هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
675 حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، - قَالَ عَبْدٌ : أَخْبَرَنِي ، وَقَالَ الْآخَرَانِ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - وَحَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سِتْرَ الْحُجْرَةِ ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا ، وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ ، ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا قَالَ : فَبُهِتْنَا وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَحٍ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ ، قَالَ : ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْخَى السِّتْرَ قَالَ : فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَشَفَ السِّتَارَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ ، وَحَدِيثُ صَالِحٍ أَتَمُّ وَأَشْبَعُ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قال عبد : أخبرني ، وقال الآخران : حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد وحدثني أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أنس بن مالك ، أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ستر الحجرة ، فنظر إلينا ، وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ، ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا قال : فبهتنا ونحن في الصلاة من فرح بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف ، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج للصلاة ، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن أتموا صلاتكم ، قال : ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرخى الستر قال : فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك وحدثنيه عمرو الناقد ، وزهير بن حرب ، قالا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس ، قال آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . كشف الستارة يوم الاثنين بهذه القصة ، وحديث صالح أتم وأشبع وحدثني محمد بن رافع ، وعبد بن حميد ، جميعا عن عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني أنس بن مالك ، قال : لما كان يوم الاثنين بنحو حديثهما
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Anas b. Malik reported, Abu Bakr led them in prayer due to the illness of the Messenger of Allah (ﷺ) of which be died. It was a Monday and they stood in rows for prayer. The Messenger of Allah (ﷺ) drew aside the curtain of ('A'isha's) apartment and looked at us while he was standing, and his (Prophet's) face was (as bright) as the paper of the Holy Book. The Messenger of Allah (ﷺ) felt happy and smiled. And we were confounded with joy while in prayer due to the arrival (among our midst) of the Messenger of Allah (ﷺ), Abu Bakr stepped back upon his heels to say prayer in a row perceiving that the Messenger of Allah (ﷺ) had come out for prayer. The Messenger of Allah (ﷺ) with the help of his hand signed to them to complete their prayer. The Messenger of Allah (ﷺ) went back (to his apartment) and drew the curtain. He (the narrator) said:

The Messenger of Allah (ﷺ) breathed his last on that very day.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الأثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة فنظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا قال فبهتنا ونحن في الصلاة من فرح بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج للصلاة فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن أتموا صلاتكم قال ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرخى الستر قال فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك.


المعنى العام

ما أشد حرص السلف الصالح على طلب العلم، وعلى انتقالهم إلى مصدره وإلى اختيار من هو أعلم بالمطلوب، وعلى الاستيثاق ممن يأخذون.
هذا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يروي أنه ذهب إلى أم المؤمنين عائشة يسألها عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، فقال لها -وبينهما الحجاب-: يا أم المؤمنين، أرجو أن تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمت عائشة بذكائها أنه لا يسأل عن نوع المرض أو مكانه أو صفته، وإنما يسأل عن ملابسات المرض من الاستخلاف في الصلاة والحرص في أحرج الأوقات على إقامتها، فأجابت رضي الله عنها إجابة شفت السائل، وأشبعت استفهاماته، وصورت الموقف المخزن بأنه صلى الله عليه وسلم قد مرض في مرضه الأخير عشرة أيام قبل وفاته، أمضى الأيام الثلاثة الأولى منه يتحامل على نفسه، وينتقل بين أزواجه منفذا القسم بينهن، وفيهن كبيرة السن التي لا تستطيع خدمة المريض خدمة كاملة، وفيهن ذات العيال التي يتعذر على المريض الراحة التامة عندها، لقد كان يسائلهن: أين أنا غدا؟ أين سأبيت الليلة القادمة؟ عند من من نسائي سأكون غدا؟ يتشوف إلى يوم عائشة، التي يستريح قلبه عندها، إنها حبيبته أو أحب زوجاته إليه، وابنة أحب الناس إليه، وفهمت ابنته فاطمة مقصده، فقالت لهن: إنه لا يستطيع أن يدور على البيوت، وإنه يستأذن في الإقامة في بيت واحدة، فقلن -رضي الله عنهن-: يا رسول الله قد وهبنا ليالينا لأختنا عائشة، فذهب إلى بيت عائشة يوم الإثنين وتوفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين بعد أسبوع، ولقد كان بيت عائشة ملاصقا للمسجد بل يفتح فيه، وليس بينهما إلا ستارة، وكان لشدة حرصه صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة يتكلف الصعب والمشقة، ويخرج إلى الجماعة يصلي بالناس، فلما اشتد عليه المرض، وانتابه الإغماء ثم أفاق أخذ يسأل صلى الله عليه وسلم: أصلى الناس؟ فأجيب: لا، وهم ينتظرون في المسجد، لتخرج فتصلي بهم، فقال: ضعوا لي ماء أغتسل منه وأتوضأ، فوضعوا الماء فاغتسل فلما أراد القيام لم يستطع وعاوده الإغماء، فلما أفاق سأل: أصلى الناس؟ قيل: لم يصلوا وهم ينتظرونك، قال: ضعوا لي ماء في المغسل، أغتسل منه وأتوضأ، ففعلوا فاغتسل وتوضأ، فلما أراد القيام عاوده الإغماء، تكرر هذا ثلاث مرات أو أكثر، فلما أفاق واستيقن أنه من الصعب أن يخرج قال: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس، وأشفقت عائشة على أبيها، أن يتشاءم الناس منه إن هو قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخافت على أبيها كراهية الناس له إذا ارتبطت إمامته بمرض من يحبون أو بموت أحب الناس إليهم، فقالت: يا رسول الله، إن أبا بكر رقيق القلب سريع الدمع، إن هو وقف موقفك لا يملك نفسه من البكاء، فلا يسمع الناس الصلاة، فمر عمر الرجل القوي الشديد أن يصلي بالناس، فأعاد صلى الله عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس.
فأعادت عائشة المراجعة.
فأعاد صلى الله عليه وسلم الأمر، فهمست عائشة لحفصة أن تقول له ما قالت، فاستجابت لها حفصة وقالت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل رقيق لا يسمع الناس من البكاء إن قام مقامك فمر عمر أن يصلي بالناس.
وغضب صلى الله عليه وسلم من طول المراجعة، فوجه اللوم لعائشة قائلا: إنكن -معشر النساء- صواحب يوسف، إن طبائعكن كطبائع زليخا امرأة العزيز، تكثرن الإلحاح، وتبدين ما لا تخفين، مروا أبا بكر فليصل بالناس، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فأمروه أن يذهب إلى أبي بكر ليصلي بالناس، فذهب إليه في المسجد يقول له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، وأحس أبو بكر بثقل التبعة، وشعر بضعفه عن أن يتحمل هذا الموقف الصعب، وخشي أن يبكي في الصلاة فيثير الشجن في المصلين، وينشر البكاء والضجيج في المسجد، فقال لعمر: صل أنت بالناس فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك، ولا سبيل إلى تغيير أمره، فصل بالناس: فصلى بهم أبو بكر صلاة العشاء الآخرة، ثم صلى بهم الصبح، فلما جاءت صلاة الظهر في اليوم التالي وجد صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ونشاطا يمكنه من الصلاة في المسجد، فخرج بين عمه العباس وابن عمه علي بن أبي طالب، يتوكأ عليهما، ويخط برجليه في الأرض، لعدم قدرته على رفعهما، وكان أبو بكر قد بدأ الصلاة بالناس، فلما رآه أبو بكر تخلى عن إمامته، وأراد أن يتأخر.
ليصل إلى الصف، فقبل منه صلى الله عليه وسلم الإمامة ولم يقبل أن يتأخر إلى الصف تكريما لأبي بكر.
وإشارة إلى تقديمه على المسلمين.
فأشار إليه صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر.
وقال للعباس ولعلي: اجلساني بجانبه.
فأجلساه.
فصلى وصوته خافت لا يبلغ الناس.
فكان أبو بكر ينقل تكبيراته ويسمعهم، وهو يصلي كالناس واقفا، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، وتعدد خروج النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة مع أبي بكر، وكان يجلس مرة عن يمينه: ومرة عن شماله بحذائه، كما استند في خروجه مرة على أسامة بن زيد، ومرة على الفضل بن عباس، ومرة على بريرة، ومرة على نوبة، وهو عبد أسود، وربما توكأ على بعض هؤلاء ذهابا، وعلى بعضهم إيابا، حتى إذا لم يبق على وفاته صلى الله عليه وسلم إلا ثلاث لم يستطع الخروج، لكنه كان يطمئن بين الحين والحين على اهتمام الصحابة بصلاة الجماعة، وعلى إمامة أبي بكر فلما كان يوم الأثنين الذي توفي فيه صلى الله عليه وسلم، وكانت صلاة الظهر، ودخل الناس في الصلاة رفع صلى الله عليه وسلم الستارة التي بينه وبين المسجد، فرأى صحابته صفوفا خلف أبي بكر يقيمون شعائر الإسلام، ويحافظون على تعاليمه، فأشرق وجهه وأضاء، وهز رأسه راضيا مطمئنا، وتبسم فرحا وسرورا، وأحس الصحابة برفع الحجاب، ولحظوا بعيونهم إشراقة وجهه ونور ابتسامته التي حرموها منذ ثلاث فكادوا يفتنون فرحا، وتهللت وجوههم بشرا، وبهتوا حيرة ودهشة وشوقا وظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج إليهم بعد غيبة صعبة، وسمع في المسجد صوت الذكر والتسبيح، ينبه أبا بكر للحدث الجلل والبشر العظيم، فرجع أبو بكر على عقبيه، وتأخر عن الإمامة لهفة عليه، فأشار إليهم صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم، ثم أرخى الستر، وأنزل الحجاب ودخل، وكانت آخر نظرة منه على صلاتهم، وآخر نظرة منهم إلى وجهه الوضاء، ولحق من يومه بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم، نشهد أنه رسول الله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، ونحن على ذلك من الشاهدين، اللهم أعطه الوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة العالية في الجنة، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد.

المباحث العربية

( ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) ألا للعرض أو التحضيض ومعناهما طلب الشيء، لكن العرض طلب برفق، والتحضيض طلب بحث أي حدثيني، والمراد من المرض مرضه الأخير الذي توفي فيه.

( قالت: بلى) بلى حرف جواب عن النفي، وكأنه روعي في جوابها أصل ألا وأنها مركبة من همزة الاستفهام، و لا النافية.

( ثقل النبي صلى الله عليه وسلم) ثقل في مرضه، بفتح الثاء وضم القاف إذا تناهى في الضعف، وركدت أعضاؤه عن خفة الحركة، حتى لا تكاد تحمله رجلاه.

( قلنا: لا، وهم ينتظرونك) القائل عائشة، ونسب للحاضرين لموافقتهم وجملة وهم ينتظرونك في موقع الحال من الضمير الواقع في مضمون لا إذ أصلها: لم يصلوا منتظرين حضورك، وفيها التعريض لأن يخرج، فيصلي بهم.

( ضعوا لي ماء في المخضب) المخضب بكسر الميم وفتح الضاد بينهما خاء ساكنة، والمشهور أنه الإناء الذي يغسل فيه الثياب من أي جنس كان.

( فاغتسل) حمله بعض العلماء على الوضوء، وحمله بعضهم على الغسل الكامل، وسيأتي توضيحه في فقه الحديث.

( ثم ذهب لينوء) أي ثم أخذ يقوم وينهض بجهد، ففي القاموس: ناء نهض بجهد ومشقة، وبالحمل نهض مثقلا، وفلان ثقل فسقط، والنوء النجم مال للغروب.
اهـ.

( قالت: والناس عكوف في المسجد) أي مجتمعون منتظرون لخروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصل الاعتكاف اللزوم والحبس، وهذه الجملة قالتها عائشة عند روايتها لعبيد الله، ولم تقلها للرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا جاء الراوي بكلمة قالت.

( فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول أرسل بتضمينه معنى طلب أي طلب إليه الصلاة بالناس.

( فأتاه الرسول) أي فأتى أبا بكر رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بلال.

( كان رجلا رقيقا) أي رقيق القلب، وفد فسره في الرواية الخامسة بأنه لا يملك دمعه إذا قرأ القرآن.

( فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام) أي التي مرض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطع عن الذهاب فيها إلى المسجد، وهي ثلاثة على أرجح الأقوال وسيأتي توضيح المسألة في فقه الحديث.

( فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر) قولها صلاة الظهر بعد قولها من قبل لصلاة العشاء الآخرة صريح في أن الخروج كان في غير وقت الإغماء السابق، فهو خروج غير خروج.

( فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، أي أومأ إليه بعدم التأخر.

( وقال لهما: اجلساني) أي قال للرجلين اللذين خرج بينهما.

( قال: هات) اسم فعل أمر، بمعنى احضر، مبني على الكسر.

( أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة) في بيت ميمونة متعلق بمحذوف خبر، وما مصدرية، أي أول شكايته صلى الله عليه وسلم كان في بيت ميمونة إحدى زوجاته صلى الله عليه وسلم.

( فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها) يمرض بضم الياء وفتح الميم والراء المشددة، أي يخدم في مرضه، وقول الراوي في بيتها أي في بيت عائشة، والمفروض أنها قالت في بيتي كما هو لفظ الرواية الثالثة واستأذن طلب الإذن، وكان طلبه بطريق التلميح والتعريض، لا بطريق التصريح على الصحيح، فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه، يقول: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء وروى ابن سعد أن فاطمة هي التي خاطبت أمهات المؤمنين بذلك، فقالت لهن: إنه يشق عليه الاختلاف نعم جاء عند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال لنسائه: إني لا أستطيع أن أدور ببيوتكن، فإذا شئتن أذنتن لي وكان هذا الاستئذان قبل موته صلى الله عليه وسلم بسبعة أيام، فعند ابن أبي مليكة عن عائشة أن دخوله في بيتها كان يوم الإثنين، ومات يوم الإثنين الذي يليه.

( وأذن له) بكسر الذال وتشديد النون المفتوحة أي أذن الأزواج له.

( وهو يخط برجليه في الأرض) كناية عن الضعف وعدم اعتماده على رجليه وتحامله على الرجلين، أي يجرهما في الأرض لدرجة أنهما يجعلان فيها خطا.

( واشتد به وجعه) أي مرضه، والعرب تسمي كل مرض وجعا.
قاله القاضي عياض.

( لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك) أي في أمر استخلاف أبي بكر للصلاة بالناس.

( فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر) كذا ضبطتها النسخة التي بيدي، رسول بالرفع، والمعنى عليها فأردت أن يعدل رسول الله الإمامة عن أبي بكر، أي أن يحولها عنه، والإشارة لأمر الإمامة، ولو أن لفظ رسول الله بالنصب تكون الإشارة لتوقف عائشة ومراجعتها.

( مروا أبا بكر فليصل بالناس) مروا أصله اؤمرو، لأنه من أمر فحذفت الهمزة للاستثقال، واستغنى عن الألف، فحذفت، فبقي مروا، على وزن علوا، لأن المحذوف فاء الكلمة.

( فلو أمرت غير أبي بكر) لو للعرض، أي الطلب برفق أو للتمني أي ليتك تأمر غير أبي بكر، أو للشرط، وجوابها محذوف أي لو أمرت غير أبي بكر كان خيرا.

( والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس) ما نافية، وبي جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وكراهية تشاؤم الناس مبتدأ مؤخر.

( فراجعته مرتين أو ثلاثا) شك من عائشة في عدد مراجعتها وظاهر روايتنا أن المراجعة كانت مرتين، مرة بنفسها، ومرة بواسطة حفصة، لكن في البخاري وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: إنكن صواحب يوسف مما ظاهره أن المراجعة بلغت ثلاثا.

( فإنكن صواحب يوسف) أي مثل صواحب يوسف، ففي الكلام تشبيه بليغ، وصواحب يوسف جمع صاحبة، والخطاب إن كان لعائشة وحفصة باعتبار أن أقل الجمع اثنان، أو كان لهما وللحاضرات باعتبار موافقتهن فظاهر، وإن كان لعائشة وحدها فهو من قبيل خطاب الجماعة وإرادة الواحد، تخفيفا عليه في الزجر، كما أن صواحب صيغة جمع والمراد بها زليخا فقط، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك، وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف، ويعذرنها في محبته وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك، وهو ألا يتشاءم الناس به قاله الحافظ ابن حجر، وقال القاضي عياض: وجه الشبه التظاهر والإلحاح على ما أرادته عائشة وحفصة، كتظاهر امرأة العزيز ونسائها على يوسف عليه السلام ليصرفنه عن رأيه في الاستعصام.

وقال السنوسي قيل: إن وجه الشبه كون المظهر شيئا والمراد غيره فإن نساء امرأة العزيز لمنها على المراودة، وبهن من حب يوسف عليه السلام والرغبة في مراودته ما بامرأة العزيز أو أشد، اهـ ولا مانع من كون وجه الشبه الأمرين معا، الإلحاح وإظهار غير المقصود.

( إن أبا بكر رجل أسيف) بوزن فعيل، وهو بمعنى فاعل، من الأسف وهو شدة الحزن، والمراد أنه رقيق القلب، سريع البكاء، والأسف عند العرب شدة الحزن والندم، وقول يعقوب عليه السلام { { يا أسفى على يوسف } } [يوسف: 84] يعني واحزناه توجعا لفقده، وأما الأسف بكسر السين فهو الغضبان المتهلف، قال تعالى: { { فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا } } [الأعراف: 150] ذكره العيني.

( فأمروا أبا بكر يصلي بالناس) يصلي مسبوك بمصدر من غير سابك والمصدر مجرور بحرف جر محذوف والتقدير: فأمروا أبا بكر بالصلاة بالناس.

( فقام يهادى بين رجلين) يهادى بضم الياء وفتح الدال، مبني للمجهول، يقال: جاء فلان يهادى بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه متمايلا إلى هذا مرة، وهذا مرة، من شدة الضعف والتهادي التمايل في المشي البطيء.

( فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه) في القاموس: الحس بفتح الحاء الجلبة، والحس بكسرها الحركة وأن يمر بك قريبا، فتسمعه ولا تراه والرواية بكسر الحاء: أي سمع أبو بكر حركته.

( قال عروة...إلخ) في الرواية السابعة.
قال الكرماني: من هنا إلى آخر الحديث موقوف على عروة، وهو من مراسيل التابعين ويحتمل دخوله تحت الإسناد الأول، وأخرجه ابن ماجه بهذا الإسناد متصلا، ويحتمل أن يكون عروة أخذه عن غير عائشة، فقطع الجزء الثاني عن الجزء الأول.

( فأشار إليه صلى الله عليه وسلم أي كما أنت) ما موصولة وأنت مبتدأ وخبرها وعائد الصلة محذوف تقديره عليه والكاف للتشبيه، والجملة خبر كان المحذوفة مع اسمها، أي كن مشابها للذي أنت عليه.
أي يكون حالك في المستقبل مشابها لحالك في الماضي.

( فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حذاء أبي بكر إلى جنبه) أي محاذيا أبا بكر من جهة الجنب، لا من جهة القدام والخلف، أي بجواره لا يسبقه ولا يتأخر عنه.

( حتى إذا كان يوم الإثنين) روي برفع يوم على جعل كان تامة وبالنصب على خبر كان، أي حتى إذا كان الزمن يوم الإثنين، والأول أوضح.

( كأن وجهه ورقة مصحف) وجه الشبه الجمال البارع، وحسن الوجه وصفاء البشرة، وفي ميم المصحف الحركات الثلاث.
قال الأبي: والمصحف هو من لفظ الراوي، لأنه لم يكن حينئذ.

( فبهتنا ونحن في الصلاة من فرح بخروج رسول الله) بهتنا بالبناء للمجهول، أي أخذنا بغتة، وانتابتنا الحيرة، ففي القاموس: والبهت بفتح الباء الأخذ بغتة والحيرة، فعلهما كعلم ونصر وكرم وزهي وهو مبهوت لا باهت.
اهـ.

وفي رواية البخاري، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم.

( ونكص أبو بكر على عقبيه) أي رجع إلى الخلف.

( ليصل الصف) قال العيني: الصف منصوب بنزع الخافض أي إلى الصف.
اهـ لكن في القاموس: وصل الشيء وإليه وصولا بلغه وانتهى إليه.
اهـ فيكون هنا منصوبا على أنه مفعول به.

( أن أتموا صلاتكم) أن هنا تفسيرية بمعنى أي، وهي مسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه، فالجملة بعدها تفسير لإشارته صلى الله عليه وسلم.

( آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) مبتدأ، خبره الجملة المحكية كشف الستارة إلى آخر القصة.

( لم يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا) أي ثلاث ليال، وكان ابتداء الثلاث من حين خرج، فصلى بهم جالسا.

( فقال صلى الله عليه وسلم بالحجاب) أي أخذ صلى الله عليه وسلم بالحجاب، وإجراء لفظ قال بمعنى فعل شائع في كلام العرب.

( فلما وضح لنا وجه النبي صلى الله عليه وسلم) أي فلما ظهر لنا وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن التين: فلما ظهر لنا بياضه وحسنه، لأن الوضاح عند العرب هو الأبيض اللون لحسنه.
اهـ.

( ما نظرنا منظرا قط) بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات، ويختص بالنفي، ظرف لاستغراق ما مضى، أي ما نظرنا منظرا فيما مضى من عمرنا، والعامة تقول: لا أفعله قط، وهو لحن، ذكره ابن هشام في مغنى اللبيب.

( فأومأ نبي الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول أومأ بتضمينه معنى طلب أي طلب إليه التقدم.

( فلم نقدر عليه حتى مات) نقدر بفتح النون وكسر الدال.
أي فلم نقدر على رؤيته حتى مات، وفي رواية للبخاري فلم يقدر بالياء بدل النون وبالبناء للمجهول.

( فصلى بهم أبو بكر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي منذ أن اعتكف حتى مات صلى الله عليه وسلم.

فقه الحديث

ويؤخذ من الحديث

1- قال النووي: في قول عائشة وهم ينتظرونك يا رسول الله دليل على أنه إذا تأخر الإمام عن أول الوقت، ورجي مجيئه على قرب ينتظر، ولا يتقدم غيره.

وسنبسط المسألة في الباب التالي.

2- وأن الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة استخلف من يصلي بهم، وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم.

3- وفي الحديث دليل على نسخ القعود خلف الإمام القاعد لعذر ووجوب وقوف المأموم القادر على القيام وإن جلس إمامه لعذر.
وقد بسطت المسألة والمذاهب فيها وأدلة كل مذهب في الباب السابق.

4- يؤخذ من قوله في الرواية الأولى فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر وفي الرواية السادسة فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه، فذهب يتأخر وفي الرواية السابعة فلما رآه أبو بكر استأخر وفي الرواية الثامنة ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف يؤخذ من هذه العبارات أن من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الراتب، فتأخر الأول، أو لم يتأخر جازت صلاته، وبهذا قال جمهور الشافعية، فجوزوا التأخير اعتمادا على تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لتأخر أبي بكر، وجوزوا عدم التأخر لإشارته صلى الله عليه وسلم لأبي بكر بعدم التأخر، وجمهور الفقهاء على أنه لا يجوز للإمام الأول التأخر، وحملوا الحديث على أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز التقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لسائر الناس اليوم من الفضل من يجب أن يتأخر له، وحكى ابن عبد البر الإجماع على هذا القول، لكن حكايته الإجماع مردودة بخلاف الشافعية السابق الذكر.

5- استدل بجلوس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنب أبي بكر على جواز وقوف مأموم واحد بجنب الإمام لحاجة أو مصلحة، كإسماع المأمويين وضيق المكان ونحو ذلك.
قال النووي: والمعلوم أنه إذا كان مع الإمام مأمومان فأكثر، فالحكم أن يتقدم الإمام عليهما أو عليهم، كما لو كانوا عراة أما تقدم واحد من المأمومين ليقف بجوار الإمام فإنه يجوز لحاجة أو مصلحة، ويقف بجوار الإمام عن يمينه، وقوله في الرواية السادسة حتى جلس عن يسار أبي بكر دليل على ذلك، إذ هي صريحة في أن أبا بكر كان عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم مقتديا به، فالمأموم عن يمين الإمام، وهكذا الحكم لو كان المأموم واحدا، فإنه يقف عن يمين الإمام قريبا منه متأخرا عنه، وقد نقل بعضهم الاتفاق على أن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام، إلا النخعي فقال: إذا كان الإمام ورجل، قام الرجل خلف الإمام، فإن ركع الإمام قبل أن يجيء أحد قام عن يمينه، فإبراهيم النخعي يقول: إن المأموم الواحد يقف خلف الإمام إذا ظن ظنا قويا مجيء مأموم ثان.

6- وقد يستشعر من الحديث صحة صلاة المأموم وإن لم يتقدم الإمام عليه كما هو في مذهب المالكية، لقوله إلى جنبه ويجيب الجمهور بأن هذه العبارة تحتمل أن يكون إلى جنبه مع تقدم عقب الإمام، كما تحتمل المحاذاة فلا دليل فيها على ما ذهب إليه المالكية.

7- وفيه جواز الصلاة الواحدة بإمامين، أحدهما بعد الآخر، وهذا ظاهر من روايتنا السادسة، ففيها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا، وأبو بكر يسمعهم التكبير ففيها أن الصحابة ائتموا بأبي بكر أولا، ثم برسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيا.

8- استدل بالحديث بعضهم على جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض أخذا من قوله في الرواية الأولى، وكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر، وفي الرواية السادسة يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر وفي الرواية السابعة فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر وهو قول الشعبي، واختيار الطبري، وجمهرة العلماء على أنه لا يجوز الاقتداء بالمقتدي في حالة اقتدائه، وردوا استدلال الشعبي والطبري بأن أبا بكر إنما كان مبلغا فمعنى اقتداء الناس بأبي بكر في هذه الروايات اقتداؤهم بصوته، فهو في حقهم كالإمام، لكنه ليس إماما، إذ كان صلى الله عليه وسلم جالسا، وكان أبو بكر قائما، فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين.

9- استدل به على جواز رفع الإمام صوته بالتكبير، ليسمعه الناس ويتبعوه.

10- قال النووي: وفيه أنه يجوز للمقتدي اتباع صوت المكبر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، ونقلوا فيه الإجماع، وما أراه يصح الإجماع فيه، فقد نقل القاضي عياض عن مذهبهم ( مذهب المالكية) أن منهم من أبطل صلاة المقتدي ومنهم من لم يبطلها، ومنهم من قال: إن أذن له الإمام في الإسماع صح الاقتداء به، وإلا فلا، ومنهم من أبطل صلاة المسمع، ومنهم من صححها، ومنهم من شرط إذن الإمام، ومنهم من قال: إن تكلف صوتا بطلت صلاته وصلاة من ارتبط بصلاته، وكل هذا ضعيف، والصحيح جواز كل ذلك، وصحة صلاة المسمع والسامع، ولا يعتبر إذن الإمام.
اهـ.

11- استدل به الطبري على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به، ويقتدي هو بغيره، من غير أن يقطع الصلاة.

12- وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة.

13- وعلى جواز تقدم إحرام المأموم على الإمام.

وهذه المآخذ الثلاثة مبنية على أن أبا بكر كان قد دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ويؤيده أن في بعض الروايات عن ابن عباس فابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر.

14- وفيه تأكيد أمر الصلاة، وأنها أهم ما يسأل عنه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في شدته لم يسأل عن شيء غير الصلاة.

15- وفيه الحرص على المبادرة إليها أول الوقت وإنما لم يبادر الصحابة في هذه الواقعة كما بادروا في حديث خروجه إلى بني عوف [الآتي في الباب التالي] لأنهم هنا رجوا خروجه عن قرب، وهناك علموا بعده أو ظنوا أنه قد صلى.

16- وفيه تأكيد أمر صلاة الجماعة، والأخذ فيها بالأشد، وإن كان المرض يرخص في تركها، ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد، وتحمل المشقة، وإن كانت الرخصة أولى، وقال الطبري: إنما فعل ذلك وخرج مع الشدة التي هو فيها لئلا يعذر أحد من الأمة بعده نفسه بأدنى عذر، فيتخلف عن الإمامة، ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك، حتى إنه صلى خلفه.

17- وفيه فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وترجحه على جميع الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- وتفضيله، وتنبيهه على أنه الأحق بالخلافة، لأن إمامة الصلاة للخليفة، وتحاول الشيعة رد هذه الفضيلة وتزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عزله عنها بخروجه وإمامته وتخلف أبي بكر ليكون مأموما، وهو زعم فاسد، فإن الرواية الثامنة والتاسعة والعاشرة صريحة في أن أبا بكر صلى بالناس بعد ذلك أياما ثلاثة لم يخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرد هذا الزعم من أساسه أن الصحابة حين تشاوروا في الخلافة قالوا: رضينا لدنيانا من رضيه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا.

18- ويؤخذ من قول أبي بكر -في الرواية الأولى- يا عمر صل بالناس فضيلة عمر بن الخطاب بعد أبي بكر- رضي الله عنهما- لأن أبا بكر لم يعدل إلى غيره.

19- كما يؤخذ من هذا القول أن للمستخلف في الصلاة أن يستخلف، ولا يتوقف على إذن خاص له بذلك.
قاله القرطبي: وقال الحافظ ابن حجر: استدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة، لصنيع أبي بكر.
اهـ.

والظاهر أن أبا بكر لم يرد بعرضه الأمر على عمر ما أرادت عائشة.
قال النووي: تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا، وليس كذلك، بل قاله للعذر المذكور، وهو كونه رقيق القلب، كثير البكاء، فخشي أن لا يسمع الناس.
اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى، وعلم ما في تحملها من الخطر، وعلم قوة عمر على ذلك، فاختاره، ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوا عمر، أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح، والظاهر أنه لم يطلع على مراجعة عائشة، وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك، سواء باشر بنفسه أو استخلف.
اهـ.

20- ويؤخذ من قول عمر أنت أحق جواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب والفتنة.

21- وأن المفضول إذا عرض عليه الفاضل مرتبة لا يقبلها بل يدعها للفاضل إذا لم يمنع مانع.

22- وفي هذا القول من عمر رد على الشيعة في زعمهم أن عمر لم يكن راضيا عن استخلاف أبي بكر للصلاة، ويؤكد هذا الرد على ما جاء من أن عمر عند البيعة قال للصحابة: من كانت تطيب نفسه منكم أن يؤخره عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

23- يؤخذ من قول عائشة: -في الرواية السادسة- جاء بلال يؤذنه بالصلاة استحباب إيذان الإمام للصلاة، قال النووي: فيه دليل لما قاله أصحابنا أنه لا بأس باستدعاء الأئمة للصلاة.
اهـ.

24- وفي الحديث مراجعة الصغير الكبير، ومراجعة رأي الإمام، لما يظهر أنه مصلحة، لكن بعبارة لطيفة، لا على وجه المعارضة.

25- وملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه، وخصوصا لعائشة.

26- وأن توبيخ الإمام لمن خالفه لا يكون لأول الأمر، بل حتى يتكرر لأنه لأول الأمر يحتمل أنه نصيحة، فإذا تكرر صار مكابرة.

27- قال القاضي عياض: في مراجعة عائشة التورية بالحجة الصحيحة لغرض آخر.
اهـ.

وقال الأبي: فيه أن لمن وقع به مؤلم أن يدفعه عن نفسه، وإن علم أنه يقع بالغير.
اهـ.

وقد ذكر في سبب مراجعة عائشة وجه آخر غير الذي ذكرته في الرواية الرابعة، وهو أنها علمت أن الناس علموا أن أباها يصلح للخلافة، فإذا رأوه استشعروا بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره.

28- ويؤخذ من تعليل مراجعة عائشة بأن أبا بكر لا يملك دمعه أن البكاء في الصلاة من عوامل التشويش، وأنه لا ينبغي للإمام أن يتعاطى أسباب كثرة البكاء.
قاله الأبي: وقال الحافظ ابن حجر: فيه أن البكاء ولو كثر لا يبطل الصلاة، لأنه صلى الله عليه وسلم بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء لم يعدل عنه، ولا نهاه عن البكاء.

29- ومن قوله صلى الله عليه وسلم مروا أبا بكر فليصل بالناس التعرض إلى مسألة طال فيها الخلاف بين علماء الأصول، وهي: هل الأمر بالأمر بالشيء أمر به أو لا؟ على معنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر آمرا لأبي بكر في هذه الحالة أو لا؟ قال جماعة: نعم، قال آخرون: لا، بل المعني بلغوا أبا بكر.
قال الحافظ ابن حجر: وفصل النزاع أن النافي إن أراد أنه ليس أمرا حقيقة فمسلم لأنه ليس فيه صيغة أمر للثاني، وإن أراد أنه لا يستلزمه فمردود.
اهـ.

30- ويؤخذ من إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أن الإيماء يقوم مقام النطق قال الحافظ ابن حجر: واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته، ويحتمل أن يكون للإعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق.
اهـ.

31- ويؤخذ من هم أبي بكر بالرجوع إلى الصف الأدب مع الكبير.

32- ومن عدم تركه صلى الله عليه وسلم ليصل إلى الصف، واستبقائه بجانبه إكرام الفاضل.

33- ويؤخذ من الرواية الأولى جواز الإغماء على الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- قال النووي: ولا شك في جوازه، فإنه مرض، والمرض يجوز عليهم، بخلاف الجنون، فإنه لا يجوز عليهم، لأنه نقص، والحكمة في جواز المرض عليهم ومصائب الدنيا تكثير أجرهم، وتسلية الناس بهم، ولئلا يفتتن الناس بهم ويعبدوهم، لما يظهر عليهم من المعجزات والآيات البينات.
اهـ.

34- وفي اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم عقب الإغماء دليل على استحباب الغسل من الإغماء، وإذا تكرر الإغماء استحب تكرار الغسل لكل مرة، فإن لم يغتسل إلا بعد الإغماء مرات كفى غسل واحد، وقد حمل القاضي عياض الغسل هنا على الوضوء، من حيث إن الإغماء ينقض الوضوء قال النووي: والصواب أن المراد غسل جميع البدن، فإنه ظاهر اللفظ.
ولا مانع يمنع منه، فإن الغسل من الإغماء مستحب، بل قال بعض أصحابنا: إنه واجب، وهذا شاذ ضعيف.
اهـ.

35- يؤخذ من استئذان الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته أن يمرض في بيت عائشة فضل عائشة رضي الله عنها وحب الرسول صلى الله عليه وسلم لها، قال النووي: فيه فضل عائشة ورجحانها على جميع أزواجه الموجودات ذلك الوقت وكن تسعا إحداهن عائشة، رضي الله عنها، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، وإنما اختلفوا في عائشة وخديجة، رضي الله عنهما.
اهـ.

36- وبهذا الاستئذان يستدل من يقول: إن القسم كان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم بين أزواجه في الدوام، كما يجب في حقنا، وقال القاضي عياض: لم يكن القسم عليه واجبا، لقوله تعالى: { { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك } } [الأحزاب: 51] ولكن لحسن عشرته التزمه صلى الله عليه وسلم تطييبا لنفوسهن؛ وأوجبه بعض المالكية وبعض الشافعية لهذا الحديث، ولحديث اللهم هذا قسمي فيما أملك.

37- إكرام عائشة للعباس بذكره باسمه في مقام التشريف مع إبهامها اسم الرجل الثاني، وقد حاول النووي الدفاع عن عائشة في إبهامها الاسم الآخر فقال عند شرحه رواية فخرج ويد له على الفضل بن عباس، ويد له على رجل آخر، وجاء في غير مسلم بين رجلين أحدهما أسامة بن زيد قال: وطريق الجمع بين هذا كله أنهم كانوا يتناوبون الأخذ بيده الكريمة صلى الله عليه وسلم تارة هذا، وتارة ذاك، ويتنافسون في ذلك، وهؤلاء هم خواص أهل بيته الرجال الكبار، وكان العباس رضي الله عنه أكثرهم ملازمة للأخذ بيده الكريمة المباركة صلى الله عليه وسلم أو أنه -أدام الأخذ بيده، وإنما يتناوب الباقون في اليد الأخرى، وأكرموا العباس باختصاصه بيد واستمرارها له لما له من السن والعمومة وغيرهما، ولهذا ذكرته عائشة رضي الله عنه مسمى، وأبهمت الرجل الآخر إذ لم يكن أحد الثلاثة الباقين ملازما في جميع الطريق ولا معظمه، بخلاف العباس.
اهـ.

يحاول النووي أن يبعد عن عائشة أنها أبهمت اسم علي كرم الله وجهه تحاشيا من ذكر اسمه على لسانها، لحاجة منه في نفسها، وهذه محاولة مكشوفه يبعدها الواقع، والروايات الكثيرة الصريحة، لأن ابن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأن المبهم علي وزاد الإسماعيلي ولكن عائشة لا تطيب نفسا له بخير ولابن إسحاق ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير: وليس في هذا طعن على عائشة تحتاج الدفاع عنه.
فإنها تحمد حيث لم تذكره بشر، ولا شيء في الإمساك عن ذكر اسم لا تستريح لذكره، ولكننا مع ذلك ننكر على الكرماني إذ وصفها في ذلك بعبارة شنيعة، إذ قال: لم ما سمته؟ ثم قال: ما سمته تحقير أو عداوة.
اهـ.
ننكر على الكرماني هذه العبارة المسيئة من غير سند ولا دليل.

38- ويؤخذ من دخول عبيد الله على عائشة، وقوله لها: إلا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ عنايتهم بطلب العلم، وحرصهم على استقائه من مصادره.

39- كما يؤخذ من عرض عبيد الله هذا الحديث على ابن عباس حرصهم على فهم الأمور من جوانبها المتعددة، والاستيثاق مما يأخذون عن طريق العرض على أهل الخبرة والمتخصصين.

والله أعلم