هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6435 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ المَرْأَةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ ، فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ ، قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6435 حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، رضي الله عنها : أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب ، قال : يا أيها الناس ، إنما ضل من قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ، وايم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، سرقت لقطع محمد يدها
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated `Aisha:

The Quraish people became very worried about the Makhzumiya lady who had committed theft. They said, Nobody can speak (in favor of the lady) to Allah's Messenger (ﷺ) and nobody dares do that except Usama who is the favorite of Allah's Messenger (ﷺ). When Usama spoke to Allah's Messenger (ﷺ) about that matter, Allah's Messenger (ﷺ) said, Do you intercede (with me) to violate one of the legal punishment of Allah? Then he got up and addressed the people, saying, O people! The nations before you went astray because if a noble person committed theft, they used to leave him, but if a weak person among them committed theft, they used to inflict the legal punishment on him. By Allah, if Fatima, the daughter of Muhammad committed theft, Muhammad will cut off her hand.!

":"ہم سے سعید بن سلیمان نے بیان کیا ، انہوں نے کہا ہم سے لیث نے بیان کیا ، ان سے ابن شہاب نے بیان کیا ، ان سے عروہ نے بیان کیا اور ان سے عائشہ رضی اللہ عنہا نے بیان کیا کہایک مخزومی عورت کا معاملہ جس نے چوری کی تھی ، قریش کے لوگوں کے لیے اہمیت اختیار کرگیا اور انہوں نے کہا کہ آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم سے اس معاملہ میں کون بات کر سکتا ہے اسامہ رضی اللہ عنہ کے سوا ، جو آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم کو بہت پیارے ہیں اور کوئی آپ سے سفارش کی ہمت نہیں کر سکتا ؟ چنانچہ اسامہ رضی اللہ عنہ نے آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم سے بات کی تو آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ، کیا تم اللہ کی حدوں میں سفارش کرنے آئے ہو ۔ ” پھر آپ کھڑے ہوئے اور خطبہ دیا اور فرمایا اے لوگو ! تم سے پہلے کے لوگ اس لیے گمراہ ہو گئے کہ جب ان میں کوئی بڑا آدمی چوری کرتا تو اسے چھوڑ دیتے لیکن اگر کمزور چوری کرتا تو اس پر حد قائم کرتے تھے اور اللہ کی قسم ! اگر فاطمہ بنت محمد ( صلی اللہ علیہ وسلم ) نے بھی چوری کی ہوتی تو محمد ( صلی اللہ علیہ وسلم ) اس کا ہاتھ ضرور کاٹ ڈالتے ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [6788] أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَلَيْسَ الْقَيْدُ صَرِيحًا فِيهِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ صَرِيحًا وَهُوَ فِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُسَامَةَ لَمَّا شَفَعَ فِيهَا لَا تَشْفَعْ فِي حَدٍّ فَإِنَّ الْحُدُودَ إِذَا انْتَهَتْ إِلَيَّ فَلَيْسَ لَهَا مَتْرَكٌ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ تَعَافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ تَرْجَمَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ الْعَفْوُ عَنِ الْحَدِّ مَا لَمْ يَبْلُغِ السُّلْطَانَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَسَنَدُهُ إِلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَأَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا بن عُمَرَ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أمره وَأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَصَحَّ مِنْهُ عَن بن عُمَرَ مَوْقُوفًا وَلِلْمَرْفُوعِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ.

     وَقَالَ  فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي مُلْكِهِ وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُحَيَّاةِ عَنْ أَبِي مَطَرٍ رَأَيْتُ عَلِيًّا أُتِيَ بِسَارِقٍ فَذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا عَفَوْتَ قَالَ ذَلِكَ سُلْطَانُ سُوءٍ الَّذِي يَعْفُو عَنِ الْحُدُودِ بَيْنَكُمْ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَقِيَ الزُّبَيْرُ سَارِقًا فَشَفَعَ فِيهِ فَقِيلَ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْإِمَامَ فَقَالَ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ وَأَخْرَجَ الْمُوَطَّأُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ نَحْوَهُ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ مَعَ وَقْفِهِ وَهُوَ عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ الزُّبَيْرِمَوْقُوفًا وَبِسَنَدٍ آخَرَ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ كَذَلِك وَبِسَنَد صَحِيح عَن عِكْرِمَة ان بن عَبَّاسٍ وَعَمَّارًا وَالزُّبَيْرَ أَخَذُوا سَارِقًا فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ بِئْسَمَا صَنَعْتُمْ حِينَ خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ فَقَالَ لَا أُمَّ لَكَ أَمَا لَوْ كُنْتَ أَنْتَ لَسَرَّكَ أَنْ يُخَلَّى سَبِيلُكَ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا بِلَفْظِ اشْفَعُوا مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْوَالِي فَإِذَا وَصَلَ الْوَالِيَ فَعَفَا فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَالْمَوْقُوفُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفِي الْبَابِ غَيْرُ ذَلِكَ حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ فِي قِصَّةِ الَّذِي سُرِقَ رِدَاؤُهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ لَا يَقْطَعَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَل لَا قبل أَن تَأتِينِي بِهِ وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ الَّذِي سَرَقَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِهِ فَرَأَوْا مِنْهُ أَسَفًا عَلَيْهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ كَرِهْتَ قَطْعَهُ فَقَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي لَا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إِذَا أُنْهِيَ إِلَيْهِ حَدٌّ أَنْ يُقِيمَهُ وَاللَّهُ عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ مَرْفُوعَةٌ وَأُخْرِجَ مَوْقُوفًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَحَدِيثُ عَائِشَة مَرْفُوعا أَقبلُوا ذَوي الهيآت زَلَّاتِهِمْ إِلَّا فِي الْحُدُودِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ فِيمَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ وَقد نقل بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الِاتِّفَاقَ وَيَدْخُلُ فِيهِ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي نَدْبِ السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا لَمْ يَبْلُغِ الْإِمَامَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَائِشَةَ كَذَا قَالَ الْحُفَّاظُ من أَصْحَاب بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَشَذَّ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ الماصر بِكَسْر الْمُهْملَة فَقَالَ بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ سَوَاءً أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ وَالطَّبَرَانِيُّ.

     وَقَالَ  تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الصَّوَابُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ قُرَيْشًا أَيِ الْقَبِيلَةَ الْمَشْهُورَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِقُرَيْشٍ الَّذِي انْتَسَبُوا إِلَيْهِ فِي الْمَنَاقِبِ وَأَنَّ الْأَكْثَرَ أَنَّهُ فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا مَنْ أَدْرَكَ الْقِصَّةَ الَّتِي تُذْكَرُ بِمَكَّةَ .

     قَوْلُهُ  أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ أَيْ أَجَلَبَتْ إِلَيْهِمْ هَمًّا أَوْ صَيَّرَتْهُمْ ذَوِي هَمٍّ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْهَا يُقَالُ أَهَمَّنِي الْأَمْرُ أَيْ أَقْلَقَنِي وَمَضَى فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ بِهَذَا السَّنَدِ أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ أَيْ أَمْرُهَا الْمُتَعَلِّقُ بِالسَّرِقَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْآتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا لَمَّا سَرَقَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْعُودٌ الْمَذْكُورُ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ رَهْطِ عُمَرَ وَسَبَبُ إِعْظَامِهِمْ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا لِعِلْمِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُرَخِّصُ فِي الْحُدُودِ وَكَانَ قَطْعُ السَّارِقِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِقَطْعِ السَّارِقِ فَاسْتَمَرَّ الْحَالُ فِيهِ وَقَدْ عَقَدَ بن الْكَلْبِيِّ بَابًا لِمَنْ قُطِعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ فَذَكَرَ قِصَّةَ الَّذِينَ سَرَقُوا غَزَالَ الْكَعْبَةِ فَقُطِعُوا فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ مَنْ قُطِعَ فِي السَّرِقَةِ عَوْفَ بْنَ عَبْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ وَمِقْيَسَ بْنَ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ وَغَيْرَهُمَا وَأَنَّ عَوْفًا السَّابِقُ لِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  الْمَخْزُومِيَّةُ نِسْبَةٌ إِلَى مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْقَافِ بَعْدَهَا ظَاءٌ مُعْجمَة مشالة بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَمَخْزُومٌ أَخُو كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ الَّذِي عِنْدَ النَّسَائِيِّ سَرَقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَاسْمُ الْمَرْأَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ وَهِيَ بِنْتُ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ الَّذِي كَانَ زَوْجَ أُمِّ سَلَمَةَ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ أَبُوهَا كَافِرًا يَوْمَ بَدْرٍ قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً وَقِيلَ هِيَ أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَهِيَ بِنْتُ عَمِّ الْمَذْكُورَة أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي بِشْرُ بْنُ تَيْمٍ أَنَّهَا أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَهَذَا مُعْضِلٌ وَوَقَعَ مَعَ ذَلِكَ فِي سِيَاقِهِ أَنَّهُ قَالَهُ عَنْ ظَنٍّوَحُسْبَانٍ وَهُوَ غَلَطٌ مِمَّنْ قَالَهُ لِأَنَّ قِصَّتَهَا مُغَايِرَةٌ لِلْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا سأوضحه قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ هِيَ الَّتِي قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهَا لِأَنَّهَا سَرَقَتْ حُلِيًّا فَكَلَّمَتْ قُرَيْشٌ أُسَامَةَ فَشَفَعَ فِيهَا وَهُوَ غُلَامٌ الْحَدِيثَ.

.

قُلْتُ وَقَدْ سَاقَ ذَلِكَ بن سَعْدٍ فِي تَرْجَمَتِهَا فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْأَجْلَحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ رَفَعَهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ سَرَقَتْ حُلِيًّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشْفَعُوا الْحَدِيثَ وَأَوْرَدَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْمِصْرِيُّ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ سَرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي أَسَدٍ بِنْتُ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ فَأَشْفَقَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَقْطَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَالطَّرِيقُ الْأُولَى أَقْوَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ بِنْتُ الْأَسْوَدِ وَبِنْتُ أَبِي الْأَسْوَدِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ كُنْيَةُ الْأَسْوَدِ أَبَا الْأسود وَأما قصَّة أم عَمْرو فَذكرهَا بن سعد أَيْضا وبن الْكَلْبِيِّ فِي الْمَثَالِبِ وَتَبِعَهُ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ فَذَكَرُوا أَنَّهَا خَرَجَتْ لَيْلًا فَوَقَعَتْ بِرَكْبٍ نُزُولٍ فَأَخَذَتْ عَيْبَةً لَهُمْ فَأَخَذَهَا الْقَوْمُ فَأَوْثَقُوهَا فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَوْا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَاذَتْ بِحَقْوَيْ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ شِعْرًا قَالَهُ خُنَيْسُ بْنُ يَعْلَى بن أُميَّة وَفِي رِوَايَة بن سَعْدٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ وَفِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ أَنَّ قِصَّةَ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْأَسْوَدِ كَانَتْ عَامَ الْفَتْحِ فَظَهَرَ تَغَايُرُ الْقِصَّتَيْنِ وَأَنَّ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ من سنتَيْن وَيظْهر من ذَلِكَ خَطَأُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهَا أُمُّ عَمْرٍو كَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَمَنْ رَدَّدَهَا بَيْنَ فَاطِمَةَ وَأم عَمْرو كَابْن طَاهِر وبن بَشْكُوَالَ وَمَنْ تَبِعَهُمَا فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَقَدْ تَقَلَّدَ بن حَزْمٍ مَا قَالَهُ بِشْرُ بْنُ تَيْمٍ لَكِنَّهُ جَعَلَ قِصَّةَ أُمِّ عَمْرٍو بِنْتِ سُفْيَانَ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَقِصَّةَ فَاطِمَةَ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ غَلَطٌ أَيْضًا لِوُقُوعِ التَّصْرِيحِ فِي قِصَّةِ أُمِّ عَمْرٍو بِأَنَّهَا سَرَقَتْ .

     قَوْلُهُ  الَّتِي سَرَقَتْ زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَوَقَعَ بَيَانُ الْمَسْرُوقِ فِي حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ أبي الْأسود الْمَعْرُوف بِابْن العجماء فَأخْرج بن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ لَمَّا سَرَقَتِ الْمَرْأَةُ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُكَلِّمُهُ وَسَنَدُهُ حسن وَقد صرح فِيهِ بن إِسْحَاقَ بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَكَذَا عَلَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ فَقَالَ رَوَى مَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ هُنَا وَفِي الْبَابِ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْعَجْمَاءِ وَقَدْ أخرجه أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب السّرقَة مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ فَقَالَ عَنْ خَالَتِهِ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ الْعَجْمَاءِ عَنْ أَبِيهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ سَمِعَهُ مِنْ أُمِّهِ وَمِنْ خَالَتِهِ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ أَنَّهَا سَرَقَتْ حُلِيًّا وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْحُلِيَّ كَانَ فِي الْقَطِيفَةِ فَالَّذِي ذَكَرَ الْقَطِيفَةَ أَرَادَ بِمَا فِيهَا وَالَّذِي ذَكَرَ الْحُلِيَّ ذَكَرَ الْمَظْرُوفَ دُونَ الظَّرْفِ ثُمَّ رُجِّحَ عِنْدِي أَنَّ ذِكْرَ الْحُلِيِّ فِي قِصَّةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَهْمٌ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ الْحَسَنَ أَخْبَرَهُ قَالَ سَرَقَتِ امْرَأَةٌ قَالَ عَمْرٌو وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ ثِيَابِ الْكَعْبَةِ الْحَدِيثَ وَسَنَدُهُ إِلَى الْحَسَنِ صَحِيحٌ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ اسْتَعَارَتِ امْرَأَةٌ عَلَى أَلْسِنَةِ نَاسٍ يُعْرَفُونَ وَهِيَ لَا تُعْرَفُ حُلِيًّا فَبَاعَتْهُ وَأَخَذَتْ ثَمَنَهُ الْحَدِيثَ وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍفِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ امْرَأَةً فَقَالَتْ إِنَّ فُلَانَةَ تَسْتَعِيرُكِ حُلِيًّا فَأَعَارَتْهَا إِيَّاهُ فَمَكَثَتْ لَا تَرَاهُ فَجَاءَتْ إِلَى الَّتِي اسْتَعَارَتْ لَهَا فَسَأَلَتْهَا فَقَالَتْ مَا اسْتَعَرْتُكِ شَيْئًا فَرَجَعَتْ إِلَى الْأُخْرَى فَأَنْكَرَتْ فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا اسْتَعَرْتُ مِنْهَا شَيْئًا فَقَالَ اذْهَبُوا إِلَى بَيْتِهَا تَجِدُوهُ تَحْتَ فِرَاشِهَا فَأَتَوْهُ فَأَخَذُوهُ وَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ الْحَدِيثَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ سَرَقَتِ الْقَطِيفَةَ وَجَحَدَتِ الْحُلِيَّ وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا فِي جَحْدِ الْحُلِيِّ فِي رِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ سَرَقَتْ مَجَازًا قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ اخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فَقَالَ اللَّيْثُ وَيُونُسُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ سَرَقَتْ.

     وَقَالَ  مَعْمَرٌ وَشُعَيْبٌ إِنَّهَا اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ قَالَ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ سَنَدًا وَمَتْنًا فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ عَلِيِّ بن الْمَدِينِيّ عَن بن عُيَيْنَةَ قَالَ ذَهَبْتُ أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ فَصَاحَ عَلَيَّ فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ فَلَمْ يَحْفَظْهُ عَنْ أَحَدٍ قَالَ وَجَدْتُ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ.

     وَقَالَ  فِيهِ إِنَّهَا سَرَقَتْ وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَن بن عُيَيْنَةَ إِنَّهَا سَرَقَتْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ وَعَنْ رِزْقِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَهُ فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا وَمِثْلُهُ لِأَبِي يَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ كَذَلِكَ لَكِنْ فِي آخِرِهِ قَالَ سُفْيَانُ لَا أَدْرِي مَا هُوَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ كَانَتْ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ قِيلَ لِسُفْيَانَ مَنْ ذَكَرَهُ قَالَ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ بن أبي زَائِدَة عَن بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ.

     وَقَالَ  فِيهِ سرقت قَالَ شَيخنَا وبن عُيَيْنَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَلَا مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ إِنَّمَا وَجَدَهُ فِي كِتَابِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَلَمْ يُصَرِّحْ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَلِهَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ لَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ كَمَا تَقَدَّمَ وَجزم جمَاعَة بِأَن معمرا تَفَرَّدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِقَوْلِهِ اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَابَعَهُ شُعَيْبٌ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَيُونُسَ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ عَنْهُ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ لِلَّيْثِ عَنْ يُونُسَ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَكَذَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ شَبِيبَ بْنَ سَعِيدٍ رَوَاهُ عَن يُونُس وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بن أخي الزُّهْرِيّ عَن الزُّهْرِيّ أخرجه بن أَيْمَنَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ وَأَخْرَجَ أَصْلَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالَّذِي اتَّضَحَ لِي أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ مَحْفُوظَانِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ تَارَةً بِهَذَا وَتَارَةً بِهَذَا فَحَدَّثَ يُونُسُ عَنْهُ بِالْحَدِيثَيْنِ وَاقْتَصَرَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ غَيْرِ يُونُسَ عَلَى أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ اسْتَعَارَتْ حُلِيًّا وَقَدِ اخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَحْمَدُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ وَانْتَصَرَ لَهُ بن حَزْمٍ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى سَرَقَتْ أَرْجَحُ وَبِالْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ فَأَمَّا التَّرْجِيحُ فَنَقَلَ النَّوَوِيُّ أَنَّ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِجَمَاهِيرِ الرُّوَاةِ قَالَ وَالشَّاذَّةُ لَا يُعْمَلُ بِهَا.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ فِي الْحَاشِيَةِ وَتَبِعَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قِيلَ إِنَّ مَعْمَرًا انْفَرَدَ بِهَا.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ رِوَايَةُ أَنَّهَا سرقت أَكثر وَأشهر من رِوَايَة الْجَعْد فَقَدِ انْفَرَدَ بِهَا مَعْمَرٌ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ وَتَابَعَهُ عَلَىذَلِكَ مَنْ لَا يُقْتَدَى بِحِفْظِهِ كَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَنَمَطِهِ هَذَا قَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ.

.

قُلْتُ سَبَقَهُ لِبَعْضِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَمْ يقف على رِوَايَة شُعَيْبٌ وَيُونُسُ بِمُوَافَقَةِ مَعْمَرٍ إِذْ لَوْ وَقَفَ عَلَيْهَا لَمْ يَجْزِمْ بِتَفَرُّدِ مَعْمَرٍ وَأَنَّ مَنْ وَافَقَهُ كَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَنَمَطِهِ وَلَا زَادَ الْقُرْطُبِيُّ نِسْبَةَ ذَلِكَ لِلْمُحَدِّثِينَ إِذْ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ قَرَنَ شُعَيْبَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ وَأَيُّوبَ بْنَ مُوسَى بِابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ شُعَيْبًا وَيُونُسَ أَرْفَعُ دَرَجَةً فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ من بن أَخِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ عَنِ الزُّهْرِيِّ تَرْجِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ عَنْهُ إِلَّا لِكَوْنِ رِوَايَةِ سَرَقَتْ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا وَرِوَايَةِ جَحَدَتْ انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ وَهَذَا لَا يَدْفَعُ تَقْدِيمَ الْجَمْعِ إِذَا أَمْكَنَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ عَكْسُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ فَقَالَ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَعْمَرٍ وَلَا عَلَى شُعَيْبٍ وَهُمَا فِي غَايَةِ الْجَلَالَةِ فِي الزُّهْرِيّ وَقد وافقهما بن أَخِي الزُّهْرِيِّ.

.
وَأَمَّا اللَّيْثُ وَيُونُسُ وَإِنْ كَانَا فِي الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ فَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمَا فِيهِ.

.
وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ فَدُونَ مَعْمَرٍ وَشُعَيْبٍ فِي الْحِفْظِ.

.

قُلْتُ وَكَذَا اخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى كَمَا تَقَدَّمَ وَعَلَى هَذَا فَيَتَعَادَلُ الطَّرِيقَانِ وَيَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِطْرَاحِ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا تقدم عَن بن حَزْمٍ وَغَيْرِهِ هُمَا قِصَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ لِامْرَأَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُمُ اسْتَشْفَعُوا بِأُسَامَةَ وَأَنَّهُ شَفَعَ وَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَا تَشْفَعْ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَيَبْعُدُ أَنَّ أُسَامَةَ يَسْمَعُ النَّهْيَ الْمُؤَكَّدَ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى وَلَا سِيَّمَا إِنِ اتَّحَدَ زَمَنُ الْقِصَّتَيْنِ وَأَجَابَ بن حَزْمٍ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْسَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الزَّجْرُ عَنِ الشَّفَاعَةِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ تَقَدَّمَ فَظَنَّ أَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ جَائِزٌ وَأَنْ لَا حَدَّ فِيهِ فَشَفَعَ فَأُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ الْحَدَّ أَيْضًا وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ الِاحْتِمَالَيْنِ وَحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقِصَّةَ لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ وَسَرَقَتْ فَقُطِعَتْ لِلسَّرِقَةِ لَا لِلْعَارِيَةِ قَالَ وَبِذَلِكَ نَقُولُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ وَأَشَارَ إِلَى مَا حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الْعَارِيَةُ وَالْجَحْدُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَعْرِيفًا لَهَا بِخَاصِّ صِفَتِهَا إِذْ كَانَتْ تُكْثِرُ ذَلِكَ كَمَا عُرِفَتْ بِأَنَّهَا مَخْزُومِيَّةٌ وَكَأَنَّهَا لَمَّا كَثُرَ مِنْهَا ذَلِكَ تَرَقَّتْ إِلَى السَّرِقَةِ وَتَجَرَّأَتْ عَلَيْهَا وَتَلَقَّفَ هَذَا الْجَوَابَ مِنَ الْخَطَّابِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ تُحْمَلُ رِوَايَةُ مَنْ ذكر جحد الْجَارِيَة عَلَى تَعْرِيفِهَا بِذَلِكَ وَالْقَطْعَ عَلَى السَّرِقَةِ.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيُّ نَحْوَهُ وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يَتَرَجَّحُ أَنَّ يَدَهَا قُطِعَتْ عَلَى السَّرِقَةِ لَا لِأَجْلِ جَحْدِ الْعَارِيَةِ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذُكِرَتْ فِيهِ الْعَارِيَةُ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ سَرَقَتْ فَإِنَّ فِيهِ دَلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ قُطِعَتْ فِي السَّرِقَةِ إِذْ لَوْ كَانَ قَطْعُهَا لِأَجْلِ الْجَحْدِ لَكَانَ ذِكْرُ السَّرِقَةِ لَاغِيًا وَلَقَالَ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ جَحَدَتِ الْعَارِيَةَ.

.

قُلْتُ وَهَذَا قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا ثَانِيهَا لَوْ كَانَتْ قُطِعَتْ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَوَجَبَ قَطْعُ كُلِّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا إِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْعَارِيَةِ ثَالِثُهَا أَنَّهُ عَارَضَ ذَلِكَ حَدِيثُ لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ قَطْعٌ وَهُوَ حَدِيثٌ قَوِيٌّ.

.

قُلْتُ أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ وَصرح بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ وَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَقَدْ صَرَّحَ أَبُو دَاوُد بِأَن بن جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ وَبَلغنِي عَن أَحْمد أَنما سَمعه بن جريج من ياسين الزيات وَنقل بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لم يسمع بن جُرَيْجٍ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.

     وَقَالَ  النَّسَائِيُّ رَوَاهُ الْحفاظ من أَصْحَاب بن جُرَيْجٍ عَنْهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَخْبَرَنِي وَلَا أَحْسَبُهُ سَمِعَهُ.

.

قُلْتُ لَكِنْ وُجِدَ لَهُ مُتَابِعٌ عَنْأَبِي الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ لَكِنْ أَبُو الزُّبَيْرِ مُدَلِّسٌ أَيْضًا وَقَدْ عَنْعَنَهُ عَنْ جَابر لَكِن أخرجه بن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ بِمُتَابَعَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ فَقَوِيَ الْحَدِيثُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَل بِهِ إِلَّا من شدّ فَنقل بن الْمُنْذِرِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ الْمُخْتَلِسُ يُقْطَعُ كَأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِالسَّارِقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْأَخْذِ خُفْيَةً وَلَكِنَّهُ خِلَافُ مَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْخَبَرِ وَإِلَّا مَا ذَكَرَ مَنْ قَطَعَ جَاحِدَ الْعَارِيَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا قَطْعَ عَلَى الْخَائِنِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا عَلَى الْمُنْتَهِبِ إِلَّا إِنْ كَانَ قَاطِعَ طَرِيقٍ وَاللَّهُ أعلم وعارضه غَيره مِمَّن خَالف فَقَالَ بن الْقَيِّمِ الْحَنْبَلِيُّ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَبَيْنَ السَّرِقَةِ فَإِنَّ الْجَحْدَ دَاخِلٌ فِي اسْمِ السَّرِقَةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا سُرِقَتْ أَطْلَقُوا عَلَى الْجَحْدِ سَرِقَةً كَذَا قَالَ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ قَالَ وَالَّذِي أَجَابَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتِّبَ عَلَى الْوَصْفِ مَعْمُولٌ بِهِ وَيُقَوِّيهِ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَتَرْتِيبَهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْقَطْعُ عَلَى السَّرِقَةِ وَفِي الْأُخْرَى عَلَى الْجَحْدِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ وَتَرْتِيبُ الحكم على الْوَصْف يشْعر بالعلية فَكل من الرِّوَايَتَيْنِ دَال عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْقَطْعِ كُلٌّ مِنَ السَّرِقَةِ وَجَحْدِ الْعَارِيَةِ عَلَى انْفِرَادِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ سِيَاق حَدِيث بن عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِلسَّرِقَةِ وَلَا لِلشَّفَاعَةِ مِنْ أُسَامَةَ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا قُطِعَتْ فِي ذَلِكَ وَأَبْسَطُ مَا وَجَدْتُ مِنْ طُرُقِهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْحُلِيَّ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعَارَتْ مِنْ ذَلِكَ حُلِيًّا فَجَمَعَتْهُ ثُمَّ أَمْسَكَتْهُ فَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِتَتُبِ امْرَأَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتُؤَدِّ مَا عِنْدَهَا مِرَارًا فَلَمْ تَفْعَلْ فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ اسْتَعَارَتْ حُلِيًّا عَلَى لِسَانِ أُنَاسٍ فَجَحَدَتْ فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَيْضًا إِلَى سَعِيدٍ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ فِي بَيْتٍ عَظِيمٍ مِنْ بُيُوتِ قُرَيْشٍ قَدْ أَتَتْ أُنَاسًا فَقَالَتْ إِنَّ آلَ فُلَانٍ يَسْتَعِيرُونَكُمْ كَذَا فَأَعَارُوهَا ثُمَّ أَتَوْا أُولَئِكَ فَأَنْكَرُوا ثُمَّ أَنْكَرَتْ هِيَ فَقَطَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ صَنِيعُ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ حَيْثُ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ اللَّيْثِ ثُمَّ قَالَ وَفِي لَفْظٍ فَذِكْرُ لَفْظِ مَعْمَرٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ وَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ كَانَتْ سَارِقَةً أَوْ جَاحِدَةً يَعْنِي لِأَنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِاللَّفْظِ الَّذِي أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ثُمَّ قَالَ وَفِي لَفْظٍ كَانَتِ امْرَأَةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا وَهَذِهِ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ فِي مُسْلِمٍ فَقَطْ قَالَ وَعَلَى هَذَا فَالْحُجَّةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي قَطْعِ الْمُسْتَعِيرِ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُبَتُّ الْحُكْمُ فِيهِ بِتَرْجِيحِ مَنْ رَوَى أَنَّهَا جَاحِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَعْنِي وَكَذَا عَكْسُهُ فَيَصِحُّ أَنَّهَا قُطِعَتْ بِسَبَبِ الْأَمْرَيْنِ وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْقَطْعِ فِي الْجَحْدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.

.

قُلْتُ وَهَذِهِ أَقْوَى الطُّرُقِ فِي نَظَرِي وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِامْرَأَتَيْنِ فَقُطِعَتَا فِي أَوَائِلِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَالْإِلْزَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْقَطْعُ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَلَزِمَ الْقَطْعُ فِي جَحْدِ غَيْرِ الْعَارِيَةِ قَوِيٌّ أَيْضًا فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِالْقَطْعِ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَا يَقُولُ بِهِ فِي جَحْدِ غَيْرِ الْعَارِيَةِ فَيُقَاسُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْقَطْعِ فِي الْجَحْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأجَاب بن الْقَيِّمِ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَجَحْدِ غَيْرِهَا أَنَّ السَّارِقَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ جَاحِدُ الْعَارِيَةِ بِخِلَافِ الْمُخْتَلِسِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَالْمُنْتَهِبِ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ بَيْنَ النَّاسِ إِلَى الْعَارِيَةِ فَلَوْ عَلِمَ الْمُعِيرُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إِذَا جَحَدَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَجَرَّ ذَلِكَ إِلَى سَدِّ بَابِ الْعَارِيَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ حِكْمَةُ الشَّرِيعَةِ بِخِلَافِ مَا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْطَعُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَدْعَى إِلَى اسْتِمْرَارِ الْعَارِيَةِ وَهِيَ مُنَاسَبَةٌ لَا تَقُومُ بِمُجَرَّدِهَا حُجَّةٌ إِذَا ثَبَتَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي أَنْ لَا قَطْعَ عَلَى خائنوَقَدْ فَرَّ مِنْ هَذَا بَعْضُ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فَخَصَّ الْقَطْعَ بِمَنِ اسْتَعَارَ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ مُخَادِعًا لِلْمُسْتَعَارِ مِنْهُ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِي الْعَارِيَةِ وَأَنْكَرَهَا لَمَّا طُولِبَ بِهَا فَإِنَّ هَذَا لَا يُقْطَعُ بِمُجَرَّدِ الْخِيَانَةِ بَلْ لِمُشَارَكَتِهِ السَّارِقَ فِي أَخْذِ الْمَالِ خُفْيَةً تَنْبِيهٌ قَوْلُ سُفْيَانَ الْمُتَقَدِّمُ ذَهَبْتُ أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَصَاحَ عَلَيَّ مِمَّا يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ وَعَنْ سَبَبِهِ وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ سُفْيَانَ فَرَأَيْنَا فِي كِتَابِ الْمُحَدِّثِ الْفَاضِلِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ.

.

قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كَمْ سَمِعْتَ مِنَ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَمَّا مَعَ النَّاسِ فَمَا أُحْصِي.

.
وَأَمَّا وَحْدِي فَحَدِيثٌ وَاحِدٌ دَخَلْتُ يَوْمًا من بَاب بني شيبَة فَإِذا أنابه جَالِسٌ إِلَى عَمُودٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي حَدِيثَ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهَا قَالَ فَضَرَبَ وَجْهِي بِالْحَصَى ثُمَّ قَالَ قُمْ فَمَا يَزَالُ عَبْدٌ يَقْدَمُ عَلَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ قَالَ فَقُمْتُ مُنْكَسِرًا فَمَرَّ رَجُلٌ فَدَعَاهُ فَلَمْ يَسْمَعْ فَرَمَاهُ بِالْحَصَى فَلَمْ يَبْلُغْهُ فَاضْطُرَّ إِلَيَّ فَقَالَ ادْعُهُ لِي فَدَعَوْتُهُ لَهُ فَأَتَاهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ تَعَالَ فَجِئْتُ فَقَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ لِي هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنَ الَّذِي أَرَدْتَ قُلْت وَهَذَا الْحَدِيثُ الْأَخِيرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بِدُونِ الْقِصَّةِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ فِيهَا أَنْ لَا تُقْطَعَ إِمَّا عَفْوًا وَإِمَّا بِفِدَاءٍ وَقَدْ وَقَعَ مَا يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي فِي حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَلَفْظُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ فَجِئْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَقَالَ تُطَهَّرُ خَيْرٌ لَهَا وَكَأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالْفِدْيَةِ كَمَا ظَنَّ ذَلِكَ مَنْ أَفْتَى وَالِدَ الْعَسِيفِ الَّذِي زَنَى بِأَنَّهُ يَفْتَدِي مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ وَوَجَدْتُ لِحَدِيثِ مَسْعُودٍ هَذَا شَاهِدًا عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَوْمُهَا نَحْنُ نَفْدِيهَا .

     قَوْلُهُ  مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ بِسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ يَفْتَعِلُ مِنَ الْجُرْأَةِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْجِيمِ وَالرَّاءِ مَعَ الْمَدِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَوْضَحُ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَفْهَمَ بِقَوْلِهِ مَنْ يُكَلِّمُ غَيْرُ الَّذِي أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَمَنْ يَجْتَرِئُ وَالْجُرْأَةُ هِيَ الْإِقْدَامُ بِإِدْلَالٍ وَالْمَعْنَى مَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ أَحَدٌ لِمَهَابَتِهِ لَكِنَّ أُسَامَةَ لَهُ عَلَيْهِ إِدْلَالٌ فَهُوَ يَجْسُرُ عَلَى ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ بَعْدَ قَوْلِهِ تُطَهَّرُ خَيْرٌ لَهَا فَلَمَّا سَمِعْنَا لِينَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَيْنَا أُسَامَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ الْمَاضِيَةِ فِي الْفَتْحِ فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ أَي لجؤا وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى فِي الشَّهَادَاتِ فَلَمْ يَجْتَرِئْ أَحَدٌ أَنْ يُكَلِّمَهُ إِلَّا أُسَامَةُ وَكَانَ السَّبَبُ فِي اخْتِصَاصِ أُسَامَةَ بِذَلِكَ مَا أخرجه بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُسَامَةَ لَا تَشْفَعْ فِي حَدٍّ وَكَانَ إِذَا شَفَعَ شَفَّعَهُ بتَشْديد الفاه أَيْ قَبِلَ شَفَاعَتَهُ وَكَذَا وَقَعَ فِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَفِّعُهُ .

     قَوْلُهُ  حِبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى مَحْبُوبٍ مِثْلَ قِسْمٍ بِمَعْنَى مَقْسُومٍ وَفِي ذَلِكَ تَلْمِيحٌ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ .

     قَوْلُهُ  فَكَلَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْبِ وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ وَفِي الْكَلَامِ شَيْءٌ مَطْوِيٌّ تَقْدِيره فجاؤوا إِلَى أُسَامَةَ فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ فَجَاءَ أُسَامَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فِيهَا فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ الشَّافِعَ يَشْفَعُ بِحَضْرَةِ الْمَشْفُوعِ لَهُ لِيَكُونَ أَعْذَرَ لَهُ عِنْدَهُ إِذَا لَمْ تُقْبَلْ شَفَاعَتُهُ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ فَكَلَّمَهُ فَزَبَرَهُ بِفَتْحِ الزَّاي وَالْمُوَحَّدَة أَيأَغْلَظَ لَهُ فِي النَّهْيِ حَتَّى نَسَبَهُ إِلَى الْجَهْلِ لِأَنَّ الزَّبْرَ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ هُوَ الْعَقْلُ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَكَلَّمَهُ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ شُعَيْبٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَهُوَ يُكَلِّمُهُ وَفِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فَلَمَّا أَقْبَلَ أُسَامَةُ وَرَآهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُكَلِّمْنِي يَا أُسَامَةُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَقَ لَهُ مَنْعُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ قَبْلَ ذَلِكَ زَادَ يُونُسُ وَشُعَيْبٌ فَقَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ فَأُتِيَ بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعاذت بِأُمِّ سَلَمَةَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيِ اسْتَجَارَتْ أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ تَعْلِيقًا وَالْحَاكِمُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَعَاذَتْ بِزَيْنَبَ بِنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَاذَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا.

.
وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مَاتَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَهِيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَكَانَ مَوْتُ زَيْنَبَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا عَاذَتْ بِزَيْنَبَ رَبِيبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ فَتَصَحَّفَتْ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ.

.

قُلْتُ أَوْ نُسِبَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَازًا لِكَوْنِهَا رَبِيبَتَهُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَصْحِيفٌ ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمد هَذَا الحَدِيث من طَرِيق بن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَعَاذَتْ بِرَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَاءٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَحَذْفِ لَفْظِ بِنْتٍ.

     وَقَالَ  فِي آخِره قَالَ بن أَبِي الزِّنَادِ وَكَانَ رَبِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَعُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فَعَاذَتْ بِأَحَدِهِمَا.

.

قُلْتُ وَقَدْ ظَفِرْتُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ سَرَقَتِ امْرَأَةٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أَبَهْ إِنَّهَا عَمَّتِي فَقَالَ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الرَّاوِي عَنِ الْحَسَنِ فَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهَا بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ.

.

قُلْتُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ جَابِرٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا اسْتَجَارَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ وبأولادها وَاخْتَصَّهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَرِيبَتُهَا وَزَوْجَهَا عَمُّهَا وَإِنَّمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَمَّتِي مِنْ جِهَةِ السِّنِّ وَإِلَّا فَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ وَهُوَ كَمَا قَالَتْ خَدِيجَةُ لِوَرَقَةَ فِي قصَّة المبعث أَي عَم أسمع من بن أَخِيك وَهُوَ بن عَمِّهَا أَخِي أَبِيهَا أَيْضًا وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ فَعَاذَتْ بِأُسَامَةَ وَكَأَنَّهَا جَاءَتْ مَعَ قَوْمِهَا فَكَلَّمُوا أُسَامَةَ بَعْدَ أَنِ اسْتَجَارَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فَاسْتَشْفَعُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ وَاحِدٍ فَكَلَّمُوا أُسَامَةَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ فَاخْتَطَبَ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ بِحَذْفِ يَا مِنْ أَوَّلِهِ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَقَامَ خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ هَلَكَ وَكَذَا لِمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ إِنَّمَا هَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قبلكُمْ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَصْرَ لَيْسَ عَامًّا فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ فِيهِمْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِي الْإِهْلَاكَ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى حَصْرٍ الْمَخْصُوص وَهُوَ الْإِهْلَاكُ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ فِي الْحُدُودِ فَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ.

.

قُلْتُ يُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ طَرِيقِ زَاذَانَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا أَنَّهُمْ عَطَّلُوا الْحُدُودَ عَنِ الْأَغْنِيَاءِ وَأَقَامُوهَا عَلَى الضُّعَفَاءِ وَالْأُمُورُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الشَّيْخُ سَبَقَ مِنْهَا فِي ذِكْرِبني إِسْرَائِيل حَدِيث بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا وَسَيَأْتِي شَرحه بعد هَذَا وَفِي التَّفْسِير حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ مِنَ الشَّرِيفِ إِذَا قَتَلَ عَمْدًا وَالْقِصَاصِ مِنَ الضَّعِيفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ حِينَ كَانُوا إِذَا أَصَابَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ الْحَدَّ تَرَكُوهُ وَلَمْ يُقِيمُوهُ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الْوَضِيعُ قَطَعُوهُ .

     قَوْلُهُ  وَأَيْمُ اللَّهِ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ .

     قَوْلُهُ  لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ هَذَا مِنَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي صَحَّ فِيهَا أَنَّ لَوْ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ وَقَدْ أَتْقَنَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّمَنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقد ذكر بن مَاجِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ شَيْخِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ أَعَاذَهَا اللَّهُ مِنْ أَنْ تَسْرِقَ وَكُلُّ مُسْلِمٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ فَذَكَرَ عُضْوًا شَرِيفًا مِنِ امْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ وَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَدَبِ الْبَالِغِ وَإِنَّمَا خَصَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَهْلِهِ عِنْدَهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ بَنَاتِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُهَا فَأَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي إِثْبَاتِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَتَرْكِ الْمُحَابَاةِ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّ اسْمَ السَّارِقَةِ وَافَقَ اسْمَهَا عَلَيْهَا السَّلَامُ فَنَاسَبَ أَنْ يُضْرَبَ الْمَثَلُ بِهَا .

     قَوْلُهُ  لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ وَالْأَكْثَرُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا وَفِي الْأَوَّلِ تَجْرِيدٌ زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَته من رِوَايَة بن الْمُبَارَكِ عَنْهُ كَمَا مَضَى فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدهَا وَوَقع فِي حَدِيث بن عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ قُمْ يَا بِلَالُ فَخُذْ بِيَدِهَا فَاقْطَعْهَا وَفِي أُخْرَى لَهُ فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَقَطَعَهَا وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ تَعْلِيقًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ وَزَادَ فِيهِ قَالَ فَشَهِدَ عَلَيْهَا وَزَادَ يُونُسُ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ وَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ بن الْمُبَارَكِ وَفِيهِ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي الشَّهَادَاتِ وَفِي رِوَايَة بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فَنَكَحَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلِيمٍ وَتَابَتْ وَكَانَتْ حَسَنَةَ التَّلَبُّسِ وَكَانَتْ تَأْتِينِي فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا الْحَدِيثَ وَكَأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ كَانَتْ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنِ الْقَاسِمِ جَمِيعًا عَنْ عَائِشَةَ وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ عَلَى الْآخَرِ وَفِي آخِرِ حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ عِنْدَ الْحَاكِم قَالَ بن إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْحَمُهَا وَيَصِلُهَا وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهَا قَالَتْ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَنْتِ الْيَوْمَ مِنْ خَطِيئَتِكِ كَيَوْمَ وَلَدَتْكِ أُمُّكِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَنْعُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي التَّرْجَمَةِ الدَّلَالَةُ عَلَى تَقْيِيدِ الْمَنْعِ بِمَا إِذَا انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي ذَوِي الذُّنُوبِ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ مَا لَمْ تَبْلُغِ السُّلْطَانَ وَأَنَّ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُقِيمَهَا إِذَا بَلَغَتْهُ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ فَقَالَ لَا يُشْفَعُ لِلْأَوَّلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ بَلَغَ الْإِمَامَ أَمْ لَا.

.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْفَعَ لَهُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْإِمَامَ وَتَمَسَّكَ بِحَدِيثِ الْبَابِ مَنْ أَوْجَبَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ وَلَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ الْعَفْوُ مُطْلَقًا وَيُدْرَأُ بِذَلِكَ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ عَفْوِ الْمَقْذُوفِلَجَازَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِصِدْقِ الْقَاذِفِ فَكَانَتْ تِلْكَ شُبْهَةً قَوِيَّةً وَفِيهِ دُخُولُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَفِيهِ قَبُولُ تَوْبَةِ السَّارِقِ وَمَنْقَبَةٌ لِأُسَامَةَ وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ عِنْدَ أَبِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْظَمِ الْمَنَازِلِ فَإِنَّ فِي الْقِصَّةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا الْغَايَةُ فِي ذَلِك عِنْده ذكره بن هُبَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مُنَاسَبَةُ اخْتِصَاصِهَا بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ رِجَالِ أَهْلِهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ عَائِشَةَ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ كَوْنَ اسْمِ صَاحِبَةِ الْقِصَّةِ وَافَقَ اسْمَهَا وَلَا تَنْتَفِي الْمُسَاوَاةُ وَفِيهِ تَرْكُ الْمُحَابَاةِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ وَلَدًا أَوْ قَرِيبًا أَوْ كَبِيرَ الْقَدْرِ وَالتَّشْدِيدُ فِي ذَلِكَ وَالْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ رَخَّصَ فِيهِ أَوْ تَعَرَّضَ لِلشَّفَاعَةِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْكَبِيرِ الْقَدْرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْفِعْلِ وَمَرَاتِبُ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ وَلَا يَحِقُّ نَدْبُ الِاحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَتَرَجَّحُ التَّصْرِيحُ بِحَسَبِ الْمَقَامِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنِ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْ أَمْرٍ مُقَدَّرٍ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُ لَا يَحْنَثُ كَمَنْ قَالَ لِمَنْ خَاصَمَ أَخَاهُ وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ حَاضِرًا لَهَشَّمْتُ أَنْفَكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَحْنَثُ مُطْلَقًا وَفِيهِ جَوَازُ التَّوَجُّعِ لِمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بعد إِقَامَته عَلَيْهِ وَقد حكى بن الْكَلْبِيِّ فِي قِصَّةِ أُمِّ عَمْرٍو بِنْتِ سُفْيَانَ أَنَّ امْرَأَةَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَوَتْهَا بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ وَصَنَعَتْ لَهَا طَعَامًا وَأَنَّ أُسَيْدًا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمُنْكِرِ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَحِمَتْهَا رَحِمَهَا اللَّهُ وَفِيهِ الِاعْتِبَارُ بِأَحْوَالِ مَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى تَحْذِيرٍ مِنْ فِعْلِ الشَّيْءِ الَّذِي جَرَّ الْهَلَاكَ إِلَى الَّذين من قبلنَا لِئَلَّا يهْلك كَمَا هَلَكُوا وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ لَمْ يَرِدْ قَطْعُ السَّارِقِ فِي شَرْعِنَا.

.
وَأَمَّا اللَّفْظُ الْعَامُّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعِي أصلا( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) كَذَا أَطْلَقَ فِي الْآيَةِ الْيَدَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْيُمْنَى إِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ قُطِعَتِ الشِّمَالُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً هَلْ يُجْزِئُ وَقُدِّمَ السَّارِقُ عَلَى السَّارِقَةِ وَقُدِّمَتِ الزَّانِيَةُ عَلَى الزَّانِي لِوُجُودِ السَّرِقَةِ غَالِبًا فِي الذُّكُورِيَّةِ وَلِأَنَّ دَاعِيَةَ الزِّنَا فِي الْإِنَاثِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّ الْأُنْثَى سَبَبٌفِي وُقُوعِ الزِّنَا إِذْ لَا يَتَأَتَّى غَالِبًا إِلَّا بِطَوَاعِيَتِهَا وَقَولُهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ ثُمَّ التَّثْنِيَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ السَّارِقِ فَلُوحِظَ فِيهِ الْمَعْنَى فَجُمِعَ وَالتَّثْنِيَةُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْجِنْسَيْنِ الْمُتَلَفَّظِ بِهِمَا وَالسَّرِقَةُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا وَيَجُوزُ كَسْرُ أَوَّلِهِ وَسُكُونُ ثَانِيهِ الْأَخْذُ خُفْيَةً وَعُرِّفَتْ فِي الشَّرْعِ بِأَخْذِ شَيْءٍ خُفْيَةً لَيْسَ لِلْآخِذِ أَخْذُهُ وَمَنِ اشْتَرَطَ الْحِرْزَ وَهُمُ الْجُمْهُورُ زَادَ فِيهِ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ قَالَ بن بَطَّالٍ الْحِرْزُ مُسْتَفَادٌ مِنْ مَعْنَى السَّرِقَةِ يَعْنِي فِي اللُّغَةِ وَيُقَالُ لِسَارِقِ الْإِبِلِ الْخَارِبُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَلِلسَّارِقِ فِي الْمِكْيَالِ مُطَفِّفٌ وَلِلسَّارِقِ فِي الْمِيزَان مخسر فِي أَشْيَاء أُخْرَى ذكرهَا بن خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ لَيْسَ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ صَانَ اللَّهُ الْأَمْوَالَ بِإِيجَابِ قَطْعِ سَارِقِهَا وَخَصَّ السَّرِقَةَ لِقِلَّةِ مَا عَدَاهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا مِنَ الِانْتِهَابِ وَالْغَصْبِ وَلِسُهُولَةِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا عَدَا السَّرِقَةَ بِخِلَافِهَا وَشَدَّدَ الْعُقُوبَةَ فِيهَا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ وَلَمْ يَجْعَلْ دِيَةَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا يُقْطَعُ فِيهِ حِمَايَةً لِلْيَدِ ثُمَّ لَمَّا خَانَتْ هَانَتْ وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الشُّبْهَةِ الَّتِي نُسِبَتْ إِلَى أَبِي الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيِّ فِي قَوْلِهِ يَد بِخمْس مئين عسجد وديت مَا بالها قطعت فِي ربع دِينَار فَأَجَابَهُ القَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ صِيَانَةُ الْعُضْوِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصُهَا صِيَانَةُ الْمَالِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنَّ الدِّيَةَ لَوْ كَانَتْ رُبْعَ دِينَارٍ لَكَثُرَتِ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَيْدِي وَلَوْ كَانَ نِصَابُ الْقَطْعِ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ لَكَثُرَتِ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَمْوَالِ فَظَهَرَتِ الْحِكْمَةُ فِي الْجَانِبَيْنِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ صِيَانَةٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ وَقَدْ عَسُرَ فَهْمُ الْمَعْنَى الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَبَيْنَ النَّهْبِ وَنَحْوِهِ عَلَى بَعْضِ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ فَقَالَ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ دُونَ الْغَصْبِ وَغَيْرِهِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْغَصْبَ أَكْثَرُ هَتْكًا لِلْحُرْمَةِ مِنَ السَّرِقَةِ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ فِي الْأَعْلَى فَلَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الْمُسَاوِي وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَدِلَّةَ عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُتَكَلَّفَ لِإِيرَادِهَا وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَقَطَعَ عَلِيٌّ مِنَ الْكَفِّ أَشَارَ بِهَذَا الْأَثَرِ إِلَى الِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حَقِيقَةِ الْيَدِ فَقِيلَ أَوَّلُهَا مِنَ الْمَنْكِبِ وَقِيلَ مِنَ الْمِرْفَقِ وَقِيلَ مِنَ الْكُوعِ وَقِيلَ مِنْ أُصُولِ الْأَصَابِعِ فَحُجَّةُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ الْأَيْدِيَ عَلَى ذَلِكَ وَمِنَ الثَّانِي آيَةُ الْوُضُوءِ فَفِيهَا وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَمِنَ الثَّالِثِ آيَةُ التَّيَمُّمِ فَفِي الْقُرْآنِ فَامْسَحُوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ وَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَسَحَ عَلَى كَفَّيْهِ فَقَطْ وَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْأَوَّلِ بَعْضُ الْخَوَارِجِ وَنُقِلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَاسْتَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَالثَّانِي لَا نَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِهِ فِي السَّرِقَةِ وَالثَّالِثُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَالرَّابِعُ نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَقْطُوعَ الْيَدِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا بَلْ مَقْطُوعُ الْأَصَابِعِ وَبِحَسَبِ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَقَعَ الْخُلْفُ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ فَقَالَ بِالْأَوَّلِ الْخَوَارِجُ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِ قَوْلهم وألزم بن حَزْمٍ الْحَنَفِيَّةَ بِأَنْ يَقُولُوا بِالْقَطْعِ مِنَ الْمَرْفِقِ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ وَكَذَا التَّيَمُّمُ عِنْدَهُمْ قَالَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ قَدْرَ الْمَهْرِ عَلَى نِصَابِ السَّرِقَةِ وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ قَوْلًا شَاذًّا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ الْأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لِأَنَّ الْيَدَ قَبْلَ السَّرِقَةِ كَانَتْ مُحْتَرَمَةً فَلَمَّا جَاءَ النَّصُّ بِقَطْعِ الْيَدِ وَكَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي وَجَبَ أَنْ لَا يُتْرَكَ الْمُتَيَقَّنُ وَهُوَ تَحْرِيمُهَا إِلَّا بِمُتَيَقَّنٍ وَهُوَ الْقَطْعُ مِنَ الْكَفِّ.

.
وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْعَلِيٍّ فَوَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُجَيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ عَلِيًّا قَطَعَ مِنَ الْمَفْصِلِ وَأَخْرَجَ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ مِنَ الْمَفْصِلِ وَأَوْرَدَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ حَدِّ السَّرِقَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ رَجَاءٍ عَنْ عَدِيٍّ رَفَعَهُ مِثْلَهُ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ يَقْطَعُ مِنَ الْمَفْصِلِ وَعَلِيٌّ يقطع من مشط الْقدَم وَأخرج بن أبي شيبَة من طَرِيق بن أَبِي حَيْوَةَ أَنَّ عَلِيًّا قَطَعَهُ مِنَ الْمَفْصِلِ وَجَاءَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَطَعَ الْيَدَ مِنَ الْأَصَابِعِ وَالرِّجْلَ مِنْ مُشْطِ الْقَدَمِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَإِنْ كَانَ رِجَالُ السَّنَدِ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْطَعُ الرِّجْلَ مِنَ الْكَعْبِ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وبن مَسْعُودٍ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْطَعُ مِنْ يَدِ السَّارِق الْخِنْصر والبنصر وَالْوُسْطَى خَاصَّة وَيَقُول استحي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَتْرُكَهُ بِلَا عَمَلٍ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَ الْإِبْهَامُ وَالسَّبَّابَةُ وَقَطَعَ الْكَفَّ وَالْأَصَابِعَ الثَّلَاثَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَ الْكَفُّ أَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ قَطَعَ مِنَ الْكَفِّ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِ مِنْ بِلَفْظِ وَقَطَعَ عَلِيٌّ الْكَفَّ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  قَتَادَةُ فِي امْرَأَةٍ سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ شِمَالُهَا لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ وَصَلَهُ أَحْمَدُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ عَنْهُ هَكَذَا قَرَأْتُ بِخَطِّ مُغَلْطَايْ فِي شَرْحِهِ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فَذَكَرَ مِثْلَ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَكَانَ سَاقَ بِسَنَدِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَارِقٍ قُدِّمَ لِيُقْطَعَ فَقَدَّمَ شِمَالَهُ فَقُطِعَتْ فَقَالَ لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِهِ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ يُقْطَعُ مِنَ السَّارِقِ الْيَدُ الْيُمْنَى وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُور وَقد قَرَأَ بن مَسْعُودٍ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَأَخْرَجَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ هِيَ قِرَاءَتُنَا يَعْنِي أَصْحَاب بن مَسْعُودٍ وَنَقَلَ فِيهِ عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ وَتُعُقِّبَ نَعَمْ قَدْ شَذَّ مَنْ قَالَ إِذَا قُطِعَ الشِّمَالُ أَجْزَأَتْ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ عَنْ قَتَادَةَ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ إِنْ كَانَ عَمْدًا وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِ وَوَجَبَ قَطْعُ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَجَبَتِ الدِّيَةُ وَيُجْزِئُ عَنِ السَّارِقِ وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَوْلَانِ فِي السَّارِقِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَنْ سَرَقَ فَقُطِعَ ثُمَّ سَرَقَ ثَانِيًا فَقَالَ الْجُمْهُورُ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَالْيَدُ الْيُسْرَى ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَالرِّجْلُ الْيُمْنَى وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِآيَةِ الْمُحَارَبَةِ وَبِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَبِأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنَ الْآيَةِ أَنَّهَا فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا عَادَ السَّارِقُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ ثَانِيًا إِلَى أَنْ لَا يَبْقَى لَهُ مَا يُقْطَعُ ثُمَّ إِنْ سَرَقَ عُزِّرَ وَسُجِنَ وَقِيلَ يُقْتَلُ فِي الْخَامِسَةِ قَالَهُ أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ صَاحِبُ مَالِكٍ وَحُجَّتُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ جِيءَ بِسَارِقٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اقْتُلُوهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا سَرَقَ قَالَ اقْطَعُوهُ ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثَّانِيَةَ فَقَالَ اقْتُلُوهُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَى أَنْ قَالَ فَأُتِيَ بِهِ الْخَامِسَةَ فَقَالَ اقْتُلُوهُ قَالَ جَابِرٌ فَانْطَلَقْنَا بِهِ فَقَتَلْنَاهُ وَرَمَيْنَاهُ فِي بِئْرٍ قَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَمُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ رَاوِيهِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَالشَّافِعِيِّ إِنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ هُوَ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ الْمَذْكُورِ فَكَأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبُ الْقَتْلِ وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ.

.

قُلْتُ وَلِلْحَدِيثِ شَاهد من حَدِيث الْحَارِث بن حَاطِبٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلِصٍّ فَقَالَ اقْتُلُوهُ فَقَالُوا إِنَّمَا سَرَقَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي قَطْعِ أَطْرَافِهِ الْأَرْبَعِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ سَرَقَ الْخَامِسَةَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ بِهَذَا حِينَ قَالَ اقْتُلُوهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَتَلُوهُ قَالَالنَّسَائِيُّ لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا صَحِيحًا.

.

قُلْتُ نَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ جَزَمَ الْبَاجِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ لَا يُقْتَلُ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ بِهِ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُصْعَبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ وَمَنْ سَرَقَ مِمَّنْ بَلَغَ الْحُلَمَ قُطِعَ يَمِينُهُ ثُمَّ إِنْ عَادَ فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ إِنْ عَادَ فَيَدُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ إِنْ عَادَ فَرِجْلُهُ الْيُمْنَى فَإِنْ سَرَقَ فِي الْخَامِسَةِ قُتِلَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْتَهَى وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِقَطْعِ الْيَدِ بَعْدَ الْيَدِ ثُمَّ الرِّجْلِ بَعْدَ الرِّجْلِ نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَا يَصِحُّ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ فِي الثَّالِثَةِ وَمِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ إِنَّمَا قَطَعَ رِجْلَهُ وَكَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ وَرِجَالُ السَّنَدَيْنِ ثِقَاتٌ مَعَ انْقِطَاعِهِمَا وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ تُقْطَعُ الرِّجْلُ الْيُسْرَى بَعْدَ الْيُمْنَى ثُمَّ لَا قَطْعٌ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى أَنَّ عَلِيًّا نَحْوُهُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ انْقِطَاعِهِ وَبِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كَانُوا يَقُولُونَ لَا يتْرك بن آدَمَ مِثْلَ الْبَهِيمَةِ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا وَبِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ اضْرِبْهُ وَاحْبِسْهُ فَفَعَلَ وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ قَالَهُ عَطَاءٌ لَا يُقْطَعُ شَيْءٌ مِنَ الرِّجْلَيْنِ أَصْلًا عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثُ الْقَتْلِ فِي الْخَامِسَةِ مُنْكَرٌ وَقَدْ ثَبَتَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ وَثَبَتَ السَّرِقَةُ فَاحِشَةٌ وَفِيهَا عُقُوبَةٌ وَثَبَتَ عَنِ الصَّحَابَةِ قَطْعُ الرِّجْلِ بَعْدَ الْيَد وهم يقرؤون وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى الْجَزَاءِ فِي الصَّيْدِ وَإِنْ قتل خطأ وهم يقرؤون وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قتل من النعم ويمسحون على الْخُفَّيْنِ وهم يقرؤون غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ وَإِنَّمَا قَالُوا جَمِيعَ ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي البَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ كَرَاهِيَةِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ إِذَا رُفِعَ إِلَى السُّلْطَانِ)
كَذَا قَيَّدَ مَا أَطْلَقَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ

[ قــ :6435 ... غــ :6788] أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَلَيْسَ الْقَيْدُ صَرِيحًا فِيهِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ صَرِيحًا وَهُوَ فِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُسَامَةَ لَمَّا شَفَعَ فِيهَا لَا تَشْفَعْ فِي حَدٍّ فَإِنَّ الْحُدُودَ إِذَا انْتَهَتْ إِلَيَّ فَلَيْسَ لَهَا مَتْرَكٌ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ تَعَافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ تَرْجَمَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ الْعَفْوُ عَنِ الْحَدِّ مَا لَمْ يَبْلُغِ السُّلْطَانَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَسَنَدُهُ إِلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَأَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا بن عُمَرَ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أمره وَأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَصَحَّ مِنْهُ عَن بن عُمَرَ مَوْقُوفًا وَلِلْمَرْفُوعِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ.

     وَقَالَ  فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي مُلْكِهِ وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُحَيَّاةِ عَنْ أَبِي مَطَرٍ رَأَيْتُ عَلِيًّا أُتِيَ بِسَارِقٍ فَذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا عَفَوْتَ قَالَ ذَلِكَ سُلْطَانُ سُوءٍ الَّذِي يَعْفُو عَنِ الْحُدُودِ بَيْنَكُمْ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَقِيَ الزُّبَيْرُ سَارِقًا فَشَفَعَ فِيهِ فَقِيلَ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْإِمَامَ فَقَالَ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ وَأَخْرَجَ الْمُوَطَّأُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ نَحْوَهُ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ مَعَ وَقْفِهِ وَهُوَ عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ الزُّبَيْرِ مَوْقُوفًا وَبِسَنَدٍ آخَرَ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ كَذَلِك وَبِسَنَد صَحِيح عَن عِكْرِمَة ان بن عَبَّاسٍ وَعَمَّارًا وَالزُّبَيْرَ أَخَذُوا سَارِقًا فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ بِئْسَمَا صَنَعْتُمْ حِينَ خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ فَقَالَ لَا أُمَّ لَكَ أَمَا لَوْ كُنْتَ أَنْتَ لَسَرَّكَ أَنْ يُخَلَّى سَبِيلُكَ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا بِلَفْظِ اشْفَعُوا مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْوَالِي فَإِذَا وَصَلَ الْوَالِيَ فَعَفَا فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَالْمَوْقُوفُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفِي الْبَابِ غَيْرُ ذَلِكَ حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ فِي قِصَّةِ الَّذِي سُرِقَ رِدَاؤُهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ لَا يَقْطَعَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَل لَا قبل أَن تَأتِينِي بِهِ وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ الَّذِي سَرَقَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِهِ فَرَأَوْا مِنْهُ أَسَفًا عَلَيْهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ كَرِهْتَ قَطْعَهُ فَقَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي لَا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إِذَا أُنْهِيَ إِلَيْهِ حَدٌّ أَنْ يُقِيمَهُ وَاللَّهُ عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ مَرْفُوعَةٌ وَأُخْرِجَ مَوْقُوفًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَحَدِيثُ عَائِشَة مَرْفُوعا أَقبلُوا ذَوي الهيآت زَلَّاتِهِمْ إِلَّا فِي الْحُدُودِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ فِيمَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ وَقد نقل بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الِاتِّفَاقَ وَيَدْخُلُ فِيهِ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي نَدْبِ السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا لَمْ يَبْلُغِ الْإِمَامَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَائِشَةَ كَذَا قَالَ الْحُفَّاظُ من أَصْحَاب بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَشَذَّ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ الماصر بِكَسْر الْمُهْملَة فَقَالَ بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ سَوَاءً أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ وَالطَّبَرَانِيُّ.

     وَقَالَ  تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الصَّوَابُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ قُرَيْشًا أَيِ الْقَبِيلَةَ الْمَشْهُورَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِقُرَيْشٍ الَّذِي انْتَسَبُوا إِلَيْهِ فِي الْمَنَاقِبِ وَأَنَّ الْأَكْثَرَ أَنَّهُ فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا مَنْ أَدْرَكَ الْقِصَّةَ الَّتِي تُذْكَرُ بِمَكَّةَ .

     قَوْلُهُ  أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ أَيْ أَجَلَبَتْ إِلَيْهِمْ هَمًّا أَوْ صَيَّرَتْهُمْ ذَوِي هَمٍّ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْهَا يُقَالُ أَهَمَّنِي الْأَمْرُ أَيْ أَقْلَقَنِي وَمَضَى فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ بِهَذَا السَّنَدِ أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ أَيْ أَمْرُهَا الْمُتَعَلِّقُ بِالسَّرِقَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْآتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا لَمَّا سَرَقَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْعُودٌ الْمَذْكُورُ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ رَهْطِ عُمَرَ وَسَبَبُ إِعْظَامِهِمْ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا لِعِلْمِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُرَخِّصُ فِي الْحُدُودِ وَكَانَ قَطْعُ السَّارِقِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِقَطْعِ السَّارِقِ فَاسْتَمَرَّ الْحَالُ فِيهِ وَقَدْ عَقَدَ بن الْكَلْبِيِّ بَابًا لِمَنْ قُطِعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ فَذَكَرَ قِصَّةَ الَّذِينَ سَرَقُوا غَزَالَ الْكَعْبَةِ فَقُطِعُوا فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ مَنْ قُطِعَ فِي السَّرِقَةِ عَوْفَ بْنَ عَبْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ وَمِقْيَسَ بْنَ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ وَغَيْرَهُمَا وَأَنَّ عَوْفًا السَّابِقُ لِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  الْمَخْزُومِيَّةُ نِسْبَةٌ إِلَى مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْقَافِ بَعْدَهَا ظَاءٌ مُعْجمَة مشالة بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَمَخْزُومٌ أَخُو كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ الَّذِي عِنْدَ النَّسَائِيِّ سَرَقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَاسْمُ الْمَرْأَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ وَهِيَ بِنْتُ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ الَّذِي كَانَ زَوْجَ أُمِّ سَلَمَةَ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ أَبُوهَا كَافِرًا يَوْمَ بَدْرٍ قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً وَقِيلَ هِيَ أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَهِيَ بِنْتُ عَمِّ الْمَذْكُورَة أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي بِشْرُ بْنُ تَيْمٍ أَنَّهَا أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَهَذَا مُعْضِلٌ وَوَقَعَ مَعَ ذَلِكَ فِي سِيَاقِهِ أَنَّهُ قَالَهُ عَنْ ظَنٍّ وَحُسْبَانٍ وَهُوَ غَلَطٌ مِمَّنْ قَالَهُ لِأَنَّ قِصَّتَهَا مُغَايِرَةٌ لِلْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا سأوضحه قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ هِيَ الَّتِي قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهَا لِأَنَّهَا سَرَقَتْ حُلِيًّا فَكَلَّمَتْ قُرَيْشٌ أُسَامَةَ فَشَفَعَ فِيهَا وَهُوَ غُلَامٌ الْحَدِيثَ.

.

قُلْتُ وَقَدْ سَاقَ ذَلِكَ بن سَعْدٍ فِي تَرْجَمَتِهَا فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْأَجْلَحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ رَفَعَهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ سَرَقَتْ حُلِيًّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشْفَعُوا الْحَدِيثَ وَأَوْرَدَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْمِصْرِيُّ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ سَرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي أَسَدٍ بِنْتُ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ فَأَشْفَقَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَقْطَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَالطَّرِيقُ الْأُولَى أَقْوَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ بِنْتُ الْأَسْوَدِ وَبِنْتُ أَبِي الْأَسْوَدِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ كُنْيَةُ الْأَسْوَدِ أَبَا الْأسود وَأما قصَّة أم عَمْرو فَذكرهَا بن سعد أَيْضا وبن الْكَلْبِيِّ فِي الْمَثَالِبِ وَتَبِعَهُ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ فَذَكَرُوا أَنَّهَا خَرَجَتْ لَيْلًا فَوَقَعَتْ بِرَكْبٍ نُزُولٍ فَأَخَذَتْ عَيْبَةً لَهُمْ فَأَخَذَهَا الْقَوْمُ فَأَوْثَقُوهَا فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَوْا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَاذَتْ بِحَقْوَيْ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ شِعْرًا قَالَهُ خُنَيْسُ بْنُ يَعْلَى بن أُميَّة وَفِي رِوَايَة بن سَعْدٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ وَفِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ أَنَّ قِصَّةَ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْأَسْوَدِ كَانَتْ عَامَ الْفَتْحِ فَظَهَرَ تَغَايُرُ الْقِصَّتَيْنِ وَأَنَّ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ من سنتَيْن وَيظْهر من ذَلِكَ خَطَأُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهَا أُمُّ عَمْرٍو كَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَمَنْ رَدَّدَهَا بَيْنَ فَاطِمَةَ وَأم عَمْرو كَابْن طَاهِر وبن بَشْكُوَالَ وَمَنْ تَبِعَهُمَا فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَقَدْ تَقَلَّدَ بن حَزْمٍ مَا قَالَهُ بِشْرُ بْنُ تَيْمٍ لَكِنَّهُ جَعَلَ قِصَّةَ أُمِّ عَمْرٍو بِنْتِ سُفْيَانَ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَقِصَّةَ فَاطِمَةَ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ غَلَطٌ أَيْضًا لِوُقُوعِ التَّصْرِيحِ فِي قِصَّةِ أُمِّ عَمْرٍو بِأَنَّهَا سَرَقَتْ .

     قَوْلُهُ  الَّتِي سَرَقَتْ زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَوَقَعَ بَيَانُ الْمَسْرُوقِ فِي حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ أبي الْأسود الْمَعْرُوف بِابْن العجماء فَأخْرج بن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ لَمَّا سَرَقَتِ الْمَرْأَةُ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُكَلِّمُهُ وَسَنَدُهُ حسن وَقد صرح فِيهِ بن إِسْحَاقَ بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَكَذَا عَلَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ فَقَالَ رَوَى مَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ هُنَا وَفِي الْبَابِ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْعَجْمَاءِ وَقَدْ أخرجه أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب السّرقَة مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ فَقَالَ عَنْ خَالَتِهِ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ الْعَجْمَاءِ عَنْ أَبِيهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ سَمِعَهُ مِنْ أُمِّهِ وَمِنْ خَالَتِهِ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ أَنَّهَا سَرَقَتْ حُلِيًّا وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْحُلِيَّ كَانَ فِي الْقَطِيفَةِ فَالَّذِي ذَكَرَ الْقَطِيفَةَ أَرَادَ بِمَا فِيهَا وَالَّذِي ذَكَرَ الْحُلِيَّ ذَكَرَ الْمَظْرُوفَ دُونَ الظَّرْفِ ثُمَّ رُجِّحَ عِنْدِي أَنَّ ذِكْرَ الْحُلِيِّ فِي قِصَّةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَهْمٌ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ الْحَسَنَ أَخْبَرَهُ قَالَ سَرَقَتِ امْرَأَةٌ قَالَ عَمْرٌو وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ ثِيَابِ الْكَعْبَةِ الْحَدِيثَ وَسَنَدُهُ إِلَى الْحَسَنِ صَحِيحٌ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ اسْتَعَارَتِ امْرَأَةٌ عَلَى أَلْسِنَةِ نَاسٍ يُعْرَفُونَ وَهِيَ لَا تُعْرَفُ حُلِيًّا فَبَاعَتْهُ وَأَخَذَتْ ثَمَنَهُ الْحَدِيثَ وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ امْرَأَةً فَقَالَتْ إِنَّ فُلَانَةَ تَسْتَعِيرُكِ حُلِيًّا فَأَعَارَتْهَا إِيَّاهُ فَمَكَثَتْ لَا تَرَاهُ فَجَاءَتْ إِلَى الَّتِي اسْتَعَارَتْ لَهَا فَسَأَلَتْهَا فَقَالَتْ مَا اسْتَعَرْتُكِ شَيْئًا فَرَجَعَتْ إِلَى الْأُخْرَى فَأَنْكَرَتْ فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا اسْتَعَرْتُ مِنْهَا شَيْئًا فَقَالَ اذْهَبُوا إِلَى بَيْتِهَا تَجِدُوهُ تَحْتَ فِرَاشِهَا فَأَتَوْهُ فَأَخَذُوهُ وَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ الْحَدِيثَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ سَرَقَتِ الْقَطِيفَةَ وَجَحَدَتِ الْحُلِيَّ وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا فِي جَحْدِ الْحُلِيِّ فِي رِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ سَرَقَتْ مَجَازًا قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ اخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فَقَالَ اللَّيْثُ وَيُونُسُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ سَرَقَتْ.

     وَقَالَ  مَعْمَرٌ وَشُعَيْبٌ إِنَّهَا اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ قَالَ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ سَنَدًا وَمَتْنًا فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ عَلِيِّ بن الْمَدِينِيّ عَن بن عُيَيْنَةَ قَالَ ذَهَبْتُ أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ فَصَاحَ عَلَيَّ فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ فَلَمْ يَحْفَظْهُ عَنْ أَحَدٍ قَالَ وَجَدْتُ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ.

     وَقَالَ  فِيهِ إِنَّهَا سَرَقَتْ وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَن بن عُيَيْنَةَ إِنَّهَا سَرَقَتْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ وَعَنْ رِزْقِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَهُ فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا وَمِثْلُهُ لِأَبِي يَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ كَذَلِكَ لَكِنْ فِي آخِرِهِ قَالَ سُفْيَانُ لَا أَدْرِي مَا هُوَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ كَانَتْ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ قِيلَ لِسُفْيَانَ مَنْ ذَكَرَهُ قَالَ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ بن أبي زَائِدَة عَن بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ.

     وَقَالَ  فِيهِ سرقت قَالَ شَيخنَا وبن عُيَيْنَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَلَا مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ إِنَّمَا وَجَدَهُ فِي كِتَابِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَلَمْ يُصَرِّحْ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَلِهَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ لَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ كَمَا تَقَدَّمَ وَجزم جمَاعَة بِأَن معمرا تَفَرَّدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِقَوْلِهِ اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَابَعَهُ شُعَيْبٌ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَيُونُسَ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ عَنْهُ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ لِلَّيْثِ عَنْ يُونُسَ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَكَذَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ شَبِيبَ بْنَ سَعِيدٍ رَوَاهُ عَن يُونُس وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بن أخي الزُّهْرِيّ عَن الزُّهْرِيّ أخرجه بن أَيْمَنَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ وَأَخْرَجَ أَصْلَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالَّذِي اتَّضَحَ لِي أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ مَحْفُوظَانِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ تَارَةً بِهَذَا وَتَارَةً بِهَذَا فَحَدَّثَ يُونُسُ عَنْهُ بِالْحَدِيثَيْنِ وَاقْتَصَرَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ غَيْرِ يُونُسَ عَلَى أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ اسْتَعَارَتْ حُلِيًّا وَقَدِ اخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَحْمَدُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ وَانْتَصَرَ لَهُ بن حَزْمٍ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى سَرَقَتْ أَرْجَحُ وَبِالْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ فَأَمَّا التَّرْجِيحُ فَنَقَلَ النَّوَوِيُّ أَنَّ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِجَمَاهِيرِ الرُّوَاةِ قَالَ وَالشَّاذَّةُ لَا يُعْمَلُ بِهَا.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ فِي الْحَاشِيَةِ وَتَبِعَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قِيلَ إِنَّ مَعْمَرًا انْفَرَدَ بِهَا.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ رِوَايَةُ أَنَّهَا سرقت أَكثر وَأشهر من رِوَايَة الْجَعْد فَقَدِ انْفَرَدَ بِهَا مَعْمَرٌ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَا يُقْتَدَى بِحِفْظِهِ كَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَنَمَطِهِ هَذَا قَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ.

.

قُلْتُ سَبَقَهُ لِبَعْضِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَمْ يقف على رِوَايَة شُعَيْبٌ وَيُونُسُ بِمُوَافَقَةِ مَعْمَرٍ إِذْ لَوْ وَقَفَ عَلَيْهَا لَمْ يَجْزِمْ بِتَفَرُّدِ مَعْمَرٍ وَأَنَّ مَنْ وَافَقَهُ كَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَنَمَطِهِ وَلَا زَادَ الْقُرْطُبِيُّ نِسْبَةَ ذَلِكَ لِلْمُحَدِّثِينَ إِذْ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ قَرَنَ شُعَيْبَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ وَأَيُّوبَ بْنَ مُوسَى بِابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ شُعَيْبًا وَيُونُسَ أَرْفَعُ دَرَجَةً فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ من بن أَخِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ عَنِ الزُّهْرِيِّ تَرْجِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ عَنْهُ إِلَّا لِكَوْنِ رِوَايَةِ سَرَقَتْ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا وَرِوَايَةِ جَحَدَتْ انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ وَهَذَا لَا يَدْفَعُ تَقْدِيمَ الْجَمْعِ إِذَا أَمْكَنَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ عَكْسُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ فَقَالَ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَعْمَرٍ وَلَا عَلَى شُعَيْبٍ وَهُمَا فِي غَايَةِ الْجَلَالَةِ فِي الزُّهْرِيّ وَقد وافقهما بن أَخِي الزُّهْرِيِّ.

.
وَأَمَّا اللَّيْثُ وَيُونُسُ وَإِنْ كَانَا فِي الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ فَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمَا فِيهِ.

.
وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ فَدُونَ مَعْمَرٍ وَشُعَيْبٍ فِي الْحِفْظِ.

.

قُلْتُ وَكَذَا اخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى كَمَا تَقَدَّمَ وَعَلَى هَذَا فَيَتَعَادَلُ الطَّرِيقَانِ وَيَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِطْرَاحِ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا تقدم عَن بن حَزْمٍ وَغَيْرِهِ هُمَا قِصَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ لِامْرَأَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُمُ اسْتَشْفَعُوا بِأُسَامَةَ وَأَنَّهُ شَفَعَ وَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَا تَشْفَعْ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَيَبْعُدُ أَنَّ أُسَامَةَ يَسْمَعُ النَّهْيَ الْمُؤَكَّدَ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى وَلَا سِيَّمَا إِنِ اتَّحَدَ زَمَنُ الْقِصَّتَيْنِ وَأَجَابَ بن حَزْمٍ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْسَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الزَّجْرُ عَنِ الشَّفَاعَةِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ تَقَدَّمَ فَظَنَّ أَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ جَائِزٌ وَأَنْ لَا حَدَّ فِيهِ فَشَفَعَ فَأُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ الْحَدَّ أَيْضًا وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ الِاحْتِمَالَيْنِ وَحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقِصَّةَ لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ وَسَرَقَتْ فَقُطِعَتْ لِلسَّرِقَةِ لَا لِلْعَارِيَةِ قَالَ وَبِذَلِكَ نَقُولُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ وَأَشَارَ إِلَى مَا حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الْعَارِيَةُ وَالْجَحْدُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَعْرِيفًا لَهَا بِخَاصِّ صِفَتِهَا إِذْ كَانَتْ تُكْثِرُ ذَلِكَ كَمَا عُرِفَتْ بِأَنَّهَا مَخْزُومِيَّةٌ وَكَأَنَّهَا لَمَّا كَثُرَ مِنْهَا ذَلِكَ تَرَقَّتْ إِلَى السَّرِقَةِ وَتَجَرَّأَتْ عَلَيْهَا وَتَلَقَّفَ هَذَا الْجَوَابَ مِنَ الْخَطَّابِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ تُحْمَلُ رِوَايَةُ مَنْ ذكر جحد الْجَارِيَة عَلَى تَعْرِيفِهَا بِذَلِكَ وَالْقَطْعَ عَلَى السَّرِقَةِ.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيُّ نَحْوَهُ وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يَتَرَجَّحُ أَنَّ يَدَهَا قُطِعَتْ عَلَى السَّرِقَةِ لَا لِأَجْلِ جَحْدِ الْعَارِيَةِ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذُكِرَتْ فِيهِ الْعَارِيَةُ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ سَرَقَتْ فَإِنَّ فِيهِ دَلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ قُطِعَتْ فِي السَّرِقَةِ إِذْ لَوْ كَانَ قَطْعُهَا لِأَجْلِ الْجَحْدِ لَكَانَ ذِكْرُ السَّرِقَةِ لَاغِيًا وَلَقَالَ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ جَحَدَتِ الْعَارِيَةَ.

.

قُلْتُ وَهَذَا قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا ثَانِيهَا لَوْ كَانَتْ قُطِعَتْ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَوَجَبَ قَطْعُ كُلِّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا إِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْعَارِيَةِ ثَالِثُهَا أَنَّهُ عَارَضَ ذَلِكَ حَدِيثُ لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ قَطْعٌ وَهُوَ حَدِيثٌ قَوِيٌّ.

.

قُلْتُ أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ وَصرح بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ وَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَقَدْ صَرَّحَ أَبُو دَاوُد بِأَن بن جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ وَبَلغنِي عَن أَحْمد أَنما سَمعه بن جريج من ياسين الزيات وَنقل بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لم يسمع بن جُرَيْجٍ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.

     وَقَالَ  النَّسَائِيُّ رَوَاهُ الْحفاظ من أَصْحَاب بن جُرَيْجٍ عَنْهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَخْبَرَنِي وَلَا أَحْسَبُهُ سَمِعَهُ.

.

قُلْتُ لَكِنْ وُجِدَ لَهُ مُتَابِعٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ لَكِنْ أَبُو الزُّبَيْرِ مُدَلِّسٌ أَيْضًا وَقَدْ عَنْعَنَهُ عَنْ جَابر لَكِن أخرجه بن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ بِمُتَابَعَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ فَقَوِيَ الْحَدِيثُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَل بِهِ إِلَّا من شدّ فَنقل بن الْمُنْذِرِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ الْمُخْتَلِسُ يُقْطَعُ كَأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِالسَّارِقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْأَخْذِ خُفْيَةً وَلَكِنَّهُ خِلَافُ مَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْخَبَرِ وَإِلَّا مَا ذَكَرَ مَنْ قَطَعَ جَاحِدَ الْعَارِيَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا قَطْعَ عَلَى الْخَائِنِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا عَلَى الْمُنْتَهِبِ إِلَّا إِنْ كَانَ قَاطِعَ طَرِيقٍ وَاللَّهُ أعلم وعارضه غَيره مِمَّن خَالف فَقَالَ بن الْقَيِّمِ الْحَنْبَلِيُّ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَبَيْنَ السَّرِقَةِ فَإِنَّ الْجَحْدَ دَاخِلٌ فِي اسْمِ السَّرِقَةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا سُرِقَتْ أَطْلَقُوا عَلَى الْجَحْدِ سَرِقَةً كَذَا قَالَ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ قَالَ وَالَّذِي أَجَابَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتِّبَ عَلَى الْوَصْفِ مَعْمُولٌ بِهِ وَيُقَوِّيهِ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَتَرْتِيبَهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْقَطْعُ عَلَى السَّرِقَةِ وَفِي الْأُخْرَى عَلَى الْجَحْدِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ وَتَرْتِيبُ الحكم على الْوَصْف يشْعر بالعلية فَكل من الرِّوَايَتَيْنِ دَال عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْقَطْعِ كُلٌّ مِنَ السَّرِقَةِ وَجَحْدِ الْعَارِيَةِ عَلَى انْفِرَادِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ سِيَاق حَدِيث بن عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِلسَّرِقَةِ وَلَا لِلشَّفَاعَةِ مِنْ أُسَامَةَ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا قُطِعَتْ فِي ذَلِكَ وَأَبْسَطُ مَا وَجَدْتُ مِنْ طُرُقِهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْحُلِيَّ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعَارَتْ مِنْ ذَلِكَ حُلِيًّا فَجَمَعَتْهُ ثُمَّ أَمْسَكَتْهُ فَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِتَتُبِ امْرَأَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتُؤَدِّ مَا عِنْدَهَا مِرَارًا فَلَمْ تَفْعَلْ فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ اسْتَعَارَتْ حُلِيًّا عَلَى لِسَانِ أُنَاسٍ فَجَحَدَتْ فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَيْضًا إِلَى سَعِيدٍ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ فِي بَيْتٍ عَظِيمٍ مِنْ بُيُوتِ قُرَيْشٍ قَدْ أَتَتْ أُنَاسًا فَقَالَتْ إِنَّ آلَ فُلَانٍ يَسْتَعِيرُونَكُمْ كَذَا فَأَعَارُوهَا ثُمَّ أَتَوْا أُولَئِكَ فَأَنْكَرُوا ثُمَّ أَنْكَرَتْ هِيَ فَقَطَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ صَنِيعُ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ حَيْثُ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ اللَّيْثِ ثُمَّ قَالَ وَفِي لَفْظٍ فَذِكْرُ لَفْظِ مَعْمَرٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ وَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ كَانَتْ سَارِقَةً أَوْ جَاحِدَةً يَعْنِي لِأَنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِاللَّفْظِ الَّذِي أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ثُمَّ قَالَ وَفِي لَفْظٍ كَانَتِ امْرَأَةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا وَهَذِهِ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ فِي مُسْلِمٍ فَقَطْ قَالَ وَعَلَى هَذَا فَالْحُجَّةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي قَطْعِ الْمُسْتَعِيرِ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُبَتُّ الْحُكْمُ فِيهِ بِتَرْجِيحِ مَنْ رَوَى أَنَّهَا جَاحِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَعْنِي وَكَذَا عَكْسُهُ فَيَصِحُّ أَنَّهَا قُطِعَتْ بِسَبَبِ الْأَمْرَيْنِ وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْقَطْعِ فِي الْجَحْدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.

.

قُلْتُ وَهَذِهِ أَقْوَى الطُّرُقِ فِي نَظَرِي وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِامْرَأَتَيْنِ فَقُطِعَتَا فِي أَوَائِلِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَالْإِلْزَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْقَطْعُ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَلَزِمَ الْقَطْعُ فِي جَحْدِ غَيْرِ الْعَارِيَةِ قَوِيٌّ أَيْضًا فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِالْقَطْعِ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَا يَقُولُ بِهِ فِي جَحْدِ غَيْرِ الْعَارِيَةِ فَيُقَاسُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْقَطْعِ فِي الْجَحْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأجَاب بن الْقَيِّمِ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَجَحْدِ غَيْرِهَا أَنَّ السَّارِقَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ جَاحِدُ الْعَارِيَةِ بِخِلَافِ الْمُخْتَلِسِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَالْمُنْتَهِبِ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ بَيْنَ النَّاسِ إِلَى الْعَارِيَةِ فَلَوْ عَلِمَ الْمُعِيرُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إِذَا جَحَدَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَجَرَّ ذَلِكَ إِلَى سَدِّ بَابِ الْعَارِيَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ حِكْمَةُ الشَّرِيعَةِ بِخِلَافِ مَا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْطَعُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَدْعَى إِلَى اسْتِمْرَارِ الْعَارِيَةِ وَهِيَ مُنَاسَبَةٌ لَا تَقُومُ بِمُجَرَّدِهَا حُجَّةٌ إِذَا ثَبَتَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي أَنْ لَا قَطْعَ عَلَى خائن وَقَدْ فَرَّ مِنْ هَذَا بَعْضُ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فَخَصَّ الْقَطْعَ بِمَنِ اسْتَعَارَ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ مُخَادِعًا لِلْمُسْتَعَارِ مِنْهُ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِي الْعَارِيَةِ وَأَنْكَرَهَا لَمَّا طُولِبَ بِهَا فَإِنَّ هَذَا لَا يُقْطَعُ بِمُجَرَّدِ الْخِيَانَةِ بَلْ لِمُشَارَكَتِهِ السَّارِقَ فِي أَخْذِ الْمَالِ خُفْيَةً تَنْبِيهٌ قَوْلُ سُفْيَانَ الْمُتَقَدِّمُ ذَهَبْتُ أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَصَاحَ عَلَيَّ مِمَّا يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ وَعَنْ سَبَبِهِ وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ سُفْيَانَ فَرَأَيْنَا فِي كِتَابِ الْمُحَدِّثِ الْفَاضِلِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ.

.

قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كَمْ سَمِعْتَ مِنَ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَمَّا مَعَ النَّاسِ فَمَا أُحْصِي.

.
وَأَمَّا وَحْدِي فَحَدِيثٌ وَاحِدٌ دَخَلْتُ يَوْمًا من بَاب بني شيبَة فَإِذا أنابه جَالِسٌ إِلَى عَمُودٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي حَدِيثَ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهَا قَالَ فَضَرَبَ وَجْهِي بِالْحَصَى ثُمَّ قَالَ قُمْ فَمَا يَزَالُ عَبْدٌ يَقْدَمُ عَلَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ قَالَ فَقُمْتُ مُنْكَسِرًا فَمَرَّ رَجُلٌ فَدَعَاهُ فَلَمْ يَسْمَعْ فَرَمَاهُ بِالْحَصَى فَلَمْ يَبْلُغْهُ فَاضْطُرَّ إِلَيَّ فَقَالَ ادْعُهُ لِي فَدَعَوْتُهُ لَهُ فَأَتَاهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ تَعَالَ فَجِئْتُ فَقَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ لِي هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنَ الَّذِي أَرَدْتَ قُلْت وَهَذَا الْحَدِيثُ الْأَخِيرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بِدُونِ الْقِصَّةِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ فِيهَا أَنْ لَا تُقْطَعَ إِمَّا عَفْوًا وَإِمَّا بِفِدَاءٍ وَقَدْ وَقَعَ مَا يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي فِي حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَلَفْظُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ فَجِئْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَقَالَ تُطَهَّرُ خَيْرٌ لَهَا وَكَأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالْفِدْيَةِ كَمَا ظَنَّ ذَلِكَ مَنْ أَفْتَى وَالِدَ الْعَسِيفِ الَّذِي زَنَى بِأَنَّهُ يَفْتَدِي مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ وَوَجَدْتُ لِحَدِيثِ مَسْعُودٍ هَذَا شَاهِدًا عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَوْمُهَا نَحْنُ نَفْدِيهَا .

     قَوْلُهُ  مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ بِسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ يَفْتَعِلُ مِنَ الْجُرْأَةِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْجِيمِ وَالرَّاءِ مَعَ الْمَدِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَوْضَحُ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَفْهَمَ بِقَوْلِهِ مَنْ يُكَلِّمُ غَيْرُ الَّذِي أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَمَنْ يَجْتَرِئُ وَالْجُرْأَةُ هِيَ الْإِقْدَامُ بِإِدْلَالٍ وَالْمَعْنَى مَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ أَحَدٌ لِمَهَابَتِهِ لَكِنَّ أُسَامَةَ لَهُ عَلَيْهِ إِدْلَالٌ فَهُوَ يَجْسُرُ عَلَى ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ بَعْدَ قَوْلِهِ تُطَهَّرُ خَيْرٌ لَهَا فَلَمَّا سَمِعْنَا لِينَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَيْنَا أُسَامَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ الْمَاضِيَةِ فِي الْفَتْحِ فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ أَي لجؤا وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى فِي الشَّهَادَاتِ فَلَمْ يَجْتَرِئْ أَحَدٌ أَنْ يُكَلِّمَهُ إِلَّا أُسَامَةُ وَكَانَ السَّبَبُ فِي اخْتِصَاصِ أُسَامَةَ بِذَلِكَ مَا أخرجه بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُسَامَةَ لَا تَشْفَعْ فِي حَدٍّ وَكَانَ إِذَا شَفَعَ شَفَّعَهُ بتَشْديد الفاه أَيْ قَبِلَ شَفَاعَتَهُ وَكَذَا وَقَعَ فِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَفِّعُهُ .

     قَوْلُهُ  حِبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى مَحْبُوبٍ مِثْلَ قِسْمٍ بِمَعْنَى مَقْسُومٍ وَفِي ذَلِكَ تَلْمِيحٌ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ .

     قَوْلُهُ  فَكَلَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْبِ وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ وَفِي الْكَلَامِ شَيْءٌ مَطْوِيٌّ تَقْدِيره فجاؤوا إِلَى أُسَامَةَ فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ فَجَاءَ أُسَامَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فِيهَا فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ الشَّافِعَ يَشْفَعُ بِحَضْرَةِ الْمَشْفُوعِ لَهُ لِيَكُونَ أَعْذَرَ لَهُ عِنْدَهُ إِذَا لَمْ تُقْبَلْ شَفَاعَتُهُ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ فَكَلَّمَهُ فَزَبَرَهُ بِفَتْحِ الزَّاي وَالْمُوَحَّدَة أَي أَغْلَظَ لَهُ فِي النَّهْيِ حَتَّى نَسَبَهُ إِلَى الْجَهْلِ لِأَنَّ الزَّبْرَ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ هُوَ الْعَقْلُ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَكَلَّمَهُ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ شُعَيْبٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَهُوَ يُكَلِّمُهُ وَفِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فَلَمَّا أَقْبَلَ أُسَامَةُ وَرَآهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُكَلِّمْنِي يَا أُسَامَةُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَقَ لَهُ مَنْعُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ قَبْلَ ذَلِكَ زَادَ يُونُسُ وَشُعَيْبٌ فَقَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ فَأُتِيَ بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعاذت بِأُمِّ سَلَمَةَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيِ اسْتَجَارَتْ أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ تَعْلِيقًا وَالْحَاكِمُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَعَاذَتْ بِزَيْنَبَ بِنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَاذَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا.

.
وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مَاتَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَهِيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَكَانَ مَوْتُ زَيْنَبَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا عَاذَتْ بِزَيْنَبَ رَبِيبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ فَتَصَحَّفَتْ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ.

.

قُلْتُ أَوْ نُسِبَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَازًا لِكَوْنِهَا رَبِيبَتَهُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَصْحِيفٌ ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمد هَذَا الحَدِيث من طَرِيق بن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَعَاذَتْ بِرَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَاءٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَحَذْفِ لَفْظِ بِنْتٍ.

     وَقَالَ  فِي آخِره قَالَ بن أَبِي الزِّنَادِ وَكَانَ رَبِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَعُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فَعَاذَتْ بِأَحَدِهِمَا.

.

قُلْتُ وَقَدْ ظَفِرْتُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ سَرَقَتِ امْرَأَةٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أَبَهْ إِنَّهَا عَمَّتِي فَقَالَ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الرَّاوِي عَنِ الْحَسَنِ فَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهَا بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ.

.

قُلْتُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ جَابِرٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا اسْتَجَارَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ وبأولادها وَاخْتَصَّهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَرِيبَتُهَا وَزَوْجَهَا عَمُّهَا وَإِنَّمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَمَّتِي مِنْ جِهَةِ السِّنِّ وَإِلَّا فَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ وَهُوَ كَمَا قَالَتْ خَدِيجَةُ لِوَرَقَةَ فِي قصَّة المبعث أَي عَم أسمع من بن أَخِيك وَهُوَ بن عَمِّهَا أَخِي أَبِيهَا أَيْضًا وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ فَعَاذَتْ بِأُسَامَةَ وَكَأَنَّهَا جَاءَتْ مَعَ قَوْمِهَا فَكَلَّمُوا أُسَامَةَ بَعْدَ أَنِ اسْتَجَارَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فَاسْتَشْفَعُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ وَاحِدٍ فَكَلَّمُوا أُسَامَةَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ فَاخْتَطَبَ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ بِحَذْفِ يَا مِنْ أَوَّلِهِ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَقَامَ خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ هَلَكَ وَكَذَا لِمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ إِنَّمَا هَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قبلكُمْ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَصْرَ لَيْسَ عَامًّا فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ فِيهِمْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِي الْإِهْلَاكَ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى حَصْرٍ الْمَخْصُوص وَهُوَ الْإِهْلَاكُ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ فِي الْحُدُودِ فَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ.

.

قُلْتُ يُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ طَرِيقِ زَاذَانَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا أَنَّهُمْ عَطَّلُوا الْحُدُودَ عَنِ الْأَغْنِيَاءِ وَأَقَامُوهَا عَلَى الضُّعَفَاءِ وَالْأُمُورُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الشَّيْخُ سَبَقَ مِنْهَا فِي ذِكْرِ بني إِسْرَائِيل حَدِيث بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا وَسَيَأْتِي شَرحه بعد هَذَا وَفِي التَّفْسِير حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ مِنَ الشَّرِيفِ إِذَا قَتَلَ عَمْدًا وَالْقِصَاصِ مِنَ الضَّعِيفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ حِينَ كَانُوا إِذَا أَصَابَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ الْحَدَّ تَرَكُوهُ وَلَمْ يُقِيمُوهُ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الْوَضِيعُ قَطَعُوهُ .

     قَوْلُهُ  وَأَيْمُ اللَّهِ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ .

     قَوْلُهُ  لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ هَذَا مِنَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي صَحَّ فِيهَا أَنَّ لَوْ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ وَقَدْ أَتْقَنَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّمَنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقد ذكر بن مَاجِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ شَيْخِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ أَعَاذَهَا اللَّهُ مِنْ أَنْ تَسْرِقَ وَكُلُّ مُسْلِمٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ فَذَكَرَ عُضْوًا شَرِيفًا مِنِ امْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ وَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَدَبِ الْبَالِغِ وَإِنَّمَا خَصَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَهْلِهِ عِنْدَهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ بَنَاتِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُهَا فَأَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي إِثْبَاتِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَتَرْكِ الْمُحَابَاةِ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّ اسْمَ السَّارِقَةِ وَافَقَ اسْمَهَا عَلَيْهَا السَّلَامُ فَنَاسَبَ أَنْ يُضْرَبَ الْمَثَلُ بِهَا .

     قَوْلُهُ  لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ وَالْأَكْثَرُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا وَفِي الْأَوَّلِ تَجْرِيدٌ زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَته من رِوَايَة بن الْمُبَارَكِ عَنْهُ كَمَا مَضَى فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدهَا وَوَقع فِي حَدِيث بن عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ قُمْ يَا بِلَالُ فَخُذْ بِيَدِهَا فَاقْطَعْهَا وَفِي أُخْرَى لَهُ فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَقَطَعَهَا وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ تَعْلِيقًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ وَزَادَ فِيهِ قَالَ فَشَهِدَ عَلَيْهَا وَزَادَ يُونُسُ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ وَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ بن الْمُبَارَكِ وَفِيهِ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي الشَّهَادَاتِ وَفِي رِوَايَة بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فَنَكَحَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلِيمٍ وَتَابَتْ وَكَانَتْ حَسَنَةَ التَّلَبُّسِ وَكَانَتْ تَأْتِينِي فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا الْحَدِيثَ وَكَأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ كَانَتْ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنِ الْقَاسِمِ جَمِيعًا عَنْ عَائِشَةَ وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ عَلَى الْآخَرِ وَفِي آخِرِ حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ عِنْدَ الْحَاكِم قَالَ بن إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْحَمُهَا وَيَصِلُهَا وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهَا قَالَتْ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَنْتِ الْيَوْمَ مِنْ خَطِيئَتِكِ كَيَوْمَ وَلَدَتْكِ أُمُّكِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَنْعُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي التَّرْجَمَةِ الدَّلَالَةُ عَلَى تَقْيِيدِ الْمَنْعِ بِمَا إِذَا انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي ذَوِي الذُّنُوبِ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ مَا لَمْ تَبْلُغِ السُّلْطَانَ وَأَنَّ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُقِيمَهَا إِذَا بَلَغَتْهُ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ فَقَالَ لَا يُشْفَعُ لِلْأَوَّلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ بَلَغَ الْإِمَامَ أَمْ لَا.

.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْفَعَ لَهُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْإِمَامَ وَتَمَسَّكَ بِحَدِيثِ الْبَابِ مَنْ أَوْجَبَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ وَلَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ الْعَفْوُ مُطْلَقًا وَيُدْرَأُ بِذَلِكَ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ عَفْوِ الْمَقْذُوفِ لَجَازَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِصِدْقِ الْقَاذِفِ فَكَانَتْ تِلْكَ شُبْهَةً قَوِيَّةً وَفِيهِ دُخُولُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَفِيهِ قَبُولُ تَوْبَةِ السَّارِقِ وَمَنْقَبَةٌ لِأُسَامَةَ وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ عِنْدَ أَبِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْظَمِ الْمَنَازِلِ فَإِنَّ فِي الْقِصَّةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا الْغَايَةُ فِي ذَلِك عِنْده ذكره بن هُبَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مُنَاسَبَةُ اخْتِصَاصِهَا بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ رِجَالِ أَهْلِهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ عَائِشَةَ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ كَوْنَ اسْمِ صَاحِبَةِ الْقِصَّةِ وَافَقَ اسْمَهَا وَلَا تَنْتَفِي الْمُسَاوَاةُ وَفِيهِ تَرْكُ الْمُحَابَاةِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ وَلَدًا أَوْ قَرِيبًا أَوْ كَبِيرَ الْقَدْرِ وَالتَّشْدِيدُ فِي ذَلِكَ وَالْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ رَخَّصَ فِيهِ أَوْ تَعَرَّضَ لِلشَّفَاعَةِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْكَبِيرِ الْقَدْرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْفِعْلِ وَمَرَاتِبُ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ وَلَا يَحِقُّ نَدْبُ الِاحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَتَرَجَّحُ التَّصْرِيحُ بِحَسَبِ الْمَقَامِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنِ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْ أَمْرٍ مُقَدَّرٍ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُ لَا يَحْنَثُ كَمَنْ قَالَ لِمَنْ خَاصَمَ أَخَاهُ وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ حَاضِرًا لَهَشَّمْتُ أَنْفَكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَحْنَثُ مُطْلَقًا وَفِيهِ جَوَازُ التَّوَجُّعِ لِمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بعد إِقَامَته عَلَيْهِ وَقد حكى بن الْكَلْبِيِّ فِي قِصَّةِ أُمِّ عَمْرٍو بِنْتِ سُفْيَانَ أَنَّ امْرَأَةَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَوَتْهَا بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ وَصَنَعَتْ لَهَا طَعَامًا وَأَنَّ أُسَيْدًا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمُنْكِرِ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَحِمَتْهَا رَحِمَهَا اللَّهُ وَفِيهِ الِاعْتِبَارُ بِأَحْوَالِ مَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى تَحْذِيرٍ مِنْ فِعْلِ الشَّيْءِ الَّذِي جَرَّ الْهَلَاكَ إِلَى الَّذين من قبلنَا لِئَلَّا يهْلك كَمَا هَلَكُوا وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ لَمْ يَرِدْ قَطْعُ السَّارِقِ فِي شَرْعِنَا.

.
وَأَمَّا اللَّفْظُ الْعَامُّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعِي أصلا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب كَرَاهِيَةِ الشَّفَاعَةِ فِى الْحَدِّ إِذَا رُفِعَ إِلَى السُّلْطَانِ
( باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان) .


[ قــ :6435 ... غــ : 6788 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِى سَرَقَتْ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ»؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا».

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن سليمان) بفتح السين في الأول وضمها في الثاني البزاز بزايين أولاهما مشددة البغدادي قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن قريشًا) أي من أدرك ذلك منهم بمكة عام الفتح والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقيم بمكة مما في مسلم وقريشًا بالتنوين مصروفًا على إرادة الحي ولو أريد القبيلة منع ( أهمتهم المرأة) فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة أم المؤمنين قتل أبوها كافرًا يوم بدر قتله حمزة ووهم من زعم أن له صحبة ( المخزومية) نسبة إلى مخزوم بن يقظة بفتح التحتية والقاف بعدها ظاء معجمة مشالة ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ومخزوم أخو كلاب بن مرة الذي ينسب إليه بنو عبد مناف ( التي سرقت) وفي ابن ماجة: أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعند ابن سعد من مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليًّا وجمع بينهما بأن الحلي كان في القطيفة، وفي مسلم أنها كانت تستعير المتاع وتجحده لكن القطع بالسرقة لا بجحد المتاع خلافًا للإمام أحمد والجمهور على أن جحد المتاع ذكر للتعريف جميعًا للروايات أو رواية الجحد شاذة لا يعمل بها لمخالفتها الباقي، ولذا لم يذكرها البخاري وإنما انفرد بها مسلم ومعنى أهمتهم أي صيرتهم ذوي هم خوفًا من لحوق العار وافتضاحهم بها بين القبائل وظنوا إمكان الشفاعة في مثل ذلك فلما جاء أهلها إلى من يشفع لهم فيها عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( فقالوا: من يكلم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يشفع أن لا تقطع إما عفوًا وإما بفداء ( ومن يجترئ) بالجيم والهمزة أي من يتجاسر ( عليه) بطريق الإدلال ( إلا أسامة) ولأبي ذر إلا أسامة بن زيد وأسامة بالرفع على الفاعلية فيحتاج إلى ضمير من جملة يجترئ يعود على من لأن من مبتدأ والخبر الجملة فلا بدّ من ضمير يعود على المبتدأ وهو الضمير المجرور والتقدير وأي شخص يجترئ كما يجترئ أسامة عليه، والمعنى لا يجترئ عليه منا أحد لمهابته ولما لا تأخذه في دين الله رأفة وما يجترئ عليه إلا أسامة وعليه يتعلق بيجترئ ونظير هذا التركيب هنا قوله تعالى { ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135] قال أبو البقاء: من مبتدأ ويغفر خبره وإلاّ الله فاعل يغفر أو بدل من المضمر فيه وهو الوجه لأنك إذا جعلت الله فاعلاً احتجت إلى تقدير ضمير أي ومن يغفر الذنوب غير الله، لكن قال في الدر: جعله الجلالة فاعلاً يقرب من الغلط فإن الاستفهام هنا لا
يراد به حقيقته إنما يراد به النفي، والوجه أن الجلالة بدل من الضمير ويصح أن يكون أسامة مرفوعًا على أنه بدل من فاعل يجترئ وهو وجه الإعراب كما قال أبو البقاء، ويجوز النصب على الاستثناء ووقع في حديث مسعود بن الأسود فجئنا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلنا نحن نفديها بأربعين أوقية فقال تطهر خير لها فلما سمعنا لين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتينا أسامة، وفي رواية يونس السابقة في الفتح ففزع قومها إلى أسامة، وفي رواية أيوب بن موسى في الشهادات فلم يجترئ أحد أن يكلمه إلا أسامة ( حب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الحاء المهملة أي محبوبه ويجري عليه إعراب أسامة إن كان مرفوعًا فنعته مرفوع وإن كان منصوبًا فنعته منصوب ويجوز البدل ( فكلم) أسامة ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
( أتشفع) بهمزة الاستفهام وفيها معنى الإنكار والجملة معمولة للقول، وفي رواية يونس فكلمه فتلوّن وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أتشفع ( في) ترك ( حدّ من حدود الله ثم قام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فخطب فقال: يا أيها الناس إنما ضلّ من قبلكم) وفي رواية أبي الوليد هلك وفي رواية سفيان عند النسائي إنما هلك بنو إسرائيل ولأبي ذر عن الكشميهني من كان قبلكم ( إنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه) فلا يحدونه ( وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد) قال ابن دقيق العيد الظاهر أن هذا الحصر ليس عامًّا فإنّ بني إسرائيل كانت فيهم أمور كثيرة تقتضي الإهلاك، فيحمل ذلك على حصر مخصوص وهو الإهلاك بسبب المحاباة في الحدود فلا ينحصر في حد السرقة ( وأيم الله) مرفوع بالابتداء وخبره محذوف أي قسمي أو يميني أو لازم لي ( لو أن فاطمة) -رضي الله عنها- ( بنت محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( سرقت لقطع محمد يدها) .

وعند ابن ماجة عن محمد بن رمح شيخه في هذا الحديث سمعت الليث يقول: عقب هذا الحديث قد أعاذها الله من أن تسرق، وكل مسلم ينبغي له أن يقول مثل هذا فينبغي أن لا يذكر هذا الحديث في الاستدلال ونحوه إلا بهذه الزيادة، ووقع للشافعي رحمة الله عليه أنه لما ذكر هذا الحديث قال: فذكر عضوًا شريفًا من امرأة شريفة فاستحسنوا ذلك منه لما فيه من الأدب البالغ، وفي قوله لقطع محمد يدها التجريد، وإنما خص -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاطمة بالذكر لأنها أعز أهله عنده فأراد المبالغة في تثبيت إقامة الحدّ على كل مكلف وترك المحاباة في ذلك ولأن اسم السارقة وافق اسمها -رضي الله عنها- فناسب أن يضرب المثل بها.
وزاد في رواية يونس السابقة في غزوة الفتح ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها.
وفي حديث ابن عمر عند النسائي: قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها وزاد أبو داود في تعليقه عن محمد بن عبد الرَّحمن فشهد عليها وزاد يونس أيضًا.
قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد وتزوجت، وفي الحديث منع الشفاعة في الحدود وهو مقيد في الترجمة بما إذا رفع إلى السلطان، وفي مرسل حبيب بن أبي ثابت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأسامة لما شفع: "أتشفع في حدّ فإن الحدود إذا انتهت فليس لها مترك".
وعند الدارقطني من حديث الزبير مرفوعًا اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان وإن على السلطان إذا بلغته أن يقيمها.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ كَراهِيَةِ الشَّفاعَةِ فِي الحَدِّ إِذا رُفِعَ إِلَى السُّلْطانِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَرَاهِيَة الشَّفَاعَة فِي الْحَد يَعْنِي فِي تَركه إِذا رفع إِلَى السُّلْطَان، وتقييده بقوله: إِذا رفع إِلَى السُّلْطَان، يدل على جَوَاز الشَّفَاعَة فِي الْحُدُود قبل وصولها إِلَى السُّلْطَان، رُوِيَ ذَلِك عَن أَكثر أهل الْعلم، وَبِه قَالَ الزبير بن الْعَوام وَابْن عَبَّاس وعمار،.

     وَقَالَ  بِهِ من التَّابِعين: سعيد بن جُبَير وَالزهْرِيّ، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ، قَالُوا: لَيْسَ على الإِمَام التَّجَسُّس على مَا لم يبلغهُ، وَكره ذَلِك طَائِفَة، فَقَالَ ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من حَالَتْ شَفَاعَته دون حد من حُدُود الله فقد ضاد الله فِي حكمه، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأحمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ.



[ قــ :6435 ... غــ :6788 ]
- حدّثنا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمانَ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ قُرَيْشاً أهَمَّهُمُ المَرْأةُ المَخْزُومِيةُ الّتِي سَرَقَتْ، فقالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ ومَنْ يَجْترِى عَلَيهِ إلاّ أسُامَةُ حِبُّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَكَلَّمَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله؟) ثُمَّ قامَ فَخَطَبَ، قَالَ: (يَا أيُّها النَّاس} إنّما ضَلَّ مِنْ قَبْلَكُمْ أنّهُمْ كانُوا إِذا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذا سَرقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وأيْمُ الله لَوْ أنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الَّذِي قبله بأتم مِنْهُ، أخرجه عَن سعيد بن سُلَيْمَان الْبَزَّاز بتَشْديد الزَّاي الأولى الْبَغْدَادِيّ عَن اللَّيْث بن سعد ... الخ، كَذَا هُوَ عَن عَائِشَة عِنْد الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن شهَاب، وشذ عمر بن قيس الماصر بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة، فَقَالَ: عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن أم سَلمَة، فَذكر كَحَدِيث الْبابُُ سَوَاء.
وَأخرجه أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب السّرقَة وَالطَّبَرَانِيّ،.

     وَقَالَ : تفرد بِهِ عمر بن قيس، يَعْنِي: من حَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا..
     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب رِوَايَة الْجَمَاعَة.

قلت: مَا الْمَانِع من رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن عَائِشَة وَعَن أم سَلمَة كلتيهما.

قَوْله: (أَن قُريْشًا) أَي: الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة، وَلَكِن الظَّاهِر أَن المُرَاد بهم هَهُنَا من أدْرك، مِنْهُم الْقِصَّة الَّتِي بِمَكَّة.
قَوْله: (أهمتهم) أَي: جلبت إِلَيْهِم هما، أَو صيرتهم فِي هموم بِسَبَب مَا وَقع مِنْهَا، يُقَال: أهمني الْأَمر أَي: أقلقني، وَالْمعْنَى: أهمتهم شَأْن الْمَرْأَة الَّتِي سرقت وَهِي فَاطِمَة بنت الْأسود بن عبد الْأسد بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، وَهِي بنت أخي أبي سَلمَة بن عبد الْأسد الصَّحَابِيّ الْجَلِيل الَّذِي كَانَ زوج أم سَلمَة قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قتل أَبوهَا كَافِرًا يَوْم بدر قَتله حَمْزَة بن عبد الْمطلب، وَوهم من زعم أَن لَهُ صُحْبَة، وَقيل: هِيَ أم عمر وَبنت سُفْيَان بن عبد الْأسد وَهِي بنت عمر الْمَذْكُورَة، وَفِيه نظر.
قَوْله: (الَّتِي سرقت) زَاد يُونُس فِي رِوَايَته: فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة الْفَتْح، وَبَين ابْن مَاجَه فِي رِوَايَته أَن الْمَسْرُوق القطيفة من بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع فِي مُرْسل حبيب بن أبي ثَابت أَنَّهَا سرقت حليا، وَيُمكن الْجمع بِأَن الْحلِيّ كَانَ فِي القطيفة، وَوَقع فِي رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة كَانَت تستعير الْمَتَاع وتجحده، أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد، وَقد تعلق بِهِ قوم فَقَالُوا: من اسْتعَار مَا يجب الْقطع فِيهِ وجحده فَعَلَيهِ الْقطع، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق،.

     وَقَالَ  أَحْمد: لَا أعلم شَيْئا يَدْفَعهُ، وَخَالفهُم المدنيون والكوفيون وَجُمْهُور الْعلمَاء وَالشَّافِعِيّ، وَقَالُوا: لَا قطع فِيهِ، وحجتهم حَدِيث الْبابُُ،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: قد يجوز أَن تستعير الْمَتَاع وتجحده، ثمَّ سرقت فَوَجَبَ الْقطع للسرقة.
قَوْله: (من يكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟) أَي: من يشفع عِنْده فِيهَا أَن لَا تقطع إِمَّا بفعو وَإِمَّا بِفِدَاء، وَأمر الْفِدَاء جَاءَ فِي حَدِيث مَسْعُود بن الْأسود، وَلَفظه بعد قَوْله: (أعظمنا ذَلِك فَجِئْنَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: نَحن نفديها بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة، فَقَالَ: تطهر خير لَهَا، وَكَأَنَّهُم ظنُّوا أَن الْحَد يسْقط بالفدية.
قلت: مَسْعُود بن الْأسود بن حَارِثَة الْقرشِي الْعَدوي كَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة وأستشهد يَوْم مُؤْتَة قَوْله: (وَمن يجترىء عَلَيْهِ) من الاجتراء.

     وَقَالَ  بَعضهم يجترىء يفتعل من الجرأة
قلت: بل من الاجتراء كَمَا قُلْنَا، والجرأة الْإِقْدَام على الشَّيْء.
قَوْله: (حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: محبوبه، وَكَانَ السَّبَب فِي اخْتِصَاص أُسَامَة بذلك مَا أخرجه ابْن سعد من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن، رضوَان الله عَلَيْهِم، عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأسامة فِي حد، وَكَانَ إِذا شفع شفعه بتَشْديد الْفَاء أَي: قيل شَفَاعَته.
قَوْله: (فَكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِالنّصب، وَفِي رِوَايَة قُتَيْبَة: فَكَلمهُ أُسَامَة.
قَوْله: (أَتَشفع؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار.
قَوْله: (وأيم الله) بِهَمْزَة الْوَصْل وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْأَيْمَان، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي الْوَلِيد: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، وَفِي رِوَايَة يُونُس، وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، قَوْله: (لَو أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد) إِنَّمَا خص فَاطِمَة ابْنَته رَضِي الله عَنْهَا، لِأَنَّهَا أعز أَهله عِنْده.
قَوْله: (لقطع مُحَمَّد يَدهَا) وَفِي رِوَايَة أبي الْوَلِيد والأكثرين: لقطعتُ يَدهَا.
وَفِي الأول تَجْرِيد.