هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
79 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
79 حدثنا عبيد الله بن سعيد ، وعبد بن حميد ، قالا : حدثنا أبو عامر العقدي ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : الإيمان بضع وسبعون شعبة ، والحياء شعبة من الإيمان
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It is narrated on the authority of Abu Huraira that the Prophet (ﷺ) said:

Iman has over seventy branches, and modesty is a branch of Iman.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [35] .

     قَوْلُهُ  ( أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْقَافِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَةِ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً) هَكَذَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ كَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ عَلَى الشَّكِّ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مِنْ رِوَايَةِ الْعَقَدِيِّ بضع وستون بلا شك ورواه أبوداود وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بِلَا شَكٍّ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ.

     وَقَالَ  فِيهِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ بَابًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّاجِحَةِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الصَّوَابُ مَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَلِسَائِرِ الرُّوَاةِ بِضْعٌ وَسِتُّونَ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الشَّكُّ الْوَاقِعُ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ هُوَ مِنْ سُهَيْلٍ كَذَا قَالَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُهَيْلٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ.

.
وَأَمَّا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ أَخْرَجَاهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرَ أَنَّهَا فِيمَا عِنْدنَا مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ وَفِيمَا عِنْدنَا من كتاب) الْبُخَارِيِّ بِضْعٌ وَسِتُّونَ وَقَدْ نَقَلْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكِتَابَيْنِ وَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رِوَايَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي طُرُقِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرْجِيحِ قَالَ وَالْأَشْبَهُ بِالْإِتْقَانِ وَالِاحْتِيَاطِ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ الْأَقَلِّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ وَإِيَّاهَا اخْتَارَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ فَإِنَّ الْحُكْمَ لِمَنْ حَفِظَ الزِّيَادَةَ جَازِمًا بِهَا قَالَ الشَّيْخُ ثُمَّ إِنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الشُّعَبِ يَطُولُ وَقَدْ صُنِّفَتْ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٌ وَمِنْ أَغْزَرِهَا فَوَائِدُ كِتَابِ الْمِنْهَاجُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ إِمَامِ الشَّافِعِيِّينَ بِبُخَارَى وَكَانَ مِنْ رُفَعَاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَحَذَا حَذْوَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْجَلِيلِ الْحَفِيلِ كِتَابِ شُعَبُ الْإِيمَانِ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبِضْعُ وَالْبِضْعَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِيهِمَا وَفَتْحِهَا هَذَا فِي الْعَدَدِ فاما بضعة اللحم فبالفتح لاغير وَالْبِضْعُ فِي الْعَدَدِ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْعَشْرِ وَقِيلَ مِنْ ثَلَاثٍ إِلَى تِسْعٍ.

     وَقَالَ  الْخَلِيلُ الْبِضْعُ سَبْعٌ وَقِيلَ مَا بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَى عَشَرَةٍ وَمَا بَيْنَ اثْنَيْ عَشَرَ إِلَى عِشْرِينَ وَلَا يُقَالُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ.

.

قُلْتُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَشْهُرُ الْأَظْهَرُ.

.
وَأَمَّا الشُّعْبَةُ فَهِيَ الْقِطْعَةِ مِنَ الشَّيْءِ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ خَصْلَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ فِي اللُّغَةِ التَّصْدِيقُ وَفِي الشَّرْعِ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تُطْلِقُهُ عَلَى الْأَعْمَالِ كَمَا وَقَعَ هُنَا أَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَآخِرُهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ بِالْأَعْمَالِ وَتَمَامَهُ بِالطَّاعَاتِ وَأَنَّ الْتِزَامَ الطَّاعَاتِ وَضَمَّ هَذِهِ الشُّعَبِ مِنْ جُمْلَةِ التَّصْدِيقِ وَدَلَائِلُ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا خُلُقُ أَهْلِ التَّصْدِيقِ فَلَيْسَتْ خَارِجَةً عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ الشَّرْعِيِّ وَلَا اللُّغَوِيِّ وَقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهَا التَّوْحِيدُ الْمُتَعَيِّنُ علَى كُلِّ أَحَدٍ وَالَّذِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنَ الشُّعَبِ إِلَّا بَعْدَ صِحَّتِهِ وَأَدْنَاهَا مَا يُتَوَقَّعُ ضَرَرُهُ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِهِمْ وَبَقِيَ بَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ أَعْدَادٌ لَوْ تَكَلَّفَ الْمُجْتَهِدُ تَحْصِيلَهَا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَشِدَّةِ التَّتَبُّعِ لَأَمْكَنَهُ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ وَفِي الْحُكْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُعُوبَةٌ ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَعْرِفَةُ أَعْيَانِهَا وَلَا يَقْدَحُ جَهْلُ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ إِذْ أُصُولُ الْإِيمَانِ وَفُرُوعُهُ مَعْلُومَةٌ مُحَقَّقَةٌ وَالْإِيمَانُ بِأَنَّهَا هَذَا الْعَدَدُ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ.

     وَقَالَ  الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ تَتَبَّعْتُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مُدَّةً وَعَدَدْتُ الطَّاعَاتِ فَإِذَا هِيَ تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ شَيْئًا كَثِيرًا فَرَجَعَتُ إِلَى السُّنَنِ فَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ فَإِذَا هِيَ تنقصعَنِ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ فَرَجَعَتْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَرَأَتْهُ بِالتَّدَبُّرِ وَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْإِيمَانِ فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ عَنِ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ فَضَمَمْتُ الْكِتَابَ إِلَى السُّنَنِ وَأَسْقَطَتِ الْمُعَادَ فَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ عَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا تَنْقُصُ فَعَلِمْتُ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ وَصْفِ الْإِيمَانِ وَشُعَبِهِ وَذَكَرَ أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً أَيْضًا صَحِيحَةٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَذْكُرُ لِلشَّيْءِ عَدَدًا وَلَا تُرِيدُ نَفْيَ مَا سِوَاهُ وَلَهُ نَظَائِرُ أَوْرَدَهَا فِي كِتَابِهِ مِنْهَا فِي أَحَادِيثِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ وَفِي الْأُخْرَى الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَفِي الْأُخْرَى الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ أَوْ قَالَ كُلُّهُ خَيْرٌ الْحَيَاءُ مَمْدُودٌ وَهُوَ الِاسْتِحْيَاءُ قَالَ الْإِمَامُ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ الْحَيَاةِ وَاسْتَحْيَا الرَّجُلُ مِنْ قُوَّةِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِشِدَّةِ علمه بمواقع الغيب قال فالحياء من قوة الحس ولطفه وقرة الْحَيَاةِ وَرُوِّينَا فِي رِسَالَةِ الْإِمَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ السَّيِّدِ الْجَلِيلِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْحَيَاءُ رُؤْيَةُ الْآلَاءِ أَيِ النِّعَمِ وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى الْحَيَاءُ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ إِنَّمَا جُعِلَ الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانَ غَرِيزَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا وَاكْتِسَابًا كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إِلَى اكْتِسَابٍ وَنِيَّةٍ وَعِلْمٍ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ بِهَذَا وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ وَمَانِعًا مِنَ الْمَعَاصِي.

.
وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَاءِ خَيْرًا كُلَّهُ وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ فَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ صَاحِبَ الْحَيَاءِ قَدْ يستحى أَنْ يُوَاجِهَ بِالْحَقِّ مَنْ يُجِلُّهُ فَيَتْرُكُ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَقَدْ يَحْمِلُهُ الْحَيَاءُ عَلَى الْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْحُقُوقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَادَةِ وَجَوَابُ هَذَا مَا أَجَابَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمُ الشَّيْخُ أبوعمرو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الْمَانِعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ عَجْزٌ وَخَوَرٌ وَمَهَانَةٌ وَإِنَّمَا تَسْمِيَتُهُ حَيَاءً مِنْ إِطْلَاقِ بَعْضِ أَهْلِ الْعُرْفِ أَطْلَقُوهُ مَجَازًا لِمُشَابَهَتِهِ الحياءالْحَقِيقِيَّ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ وَنَحْوِ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْجُنَيْدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) أَيْ تَنْحِيَتُهُ وَإِبْعَادُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى كُلُّ مَا يُؤْذِي مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  ( يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ) أَيْ يَنْهَاهُ عَنْهُ وَيُقَبِّحَ لَهُ فِعْلَهُ وَيَزْجُرُهُ عَنْ كَثْرَتِهِ فَنَهَاهُ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فَقَالَ دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ أَيْ دَعْهُ عَلَى فِعْلِ الْحَيَاءِ وَكُفَّ عَنْ نَهْيِهِ وَوَقَعَتْ لَفْظَةُ دَعْهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَمْ تَقَعْ فِي مُسْلِمٍ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ) .

     وَقَالَ  مُسْلِمٌ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ وَهُوَ بن سُوَيْدٍ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ حَدَّثَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فِي رَهْطٍ فَحَدَّثَنَا إِلَى آخِرِهِ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ وَهَذَا مِنَ النَّفَائِسِ اجْتِمَاعُ الْإِسْنَادَيْنِ فِي الْكِتَابِمُتَلَاصِقَيْنِ جَمِيعُهُمْ بَصْرِيُّونَ وَشُعْبَةُ وَإِنْ كَانَ وَاسِطِيًّا فَهُوَ بَصْرِيٌّ أَيْضًا فَكَانَ وَاسِطِيًّا بَصْرِيًّا فَإِنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ وَاسِطٍ إِلَى الْبَصْرَةِ وَاسْتَوْطَنَهَا.

.
وَأَمَّا أَبُو السَّوَّارِ فَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ رَاءٌ وَاسْمُهُ حَسَّانُ بْنُ حُرَيْثٍ الْعَدَوِيُّ.

.
وَأَمَّا أَبُو قَتَادَةَ هَذَا فَاسْمُهُ تَمِيمُ بْنُ نُذَيْرٍ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ العدوى ويقال تميم بن الزبير ويقال بن يَزِيدَ بِالزَّايِ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ.

.
وَأَمَّا الرهط فهو مادون الْعَشَرَةِ مِنَ الرِّجَالِ خَاصَّةً لَا يَكُونُ فِيهِمُ امْرَأَةٌ وَلَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ اللَّفْظِ وَالْجَمْعُ أَرْهُطٌ وَأَرْهَاطٌ وَأَرَاهِطُ وَأَرَاهِيطُ .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ ضَعْفٌ فَغَضَبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ.

     وَقَالَ  أَنَا أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُعَارِضُ فِيهِ إِلَى قوله فمازلنا نَقُولُ إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ)
أَمَّا بُشَيْرٌ فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ أَمْثَالِهِ فِي آخَرِ الْفُصُولِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُوَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَةِ.

.
وَأَمَّا نُجَيْدُ فَبِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَآخِرِهِ دَالٌ مُهْمَلَةٌ وَأَبُو نُجَيْدٍ هُوَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ كُنِي بِابْنِهِ نُجَيْدٍ.

.
وَأَمَّا الضَّعْفُ فَبِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقَولُهُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ كَذَا هُوَالْبُخَارِيِّ بِضْعٌ وَسِتُّونَ وَقَدْ نَقَلْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكِتَابَيْنِ وَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رِوَايَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي طُرُقِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرْجِيحِ قَالَ وَالْأَشْبَهُ بِالْإِتْقَانِ وَالِاحْتِيَاطِ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ الْأَقَلِّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ وَإِيَّاهَا اخْتَارَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ فَإِنَّ الْحُكْمَ لِمَنْ حَفِظَ الزِّيَادَةَ جَازِمًا بِهَا قَالَ الشَّيْخُ ثُمَّ إِنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الشُّعَبِ يَطُولُ وَقَدْ صُنِّفَتْ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٌ وَمِنْ أَغْزَرِهَا فَوَائِدُ كِتَابِ الْمِنْهَاجُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ إِمَامِ الشَّافِعِيِّينَ بِبُخَارَى وَكَانَ مِنْ رُفَعَاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَحَذَا حَذْوَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْجَلِيلِ الْحَفِيلِ كِتَابِ شُعَبُ الْإِيمَانِ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبِضْعُ وَالْبِضْعَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِيهِمَا وَفَتْحِهَا هَذَا فِي الْعَدَدِ فاما بضعة اللحم فبالفتح لاغير وَالْبِضْعُ فِي الْعَدَدِ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْعَشْرِ وَقِيلَ مِنْ ثَلَاثٍ إِلَى تِسْعٍ.

     وَقَالَ  الْخَلِيلُ الْبِضْعُ سَبْعٌ وَقِيلَ مَا بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَى عَشَرَةٍ وَمَا بَيْنَ اثْنَيْ عَشَرَ إِلَى عِشْرِينَ وَلَا يُقَالُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ.

.

قُلْتُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَشْهُرُ الْأَظْهَرُ.

.
وَأَمَّا الشُّعْبَةُ فَهِيَ الْقِطْعَةِ مِنَ الشَّيْءِ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ خَصْلَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ فِي اللُّغَةِ التَّصْدِيقُ وَفِي الشَّرْعِ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تُطْلِقُهُ عَلَى الْأَعْمَالِ كَمَا وَقَعَ هُنَا أَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَآخِرُهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ بِالْأَعْمَالِ وَتَمَامَهُ بِالطَّاعَاتِ وَأَنَّ الْتِزَامَ الطَّاعَاتِ وَضَمَّ هَذِهِ الشُّعَبِ مِنْ جُمْلَةِ التَّصْدِيقِ وَدَلَائِلُ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا خُلُقُ أَهْلِ التَّصْدِيقِ فَلَيْسَتْ خَارِجَةً عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ الشَّرْعِيِّ وَلَا اللُّغَوِيِّ وَقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهَا التَّوْحِيدُ الْمُتَعَيِّنُ علَى كُلِّ أَحَدٍ وَالَّذِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنَ الشُّعَبِ إِلَّا بَعْدَ صِحَّتِهِ وَأَدْنَاهَا مَا يُتَوَقَّعُ ضَرَرُهُ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِهِمْ وَبَقِيَ بَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ أَعْدَادٌ لَوْ تَكَلَّفَ الْمُجْتَهِدُ تَحْصِيلَهَا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَشِدَّةِ التَّتَبُّعِ لَأَمْكَنَهُ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ وَفِي الْحُكْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُعُوبَةٌ ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَعْرِفَةُ أَعْيَانِهَا وَلَا يَقْدَحُ جَهْلُ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ إِذْ أُصُولُ الْإِيمَانِ وَفُرُوعُهُ مَعْلُومَةٌ مُحَقَّقَةٌ وَالْإِيمَانُ بِأَنَّهَا هَذَا الْعَدَدُ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ.

     وَقَالَ  الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ تَتَبَّعْتُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مُدَّةً وَعَدَدْتُ الطَّاعَاتِ فَإِذَا هِيَ تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ شَيْئًا كَثِيرًا فَرَجَعَتُ إِلَى السُّنَنِ فَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ فَإِذَا هِيَ تنقصعَنِ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ فَرَجَعَتْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَرَأَتْهُ بِالتَّدَبُّرِ وَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْإِيمَانِ فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ عَنِ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ فَضَمَمْتُ الْكِتَابَ إِلَى السُّنَنِ وَأَسْقَطَتِ الْمُعَادَ فَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ عَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا تَنْقُصُ فَعَلِمْتُ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ وَصْفِ الْإِيمَانِ وَشُعَبِهِ وَذَكَرَ أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً أَيْضًا صَحِيحَةٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَذْكُرُ لِلشَّيْءِ عَدَدًا وَلَا تُرِيدُ نَفْيَ مَا سِوَاهُ وَلَهُ نَظَائِرُ أَوْرَدَهَا فِي كِتَابِهِ مِنْهَا فِي أَحَادِيثِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ وَفِي الْأُخْرَى الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَفِي الْأُخْرَى الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ أَوْ قَالَ كُلُّهُ خَيْرٌ الْحَيَاءُ مَمْدُودٌ وَهُوَ الِاسْتِحْيَاءُ قَالَ الْإِمَامُ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ الْحَيَاةِ وَاسْتَحْيَا الرَّجُلُ مِنْ قُوَّةِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِشِدَّةِ علمه بمواقع الغيب قال فالحياء من قوة الحس ولطفه وقرة الْحَيَاةِ وَرُوِّينَا فِي رِسَالَةِ الْإِمَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ السَّيِّدِ الْجَلِيلِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْحَيَاءُ رُؤْيَةُ الْآلَاءِ أَيِ النِّعَمِ وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى الْحَيَاءُ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ إِنَّمَا جُعِلَ الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانَ غَرِيزَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا وَاكْتِسَابًا كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إِلَى اكْتِسَابٍ وَنِيَّةٍ وَعِلْمٍ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ بِهَذَا وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ وَمَانِعًا مِنَ الْمَعَاصِي.

.
وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَاءِ خَيْرًا كُلَّهُ وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ فَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ صَاحِبَ الْحَيَاءِ قَدْ يستحى أَنْ يُوَاجِهَ بِالْحَقِّ مَنْ يُجِلُّهُ فَيَتْرُكُ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَقَدْ يَحْمِلُهُ الْحَيَاءُ عَلَى الْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْحُقُوقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَادَةِ وَجَوَابُ هَذَا مَا أَجَابَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمُ الشَّيْخُ أبوعمرو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الْمَانِعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ عَجْزٌ وَخَوَرٌ وَمَهَانَةٌ وَإِنَّمَا تَسْمِيَتُهُ حَيَاءً مِنْ إِطْلَاقِ بَعْضِ أَهْلِ الْعُرْفِ أَطْلَقُوهُ مَجَازًا لِمُشَابَهَتِهِ الحياءالْحَقِيقِيَّ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ وَنَحْوِ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْجُنَيْدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) أَيْ تَنْحِيَتُهُ وَإِبْعَادُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى كُلُّ مَا يُؤْذِي مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  ( يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ) أَيْ يَنْهَاهُ عَنْهُ وَيُقَبِّحَ لَهُ فِعْلَهُ وَيَزْجُرُهُ عَنْ كَثْرَتِهِ فَنَهَاهُ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فَقَالَ دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ أَيْ دَعْهُ عَلَى فِعْلِ الْحَيَاءِ وَكُفَّ عَنْ نَهْيِهِ وَوَقَعَتْ لَفْظَةُ دَعْهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَمْ تَقَعْ فِي مُسْلِمٍ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ) .

     وَقَالَ  مُسْلِمٌ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ وَهُوَ بن سُوَيْدٍ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ حَدَّثَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فِي رَهْطٍ فَحَدَّثَنَا إِلَى آخِرِهِ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ وَهَذَا مِنَ النَّفَائِسِ اجْتِمَاعُ الْإِسْنَادَيْنِ فِي الْكِتَابِمُتَلَاصِقَيْنِ جَمِيعُهُمْ بَصْرِيُّونَ وَشُعْبَةُ وَإِنْ كَانَ وَاسِطِيًّا فَهُوَ بَصْرِيٌّ أَيْضًا فَكَانَ وَاسِطِيًّا بَصْرِيًّا فَإِنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ وَاسِطٍ إِلَى الْبَصْرَةِ وَاسْتَوْطَنَهَا.

.
وَأَمَّا أَبُو السَّوَّارِ فَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ رَاءٌ وَاسْمُهُ حَسَّانُ بْنُ حُرَيْثٍ الْعَدَوِيُّ.

.
وَأَمَّا أَبُو قَتَادَةَ هَذَا فَاسْمُهُ تَمِيمُ بْنُ نُذَيْرٍ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ العدوى ويقال تميم بن الزبير ويقال بن يَزِيدَ بِالزَّايِ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ.

.
وَأَمَّا الرهط فهو مادون الْعَشَرَةِ مِنَ الرِّجَالِ خَاصَّةً لَا يَكُونُ فِيهِمُ امْرَأَةٌ وَلَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ اللَّفْظِ وَالْجَمْعُ أَرْهُطٌ وَأَرْهَاطٌ وَأَرَاهِطُ وَأَرَاهِيطُ .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ ضَعْفٌ فَغَضَبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ.

     وَقَالَ  أَنَا أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُعَارِضُ فِيهِ إِلَى قوله فمازلنا نَقُولُ إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ)
أَمَّا بُشَيْرٌ فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ أَمْثَالِهِ فِي آخَرِ الْفُصُولِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُوَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَةِ.

.
وَأَمَّا نُجَيْدُ فَبِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَآخِرِهِ دَالٌ مُهْمَلَةٌ وَأَبُو نُجَيْدٍ هُوَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ كُنِي بِابْنِهِ نُجَيْدٍ.

.
وَأَمَّا الضَّعْفُ فَبِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقَولُهُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ كَذَا هُوَفِي الْأُصُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى لُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَمِثْلُهُ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا عَلَى أَحَدِ الْمَذَاهِبِ فِيهَا وَمِثْلُهُ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ وَأَشْبَاهُهُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَرُوِّينَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَاحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ.

.
وَأَمَّا إِنْكَارُ عِمْرَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلِكَوْنِهِ قَالَ مِنْهُ ضَعْفٌ بَعْدَ سَمَاعِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَيْرٌ كُلُّهُ وَمَعْنَى تُعَارِضُ تَأْتِي بِكَلَامٍ فِي مُقَابَلَتِهِ وَتَعْتَرِضُ بِمَا يُخَالِفُهُ.

وَقَولُهُمْ إِنَّهُ مِنَّا لَا بَأْسَ بِهِ مَعْنَاهُ لَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أوغيرها مِمَّا يُخَالِفُ بِهِ أَهْلَ الِاسْتِقَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنْبَأَنَا النَّضْرُ حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ قَالَ سَمِعْتُ حُجَيْرَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَدَوِيَّ يَقُولُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ) هَذَا الْإِسْنَادُ أَيْضًا كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ مَرْوَزِيٌّ فَأَمَّا النَّضْرُ فَهُوَ ابْنُ شُمَيْلٍ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ.

.
وَأَمَّا أَبُو نَعَامَةَ فَبِفَتْحِ النُّونِ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عِيسَى بْنِ سُوَيْدٍ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ الَّذِينَ اخْتَلَطُوا قَبْلَ مَوْتِهِمْ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ وَبَعْدَهَا أَنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُخْتَلِطِينَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ أَخَذَ عَنْهُمْ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ.

.
وَأَمَّا حُجَيْرٌ فَبِضَمِّ الْحَاءِ وَبَعْدَهَا جِيمٌ مَفْتُوحَةٌ وَآخِرُهُ رَاءٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ( باب جَامِعِ أَوْصَافِ الْإِسْلَامِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [35] الْإِيمَان بضع وَسَبْعُونَ أَو بضع وَسِتُّونَ شُعْبَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ الشَّك من سُهَيْل لَكِن رُوَاة أَبُو دَاوُد وَغَيره بِرِوَايَة سُهَيْل بضع وَسَبْعُونَ بِلَا شكّ وَعند التِّرْمِذِيّ من طَرِيق آخر أَرْبَعَة وَسِتُّونَ وَضعف القَاضِي عِيَاض وَغَيره رِوَايَة بضع وَسَبْعُونَ.

     وَقَالَ  بن الصّلاح اخْتلفُوا فِي التَّرْجِيح وَالْأَشْبَه بالإتقان وَالِاحْتِيَاط تَرْجِيح رِوَايَة الْأَقَل وَمِنْهُم من رجح رِوَايَة الْأَكْثَر وَإِيَّاهَا اخْتَار الْحَلِيمِيّ والبضع بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا مَا بَين الثَّلَاث أَو الْإِثْنَيْنِ وَالْعشر وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَورد فِي حَدِيث مَرْفُوع والشعبة الْقطعَة من الشَّيْء وَالْمرَاد بهَا هُنَا الْخصْلَة وَقد سردت هَذِه الشّعب فِيمَا علقته على البُخَارِيّ الْحيَاء بِالْمدِّ الاستحياء قَالَ عِيَاض وَغَيره وَإِنَّمَا عد من الْإِيمَان وَإِن كَانَ غريزة لِأَنَّهُ قد يكون غريزة وَقد يكون اكتسابا كَسَائِر أَعمال الْبر وَإِذا كَانَ غريزة فاستعماله على قانون الشَّرْع يحْتَاج إِلَى اكْتِسَاب وَنِيَّة وَعلم فَهُوَ من الْإِيمَان لهَذَا ولكونه باعثا على أَفعَال الْبر ومانعا من الْمعاصِي إمَاطَة الْأَذَى تنحيته وإبعاده وَهُوَ كل مَا يُؤْذِي من حجر أَو مدر أَو شوك أَو غَيره

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان .


المعنى العام

الإيمان كالشجرة، تطلق على الجذر والجذع، كما تطلق عليهما مع الفروع والأغصان والأوراق والأزهار والثمار، كذلك يطلق الإيمان على التصديق بالقلب، وعليه مع الأعمال الصالحة، وإذا كانت الشجرة لا تؤتي أكلها، ولا يكمل نفعها إلا بما حمل جذرها وجذعها فإن الإيمان كذلك، لا يكون منجيا من النار، إلا بما أوجبه واستلزمه من صالح الأعمال.

وإذا كانت الشجرة تتشعب شعبا مختلفة، بعضها أغلظ من بعض، وبعضها أساس لغيره وبعضها أهم وأنفع من الشعب الأخرى، فإن الإيمان الكامل كذلك، يبدأ بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتتدرج أوامره ومطالبه من الأهم إلى المهم، ومن المهم إلى ما هو دونه، حتى ينتهي بإزاحة الشوك من طريق المسلمين، وإزالة كل ما من شأنه إيذاء المارة أو الإضرار بهم، أما الحياء، أما انقباض النفس عن إتيان الفعل القبيح، فهو من أهم خصال الإيمان، لأنه الباعث والداعي لكثير من صفات الخير، وهو المانع والحاجز عن كثير من مزالق الشر والفساد

المباحث العربية

( الإيمان) الكامل المنجي من النار، والمحقق للأهداف والأغراض.

( بضع وسبعون) البضع بكسر الباء، والبضعة القطعة، ومن العدد ما بين الاثنين والعشرة، على الصحيح، ويجري عليه حكم العدد فيذكر مع المعدود المؤنث، ويؤنث مع المعدود المذكر، ويبنى مع العشرة كما يبنى سائر الآحاد، فيقال، بضعة عشر رجلا، وبضع عشرة امرأة، ويعطف عليه العشرون والثلاثون إلى التسعين، ولا يقال: بضع ومائة، ولا بضع وألف.

( شعبة) بضم الشين، أي خصلة، منصوب على التمييز، وأصل الشعبة الفرقة والطائفة من الشيء، ومنه شعب القبائل.

( والحياء) هو الاستحياء، واشتقاقه من الحياة، وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، ويذم عليه، وقد يعرف بأنه انحصار النفس خوف ارتكاب القبائح، وقد يطلق على مجرد ترك الشيء لسبب، والحقيقة أن الترك من لوازمه، وإنما هو دهشة تكون سببا لترك الشيء.
قال الواحدي: استحيا الرجل من قوة الحياة فيه، لشدة علمه بمواقع الغيب، قال: فالحياء من قوة الحس ولطفه وقوة الحياة اهـ.

( شعبة من الإيمان) أي خصلة عظيمة، فالتنوين للتعظيم والتفخيم، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة.

( بضع وسبعون، أو بضع وستون) شك من الراوي، وهو في بعض طرق الترمذي بضع وسبعون من غير شك.

( فأفضلها) الفاء فصيحة، أي إذا تدرجت شعب الإيمان فأفضلها، وفي رواية ابن ماجه فأرفعها وفي رواية أعلاها .

( لا إله إلا الله) محمد رسول الله، فإن الشهادتين متلازمتان شرعا، فإذا ذكرت إحداهما أريدت معها الأخرى.

( وأدناها) من الدنو بمعنى القرب، أي أقلها طلبا وأجرا ومنزلة.

( إماطة الأذى عن الطريق) أي إزالة الأذى، والمراد من الأذى ما من شأنه أن يؤذي، حصل به الإيذاء بالفعل أولا.
وفي رواية أدناها إماطة العظم عن الطريق .

فقه الحديث

قال القاضي عياض: تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة، ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في الإيمان.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: ولم يتفق من عد الشعب على نمط واحد.
ثم لخص ما أوردوه فقال: إن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب وأعمال اللسان، وأعمال البدن.

فأعمال القلب فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة، الإيمان بالله ( ويدخل فيه الإيمان بذاته، وصفاته، وتوحيده وبأن ليس كمثله شيء، واعتقاد حدوث ما دونه) والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشره، والإيمان باليوم الآخر ( ويدخل فيه المسألة في القبر، والبعث، والنشور، والحساب، والميزان، والصراط، والجنة والنار) ومحبة الله، والحب والبغض في الله، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاد تعظيمه ( ويدخل فيه الصلاة عليه، واتباع سنته) والإخلاص ( ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق) والتوبة، والخوف والرجاء والشكر، والوفاء والصبر، والرضا بالقضاء، والتوكل، والرحمة، والتواضع ( ويدخل فيه توقير الكبير، ورحمة الصغير، وترك الكبر والعجب) وترك الحسد، وترك الحقد، وترك الغضب.

وأما أعمال اللسان فتشتمل على سبع خصال: التلفظ بالتوحيد وتلاوة القرآن، وتعلم العلم وتعليمه، والدعاء والذكر ( ويدخل فيه الاستغفار واجتناب اللغو) .

وأما أعمال البدن فتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة: منها ما يختص بالأعيان، وهي خمس عشرة خصلة: التطهير حسا وحكما ( ويدخل فيه اجتناب النجاسات) وستر العورة والصلاة فرضا ونفلا، والزكاة كذلك، وفك الرقاب، والجود ( ويدخل فيه إطعام الطعام وإكرام الضيف) والصيام فرضا ونفلا، والحج والعمرة كذلك، والطواف والاعتكاف والتماس ليلة القدر، والفرار بالدين ( وتدخل فيه الهجرة من دار الشرك) والوفاء بالنذر والتحري في الأيمان، وأداء الكفارات.

ومنها ما يتعلق بالاتباع، وهي ست خصال: التعفف بالنكاح، والقيام بحقوق العيال وبر الوالدين ( ويدخل فيه اجتناب العقوق) وتربية الأولاد، وصلة الرحم، وطاعة السادة والرفق بالعبيد.

ومنها ما يتعلق بالعامة، وهي سبع عشرة خصلة: القيام بالإمرة مع العدل، ومتابعة الجماعة، وطاعة أولي الأمر، والإصلاح بين الناس ( ويدخل فيه قتال الخوارج والبغاة) والمعاونة على البر ( ويدخل فيه الأمر بالمعروف) والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، والجهاد ( ومنه المرابطة) وأداء الأمانة ( ومنه أداء الخمس والقرض مع وفائه) وإكرام الجار، وحسن المعاملة ( وفيه جمع المال من حله) وإنفاق المال في حقه ( ومنه ترك التبذير والإسراف) ورد السلام، وتشميت العاطس وكف الأذى عن الناس، واجتناب اللهو، وإماطة الأذى عن الطريق.

فهذه تسع وستون خصلة، ويمكن عدها تسعا وسبعين خصلة باعتبار أفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر.
اهـ .

وبفحص ما لخصه الحافظ ابن حجر نرى أن بعضه يتداخل في بعض كطاعة أولي الأمر وطاعة السادة، وكالقيام بحقوق العيال، وتربية الأولاد.
ثم نرى أنه لم يذكر في الشعب الحياء الذي نص عليه في الحديث، بل هو المقصود الأول منه.

ثم نرى أنه اعتمد رواية: بضع وستون مع أن الحليمي والنووي والقاضي عياض رجحوا رواية: بضع وسبعون لأنها زيادة من ثقة فقبلت وقدمت، وليس في رواية الأقل ما يمنعها، ولعل الحافظ ابن حجر مال إلى ما ذهب إليه ابن الصلاح من ترجيح الأقل بضع وستون لأنه المتيقن، وهذا كله مبني على أن العدد له حقيقة محددة مرادة، وبهذا قيل.

وذهب جماعة إلى أن العدد أريد به التكثير دون التحديد، كما في قوله تعالى: { { إن تستغفر لهم سبعين مرة } } [التوبة:80] ويكون ذكر البضع للترقي، والعرب تستعمل السبعة للتكثير في الآحاد، ومنه قوله تعالى: { { سبع سنابل } } [البقرة: 261] ، وقوله: { { والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } } [لقمان: 27] .

فيكون المعنى أن شعب الإيمان أعداد مبهمة، ولا نهاية لكثرتها، ويرجح هذا الرأي أنه أبهم بذكر البضع، ولو أريد التحديد لم يبهم.

فإن قيل: أصل الإيمان في اللغة التصديق، وفي الشرع تصديق القلب واللسان، فما وجه كون الحياء شعبة من الإيمان؟

أجيب بأن ظواهر الشرع تطلقه أيضا على الأعمال، ومنه هذا الحديث، وقال النووي: كمال الإيمان بالأعمال، وتمامه بالطاعات، وأن التزام الطاعات وضم هذه الشعب من جملة التصديق ودلائل عليه وأنها خلق أهل التصديق، فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعي ولا اللغوي.
اهـ.

فإن قيل: لم خص الحياء بالذكر من بين الشعب؟ أجيب بأنه الباعث على أفعال الخير الحاجز عن أفعال المعاصي، فله أهمية خاصة ومزيد عناية داعية، إذ الحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر وينزجر، فإن قيل: إن الحياء من الغرائز، فكيف جعل شعبة من الإيمان؟ أجيب بأنه قد يكون غريزة، وقد يكون تخلقا، وعلى كل فاستعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية، فلهذا جعل من الإيمان.

ويؤخذ من الحديث

1 - تفاوت مراتب الإيمان.

2 - أن الإيمان قول وعمل، وفيه الرد على المرجئة القائلين بأن الإيمان قول بلا عمل.

3 - أن الأعمال مع انضمامها إلى التصديق داخلة في مسمى الإيمان.

4 - الحث على التخلق بالحياء.

5 - الحث على إماطة الأذى من طريق المسلمين.

6 - مسئولية الفرد نحو المجتمع، فإن إماطة الأذى من التعاون والتكافل الاجتماعي ودفع الضرر عن أفراده، وحمايته من الوقوع في الخطر والضرر.

والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب بَيَانِ عَدَدِ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَأَفْضَلِهَا وَأَدْنَاهَا وَفَضِيلَةِ الْحَيَاءِ وَكَوْنِهِ مِنْ الْإِيمَانِ
[ سـ :79 ... بـ :35]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ
قَوْلُهُ : ( أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْقَافِ .
وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَةِ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً ) هَكَذَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ كَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ عَلَى الشَّكِّ .
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مِنْ رِوَايَةِ الْعَقَدِيِّ بِضْعٌ وَسِتُّونَ بِلَا شَكٍّ .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بِلَا شَكٍّ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ.

     وَقَالَ  فِيهِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ بَابًا .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّاجِحَةِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : الصَّوَابُ مَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَلِسَائِرِ الرُّوَاةِ بِضْعٌ وَسِتُّونَ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى : هَذَا الشَّكُّ الْوَاقِعُ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ هُوَ مِنْ سُهَيْلٍ .
كَذَا .
قَالَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُهَيْلٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ ..
وَأَمَّا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ أَخْرَجَاهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرَ أَنَّهَا فِيمَا عِنْدنَا مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ وَفِيمَا عِنْدنَا مِنْ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ بِضْعٌ وَسِتُّونَ .

وَقَدْ نَقَلْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكِتَابَيْنِ وَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رِوَايَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي طُرُقِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرْجِيحِ قَالَ : وَالْأَشْبَهُ بِالْإِتْقَانِ وَالِاحْتِيَاطِ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ الْأَقَلِّ .
قَالَ : وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ ، وَإِيَّاهَا اخْتَارَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ ; فَإِنَّ الْحُكْمَ لِمَنْ حَفِظَ الزِّيَادَةَ جَازِمًا بِهَا .

قَالَ الشَّيْخُ : ثُمَّ إِنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الشُّعَبِ يَطُولُ وَقَدْ صُنِّفَتْ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٌ .
وَمِنْ أَغْزَرِهَا فَوَائِدُ كِتَابِ ( الْمِنْهَاجُ ) لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ إِمَامِ الشَّافِعِيِّينَ بِبُخَارَى .
وَكَانَ مِنْ رُفَعَاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ .
وَحَذَا حَذْوَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ الْجَلِيلِ الْحَفِيلِ كِتَابِ " شُعَبُ الْإِيمَانِ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : الْبِضْعُ وَالْبِضْعَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِيهِمَا وَفَتْحِهَا هَذَا فِي الْعَدَدِ فَأَمَّا بَضْعَةُ اللَّحْمِ فَبِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ .
وَالْبِضْعُ فِي الْعَدَدِ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْعَشْرِ .
وَقِيلَ : مِنْ ثَلَاثٍ إِلَى تِسْعٍ ..
     وَقَالَ  الْخَلِيلُ : الْبِضْعُ سَبْعٌ .
وَقِيلَ : مَا بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَى عَشَرَةٍ ، وَمَا بَيْنَ اثْنَيْ عَشَرَ إِلَى عِشْرِينَ .
وَلَا يُقَالُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ ..
قُلْتُ : وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَشْهُرُ الْأَظْهَرُ ..
وَأَمَّا الشُّعْبَةُ فَهِيَ الْقِطْعَةِ مِنَ الشَّيْءِ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ : بِضْعٌ وَسَبْعُونَ خَصْلَةً .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ فِي اللُّغَةِ التَّصْدِيقُ ، وَفِي الشَّرْعِ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ .
وَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تُطْلِقُهُ عَلَى الْأَعْمَالِ كَمَا وَقَعَ هُنَا ( أَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) ، وَآخِرُهَا ( إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ) ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ بِالْأَعْمَالِ ، وَتَمَامَهُ بِالطَّاعَاتِ ، وَأَنَّ الْتِزَامَ الطَّاعَاتِ وَضَمَّ هَذِهِ الشُّعَبِ مِنْ جُمْلَةِ التَّصْدِيقِ ، وَدَلَائِلُ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهَا خُلُقُ أَهْلِ التَّصْدِيقِ فَلَيْسَتْ خَارِجَةً عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ الشَّرْعِيِّ وَلَا اللُّغَوِيِّ .
وَقَدْ نَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهَا التَّوْحِيدُ الْمُتَعَيِّنُ علَى كُلِّ أَحَدٍ ، وَالَّذِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنَ الشُّعَبِ إِلَّا بَعْدَ صِحَّتِهِ .
وَأَدْنَاهَا مَا يُتَوَقَّعُ ضَرَرُهُ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِهِمْ .
وَبَقِيَ بَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ أَعْدَادٌ لَوْ تَكَلَّفَ الْمُجْتَهِدُ تَحْصِيلَهَا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ ، وَشِدَّةِ التَّتَبُّعِ لَأَمْكَنَهُ .
وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ .

وَفِي الْحُكْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُعُوبَةٌ ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَعْرِفَةُ أَعْيَانِهَا ، وَلَا يَقْدَحُ جَهْلُ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ إِذْ أُصُولُ الْإِيمَانِ وَفُرُوعُهُ مَعْلُومَةٌ مُحَقَّقَةٌ ، وَالْإِيمَانُ بِأَنَّهَا هَذَا الْعَدَدُ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ .
هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - .

وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ : تَتَبَّعْتُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مُدَّةً ، وَعَدَدْتُ الطَّاعَاتِ فَإِذَا هِيَ تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ شَيْئًا كَثِيرًا ، فَرَجَعَتُ إِلَى السُّنَنِ فَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْإِيمَانِ فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ عَنِ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ ، فَرَجَعَتْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَرَأَتْهُ بِالتَّدَبُّرِ وَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْإِيمَانِ فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ عَنِ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ ، فَضَمَمْتُ الْكِتَابَ إِلَى السُّنَنِ ، وَأَسْقَطَتِ الْمُعَادَ فَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ عَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَبِيُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْإِيمَانِ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا تَنْقُصُ ، فَعَلِمْتُ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ .
وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَمِيعَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ وَصْفِ الْإِيمَانِ وَشُعَبِهِ وَذَكَرَ أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً أَيْضًا صَحِيحَةٌ ; فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَذْكُرُ لِلشَّيْءِ عَدَدًا وَلَا تُرِيدُ نَفْيَ مَا سِوَاهُ .
وَلَهُ نَظَائِرُ أَوْرَدَهَا فِي كِتَابِهِ مِنْهَا فِي أَحَادِيثِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ .
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ ) وَفِي الْأُخْرَى ( الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ ) وَفِي الْأُخْرَى ( الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ أَوْ قَالَ كُلُّهُ خَيْرٌ ) الْحَيَاءُ مَمْدُودٌ وَهُوَ الِاسْتِحْيَاءُ .
قَالَ الْإِمَامُ الْوَاحِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى : قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ الْحَيَاةِ ، وَاسْتَحْيَا الرَّجُلُ : مِنْ قُوَّةِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِشِدَّةِ عِلْمِهِ بِمَوَاقِعِ الْعَيْبِ .
قَالَ : فَالْحَيَاءُ مِنْ قُوَّةِ الْحِسِّ وَلُطْفِهِ وَقُوَّةِ الْحَيَاةِ .
وَرُوِّينَا فِي رِسَالَةِ الْإِمَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ السَّيِّدِ الْجَلِيلِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : الْحَيَاءُ رُؤْيَةُ الْآلَاءِ أَيِ النِّعَمِ ، وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ ، فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى الْحَيَاءُ ..
     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ : إِنَّمَا جُعِلَ الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانَ غَرِيزَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا وَاكْتِسَابًا كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ ، وَقَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إِلَى اكْتِسَابٍ وَنِيَّةٍ وَعِلْمٍ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ بِهَذَا ، وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ ، وَمَانِعًا مِنَ الْمَعَاصِي ..
وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَاءِ خَيْرًا كُلَّهُ ، وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ فَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ صَاحِبَ الْحَيَاءِ قَدْ يَسْتَحْيِي أَنْ يُوَاجِهَ بِالْحَقِّ مَنْ يُجِلُّهُ ، فَيَتْرُكُ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ .
وَقَدْ يَحْمِلُهُ الْحَيَاءُ عَلَى الْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْحُقُوقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَادَةِ .
وَجَوَابُ هَذَا مَا أَجَابَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا الْمَانِعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ عَجْزٌ وَخَوَرٌ وَمَهَانَةٌ وَإِنَّمَا تَسْمِيَتُهُ حَيَاءً مِنْ إِطْلَاقِ بَعْضِ أَهْلِ الْعُرْفِ أَطْلَقُوهُ مَجَازًا لِمُشَابَهَتِهِ الْحَيَاءَ الْحَقِيقِيَّ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ ، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ ، وَنَحْوِ هَذَا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْجُنَيْدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .