فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم

رقم الحديث 302 [302] ) .

     قَوْلُهُ  (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ) بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ أَبُو إسحاق القارىء ثِقَةٌ ثَبْتٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ 081 ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بن رافع الزرقي) بضم الزاء وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا قَافٌ الْمَدَنِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ جَدِّهِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَأَبُوهُ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ ثِقَةٌ وَجَدُّهُ يَحْيَى بْنُ خَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ لَهُ رِوَايَةٌ وذكره بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ) بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ أَبِي مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيِّ صَحَابِيٌّ بَدْرِيٌّ جَلِيلٌ .

     قَوْلُهُ  (بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ فِي نَاحِيَتِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ كَالْبَدْوِيِّ) هَذَا الرَّجُلُ هُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ جَدُّ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى رَاوِي الخبر بينه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ رِفَاعَةَ أَنَّ خَلَّادًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ كَالْبَدْوِيِّ فَصَلَّى فَأَخَفَّ صَلَاتَهُ فَهَذَا لَا يَمْنَعُ تَفْسِيرَهُ بِخَلَّادٍ لِأَنَّ رِفَاعَةَ شَبَّهَهُ بِالْبَدْوِيِّ لِكَوْنِهِ أَخَفَّ الصَّلَاةَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى (فَصَلَّى) زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ رَكْعَتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ إشعار بأنه صلى نقلا وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ (فَأَخَفَّ صَلَاتَهُ) وَفِي رواية بن أَبِي شَيْبَةَ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً لَمْ يُتِمَّ ركوعها ولاسُجُودَهَا (ثُمَّ انْصَرَفَ) أَيْ مِنْ صَلَاتِهِ (فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَدَّمَ حَقَّ اللَّهِ عَلَى حَقِّ رَسُولِهِ كَمَا هُوَ أَدَبُ الزِّيَارَةِ لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ قَبْلَ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ فَصَلِّ ثُمَّ ائْتِ فَسَلِّمْ عَلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ قَالَ عِيَاضٌ فِيهِ أَنَّ أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزىء وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ نَفْيُ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ تَمَسَّكَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بَعْدِ التَّعْلِيمِ بِالْإِعَادَةِ فَدَلَّ عَلَى إجزائها وإلالزم تَأْخِيرُ الْبَيَانِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ بِالْإِعَادَةِ فَسَأَلَهُ التَّعْلِيمَ فَعَلَّمَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَعِدْ صَلَاتَكَ على هذه الكيفية أشار إلى ذلك بن الْمُنِيرِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثَلَاثًا بِغَيْرِ الشَّكِّ (كُلُّ ذَلِكَ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكْرَارِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَوْضِعِ إِذَا وَقَعَتْ صُورَةُ انْفِصَالٍ (فَخَافَ النَّاسُ) أَيْ كَرِهُوا (وَكَبُرَ عَلَيْهِمْ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَاعِلُهُ .

     قَوْلُهُ  (أَنْ يَكُونَ مَنْ أَخَفَّ صَلَاتَهُ لَمْ يُصَلِّ) أَيْ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَخَافُوا مِنْهُ (فَقَالَ الرَّجُلُ فِي آخِرِ ذَلِكَ فَأَرِنِي) صِيغَةُ أَمْرٍ مِنَ الْإِرَاءَةِ (وَعَلِّمْنِي) قال بن الملك في شرح المشارك فَإِنْ قِيلَ لِمَ سَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَعْلِيمِهِ أَوَّلًا حَتَّى افْتَقَرَ إِلَى الْمُرَاجَعَةِ كَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قُلْنَا لِأَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا لَمْ يَسْتَكْشِفِ الْحَالَ مُغْتَرًّا بِمَا عِنْدَهُ سَكَتَ عَنْ تَعْلِيمِهِ زَجْرًا لَهُ وَإِرْشَادًا إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَكْشِفَ مَا اسْتَبْهَمَ عَلَيْهِ فَلَمَّا طَلَبَ كَشْفَ الْحَالِ بَيَّنَهُ بِحُسْنِ الْمَقَالِ انْتَهَى وَاسْتُشْكِلَ تَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى صَلَاتِهِ وَهِيَ فَاسِدَةٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّفْيَ لِلصِّحَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ اسْتِدْرَاجَهُ بِفِعْلِ مَا جَهِلَهُ مَرَّاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ غَافِلًا فَيَتَذَكَّرَ فَيَفْعَلَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيمٍ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّقْرِيرِ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ مِنْ بَابِ تَحَقُّقِ الْخَطَأِ أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّمْهُ أَوَّلًا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَعْرِيفِهِ وَتَعْرِيفِ غَيْرِهِ وَلِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ وَتَعْظِيمِهِ عَلَيْهِ وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَيْسَ التَّقْرِيرُ بِدَلِيلٍ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا بَلْ لَا بُدَّ مِنِ انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي زِيَادَةِ قَبُولِ الْمُتَعَلِّمِ لِمَا يُلْقَى عَلَيْهِ بَعْدَ تَكْرَارِ فِعْلِهِ وَاسْتِجْمَاعِ نَفْسِهِ وَتَوَجُّهُ سُؤَالِهِ مَصْلَحَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى التَّعْلِيمِ لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَمِ خَوْفِ الْفَوَاتِ إِمَّا بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ أوبِوَحْيٍ خَاصٍّ انْتَهَى فَقَالَ أَجَلْ أَيْ نَعَمْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَجَلْ جَوَابٌ كَنَعَمْ إِلَّا أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْهُ فِي التَّصْدِيقِ وَنَعَمْ أَحْسَنُ مِنْهُ فِي الِاسْتِفْهَامِ ثُمَّ تَشَهَّدْ أَيْ أَذِّنْ فَأَقِمْ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ وَلَيْسَ فِيهَا لَفْظَةُ أَيْضًا قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ ثُمَّ تَشَهَّدْ أَيْ قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَأَقِمْ أَيِ الصَّلَاةَ وَقِيلَ مَعْنَى تَشَهَّدْ أَذِّنْ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ فَأَقِمْ عَلَى هَذَا يُرَادُ بِهِ الْإِقَامَةُ لِلصَّلَاةِ كَذَا نَقَلَهُ مَيْرَكُ عَنِ الْأَزْهَارِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ أَيْضًا بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَقِمْ فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هذه الرواية ولأحمد وبن حِبَّانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْتَ تَرْجَمَ لَهُ بن حِبَّانَ بِبَابِ فَرْضُ الْمُصَلِّي قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثُمَّ اعْتَدِلْ قَائِمًا وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ فَأَقِمْ صُلْبَكَ حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إِلَى مَفَاصِلِهَا ثُمَّ اسْجُدْ فَاعْتَدِلْ سَاجِدًا ثُمَّ اجْلِسْ فَاطْمَئِنَّ جَالِسًا وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ أَيْ مَا ذُكِرَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ أَيْ صَارَتْ تَمَامًا غَيْرَ نَاقِصَةٍ وَإِنِ انْتَقَصْتَ أَيْ نَقَصْتَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَنْقَصَهُ وَنَقَّصَهُ وَانْتَقَصَهُ نَقَصَهُ وَكَانَ هَذَا أَهْوَنَ أَيْ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عنه مِنَ الْأُولَى أَيْ مِنَ الْمَقَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ أَنَّهُ مَنِ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَخْ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ حَدِيثٌ حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وقال بن عبدالْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ نَقَلَهُ مَيْرَكُ عَنِ الْمُنْذِرِيِّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ .

     قَوْلُهُ  (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ وَدَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ كُلِّهِمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ الزرفي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمِّ رِفَاعَةَ قَالَ عَنْ عَمٍّ لَهُ بَدْرِيٍّ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رِفَاعَةَ لَكِنْ لَمْ يَقُلِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِيهِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ

رقم الحديث 304 [34] .

     قَوْلُهُ  ( قَالَ سَمِعْتُهُ) أَيْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عمرو وسمعت أَبَا حُمَيْدٍ ( وَهُوَ فِي عَشَرَةٍ) أَيْ وَالْحَالُ أنهكَانَ جَالِسًا فِي عَشَرَةٍ ( أَحَدُهُمْ أَبُو قَتَادَةَ بْنُ رِبْعِيٍّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَ مُهْمَلَةٍ اسْمُهُ الْحَارِثُ وَيُقَالُ عَمْرٌو أَوِ النُّعْمَانُ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَصِحَّ شُهُودُهُ بَدْرًا مَاتَ لسنة 54 أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ 38 ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ ( فَاعْرِضْ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ أَيْ إِذَا كُنْتَ أَعْلَمَ فَاعْرِضْ وَبَيِّنْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ عَرَضْتُ عَلَيْهِ أَمْرَ كَذَا أَوْ عَرَضْتُ لَهُ الشَّيْءَ أَظْهَرْتُهُ وَأَبْرَزْتُهُ إِلَيْهِ اعْرِضْ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ أَيْ بَيِّنْ عِلْمَكَ بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا لِنُوَافِقَكَ إِنْ حَفِظْنَاهُ وَإِلَّا اسْتَفَدْنَاهُ ( وَرَكَعَ ثُمَّ اعْتَدَلَ) أَيْ فِي الرُّكُوعِ بِأَنْ سَوَّى رَأْسَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى صَارَ كَالصَّفْحَةِ ( فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ) مِنَ التَّصْوِيبِ أَيْ لَمْ يَحُطَّهُ حَطًّا بَلِيغًا بَلْ يَعْتَدِلُ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ اعْتَدَلَ ( وَلَمْ يُقْنِعْ) مِنْ أَقْنَعَ رَأْسَهُ إِذَا رَفَعَ أَيْ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى مِنْ ظَهْرِهِ ( ثُمَّ هَوَى) أَيْ نَزَلَ وَانْحَطَّ وَالْهُوِيُّ السُّقُوطُ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ ( جافى) أي باعد ونحى ( وفتح أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ ثَنَاهَا وَلَيَّنَهَا فَوَجَّهَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ ( ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ) أَيْ عَطَفَهَا ( وَقَعَدَ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ نَهَضَ) فِيهِ سُنِّيَّةُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَا تَشَهُّدَ فِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي مَوْضِعِهَا ( حَتَّى إِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ) أَيِ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ( حَتَّى كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي تَنْقَضِي فِيهَا صَلَاتُهُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا) فِيهِ سُنِّيَّةُ التَّوَرُّكِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَالْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُغَايِرَةٌ لِهَيْئَةِ الْجُلُوسِ فِي الْأَخِيرِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والدارمي وبن مَاجَهْ

رقم الحديث 306 [36] ) .

     قَوْلُهُ  (عَنْ مِسْعَرٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثانيه وفتح المهملة هو بن كدام بكسر أوله وتخفيف ثانيه بن ظَهِيرٍ الْهِلَالِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَاضِلٌ قَالَ الْقَطَّانُ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ كَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ.

     وَقَالَ  شُعْبَةُ كَانَ يُسَمَّى الْمُصْحَفَ لِإِتْقَانِهِ.

     وَقَالَ  وَكِيعٌ شَكُّهُ كَيَقِينِ غَيْرِهِ مَاتَ سَنَةَ 153 ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ (وَسُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ الثَّعْلَبِيِّ بِالْمُثَلَّثَةِ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ 125 خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَمِّهِ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ) بِضَمِّ القاف وسكونالطَّاءِ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يقرأ في الفجر والنخل باسقات) أَيْ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ السُّورَةَ الَّتِي فيها والنخل باسقات وَهِيَ ق وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَرَأَ ق والقران المجيد وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ ركعة والنخل باسقات لها طلع نضيد .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ وَأَبِي بَرْزَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقرأ في الفجر بق والقران المجيد وَنَحْوِهَا وَكَانَ صَلَاتُهُ بِمَدٍّ إِلَى تَخْفِيفٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يغشى وَفِي الْعَصْرِ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ كَانَ إذا دحضت الشمس صلى الظهر وقرأ بنحومن والليل إذا يغشى وَالْعَصْرَ كَذَلِكَ وَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا كَذَلِكَ إِلَّا الصُّبْحَ فَإِنَّهُ كَانَ يُطِيلُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصبح بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ اية وفي لفظ بن حِبَّانَ كَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ تَعْلِيقًا بِلَفْظِ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطُّورِ وَوَصَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ صَحِيحِهِ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِالْوَاقِعَةِ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ (وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مِنْ سِتِّينَ آيَةً إِلَى مِائَةٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ (وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قرأ إذا الشمس كورت) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ (وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 922 رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنِ اقْرَأْ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَفِي مَعْنَى أَثَرِ عُمَرَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ فُلَانٌ يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِهِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ.

     وَقَالَ  أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْمُفَصَّلُ مِنَ الْحُجُرَاتِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَطِوَالُهُ مِنَ الْحُجُرَاتِ إِلَى آخِرِ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَوَسَطُهُ إِلَى آخِرِ سُورَةِ لَمْ يَكُنْ وَقِصَارُهُ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ .

     قَوْلُهُ  (وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ فَهُوَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالُوا فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَتَكُونَ الصُّبْحُ أَطْوَلَ وَفِي الْعِشَاءِ وَالْعَصْرِ بِأَوْسَاطِهِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فِي إِطَالَةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ أَنَّهُمَا فِي وَقْتِ غَفْلَةٍ بِالنَّوْمِ آخِرَ اللَّيْلِ وَفِي الْقَائِلَةِ فَيُطَوِّلُهُمَا لِيُدْرِكَهُمَا الْمُتَأَخِّرُ بِغَفْلَةٍ وَنَحْوِهَا وَالْعَصْرُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ تُفْعَلُ فِي وَقْتِ تَعَبِ أَهْلِ الْأَعْمَالِ فَخُفِّفَتْ عَنْ ذَلِكَ وَالْمَغْرِبُ ضَيِّقَةُ الْوَقْتِ فَاحْتِيجَ إِلَى زِيَادَةِ التَّخْفِيفِ لِذَلِكَ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى عَشَاءِ صَائِمِهِمْ وَضَيْفِهِمْ وَالْعِشَاءُ فِي وَقْتِ غَلَبَةِ النَّوْمِ وَالنُّعَاسِ وَلَكِنَّ وَقْتَهَا وَاسِعٌ فَأَشْبَهَتِ الْعَصْرَ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ وَسَتَعْرِفُ اخْتِلَافَ أَحْوَالِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ بِمَا لَا يَتِمُّ بِهِ هَذَا التفصيلالطَّاءِ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يقرأ في الفجر والنخل باسقات) أَيْ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ السُّورَةَ الَّتِي فيها والنخل باسقات وَهِيَ ق وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَرَأَ ق والقران المجيد وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ ركعة والنخل باسقات لها طلع نضيد .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ وَأَبِي بَرْزَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقرأ في الفجر بق والقران المجيد وَنَحْوِهَا وَكَانَ صَلَاتُهُ بِمَدٍّ إِلَى تَخْفِيفٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يغشى وَفِي الْعَصْرِ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ كَانَ إذا دحضت الشمس صلى الظهر وقرأ بنحومن والليل إذا يغشى وَالْعَصْرَ كَذَلِكَ وَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا كَذَلِكَ إِلَّا الصُّبْحَ فَإِنَّهُ كَانَ يُطِيلُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصبح بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ اية وفي لفظ بن حِبَّانَ كَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ تَعْلِيقًا بِلَفْظِ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطُّورِ وَوَصَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ صَحِيحِهِ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِالْوَاقِعَةِ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ (وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مِنْ سِتِّينَ آيَةً إِلَى مِائَةٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ (وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قرأ إذا الشمس كورت) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ (وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 922 رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنِ اقْرَأْ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَفِي مَعْنَى أَثَرِ عُمَرَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ فُلَانٌ يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِهِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ.

     وَقَالَ  أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْمُفَصَّلُ مِنَ الْحُجُرَاتِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَطِوَالُهُ مِنَ الْحُجُرَاتِ إِلَى آخِرِ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَوَسَطُهُ إِلَى آخِرِ سُورَةِ لَمْ يَكُنْ وَقِصَارُهُ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ .

     قَوْلُهُ  (وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ فَهُوَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالُوا فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَتَكُونَ الصُّبْحُ أَطْوَلَ وَفِي الْعِشَاءِ وَالْعَصْرِ بِأَوْسَاطِهِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فِي إِطَالَةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ أَنَّهُمَا فِي وَقْتِ غَفْلَةٍ بِالنَّوْمِ آخِرَ اللَّيْلِ وَفِي الْقَائِلَةِ فَيُطَوِّلُهُمَا لِيُدْرِكَهُمَا الْمُتَأَخِّرُ بِغَفْلَةٍ وَنَحْوِهَا وَالْعَصْرُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ تُفْعَلُ فِي وَقْتِ تَعَبِ أَهْلِ الْأَعْمَالِ فَخُفِّفَتْ عَنْ ذَلِكَ وَالْمَغْرِبُ ضَيِّقَةُ الْوَقْتِ فَاحْتِيجَ إِلَى زِيَادَةِ التَّخْفِيفِ لِذَلِكَ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى عَشَاءِ صَائِمِهِمْ وَضَيْفِهِمْ وَالْعِشَاءُ فِي وَقْتِ غَلَبَةِ النَّوْمِ وَالنُّعَاسِ وَلَكِنَّ وَقْتَهَا وَاسِعٌ فَأَشْبَهَتِ الْعَصْرَ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ وَسَتَعْرِفُ اخْتِلَافَ أَحْوَالِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ بِمَا لَا يَتِمُّ بِهِ هَذَا التفصيلالْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُغَايِرَةٌ لِهَيْئَةِ الْجُلُوسِ فِي الْأَخِيرِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والدارمي وبن مَاجَهْ

رقم الحديث 307 [37] ) .

     قَوْلُهُ  ( كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَشِبْهِهِمَا) قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا سَتَعْرِفُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَجُمِعَ بَيْنَهَا بِوُقُوعِ ذَلِكَ فِي أَحْوَالٍ مُتَغَايِرَةٍ إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ من الأسباب واستدل بن الْعَرَبِيِّ بِاخْتِلَافِهَا عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا اخْتُلِفَ لَا فِيمَا لَمْ يُخْتَلَفْ كَتَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ خَبَّابٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي قَتَادَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْبَرَاءِ) أَمَّا حديث خباب فأخرجه البخاري والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ وَفِي رِوَايَةٍ في كل ركعة قدر ثلثين آيَةً وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَحَزَرْنَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَنَسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ( وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الظُّهْرِ قَدْرَ تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ آنِفًا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الركعة الأولى من الظهر يسبح اسم ربك الأعلى وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ( وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ ( وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَعْدِلُ صَلَاةُ الْعَصْرِ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي الْقِرَاءَةِ) أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ كَانُوا يَعْدِلُونَ الظُّهْرَ بِالْعِشَاءِ وَالْعَصْرَ بِالْمَغْرِبِ كَذَا فِي الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ ( وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ تُضَعَّفُ صَلَاةُ الظُّهْرِ عَلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي الْقِرَاءَةِ أَرْبَعَ مِرَارٍ) يَخْدِشُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي تَقَدَّمَ 15 - ( بَاب فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ

رقم الحديث 308 [38] ) .

     قَوْلُهُ  عَنْ أُمِّهِ أُمِّ الْفَضْلِ اسْمُهَا لُبَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ وَيُقَالُ إِنَّهَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيجَةَ قاله الحافظ.

     قَوْلُهُ  (وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ) أَيْ شَادٌّ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ (فَصَلَّى الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ بِالْمُرْسَلَاتِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصِّحَّةِ بِأَطْوَلَ مِنَ الْمُرْسَلَاتِ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي حَالِ شِدَّةِ مَرَضِهِ وَهُوَ مَظِنَّةُ التَّخْفِيفِ وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى أَبِي دَاوُدَ ادِّعَاءَهُ نَسْخَ التَّطْوِيلِ لِأَنَّهُ رَوَى عَقِبَ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْقِصَارِ قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ زَيْدٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الدَّلَالَةِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى عُرْوَةَ رَاوِيَ الْخَبَرِ عَمِلَ بِخِلَافِهِ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى نَاسِخِهِ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا الْحَمْلِ وَكَيْفَ تَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ وَأُمُّ الْفَضْلِ تَقُولُ إِنَّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِهِمْ قَرَأَ بِالْمُرْسَلَاتِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (فَمَا صَلَّاهَا بَعْدُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الظُّهْرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ جَمَعَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ عَائِشَةَ حَكَتْ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ لِقَرِينَةِ قَوْلِهَا بِأَصْحَابِهِ وَالَّتِي حَكَتْهَا أُمُّ الْفَضْلِ كَانَتْ فِي بَيْتِهِ كَمَا رَوَى ذَلِكَ النَّسَائِيُّ وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِلَفْظِ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ فِي مَرَضِهِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهَا خَرَجَ إِلَيْنَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ رَاقِدًا إِلَى مَنْ فِي الْبَيْتِ انْتَهَى مُلَخَّصًا .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الباب عن جبير بن مطعم وبن عُمَرَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ (قُلْ يَا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) وأما حديث أبي أيوب فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ زَادَ أَبُو دَاوُدَ.

قُلْتُ وَمَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ قَالَ الْأَعْرَافُ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ أُمِّ الْفَضْلِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا) رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنَّ رَسُولَاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ فَرَّقَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ مَيْرَكُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ (وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ .

     قَوْلُهُ  (وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) يَعْنِي عَلَى الْقِرَاءَةِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ فِي الْمَغْرِبِ وَبِهِ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقرأ في المغرب بقصار المفصل وبما روى بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ قُلْ يا أيها الكافرون (وقل هو الله أحد) وَبِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَبِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ هُشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يقرأ في صلاة المغرب بنحو ما تقرأون والعاديات وَنَحْوَهُ مِنَ السُّوَرِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النهدي أنه صلى خلف بن مسعود المغرب فقرأ بقل هو الله أحد وَبِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) مَقُولَةُ قَوْلِهِ الْآتِي لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ إِلَخْ (وَذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أنه يكره إلخ) بالواو لِلْحَالِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ أَسْتَحِبُّ أَنْ يُقْرَأَ بِهَذِهِ السُّوَرِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ) أَعَادَ قَوْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقُولِهِ لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ ذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالسُّوَرِ الطِّوَالِ نَحْوِ الطُّورِ وَالْمُرْسَلَاتِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ أستحب وكذا نقله البغوي نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذلك ولااسْتِحْبَابَ وَأَمَّا مَالِكٌ فَاعْتَمَدَ الْعَمَلَ بِالْمَدِينَةِ بَلْ وبغيرها قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَتَقْصِيرِهَا فِي الْمَغْرِبِ وَالْحَقُّ عِنْدَنَا أَنَّ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَثَبَتَ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَمَا لَا يَثْبُتُ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ أَرَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا فِيهِ التَّنْصِيصُ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ إِلَّا حَدِيثًا فِي بن ماجه عن بن عُمَرَ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ وَمِثْلُهُ لِابْنِ حِبَّانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَمَّا حديث بن عمر فظاهر إسناد الصِّحَّةُ إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَخْطَأَ فِيهِ بَعْضُ رُوَاتِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَفِيهِ سَعِيدُ بْنُ سِمَاكٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ قَرَأَ بِهِمَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَاعْتَمَدَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَغَيْرُهُمْ حَدِيثَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ قَالَ سُلَيْمَانُ فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وصححه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَهَذَا يُشْعِرُ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ ولكن في الاستدلال به نظر نغم حَدِيثُ رَافِعٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَضِلُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ يَدُلُّ عَلَى تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْيَانًا يَدُلُّ عَلَى تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْيَانًا يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَغْرِبِ إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَإِمَّا لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ (أَيِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَعْنِي مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ عَلَى مَرْوَانَ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَلَوْ كَانَ مَرْوَانُ يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ لِيَحْتَجَّ بِهِ عَلَى زَيْدٍ لَكِنْ لَمْ يُرِدْ زَيْدٌ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالطِّوَالِ وَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ ذَلِكَ كَمَا رَآهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصِّحَّةِ بِأَطْوَلَ مِنَ الْمُرْسَلَاتِ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي حَالِ شِدَّةِ مَرَضِهِ وَهُوَ مَظِنَّةُ التَّخْفِيفِ انْتَهَى كَلَامُهُ قَالَ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ فَجَائِزٌ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمَغْرِبِ وَفِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِمَا أَحَبَّ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ إِمَامًا اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُخَفِّفَ فِي القراءة كماتَقَدَّمَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْقُرْطُبِيِّ مَا وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ التَّقْصِيرُ أَوْ عَكْسُهُ فَهُوَ مَتْرُوكٌ وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ عَلَى تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَرَأَ بَعْضَ السُّورَةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ بِلَفْظِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ (إِنَّ عذاب ربك لواقع) قَالَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ هِيَ هَذِهِ الْآيَةَ خَاصَّةً انْتَهَى وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْتَضِي قَوْلَهُ خَاصَّةً مَعَ كَوْنِ رِوَايَةِ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِخُصُوصِهَا مُضَعَّفَةٌ بَلْ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ السُّورَةَ كُلَّهَا فَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غير شيء أم هم الخالقون الايات إلى قوله (المصيطرون) كاد قلبي يطير ونحوه لقاسم بن اصبع وفي رواية أسامة ومحمد بن عمرو المتقدمين سمعته يقرأ والطور وكتاب مسطور ومثله لا بن سَعْدٍ وَزَادَ فِي أُخْرَى فَاسْتَمَعْتُ قِرَاءَتَهُ حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ يَأْتِي فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكَذَا أَبْدَاهُ الْخَطَّابِيُّ احْتِمَالًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَرَأَ بِشَيْءٍ مِنْهَا يَكُونُ قَدْرَ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ لَمَا كَانَ لِإِنْكَارِ زَيْدٍ مَعْنًى وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ إِنَّكَ لَتُخِفُّ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ فَوَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِيهَا بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ في الركعتين جميعا أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَاخْتُلِفَ عَلَى هِشَامٍ فِي صَحَابِيِّهِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.

     وَقَالَ  أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَوْ أَبِي أَيُّوبَ وَقِيلَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَتْنِ دُونَ الْقِصَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ 16 - (بَاب مَا جَاءَ فِي القراءة في صلاة العشاء

رقم الحديث 309 [39] )
قوله ( أخبرنا بن وَاقِدٍ) هُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ مَوْلَى عَبْدِ الله بن عامر المروزي قاضيها وثقه بن مَعِينٍ مَاتَ سَنَةَ 159 تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ) بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّالْمَرْوَزِيِّ قَاضِيهَا ثِقَةٌ ( عَنْ أَبِيهِ) بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا صَحَابِيٌّ أَسْلَمَ قَبْلَ بَدْرٍ مَاتَ سَنَةَ 63 ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ .

     قَوْلُهُ  ( يَقْرَأُ فِي العشاء الاخرة بالشمس وضحاها وَنَحْوِهَا مِنَ السُّوَرِ) هَذَا فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لِمُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ يَا مُعَاذُ فَتَّانًا إِذَا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى قَالَهُ لَهُ حِينَ أُخْبِرَ أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ هَذِهِ السُّوَرَ وَنَحْوَهَا .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ ( وَالتِّينِ والزيتون) الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إذا السماء أنشقت فَسَجَدَ فَقُلْتُ مَا هَذِهِ قَالَ سَجَدْتُ فِيهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ وَاعْلَمْ أن سورة ( والتين والزيتون) مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَسُورَةَ ( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ لِكَوْنِهِ كَانَ مُسَافِرًا وَالسَّفَرُ يُطْلَبُ فِيهِ التَّخْفِيفُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَضَرِ فَلِذَلِكَ قَرَأَ فِيهَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ( وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قرأ في العشاء الاخر بسورة والتين والزيتون) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ كَمَا عَرَفْتَ ( وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِسُوَرٍ مِنْ أَوْسَاطِالْمُفَصَّلِ نَحْوَ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ وَأَشْبَاهِهَا) وَقَدْ تَقَدَّمَ حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة وَفِيهِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعِشَاءِ مِنْ وَسَطِ الْمُفَصَّلِ ( كَأَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ وَاسِعٌ) كَأَنَّ بِشَدَّةِ النُّونِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْفِعْلِ يَعْنِي كأن أمر القراء في صلاة العشاء فيه وسعة عندهم لا تضييق فيه ولأجل ذلك قرأوا فِيهَا بِأَكْثَرَ مِنَ الْمَذْكُورِ وَأَقَلَّ ( وَأَحْسَنُ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قرأ بالشمس وضحاها والتين والزيتون) بَلْ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقِرَاءَتِهِ مِنَ السُّوَرِ وَأَمْثَالِهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 17 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ

رقم الحديث 311 [311] ) .

     قَوْلُهُ  (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَبُو بَكْرٍ الْمُطَّلِبِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْعِرَاقِ إِمَامُ الْمَغَازِي وَهُوَ ثِقَةٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ قَالَ بَدْرُ الدِّينِ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ بن إِسْحَاقَ مِنَ الثِّقَاتِ الْكِبَارِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتَهَى وقال بن الهمام في فتح القدير وأما بن إِسْحَاقَ فَثِقَةٌ ثِقَةٌ لَا شُبْهَةَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ وَلَا عِنْدَ مُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ انْتَهَى وَقَالَ أيضا وهو يعني توثيق بن إِسْحَاقَ الْحَقُّ الْأَبْلَجُ وَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ لَا يَثْبُتُ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَقْبَلْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ شُعْبَةُ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَرَوَى عَنْهُ مِثْلُ الثوري وبن إدريس وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وبن علية وعبد الوارث وبن المبارك واحتمله أحمد وبن مَعِينٍ وَعَامَّةُ أَهْلِالْحَدِيثِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ وَقَدْ أَطَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَوْثِيقِهِ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَإِنَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنِ الكلام في بن إِسْحَاقَ وَاصْطَلَحَ مَعَهُ وَبَعَثَ إِلَيْهِ هَدِيَّةً انْتَهَى كلام بن الهمام وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْقَوْلِ الْمُسَدَّدِ.
وَأَمَّا حَمْلُهُ يَعْنِي بن الْجَوْزِيِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَلَا طَائِلَ فِيهِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ قَبِلُوا حَدِيثَهُ وَأَكْثَرُ مَا عيب فيه التدليس والرواية عن المجهولين وأما هُوَ فِي نَفْسِهِ فَصَدُوقٌ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْمَغَازِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (عَنْ مَكْحُولٍ) وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فذكر فيه سماع بن إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ فَصَارَ الْحَدِيثُ مَوْصُولًا صَحِيحًا انْتَهَى وَمَكْحُولٌ هَذَا هُوَ مَكْحُولٌ الشَّامِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ فَقِيهٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مَشْهُورٌ مِنَ الْخَامِسَةِ مَاتَ سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ .

     قَوْلُهُ  (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ) أَيْ شَقَّ عَلَيْهِ التَّلَفُّظُ وَالْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ (فَلَمَّا انْصَرَفَ) أَيْ فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ (إِي وَاللَّهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ نَعَمْ وَاللَّهِ نَحْنُ نَقْرَأُ قَالَ لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ خَافَتَ بِهَا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَا طَعْنَ فِيهِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ عِنْدِي .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي قَتَادَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِعَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ تَصْرِيحُ سماع بن إِسْحَاقَ مِنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ فَزَالَتْ شُبْهَةُ التَّدْلِيسِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ بِعُمُومِهِمَا شَامِلَانِ لِلْمَأْمُومِينَ أَيْضًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ القراءة والبيهقي في كتاب القراءة وبن حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ أتقرأون في صلاتكم وا مام يَقْرَأُ فَسَكَتُوا فَقَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ قَائِلٌ أَوْ قَائِلُونَ إِنَّا لَنَفْعَلُ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا وَلْيَقْرَأْ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ قَالَهُ صَاحِبُ الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ ثُمَّ قَالَ سَمِعَهُ مِنْ أَنَسٍ وسمعه من بن أَبِي عَائِشَةَ فَالطَّرِيقَانِ مَحْفُوظَانِ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أتقرأون خَلْفِي قُلْنَا نَعَمْ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أتقرأون خَلْفِي قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَهُزُّهُ هَزًّا قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنِ النَّضْرِ وَفِي بَابِ أَحَادِيثَ أُخْرَى ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِنَا تَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَفِي كِتَابِنَا أَبْكَارُ الْمِنَنِ فِي نَقْدِ آثَارِ السُّنَنِ وَذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ فَمِنْهَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

     وَقَالَ  فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فِي جُمْلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَصَحَّحَهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذي والدارقطني وبن حبان والحاكم والبيهقي من طريق بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُبَادَةَ وَتَابَعَهُ زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَكْحُولٍ وَمِنْ شَوَاهِدِهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لعلكمتقرأون وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ قَالُوا إِنَّا لَنَفْعَلُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي نَتَائِجِ الْأَفْكَارِ لِتَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْأَذْكَارِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ قَالَ مَيْرَكُ نَقْلًا عَنِ الْمُلَقِّنِ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَوَاهُ أبو داود والترمذي والدارقطني وبن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ.

     وَقَالَ  الْحَاكِمُ إِسْنَادُهُ مُسْتَقِيمٌ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ صَحِيحٌ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ .

     قَوْلُهُ  (وَهَذَا أَصَحُّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ بن إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْهُ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودٍ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ .

     قَوْلُهُ  (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بن أنس وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ) وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا قال العيني في عمدة القارىء بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَسْتَحْسِنُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَبَعْضُهُمْ فِي السِّرِّيَّةِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ انْتَهَى وَقَالَ الملَّاجيونُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي التَّفْسِيرِ الْأَحْمَدِيِّ فَإِنْ رَأَيْتَ الطَّائِفَةَ الصُّوفِيَّةَ وَالْمَشَائِخِينَ الْحَنَفِيَّةَ تَرَاهُمْ يَسْتَحْسِنُونَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ لِلْمُؤْتَمِّ كَمَا اسْتَحْسَنَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا احْتِيَاطًا فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ عُمْدَةِ الرِّعَايَةِ حَاشِيَةِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ لِلْمُؤْتَمِّ فِي السِّرِّيَّةِ وَرُوِيَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ الْمُجْتَبَى شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا هُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِنَا انْتَهَى تَنْبِيهٌ.
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بن أنس وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيهِ إِجْمَالٌ وَمَقْصُودُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ كلهم يروا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ إِمَّا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ أو في السِّرِّيَّةِ فَقَطْ وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَالِاسْتِحْسَانِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ سرية كما كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً فَاسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ 18 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ إِذَا جَهَرَ) الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ

رقم الحديث 312 [312] .

     قَوْلُهُ  (حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ) وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنصاري (عن بن أُكَيْمَةَ) بِالتَّصْغِيرِ اسْمُهُ عُمَارَةُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالتَّخْفِيفِ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ يُكَنَّى أَبَا الْوَلِيدِ وَقِيلَ اسْمُهُ عَمَّارٌ أَوْ عُمَرُ أَوْ عَامِرٌ يَأْتِي غَيْرَ مُسَمًّى ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ .

     قَوْلُهُ  (انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً نَظُنُّ أَنَّهَا الصُّبْحُ (إني أقول مالي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَنَصْبِ الْقُرْآنَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ أَيْ فِيهِ كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْأَزْهَارِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أُدَاخَلُ فِي الْقِرَاءَةِ وَأُغَالَبُ عَلَيْهَا.

     وَقَالَ  الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ أُجَاذَبُ فِي قِرَاءَتِهِ كَأَنَّهُمْ جَهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ فَشَغَلُوهُ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَأَصْلُ النَّزْعِ الْجَذْبُ وَمِنْهُ نَزْعُ الْمَيِّتِ بِرُوحِهِ انْتَهَى (قَالَ فَانْتَهَى النَّاسُ إِلَخْ) أَيْ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَانْتَهَى النَّاسُ كَمَا رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فَ.

     قَوْلُهُ  فَانْتَهَى النَّاسُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَسَيَجِيءُ تَصْرِيحُ الْحُفَّاظِ بِكَوْنِهِ مُدْرَجًا وَالْحَدِيثُ قَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَالْإِمَامِ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ نَظَرٌ كَمَا سَتَقِفُ عليه قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ كَانُوا يقرأون خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خَلَطْتُمْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ فَقَالَ أَيُّكُمْ قَرَأَ خلفي بسبح اسم ربك الأعلى فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إلا الخير قال قد علمت أن بضعكم خالجنيها وأما حديث جابر فأخرجه بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ .

     قَوْلُهُ  (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ .

     قَوْلُهُ  (وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرُوا هَذَا الْحَرْفَ قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فَصَلَ قَوْلَهُ فَانْتَهَى النَّاسُ إِلَخْ عَنِ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ .

     قَوْلُهُ  فَانْتَهَى النَّاسُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ بَيَّنَهُ لِي الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَاحِ قَالَ حَدَّثَنَا مُبَشَّرٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَاتَّعَظَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فلم يكونوا يقرأون فِيمَا جَهَرَ وَقَالَ مَالِكٌ قَالَ رَبِيعَةُ إِذَا حَدَّثْتَ فَبَيِّنْ كَلَامَكَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ .

     قَوْلُهُ  فَانْتَهَى النَّاسُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ صَاحِبُ الزُّهْرِيَّاتِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِرِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ حِينَ مَيَّزَهُ مِنَ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ وَفِيمَا خَافَتَ انْتَهَى وَقَالَ فِي كتاب القراءة رواية بن عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ دَالَّةٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَكَذَلِكَ انْتِهَاءُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وهو من الحفاظ الأثبات الفقهاء مع بن جريج بروايةالْحَدِيثِ مِنَ الزُّهْرِيِّ إِلَى قَوْلِهِ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فَفَصَلَ كَلَامَ الزُّهْرِيِّ مِنَ الْحَدِيثِ بِفَصْلٍ ظَاهِرٍ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ وَقَولُهُ فَانْتَهَى النَّاسُ إِلَى آخِرِهِ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ بَيَّنَهُ الْخَطِيبُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَبُو دَاوُدَ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالذُّهْلِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُدْخَلُ عَلَى مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ إِلَخْ) حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيَّ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً عَلَى الْقَائِلِينَ بِهَا فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رَوَى هُوَ حَدِيثَ الْخِدَاجِ الَّذِي يَدُلُّ على وجوب قراءة الفاتحة على كل مصلى إِمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا وَقَدْ أَفْتَى أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ خَلْفَ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ فَعُلِمَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيَّ فِي هَذَا الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ مَا يُدْخَلُ عَلَى مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَيْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَضُرُّ الْقَائِلِينَ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الدَّخَلُ مُحَرَّكَةٌ مَا دَاخَلَكَ مِنْ فَسَادٍ فِي عَقْلٍ أَوْ جِسْمٍ وَقَدْ دَخِلَ كَفَرِحَ وَعُنِيَ دَخْلًا وَدَخَلًا وَالْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ وَالْعَيْبُ فِي الْحَسَبِ انْتَهَى (وَرَوَى أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أُنَادِيَ أَنْ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بِأَسَانِيدَ وَأَلْفَاظٍ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فليرجع إليه تنبيه إعلم أن الامام مالك وَالزُّهْرِيَّ وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ قَالُوا بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَوَاتِ السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ قَدِ اسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ لَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَطْلُوبِهِمْ نَظَرٌ أَمَّا حَدِيثُ الْمُنَازَعَةِ الَّذِي رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا وَهِيَ الْقِرَاءَةُ بِالسِّرِّ وَفِي النَّفْسِ بِحَيْثُ لَا يُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ بِقِرَاءَةِالْإِمَامِ نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ بِالْجَهْرِ خَلْفَهُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ هُوَ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ سِرًّا وَالْمُنَازَعَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ جَهْرِ الْمُؤْتَمِّ لَا مَعَ إِسْرَارِهِ وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ فَهُوَ إِنْ دَلَّ عَلَى النَّهْيِ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَهْيِ الْقِرَاءَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى المنازعة في الجهرية انتهى وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ التَّخْلِيطِ عَلَى الْإِمَامِ وَالتَّخْلِيطُ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا قُرِئَ خَلْفَ الْإِمَامِ بِالْجَهْرِ.
وَأَمَّا إِذَا قُرِئَ خَلْفَهُ بِالسِّرِّ وَفِي النَّفْسِ فَلَا يَكُونُ التَّخْلِيطُ ألْبَتَّةَ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ والبخاري في جزء القراءة حديث بن مَسْعُودٍ هَذَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوم كانوا يقرأون عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِقِرَاءَتِهِمْ خَلْفَهُ بِالْجَهْرِ وَعَلَى ذَلِكَ أَنْكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ خَلَطْتُمْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَهُوَ أَيْضًا خارج عن محل النزاع قال الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مَعْنَى قَوْلِهِ خَالَجَنِيهَا أَيْ نَازَعَنِي وَالْمُخَالَجَةُ هُنَا عِنْدَهُمْ كَالْمُنَازَعَةِ فَحَدِيثُ عمران هذا الحديث بن أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا تَكُونُ الْمُنَازَعَةُ إِلَّا فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْمَأْمُومُ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ إِنْ كَانَ كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِرَاءَتِهِ شَيْئًا فَإِنَّمَا كَرِهَ جَهْرَهُ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ أَلَا تَرَاهُ قَالَ أَيُّكُمْ قَرَأَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَلَوْلَا أَنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ وَإِلَّا لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَا قَرَأَ وَنَحْنُ نَكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَأَمَّا أَنْ يَتْرُكَ أَصْلَ الْقِرَاءَةِ فَلَا وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَذَلِكَ يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَا انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَبِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فَانْتَظِرْ .

     قَوْلُهُ  (وَاخْتَارَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَقْرَأَ الرَّجُلُ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالُوا يَتَّبِعُ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ) جَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّىصَلَاةً مَكْتُوبَةً مَعَ الْإِمَامِ فَلْيَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي سَكَتَاتِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا وَفِيهِ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَعَ إِمَامٍ يَجْهَرُ فَلْيَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي بَعْضِ سَكَتَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَصَلَاتُهُ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ مَا لَفْظُهُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَجٍّ بِهِ وَكَذَلِكَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَلِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ شَوَاهِدُ صَحِيحَةٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ خَبَرًا عَنْ فِعْلِهِمْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ فَتْوَاهُمْ وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده أنهم كانوا يقرأون خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أنصت فإذا قرأ لم يقرأوا وإذا أنصت قرأوا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كَانُوا إِذَا كَبَّرُوا لَا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَنْ خلفه قد قرأوا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ تَصْنِيفُ الْبُخَارِيِّ قَالَ قَالَ بن خُثَيْمٍ.

قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ نَعَمْ وَإِنْ سَمِعْتَ قِرَاءَتَهُ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَحْدَثُوا مَا لَمْ يَكُونُوا يَصْنَعُونَهُ إِنَّ السَّلَفَ كَانَ إِذَا أَمَّ أَحَدُهُمُ النَّاسَ كَبَّرَ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ قَرَأَ وَأَنْصَتَ انْتَهَى مَا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي نَتَائِجِ الْأَفْكَارِ هَذَا مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ فَقَدْ أَدْرَكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ جَمَاعَةً مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ انْتَهَى ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ يا بني اقرأوا فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثُمَّ هِيَ خِدَاجٌ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَقْرَأُ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ فَاغْتَنَمُوهُمَا سَكْتَةٌ حِينَ يُكَبِّرُ وَسَكْتَةٌ حِينَ يَقُولُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهم ولا الضالين قَالَ فَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ أبو هريرةورواية الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَشْهَدُ لِذَلِكَ بِالصِّحَّةِ انْتَهَى قُلْتُ رِوَايَةُ الْعَلَاءِ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ الْحَدِيثَ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي هَذَاالْكِتَابِ ص 21 قَالَ.

قُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فَقَالَ يَا فَارِسِيُّ أو يا بن الْفَارِسِيِّ اقْرَأْ فِي نَفْسِكَ وَعِنْدَهُ أَيْضًا فِي هَذَا الْكِتَابِ ص 19.

قُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَكَيْفَ أَصْنَعُ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ قَالَ مَكْحُولٌ اقْرَأْ بِهَا يَعْنِي بِالْفَاتِحَةِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ إِذَا قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسَكَتَ سِرًّا وَإِنْ لَمْ يَسْكُتِ اقْرَأْ بِهَا قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لَا تَتْرُكْهَا عَلَى حَالٍ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَرَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمُ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.

قُلْتُ وَإِنْ كُنْتَ قَالَ وَإِنْ كُنْتُ أَنَا.

قُلْتُ وَإِنْ جَهَرْتَ قَالَ وإن جهرت قال الدارقطني رواية كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ.

     وَقَالَ  هَذَا إسناد صحيح وأخرج إسناده عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ كان علي يقول اقرأوا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ إخراجه هذا إسناد صحيح خرجه بِإِسْنَادٍ آخَرَ بِلَفْظِ كَانَ يَأْمُرُ أَوْ يَقُولُ إقرأوا خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وسورة وفي الأخريين أو بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَدْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا كَانَا يَأْمُرَانِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ انْتَهَى وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقِفَ عَلَى آثَارِ الصَّحَابَةِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَارْجِعْ إِلَى كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ وَإِلَى كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِلْبَيْهَقِيِّ .

     قَوْلُهُ  (وبه يقول مالك وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْمَلِيحِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَمَكْحُولٌ وَمَالِكُ بْنُ عَوْنٍ وَسَعِيدُ بن عَرُوبَةَ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ.

     وَقَالَ  فِيهِ.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ وسعيد بن جبير وميمون بن مهران ومالا أُحْصِي مِنَ التَّابِعِينَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يُقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَإِنْ جَهَرَ انْتَهَى (وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أقرأ خلف الامام والناس يقرأون إِلَّا قَوْمٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ) يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ فَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِلَا فِي السِّرِّيَّةِ وَلَا فِي الْجَهْرِيَّةِ وَظَهَرَ من كلام بن الْمُبَارَكِ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي عهد بن المبارك من التابعين وأتباعهم كانوا يقرأون خَلْفَ الْإِمَامِ غَيْرَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ (وَأَرَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ) أَيْ خَلْفَ الْإِمَامِ (صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ) فَابْنُ الْمُبَارَكِ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ (وَشَدَّدَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَرْكِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وإن كان خلف الامام) فقالوا لا تجزيء صَلَاةٌ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهُ كَانَ أَوْ خَلْفَ الْإِمَامِ .

     قَوْلُهُ مْ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ وَذَهَبُوا إِلَى مَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّ لَفْظَ مَنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَهُوَ شَامِلٌ لِلْمَأْمُومِ قَطْعًا كَمَا هُوَ شَامِلٌ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَكَذَلِكَ لَفْظُ صَلَاةَ فِي قَوْلِهِ لَا صَلَاةَ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ صَلَاةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا صَلَاةَ الْإِمَامِ كَانَتْ أَوْ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ أَوْ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً قَالَ الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ لَا يَتْرُكُ أَحَدٌ مِنَ الْمَأْمُومِينَ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِيمَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخُصَّ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ مُصَلِّيًا مِنْ مُصَلٍّ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ سَوَاءٌ أَسَرَّ الْإِمَامُ أَوْ جَهَرَ لِأَنَّ صَلَاتَهُ صَلَاةٌ حَقِيقَةٌ فَتَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقِرَاءَةِ انْتَهَى (وَقَرَأَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَتَأَوَّلَ قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ حِرامِ بْنِ حَكِيمٍ وَمَكْحُولٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ كَذَا قَالَ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَقُلْتُ رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ فِي صَلَاتِكَ شَيْئًا قَالَ وَمَا ذَاكَ.

قُلْتُ سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ نَعَمْ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَقْرَأُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ قُلْنَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ فَلَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُبِالْقِرَاءَةِ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

     وَقَالَ  هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَرْوِي عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اخرين أنهم كانوا لا يقرأون وَافْتَرَقَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ فَكَانَ مَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ وَفِيمَا لَمْ يَجْهَرْ مِنَ الصَّلَاةِ وقال الزهري ومالك وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَقْرَأُ فِيمَا أَسَرَّ الْإِمَامُ فِيهِ وَلَا يَقْرَأُ فِيمَا جَهَرَ بِهِ.

     وَقَالَ  سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهَرَ أَوْ أَسَرَّ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ تَنْبِيهٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ تَحْتَ حَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا وَهْمٌ مِنَ الْعَيْنِيِّ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا عَرَفْتَ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ لَمْ يَكُونُوا قَائِلِينَ بِوُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ (وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ وَكَذَا قَالَ سُفْيَانُ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ.

قُلْتُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخُصُّ إِلَّا بِدَلِيلٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِقَوْلِ أَحْمَدَ وَلَا بِقَوْلِ سُفْيَانَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَيْثُ قَالَ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ هَذَا قَوْلُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ (قَالَ أَحْمَدُ فَهَذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَوَّلَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَنَّ هَذَا إِذَا كَانَ وَحْدَهُ) حَمْلُ جَابِرٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ الْمَأْمُومِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ شَامِلٌ لِلْمَأْمُومِ أَيْضًا وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو راوي الْحَدِيثِ قَدْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَدْرَى بِمُرَادِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِهِ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَالامام من طريق بن إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْهُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ ص 151 فَأَمَّا قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَجُمْلَةُ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ كَانَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا مَعَ ثُبُوتِ الدَّلَالَةِ فِيهِ عَنْ مَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَهُوَ بِالْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ تَفْسِيرَهُمَا وَأَخَذَ بِتَفْسِيرِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ الَّذِي وُلِدَ بَعْدَهُمَا بِسِنِينَ وَلَمْ يُشَاهِدْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاهَدَا حَيْثُ قَالَ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَوْ أَخَذَ بِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلَا مِنَ الْفُقَهَاءِ كَانَ تَارِكًا لِسَبِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَبُولِ الْأَخْبَارِ وَرَدِّهَا فَنَحْنُ إِنَّمَا صِرْنَا إِلَى تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي حَمَلَ الْحَدِيثَ لِفَضْلِ عِلْمِهِ بِسَمَاعِ الْمَقَالِ وَمُشَاهَدَةِ الْحَالِ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ وَلَوْ صَارَ تَأْوِيلُ سُفْيَانَ حُجَّةً لَمْ يَجِبْ عَلَى الْإِمَامِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي وَحْدَهُ إِنَّمَا يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ انْتَهَى (وَاخْتَارَ أَحْمَدُ مَعَ هَذَا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ الرَّجُلُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ) وَكَذَلِكَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَمَلَ حَدِيثَ عُبَادَةَ الْمَذْكُورَ عَلَى الَّذِي يَكُونُ وَحْدَهُ وَمَعَ هَذَا كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ تَنْبِيهٌ عَقَدَ التِّرْمِذِيُّ للقراءة خلف الامام ما بين وَذَكَرَ فِيهِمَا مَذَاهِبَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَذْهَبَ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ فَلَنَا أَنْ نَذْكُرَ مَذْهَبَهُمْ وَدَلَائِلَهُمْ مَعَ بَيَانِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا بِالِاخْتِصَارِ وَلَنَا كِتَابٌ مَبْسُوطٌ فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَمَّيْنَاهُ تَحْقِيقَ الْكَلَامِ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَفِيهِ بَابَانِ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إِثْبَاتِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ عَنْ أَدِلَّةِ الْمَانِعِينَ وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ فِي كُلٍّ مِنَ الْبَابَيْنِ وَبَسَطْنَاهُ وَقَدْ أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِنَا أَبْكَارِ الْمِنَنِ فَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يُقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ وَلَا فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى هَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَأَمَّا أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ فَيَقُولُونَ إِنَّ الْقِرَاءَةَ خلف الاماممكروهة كراهة تحريم ويستدلون على مذهبهم كالشيخ بن الْهُمَامِ وَغَيْرِهِ هُوَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأنصتوا لعلكم ترحمون فَكَانُوا يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ (فَاسْتَمِعُوا) عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةِ وَبِقَوْلِهِ (وَأَنْصِتُوا) عَلَى الْمَنْعِ فِي الصَّلَوَاتِ السِّرِّيَّةِ وَالْآنَ قَدْ حَصْحَصَ الْحَقُّ لَهُمْ فَاعْتَرَفُوا بِمَا فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مِنَ الِاخْتِلَالِ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ فِي رِسَالَتِهِ إِمَامُ الْكَلَامِ الْإِنْصَافُ الَّذِي يَقْبَلُهُ مَنْ لَا يَمِيلُ إِلَى الِاعْتِسَافِ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا أَصْحَابُنَا عَلَى مَذْهَبِهِمْ لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ وَلَا عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ حَالَ السَّكْتَةِ انْتَهَى وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ فِي رِسَالَتِهِ الْفُرْقَانُ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ قَدِ ادَّعَوْا الْحَنَفِيَّةِ قَدِ ادَّعَوْا أَنَّ قِرَاءَةَ الْمُقْتَدِي مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَاجْتَهَدُوا فِي إِثْبَاتِ النَّسْخِ بِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ وَالْعَجَبُ مِنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ الَّذِينَ كَانُوا في العلوم الدينية كالبحر الذخار كَيْفَ تَصَدَّوْا لِإِثْبَاتِ النَّسْخِ بِهَذِهِ الْآيَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُتَرْجَمًا وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ بَعْدَ ذِكْرِ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ تَخْدِشُ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا لَفْظُهُ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْآيَةَ لَمَّا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْوُجُوهَ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لَهُ قِرَاءَةٌ كَمَا تَمَسَّكَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَوْضَحَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَحْقِيقِ الْكَلَامِ وُجُوهًا كَثِيرَةً كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْحَنَفِيَّةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَطْلُوبِهِمُ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا مُدَّعَاهُمْ ونذكر ها هنا خَمْسَةَ وُجُوهٍ مِنْهَا فَالْأَوَّلُ مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ سَاقِطَةٌ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كُتُبِ أُصُولِهِمْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ فِي بَابِ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ مِثَالُ الْمَصِيرِ إِلَى السُّنَّةِ عند تعارض الآيتين قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن وَقَولُهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لعلكم ترحمون تَعَارَضَا فَصِرْنَا إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ انْتَهَى وَكَذَا فِي نُورِ الْأَنْوَارِ وَزَادَ فِيهِ فَالْأَوَّلُ بِعُمُومِهِ يُوجِبُ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْمُقْتَدِي وَالثَّانِي بِخُصُوصِهِ يَنْفِيهِ وَقَدْ وَرَدَا فِي الصَّلَاةِ جَمِيعًا فَتَسَاقَطَا فَيُصَارُ إِلَى حَدِيثٍ بعده إِلَى حَدِيثٍ بَعْدَهُ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِ السَّلَامُ من كانت لَهُ إِمَامٌ إِلَخْ فَالْعَجَبُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ مَعَ وُجُودِ هَذَا التَّصْرِيحِ فِي كُتُبِ أُصُولِهِمْ كَيْفَ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِوَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ) إِنَّمَا يَنْفِيَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهْرًا وَبِرَفْعِ الصَّوْتِ فَإِنَّهَا تَشْغَلُ عَنِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ خَلْفَهُ فِي النَّفْسِ وَبِالسِّرِّ فَلَا يَنْفِيهَا فَإِنَّهَا لَا تَشْغَلُ عَنِ الِاسْتِمَاعِ فَنَحْنُ نَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ عَمَلًا بِأَحَادِيثِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي النَّفْسِ وَسِرًّا وَنَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ عَمَلًا بقوله (وإذا قرئ القرآن) وَالِاشْتِغَالُ بِأَحَدِهِمَا لَا يُفَوِّتُ الْآخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ اسْتِمَاعَ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ القرآن وَمَعَ هَذَا يَقُولُونَ إِذَا خَطَبَ الْخَطِيبُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما فَيُصَلِّي السَّامِعُ سِرًّا وَفِي النَّفْسِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إِلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قَوْلَهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صلوا عليه الْآيَةَ فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ .

     قَوْلُهُ  فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ أَيْ فَيُصَلِّي بِلِسَانِهِ خَفِيًّا انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي رَمْزِ الْحَقَائِقِ لَكِنْ إِذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما يُصَلِّي السَّامِعُ وَيُسَلِّمُ فِي نَفْسِهِ سِرًّا ائْتِمَارًا لِلْأَمْرِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْبِنَايَةِ فَإِنْ قُلْتَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا وَالْأَمْرُ الْآخَرُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا قَالَ مُجَاهِدٌ نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِأَحَدِهِمَا يُفَوِّتُ الْآخَرَ.

قُلْتُ إِذَا صَلَّى فِي نَفْسِهِ وَنَصَتَ وَسَكَتَ يَكُونُ آتِيًا بِمُوجِبِ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى وقال الشيخ بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَكَانَ إِحْرَازًا لِلْفَضِيلَتَيْنِ انْتَهَى وَالثَّالِثُ قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنْ نَقُولَ الْفُقَهَاءُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَهَبْ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا يُوجِبُ سُكُوتَ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَوْلَهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَثَبَتَ أَنَّ تَخْصِيصَ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَازِمٌ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى تَخْصِيصِ هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهَذَا السُّؤَالُ حَسَنٌ انْتَهَى وَفِي تَفْسِيرِ النَّيْسَابُورِيِّ وَقَدْ سَلَّمَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ عُمُومَ اللَّفْظِ إِلَّا أَنَّهُمْ جَوَّزُوا تَخْصِيصَ عُمُومِ القرآن بخبر الواحد وذلك ها هنا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ غَيْثِ الغمام حاشية إمام الكلام ذكر بن الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ وَالْعَضُدِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ تَخْصِيصَ عَامِّ الْقُرْآنِ بِالْمُتَوَاتِرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَقَالَ بِجَوَازِهِالأئمة الأربعة وقال بن أَبَانٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ الْعَامُّ قَدْ خُصَّ مِنْ قَبْلُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ مُنْفَصِلًا كَانَ أَوْ مُتَّصِلًا وَقَالَ الْكَرْخِيُّ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ الْعَامُّ قَدْ خُصَّ مِنْ قَبْلُ بِدَلِيلِ مُنْفَصِلًا قَطْعِيًّا كَانَ أَوْ ظَنِّيًّا انْتَهَى وَالرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ فَإِنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا إِذَا جَهَرَ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا فَقَالَ قَائِلٌ فِي تَعْلِيقَاتِهِ عَلَى التِّرْمِذِيِّ مَا لَفْظُهُ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا يَعْنِي هَذِهِ الْآيَةَ بِالسِّرِّيَّةِ وَالْإِنْصَاتُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ كَانَ لكانا أورسننا وَيَكُونُ فِي الْجَهْرِيَّةِ سِيَّمَا إِذَا اجْتَمَعَ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ وَمَا مِنْ كَلَامٍ فَصِيحٍ يَكُونُ الْإِنْصَاتُ فِيهِ فِي السِّرِّ انْتَهَى فَنَحْنُ نَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَوَاتِ السِّرِّيَّةِ وَفِي الْجَهْرِيَّةِ أَيْضًا عِنْدَ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ فَإِنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ إِلَّا إِذَا جَهَرَ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ قِيلَ لَهُ احتجاجك بقول الله تعالى فاستمعوا وأنصتوا أَرَأَيْتَ إِذَا لَمْ يَجْهَرِ الْإِمَامُ يَقْرَأُ خَلْفَهُ فَإِنْ قَالَ لَا بَطَلَ دَعْوَاهُ لِأَنَّ اللَّهَ تعالى قال فاستمعوا له وأنصتوا وَإِنَّمَا يَسْتَمِعُ لِمَا يَجْهَرُ مَعَ أَنَّا نَسْتَعْمِلُ قول الله تعالى فاستمعوا له نَقُولُ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ عِنْدَ السَّكَتَاتِ انْتَهَى وقد أعترف بهذا كله بعض الْفَاضِلِ اللَّكْنَوِيِّ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ قَالَ هَذِهِ الْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ وَلَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ حَالَ السَّكْتَةِ الْخَامِسُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا خِطَابٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ فِيهَا خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ فِي ابْتِدَاءِ التَّبْلِيغِ قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَلِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّا نُجْرِي هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِهَا فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قَرَأَ الْإِنْسَانُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ اسْتِمَاعُهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ نَزَلَتْ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي السُّكُوتِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ وَفِي الْآيَةِ قول الخامس وَهُوَ أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ فِي ابْتِدَاءِ التَّبْلِيغِ وَلَيْسَ خِطَابًا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ مُنَاسِبٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَى قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَقْوَامًا مِنَ الْكُفَّارِ يَطْلُبُونَ آيَاتٍ مَخْصُوصَةً وَمُعْجِزَاتٍ مَخْصُوصَةً فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَأْتِيهِمْ بِهَا قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ جَوَابًا عَنْ كَلَامِهِمْ إِنَّهُ لَيْسَ لِي أَنْ أَقْتَرِحَ عَلَى رَبِّي وَلَيْسَ لِي إِلَّا أَنْ أَنْتَظِرَ الْوَحْيَ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَرَكَ الْإِتْيَانَ بِتِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي اقْتَرَحُوهَا فِي صِحَّةِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةٌ تَامَّةٌ كَافِيَةٌ فِي إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ وَعَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لقوم يؤمنون فَلَوْ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَىوإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا الْمُرَادُ مِنْهُ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا تَعَلُّقٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَانْقَطَعَ النَّظْمُ وَحَصَلَ فَسَادُ التَّرْكِيبِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ سِوَى هَذَا الْوَجْهِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى كَوْنَ الْقُرْآنِ بَصَائِرَ وَهُدًى وَرَحْمَةً مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ مُعْجِزَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَوْنُهُ كَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِشَرْطٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ اسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصَتُوا حَتَّى يَقِفُوا عَلَى فَصَاحَتِهِ وَيُحِيطُوا بِمَا فِيهِ مِنَ الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُمْ كَوْنُهُ مُعْجِزًا دَالًّا عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَغْنَوْا بِهَذَا الْقُرْآنِ عَنْ طَلَبِ سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ وَيَظْهَرُ لَهُمْ صِدْقُ قَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ بَصَائِرُ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَثَبَتَ أَنَّا إِذَا حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اسْتَقَامَ النَّظْمُ وَحَصَلَ التَّرْتِيبُ فَثَبَتَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ وَبِكَوْنِهِ مُعْجِزًا عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِهِ وَعِنْدَ هَذَا يَسْقُطُ اسْتِدْلَالُ الْخُصُومِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى وُجُوهٌ الْأَوَّلُ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فَلَمَّا حَكَى عَنْهُمْ ذَلِكَ نَاسَبَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِاسْتِمَاعِ وَالسُّكُوتِ حَتَّى يُمْكِنَهُمُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ الْبَالِغَةِ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ هَذَا بَصَائِرُ من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون فَحَكَمَ بِكَوْنِ هَذَا الْقُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ وَالْجَزْمِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا قُرِئَ القرآن إِلَخْ وَلَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا هم المؤمنون لما قال لعلكم ترحمون لأنه جزم قبل هذه الآية يكون الْقُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ قَطْعًا فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لَعَلَّهُ يَكُونُ الْقُرْآنُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ أَمَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ هُمُ الْكَافِرُونَ صَحَّ حِينَئِذٍ .

     قَوْلُهُ  (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ انْتَهَى كَلَامُ الرَّازِيِّ مُلَخَّصًا فَإِنْ قُلْتَ قَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ أَجْمَعَ الناس على أن هذه الآية في الصلاة انْتَهَى فَمَعَ إِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ فِيهَا خِطَابًا مَعَ الْكُفَّارِ وَلَيْسَ فِيهَا خِطَابٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ لَمْ يَذْكُرِ الزَّيْلَعِيُّ إِسْنَادَ قَوْلِ أَحْمَدَ هَذَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ فِي أَيِّ كِتَابٍ أَخْرَجَهُ وَقَدْ طَالَعْتُ كِتَابَ الْقِرَاءَةِ لَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ قَوْلَ أَحْمَدَ هَذَا وَكَذَا طَالَعْتُ بَابَ الْقِرَاءَةِخَلْفَ الْإِمَامِ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ لَهُ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ فِي أَيِّ كِتَابٍ أَخْرَجَهُ وَكَيْفَ حَالُ إِسْنَادِهِ ثُمَّ هَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ فِي شَأْنِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَالًا مِنْهَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي السُّكُوتِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صحته قول بن المبارك أنا أقرأ خلف الإمام والناس يقرأون إِلَّا قَوْمٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ الرَّجُلُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الترمذي فتفكر وأيضا يدل على عدم صحة أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَقَدْ قَالَ بِهَا أكثر أهل العلم كما صرح به الترمذي فتفكر فإن قلت الخطاب في هذا الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْكُفَّارِ لَكِنْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ لَكِنْ قَدْ تَقَرَّرَ أَيْضًا فِي مَقَرِّهِ أَنَّ اللَّفْظَ لَوْ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ يَلْزَمُ التَّعَارُضُ وَالتَّنَاقُضُ وَلَوْ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ قَالَ الشيخ بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا رُوِيَ فِي الصحيحين أن عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلٌ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَضَرُّوا بِهِ بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي لَفْظِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ وَالْعِبْرَةُ وَإِنْ كَانَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ لَكِنْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ إِلَخْ فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ يُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ القرآن على عمومه لزم التعارض والتناقض والتناقض بينه وبين قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن وَأَحَادِيثِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَوْ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ هَذَا وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى الْوُجُوهِ الْأُخْرَى فَارْجِعْ إِلَى كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ وَالدَّلِيلُ الثَّانِي لِلْحَنَفِيَّةِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ قُلْتُ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ هُوَ .

     قَوْلُهُ  وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْحُفَّاظِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى وَقَدْ أَجْمَعَ الْحُفَّاظُ عَلَى خَطَأِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ أبو داود وأبو حاتم وبنمَعِينٍ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالُوا إِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ انتهى ولو سُلِّمَ أَنَّ لَفْظَ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَحْفُوظٌ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا قرئ القرآن لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا عَرَفْتَ وَعَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْمَنْعِ وُجُوهٌ أُخْرَى ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ وإذا قرئ فَأَنْصِتُوا مَحْمُولٌ عَلَى مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ جَمْعًا بين الأحاديث قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ فِي الْجَهْرِيَّةِ كَالْمَالِكِيَّةِ بِحَدِيثِ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَيُنْصِتُ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةَ أَوْ يُنْصِتُ إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ وَيَقْرَأُ إِذَا سَكَتَ وَقَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ يَحْتَمِلُ سِوَى الْفَاتِحَةِ وَإِنْ قَرَأَ فِيمَا سَكَتَ الْإِمَامُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُفْتِي بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ جَهْرِيَّةً كَانَتْ أَوْ سِرِّيَّةً وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا أَيْضًا وَالدَّلِيلُ الثَّالِثُ لِلْحَنَفِيَّةِ حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا قُلْتُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنِ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا كَالْحَنَفِيَّةِ بِحَدِيثِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْحَافِظِ وَقَدِ اسْتَوْعَبَ طُرُقَهُ وَعَلَّلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكُلُّهَا مَعْلُولَةٌ انْتَهَى وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ فَلَنَا عَنْهُ أَجْوِبَةٌ عَدِيدَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي تَحْقِيقِ الْكَلَامِ فَمِنْهَا مَا قَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي كِتَابِهِ إِمَامِ الْكَلَامِ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي حَدِيثَ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ إِلَخْ لَيْسَ بِنَصٍّ عَلَى تَرْكِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بَلْ يَحْتَمِلُهَا وَيَحْتَمِلُ قِرَاءَةَ مَا عَدَاهَا وَتِلْكَ الرِّوَايَاتُ يَعْنِي رِوَايَاتِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوِ اسْتِحْسَانِهَا نَصًّا فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ قَطْعًا انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا حَدِيثُ عُبَادَةَ نَصٌّ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَحَادِيثُ التَّرْكِ وَالنَّهْيِ لَا تَدُلُّ عَلَى تَرْكِهَا نَصًّا بَلْ ظَاهِرًا وَتَقْدِيمُ النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ مَنْصُوصٌ فِي كُتُبِ الْأَعْلَامِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ والثلاثون أن يكون الحاكم الذيالَّذِي تَضَمَّنَهُ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مَنْطُوقًا بِهِ وَمَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ يَكُونُ مُحْتَمِلًا يَعْنِي فَيَتَقَدَّمُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي انْتَهَى وَمِنْهَا مَا قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ فَلَوْ ثَبَتَ الخبر أن كِلَاهُمَا لَكَانَ هَذَا مسْتَثْنًى مِنَ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ لَا يَقْرَأَنَّ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ وَقَولُهُ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ جُمْلَةً وَقَولُهُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُسْتَثْنًى مِنَ الْجُمْلَةِ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ثُمَّ قَالَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ إِلَّا الْمَقْبُرَةَ وَمَا اسْتَثْنَاهُ مِنَ الْأَرْضِ وَالْمُسْتَثْنَى خَارِجٌ مِنَ الْجُمْلَةِ وَكَذَلِكَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ خَارِجٌ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ مَعَ انْقِطَاعِهِ انْتَهَى وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةِ قَالَ صَاحِبُ إِمَامِ الْكَلَامِ قَدْ يُقَالُ إِنَّ مَوْرِدَ هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ قِرَاءَةُ رَجُلٍ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ شَاهِدٌ لِكَوْنِهِ وَارِدًا فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَحَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا عَدَا الْفَاتِحَةِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ قال لعلكم تقرأون خَلْفَ إِمَامِكُمْ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَبِهَذَا يَجْمَعُ الْأَدِلَّةَ الْمُثْبِتَةَ لِلْقِرَاءَةِ وَالنَّافِيَةَ انْتَهَى وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَتَقْرِيرُ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ أَنَّ جَابِرًا رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ وَأَبُو سَعِيدٍ وبن عَبَّاسٍ وَعَلِيٌّ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم وكل هؤلاء كانوا يقرأون خَلْفَ الْإِمَامِ وَيُفْتُونَ بِهَا وَعَمَلُ الرَّاوِي وَفَتْوَاهُ خِلَافُ حَدِيثِهِ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ عِنْدَهُمْ أَمَّا قراءة جابر فقد رواه بن مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ فِي حاشية بن مَاجَهْ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا نَقْرَأُ قَالَ الْمِزِّيُّ مَوْقُوفٌ ثُمَّ قَالَ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ انْتَهَى وَأَمَّا فَتْوَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي حَدِيثِ الْخِدَاجِ بِلَفْظِ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ فَقُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي أَسْمَعُ قِرَاءَةَ القرآن فغمزني بيده قال يا فارسي أو بن الْفَارِسِيِّ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ العَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

قُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَسْمَعُقراءة الإمام فقال يا فارسي أو بن الْفَارِسِيِّ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ انْتَهَى وَأَسَانِيدُ هذا الْفَتْوَى صَحِيحَةٌ وَأَمَّا فَتْوَى أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْهُ قَالَ كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْقِرَاءَةِ خ لف الْإِمَامِ قَالَ وَكُنْتُ أَقُومُ إِلَى جَنْبِ أَنَسٍ فَيَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَيُسْمِعُنَا قِرَاءَتَهُ لِنَأْخُذَ عَنْهُ وَأَمَّا فَتْوَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ وأما فتوى بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ قَالَ اقْرَأْ خَلْفَ الإمام جهرا ولم يَجْهَرْ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ لَا تَدَعْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ جَهَرَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ وَأَخْرَجَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ حدثنا العيزار بن حريث قال سمعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ اقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَأَمَّا فَتْوَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اقْرَأْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وسورة قال البيهقي هذا الإسناد من أصحح الْأَسَانِيدِ فِي الدُّنْيَا انْتَهَى وَأَمَّا فَتْوَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ قَالَ لَا تزكوا صَلَاةُ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطُهُورِ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَغَيْرِ الْإِمَامِ وَمِنْهَا أَنَّ هذا الحديث معارض ومخالف لقوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قِرَاءَةٍ حَقِيقِيَّةٍ خَلْفَ الْإِمَامِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ الْحَقِيقِيَّةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ أَوْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الْقِرَاءَةِ الْحَقِيقِيَّةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بَلْ قِرَاءَةُ إِمَامِهِ تَكْفِيهِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ يَسْقُطُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ وَقَدِ استدل الحنفية بحديث بن أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ أني أقول مالي أنازع القران وبحديث بن مسعود وبحديث عمران بن حصين الذين أَشَارَ إِلَيْهِمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا وَهِيَ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي النَّفْسِوَبِالسِّرِّ بِحَيْثُ لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ نَعَمْ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ بِالْجَهْرِ خَلْفَهُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ تَنْبِيهٌ.
اعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بِبَعْضِ آثَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَأَثَرِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ زيد وجابر وبن عُمَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يُقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ قُلْتُ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الْآثَارِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْحَنَفِيَّةَ كَالشَّيْخِ بن الْهُمَامِ وَغَيْرِهِ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ مَا لَمْ يَنْفِهِ شَيْءٌ مِنَ السُّنَّةِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ الصَّحِيحَةَ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَهِيَ تَنْفِي هَذِهِ الْآثَارَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا قَالَ صاحب إمام الكلام صرح بن الْهُمَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ مَا لم ينفيه شَيْءٌ مِنَ السُّنَّةِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ دَالَّةٌ عَلَى إِجَازَةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ فَكَيْفَ يُؤْخَذُ بِالْآثَارِ وَتُتْرَكُ السُّنَّةُ انْتَهَى وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حُجِّيَّةَ آثَارِ الصَّحَابَةِ إِنَّمَا تَكُونُ مُفِيدَةً إِذَا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَنُورِ الْأَنْوَارِ وَالْأَمْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بل فيه اختلاف الصحابة رضي الله عنه كَمَا عَرَفْتَ فَكَيْفَ يَصِحُّ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الْآثَارِ لَا بُدَّ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَوْ عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ لِئَلَّا تُخَالِفَ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ الصَّحِيحَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَيْ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَحْمُولٌ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُشْرَعُ لَهُ قِرَاءَتُهَا وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِيُحْمَلَ .

     قَوْلُهُ  عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التابعين قال في هذه المسألة قو لا يُحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ إِلَّا وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ انْتَهَى

رقم الحديث 313 [313] .

     قَوْلُهُ  (مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ إِلَخْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ القراءةص 112 بَعْدَ مَا أَخْرَجَ هَذَا الْأَثَرَ مَا لَفْظُهُ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى تَعَيُّنِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَوُجُوبِ قِرَاءَتِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ خِلَافَ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَتَعَيَّنُ وَلَا يَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَذْهَبِهِ جَوَازُ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الرَّكْعَةُ الَّتِي يُدْرِكُ الْمَأْمُومُ إِمَامَهُ رَاكِعًا فَيُجْزِي عَنْهُ بِلَا قِرَاءَةٍ وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ فِيمَا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْهُ فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو غَانِمٍ أَزْهَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدُونٍ الْمُنَادِي بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ أَخْبَرَنَا بُكَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَلَاةٌ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَشَيْءٍ معها وفي رواية بن بشر أن فَمَا فَوْقَ ذَاكَ أَوْ قَالَ فَمَا أَكْثَرَ مِنْ ذَاكَ وَهَذَا لَفْظٌ عَامٌّ يَجْمَعُ الْمُنْفَرِدَ وَالْمَأْمُومَ وَالْإِمَامَ وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الأولين بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَالصَّحَابِيُّ إِذَا قَالَ سُنَّةٌ وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يُخَرِّجُونَهُ فِي الْمَسَانِيدِ انْتَهَى مَا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ 19234234234 234 - (بَاب مَا جَاءَ مَا يَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ

رقم الحديث 314 [314] ) .

     قَوْلُهُ  (عَنْ لَيْثٍ) هُوَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ أَخِيرًا فَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُهُ فَتُرِكَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ جَلِيلُ الْقَدْرِ (عَنْ أمه فاطمة بنت الحسين) هي فاطمة بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيَّةُ الْمَدَنِيَّةُ زَوْجُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ علي بن طَالِبٍ ثِقَةٌ عَنْ (جَدَّتِهَا فَاطِمَةَ الْكُبْرَى) هِيَ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُّ الْحَسَنَيْنِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ هَذِهِ الأمة تزوجهاعَلِيٌّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمَاتَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ جَاوَزَتِ الْعِشْرِينَ بِقَلِيلٍ .

     قَوْلُهُ  (إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رحمتك قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ يُحْتَمَلُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ثُمَّ حِكْمَتُهُ بَعْدَ تَعْلِيمِ أُمَّتِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِنَفْسِهِ كَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ فَكَذَا طُلِبَ مِنْهُ تَعْظِيمُهَا بِالصَّلَاةِ مِنْهُ عَلَيْهَا كَمَا طُلِبَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى وَفِي رواية بن مَاجَهْ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ (وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّ السِّرَّ فِي تَخْصِيصِ الرَّحْمَةِ بِالدُّخُولِ وَالْفَضْلِ بِالْخُرُوجِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ اشْتَغَلَ بِمَا يُزَلِّفُهُ إِلَى ثَوَابِهِ وَجَنَّتِهِ فَيُنَاسِبُ ذِكْرَ الرَّحْمَةِ وَإِذَا خَرَجَ اشْتَغَلَ بِابْتِغَاءِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ فَنَاسَبَ ذِكْرَ الْفَضْلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَانْتَشِرُوا في الأرض وابتغوا من فضل الله انْتَهَى