شرح الحديث من فتح الباري لابن حجر
( قَولُهُ بَابُ مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ)
أَيْ مِنْ جِهَةِ غَرِيمِهِ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ أَوِ اقْتَصَّ أَيْ إِذَا وَجَبَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ إِلَى الْحَاكِمِ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ دُونَ الْحَاكِمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ فِي التَّرْجَمَة قَالَ بن بَطَّالٍ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ حَقِّهِ دُونَ السُّلْطَانِ قَالَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ قَالَ.
وَأَمَّا أَخْذُ الْحَقِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنَ الْمَالِ خَاصَّةً إِذَا جَحَدَهُ إِيَّاهُ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ قَرِيبًا ثُمَّ أَجَابَ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالزَّجْرِ عَنِ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَاتِ النَّاسِ انْتَهَى.
قُلْتُ فَأَمَّا مَنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ فَكَأَنَّهُ اسْتَنَدَ فِيهِ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي نُسْخَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَنْتَهِي إِلَى قَوْلِهِمْ وَمِنْهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُقِيمَ شَيْئًا مِنَ الْحُدُودِ دُونَ السُّلْطَانِ إِلَّا أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ حَدَّ الزِّنَا عَلَى عَبْدِهِ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ أَبِي الزِّنَادِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ
[ قــ :6525 ... غــ :6888] .
قَوْلُهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْبَاقِينَ .
قَوْلُهُ وَبِإِسْنَادِهِ لَوِ اطَّلَعَ إِلَخْ هُوَ الْمُرَادُ فِي هَذَّةِ التَّرْجَمَةِ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ حَدِيثٍ فِي نُسْخَةِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَسُقِ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ هُنَا بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى أَوَّلِهِ إِشَارَةً إِلَى ذَلِكَ وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَطَّرِدْ لِلْبُخَارِيِّ صَنِيعٌ فِي ذَلِكَ وَاطَّرَدَ صَنِيعُ مُسْلِمٍ فِي نُسْخَةِ هَمَّامٍ بِأَنْ يَسُوق السَّنَد ثمَّ يَقُول فَذكر أحاديثا مِنْهَا ثُمَّ يَذْكُرُ الْحَدِيثَ الَّذِي يُرِيدُهُ وَقَدْ أَشرت الىذلك فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ الرَّاوِيَ سَمِعَ الْحَدِيثَيْنِ فِي نَسَقٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُمَا فَاسْتَمَرَّ مَنْ بَعْدِهِ عَلَى ذَلِكَ.
قُلْتُ وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكْمِلَةٍ وَهُوَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ اخْتَصَرَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ هُنَا .
قَوْلُهُ لَوِ اطَّلَعَ الْفَاعِلُ مُؤَخَّرٌ وَهُوَ أَحَدٌ .
قَوْلُهُ وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ احْتِرَازٌ مِمَّنِ اطَّلَعَ بِإِذْنٍ .
قَوْلُهُ حَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ كَذَا هُنَا بِغَيْرِ فَاءٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ فَحَذَفْتَهُ وَهُوَ الْأَوْلَى وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ وَسَيَأْتِي بَعْدَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ لَوْ أَنَّ امْرَءًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَحَذَفْتَهُ وَقَولُهُ حَذَفْتَهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ وَالْقَابِسِيِّ وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الرَّمْيَ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ وَنَحْوِهِمَا إِمَّا بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَإِمَّا بَيْنَ السَّبَّابَتَيْنِ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ فِي مُسْلِمٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الْمُشَارِ إِلَيْهَا بِالْمُهْمَلَةِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الرِّوَايَةُ بِالْمُهْمَلَةِ خَطَأٌ لِأَنَّ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ أَنَّهُ الرَّمْيُ بِالْحَصَى وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ جَزْمًا.
قُلْتُ وَلَا مَانِعَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمُهْمَلَةِ فِي ذَلِكَ مَجَازًا .
قَوْلُهُ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ بِقَافٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ أَيْ شققت عينه قَالَ بن الْقَطَّاعِ فَقَأَ عَيْنَهُ أَطْفَأَ ضَوْءَهَا .
قَوْلُهُ جُنَاحٌ أَيْ إِثْمٌ أَوْ مُؤَاخَذَةٌ