فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في الإشارة في الصلاة

رقم الحديث 3896 [3896] .

     قَوْلُهُ  ( عَنِ الْوَلِيدِ) بن هشام ويقال بن أَبِي هِشَامٍ الْكُوفِيُّ مَوْلَى هَمْدَانَ مَسْتُورٌ ( عَنْ زيد بن زائدة) ويقال بن زَائِدٍ بِغَيْرِ هَاءٍ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ .

     قَوْلُهُ  ( لَا يُبَلِّغُنِي) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَيُخَفَّفُ وَهُوَ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ لَا يُوَصِّلُنِي ( مِنْ أَحَدٍ) أَيْ مِنْ قِبَلِ أَحَدٍ ( شَيْئًا) أَيْ مِمَّا أَكْرَهُهُ وَأَغْضَبُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَامٌّ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ بِأَنْ شَتَمَ أَحَدًا وَآذَاهُ قَالَ فِيهِ خَصْلَةَ سُوءٍ ( فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) أَيْ مِنَ الْبَيْتِ وَأُلَاقِيَهُمْ ( وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ) أي من مساويهم جملة حالية قال بن الْمَلِكِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَنَّى أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَقَلْبُهُ رَاضٍ عَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ غَيْرِ سَخَطٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَهَذَا تَعْلِيمٌ لِلْأُمَّةِ أَوْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَشَرِيَّةِ ( فَأُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( بِمَالٍ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ ( مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِقِسْمَتِهِ الَّتِي قَسَمَهَا وَجْهَ اللَّهِ وَلَا الدَّارَ الْآخِرَةَ) أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ ( فَنَثَيْتُ) يُقَالُ نَثَيْتُ الْخَبَرَ وَنَثَوْتُهُ إِذَا حَدَّثْتُ بِهِ وَأَشَعْتُهُ ( حِينَ سَمِعْتُهَا) أَيْ حِينَ سَمِعْتُ مَقُولَتَهُمَا ( دَعْنِي عَنْكَ) أَيِ اتْرُكْنِي عَنْكَ وَلَا تَتَعَرَّضْعِنْدِي لِمِثْلِ هَذَا وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْمُفَاضَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْجَاهِلِ وَالصَّفْحُ عَنِ الْأَذَى وَالتَّأَسِّي بِمَنْ مَضَى مِنَ النُّظَرَاءِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ انْتَهَى.
وَأَمَّا بَاقِي الْحَدِيثِ فَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الشَّيْخَانِ ( وَقَدْ زِيدَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ رَجُلٌ) وَهُوَ السُّدِّيُّ

رقم الحديث 3630 [363] .

     قَوْلُهُ  ( قَالَ عَرَضْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) أَيْ قَرَأْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُ ( قَالَ أَبُو طَلْحَةَ) هُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ زَوْجُ أُمِّ سَلِيمٍ وَالِدَةِ أَنَسٍ ( لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ) فِيهِ الْعَمَلُ عَلَى الْقَرَائِنِ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فِي صَوْتِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ إِذْ ذَاكَ الْفَخَامَةَ الْمَأْلُوفَةَ مِنْهُ فَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجُوعِ بِالْقَرِينَةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى دَعْوَى بن حِبَّانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجُوعُ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَعَدُّدِ الْحَالِ فَكَانَ أَحْيَانًا يَجُوعُ لِيَتَأَسَّى بِهِ أَصْحَابُهُ وَلَا سِيَّمَا مَنْ لَا يَجِدُ مَدَدًا فَيَصْبِرُ فَيُضَاعَفُ أَجْرُهُ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ وَقَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا مِنَ الْجُوعِ فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ ( فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا) جَمْعُ قُرْصٍ وَهُوَ خُبْزٌ ( خِمَارًا) بِكَسْرِ المعجمة أي نصيفا ( ثم دسته) أي أخفته وَأَدْخَلَتْهُ تَقُولُ دَسَّ الشَّيْءَ يَدُسُّهُ دَسًّا إِذَا أَدْخَلَهُ فِي الشَّيْءِ بِقَهْرٍ وَقُوَّةٍ ( فِي يَدِي) أي تحث إِبِطِي ( وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ) أَيْ وَأَلْبَسَتْنِي بِبَعْضِ الْخِمَارِ يقال ردي الرجل أي ألبسه الرِّدَاءَ ( قَالَ) أَيْ أَنَسٌ ( فَذَهَبْتُ بِهِ) أَيْ بِالْخُبْزِ ( إِلَيْهِ) أَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِي الْمَسْجِدِ) أَيِ الْمَوْضِعِ الَّذِي هَيَّأَهُ لِلصَّلَاةِ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ ( أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ) اسْتِفْهَامٌ اسْتِخْبَارِيٌّ ( قُومُوا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِمَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ اسْتَدْعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِفَلِذَلِكَ قَالَ لِمَنْ عِنْدَهُ قُومُوا وَأَوَّلُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَأَبَا طَلْحَةَ أَرْسَلَا الْخُبْزَ مَعَ أَنَسٍ فَيُجْمَعُ بِأَنَّهُمَا أَرَادَا بِإِرْسَالِ الْخُبْزِ مَعَ أَنَسٍ أَنْ يَأْخُذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلَهُ فَلَمَّا وَصَلَ أَنَسٌ وَرَأَى كَثْرَةَ النَّاسِ حَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْيَى وَظَهَرَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقُومَ مَعَهُ وَحْدَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ فَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُمْ مِنْ إِطْعَامِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ مَنْ أَرْسَلَهُ عَهِدَ إِلَيْهِ إِذَا رَأَى كَثْرَةَ النَّاسِ أَنْ يَسْتَدْعِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَكْفِيَهُمْ ذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ وَقَدْ عَرَفُوا إِيثَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَقَدْ وَجَدْتُ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ تَقْتَضِي أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ اسْتَدْعَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فَفِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَدْعُوَهُ وَقَدْ جَعَلَ لَهُ طَعَامًا وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَنَسٍ أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ أَنْ تَصْنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي فَقَالَ هَلْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ نَعَمْ عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ أَشْبَعْنَاهُ وَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ مَعَهُ قَلَّ عَنْهُمْ وَجَمِيعُ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَذَكَرَ الْحَافِظُ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ ( فَانْطَلَقُوا) وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ لِلْقَوْمِ انْطَلِقُوا فَانْطَلَقُوا وَهُمْ ثَمَانُونَ رَجُلًا ( فَأَخْبَرَتْهُ) أَيْ بِمَجِيئِهِمْ ( وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ) أَيْ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِمْ ( قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) أَيْ بِقَدْرِ الطَّعَامِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ كَأَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا لِيُظْهِرَ الْكَرَامَةَ فِي تَكْثِيرِ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى فِطْنَةِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَرُجْحَانِ عَقْلِهَا وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْسَلْتُ أَنَسًا يَدْعُوكَ وَحْدَكَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا مَا يُشْبِعُ مَنْ أَرَى فَقَالَ ادْخُلْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُبَارِكُ فِيمَا عِنْدَكَ ( حَتَّى دَخَلَا) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ ( هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ) أَيْ هَاتِ مَا عِنْدَكِ ( فَفُتَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْفَتِّ وَهُوَ الدَّقُّ وَالْكَسْرُ بِالْأَصَابِعِ أَيْ كُسِرَ الْخُبْزُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَفُتَّتْ فَالضَّمِيرُ لِلْأَقْرَاصِ ( وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ بِعُكَّةٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشَدِيدِ الْكَافِ إِنَاءٌ مِنْ جِلْدٍ مُسْتَدِيرٌ يُجْعَلُ فِيهِ السَّمْنُ غَالِبًا وَالْعَسَلُ ( فَآدَمَتْهُ) أَيْ صَيَّرَتْ مَا خَرَجَ مِنَ الْعُكَّةِ إِدَامًا لِلْمَفْتُوتِ وَفِي رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ فَقَالَ هَلْ مِنْ سَمْنٍ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ قَدْ كَانَ فِي الْعُكَّةِ سَمْنٌ فَجَاءَ بِهَا فَجَعَلَا يَعْصِرَانِهَا حَتَّىخَرَجَ ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ سَبَّابَتَهُ ثُمَّ مَسَحَ الْقُرْصَ فَانْتَفَخَ.

     وَقَالَ  بِسْمِ اللَّهِ فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَالْقُرْصُ يَنْتَفِخُ حَتَّى رَأَيْتُ الْقُرْصَ فِي الْجَفْنَةِ يَتَمَيَّعُ وَفِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ فَمَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ فَجِئْتُ بِهَا فَفَتَحَ رِبَاطَهَا ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَعْظِمْ فِيهَا الْبَرَكَةَ وَعُرِفَ بِهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ.

     وَقَالَ  فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ( ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ) أَيْ بِالدُّخُولِ ( لِعَشَرَةٍ) أَيْ مِنْ أَصْحَابِهِ لِيَكُونَ أَوْفَقَ بِهِمْ فَإِنَّ الْإِنَاءَ الَّذِي فِيهِ الطَّعَامُ لَا يَتَحَلَّقُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ إِلَّا بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُمْ لِبُعْدِهِ عَنْهُمْ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَابِ فَقَالَ لَهُمُ اقْعُدُوا وَدَخَلَ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ أَدْخِلْ عَلَيَّ ثَمَانِيَةً فَمَا زَالَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ رَجُلًا ثُمَّ دَعَانِي وَدَعَا أُمِّي وَأَبَا طَلْحَةَ فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ فِيهَا أَنَّهُ أَدْخَلَهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً سِوَى هَذِهِ فَقَالَ إِنَّهُ أَدْخَلَهُمْ ثَمَانِيَةً ثَمَانِيَةً انْتَهَى ( فَأَذِنَ) أَيْ أَبُو طَلْحَةَ فَدَخَلُوا ( فَأَكَلُوا) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْخُبْزِ الْمَأْدُومِ بِالسَّمْنِ ( ثُمَّ قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَلْحَةَ ( ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ) أَيْ ثَانِيَةٍ ( وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا) وَفِي رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ حَتَّى أَكَلَ مِنْهُ بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَمَانِينَ رَجُلًا ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْبَيْتِ وَتَرَكُوا سَوْرًا أَيْ فَضْلًا وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ طَلْحَةَ وَأَفْضَلُ مَا بَلَغُوا جِيرَانَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ثُمَّ أَخَذَ مَا بَقِيَ فَجَمَعَهُ ثُمَّ دَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ فَعَادَ كَمَا كَانَ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي باب

رقم الحديث 3897 [3897] .

     قَوْلُهُ  ( أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ ( أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجُعْفِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْبُخَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْمُسْنَدِيِّ ثِقَةٌ حَافِظٌ جَمَعَ الْمُسْنَدَ مِنَ الْعَاشِرَةِ ( أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ ( وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ بَهْرَامَ التَّمِيمِيُّ ( عَنْ إِسْرَائِيلَ) بْنِ يُونُسَ الْكُوفِيِّ ( عَنِ السُّدِّيِّ) هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ( شَيْئًا مِنْ هَذَا) أَيْ مُخْتَصَرًا ( مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوجه يدل على ذلك كلام الحافظ بن كَثِيرٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ نَقْلِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ هَذَا عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مَا لَفْظُهُ كَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ عَنِ الذُّهْلِيِّ سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ زَيْدُ بْنُ زَائِدَةَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى وَحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ بِهِ مُخْتَصَرًا أَيْضًا فَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ السُّدِّيَّ ثُمَّ قَالَ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ انْتَهَى 27 - ( بَاب من فَضْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ وَهُوَ أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِينَ حَفِظُوا الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَدُ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يُفْتُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلموَكَانَ أَقْرَأَ الصَّحَابَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَنَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا الْمُنْذِرِ وَعُمَرُ أَبَا الطُّفَيْلِ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ الْأَنْصَارِ وَعُمَرُ سَيِّدَ الْمُسْلِمِينَ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ

رقم الحديث 3631 [3631] .

     قَوْلُهُ  ( وَحَانَتْ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ قَرُبَتْ ( وَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ طَلَبُواالْمَاءَ لِلْوُضُوءِ ( فَأُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( قَالَ) أَيْ أَنَسٌ ( يَنْبُعُ) بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَفُورُ وَيَخْرُجُ ( حتى توضؤوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ حَتَّى لِلتَّدْرِيجِ ومن لِلْبَيَانِ أَيْ تَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّأَ الَّذِينَ عِنْدَ آخِرِهِمْ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ جَمِيعِهِمْ قَالَ وَعِنْدَ بِمَعْنَى فِي لِأَنَّ عِنْدَ وَإِنْ كَانَتْ لِلظَّرْفِيَّةِ الْخَاصَّةِ لَكِنَّ الْمُبَالَغَةَ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ لِمُطْلَقِ الظَّرْفِيَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذِينَ هُمْ فِي آخِرِهِمْ وَقَالَ التَّيْمِيُّ الْمَعْنَى تَوَضَّأَ الْقَوْمُ حَتَّى وَصَلَتِ النَّوْبَةُ إِلَى الْآخِرِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ هُنَا بِمَعْنَى إِلَى وَهِيَ لُغَةٌ.
وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهَا شَاذَّةٌ قَالَ ثُمَّ إِنَّ إِلَى لَا يَجُوزُ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى عِنْدَ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا قَالَ التَّيْمِيُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْأَخِيرُ لَكِنْ مَا قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ مِنْ أَنَّ إِلَى لَا تَدْخُلُ عَلَى عِنْدَ لَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي مِنْ إِذَا وَقَعَتْ بِمَعْنَى إِلَى وَعَلَى تَوْجِيهِ النَّوَوِيِّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ زَائِدَةٌ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وبن مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَابَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَفِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَمُسْلِمٌ في الفضائل والنسائي في الطهارة 2 - باب

رقم الحديث 3898 [3898] .

     قَوْلُهُ  ( أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ( عَنْ عَاصِمِ) بْنِ بَهْدَلَةَ .

     قَوْلُهُ  ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ) أَيِ الشَّرِيعَةُ الْمَائِلَةُ عَنْ كُلِّ دِينٍ بَاطِلٍ فَهِيَ حَنِيفِيَّةٌ فِي التَّوْحِيدِ وَأَصْلُ الْحَنْفِ الْمَيْلُ وَالْحَنِيفُ الْمَائِلُ إِلَى الْإِسْلَامِ الثَّابِتُ عَلَيْهِ وَالْحَنِيفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ( الْمُسْلِمَةُ) أَيِ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ ( مَنْ يَعْمَلْ خَيْرًا فَلَنْ يُكْفَرَهُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَنْ يُعْدَمَ ثَوَابُهُ وَلَنْ يُحْرَمَهُ بَلْ يَشْكُرُهُ اللَّهُ لَهُ وَيُجَازِيهِ بِهِ ( وَقَرَأَ عَلَيْهِ لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ مِنْ أَبْوَابِ الزُّهْدِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ( وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إِلَخْ) وَصَلَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ( وَقَدْ رَوَى قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُبَيٍّ إِلَخْ) وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ 28 - ( بَاب فِي فَضْلِ الْأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ) الْأَنْصَارُ جَمْعُ نَصِيرٍ مِثْلُ شَرِيفٍ وَأَشْرَافٌ النَّصِيرُ النَّاصِرُ وَجَمْعُهُ نَصْرٌ مثل صاحبوَصَحْبٍ وَالْأَنْصَارُ اسْمٌ إِسْلَامِيٌّ سَمَّى بِهِ النَّبِيُّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ وَحُلَفَاءَهُمْ وَالْأَوْسُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ وَالْخَزْرَجُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ وَهُمَا ابْنَا قَيْلَةَ بِنْتِ الْأَرْقَمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَفْنَةَ وَقِيلَ قَيْلَةُ بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قُضَاعَةَ وَأَبُوهُمَا حَارِثَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ مِنَ الْيَمَنِ فَأَمَّا قُرَيْشٌ فَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ مَنْ هُوَ الَّذِي تَسَمَّى بقريش من أجداد النبي فَقَالَ الزُّبَيْرُ قَالُوا قُرَيْشٌ اسْمُ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ وَمَا لَمْ يَلِدْ فِهْرٌ فَلَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ الزُّبَيْرُ قَالَ عَمِّيَ فِهْرٌ هُوَ قُرَيْشٌ اسْمُهُ وَفِهْرٌ لَقَبُهُ وَكُنْيَةُ فِهْرٍ أَبُو غالب وهو جماع قريش وقال بن هِشَامٍ النَّضْرُ هُوَ قُرَيْشٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَيْشٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ قِيلَ قُصَيٌّ هُوَ قُرَيْشٌ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ سَمِعْتُ أَنَّ قُصَيًّا كَانَ يُقَالُ لَهُ قُرَيْشٌ وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ قُرَيْشًا قَبْلَهُ وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ حَكَاهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ عِلْمِ النَّسَبِ كَأَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَمُصْعَبٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ هُوَ النَّضْرُ وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِهْرٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَجْهِ التَّسْمِيَةِ بِقُرَيْشٍ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلًا ذَكَرَهَا الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ البخاري

رقم الحديث 3632 [3632] .

     قَوْلُهُ  ( أَوَّلُ مَا ابْتُدِئَ بِهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الِابْتِدَاءِ ( مِنَ النُّبُوَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ في باب بدأ الْوَحْيِ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ ( حِينَ أَرَادَ اللَّهُ كَرَامَتَهُ) أَيْ إِكْرَامَهُ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ التَّكْرِيمُ وَالْإِكْرَامُ بِمَعْنًى وَالِاسْمُ مِنْهُ الْكَرَامَةُ ( أَنْ لَا يَرَى شَيْئًا) أَيْ مِنَ الرُّؤْيَا ( إِلَّا جَاءَتْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَنَّثَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الرُّؤْيَا ( كَفَلَقِ الصُّبْحِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ أَيْ جَاءَتْ مَجِيئًا مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ وَالْمُرَادُ بِهِ ضِيَاؤُهُ وَنُورُهُ وَعَبَّرَ بِهِ لِأَنَّشَمْسَ النُّبُوَّةِ قَدْ كَانَتْ مَبَادِئُ أَنْوَارِهَا الرُّؤْيَا إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ أَشِعَّتُهَا وَتَمَّ نُورُهَا ( وَحُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلْوَةُ) لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْبَاعِثِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَوْ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَاعِثِ الْبَشَرِ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الْإِلْهَامِ وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الْخَلْوَةَ فَرَاغُ الْقَلْبِ لِمَا يَتَوَجَّهُ لَهُ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي 3 - باب

رقم الحديث 3899 [3899] قوله ( حدثنا أَبُو عَامِرٍ) الْعَقَدِيُّ ( عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) التَّمِيمِيِّ .

     قَوْلُهُ  ( لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ تَأَلُّفَ الْأَنْصَارِ وَتَطْيِيبَ قُلُوبِهِمْ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ حَتَّى رَضِيَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَوْلَا مَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْهِجْرَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ تَبْدِيلُهَا وَنِسْبَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى وُجُوهِ الْوِلَادِيَّةِ كَالْقُرَشِيَّةِ وَالْبِلَادِيَّةِ كَالْكُوفِيَّةِ وَالِاعْتِقَادِيَّةِ كَالسُّنِّيَّةِ وَالصِّنَاعِيَّةِ كَالصَّيْرَفِيَّةِ وَلَا شك أنه لَمْ يُرِدْ بِهِ الِانْتِقَالَ عَنْ نَسَبِ آبَائِهِ إِذْ ذَاكَ مُمْتَنِعٌ قَطْعًا وَكَيْفَ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ نَسَبًا وَأَكْرَمُهُمْ أَصْلًا وَأَمَّا الِاعْتِقَادِيُّ فَلَا مَوْضِعَ فِيهِ لِلِانْتِقَالِ إِذْ كَانَ دِينُهُ وَدِينُهُمْ وَاحِدًا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ الْجَائِزُ فِيهِمَا الِانْتِقَالُ وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ دَارَ الْأَنْصَارِ وَالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا أَمْرًا وَاجِبًا أَيْ لَوْلَا أَنَّ النِّسْبَةَ الْهِجْرِيَّةَ وَلَا يَسَعُنِي تَرْكُهَا لَانْتَقَلْتُ عَنْ هَذَا الِاسْمِ إِلَيْكُمْ وَلَانْتَسَبْتُ إِلَى دَارِكُمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُعَظِّمُ شَأْنَ الْخُؤُولَةِ وَتَكَادُ تُلْحِقُهَا بِالْعُمُومَةِ وَكَانَتْ أُمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فقد يكون ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ إِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ نِسْبَةَ الْوِلَادَةِ ( لَوْ سَلَكَ الْأَنْصَارُ وَادِيًا) أَيْ طَرِيقًا وَالْوَادِي الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ وَقِيلَ الَّذِي فِيهِ مَاءٌ وَالْمُرَادُ هُنَا الطَّرِيقُ حِسِّيًّا كَانَ أَوْ مَعْنَوِيًّا ( أَوْ شِعْبًا) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا انْفَرَجَ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَقِيلَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ قَالَالْخَطَّابِيُّ لَمَّا كَانَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الْمَرْءَ يَكُونُ فِي نُزُولِهِ وَارْتِحَالِهِ مَعَ قَوْمِهِ وَأَرْضُ الْحِجَازِ كَثِيرَةُ الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَإِذَا تَفَرَّقَتْ فِي السَّفَرِ الطُّرُقُ سَلَكَ كُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ وَادِيًا وَشِعْبًا فَأَرَادَ أَنَّهُ مَعَ الْأَنْصَارِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْوَادِي الْمَذْهَبَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ فِي واد وأنا في واد قيل أراد بِذَلِكَ حُسْنَ مُوَافَقَتِهِ إِيَّاهُمْ وَتَرْجِيحَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمْ لَمَّا شَاهَدَ مِنْهُمْ حُسْنَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَحُسْنَ الْجِوَارِ وَمَا أَرَادَ بِذَلِكَ وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ إِيَّاهُمْ فَإِنَّ مُتَابَعَتَهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مؤمن ومؤمنة لأنه هُوَ الْمَتْبُوعُ الْمُطَاعُ لَا التَّابِعُ الْمُطِيعُ

رقم الحديث 3633 [3633] قوله ( عن منصور) هو بن الْمُعْتَمِرِ ( عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخَعِيِّ ( عَنْ عَلْقَمَةَ) بْنِ قَيْسٍ ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ مَسْعُودٍ .

     قَوْلُهُ  ( تَعُدُّونَ الْآيَاتِ) أَيِ الْأُمُورَ الْخَارِقَةَ لِلْعَادَاتِ أَيِ الْآيَاتِ كُلَّهَا ( عَذَابًا) أَيْ مُطْلَقًا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا قَالَ الْحَافِظُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدَّ جَمِيعِ الْخَوَارِقِ تَخْوِيفًا وَإِلَّا فَلَيْسَ جَمِيعُ الْخَوَارِقِ بَرَكَةً فَإِنَّ التَّحْقِيقَ يَقْتَضِي عَدَّ بَعْضِهَا بَرَكَةً مِنَ اللَّهِ كَشِبَعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ مِنَ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ وَبَعْضُهَا بِتَخْوِيفٍ مِنَ اللَّهِ كَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ وَكَأَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا نُرْسِلُ بالايات إلا تخويفا ( وَإِنَّا كُنَّا نَعُدُّهَا) أَيِ الْآيَاتِ ( بَرَكَةً) أَيْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ( وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ) أي في حالة الأكل ( قال) أي بن مسعود ( وأتى) بضم الهمزة بالبناء المفعول ( بِإِنَاءٍ) أَيْ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ ( فَوَضَعَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَنْبُعُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتُفْتَحُ وَتُكْسَرُ أَيْ يَخْرُجُ مِثْلَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْعَيْنِ ( مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ) أَيْ مِنْ نَفْسِ لَحْمِهِ الْكَائِنِ بَيْنَ أَصَابِعِهِ أَوْ مِنْ بَيْنِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى رُؤْيَةِ الرَّائِي وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلْبَرَكَةِ الْحَاصِلَةِ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ ( فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَّ عَلَى الْوَضُوءِ الْمُبَارَكِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ أَيْ هَلُمُّوا إِلَى الْمَاءِ مِثْلَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ والمراد الفعل أي توضؤوا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّكُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ اطْلُبُوا فضلة من ماء فجاؤوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ ( وَالْبَرَكَةُ مِنَ السَّمَاءِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ قَالَ الْحَافِظُ الْبَرَكَةُ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِيجَادَ مِنَ اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 4 - ( بَاب مَا جَاءَ كَيْفَ كَانَ يَنْزِلُ الْوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ الْإِعْلَامُ فِي خَفَاءٍ وَفِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ إِعْلَامُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْبِيَاءَهُ الشَّيْءَ إِمَّا بِكِتَابٍ أَوْ بِرِسَالَةِ مَلَكٍ أَوْ مَنَامٍ أَوْ إلهام وقد يجيء بمعنى الأمر نحو وإذ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي وبمعنى التسخير نحو وأوحى ربك إلى النحل أَيْ سَخَّرَهَا لِهَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ اتِّخَاذُهَا مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا إِلَى آخِرِهِ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِالْإِلْهَامِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هِدَايَتُهَا لِذَلِكَ وإلا فالإلهام حقيقة إنما يكون لعاقل والإشارة نَحْوُ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُوحَى كَالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إن هو إلا وحي يوحى قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَقَعُ الْوَحْيُ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْإِلْهَامِ وَالْكَلَامِ الْخَفِيِّ يُقَالُ وَحَيْتُ إِلَيْهِ الْكَلَامَ وَأَوْحَيْتُ انْتَهَى

رقم الحديث 3901 [391] .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ .

     قَوْلُهُ  ( لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ إلا منافق) قال بن التِّينِ الْمُرَادُ حُبُّ جَمِيعِهِمْ وَبُغْضُ جَمِيعِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ لِلدِّينِ وَمَنْ أَبْغَضَ بَعْضَهُمْ لِمَعْنًى يُسَوِّغُ الْبُغْضَ لَهُ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ وَهُوَ تَقْرِيرٌ حَسَنٌ وَخُصُّوا بِهَذِهِ الْمَنْقَبَةِ الْعُظْمَى لِمَا فَازُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ القبائل من إيواء النبي وَمَنْ مَعَهُ وَالْقِيَامَةِ بِأَمْرِهِمْ وَمُوَاسَاتِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَإِيثَارِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَكَانَ صَنِيعُهُمْ لِذَلِكَ مُوجِبًا لِمُعَادَاتِهِمْ جَمِيعَ الْفِرَقِ الْمَوْجُودِينَ مِنْ عَرَبٍ وَعَجَمٍ وَالْعَدَاوَةُ تَجُرُّ الْبُغْضَ ثُمَّ كَانَ مَا اخْتُصُّوا بِهِ مِمَّا ذُكِرَ مُوجِبًا لِلْحَسَدِ وَالْحَسَدُ يَجُرُّ الْبُغْضَ فَلِهَذَا جَاءَ التَّحْذِيرُ مِنْ بُغْضِهِمْ وَالتَّرْغِيبُ فِي حُبِّهِمْ حَتَّى جُعِلَ ذَلِكَ آيَةَ الْإِيمَانِ وَالنِّفَاقِ تَنْوِيهًا بِعَظِيمِ فَضْلِهِمْ وَتَنْبِيهًا عَلَى كَرِيمِ فِعْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ مَنْ شَارَكَهُمْ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مُشَارِكًا لَهُمْ فِي الْفَضْلِ الْمَذْكُورِ كُلٌّ بِقِسْطِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النبي قَالَ لَهُ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ وَهَذَا جَارٍ بِاطِّرَادٍ فِي أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ لِتَحَقُّقِ مُشْتَرَكِ الْإِكْرَامِ لِمَا لَهُمْ مِنْ حُسْنِ الْعَنَاءِ فِي الدِّينِ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ.
وَأَمَّا الْحُرُوبُ الْوَاقِعَةُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ وَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ بُغْضٌ لِبَعْضٍ فَذَاكَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ لِلْأَمْرِ الطَّارِئِ الَّذِي اقْتَضَى الْمُخَالَفَةَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَحْكُمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالنِّفَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ حَالُهُمْ فِي ذَلِكَ حَالَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْأَحْكَامِ لِلْمُصِيبِ أَجْرَانِ وَلِلْمُخْطِئِ أَجْرٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ وَمُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ وبن مَاجَهْ فِي السُّنَّةِ .

     قَوْلُهُ  ( جَمَعَ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أموال هوازن فطفق النبي يُعْطِي رِجَالًا الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ فَقَالُوا يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تقطر من دمائهم قال أنس فحدث رسول الله بِمَقَالَتِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةِ من أَدَمٍ وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قال النبي مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ فَقَالَ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا.
وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريش وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمُ الْحَدِيثَ ( فَقَالَ هَلُمَّ) أَيْ تَعَالَوْا وَفِيهِ لُغَتَانِ فَأَهْلُ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مَبْنِيٍّ عَلَى الْفَتْحِ وَبَنُو تميم تثني وتجمع وتؤنث فنقول هلم وهلمي وهلما وهلموا ( فقال بن أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ) أَيْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِأَقْرِبَائِهِ في جميع ما يجب أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ كَنُصْرَةٍ وَمَشُورَةٍ وَمَوَدَّةٍ وَسِرٍّ لَا فِي الْإِرْثِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي شرح مسلم استدل به من يرث ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَآخَرِينَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي تَوْرِيثَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ ارْتِبَاطًا وَقَرَابَةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِرْثِ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ كَالْوَاحِدِ مِنْهُمْ فِي إِفْشَاءِ سِرِّهِمْ بِحَضْرَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى ( حَدِيثٌ) بِالتَّنْوِينِ ( عَهْدُهُمْ) بِالرَّفْعِ ( بِجَاهِلِيَّةٍ) أَيْ قَرِيبٌ زَمَانُهُمْ بِجَاهِلِيَّةٍ ( وَمُصِيبَةٍ) مِنْ نَحْوِ قَتْلِ أَقَارِبِهِمْ وَبِفَتْحِ بِلَادِهِمْ ( أَنْ أَجْبُرَهُمْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ مَنْ جَبَرْتُ الْوَهَنَ وَالْكَسْرَ إِذَا أَصْلَحْتُهُ وَجَبَرْتُ الْمُصِيبَةَ إِذَا فَعَلْتُ مَعَ صَاحِبِهَا مَا يَنْسَاهَا بِهِ ( وَأَتَأَلَّفَهُمْ) أَيْ أَطْلُبُ ألفتهم بالإسلام بإعطاء المال لالِكَوْنِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ ( أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ) أَيْ غَيْرُكُمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ( بِالدُّنْيَا) وَفِي رِوَايَةٍ بِأَمْوَالٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ

رقم الحديث 3634 [3634] .

     قَوْلُهُ  ( أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِ) بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَهُوَ أَخُو أَبِي جَهْلٍ شَقِيقُهُ وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ اسْتُشْهِدَ بِالشِّامِ فِي خِلَافَةِ عمر ( سأل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ حَضَرَتْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ مُسْنَدِهَا وَأَنْ يَكُونَ الْحَارِثُ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ مُرْسَلِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مَحْكُومٌ بِوَصْلِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ( كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ صِفَةَ الْوَحْيِ نَفْسِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ حَامِلِهِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَإِسْنَادُ الْإِتْيَانِ إِلَى الْوَحْيِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ حَقِيقَةٌ مِنْ وَصْفِ حَامِلِهِ ( أَحْيَانًا) جَمْعُ حِينَ يُطْلَقُ عَلَى كَثِيرِ الْوَقْتِ وَقَلِيلِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مُجَرَّدُ الْوَقْتِ أَيْ أَوْقَاتًا وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَعَامِلُهُ يَأْتِينِي مُؤَخَّرٌ عَنْهُ ( يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ) أَيْ يَأْتِينِي الْوَحْيُ إِتْيَانًا مِثْلَ صَوْتِ الْجَرَسِ أو مشابهاصَوْتُهُ لِصَوْتِ الْجَرَسِ وَالصَّلْصَلَةُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ فِي الْأَصْلِ صَوْتُ وُقُوعِ الْحَدِيدِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ صَوْتٍ لَهُ طَنِينٌ وَقِيلَ هُوَ صَوْتٌ مُتَدَارَكٌ لَا يُدْرَكُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَالْجَرَسُ بِفَتْحِ الجيم والمهملة الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدَّوَابِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْجَرَسِ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْحِسُّ قِيلَ وَالصَّلْصَلَةُ الْمَذْكُورَةُ صَوْتُ الْمَلَكِ بِالْوَحْيِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ صَوْتٌ مُتَدَارَكٌ يَسْمَعُهُ وَلَا يَتَبَيَّنُهُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ بَعْدُ وَقِيلَ صَوْتٌ خَفِيفٌ لِأَجْنِحَةِ الْمَلَكِ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِهِ أَنْ يَقْرَعَ سَمْعَهُ الْوَحْيُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ مُتَّسَعٌ لِغَيْرِهِ ( وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ مِنَ الْوَحْيِ أَشَدُّ أَقْسَامِهِ عَلَى فَهْمِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْفَهْمَ مِنْ كَلَامٍ مِثْلَ الصَّلْصَلَةِ أَشْكَلُ مِنَ الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ الرَّجُلِ بِالتَّخَاطُبِ الْمَعْهُودِ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الشِّدَّةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَشَقَّةِ مِنْ زِيَادَةِ الزُّلْفَى وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ ( يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا) التَّمَثُّلُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَثَلِ أَيْ يَتَصَوَّرُ وَالْلَّامُ فِي الْمَلَكِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ جِبْرَائِيلُ وَرَجُلًا مَنْصُوبٌ بِالْمَصْدَرِيَّةِ أَيْ يَتَمَثَّلُ مِثْلَ رَجُلٍ أَوْ بِالتَّمْيِيزِ أَوْ بِالْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ هَيْئَةَ رَجُلٍ ( فَأَعِيَ مَا يَقُولُ) مِنَ الْوَعْيِ أَيْ فَأَحْفَظُ الْقَوْلَ الَّذِي يَقُولُهُ ( فَيَفْصِمُ عَنْهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُقْلِعُ وَيَنْجَلِي مَا يَغْشَاهُ وَأَصْلُ الْفَصْمِ الْقَطْعُ وَمِنْهُ قَولُهُ تَعَالَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَقِيلَ الْفَصْمُ بِالْفَاءِ الْقَطْعُ بِلَا إِبَانَةٍ وَبِالْقَافِ الْقَطْعُ بِإِبَانَةٍ فَذَكَرَ بِالْفَصْمِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمَلَكَ فَارَقَهُ لِيَعُودَ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا بَقَاءُ الْعَلَقَةِ ( وِإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ) بِالْفَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ لَيَسِيلُ ( عَرَقًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مِنْ كَثْرَةِ مُعَانَاةِ التَّعَبِ وَالْكَرْبِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ إِذْ أنه أمر طارىء زَائِدٌ عَلَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 5 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ