شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد - الحديث رقم 15

رقم الحديث 15 قوله [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ] يعني من كان يؤمن الإيمان الكامل المنجي من عذاب الله الموصل إلى رضوان الله [ فليقل خيرا أو ليصمت ] لأن من آمن بالله حق إيمانه خاف وعيده ورجا ثوابه واجتهد في فعل ما أمر به وترك ما نهي عنه وأهم ما عليه من ذلك : ضبط جوارحه التي هي رعاياه وهو مسئول عنها كما قال تعالى { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } وقال تعالى { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } وآفات اللسان كثيرة وكذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم [ هل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ] وقال : [ كل كلام ابن آدم عليه إلا ذكر الله تعالى وأمر بمعروف ونهي عن منكر ] فمن علم ذلك وآمن به حق إيمانه اتقى الله في لسانه فلا يتكلم إلا بخير أو يسكت قال بعض العلماء : جماع آداب الخير يتفرع من أربعة أحاديث : ذكر منها قوله صلى الله عليه و سلم [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ] قال أهل اللغة : يقال صمت يصمت - بضم الميم - صمتا وصموتا وصماتا وقال بعضهم في معنى هذا الحديث : إذا أراد الإنسان أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيرا محققا يثاب عليه فليتكلم وإلا فليمسك عن الكلام سواء ظهر أنه حرام أو مكروه أو مباح فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورا بتركه مندوبا إلى الإمساك عنه مخافة أن ينجر إلى المحرم أو المكروه وقد يقع ذلك كثيرا قال الله تعالى { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } واختلف العلماء في أنه هل يكتب على الإنسان جميع ما يلفظ به وإن كان مباحا أو لا يكتب عليه إلى ما فيه الجزاء من ثواب أو عقاب ؟ وإلى القول الثاني ذهب ابن عباس وغيره فعلى هذا تكون الآية الكريمة مخصوصة أي : ما يلفظ من قول يترتب عليه جزاء وقوله صلى الله عليه و سلم [ فليكرم جاره فليكرم ضيفه ] فيه تعريف لحق الجار والضيف وبرهما وحث على حفظ الجوارح وقد أوصى الله تعالى في كتابه بالإحسان إلى الجار وقال صلى الله عليه و سلم [ ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ] والضيافة من الإسلام وخلق النبيين والصالحين وقد أوجبها بعض العلماء وأكثرهم على أنها من مكارم الأخلاق وقال صاحب الإفصاح : في هذا الحديث من الفقه أن يعتقد الإنسان أن إكرام الضيف عبادة لا ينقصها أن يضيف غنيا ولا يغيرها أن يقدم إلى ضيفه اليسر مما عنده فإكرامه أن يسارع إلى البشاشة في وجهه ويطيب الحديث له وعماد أمر الضيافة إطعام الطعام فينبغي أن يبادر بما فتح الله من غير كلفة وذكر كلاما في الضيافة ثم قال : وأما قوله [ فليقل خيرا أو ليصمت ] فإنه يدل على أن قول الخير خير من الصمت والصمت خير من قول الشر وذلك أنه أمره بلام الأمر لقول الخير وبدأ به على الصمت ومن قول الخير : الإبلاغ عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه و سلم وتعليم المسلمين والأمر بالمعروف عن علم وإنكار المنكر عن علم والإصلاح بين الناس وأن يقول للناس حسنا ومن أفضل الكلمات كلمة حق عند من يخاف ويرجى في ثبات وسداد