمُحَال أَنْ يَجِيء شَرْع بِتَنَجُّسِ الْأَوَّل وَطَهَارَة الثَّانِي
وَكَذَلِكَ مَيْتَة كَامِلَة تَقَع فِي قُلَّتَيْنِ لَا تُنَجِّسهَا وَشَعْرَة مِنْهَا تَقَع فِي قُلَّتَيْنِ إِلَّا نِصْف رِطْل أَوْ رِطْلًا فَتُنَجِّسهَا إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِم الَّتِي يَدُلّ بُطْلَانهَا عَلَى بُطْلَان مَلْزُومَاتهَا وَأَمَّا جَعْلكُمْ الشَّيْء نِصْفًا فَفِي غَايَة الضَّعْف فَإِنَّهُ شَكّ من بن جُرَيْجٍ
فَيَا سُبْحَان اللَّه يَكُون شَكّه حَدًّا لَازِمًا لِلْأُمَّةِ فَاصِلًا بَيْن الْحَلَال وَالْحَرَام وَالنَّبِيّ قَدْ بَيَّنَ لِأُمَّتِهِ الدِّين وَتَرَكَهُمْ عَلَى الْمَحَجَّة الْبَيْضَاء لَيْلهَا كَنَهَارِهَا فَيَمْتَنِع أَنْ يُقَدِّر لِأُمَّتِهِ حَدًّا لَا سَبِيل لَهُمْ إِلَى مَعْرِفَة إِلَّا شَكّ حَادِث بَعْد عَصْر الصَّحَابَة يَجْعَل نِصْفًا اِحْتِيَاطِيًّا وَهَذَا بَيِّن لِمَنْ أَنْصَفَ
وَالشَّكّ الْجَارِي الْوَاقِع مِنْ الْأُمَّة فِي طَهُورهمْ وَصَلَاتهمْ قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ حُكْمه لِيَنْدَفِع عَنْهُمْ بِالْيَقِينِ فَكَيْف يُجْعَل شَكَّهُمْ حَدًّا فَاصِلًا فَارِقًا بَيْن الْحَلَال وَالْحَرَام ثُمَّ جَعْلكُمْ هَذَا اِحْتِيَاطًا بَاطِل لِأَنَّ الاحتياط يكون في الأعمال التي يترك التكلف مِنْهَا عَمَلًا لِآخَر اِحْتِيَاطًا وَأَمَّا الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَالْإِخْبَار عَنْ اللَّه وَرَسُوله فَطَرِيق الِاحْتِيَاط فِيهَا أَنْ لَا يُخْبِر عَنْهُ إِلَّا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ وَلَا يُثْبِت إِلَّا مَا أَثْبَتَهُ
ثُمَّ إِنَّ الِاحْتِيَاط هُوَ فِي تَرْك هَذَا الِاحْتِيَاط فَإِنَّ الرَّجُل تَحْضُرهُ الصَّلَاة وَعِنْده قُلَّة