فهرس الكتاب

- باب: هل يلتفت لأمر ينزل به، أو يرى شيئا، أو بصاقا في القبلة؟

رقم الحديث 1409 [1409] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا».
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن البصري قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد واسمه سعد الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن حازم واسمه عوف الأحمسي البجلي (عن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا حسد) لا غبطة (إلا في اثنتين) بالتأنيث أي خصلتين (رجل) بالجر بدل من اثنتين على حذف مضاف.
ولأبي ذر: رجل بالرفع على إضمار مبتدأ أي أحدهما رجل (آتاه) بالمد أي أعطاه (الله مالاً فسلطه على هلكته) بفتح اللام وفيه مبالغتان التعبير بالتسليط المقتضي للغلبة وبالهلكة المشعرة بفناء الكل (في الحق) أخرج التبذير الذي هو صرف المال فيما لا ينبغي (ورجل) بالجر، ولأبي ذر: ورجل بالرفع (آتاه الله) أعطاه (حكمة) القرآن أو السنة كما قال الإمام الشافعي في الرسالة (فهو يقضي بها ويعلمها).
فإن قلت: كل خير يتمنى مثله شرعًا فما وجه حصر التمني في هاتين الخصلتين؟ أجاب ابن المنير الحصر هنا غير مراد إنما المراد مقابلة ما في الطباع بضده لأن الطباع تحسد على جمع المال وتذم ببذله فبين الشرع عكس الطبع فكأنه قال: لا حسد إلا فيما تذمون عليه ولا مذمة إلا فيما تحسدون عليه، ووجه المؤاخاة بين الخصلتين أن المال يزيد بالإنفاق ولا ينقص لقوله تعالى: { وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] ولقوله عليه الصلاة والسلام: "ما نقص مال من صدقة" والعلم يزيد أيضًا بالإنفاق منه وهو التعليم فتواخيا.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في باب الاغتباط.
6 - باب الرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ لِقَوْلِهِ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} -إِلَى قَوْلِهِ- { الْكَافِرِينَ} .
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- { صَلْدًا} : لَيْسَ عَلَيْهِ شَىْءٌ.

     وَقَالَ  عِكْرِمَةُ { وَابِلٌ} : مَطَرٌ شَدِيدٌ.
وَ { الطَّلُّ} : النَّدَى.
(باب الرياء في الصدقة لقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا} ثواب ({ صدقاتكم بالمنّ والأذى} إلى قوله: { الكافرين} ) [البقرة: 264] ولأبوي ذر والوقت: إلى قوله: { والله لا يهدي القوم الكافرين} (وقال ابن عباس رضي الله عنهما) مما وصله ابن جرير ({ صلدًا} ليس عليه شيء.
وقال عكرمة): مولى ابن عباس مما وصله عبد بن حميد ({ وابل} ) [البقرة: 265] (مطر شديد و { الطل} الندى) شبه سبحانه وتعالى الذي يبطل صدقته بالمنّ والأذى بالذي ينفق ماله رئاء الناس لأجل مدحتهم وشهرته بالصفات الجميلة مظهرًا أنه يريد وجه الله، ولا ريب أن الذي يرائي في صدقته أسوأ حالاً من المتصدّق بالمن لأنه معلوم أن المشبه به أقوى حالاً من المشبه، ومن ثم قال تعالى: { وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [البقرة: 264] ثم ضرب مثل ذلك المرائي بالإنفاق بقوله: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} أي حجر أملس عليه تراب فأصابه مطر كبير القطر فتركه صلدًا أملس نقيًّا من التراب كذلك أعمال المرائين تضمحل عند الله فلا يجد المرائي بالإنفاق يوم القيامة ثواب شيء من نفقته كما لا يحصل النبات من الأرض الصلدة.
والضمير في لا يقدرون للذي ينفق باعتبار المعنى لأن المراد به الجنس أو الجمع.
أي: ينتفعون بما فعلوا ولا يجدون ثوابه.
وفي قوله تعالى: { والله لا يهدي القوم الكافرين} تعريض بأن الرياء والمن والأذى على الإنفاق من صفة الكفار فلا بد للمؤمن أن يجتنبها.
7 - باب لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ، وَلاَ يَقْبَلُ إِلاَّ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لِقَوْلِهِ: { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} هذا (باب) بالتنوين (لا يقبل الله صدقة) ولأبي الوقت: الصدقة (من غلول)، بضم الغين المعجمة في المغنم، وللحموي والكشميهني: لا تقبل الصدقة من غلول بضم أول تقبل وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول وهو طرف من حديث الباب أخرجه مسلم.
(ولا يقبل إلا من كسب طيب).
هذا للمستملي وحده وهو طرف من حديث الباب (لقوله) تعالى: { ويربي الصدقات} زاد أبو ذر: { قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم} [البقرة: 263] .
8 - باب الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لِقَوْلِهِ: { وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
(باب الصدقة من كسب طيب لقوله { ويربي الصدقات} يكثرها وينميها.
وقوله: ويربي بضم أوّله وسكون ثانيه وتخفيف الموحدة كذا التلاوة.
وفي نسخة: ويربي بفتح الراء وتشديدالموحدة ({ والله لا يحب} ) لا يرتضي ({ كل كفار} ) مصر على تحليل الحرام ({ أثيم} ) [البقرة: 276] فاجر بارتكابه ({ إن الذين آمنوا} ) بالله ورسله وبما جاء منه ({ وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة} ) عطفهما على الأعم لشرفهما على سائر الأعمال الصالحة ({ لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم} ) من آت ({ ولا هم يحزنون} ) [البقرة: 277] ، على فائت.
ولغير أبي ذر: { ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم} إلى قوله: { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} قال ابن بطال: لما كانت هذه الآية مشتملة على أن الربا يمحقه الله لأنه حرام دل ذلك على أن الصدقة التي تتقبل لا تكون من جنس الممحوق انتهى.
وقال الكرماني: لفظ الصدقات وإن كان أعم من أن يكون من الكسب الطيب ومن غيره لكنه مقيد بالصدقات التي من الكسب الطيب بقرينة سياق ولا تيمموا الخبيث، وبهذا تحصل المناسبة بين قوله: لا تقبل الصدقة إلا من كسب طيب وهذه الآية.
والجواب عن قول ابن التين: إن تكثير أجر الصدقة ليس علة لكون الصدقة من كسب طيب وكان الأبين أن يستدل بقوله تعالى: { أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 276] .