فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في الأذان بالليل

رقم الحديث 689 [689] .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَخُو جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ .

     قَوْلُهُ  ( مَا صُمْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَمَّا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كَلِمَةُ مَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ صَوْمِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِنْ صَوْمِي ثَلَاثِينَ وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَوْصُولَةً وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ مَا صُمْتُهُ حَالَ كَوْنِهِ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِمَّا صُمْنَاهُ حَالَ كَوْنِهِ ثَلَاثِينَ فَيَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَكَذَلِكَ ثلاثين حال مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ الرَّاجِعِ إِلَى رَمَضَانَ الْمُرَادِ بِالْمَوْصُولِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ .

     قَوْلُهُ  أَكْثَرُ مَرْفُوعٌ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَشْهُرَ النَّاقِصَةَ أَكْثَرُ مِنَ الْوَافِيَةِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ كَلِمَةَ مَا الْأُولَى نَافِيَةٌ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ .

     قَوْلُهُ  أَكْثَرُ مَنْصُوبًا وَيَكُونُ الْحَاصِلُ أَنَّ النَّاقِصَ مَا كَانَ غَالِبًا عَلَى الْوَافِي فَبَعِيدٌ وَيُؤَيِّدُ هَذَا البعد ما قال الشيخ بن حَجَرٍ قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ صَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ مِنْهَا رَمَضَانَانِ فَقَطْ ثَلَاثُونَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَلَا يَقَعُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ بِاخْتِصَارٍ وحديث بن مَسْعُودٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَسَكَتَ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ عَنْهُ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ أَيْضًا.

     وَقَالَ  وَمِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ انْتَهَىقلت والظاهر أن حديث بن مَسْعُودٍ حَسَنٌ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ إلخ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ مسلم فأما حديث بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وغيره وأما حديث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي بَكْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ

رقم الحديث 690 [69] .

     قَوْلُهُ  ( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ) أَيْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِيلَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِيلَاءَ الشَّرْعِيَّ بَلِ الْمُرَادُ الْإِيلَاءُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْحَلِفُ ( فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ غُرْفَةٍ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمَشْرُبَةُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ الْغُرْفَةُ وَفِي الْقَامُوسِ الْمَشْرُبَةُ الْغُرْفَةُ أَوِ الْعُلِّيَّةُ انْتَهَى وَالْغُرْفَةُ بِالضَّمِّ وَالْعُلِّيَّةُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ مَعْنَاهُمَا بِالْفَارِسِيَّةِ برواره كَذَا فِي الصُّرَاحِ وبرواره عَلَى وَزْنِ همواره مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بالإخانة وحجرة بالاء حجرة ( الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ هَذَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَوِ الْمَعْنَى الشَّهْرُ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُهُ حَصْرُ الشَّهْرِ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ شَهْرٌ بِعَيْنِهِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ كقول بن مَسْعُودٍ مَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وقال بن الْعَرَبِيِّ مَعْنَاهُ حَصْرُهُ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ طَرَفَيْهِ أَيْ أَنَّهُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَهُوَ أَقَلُّهُ وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ أَكْثَرُهُ فَلَا تَأْخُذُوا أَنْفُسَكُمْ بِصَوْمِ الْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا وَلَا تَقْتَصِرُوا عَلَى الْأَقَلِّ تَخْفِيفًا وَلَكِنِ اجْعَلُوا عِبَادَتَكُمْ مُرْتَبِطَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً باستهلاله انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري7 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّوْمِ بِالشَّهَادَةِ)

رقم الحديث 691 [691] .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ) الدُّولَابِيُّ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ ( أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ) هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ وَقَدْ يُنْسَبُ بِجَدِّهِ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ ( جَاءَ أَعْرَابِيٌّ) أَيْ وَاحِدٌ مِنَ الْأَعْرَابِ وَهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ ( إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ) يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ يَعْنِي وَكَانَ غَيْمًا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِخْبَارَ كَافٍ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَا إِلَى الدَّعْوَى ( فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله الخ) قال بن الْمَلَكِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الشَّهَادَةِ ( أَذِّنْ فِي النَّاسِ) أَمْرٌ مِنَ التَّأْذِينِ أَيْ نَادِ فِيهِمْ وَأَعْلِمْهُمْ .

     قَوْلُهُ  ( وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ سِمَاكٍ رَوَوْا عَنْ سِمَاكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا) .

     وَقَالَ  النَّسَائِيُّ إِنَّهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَسِمَاكٌ إِذَا تَفَرَّدَ بِأَصْلٍ لَمْ يكن حجة كذا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ.

     وَقَالَ  فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ رواه الخمسة وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ إِرْسَالَهُ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَبِهِ يقول بن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ( وَأَحْمَدُ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ في الفتح واستدلوا بحديث الباب وبحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ رَوَاهُ أبو داود وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ( وَقَالَ إِسْحَاقُ لَا يُصَامُ إِلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خَطَبَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي شَكَّ فِيهِ فَقَالَ أَلَّا إِنِّي جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلْتُهُمْ أَنَّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَنْسِكُوا لَهَا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مُسْلِمَانِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَدْحًا وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَمِيرِ مَكَّةَ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن نَنْسُكَ لِلرُّؤْيَةِ فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالَّداَرُقْطِنُّي.

     وَقَالَ  هَذَا إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِقَبُولِ شَهَادَةِ رَجُلٍ فِي الصِّيَامِ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثِينَ بِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالِاثْنَيْنِ غَايَةُ مَا فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ قَبُولِ الْوَاحِدِ بِالْمَفْهُومِ وَحَدِيثَ بن عباس وحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى قَبُولِهِ بِالْمَنْطُوقِ وَدَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ أَرْجَحُ ( وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْإِفْطَارِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ عَدْلٍ وَاحِدٍ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَجَوَّزَهُ بِعَدْلٍ انْتَهَى وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ في الأوسط من طريق طاؤس قال شهدت المدينة وبها بن عمر وبن عَبَّاسٍ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَيَّ وَالِيهَا وَشَهِدَ عِنْدَهُ على رؤية هلال شهر رمضان فسأل بن عمر وبن عَبَّاسٍ عَنْ شَهَادَتِهِ فَأَمَرَاهُ أَنْ يُجِيزَهُ.

     وَقَالَ ا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجَازَ شَهَادَةَ وَاحِدٍ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَكَانَ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْإِفْطَارِ إِلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْأَيْلِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الْإِفْطَارِ قُلْتُ أَصْلُ الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ الْمَذْكُورَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ فَصُومُوا وَأَفْطَرُوا فِي حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَقَوْلَهُ فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ يَدُلَّانِ بِمَفْهُومِهِمَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الْإِفْطَارِ وَلَا يُعَارِضُهُ مَنْطُوقٌ بل منطوق حديث بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا يُؤَيِّدُهُمَا ( بَاب مَا جَاءَ شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ)

رقم الحديث 692 [692] .

     قَوْلُهُ  ( رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ) بَدَلَانِ وَبَيَانَانِ أُطْلِقَ عَلَى رَمَضَانَ أَنَّهُ شَهْرُ عِيدٍ لِقُرْبِهِ مِنَ الْعِيدِ وَنَظِيرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبُ وِتْرُ النهار أخرجه الترمذي من حديث بن عُمَرَ وَصَلَاةُ الْمَغْرِبِ لَيْلِيَّةٌ جَهْرِيَّةٌ وَأَطْلَقَ كَوْنَهَا وِتْرَ النَّهَارِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ قَالَهُ الْحَافِظُ .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فالظاهر أنه صحيح ( قال أحمد) أي بن حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إِنْ نَقَصَ أَحَدُهُمَا تَمَّ الْآخَرُ) أَيْ إِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ جاء الاخر ثلاثين ( وقال إسحاق) أي بن راهويه رحمه الله وإن كان تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَهُوَ تَمَامٌ غَيْرُ نُقْصَانٍ أَيْ فَهُوَ تَامٌّ فِي الْفَضِيلَةِ غَيْرُ نَاقِصٍ ( وَعَلَى مَذْهَبِ إِسْحَاقَ يَكُونُ يَنْقُصُ الشَّهْرَانِ مَعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِ إِسْحَاقَ يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَا مَعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.

     وَقَالَ  أَبُو الْحَسَنِ كَانَ إِسْحَاقُ بن رَاهَوَيْهِ يَقُولُ لَا يَنْقُصَانِ فِي الْفَضِيلَةِ إِنْ كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ انْتَهَى وَذَكَرَ بن حِبَّانَ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَإِسْحَاقُ وَالْآخَرُ أَنَّهُمَا فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْعَامُ الَّذِي قَالَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَا يَنْقُصَانِ فِي الْأَحْكَامِ وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَبِلَهُ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ مَعْنَى لَا يَنْقُصَانِ أَيِ الْأَحْكَامُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَتَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ مُتَكَامِلَةٌ غَيْرُ نَاقِصَةٍ عَنْ حُكْمِهِمَا إِذَا كَانَا ثَلَاثِينَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ رُبَّمَا حَالَ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَانِعٌ وَهَذَا أَشَارَ إليه بن حِبَّانَ أَيْضًا وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ مَعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى طَرِيقِ الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ وَإِنْ نَدَرَ وُقُوعُ ذَلِكَ وَهَذَا أَعْدَلُ مِمَّا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا وُجِدَ وُقُوعُهُمَا وَوُقُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ هَذَا تَلْخِيصُ مَا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا وَالثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِمَا وإن نقص عددهما وقيل معنا لَا يَنْقُصَانِ جَمِيعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَالِبًا وَقِيلَ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُ ذِي الْحِجَّةِ عَنْ ثَوَابِ رَمَضَانَ لَأَنَّهُ فِيهِ الْمَنَاسِكُ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تقدم من ذنبه وقوله من قام رمضانا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذِهِ الْفَضَائِلِ تَحْصُلُ سَوَاءٌ تَمَّ عَدَدُ رَمَضَانَ أَمْ نَقَصَ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( بَاب مَا جَاءَ لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ)

رقم الحديث 693 [693] .

     قَوْلُهُ  ( بَعَثَتْهُ) أَيْ كُرَيْبًا ( وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ) بِضَمِّ التَّاءِ مِنَ اسْتَهَلَّ قَالَهُ النَّوَوِيُّ يَعْنِي بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( فَرَأَيْنَا الْهِلَالَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ ( فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِفَقُلْتُ رَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ ( فَقَالَ لَكِنْ رأيناه) أي فقال بن عَبَّاسٍ لَكِنْ رَأَيْنَاهُ ( حَتَّى نُكْمِلَ) مِنَ الْإِكْمَالِ أَوِ التَّكْمِيلِ ( فَقُلْتُ أَلَّا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ قَالَ لَا إلخ) هَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ وَلَا تَكْفِي رُؤْيَةُ أَهْلِ بَلَدٍ لِأَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَعُمُّ النَّاسَ بَلْ تَخْتَصُّ بِمَنْ قَرُبَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَقِيلَ إِنِ اتَّفَقَ الْمَطْلَعُ لَزِمَهُمْ وَإِنِ اتَّفَقَ الْإِقْلِيمُ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَعُمُّ الرُّؤْيَةُ فِي مَوْضِعٍ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ فَعَلَى هَذَا تَقُولُ إِنَّمَا لَمْ يَعْمَلِ بن عَبَّاسٍ بِخَبَرِ كُرَيْبٍ لَأَنَّهُ شَهَادَةٌ فَلَا تَثْبُتُ بِوَاحِدٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ لِهَذَا وَإِنَّمَا رَدَّهُ لَأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا فِي حَقِّ الْبَعِيدِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ  ( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهل العلم أن لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ) ظَاهِرُ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ أَحَدُهَا لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ وفي صحيح مسلم من حديث بن عباس ما يشهد له وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ ثَانِيهَا مُقَابِلُهُ إِذَا رُؤِيَ بِبَلْدَةٍ لَزِمَ أَهْلَ الْبِلَادِ كُلِّهَا وَهُوَ المشهور عند المالكية لكن حكى بن عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ.

     وَقَالَ  أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُرَاعَى الرُّؤْيَةُ فِيمَا بَعُدَ مِنَ الْبِلَادِ كَخُرَاسَانَ وَالْأَنْدَلُسِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَدْ قَالَ شُيُوخُنَا إِذَا كَانَتْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ ظَاهِرَةً قَاطِعَةً بِمَوْضِعٍ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى غَيْرِهِمْ بِشَهَادَةِ اثنين لزمهم الصوم وقال بن الْمَاجِشُونِ لَا يَلْزَمُهُمْ بِالشَّهَادَةِ إِلَّالِأَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَيَلْزَمُ النَّاسَ كُلَّهُمْ لَأَنَّ الْبِلَادَ فِي حَقِّهِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ إِذْ حُكْمُهُ نَافِذٌ فِي الْجَمِيعِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ تَقَارَبَتِ الْبِلَادُ كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا وَإِنْ تَبَاعَدَتْ فَوَجْهَانِ لَا يَجِبُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَاخْتَارَ أَبُو الطَّيِّبِ وَطَائِفَةٌ الْوُجُوبَ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَفِي ضَبْطِهِ الْبُعْدَ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ ثَانِيهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ الْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ثَالِثُهَا اخْتِلَافُ الْأَقَالِيمِ رَابِعُهَا حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فَقَالَ يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدٍ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهُمْ بِلَا عارض دون غيرهم خامسها قول بن مَاجِشُونَ الْمُتَقَدِّمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ حَدِيثُ بن عباس الذي يشهد القول الأول أخرجه الجماعة إلا البخاري وبن مَاجَهْ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَقُلْتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ الثَّلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ أَلَّا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَافِظُ مَا لَفْظُهُ وَحُجَّةُ أَهْلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ حَدِيثُ كُرَيْبٍ هَذَا وَوَجْهُ الاحتجاج به أن بن عَبَّاسٍ لَمْ يَعْمَلْ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الشَّامِ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِ الْحَدِيثِ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَهْلَ بَلَدٍ الْعَمَلُ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُجَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي الْمَرْفُوعِ مِنْ رواية بن عَبَّاسٍ لَا فِي اجْتِهَادِهِ الَّذِي فَهِمَ عَنْهُ النَّاسُ وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ .

     قَوْلُهُ  فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ وَالْأَمْرُ الْكَائِنُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ نَاحِيَةٍ عَلَى جِهَةِ الِانْفِرَادِ بَلْ هُوَ خِطَابٌ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى لُزُومِ رُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ أَظْهَرُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ إِذَا رَآهُ أَهْلُ بَلَدٍ فَقَدْ رَآهُ الْمُسْلِمُونَ فَيَلْزَمُ غَيْرَهُمْ مَا لَزِمَهُمْ وَلَوْ سلم توجه الاشارة في كلام بن عَبَّاسٍ إِلَى عَدَمِ لُزُومِ رُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ لِأَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ لَكَانَ عَدَمُ اللُّزُومِ مُقَيَّدًا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْقُطْرَيْنِ مِنَ الْبُعْدِ مَا يَجُوزُ مَعَهُ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِوعدم عمل بن عَبَّاسٍ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الشَّامِ مَعَ عَدَمِ الْبُعْدِ الَّذِي يُمْكِنُ مَعَهُ الِاخْتِلَافُ عَمَلٌ بِالِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ لُزُومِ التَّقْيِيدِ بِالْعَقْلِ فَلَا يُشَكُّ أَنَّ الْأَدِلَّةَ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ أَهْلَ الْأَقْطَارِ يَعْمَلُ بَعْضُهُمْ بِخَبَرِ بَعْضٍ وَشَهَادَتُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالرُّؤْيَةُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ الْقُطْرَيْنِ مِنَ الْبُعْدِ مَا يَجُوزُ مَعَهُ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ أَمْ لَا فَلَا يُقْبَلُ التَّخْصِيصُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلَوْ سُلِّمَ صَلَاحِيَةُ حَدِيثِ كُرَيْبٍ هَذَا لِلتَّخْصِيصِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ إِنْ كَانَ النَّصُّ مَعْلُومًا أَوْ عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ معلوما لو رووه على خلاف القياس ولم يأت بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِمَعْنَى لَفْظِهِ حَتَّى نَنْظُرَ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ إِنَّمَا جَاءَ بِصِيغَةٍ مُجْمَلَةٍ أَشَارَ بِهَا إِلَى قِصَّةٍ هِيَ عَدَمُ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ ذَلِكَ الْمُرَادَ وَلَمْ نَفْهَمْ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ حَتَّى نَجْعَلَهُ مُخَصِّصًا لِذَلِكَ الْعُمُومِ فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْ ذَلِكَ الْوَارِدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَعَدَمُ الْإِلْحَاقِ بِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْعَمَلُ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الشَّامِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ لا تعقلها وَلَوْ تَسَلَّمَ صِحَّةُ الْإِلْحَاقِ وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَحِلَّاتِ الَّتِي بَيْنَهَا مِنَ الْبُعْدِ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ أَوْ أَكْثَرُ.
وَأَمَّا فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا وَهَذَا ظَاهِرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ مَا دَلِيلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى اعْتِبَارِ الْبَرِيدِ أَوِ النَّاحِيَةِ أَوِ الْبَلَدِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْعَمَلِ بِالرُّؤْيَةِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّهُ إِذَا رَآهُ أَهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ أَهْلَ الْبِلَادِ كُلِّهَا ولا يلتفت إلى ما قاله بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ قَالَ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُرَاعَى الرُّؤْيَةُ فِيمَا بَعُدَ مِنَ الْبُلْدَانِ كَخُرَاسَانَ وَالْأَنْدَلُسِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَتِمُّ وَالْمُخَالِفُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ فَتَفَكَّرْ وَتَأَمَّلْ - ( بَاب مَا جَاءَ مَا يُسْتَحَبُّ عَلَيْهِ الْإِفْطَارُ)

رقم الحديث 695 [695] .

     قَوْلُهُ  ( مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلِيُفْطِرْ عَلَيْهِ) الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابٌ يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى قَالَ سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا إلخ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّالْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلْيُفْطِرْ عَلَى الْمَاءِ لَيْسَ على الوجوب وقد شذ بن حَزْمٍ فَأَوْجَبَ الْفِطْرَ عَلَى التَّمْرِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَاءِ انْتَهَى ( فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ) أَيْ بَالِغٌ فِي الطَّهَارَةِ فَيُبْتَدَأُ بِهِ تَفَاؤُلًا بِطَهَارَةِ الظَّاهِرِ والباطن قال الطيبي لأنه مزيل المانع من أداء العباد وَلِذَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ ( وَأَنْزَلْنَا من السماء ماء طهورا) كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ .

     قَوْلُهُ  ( وَهُوَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ) فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ بِرِوَايَتِهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فَرَوَوْهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أصحاب عاصم الأحول كسفيان الثوري وبن عيينة وغيرهما قوله ( وبن عَوْنٍ يَقُولُ عَنْ أُمِّ الرَّائِحِ بِنْتِ صُلَيْعٍ الخ) يعني أن بن عَوْنٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أُمِّ الرَّائِحِ بِنْتِ صُلَيْعٍ مَكَانَ عَنِ الرَّبَابِ وَالرَّبَابُ لَيْسَتْ غَيْرَ أُمِّ الرَّائِحِ بَلْ هُمَا وَاحِدَةٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الرَّبَابُ بِفَتْحِ أَوَّلِهَا وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهَا مُوَحَّدَةٌ بِنْتُ صُلَيْعٍ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرَةً الضَّبِّيَّةُ الْمِصْرِيَّةُ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الرَّبَابُ بِنْتُ صُلَيْعٍ أُمُّ الرَّائِحِ عَنْ عمها سليمان بْنِ عَامِرٍ وَعَنْهَا حَفْصَةُ بِنْتُسِيرِينَ .

     قَوْلُهُ  ( إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِفْطَارِ بِالتَّمْرِ فَإِنْ عُدِمَ فَبِالْمَاءِ وَلَكِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ الْآتِيَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ أَوْلَى مِنَ الْيَابِسِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ إِنْ وُجِدَ وَإِنَّمَا شُرِعَ الْإِفْطَارُ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُ حُلْوٌ وَكُلُّ حُلْوٍ يُقَوِّي الْبَصَرَ الَّذِي يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْمُنَاسَبَةِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْحُلْوَ يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيُرِقُّ الْقَلْبَ وَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ كَوْنَهُ حُلْوًا وَالْحُلْوُ لَهُ ذَلِكَ التَّأْثِيرُ فَيَلْحَقُ بِهِ الْحُلْوِيَّاتُ كلها قاله الشوكاني وغيره وقال بن الْمَلَكِ الْأَوَّلُ أَنْ تُحَالَ عِلَّتُهُ إِلَى الشَّارِعِ انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ أَوْلَى

رقم الحديث 696 [696] .

     قَوْلُهُ  ( يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ) أَيِ الْمَغْرِبَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ.
وَأَمَّا مَا صَحَّ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا بِرَمَضَانَ يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إِلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهُوَ لِبَيَانِ جَوَازِ التَّأْخِيرِ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُ التَّعْجِيلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُفْطِرُ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَأَنَّهُمَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا تَمْرٌ وَلَا مَاءٌ أَوْ كَانَا غَيْرَ مُعْتَكِفَيْنِ وَرَأَيَا الْأَكْلَ وَالشَّرَابَ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ مَكْرُوهَيْنِ لَكِنَّ إِطْلَاقَ الْأَحَادِيثِ ظَاهِرٌ فِي اسْتِثْنَاءِ حَالِ الْإِفْطَارِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ ( فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ) بِالرَّفْعِ ( فَتُمَيْرَاتٌ) بِالتَّصْغِيرِ مَجْرُورٌ وَمَرْفُوعٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثُ رُطَبَاتٍ وَثَلَاثُ تُمَيْرَاتٍ قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ ( حَسَا حَسَوَاتٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَوْ شَرِبَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحُسْوَةُ بِالضَّمِّ الْجَرْعَةُ مِنَ الشَّرَابِ بِقَدْرِ مَا يُحْسَى مَرَّةً وَاحِدَةً وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِفْطَارِ بِالرُّطَبِ فَإِنْ عدم فبالتمرفإن عدم فبالماء قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ السُّنَّةُ بِمَكَّةَ تَقْدِيمُ مَاءِ زَمْزَمَ عَلَى التَّمْرِ أَوْ خَلْطُهُ بِهِ فَمَرْدُودٌ بِأَنَّهُ خِلَافُ الِاتِّبَاعِ وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ عَامَ الْفَتْحِ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ خَالَفَ عَادَتَهُ الَّتِي هِيَ تَقْدِيمُ التَّمْرِ عَلَى الْمَاءِ وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ ميركُ وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَلَفْظُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى ثَلَاثِ تَمَرَاتٍ أَوْ شَيْءٍ لَمْ تُصِبْهُ النَّارُ 1 - ( بَاب ما جاء الصوم يوم تفطرون) إلخ

رقم الحديث 697 [697] .

     قَوْلُهُ  ( الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ إلخ) هَذَا الْحَدِيثُ رواه أبو داود وبن مَاجَهْ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا الصَّوْمَ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِلَفْظِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا.

     وَقَالَ  وَقْفُهُ عَلَيْهَا هِيَ الصَّوَابُ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ.

     وَقَالَ  الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعِظَمِ النَّاسِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الظَّاءِ أَيْ كَثْرَةِ النَّاسِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ إِنَّ الْخَطَأَ مَرْفُوعٌ عَنِ النَّاسِ فِيمَا كَانَ سَبِيلُهُ الِاجْتِهَادَ فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا اجْتَهَدُوا فَلَمْ يرواالْهِلَالَ إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثِينَ فَلَمْ يُفْطِرُوا حَتَّى اسْتَوْفَوُا الْعَدَدَ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّهْرَ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَإِنَّ صَوْمَهُمْ وَفِطْرَهُمْ مَاضٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ وِزْرِ أَوْ عَيْبٍ وكذلك هذا في الحج إذا أخطأوا يَوْمَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِعَادَتُهُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَقِيلَ فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ لَا يُصَامُ احْتِيَاطًا وَإِنَّمَا يَصُومُ يَوْمَ يَصُومُ النَّاسُ وَقِيلَ فِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَنْ عَرَفَ طُلُوعَ الْقَمَرِ بِتَقْدِيرِ حِسَابِ الْمَنَازِلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَصُومَ بِهِ وَيُفْطِرَ دُونَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَقِيلَ إِنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ وَلَمْ يَحْكُمِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ أَنَّ هَذَا لا يكون هذا صَوْمًا لَهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْأَخِيرِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ إِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ الشَّهْرِ حُكْمُ النَّاسِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَإِنْ خَالَفَ مَا تَيَقَّنَهُ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ لِلْجُمْهُورِ فَقَالُوا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حُكْمُ نَفْسِهِ فِيمَا تَيَقَّنَهُ وَفَسَّرُوا الْحَدِيثَ بِمِثْلِ مَا ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَقِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ إِنَّهُ إِخْبَارٌ بِأَنَّ النَّاسَ يَتَحَزَّبُونَ أَحْزَابًا وَيُخَالِفُونَ الْهَدْيَ النَّبَوِيَّ فَطَائِفَةٌ تَعْمَلُ بِالْحِسَابِ وَعَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ وَطَائِفَةٌ يُقَدِّمُونَ الصَّوْمَ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَجَعَلُوا ذَلِكَ شِعَارًا وَهُمُ الْبَاطِنِيَّةُ وَبَقِيَ عَلَى الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ الْفِرْقَةُ الَّتِي لَا تَزَالُ ظَاهِرَةً عَلَى الْحَقِّ فَهِيَ الْمُرَادَةُ بِلَفْظِ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ وَهِيَ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الْعَدَدِ كَذَا فِي النَّيْلِ 2 - ( بَاب مَا جَاءَ إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النهار) الخ

رقم الحديث 698 [698] .

     قَوْلُهُ  ( إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ) أَيْ ظَلَامُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ ( وَأَدْبَرَ النَّهَارُ) أَيْ ضِيَاؤُهُ مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ ( وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ) أَيْ غَابَتْ كُلُّهَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ مَعَ الاستغناء عنه لبيان كمال الغروب كيلا يُظَنَّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِفْطَارُ لِغُرُوبِ بَعْضِهَا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَلَازِمَةً فِي الْأَصْلِ لَكِنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الْأَصْلِ غَيْرَ مُتَلَازِمَةٍ فَقَدْ يُظَنُّ إِقْبَالُ اللَّيْلِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَلَا يَكُونُ إِقْبَالُهُ حَقِيقَةً بَلْ لِوُجُودِ أَمْرٍ يُغَطِّي ضَوْءَ الشَّمْسِ وَكَذَلِكَ إِدْبَارُ النَّهَارِ فَمِنْ ثَمَّ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَغَرَبَتِ الشَّمْسُإِشَارَةً إِلَى اشْتِرَاطِ تَحَقُّقِ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ وَأَنَّهُمَا بِوَاسِطَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ انْتَهَى ( فَقَدْ أَفْطَرْتَ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْفِطْرِ كَمَا يُقَالُ أَنْجَدَ إِذَا أَقَامَ بِنَجْدٍ وَأَتْهَمَ إِذَا أَقَامَ بِتِهَامَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَقَدْ صَارَ مُفْطِرًا فِي الْحُكْمِ لِكَوْنِ الليل ليس ظرفا للصيام الشرعي وقد رد هذا الاحتمال بن خُزَيْمَةَ وَأَوْمَأَ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ فَقَالَ .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ لَفْظُ خَبَرٍ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَيْ فَلْيُفْطِرِ الصَّائِمُ وَرَجَّحَ الْحَافِظُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ بِرِوَايَةِ شُعْبَةَ بِلَفْظِ فَقَدْ حَلَّ الْإِفْطَارُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الْإِخْبَارُ عَلَى الْإِنْشَاءِ إِظْهَارًا لِلْحِرْصِ عَلَى وُقُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ انْتَهَى قوله ( وفي الباب عن بن أبي أوفى وأبي سعيد) أما حديث بن أَبِي أَوْفَى فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ في صحيحه تعليقا من فعله بلفظ وأفطر أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ حِينَ غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ منصور وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ فَأَفْطَرَ وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 3 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ)