هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
978 وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، قَالَ : كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ، يَقُولُ : فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ وَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَوْلًى لَهُمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يُهَلِّلُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ وَقَالَ فِي آخِرِهِ : ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ الزُّبَيْرِ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ . وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، يَخْطُبُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ إِذَا سَلَّمَ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ أَوِ الصَّلَوَاتِ ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ الْمَكِّيَّ ، حَدَّثَهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، وَهُوَ يَقُولُ : فِي إِثْرِ الصَّلَاةِ إِذَا سَلَّمَ ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ : وَكَانَ يَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
978 وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا أبي ، حدثنا هشام ، عن أبي الزبير ، قال : كان ابن الزبير ، يقول : في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل ، وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبي الزبير مولى لهم أن عبد الله بن الزبير كان يهلل دبر كل صلاة بمثل حديث ابن نمير وقال في آخره : ثم يقول ابن الزبير : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة . وحدثني يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا ابن علية ، حدثنا الحجاج بن أبي عثمان ، حدثني أبو الزبير ، قال : سمعت عبد الله بن الزبير ، يخطب على هذا المنبر وهو يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول إذا سلم في دبر الصلاة أو الصلوات ، فذكر بمثل حديث هشام بن عروة . وحدثني محمد بن سلمة المرادي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن يحيى بن عبد الله بن سالم ، عن موسى بن عقبة ، أن أبا الزبير المكي ، حدثه ، أنه سمع عبد الله بن الزبير ، وهو يقول : في إثر الصلاة إذا سلم ، بمثل حديثهما ، وقال في آخره : وكان يذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Zubair reported:

Ibn Zubair uttered at the end of every prayer after pronouncing salutation (these words): There is no god but Allah. He is alone. There is no partner with Him. Sovereignty belongs to Him and He is Potent over everything. There is no might or power except with Allah. There is no god but Allah and we do not worship but Him alone. To Him belong all bounties, to Him belongs all Grace, and to Him is worthy praise accorded. There is no god but Allah, to Whom we are sincere in devotion, even though the unbelievers should disapprove it. (The narrator said): He (the Holy Prophet) uttered it at the end of every (obligatory) prayer.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
لا حول ولا قوة إلا بالله.
لا إله إلا الله.
ولا نعبد إلا إياه.
له النعمة وله الفضل.
وله الثناء الحسن.
لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة.


المعنى العام

في الصلوات قرب من الله، وإذا تقرب العبد إلى ربه كان جديرًا بأن يجاب دعاؤه، ويحسن عمله، ويطيب صباحه ومساؤه، ومن وصل القرب أن يذكر المسلم ربه عقب الصلاة بما هو أهله من التنزيه والشكر والإجلال، وعلى هذه السنة الحميدة سار الصحابة بتعليم من قدوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة كبر وذكر فيكبر معه الصحابة ويذكرون حتى تسمع أصواتهم خارج المسجد، فلما تعلموا ما ينبغي من ذكر، وقرءوا قوله تعالى: { { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا } } [الإسراء: 110] وسمعوا الحديث الشريف حين ارتفعت أصواتهم بالتهليل والتكبير: يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنه منكم سميع قريب اتجهوا واتجه الرسول بهم إلى خفض الصوت بالذكر والدعاء.

ولقد علمهم صلى الله عليه وسلم كثيرًا من الذكر والثناء والتكبير، ليختار المقل منه ما يستطيع، وليستزيد من يريد الزيادة في الخير.
فقد كان صلى الله عليه وسلم عقب السلام من الصلاة يستغفر ثلاثًا بقوله: أستغفر اللَّه العظيم، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
وأحيانًا كان يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، [أي لا أحد يستطيع منع عطائك إذا أعطيت ولا أحد يستطيع العطاء إذا لم تعط أنت، ولا ينفع الغني غناه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم] .
وأحيانًا كان يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
لا حول ولا قوة إلا الله.
لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل [فكل نعمة في الوجود ملكه، وكل فضل في الوجود من عنده] وله الثناء الحسن [وهو المستحق للثناء الحسن] لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
وجاء بعض فقراء المسلمين، يغبطون الأغنياء على غناهم وبذلهم أموالهم في سبيل الخير والمعروف، يقولون: يا رسول الله ذهب الأغنياء بكثرة الثواب دوننا، ذهبوا بالدرجات العلا في الجنة وبالنعيم المقيم دوننا، قال صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ ما هذا الأمر؟ ماذا تقصدون؟ قالوا: إن الأغنياء يصدقون كما نصدق، ويؤمنون كما نؤمن، ويصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويذكرون كما نذكر، ويجاهدون كما نجاهد، ولهم أموال يتصدقون منها، ويصلون منها الرحم، ويحجون بها ويعتقون منها الرقاب، وينفقونها في سبيل الله.
ونحن مساكين لا نقدر على ذلك.
فقال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بشيء إذا أنتم فعلتموه أدركتم مثل فضلهم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: تسبحون الله بعد السلام من الصلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمدون الله ثلاثًا وثلاثين وتكبرون الله ثلاثًا وثلاثين، ففعلوا.
وأخبروا الأغنياء بما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم، فقام الأغنياء بعمل ما يعمله الفقراء وذكروا الله وسبحوه وحمدوه وكبروه خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وعلم الفقراء ما فعله الأغنياء، وأحسوا أنهم شاركوهم ميزتهم، فذهبوا يشكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: { { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } } [المائدة: 54] .

وهكذا وجب على المسلم أن يبذل جهده في الطاعة وفي ذكر الله، وما أسهل الذكر، وما أكثر أجره، فالذكر كلمات خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان، ورب عمل قليل يحصل الأجر الجزيل، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

المباحث العربية

( عن عمرو قال: أخبرني بذا أبو معبد ثم أنكره) كذا في الرواية الأولى من الباب رقم ( 214) باب الذكر بعد الصلاة، والإشارة إلى الحديث التالي المروي عن ابن عباس، أي أخبرني بما سأرويه لكم أبو معبد، وظاهر من الرواية الثانية في الباب المذكور أن أبا معبد حدث عمرو بن دينار بهذا ثم أنكر أنه حدثه به، لا لعدم مشروعية ما روى، ولكن لتحقق التحديث وعدم تحققه، ولم يغير هذا الإنكار من ثقة عمرو في أبي معبد، فقد روى البخاري عن علي المديني عن سفيان عن عمرو بن دينار قال: كان أبو معبد أصدق موالي ابن عباس، ولا شك عند المحدثين أن عمرو بن دينار عدل، وأن أبا معبد عدل، ومن هنا قال الشافعي: كأنه نسيه بعد أن حدثه به.
اهـ.
وسيأتي حكم قبول مثل هذا في ما يؤخذ من الحديث من الأحكام.

( كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) كنا تعبير عنه وعن أمثاله من الصبية الذين لم يكونوا يصلون ويقفون خارج المسجد، أو ممن يصلون خلف الصفوف فلا يسمعون التسليم، وفي الرواية الثالثة كنت أعلم والمراد منها أيضًا المعرفة، وفيها أيضًا الذكر بدل التكبير، والذكر أعم من التكبير، فيطلق على التكبير وغيره، وما كان يحصل هو ذكر: تكبير وغير تكبير كما سيأتي في فقه الحديث.
قال الكرماني: المراد بالتكبير الذكر.
اهـ.
ويمكن أن يراد بالتكبير ذاته، وبالذكر ما هو أعم، فتكون وسيلة المعرفة التكبير مرة وغيره من الذكر مرة أخرى، وقال الحافظ ابن حجر: وكأنهم كانوا يبدءون بالتكبير قبل التسبيح والتحميد.
اهـ.

( حين ينصرف الناس من المكتوبة) أي حين ينتهون منها.
وليس المراد الانصراف من المسجد.

( كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي على زمانه، ومثل هذا يحكم له بالرفع عند الجمهور إلا من شذ.

( كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) الإشارة إلى رفع الصوت بالذكر، والتقدير: إذا سمعت ارتفاع صوتهم بالذكر كنت أعلم به وقت انتهائهم من الصلاة.

( إذا انصرف من صلاته) كذا في الرواية الأولى من بابنا، استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته، قال النووي: المراد بالانصراف السلام.

( استغفر ثلاثًا) قال الوليد الراوي عن الأوزاعي الراوي عن أبي عمار الراوي عن أبي أسماء الراوي عن ثوبان، قال الوليد: قلت للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال: تقول: أستغفر الله أستغفر الله.
رواه مسلم.

( تباركت ذا الجلال والإكرام) ذا منادى بحذف حرف الدعاء، وقد ثبت الحرف في الرواية الملحقة بالرواية الثانية، والمعنى تقدست وتنزهت عن النقائص يا صاحب العظمة والإكرام.

( كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية) وفي الرواية الرابعة كتب معاوية إلى المغيرة اكتب إلي فكتابة المغيرة لمعاوية كانت بناء على طلب معاوية.
والكاتب المباشر إلى معاوية وراد كاتب المغيرة، ففي البخاري عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملي على المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية وكان المغيرة إذ ذاك أميرًا على الكوفة من قبل معاوية.

( لا إله إلا اللَّه) كلمة توحيد بالإجماع، وهي مشتملة على نفي الألوهية عن غير الله، وإثباتها لله تعالى.
ولا نافية للجنس، وخبرها محذوف، تقديره: لا إله موجود غير اللَّه.

( وحده) منصوب على الحال بتأويله بمشتق، أي موحدًا منفردًا.

( لا شريك له) تأكيد لقوله وحده لأن المتصف بالوحدانية لا شريك له.

( له الملك) له امتلاك جميع المخلوقات والتصرف فيها.

( وله الحمد) أي جميع أصناف المحامد تنتهي إليه.

( وهو على كل شيء قدير) قال العيني: هو من باب التتميم والتكميل لأن الله تعالى لما كانت الوحدانية له، والملك له، والحمد له، فبالضرورة يكون قادرًا على كل شيء.
اهـ.

( ولا ينفع ذا الجد منك الجد) قال الحافظ ابن حجر: الجد مضبوط في جميع الروايات بفتح الجيم، ومعناه الغنى أو الحظ، ومنك بمعنى عندك أي لا ينفع ذا الغنى عندك غناه، وإنما ينفعه العمل الصالح، وهذا أقرب التقديرات وقيل: إن منك بمعنى البدل، وفي الكلام مضاف محذوف، أي بدل طاعتك، أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه، وقيل ضمن ينفع معنى يمنع أي لا يمنع ذا الغنى منك غناه، كقوله { { يوم لا ينفع مال ولا بنون } } [الشعراء: 88] وقريب من هذا من فسر الجد بأب الأب، وأب الأم، أي لا ينفع أحدًا نسبه.

وحكي عن أبي عمرو الشيباني أنه روى الجد بالكسر، وقال معناه: لا ينفع صاحب الاجتهاد اجتهاده، واعترض بأن الاجتهاد في العمل نافع، لأن الله قد دعا إليه، وأجيب بأن المراد أنه لا ينفع الاجتهاد في طلب الدنيا وتضييع أمر الآخرة، أو لا ينفع بمجرده ما لم يقارنه القبول، وذلك لا يكون إلا بفضل الله ورحمته، كما في حديث لن يدخل أحدًا عمله بالجنة.

( كتب معاوية إلى المغيرة اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) لفظ بشيء ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بما جاء في رواية للبخاري اكتب إلي ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة وعند أبي داود أي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سلم من الصلاة؟

( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قضى الصلاة) أي المكتوبة، كما جاء في رواية البخاري، قال الحافظ ابن حجر: فكأن المغيرة فهم ذلك من قرينة في السؤال.

( في دبر كل صلاة حين يسلم) بضم الدال، قال النووي: هذا هو المشهور في اللغة والمعروف في الروايات، وفي اليواقيت: دبر كل شيء - بفتح الدال - آخر أوقاته من الصلاة وغيرها.
وعن ابن الأعرابي: دبر الشيء ودبره بالضم والفتح آخر أوقاته، والصحيح الضم، ولم يذكر الجوهري غيره.
اهـ.
وقال الأزهري: دبر الأمر بضمتين، ودبره بفتح ثم سكون، وفي رواية البخاري خلف كل صلاة وفي بعض الروايات إثر كل صلاة قال في الفتح، وهو تفسير الرواية دبر كل صلاة.

( فقراء المهاجرين أتوا...) سمي منهم في بعض الروايات أبو ذر الغفاري، وفي بعضها أبو الدرداء، قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن أبا هريرة منهم، ويمكن أن يقال: إن زيد بن ثابت كان معهم، ولا يعارضه ما جاء عند مسلم ( روايتنا السابعة) فقراء المهاجرين لكون زيد بن ثابت من الأنصار لاحتمال التغليب.

( أهل الدثور) بضم الدال والثاء جمع دثر بفتح ثم سكون، وهو المال الكثير.
قال ابن سيده: لا يثنى ولا يجمع، وقيل: يثنى ويجمع، ووقع عند الخطابي ذهب أهل الدور من الأموال قال الحافظ ابن حجر: والصواب الدثور اهـ.

( بالدرجات العلى والنعيم المقيم) العلى بضم العين جمع العلياء، وهي تأنيث الأعلى، ويحتمل أن يراد بالدرجات العلى درجات الجنة الحسية، ويحتمل أن يراد الدرجات المعنوية بمعنى علو القدر عند الله.
ووصف النعيم بالإقامة إشارة إلى ضده وهو النعيم العاجل، فإنه قل ما يصفو، وإن صفا فهو بصدد الزوال.

( أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم) ؟ أي من أهل الأموال الذين امتازوا عليكم بالصدقة والإعتاق، والأسبقية هنا يحتمل أن تكون معنوية وأن تكون حسية، والأول أقرب.

( وتسبقون به من بعدكم) ممن لا يعمل بعملكم.

( تسبحون وتكبرون وتحمدون) تحمدون بفتح التاء وسكون الحاء وفتح الميم وفي رواية البخاري تسبحون وتحمدون وتكبرون بتأخير التكبير على الحمد كما هو صريح الروايتين الثامنة والتاسعة، وفي بعض الروايات تكبر وتحمد وتسبح قال الحافظ ابن حجر: وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها، ويستأنس لذلك بقوله في حديث البخاري في حديث الباقيات الصالحات لا يضرك بأيهن بدأت لكن يمكن أن يقال: الأولى البداءة بالتسبيح، لأنه يتضمن نفي النقائص عن الباري سبحانه وتعالى، ثم التحميد، لأنه يتضمن إثبات الكمال، ثم التكبير، إذ لا يلزم من نفي النقائص وإثبات الكمال أن لا يكون هناك كبير آخر، ثم يختم بالتهليل ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك.
اهـ.

( ثلاثًا وثلاثين) قال في الفتح: يحتمل أن يكون المجموع للجميع، فإذا وزع كان لكل واحد إحدى عشرة، وهو الذي فهمه الراوي سهيل ( في ملحق روايتنا السابعة) لكن لم يتابع سهيل على ذلك، بل لم أر في شيء من طرق الحديث كلها التصريح بإحدى عشرة إلا في حديث ابن عمر عند البزار، وهو ضعيف والأظهر أن المراد أن المجموع لكل فرد فرد، فعلى هذا ففيه تنازع ثلاثة أفعال في ظرف ومصدر، والتقدير: تسبحون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمدون كذلك، وتكبرون كذلك.
اهـ.

( قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين) قال الحافظ ابن حجر: لم يصح بهذه الزيادة إسناد، نعم جاءت عند البزار موصولة وهي رواية ضعيفة، وعند الخطيب برواية ضعيفة، إلا أن هذين الطريقين يقوى بهما إرسال أبي صالح والله أعلم.

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ظاهره القريب من النص أنه فضل الغنى، أي زيادة الأغنياء بالصدقة والإعتاق مع عملهم مثل عمل الفقراء فضل الله يؤتيه من يشاء، وبعضهم يجعل الإشارة إلى الفضل المترتب على الذكر المذكور، فجعل الفضل لقائله كائنًا من كان، وبعضهم تأول فجعل الإشارة راجعة إلى الثواب المترتب على العمل الذي يحصل به التفضيل عند الله، فكأنه قال: ذلك الثواب الذي أخبرتكم به لا يستحقه أحد بحسب الذكر ولا بحسب الصدقة، وإنما هو بفضل الله.
فقصد المؤول بذلك عدم الدلالة على تفضيل الغني، قال العلماء: وهذا تأويل بعيد.
وسيأتي في فقه الحديث شرح المفاضلة بين الغني والفقير.

( معقبات لا يخيب قائلهن) قال الهروي: قال سمرة: معناه تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة، وقال أبو الهيثم: سميت معقبات لأنها تفعل مرة بعد أخرى وقوله تعالى: { { له معقبات } } [الرعد: 11] أي ملائكة يعقب بعضهم بعضًا.

( وأربع وثلاثون تكبيرة) قال الحافظ ابن حجر: ويخالف هذا الحديث أبي هريرة ( روايتنا التاسعة) وفيها ختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره، وقال النووي: ينبغي أن يجمع بين الروايتين بأن يكبر أربعًا وثلاثين ويقول معها لا إله إلا الله.
إلخ.

وقال غيره: بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة، ومرة بلا إله إلا الله... إلخ.

وسيأتي بقية الكلام على تحديد الأعداد في فقه الحديث.
واللَّه أعلم.

فقه الحديث

أما عن الباب الأول [باب الذكر بعد الصلاة - باب 214] فقد استدل بعض السلف بحديث ابن عباس على استحباب رفع الصوت بالتكبير والذكر بعد الصلاة المكتوبة.
قال ابن حبيب: كانوا يستحبون التكبير في العساكر والبعوث إثر صلاة الصبح والعشاء تكبيرًا عاليًا ثلاثًا.
قال: وهو قديم من شأن الناس، وقال الطبري: في الحديث البيان على صحة فعل من كان يفعل ذلك من الأمراء والولاة، يكبر بعد صلاته، ويكبر من خلفه.

وحمل الشافعي هذا الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم جهر ليعلمهم صفة الذكر، لا أنه كان دائمًا: قال: وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الفراغ من الصلاة، ويخفيان ذلك إلا أن يقصدا التعليم، فيعلما، ثم يسرا.
اهـ والظاهر أن الأمر لم يستمر على ارتفاع الصوت بالذكر، لهذا قال ابن بطال: إن قول ابن عباس كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيه دلالة على أنه لم يكن يفعل حين حدث به، لأنه لو كان يفعل لم يكن لقوله معنى، فكأن التكبير في أثر الصلوات بصوت مرتفع لم يواظب الرسول صلى الله عليه وسلم عليه طول حياته، وفهم أصحابه أن ذلك ليس بلازم، فتركوه خشية أن يظن أنه مما لا تتم الصلاة إلا به.

وقال ابن بطال أيضًا: أصحاب المذاهب المتبعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالتكبير والذكر حاشا ابن حزم.
اهـ

أما الأذكار الواردة دبر كل صلاة فكثيرة، منها ما رواه مسلم في هذا الباب، ومنها ما رواه البخاري في أول كتاب الجهاد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ دبر كل صلاة بهؤلاء الكلمات: اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر.

وما رواه أبو داود بإسناد صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.

وما رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، وقال: يا معاذ والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ، لا تدعهن دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

وما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة قال النووي: وينبغي أن يقرأ قل هو الله أحد مع المعوذتين، لرواية أبي داود بالمعوذات.

وروى الطبري في معجمه أحاديث في فضل آية الكرسي دبر الصلاة المكتوبة قال النووي: لكنها كلها ضعيفة.

وقد جمع الإمام النووي أحاديث كثيرة في الذكر والدعاء في كتاب الأذكار، فمن شاء الزيادة رجع إليه.

والأحاديث الصحيحة تجمع على استحباب ذكر الله تعالى بعد السلام للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والحاضر والمسافر وغيرهم، ولا خلاف في ذلك، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات.
رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

وهذه الأذكار كلها مستحبة، لكن بأيها يبدأ؟ قال النووي: يستحب أن يبدأ من هذه الأذكار بحديث الاستغفار.
اهـ يعني حديث ثوبان: يستغفر ثلاثًا، ثم يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام، ثم يتبع ذلك ما كتبه المغيرة لمعاوية: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
ثم زيادة ابن الزبير: لا حول ولا قوة إلا بالله.
لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله.
مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، ثم يسبح ويحمد ويكبر ثلاثًا وثلاثين، ثم يدعو بما شاء من الأدعية المأثورة.

واختلفت الروايات في العدد المطلوب من التسبيح والتحميد والتكبير، وقد رأينا في ملحق الرواية السابعة قول الراوي سهل: إحدى عشرة.
إحدى عشرة.
فجميع ذلك كله ثلاثة وثلاثون.

قال الحافظ ابن حجر: ووقع في رواية ورقاء عن سمي عند البخاري في الدعوات في هذا الحديث تسبحون عشرًا، وتحمدون عشرًا قال: ولم أقف في شيء من طرق حديث أبي هريرة على من تابع ورقاء على ذلك، لا عن سمي ولا عن غيره، ويحتمل أن يكون تأول ما تأول سهيل من التوزيع، ثم ألغى الكسر، ويعكر عليه أن السياق صريح في كونه كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: وقد وجدت لرواية العشر شواهد، منها عن علي عند أحمد، وعن سعد بن أبي وقاص عند النسائي، وعن عبد الله بن عمرو عند النسائي وأبي داود والترمذي، وعن سلمة عند البزار، وعن أم مالك الأنصارية عند الطبراني.
وجمع البغوي في شرح السنة بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة، أولها عشرًا.
عشرًا، ثم إحدى عشرة، ثم ثلاثًا وثلاثين، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل التخيير، أو يفترق بافتراق الأحوال، وقد جاء من حديث ابن ثابت وابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقولوا كل ذلك خمسًا وعشرين ويزيدوا فيها لا إله إلا الله خمسًا وعشرين ولفظ زيد بن ثابت أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين، ونكبر أربعًا وثلاثين، فأتى رجل في منامه، فقيل له: أمركم محمد أن تسبحوا...؟ قال: نعم.
قال: اجعلوها خمسًا وعشرين، واجعلوا فيها التهليل.
فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فافعلوه أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان، واستنبط النسائي أن مراعاة العدد المخصوص في الأذكار معتبرة، وإلا لكان يمكن أن يقال لهم: أضيفوا لهما التهليل ثلاثًا وثلاثين؛ وقد كان بعض العلماء يقول: إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص، فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص، لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية وتفوت بمجاوزة ذلك العدد.
قال الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي: وفيه نظر.
لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الإتيان به، فحصل له الثواب بذلك، فإذا زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة الثواب بعد حصوله؟ قال الحافظ ابن حجر: يمكن أن يفترق الحال فيه بالنية، فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد، ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا الحافظ أبو الفضل لا محالة، وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلاً.
فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي، وقد بالغ القرافي في القواعد، فقال: من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحددة شرعًا، لأن شأن العظماء إذا حددوا شيئًا أن يوقف عنده، ويعد الخارج عنه مسيئًا للأدب.
اهـ قال الحافظ ابن حجر: وقد مثله بعض العلماء بالدواء، يكون مثلاً فيه أوقية سكر، فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به، فلو اقتصر على الأوقية في الدواء، ثم استعمل بعد ذلك من السكر ما شاء لم يتخلف الانتفاع، ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة، لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة تفوت بفواتها.
والله أعلم.
انتهى.

ولست مع هذا التزمت، وأنه لو زاد بغير نية فات الثواب، كل ما هو مطلوب أن لا يظن أن ما يفعله خير من التشريع، لكن إن جرى لسانه بزيادة ما دون قصد حصل له الثواب المذكور، وإذا كنا قد حكمنا لمن صلى الرباعية خمسًا بدون نية الزيادة بصحة صلاته، فكيف نحكم على من زاد في الذكر بدون نية بعدم الثواب؟ ثم التشبيه بالدواء وبالسكر تشبيه باطل فالزيادة في السكر مضرة نوى المريض أو لم ينو، والأمر هنا بخلافه، فهو قياس مع الفارق، نعم قصد الاقتداء واتباع الأوامر وعدم التنطع بالزيادة عمدًا أولى.
والله أعلم.

كما اختلف العلماء في كيفية التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثًا وثلاثين، هل يجمعها في كل مرة، ويعد ثلاثًا وثلاثين كما قال أبو صالح في ملحق روايتنا السابعة، أو يأتي بالتسبيح وحده ثلاثًا وثلاثين، ثم بالتحميد ثلاثًا وثلاثين، ثم بالتكبير ثلاثًا وثلاثين، كما فسره بعض أهل سمي في الرواية نفسها؟ وكما هو ظاهر الرواية الثامنة والرواية التاسعة.
قال القاضي عياض: الإفراد أولى.
قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن كلا الأمرين حسن، إلا أن الإفراد يتميز بأمر آخر، وهو أن الذاكر يحتاج إلى العدد، وله على كل حركة توصل إلى ذلك - سواء كان بأصابعه أو بغيرها - ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- قال ابن دقيق العيد: يؤخذ من حديث ابن عباس [روايات عمرو بن دينار] أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد.

2- وفي إيراد مسلم لهذا الحديث دليل على أنه كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلاً، ولا شك أن عمرو بن دينار كان عدلاً.

ولأهل الحديث فيه تفصيل: قالوا: إن أنكر الراوي روايته جاحدًا ومكذبًا للفرع، وجازمًا ومصرحًا بتكذيب الفرع، فالاتفاق على رده، إذ ليس قبول أحدهما بأولى من الآخر، وإن لم يجزم بالرد، كأن قال: لا أذكر فالجمهور على قبوله، وإن جزم بالرد، ولم يصرح بالتكذيب، كأن قال: لم أرو هذا، أو لم أحرفه فالراجح عند المحدثين قبوله، أما الفقهاء فاختلفوا، فذهب الجمهور في هذه الصورة إلى القبول، ونسيان الأصل لا يقدح فيه، كما لو جن أو مات، وعن بعض الحنفية ورواية عن أحمد لا يقبل.

وللإمام فخر الدين في المحصول في هذه المسألة تقسيم جيد.
قال: الراوي الفرع إما أن يكون جازمًا بالرواية أولاً، فإن كان جازمًا فالأصل إما أن يكون جازمًا بالإنكار أو لا.
فإن كان كل منهما جازمًا فقد تعارضا، فلا يقبل الحديث، وإن كان الفرع جازمًا والأصل غير جازم قبل، وإن كان الفرع غير جازم والأصل جازمًا تعين الرد، وإن كان كل منهما غير جازم تعارضا، ولم يقبل.
ومحصل كلامه أنهما إن تساويا فالرد، وإن رجح أحدهما عمل به.
وهذا الحديث مما رجح فيه الفرع.
والله أعلم.

3- ومن حديث عائشة [الرواية الثانية من الباب الثاني] من قولها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام أخذ بعضهم كراهة مكث الإمام في مصلاه، وقال ابن بطال عن الجمهور: لا يمكث الإمام إذا كان إمامًا راتبًا إلا أن يكون مكثه لعلة كأن يشعر المأمومين بالانتظار حتى ينصرف النساء، قال: وهو قول الشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: كل صلاة يتنفل بعدها يقوم، وحمل حديث عائشة على هذه الحالة، وما لا يتنفل بعدها كالعصر والصبح فهو مخير، وقال أبو محمد من المالكية: يتنفل في الصلوات كلها، ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه شيء من سجود السهو ولا غيره، وقال ابن مسعود كان صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته انتقل سريعًا، إما أن يقوم وإما أن ينحرف، وقال ابن عمر: الإمام إذا سلم قام، وقال عمر رضي الله عنه: جلوس الإمام بعد السلام بدعة، وعن ابن عباس صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ساعة يسلم يقوم، ثم صليت مع أبي بكر رضي الله عنه فكان إذا سلم وثب من مكانه، وكأنه يقوم عن رضفة أي عن قطعة حجر محماة قال النووي: قال الشافعي والأصحاب يستحب للإمام إذا سلم أن يقوم من مصلاه عقب سلامه، إذا لم يكن خلفه نساء.
وقال: وللمأموم أن ينصرف إذا قضى الإمام السلام قبل قيام الإمام، قال: وتأخير ذلك حتى ينصرف بعد انصراف الإمام أو معه أحب إلي.
اهـ

4- ومن كتابة المغيرة إلى معاوية استدل على العمل بالمكاتبة وإجرائها مجرى السماع في الرواية ولو لم تقترن بالإجازة.

5- واستدل به على الاعتماد على خبر الشخص الواحد.
وتعقب من بعضهم بأنه يحتمل أن معاوية كان قد سمع الحديث المذكور، فأراد التثبت من المغيرة.

6- وفيه المبادرة إلى امتثال السنن وإشاعتها، ففي البخاري عن وراد قال: ثم وفدت بعد على معاوية، فسمعته يأمر الناس بذلك.

7- ومن قوله في روايتنا الثامنة دبر كل صلاة مكتوبة أخذ أكثر العلماء أن الذكر مستحب عقب الفرض دون النفل، وحملوا المطلق في دبر كل صلاة على هذا المقيد.

8- ويؤخذ من قوله دبر كل صلاة أن الذكر يعقب السلام، حتى ولو كانت الصلاة مما يتنفل بعدها.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا الذي عليه عمل الأكثر، وعند الحنفية يبدأ بالتطوع، وزعم بعض الحنابلة أن المراد بدبر الصلاة ما قبل السلام، وهو احتمال بعيد، ففي الرواية السادسة يقول إذا سلم في دبر الصلاة فكذلك بقية الروايات.

9- ومن حديث أهل الدثور أخذ بعضهم أن العالم إذا سئل عن مسألة يقع فيها الخلاف أن يجيب بما يلحق به المفضول درجة الفاضل، ولا يجيب بنفس الفاضل، لئلا يقع الخلاف.
كذا قال ابن بطال، قال الحافظ ابن حجر: وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله ألا أدلكم على أمر تساوونهم فيه، وعدل عن قوله: نعم هم أفضل منكم بذلك.

10- وفيه التوسعة في الغبطة، وفرق بينها وبين الحسد المذموم.

11- وفيه المسابقة إلى الأعمال المحصلة للدرجات العالية، لمبادرة الأغنياء إلى العمل بما بلغهم، ولم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم.

12- وفيه أن العمل السهل قد يدرك به صاحبه فضل العمل الشاق.

13- واستدل به البخاري على فضل الدعاء عقيب الصلاة.

14- وفيه أن العمل القاصر قد يساوي المتعدي نفعه إلى الغير، خلافًا لمن قال: المتعدي نفعه إلى الغير أفضل مطلقًا.

15- قال ابن بطال: في هذا الحديث فضل الغنى نصًا لا تأويلاً، إذا استوت أعمال الغني والفقير فيما افترض الله عليهما، فللغني حينئذ فضل عمل البر من الصدقة ونحوها مما لا سبيل للفقير إليه؛ قال: ورأيت بعض المتكلمين ذهب إلى أن الفضل المرتب على الذكر يخص الفقراء دون غيرهم.
قال: وغفل هذا القائل عن قوله في الحديث إلا من عمل مثله فجعل الفضل لقائله غنيًا أو فقيرًا.

وقال ابن دقيق العيد: ظاهر الحديث القريب من النص أنه فضل الغنى.
قال: والذي يقتضيه النظر أنهما إن تساويا.
وفضلت العبادة المالية أن يكون الغنى أفضل، وهذا لا شك فيه، وإنما النظر إذا تساويا وانفرد كل منهما بمصلحة ما هو فيه.
أيهما أفضل؟ إن فسر الفضل بزيادة الثواب فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة، فيترجح الغنى، وإن فسر بالأشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل لها من التطهير بحسب الفقر أشرف، فيترجح الفقر ومن ثمة ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر.
اهـ وقال الكرماني: قضية الحديث أن شكوى الفقر تبقى بحالها، وأجاب بأن مقصودهم كان تحصيل الدرجات العلا والنعيم المقيم لهم أيضًا، لا نفي الزيادة عن أهل الدثور مطلقًا.
اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن مقصودهم إنما كان طلب المساواة ويظهر أن الجواب وقع قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن متمني الشيء يكون شريكًا لفاعله في الأجر كما سبق في كتاب العلم، في الكلام على حديث لا حسد إلا في اثنتين فإن في رواية الترمذي التصريح بأن المنفق والمتمني إذا كان صادق النية في الأجر سواء، وكذا قوله من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء فإن الفقراء في هذه القصة كانوا السبب في تعلم الأغنياء الذكر المذكور، فإذا استووا معهم في قوله امتاز الفقراء بأجر السبب مضافًا إلى التمني، فلعل ذلك يقاوم التقرب بالمال، وتبقى المقايسة بين صبر الفقير على شظف العيش وشكر الغني على التنعم بالمال، ومن ثم وقع التردد في تفضيل أحدهما على الآخر.
اهـ.

وقال القرطبي: إن في هذه المسألة خمسة أقوال: فمن قائل بتفضيل الغني ومن قائل بتفضيل الفقير، ومن قائل بتفضيل الكفاف، ومن قائل برد هذا إلى اعتبار أحوال الناس في ذلك، ومن قائل بالتوقف، لأنها مسألة لها غور، وفيها أحاديث متعارضة.
قال: والذي يظهر لي أن الأفضل ما اختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولجمهور صحابته رضي الله عنهم، وهو الفقير غير المدقع، ويكفيك من هذا أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام، وأصحاب الأموال محبوسون على قنطرة بين الجنة والنار، يسألون عن فضول أموالهم.
اهـ.

وبعد استعراض هذه الآراء نجد أنفسنا في حاجة إلى تحرير مواطن النزاع والمفروض عند المقارنة بين حالين أن نفترض المساواة التامة بين المقارنين في جميع الصفات ماعدا حالتي المقارنة، فالمقارنة بين فقير وغني أتى كل منهما بأعمال تساوي تمامًا ما أتى به الآخر، حتى في النية ودرجة الإخلاص، ولم تبق ميزة بينهما سوى صبر الفقير على حاله، وشكر الغني وصدقته وإعتاقه، وحينئذ إن كان المقصود أيهما أكثر ثوابًا عند الله؟ فليس لأحد أن يحكم إلا الله، فله جل جلاله أن يثيب على القليل كثيرًا، وإن كان المقصود أي الاختيارين أشق بحيث لو أدى كل منهما في ميدانه ما هو مطلوب منه شرعًا بدرجة واحدة، هل يكون أداء الفقير وعطاؤه أكثر؟ فيستحق عادة وقياسًا ثوابًا أكثر؟ أو يكون الغني وعطاؤه أكثر، فيستحق عادة وقياسًا ثوابًا أكثر؟ الظاهر أن الابتلاء بالمال أشق والقيام بحق الله فيه أصعب، لقوله تعالى: { { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } } [العلق: 6، 7] وقصة قارون وقصة من عاهد الله لئن آتاه من فضله ليصدقن وليكونن من الصالحين خير شاهد، والحديث صريح في فضل الغنى فإن الفقراء حينما قارنوا ساووا بين الفريقين في الصلاة والصيام أي وبقية المتيسر للفقراء من الصالحات، وشكوا زيادة الأغنياء بالتصدق والإعتاق، فلم يقل لهم الحديث: إن صبركم على الفقر يعادل تصدقهم وإعتاقهم، بل أرشدهم إلى عمل لو لم يعمله الأغنياء يعدل تصدق الأغنياء وإعتاقهم، فلما عمله الأغنياء بقيت ميزتهم التي عللت بقوله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وأما استدلال القرطبي بدخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء فإن كان قصده كل الفقراء وكل الأغنياء فغير مسلم وإن كان قصده أن كثرة الأولين من الفقراء فمسلم، لأن الفقراء غالبا ليس أمامهم إلا الصبر، أما الأغنياء فقليل منهم الشكور، وليس هذه محل النزاع.
وكذا كلام الحافظ ابن حجر: في غير موضوع النزاع، فهو في فقراء بعينهم تسببوا في أجر لهم ولغيرهم، وموضوع النزاع في الفقراء والأغنياء عامة، وبناء على هذا التحرير لو قلنا: هل يطلب المسلم من ربه أن يكون فقيرًا صابرًا؟ أو غنيًا شاكرًا؟ لقلنا: ليطلب أن يكون غنيًا شاكرًا، وليحذر فإن الغنى منزلق خطر والله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.

واللَّه أعلم