فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام

رقم الحديث 1463 [1463] .

     قَوْلُهُ  ( لَا يُجْلَدُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَرُوِيَ بِصِيغَةِ النَّهْيِ مَجْزُومًا ( فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ) وَفِي رِوَايَةٍ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَوْقَ عَشْرِ ضَرْبَاتٍ ( إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا وَرَدَ عَنِ الشارع مقدرا بعدد مخصوص كحد الزنى وَالْقَذْفِ وَنَحْوِهِمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ هُنَا عُقُوبَةُ الْمَعْصِيَةِ مُطْلَقًا لَا الْأَشْيَاءُ الْمَخْصُوصَةُ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّخْصِيصَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَعَرَّفَ الشَّرْعُ إِطْلَاقَ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ عُقُوبَةٍ لِمَعْصِيَةٍ من المعاصي كبيرة أو صغيرة ونسب بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَى بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ له وإليها ذهب بن الْقَيِّمِ.

     وَقَالَ  الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْمَذْكُورِ فِي التَّأْدِيبِ لِلْمَصَالِحِ كَتَأْدِيبِ الْأَبِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الشَّارِعَ يُطْلِقُ الْحُدُودَ عَلَى الْعُقُوبَاتِ الْمَخْصُوصَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِنَّ أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ.

قُلْتُ وَقَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِي بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجُلِدَ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ .

     قَوْلُهُ  ( وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ .

     قَوْلُهُ  ( وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّعْزِيرِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَدْلُولِ هَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْلُغُ أَدْنَىالْحُدُودِ وَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِحَدِّ الْحُرِّ أَوِ الْعَبْدِ قَوْلَانِ وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يُسْتَنْبَطُ كُلُّ تَعْزِيرٍ مِنْ جِنْسِ حَدِّهِ وَلَا يُجَاوِزُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَقَالَ الْبَاقُونَ هُوَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى لَا تَجْلِدْ فِي التَّعْزِيرِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَعَنْ عُثْمَانَ ثَلَاثِينَ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بلغ بالسوط مائة وكذا عن بن مَسْعُودٍ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَطَاءٍ لَا يُعَزَّرُ إِلَّا مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَمَنْ وَقَعَ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً مَعْصِيَةٌ لَا حَدَّ فِيهَا فَلَا يُعَزَّرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَبْلُغُ أربعين وعن بن أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسٍ وَتِسْعِينَ جَلْدَةً وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَبْلُغُ ثَمَانِينَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَقُّ الْعَمَلُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي بُرْدَةَ وَلَيْسَ لِمَنْ خَالَفَهُ مُتَمَسِّكٌ يَصْلُحُ لِلْمُعَارَضَةِ وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ فَنَقَلَ عَنِ الْجُمْهُورِ عَدَمَ الْقَوْلِ بِهِ وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ نَهْرُ اللَّهِ بطل نهر معقل فَلَا يَنْبَغِي لِمُنْصِفٍ التَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِ أَحَدٍ عِنْدَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوا كُلَّ قَوْلٍ عِنْدَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فما امن في دينه كمخاطرمُحَدَّدٌ رَأْسُهَا وَقَدْ لَا يُحَدَّدُ وَقَوَّى هَذَا الْأَخِيرَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّهُ المشهور وقال بن التِّينِ الْمِعْرَاضُ عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ يَرْمِي الصَّائِدُ بِهَا الصَّيْدَ فَمَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَهُوَ ذَكِيٌّ فَيُؤْكَلُ وَمَا أَصَابَ بِغَيْرِ حَدِّهِ فَهُوَ وَقِيذٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( مَا خَزَقَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا قَافٌ أَيْ نَفَذَ يُقَالُ سَهْمٌ خَازِقٌ أَيْ نَافِذٌ ( وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ بِغَيْرِ طَرَفِهِ الْمُحَدَّدِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ حِلُّ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ( وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ