هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
712 حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، أَنَّ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةَ ، كَانَتْ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
712 حدثنا هارون بن سعيد الأيلي ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني مخرمة ، عن أبيه ، عن بسر بن سعيد ، أن زينب الثقفية ، كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Zainab Thaqafiya reported:

The Messenger of Allah (ﷺ) said: When any one of you (women) participates in the 'Isha' prayer, she should not perfume herself that night.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن بسر بن سعيد أن زينب الثقفية رضي الله عنها كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة.


المعنى العام

كانت المرأة قبل الإسلام قعيدة البيت، حبيسة الجدران، إلا ما كان من النساء الممتهنات القائمات بالخدمات، وإلا ما كان من الإماء والجواري.

ولم يكن يؤذن لهن بالخروج إلا في حالات الضرورة القصوى، وقد لا يؤذن لها فيها، وجاء الإسلام فكرم المرأة ورفع من شأنها، ومنحها حرية الإنسان في عقيدته وحرية الإنسان في إبداء رأيه، وحرية الإنسان في الدفاع عن حقه، وحرية الإنسان في التحرك إلى ما هو مشروع.

لقد آمن النساء بالرسول صلى الله عليه وسلم كما آمن الرجال، وبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بايع الرجال، وحضرن مجالس العلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحضر الرجال، وأذن لهن في صلاة الجماعة في المسجد مع الرجال.

صورة من الحرية لم يعهدها الزمان ولم تعهدها الجزيرة العربية، كانت نتيجتها صراعا نفسيا بين ما ألفه الرجال وما اعتادوا من حكم النساء والتحكم فيهن وبين بزوغ شمس الحرية للنساء وما أعطينه من حقوق.

وتغلبت الأنفة العربية على بعض النفوس، وتحركت غرائز السيطرة عند بعض الأزواج فمنعوا نساءهم من الخروج إلى المسجد، واستأذن النساء فلم يؤذن لهن، فشكوا إلى رسول الحرية وبشير النور والسلام، فقال لأصحابه صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا رغبن فيها واستأذنكم إليها.
إذا استأذنت المرأة زوجها إلى المسجد ليلا فلا يمنعها.
ائذنوا للنساء بالخروج إلى المساجد.

وأحس صلى الله عليه وسلم ما يختلج في صدور أصحابه من خوف الفتنة، وخشي انفلات زمام المرأة وتعرضها للريبة، فوضعت الشريعة القيود التي تضمن الأمان والسلامة لهذا الانفتاح.

وأمرت النساء بالخروج في الظلام، متلفعات بثيابهن، غير متطيبات، ولا متزينات إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة.

ولتلزم المرأة حافة الطريق في ذهابها وإيابها، ولا نتوسطه لئلا تختلط بالرجال، إذا سلم النساء من صلاة الفجر فليسرعن بالخروج من المسجد متلفعات بثيابهن إلى بيوتهن في الغلس والظلمة قبل أن يظهر ضوء النهار فيعرفن، وليمكث الرجال بعد السلام حتى ينصرف النساء، وليصطف النساء، في آخر المسجد خلف الرجال، ولا يرفعن أصواتهن حتى في الصلاة الجهرية، وإذا نابهن شيء في الصلاة صفقن ولا يسبحن، ولا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها.

واستجاب الصحابة إلى هذا التشريع بشيء من المشقة على نفوسهم، وكانوا يتمنون في قرارة أنفسهم أن لا تستأذنهم نساؤهم، ولكن هيهات، ما كاد النساء يصدقن أن ينفتح باب السجن حتى تدفقن، وما كدن يشعرن بانحسار سيف القهر والإذلال حتى هرولن.

والمرأة هي المرأة بطبيعتها وأنوثتها، لم تكد تفتر فيها جذوة التدين حتى برزت طلائع غريزتها ولم يكد يخبو فيها نور الشريعة حتى ظهرت حرارة عواطفها.

لم يمض ربع قرن حتى تطيبت عند خروجها، ولبست أحسن ثيابها وحليها وبدت في أبهى زينتها، وتحركت غيرة الرجال على نسائهم، وبدءوا يمنعون نساءهم، ورأى عبد الله بن عمر هذه الرغبة في بنيه، فذكرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل.

قال أحدهم: أما أنا فسأمنع نسائي، فمن شاء أن يسرح نساءه فليفعل، وقال الآخر: والله لنمنعهن، والله لا ندعهن يخرجن فيتخذن الخروج وسيلة للفساد ويتسترن وراءه بالخداع.
فقام عبد الله ينهر ولديه، يضرب أحدهما في صدره ويقول له: أف لك.
فعل الله بك كذا وكذا، ويسب الآخر غاضبا، ويقول لهما: أقول لكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولان لا.
والله لا أكلمكما حتى تتوبا.

ولم تكن الغيرة على هذا الخلل مقصورة على الرجال، بل شملت الحريصات على شعائر الإسلام من النساء، فتلك عائشة رضي الله عنها وقد رأت ما وصل إليه الأمر من التطيب للخروج والتزين والاختلاط، تقول: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء بعده من عدم الالتزام بتعاليمه لمنعهن الخروج إلى المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل من الخروج إلى المساجد حين استشرفن للرجال وبرزن لهم وأثرن فيهم نوازع الفسوق والعصيان.

المباحث العربية

( فسبه سبا سيئا) فسر السب المذكور في بعض الروايات باللعن ثلاث مرات، وفي رواية قال: أف لك وفي رواية قال: فعل الله بك وفعل.

( ما سمعته سبه مثله قط) أي ما سمعت عبد الله سب بلالا مثل هذا السب قط.

( إماء الله) أي النساء، وسمين إماء الله كما يسمى الرجال عباد الله واختيرت هذه اللفظة هنا لمناسبتها مساجد الله.

( لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل) قيد بالليل ورد في بعض الروايات دون بعضها، وقد حملوا المطلق على المقيد.
وهل يؤذن لها في غير الليل من باب أولى حيث إن الليل عرضة للفساد والإفساد؟ أولا يؤذن لها في غير الليل لما فيه من الستر والتخفي وعدم التمييز بين النساء؟ سنتعرض لهذا المبحث في فقه الحديث إن شاء الله.

( فقال ابن لعبد الله بن عمر) هذا الابن سمي في الرواية الثانية والسابعة ببلال، وفي الرواية السادسة سمي بواقد، قال الحافظ ابن حجر: والراجح أن صاحب القصة بلال، لورود ذلك من روايته نفسه [روايتنا السابعة] ومن رواية أخيه سالم، ولم يختلف عليهما في ذلك، ثم قال: فإن كانت رواية تسميته واقدا محفوظة فيحتمل أن يكون كل من بلال وواقد وقع منه ذلك، إما في مجلس أو مجلسين، وأجاب ابن عمر كلا منهما بجواب يليق به، ويقويه اختلاف النقله في جواب ابن عمر، فالسب العنيف والزبر كان لبلال، والدفع في الصدر كان لواقد.

( فيتخذنه دغلا) بفتح الدال والغين، وهو الفساد والخداع والريبة، وأصل الدغل الشجر الملتف، ثم استعمل في المخادعة، لكون المخادع يلف في ضميره أمرا ويظهر غيره.

( فزبره ابن عمر) أي نهره وعنفه.

( فضرب في صدره) أي ضربه ودفعه بيده في صدره.

( لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم) حظ الإنسان نصيبه من الخير والفضل.
وقوله: إذا استأذنوكم قال النووي: هكذا وقع في أكثر النسخ استأذنوكم وفي بعضها استأذنكم وهذا ظاهر، والأول صحيح أيضا وعوملن معاملة الذكور لطلبهن الخروج إلى مجلس الذكور.
اهـ.

( إذا شهدت إحداكن العشاء) معناه إذا أرادت شهودها، أما من شهدتها ثم عادت إلى بيتها فلا تمنع من التطيب، وكذا إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا.
[الوارد في الرواية التاسعة] معناه إذا أرادت شهود المسجد.

( فلا تطيب تلك الليلة) أصله تتطيب فحذفت إحدى التاءين، والمقصود لا تتطيب قبل خروجها في تلك الليلة.

( أيما امرأة أصابت بخورا) ما زائدة، وامرأة: مضافة لأي، والتقدير أي امرأة أصابت بخورا أي تبخرت، والبخور بفتح الباء وتخفيف الخاء عود يحرق في النار فتفوح رائحته ويدخل دخانه وريحه في ثنايا الثياب، فيظل ريحه مصاحبا فترة طويلة.

( ما أحدث النساء) قال النووي: يعني من الزينة وحسن الثياب اهـ وكذا من التمايل والتبختر والتزاحم والاختلاط.

( كما منعت نساء بني إسرائيل) قال العيني: يحتمل أن يكون شريعتهم المنع، ويحتمل أن يكون منعهن بعد الإباحة، ويحتمل غير ذلك مما لا طرق لنا إلى معرفته إلا بالخبر.
اهـ.

( قال: قلت لعمرة) القائل يحيى بن سعيد الراوي عن عمرة.

( قالت: نعم) قال الحافظ ابن حجر: قول عمرة نعم في جواب سؤال يحيى بن سعيد لها يظهر أنها تلقته عن عائشة، ويحتمل أن يكون عن غيرها، وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفا أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولفظه قالت: كان نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلا من خشب يتشرفن للرجال في المساجد، فحرم الله عليهن المساجد، وسلطت عليهن الحيضة وهذا وإن كان موقوفا فحكمه حكم الرفع، لأنه لا يقال بالرأي.
اهـ.

فقه الحديث

قال النووي في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد، لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث، وهي أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها، وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها.

وهذا النهي عن منعهن من الخروج محمول على كراهة التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوج ووجدت الشروط المذكورة.
اهـ وقال العيني: إن الإذن المذكور غير واجب، لأنه لو كان واجبا لا نتفى معنى الاستئذان، لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة أو الرد.
اهـ.

ومعنى هذا أنه يكره للزوج أن يمنع زوجته من الخروج للصلاة في المسجد إذا استوفيت الشروط المذكورة، ولا يحرم عليه منعها حتى مع استيفاء هذه الشروط، وله أن يمنعها بدون كراهة إذا ظن اختلال شرط مما ذكر، فإن تحقق الاختلال وجب عليه منعها.

هذا واجب الزوج، أما واجب الزوجة فينبغي أن يكون حرصها على صيانة سمعتها وعرضها فوق حرصها على حضور المساجد، ولتعلم أن شهودها الجماعة في المساجد لا يزيدها ثوابا عن حضورها في منزلها، فقد ورد في بعض طرق هذا الحديث ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ولفظها لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة، ولأحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك.
قال: قد علمت وصلاتك في بيتك [أي في مخدعك ومكان نومك] خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة.

قال الحافظ ابن حجر: ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل لتحقق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة ومن ثم قالت عائشة ما قالت.
اهـ.
فإن قيل: إذا كان الأمر كذلك وأن صلاة المرأة في مخدعها خير من صلاتها مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم نهى الرجال عن منعهن من الخروج إلى المساجد؟ أجيب بأن هناك فرقا بين إعطاء حق الحرية، وبين استخدام هذه الحرية، لقد جاء الإسلام والمرأة كم مهمل، كقطعة من متاع البيت، إن كان للرجل بها حاجة طلبها وإلا فهي قعيدة لا تتدخل حتى برأيها في شأن من الشئون، فمنحها الحرية، وحملها المسئولية، وأراد لها أن تمتنع هي، لا أن تمنع ورضي الله عن عمر وزوجه حين أراد أن يمنعها من الخروج إلى المسجد دون أن يخالف النهي، فعرض لها في زاوية، وهي في طريقها إلى المسجد لصلاة الفجر فغمزها، فرجعت دون أن تصلي، فلما عاد من صلاته سألها عن سبب رجوعها فقالت: كنت أظن الناس ناسا.
ولم تخرج بعد ذلك إلى المسجد.

وقد قيدت الرواية الخامسة النهي عن منع الخروج بالليل، وأطلقت بقية الروايات، قال العيني: يحمل المطلق على المقيد، للإشارة إلى أن حكم النهار خلاف الليل.
اهـ ويؤخذ من بقية كلام العيني أن الإذن خاص بالليل، لأنه أستر لهن، ولحديث البخاري كانت نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الناس قيل في معناه: لا يعرفن أنساء أم رجال؟ وقيل: لا يعرف أعيانهن فلا يفرق بين خديجة وزينب.

وكأن الحافظ ابن حجر: حمل المقيد على المطلق، واستنبط منه جواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في النهار من باب أولى، قال: لأن الليل مظنة الريبة أكثر من النهار.
اهـ والذي تستريح إليه النفس أن الإذن بالليل لا يستلزم الإذن بالنهار، لأن الفتنة بالليل ومظنة الريبة فيه إنما تقع من جانبها هي، أما الفتنة بالنهار ومظنة الريبة فيه فإنها تقع من جانبها ومن جانب الرجل، فاحتمال الفتنة في النهار أقوى وأعظم.

بقي أن نقول: إن للعلماء في خروج المرأة للصلاة في المسجد أقوالا وتفاصيل، يحسن بنا أن نذكر بعضها، فقال صاحب الهداية: ويكره لهن حضور الجماعات.
قال الشراح: ويعني الشواب منهن.
وعن الشافعي: يباح لهن الخروج عند أمن الفتنة.
وعند أبي حنيفة وأصحابه: يحرم خروجهن، قالوا: لأن في خروجهن خوف الفتنة، وهو سبب للحرام، وما يفضي إلى الحرام فهو حرام.
قال العيني: فعلى هذا قولهم يكره مرادهم يحرم، لا سيما في هذا الزمان لشيوع الفساد في أهله، قال: ولا بأس للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء لحصول الأمن، وهذا عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد أن العجائز يخرجن في الصلوات كلها، لأنه لا فتنة فيها لقلة الرغبة.
اهـ.

والمالكية يفرقون بين الشابة والعجوز، ويحملون الإذن المطلوب في الحديث على الإذن للعجائز دون الشابات.

وتمسك بعضهم بقول عائشة: فمنع النساء مطلقا من الخروج، وحاول ابن حجر وهو شافعي أن يرد هذا القول فقال: وفيه نظر، إذ لا يترتب على عبارتها تغير الحكم، لأنها علقته على شرط ولم يوجد، بناء على ظن ظنته، فقالت: لو رأى لمنع فيقال عليه: لم ير ولم يمنع، فاستمر الحكم، حتى إن عائشة لم تصرح بالمنع، وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع، وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن، فما أوحى إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى، وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء، لا من جميعهن، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت.
اهـ.

ولست مع الحافظ ابن حجر في هذا الرأي، فإن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج مشروط بشروط، والحكم إذا كان مشروطا يتغير إذا اختلت الشروط، وعائشة رأت في زمانها اختلال الشروط، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير ولم يمنع لا يوجب على من بعده استمرار الحكم، وكون عائشة لم تصرح بالمنع ليس دليلا على عدم المنع، بل يكفي إشعار كلامها بأنها ترى المنع، وأما أن الله يعلم ما سيحدث فهذا مسلم وبين، ولكن قوله: فما أوحى إلى نبيه بالمنع غير مسلم، لأنه أوحى إلى نبيه بالمنع، ففي روايتنا العاشرة أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة والحافظ ابن حجر نفسه يقول: ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع منه ما فيه تحريك الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة والاختلاط بالرجال.
اهـ.

وأما ربطه بين المنع من المساجد والمنع من الأسواق فمسلم، ونحن نرى المنع منهما معا، وأما كون وقوع الإحداث من البعض يجعل المنع خاصا بهذا البعض فغير مسلم، لأن الشرع يعطي الحكم للعموم إذا وقع من البعض واحتمل وقوعه من البعض الآخر، فما وقع من أحد المثلين جاز وقوعه من الآخر، وفي الباب السابق حديث نهي النساء عن أن يرفعن رءوسهن حتى يرفع الرجال، مخافة أن يروا عورة الرجال، مع أن الاحتمال خاص بالبعض وصدر النهي للكل، لا لمن أحدثت النظرة إلى العورة.
والله أعلم.

بقي الكلام على خروج النساء لغير المساجد، كالأسواق والعمل في المكاتب والمدارس وغيرها وواضح أن الحكم لا يختلف، بل إن الخروج إلى المساجد أبعد من الفتنة والريبة من الخروج إلى غير المساجد، لأن المفروض في أهل المساجد التقوى والعبادة عكس أهل الأسواق وغيرها، فضلا عن أن المساجد تمنع الاختلاط وتوجب وضع النساء خلف الرجال.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- قال النووي: استدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن.
ويتقوى هذا بأن يقال: إن منع الرجال نساءهم أمر مقرر، وإنما علق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز، فيبقى ما عداه على المنع.

2- ويؤخذ من الحديث نهي الأزواج عن منع نسائهم من الخروج إلى فعل واجب كأداء شهادة، أو أداء فريضة حج، أو زيارة آبائهن وأمهاتهن وذوي محارمهن، لأنه إذا نهوا عن منعهن من شهود الجماعة في المسجد وهو سنة فالنهي عن منعهن من أداء واجب من باب أولى.

3- يؤخذ من إنكار عبد الله بن عمر لابنه تأديب المعترض على السنن، وبلال عارض الخبر برأيه، وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت، وحملته الغيرة المحمودة على ذلك، وليس إنكار أبيه موجهاً إلى هذه الغيرة، بل لتصريحه بمخالفة الحديث، فلو أنه قال مثلاً: إن الزمان قد تغير، وإن بعضهن ربما ظهر منه قصد المسجد وإضمار غيره، ربما لم يكن أنكر عليه أبوه ولا عنفه هذا التعنيف، فقد أشارت عائشة بنحو هذا الكلام في الحديث.

4- ويؤخذ منه تأديب الرجل ولده وإن كان كبيراً، إذا تكلم بما لا ينبغي له.

5- وحرص الصحابة على صيانة السنة من الاعتراض، وغضبهم لذلك أشد الغضب.

6- قال النووي: فيه دليل على جواز قول الإنسان: العشاء الآخرة، أما ما نقل عن الأصمعي أنه قال: من المحال قول العامة: العشاء الآخرة، لأنه ليس لنا إلا عشاء واحدة، فلا توصف بالآخرة، فهذا القول غلط لهذا الحديث، وقد ثبت في صحيح مسلم عن جماعات من الصحابة وصفها بالعشاء الآخرة، وألفاظهم بهذا مشهورة.
اهـ.

والله أعلم