هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
66 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَالِكٌ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ ، مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ ، قَالَ : فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا : فَرَأَى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا ، وَأَمَّا الآخَرُ : فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ : فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
66 حدثنا إسماعيل ، قال : حدثني مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، أن أبا مرة ، مولى عقيل بن أبي طالب أخبره عن أبي واقد الليثي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر ، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد ، قال : فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما أحدهما : فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها ، وأما الآخر : فجلس خلفهم ، وأما الثالث : فأدبر ذاهبا ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله ، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ ، قَالَ : فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا : فَرَأَى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا ، وَأَمَّا الآخَرُ : فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ : فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ .

Narrated Abu Waqid Al-Laithi:

While Allah's Messenger (ﷺ) was sitting in the mosque with some people, three men came. Two of them came in front of Allah's Messenger (ﷺ) and the third one went away. The two persons kept on standing before Allah's Messenger (ﷺ) for a while and then one of them found a place in the circle and sat there while the other sat behind the gathering, and the third one went away. When Allah's Messenger (ﷺ) finished his preaching, he said, Shall I tell you about these three persons? One of them betook himself to Allah, so Allah took him into His grace and mercy and accommodated him, the second felt shy from Allah, so Allah sheltered Him in His mercy (and did not punish him), while the third turned his face from Allah and went away, so Allah turned His face from him likewise.

0066 D’après Abu wâlid al-Laythi, le Messager de Dieu était assis dans la mosquée avec les fidèles quand arrivèrent trois individus. Deux s’approchèrent de lui et l’autre préféra partir: les deux premiers s’arrêtèrent devant le cercle du Messager de Dieu, l’un d’eux vit une place vide et l’occupa, l’autre s’assit derrière les présents; quant au troisième, il préféra revenir sur ses pas. Ayant terminé sa prédication, le Messager de Dieu dit : « Voulez-vous que je vous renseigne au sujet de ces trois individus ? Eh bien ! l’un d’eux a voulu prendre refuge auprès de Dieu et Dieu lui a accordé ce refuge, le deuxième s’est montré pudique envers Dieu et Dieu de se montrer aussi pudique envers lui ; quant au dernier, il a préféré se détourner de Dieu, d’où Dieu s’est détourné de lui.«   

":"ہم سے اسماعیل نے بیان کیا ، کہا ان سے مالک نے اسحاق بن عبداللہ بن ابی طلحہ کے واسطے سے ذکر کیا ، بیشک ابومرہ مولیٰ عقیل بن ابی طالب نے انہیں ابوواقد اللیثی سے خبر دی کہ( ایک مرتبہ ) رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم مسجد میں تشریف فرما تھے اور لوگ آپ صلی اللہ علیہ وسلم کے اردگرد بیٹھے ہوئے تھے کہ تین آدمی وہاں آئے ( ان میں سے ) دو رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم کے سامنے پہنچ گئے اور ایک واپس چلا گیا ۔ ( راوی کہتے ہیں کہ ) پھر وہ دونوں رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم کے سامنے کھڑے ہو گئے ۔ اس کے بعد ان میں سے ایک نے ( جب ) مجلس میں ( ایک جگہ کچھ ) گنجائش دیکھی ، تو وہاں بیٹھ گیا اور دوسرا اہل مجلس کے پیچھے بیٹھ گیا اور تیسرا جو تھا وہ لوٹ گیا ۔ تو جب رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم ( اپنی گفتگو سے ) فارغ ہوئے ( تو صحابہ رضی اللہ عنہم سے ) فرمایا کہ کیا میں تمہیں تین آدمیوں کے بارے میں نہ بتاؤں ؟ تو ( سنو ) ان میں سے ایک نے اللہ سے پناہ چاہی اللہ نے اسے پناہ دی اور دوسرے کو شرم آئی تو اللہ بھی اس سے شرمایا ( کہ اسے بھی بخش دیا ) اور تیسرے شخص نے منہ موڑا ، تو اللہ نے ( بھی ) اس سے منہ موڑ لیا ۔

0066 D’après Abu wâlid al-Laythi, le Messager de Dieu était assis dans la mosquée avec les fidèles quand arrivèrent trois individus. Deux s’approchèrent de lui et l’autre préféra partir: les deux premiers s’arrêtèrent devant le cercle du Messager de Dieu, l’un d’eux vit une place vide et l’occupa, l’autre s’assit derrière les présents; quant au troisième, il préféra revenir sur ses pas. Ayant terminé sa prédication, le Messager de Dieu dit : « Voulez-vous que je vous renseigne au sujet de ces trois individus ? Eh bien ! l’un d’eux a voulu prendre refuge auprès de Dieu et Dieu lui a accordé ce refuge, le deuxième s’est montré pudique envers Dieu et Dieu de se montrer aussi pudique envers lui ; quant au dernier, il a préféré se détourner de Dieu, d’où Dieu s’est détourné de lui.«   

شرح الحديث من عمدة القاري

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    ( بابُُ مَنْ قعَدَ حَيْث يَنْتَهِي بِه المَجْلِسُ ومَنْ رَأى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيها)

الْكَلَام فِيهِ على نَوْعَيْنِ: الأول: أَن التَّقْدِير: هَذَا بابُُ فِي بَيَان شَأْن من قعد ... إِلَى آخِره، وَهُوَ مَرْفُوع على الخبرية مُضَاف إِلَى من، وَهِي مَوْصُولَة، و: قعد، جملَة الْفِعْل وَالْفَاعِل صلتها، و: حَيْثُ، ظرف للمكان مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة محلا، وَبني على الضَّم تَشْبِيها بالغايات.
وَمن الْعَرَب من يعربه.
قَوْله: ( الْمجْلس) ، مَرْفُوع بقوله: يَنْتَهِي.
قَوْله: ( وَمن رأى) عطف على: من قعد، و ( الفرجة) بِضَم الْفَاء وَفتحهَا، لُغَتَانِ، وَهِي الْخلَل بَين الشَّيْئَيْنِ؛ قَالَه النَّوَوِيّ.
.

     وَقَالَ  النّحاس: الفرجة، بِالْفَتْح، فِي الْأَمر، والفرجة بِالضَّمِّ فِيمَا يرى من الْحَائِط وَنَحْوه، وَفِي ( الْعبابُ) : الفرجة، بِالْكَسْرِ، والفرجة بِالضَّمِّ لُغَتَانِ فِي فُرْجَة الْهم.
.

     وَقَالَ  أَيْضا: الفرجة يَعْنِي، بِالْفَتْح: التفصي من الْهم.
.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: الفرجة: الرَّاحَة من الْغم، وَذكر فِيهَا فتح الْفَاء وَضمّهَا وَكسرهَا، وَقد فرج لَهُ فِي الْحلقَة والصف وَنَحْو ذَلِك، بِفَتْح الْعين، يفرج بضَمهَا، وَلم يذكر الْجَوْهَرِي فِي الفرجة بَين الشَّيْئَيْنِ غير الضَّم، وَفِي التفصي من الْهم غير الْفَتْح، وَأنْشد عَلَيْهِ:
( رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأُم ... ر لَهُ فُرْجَة كحل العقال)

( وَالْحَلقَة) ، هُنَا بِإِسْكَان اللَّام، وَحكى الْجَوْهَرِي فتحهَا، وَالْأول أشهر.
وَفِي ( الْعبابُ) : الْحلقَة، بالتسكين: الدروع، وَكَذَلِكَ حَلقَة الْبابُُ، وحلقة الْقَوْم، وَالْجمع الْحلق على غير قِيَاس،.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: الْجمع الْحلق، مِثَال: بدرة وَبدر، وقصعة وقصع.
وَنهى رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن الْحلق قبل الصَّلَاة، يَعْنِي صَلَاة الْجُمُعَة، نَهَاهُم عَن التحليق والاجتماع على مذاكرة الْعلم قبل الصَّلَاة، وَحكى يُونُس عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء: حَلقَة، فِي الْوَاحِد بِالتَّحْرِيكِ.
وَالْجمع: حلق وحلقات.
.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: كلهم يُجِيز ذَلِك على ضعف.
.

     وَقَالَ  الْفراء فِي نوادره: الْحلقَة، بِكَسْر اللَّام، لُغَة لِلْحَارِثِ بن كَعْب فِي الْحلقَة وَالْحَلقَة.
.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت: سَمِعت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يَقُول: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب حَلقَة، بِالتَّحْرِيكِ، إلاَّ فِي قَوْلهم: هَؤُلَاءِ حَلقَة، للَّذين يحلقون الشّعْر جمع حالق.
الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن الْبابُُ الأول فِيهِ ذكر المناولة، وَهِي تكون فِي مجْلِس الْعلم، وَهَذَا الْبابُُ فِي بَيَان شَأْن من يَأْتِي إِلَى الْمجْلس كَيفَ يقْعد، وَالْمرَاد مِنْهُ مجْلِس الْعلم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: مُنَاسبَة هَذَا الْبابُُ لكتاب الْعلم من جِهَة أَن المُرَاد بالحلقة: حَلقَة الْعلم، فَيدْخل فِي آدَاب الطَّالِب من هَذَا الْوَجْه.
قلت: هَذَا الْقَائِل أَخذ هَذَا من كَلَام الْكرْمَانِي، وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ هَذَا بَيَان وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان وَجه مُنَاسبَة إِدْخَال هَذَا الْبابُُ فِي كتاب الْعلم، وَلَيْسَ الْقُوَّة إلاَّ فِي بَيَان وُجُوه الْمُنَاسبَة بَين الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة فِي كتب هَذَا الْكتاب،.

     وَقَالَ  الشَّيْخ قطب الدّين: هَذَا الْبابُُ حَقه أَن يَأْتِي عقب بابُُ: من رفع صَوته بِالْعلمِ، أَو عقب بابُُ: طرح الْمَسْأَلَة، لِأَن كليهمَا من آدَاب الْعَالم، وَهَذَا الْبابُُ من آدَاب المتعلم، وَمَا بعد هَذَا الْبابُُ يُنَاسب الْبابُُ الَّذِي قبله، وَهُوَ قَوْله: بابُُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( رب مبلَّغٍ أوعى من سامع) .
لِأَن فِيهِ معنى التَّحَمُّل عَن غير الْعَارِف، وَغير الْفَقِيه.
قلت: الَّذِي ذَكرْنَاهُ أنسب لِأَن الْبابُُ السَّابِق فِي بَيَان مناولة الْعَالم فِي مجْلِس علمه، وَهَذَا الْبابُُ فِي بَيَان أدب من يحضر هَذَا الْمجْلس، كَمَا ذكرنَا.



[ قــ :66 ... غــ :66 ]
- حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدَّثني مَالِكٌ عَن إسْحاقَ بن عبدِ اللَّه أبي طَلْحَةَ أنّ أَبَا مُرَّة، مَوْلَى عَقِيلِ بنِ أبي طَالِبٍ، أخْبَرَهُ عنْ أبي واقِدٍ اللَّيثَّي أنّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينَمَا هُو جالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَالنَّاس مَعَهُ إِذ أَقَبَلَ ثَلاَثةُ نَفَرٍ، فأقْبَلَ اثْنانِ إِلى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وذَهَبَ واحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفا على رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأمّا أحدُهمُا فَرَأى فُرْجَةً فِي الحَلقَةِ فَجَلَس فِيهَا، وأمّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلفَهُم، وأمّا الثالِثُ فأدْبَرَ ذاهِباً.
فلمَّا فَرَغَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( أَلا أُخُبِرُكُمْ عَن النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟ أمّا أحدُهُمْ فَأَوَى إِلَى الله فآوَاهُ الله، وأمّا الآخَرُ فاستَحْيا فاسْتحيْا الله مِنُه، وأمّا الآخَرُ فأعْرَضَ فأَعْرَضَ الله عَنهُ) .

( الحَدِيث 66 طرفه فِي 474) .

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن التَّرْجَمَة فِيمَن قعد حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس، وفيمن رأى فُرْجَة فِي الْحلقَة فَجَلَسَ فِيهَا ، والْحَدِيث مُشْتَمل على ذكر الْحلقَة والفرجة، وعَلى من جلس حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس، وَلأَجل هَذَا قَالَ: فِي الْحلقَة، وَلم يقل: وَمن رأى فُرْجَة فِي الْمجْلس، ليطابق مَا فِي الْبابُُ من ذكر الْحلقَة، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الأول بِلَفْظ الْمجْلس للإشعار بِأَن حكمهمَا وَاحِد هَهُنَا.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة.
الأول: إِسْمَاعِيل بن أويس.
الثَّانِي: مَالك بن أنس الإِمَام.
الثَّالِث: إِسْحَاق بن عبد اللَّه بن أبي طَلْحَة زيد بن سُهَيْل بن الْأسود بن حرَام الْأنْصَارِيّ النجاري، ابْن أخي أنس لأمه كَانَ يسكن دَار جده بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ تَابِعِيّ، سمع أَبَاهُ وَعَمه لأمه أنس بن مَالك وَغَيرهمَا، وَاتَّفَقُوا على توثيقه، وَهُوَ أشهر أخوته وَأَكْثَرهم حَدِيثا.
وهم: عبد اللَّه وَيَعْقُوب وَإِسْمَاعِيل وَعمر بَنو عبد اللَّه، وَكَانَ مَالك لَا يقدم على إِسْحَاق فِي الحَدِيث أحدا، توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الرَّابِع: أَبُو مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، اسْمه يزِيد، مولى عقيل بن أبي طَالب، وَقيل: مولى أَخِيه عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، وَقيل: مولى اختهما أم هانىء.
روى عَن عَمْرو بن الْعَاصِ وَأبي هُرَيْرَة وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي وَاقد، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
قَالَ ابْن مَيْمُونَة: كَانَ شَيخا قَدِيما.
الْخَامِس: أَبُو وَاقد، بِالْقَافِ الْمَكْسُورَة وبالدال الْمُهْملَة، وَهُوَ مَشْهُور بكنيته، وَاخْتلف فِي اسْمه، فَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: اسْمه الْحَارِث بن عَوْف،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: الْحَارِث بن مَالك.
.

     وَقَالَ  غَيرهمَا: عَوْف بن الْحَارِث.
قَالَ أَبُو عَمْرو: الأول أصح، ابْن أسيد بن جَابر بن عويرة بن عبد مَنَاة ابْن شجع بن عَامر بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن عَليّ بن كنَانَة بن خُزَيْمَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو عَمْرو: قَالَ بَعضهم: شهد بَدْرًا وَلم يذكرهُ مُوسَى بن عقبَة، وَلَا ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ، وَذكر بَعضهم أَنه كَانَ قديم الْإِسْلَام، وَيُقَال: أسلم يَوْم الْفَتْح، وَأخْبر عَن نَفسه أَنه شهد حنيناً.
قَالَ: وَكنت حَدِيث عهد بِكفْر، وَهَذَا يدل على تَأَخّر إِسْلَامه.
وَشهد بعد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اليرموك، ثمَّ جاور بِمَكَّة سنة، وَتُوفِّي بهَا، وَدفن بمقبرة الْمُهَاجِرين.
روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة وَعشْرين حَدِيثا، اتفقَا على حَدِيث، وَهُوَ هَذَا، وَزَاد مُسلم حَدِيثا آخر، وَهُوَ مَا كَانَ يقْرَأ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَضْحَى.
وَقيل: إِنَّه ولد فِي الْعَام الَّذِي ولد فِيهِ ابْن عَبَّاس، قَالَ الْمَقْدِسِي: وَفِي هَذَا وشهوده بَدْرًا نظر، وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، وَهُوَ ابْن خمس وَسبعين سنة، روى لَهُ الْجَمَاعَة، وَفِي الصَّحَابَة من يكنى بِهَذِهِ الكنية ثَلَاثَة، هَذَا أحدهم، وثانيهم: أَبُو واقدٍ مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، روى عَنهُ أَبُو عمر زَاذَان.
وثالثهم: أَبُو وَاقد النميري، روى عَنهُ نَافِع بن سرجس والليثي، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالتَّاء الْمُثَلَّثَة، نِسْبَة إِلَى لَيْث بن بكر الْمَذْكُور.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِي إِسْنَاده التحديث بِالْجمعِ والإفراد والعنعنة والاخبار.
وَمِنْهَا: أَن رِجَاله مدنيون.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ.
وَمِنْهَا: أَنه لَيْسَ للْبُخَارِيّ عَن أبي وَاقد غير هَذَا الحَدِيث، لم يروه عَنهُ إلاَّ أَبُو مرّة، وَلم يرو عَن أبي مرّة إلاَّ ابْن إِسْحَاق، وَقد صرح النَّسَائِيّ فِي رِوَايَته بِالتَّحْدِيثِ من طَرِيق يحيى بن أبي كثير عَن إِسْحَاق، فَقَالَ عَن أبي مرّة: إِن أَبَا وَاقد حَدثهُ.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عبد اللَّه ابْن يُوسُف عَن مَالك.
وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ، وَعَن أَحْمد بن الْمُنْذر عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث عَن حَرْب بن شَدَّاد وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن حبَان بن هِلَال عَن أبان بن يزِيد، كِلَاهُمَا عَن يحيى بن أبي كثير عَن إِسْحَاق بن عبد الله بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ، عَن معن بن مَالك.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين عَن أبي الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ، وَعَن عَليّ بن سعيد بن جرير عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث بِهِ.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( نفر) ، بِالتَّحْرِيكِ.
قَالَ الْجَوْهَرِي: عدَّة رجال، من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَفِي ( الْعبابُ) : النَّفر والنفير عدَّة رجال من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، وَجمع النَّفر: أَنْفَار وانفرة ونفراء.
.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: نفر الرجل رهطه.
فَإِن قلت: فعلى هَذَا التَّقْدِير أقل مَا يفهم مِنْهُ هَهُنَا تِسْعَة رجال، لِأَن أقل النَّفر ثَلَاثَة؟ لكنه لَيْسَ كَذَلِك، إِذْ لم يكن المقبلون إلاَّ رجَالًا ثَلَاثَة.
قلت: مَعْنَاهُ ثَلَاثَة هِيَ نفر، كَأَن النَّفر هُوَ بَيَان للثَّلَاثَة، أَو المُرَاد من النَّفر مَعْنَاهُ الْعرفِيّ، إِذْ هُوَ بِحَسب الْعرف يُطلق على الرجل، فَكَأَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثَة رجال.
فَإِن قلت: مُمَيّز الثَّلَاثَة لَا بُد أَن يكون جمعا، والنفر لَيْسَ بِجمع.
قلت: النَّفر إسم جمع فِي وُقُوعه تمييزاً كالجمع.
نَحْو قَوْله تَعَالَى: { تِسْعَة رَهْط} ( النَّمْل: 48) .

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: إِنَّمَا جَاءَ تَمْيِيز التِّسْعَة بالرهط لِأَنَّهُ فِي معنى الْجَمَاعَة، فَكَأَنَّهُ قيل: تِسْعَة أنفسٍ، وَالْفرق بَين الرَّهْط والنفر: أَن الرَّهْط من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، أَو من السَّبْعَة إِلَى الْعشْرَة، والنفر من الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة، وَلَا يخفى مُخَالفَته لما فِي ( الصِّحَاح) .
قَوْله: ( فَأَدْبَرَ) من الإدبار، وَهُوَ التولي.
قَوْله: ( فأوى إِلَى الله) بِالْهَمْزَةِ الْمَقْصُورَة.
وَقَوله: ( فآواه الله) بِالْهَمْزَةِ الممدودة، وَيُقَال بالمقصورة أَيْضا،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: الرِّوَايَة الصَّحِيحَة قصر الأول وَمد الثَّانِي: وَهُوَ الْمَشْهُور فِي اللُّغَة، وَفِي الْقُرْآن: { إِذْ أَوَى الْفتية إِلَى الْكَهْف} ( الْكَهْف: 10) بِالْقصرِ، { وآويناهما إِلَى ربوة} ( الْمُؤْمِنُونَ: 50) بِالْمدِّ.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: حكى بَعضهم فيهمَا اللغتين: الْقصر وَالْمدّ، وَالْمَشْهُور الْفرق وَفِي ( الْمطَالع) قَوْله: ( فأوى إِلَى الله) مَقْصُور الْألف، فآواه الله، مَمْدُود الْألف هَذَا هُوَ الْأَشْهر فِيمَا روينَاهُ.
وَقد جَاءَ الْمَدّ فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا، وَالْقصر فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا، لَكِن الْمَدّ فِي الْمُتَعَدِّي أشهر، وَالْقصر فِي اللَّازِم أشهر، وَمعنى: آواه الله: جعل الله لَهُ فِيهِ مَكَانا وفسحة لما انْضَمَّ إِلَيْهِ، أَعنِي مجْلِس النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وَقيل: قربه إِلَى مَوضِع نبيه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقيل: يؤويه إِلَى ظلّ عَرْشه.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: أَوَى فلَان إِلَى منزله يأوي أوياً، على فعول، وآويته إيواءً وأويته: إِذا انزلته بك.
فعلت وأفعلت بِمَعْنى.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( بَيْنَمَا) قد مر غير مرّة أَن: بَيْنَمَا، أَصله: بَين، زيدت فِيهِ لَفْظَة: مَا.
وَهُوَ من الظروف الَّتِي لَزِمت إضافتها إِلَى الْجُمْلَة، وَفِي بعض النّسخ: بَينا، بِغَيْر لَفْظَة: مَا، وأصل: بَينا، أَيْضا بَين، فاشبعت فَتْحة النُّون بِالْألف، وَالْعَامِل فِيهِ معنى المفاجأة المستفادة من لَفْظَة: إِذْ أقبل، وَقد قُلْنَا: إِن الْأَصْمَعِي لَا يستفصح مَجِيء إِذا وَإِذ فِي جَوَاب بَين.
قَوْله: ( هُوَ) ، مُبْتَدأ و: جَالس، خَبره.
وَقَوله: ( فِي الْمَسْجِد) حَال، كَذَا قَوْله: ( وَالنَّاس مَعَه) جملَة حَالية.
قَوْله: ( إِذْ أقبل) جَوَاب: بَيْنَمَا.
وَقَوله: ( ثَلَاثَة نفر) فَاعل أقبل.
قَوْله: ( وَذهب وَاحِد) ، جملَة فعلية عطف على قَوْله: ( فَأقبل اثْنَان) .
قَوْله: ( فوقفا) عطف على قَوْله: ( أقبل اثْنَان) قَوْله: ( فَأَما) ، كلمة: اما، للتفصيل، و: أحدهم، مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره: فَرَأى فُرْجَة، وَإِنَّمَا دخلت: الْفَاء، لتضمن: اما، معنى الشَّرْط.
وَإِنَّمَا أخرت إِلَى الْخَبَر كَرَاهَة أَن يوالى بَين حرفي الشَّرْط وَالْجَزَاء لفظا.
قَوْله: ( فَجَلَسَ فِيهَا) عطف على قَوْله: ( فَرَأى) ، وَالْكَلَام فِي إِعْرَاب: ( وَأما الآخر فَجَلَسَ خَلفهم) ، كَالْكَلَامِ فِي الأول، وخلفهم، نصب على الظَّرْفِيَّة، وَكَذَا الْكَلَام فِي: أدبر.
قَوْله: ( ذَاهِبًا) .
حَال.
قَوْله: ( قَالَ: ألاَ) جَوَاب لما، وَألا، حرف التَّنْبِيه سَوَاء فِيهِ مَا كَانَ الْمُخَاطب بِهِ مُفردا أَو مثنى أَو مجموعاً، وَيحْتَمل أَن تكون الْهمزَة للاستفهام، و: لَا، للنَّفْي.
قَوْله: ( أما أحدهم) الْكَلَام فِي إعرابه، وَفِي إِعْرَاب: أما، الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة مثل الْكَلَام فِي إِعْرَاب: أما أَحدهمَا فَرَأى فُرْجَة.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( إِذْ أقبل ثَلَاثَة نفر) : اعْلَم أَن هَهُنَا إقبالين: أَحدهمَا: إقبالهم أَولا من الطَّرِيق، أَقبلُوا ودخلوا الْمَسْجِد مارين، يدل عَلَيْهِ حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ: ( فَإِذا ثَلَاثَة نفر يَمرونَ) ، وَالْآخر: إقبال الِاثْنَيْنِ مِنْهُم حِين رَأَوْا مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأما الثَّالِث فَإِنَّهُ اسْتمرّ ذَاهِبًا.
وَبِهَذَا التَّقْدِير سقط سُؤال من قَالَ: كَيفَ قَالَ أَولا: أقبل ثَلَاثَة؟ ثمَّ قَالَ: فَأقبل اثْنَان؟ وَالْحَال لَا يَخْلُو من أَن يكون الْمقبل اثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة.
قَوْله: ( فوقفا) زَاد فِي رِوَايَة ( الْمُوَطَّأ) : ( فَلَمَّا وَقفا سلما) ، وَكَذَا عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَلم يذكر البُخَارِيّ هَهُنَا، وَلَا فِي الصَّلَاة، السَّلَام وَكَذَا لم يَقع فِي رِوَايَة مُسلم.
وَمعنى قَوْله: ( فوقفا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَقفا على مجْلِس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مَعْنَاهُ: أشرفا عَلَيْهِ، وَمِنْه وقفته على ذَنبه أَي: أطلعته عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: على، بِمَعْنى: عِنْد.
قلت: لم تجىء: على، بِمَعْنى: عِنْد، فَمن ادّعى ذَلِك فَعَلَيهِ الْبَيَان من كَلَام الْعَرَب.
قَوْله: ( وَأما الآخر) ، بِفَتْح الْخَاء بِمَعْنى: وَأما الثَّانِي، لِأَن الآخر، بِالْفَتْح، أحد الشَّيْئَيْنِ، وَهُوَ اسْم أفعل، وَالْأُنْثَى: أُخْرَى إلاَّ أنّ فِيهِ معنى الصّفة، لِأَن أفعل من كَذَا لَا يكون إلاَّ فِي الصّفة.
وَأما الآخر بِكَسْر الْخَاء، فَهُوَ بعد الأول، وَهُوَ صفة، يُقَال: جَاءَ آخرا، أَي: أخيراً.
وَتَقْدِيره فَاعل، وَالْأُنْثَى آخِرَة، وَالْجمع أَوَاخِر.
قَوْله: ( فَلَمَّا فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: عَمَّا كَانَ مشتغلاً بِهِ من الْخطْبَة، وَتَعْلِيم الْعلم أَو الذّكر، وَنَحْوه.
قَوْله: ( أما أحدهم) فِيهِ حذف تَقْدِيره قَالُوا: أخبرنَا، فَقَالَ: أما أحدهم فاوى إِلَى الله أَي: لَجأ إِلَى الله.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: مَعْنَاهُ: دخل مجْلِس ذكر الله.
قَوْله: ( فآواه الله) ، من بابُُ المشاكلة.
والمقابلة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ومكروا ومكر الله} ( آل عمرَان: 54) فَسمى مجازاته باسم فعله بطرِيق الْمجَاز، وَذَلِكَ لِأَن الإيواء هُوَ الْإِنْزَال عنْدك، وَهُوَ لَا يتَصَوَّر فِي حق الله تَعَالَى، فَيكون مجَازًا عَن لَازمه، وَهُوَ إِرَادَة إِيصَال الْخَيْر وَنَحْوه، فَيكون من ذكر الْمَلْزُوم، وَإِرَادَة اللَّازِم.
وَيُقَال: مَعْنَاهُ فآواه الله إِلَى جنته.
قَوْله: ( وَأما الآخر فاستحيى) أَي: ترك الْمُزَاحمَة كَمَا فعل رَفِيقه حَيَاء من النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، والحاضرين.
قَالَه القَاضِي عِيَاض.
وَيُقَال: مَعْنَاهُ استحيى من الذّهاب عَن الْمجْلس، كَمَا فعل رَفِيقه الثَّالِث، وَيُؤَيّد هَذَا الْمَعْنى مَا جَاءَ فِي رِوَايَة الْحَاكِم الثَّانِي: ( فَلبث ثمَّ جَاءَ فَجَلَسَ) .
قَوْله: ( فاستحيى مِنْهُ) .
أَي: جازاه بِمثل فعله بِأَن رَحمَه وَلم يُعَاقِبهُ، وَهَذَا أَيْضا من بابُُ المشاكلة، وَذَلِكَ لِأَن الْحيَاء تغير وانكسار يعتري الْإِنْسَان من خوف مَا يذم بِهِ، وَهَذَا محَال على الله تَعَالَى، فَيكون مجَازًا عَن ترك الْعقَاب للاستحياء، فَيكون هَذَا أَيْضا من قبيل ذكر الْمَلْزُوم وَإِرَادَة اللَّازِم.
قَوْله: ( وَأما الآخر فاعرض) أَي: عَن مجْلِس رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلم يلْتَفت إِلَيْهِ، بل ولى مُدبرا.
قَوْله: ( فاعرض الله عَنهُ) أَي: جازاه بِأَن سخط عَلَيْهِ، وَهَذَا أَيْضا من بابُُ المشاكلة، وَذَلِكَ لِأَن الْإِعْرَاض هُوَ الِالْتِفَات إِلَى جِهَة أُخْرَى، وَذَلِكَ لَا يَلِيق فِي حق الله تَعَالَى، فَيكون مجَازًا عَن السخط وَالْغَضَب الْمجَاز عَن إِرَادَة الانتقام.
وَالْقَاعِدَة فِي مثل هَذِه الإطلاقات الَّتِي لَا يُمكن حملهَا على ظواهرها أَن يُرَاد بِهِ غاياتها ولوازمها، والعلاقة بَين الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَالْمعْنَى الْمجَازِي: اللُّزُوم والقرينة الصارفة عَن إِرَادَة الْحَقِيقَة هُوَ الْعقل، إِذا لَا يتَصَوَّر الْعقل صُدُور هَذِه الْأَشْيَاء من الله تَعَالَى.
فَإِن قلت: هَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة إِخْبَار أَو دُعَاء.
قلت: يحْتَمل الْمَعْنيين فِي لَفْظَة: الإيواء والإعراض، وَلَكِن مَا وَقع فِي رِوَايَة أنس: ( وَأما الآخر فاستغنى فاستغنى الله عَنهُ) ، يُؤَيّد معنى الْإِخْبَار.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون من بابُُ التَّشْبِيه، أَي: يفعل الله تَعَالَى كَمَا يفعل المؤوي والمستحي والمعرض.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ، فِي قَوْله تَعَالَى: { إِن الله لَا يستحي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا} ( آل عمرَان: 54) فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ وصف الْقَدِيم بالاستحياء؟ قلت: هُوَ جَار على سَبِيل التَّمْثِيل، وَمثل تَركه يتْرك من يتْرك شَيْئا حَيَاء مِنْهُ.

ثمَّ اعْلَم أَن قَوْله: ( فاعرض الله) ، مَحْمُول على من ذهب معرضًا، لَا لعذر.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: من أعرض عَن نبيه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وزهد مِنْهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِن وَإِن كَانَ هَذَا مُؤمنا وَذهب لحَاجَة دنياوية أَو ضَرُورِيَّة فإعراض الله عَنهُ ترك رَحمته وعفوه، فَلَا يثبت لَهُ حَسَنَة وَلَا يمحو عَنهُ سَيِّئَة.
قلت: وَإِن كَانَ ذَاك منافقاً كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اطلع على أمره، فَلذَلِك قَالَ: فاعرض الله عَنهُ.

بَيَان استنباط الاحكام: وَهُوَ على وُجُوه.
الأول: فِيهِ أَن من جلس إِلَى حَلقَة علم أَنه فِي كنف الله تَعَالَى وَفِي ايوائه، وَهُوَ مِمَّن تضع لَهُ الْمَلَائِكَة اجنحتها.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَكَذَلِكَ يجب على الْعَالم أَن يؤوي المتعلم لقَوْله: ( فآواه الله) .
الثَّانِي: أَن فِيهِ أَن من قصد الْعَالم ومجالسته فاستحيى مِمَّن قَصده فَإِن الله يستحيي مِنْهُ فَلَا يعذبه.
الثَّالِث: فِيهِ أَن من أعرض عَن مجالسة الْعَالم فَإِن الله يعرض عَنهُ، وَمن أعرض الله عَنهُ فقد تعرض لسخطه.
الرَّابِع: اسْتِحْبابُُ التحلق للْعلم وَالذكر فِي الْمَسْجِد.
الْخَامِس: فِيهِ اسْتِحْبابُُ الْقرب من الْكَبِير فِي الْحلقَة ليسمع كَلَامه.
السَّادِس: فِيهِ اسْتِحْبابُُ الثَّنَاء على من فعل جميلاً.
السَّابِع: فِيهِ أَن الْإِنْسَان إِذا فعل قبيحاً أَو مذموماً وباح بِهِ جَازَ أَن ينْسب إِلَيْهِ.
الثَّامِن: فِيهِ أَن من حسن الْأَدَب أَن يجلس الْمَرْء حَيْثُ انْتهى مَجْلِسه، وَلَا يُقيم أحدا.
وَقد رُوِيَ ذَلِك فِي الحَدِيث أَيْضا.
التَّاسِع: فِيهِ ابْتِدَاء الْعَالم جلساءه بِالْعلمِ قبل أَن يسْأَل عَنهُ.
الْعَاشِر: فِيهِ أَن من سبق إِلَى مَوضِع فِي مجْلِس كَانَ هُوَ أَحَق بِهِ، لتَعلق حَقه بِهِ فِي الْجُلُوس.
الْحَادِي عشر: فِيهِ سد خلل الْحلقَة، كَمَا ورد التَّرْغِيب فِي سد خلل الصُّفُوف فِي الصَّلَاة.
الثَّانِي عشر: فِيهِ جَوَاز التخطي لسد الْخلَل مَا لم يؤذ أحدا، فَإِن خشِي اسْتحبَّ أَن يجلس حَيْثُ يَنْتَهِي.
الثَّالِث عشر: فِيهِ الثَّنَاء على من زاحم فِي طلب الْخَيْر.