فهرس الكتاب

- باب من قال إن الإيمان هو العمل

رقم الحديث 27 [27] حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَىَّ.
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا.
فَقَالَ «أَوْ مُسْلِمًا».
فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا».
ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ «يَا سَعْدُ، إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ».
وَرَوَاهُ يُونُسُ وَصَالِحٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
[الحديث طرفه في: 1478] .
وبسندي الذي قدّمته أول هذا التعليق إلى المؤلف قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي ( قال أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا ( شعيب) هو ابن أبي حمزة الأموي ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( قال أخبرني) بالإفراد ( عامر بن سعد بن أبي وقاص) بتشديد القاف وسعد بسكون العين واسم أبي وقاص مالك القرشي المتوفى بالمدينة سنة ثلاث أو أربع ومائة ( عن) أبيه ( سعد) المذكور أحد العشرة المبشرة بالجنة المتوفى آخرهم بقصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة سنة سبع وخمسين، وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة ودفن بالبقيع، وله في البخاري عشرون حديثًا ( رضي الله عنه) .
( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى رهطاً) من المؤلفة شيئاً من الدنيا لما سألوه كما عند الإسماعيلي ليتألفهم لضعف إيمانهم، والرهط: العدد من الرجال لا امرأة فيهم من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو مما دون العشرة ولا واحد له من لفظه، وجمعه أرهط وأراهط وأرهاط وأراهيط.
( وسعد جالس) جملة اسمية وقعت حالاً ولم يقل أنا جالس كما هو الأْصل، بل جرّد من نفسه شخصًا وأخبر عنه ْبالجلوس أو هو من باب الالتفات من التكلم الذي هو مقتضى المقام إلى الغيبة كما هو قول صاحب المفتاح.
قال سعد: ( فترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً) سأله أيضًا مع كونه أحب إليه ممن أعطى وهو جعيل بن سراقة الضمري المهاجري ( هو أعجبهم إليّ) أي أفضلهم وأصلحهم في اعتقادي، والجملة نصب صفة لرجلاً، وكان السياق يقتضي أن يقول أعجبهم إليه لأنه قال وسعد جالس، بل قال إليَّ على طريق الالتفات من الغيبة إلى التكلم ( فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان) أي أيّ سبب لعدولك عنه إلى غيره؟ ولفظ فلان كناية عن اسم أبهم بعد أن ذكر ( فوالله إني لأراه مؤمنًا) بفتح الهمزة أي أعلمه.
وفي رواية أبي ذر وغيره هنا كالزيادة لأراه بضمها بمعنى أظنه وبه جزم القرطبي في المفهم، وعبارته الرواية بضم الهمزة وكذا رواه الإسماعيلي وغيره.
ولم يجوزه النووي محتجًا بقوله الآتي، ثم غلبني ما أعلم منه لأنه راجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرارًا فلو لم يكن جازمًا باعتقاده لما كررالمراجعة.
وتعقب بأنه لا دلالة فيه على تعين الفتح لجواز إطلاق العلم على الظن الغالب نحو قوله تعالى: { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] .
أي العلم الذي يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات، وإنما سماه علمًا إيذانًا بأنه كالعلم في وجوب العمل به كما قاله البيضاوي.
وأجيب بأن قسم سعد وتأكيد كلامه بإن واللام ومراجعته للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتكرار نسبة العلم إليه يدل على أنه كان جازمًا باعتقاده ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي رواية الأصيلي وابن عساكر قال: ( أو مسلمًا) بسكون الواو فقط بمعنى الإضراب على قول سعد وليس الإضراب هنا بمعنى إنكار كون الرجل مؤمنًا بل معناه النهي عن القطع بإيمان من لم يختبر حاله الخبرة الباطنة لأن الباطن لا يطّلع عليه إلا الله فالأولى التعبير بالإسلام الظاهر بل في الحديث إشارة إلى إيمان المذكور وهي قوله لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه قال سعد: ( فسكت) سكوتًا ( قليلاً ثم غلبني ما) أي الذي ( أعلم منه فعدت) أي فرجعت ( لمقالتي) مصدر ميمي بمعنى القول أي لقولي وثبت لأبي ذر وابن عساكر فعدت وسقط للأصيلي وأبي الوقت لفظ لمقالتي ( فقلت) يا رسول الله ( ما لك عن فلان فوالله إني لأراه) باللام وضم الهمزة وكذا رواه ابن عساكر ورواه أبو ذر أراه ( مؤمنًا فقال) عليه الصلاة والسلام ( أو مسلمًا فسكت) سكوتًا ( قليلاً) وسقط للحموي قوله فسكت قليلاً ( ثم غلبني ما) أي الذي ( أعلم منه فعدت لمقالتي وعاد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وليس في رواية الكشميهني إعادة السؤال ثانيًا ولا الجواب عنه وإنما لم يقبل عليه الصلاة والسلام قول سعد في جعيل لأنه لم يخرج مخرج الشهادة وإنما هو مدح له وتوسل في الطلب لأجله ولهذا ناقشه في لفظه نعم في الحديث نفسه ما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام قبل قوله فيه وهو قوله ( ثم قال) لمجيب مرشدًا له إلى الحكمة في إعطاء أولئك وحرمان جعيل مع كونه أحب إليه ممّن أعطاه ( يا سعد إني لأعطي الرجل) الضعيف الإيمان العطاء أتألف قلبه به ( وغيره أحب إليّ منه) جملة حالية وفي رواية أبي ذر والحموي والمستملي أعجب إلي منه ( خشية أن يكبه الله) بفتح المثناة التحتية وضم الكاف ونصب الموحدة بأن أي لأجل خشية كبّ الله إياه أي إلقائه منكوسًا ( في النار) لكفره إما بارتداده إن لم يعط، أو لكونه ينسب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى البخل، وأما من قوي إيمانه فهو أحب إلي فأكله إلى إيمانه ولا أخشى عليه رجوعًا عن دينه ولا سوءًا في اعتقاده، وفيه الكناية لأن الكب في النار من لازم الكفر فأطلق اللازم وأراد الملزوم.
وفي الحديث دلالة على جواز الحلف على الظن عند من أجاز ضم همزة أراه، وجواز الشفاعة إلى ولاة الأمور وغيرهم ومراددة الشفيع إذا لم يؤدّ إلى مفسدة، وأن المشفوع إليه لا عتب عليه إذا رد الشفاعة إذا كانت خلاف المصلحة، وأن الإمام يصرف الأموال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم، وأنه لا يقطع لأحد على التعيين بالجنة إلا العشرة البشرة، وأن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا قرن به الاعتقاد وعليه الإجماع كما مر.
واستدل به عياض لعدم ترادف الإيمان والإسلام، ولكنه لا يكون مؤمنًا إلا مسلمًا، وقد يكون مسلمًا غير مؤمن، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وفيه ثلاثة رواة زهريون مدنيون وثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، ورواية الأكابر عن الأصاغر، وأخرجه المؤلف أيضًا في الزكاة ومسلم في الإيمان والزكاة.
قال المؤلف: ( ورواه) بواو العطف وللأربعة بإسقاطها أي هذا الحديث أيضًا ( يونس) بن يزيد الأيلي ( وصالح) يعني ابن كيسان المدني ( ومعمر) بفتح الميمين يعني ابن راشد البصري ( وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم المتوفى فيما جزم به النووي في سنة اثنتين وخمسين ومائة.
هؤلاء الأربعة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بإسناده كما رواه شعيب عنه، فحديث يونس موصول في كتاب الإيمان لعبد الرحمن بن عمر الملقب رسته وهو قريب من سياق الكشميهني ليس فيه إعادة السؤال ولا الجواب عنه.
وحديثصالح موصول عند المؤلف في الزكاة.
وحديث معمر عند أحمد بن حنبل والحميدي وغيرهما عن عبد الرزاق عنه وقال فيه: أنه أعاد السؤال ثالثًا وحديث ابن أخي الزهري عند مسلم وساق فيه السؤال والجواب ثلاث مرات، والله تعالى أعلم.
20 - باب إِفْشَاءُ السَّلاَمِ مِنَ الإِسْلاَمِ.
.

     وَقَالَ  عَمَّارٌ: ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَار هذا ( باب) بالتنوين ( السلام من الإسلام) أي هذا باب بيان أن السلام من شعب الإسلام، وفي رواية غير الأصيلي وأبي ذر وابن عساكر إفشاء السلام من الإسلام وهو بكسر الهمزة أي إذاعة السلام ونشره ( وقال عمار) أبو اليقظان بالمعجمة ابن ياسر بن عامر أحد السابقين الأوّلين المقتول بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين مع علي ومقول قوله ( ثلاث) أي ثلاث خصال ( من جمعهن فقد جمع الإيمان) أي حاز كماله أحدهما: ( الإنصاف) وهو العدل ( من نفسك) بأن لم تترك لمولاك حقًا واجبًا عليك إلا أذيته ولا شيئًا مما نهيت عنه إلا اجتنبته وسقط لفظ فقد عند الأربعة، ( و) الثاني: ( بذل السلام) بالمعجمة ( للعالم) بفتح اللام أي لك مؤمن عرفته أو لم تعرفه وخرج الكافر بدليل آخر.
وفيه حضّ على مكارم الأخلاق والتواضع واستئلاف النفوس، ( و) الثالث: ( الإنفاق من الإقتار) بكسر الهمزة أي في حالة الفقر وفيه غاية الكرم لأنه إذا أنفق وهو محتاج كان مع التوسع أكثر إنفاقًا، والإنفاق شامل للنفقة على العيال وعلى الضيف والزائر، وهذا الأثر أخرجه أحمد في كتاب الإيمان، والبزار في مسنده، وعبد الرزاق في مصنفه، والطبراني في معجمه الكبير.