فهرس الكتاب

- باب: الزكاة من الإسلام

رقم الحديث 47 [47] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَنْجُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ.
وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ».
تَابَعَهُ عُثْمَانُ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
نَحْوَهُ.
[الحديث طرفاه في: 1323، 1325] .
وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا أحمد بن عبد الله بن عليّ المنجوفي) نسبة إلى جدّ أبيه منجوف بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم وفي آخره فاء ومعناه الموسع، المتوفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين ( قال: حدّثنا روح) بفتح الراء وبالحاء المهملتين ابن عبادة بن العلاء البصري المتوفى سنة خمس ومائتين ( قال: حدّثنا عوف) بالفاء ابن أبي جميلة بندويه بفتح الموحدة وبالنون الساكنة والدال المهملة المضمومة والواو الساكنة والمثناة التحتية العبدي الهجري البصري، المتوفى سنة ست أو سبع وأربعين ومائة، ونسب إلى التشيع ( عن الحسن) البصري ( ومحمد) بالجرّ عطفًا على الحسن، وللأصيلي ومحمد بالرفع هو ابن سيرين أبو بكر الأنصاري مولاهم البصري التابعي الجليل، المتوفى سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة وعشرين يومًا كلاهما ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : ( من اتبع) بتشديد المثناة الفوقية، وفي رواية الأصيلي وابن عساكر تبع بغير ألف وكسر الموحدة ( جنازةمسلم) حال كون ذلك ( إيمانًا واحتسابًا) أي محتسبًا لا مكافأة ومخافة ( وكان معه) أي مع المسلم.
وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني معها أي الجنازة ( حتى يصلى) بفتح اللام في اليونينية فقط وفي هامشها بكسرها ( عليها ويفرغ من دفنها) بالبناء للفاعل في الفعلين أو بالبناء للمفعول والجار والمجرور فيهما هو النائب عن الفاعل، وللأصيلي يصلّ بحذف الياء وكسر اللام ( فإنه يرجع من الأجْر بقيراطين) مثنى قيراط وهو اسم لمقدار من الثواب يقع على القليل والكثير بينه بقوله ( كل قيراط مثل) جبل ( أُحُد) بضمتين بالمدينة سمي به لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هناك، فحصول القيراطين مقيد بالصلاة والاتّباع في جميع الطريق مع الدفن وهو تسوية القبر بالتمام أو نصب اللبن عليه والأوّل أصح عندنا، ويحتمل حصول القيراط بكل منهما، لكن بتفاوت القيراط ولا يقال يحصل القيراطان بالدفن من غير صلاة بظاهر رواية فتح لام يصلى لأن المراد فعلهما معًا جميعًا بين الروايتين وحملاً للمطلق على المقيد ( ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن) بنصب قبل على الظرفية وأن مصدرية أي قبل الدفن ( فإنه يرجع بقيراط) من الأجْر، فلو صلى وذهب إلى القبر وحده ثم حضر الدفن لم يحصل له القيراط الثاني كذا قاله النووي، وليس في الحديث ما يقتضي ذلك إلا بطريق المفهوم، فإن ورد منطوق بحصول القيراط بشهود الدفن وحده، كان مقدمًا ويجمع حينئذ بتفاوت القيراط، ولو صلى ولم يشيع رجع بالقيراط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى دون قيراط من شيع مثلاً وصلى، وفي مسلم أصغرهما مثل أُحُد وهو يدل على أن القراريط تتفاوت، وفي رواية مسلم أيضًا: من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط، لكن يحتمل أن يكون المراد بالاتباع هنا ما بعد الصلاة ولو تبعها ولم يصل ولم يحضر الدفن فلا شيء له بل حكي عن أشهب كراهته، وسيأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في كتاب الجنائز بحول الله وقوته.
وفي الحديث الحثّ على صلاة الجنازة واتّباعها وحضور الدفن والاجتماع لها، ورجاله كلهم بصريون غير أبي هريرة، واشتمل على التحديث والعنعنة، وأخرجه النسائي في الإيمان والجنائز.
( تابعه) أي تابع روحًا في الرواية عن عوف ( عثمان) بن الهيثم بن جهم البصري ( المؤذن) بجامعها المتوفى لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة عشرين ومائتين.
وفي رواية ابن عساكر قال أبو عبد الله أي البخاري تابعه عثمان المؤذن ( قال: حدّثنا عوف) الأعراب ( عن محمد) بن سيرين ولم يروه عن الحسن ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه) بالنصب أي بمعنى ما سبق لا بلفظه، وهذه المتابعة وصلها أبو نعيم في مستخرجه هذا.
36 - باب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلاَّ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذَّبًا.
.

     وَقَالَ  ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ.
مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ.
وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ أَمِنَهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ.
وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الإِصْرَارِ عَلَى التَقاتُلِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} .
( باب خوف المؤمن من أن يحبط) على صيغة المعلوم من باب علم يعلم ( عمله) أي من حبط عمله وهو ثوابه الموعود به ( وهو لا يشعر) به جملة اسمية وقعت حالاً لا يقال إن ما قاله المؤلف يقوّي مذهب الإحباطية لأن مذهبهم إحباط الأعمال بالسيئات وإذهابها جملة، فحكموا على العاصي بحكم الكافر، لأن مراد المؤلف إحباط ثواب ذلك العمل فقط لأنه لا يُثاب إلا على ما أخلص فيه.
وقال النووي المراد بالحبط نقصان الإيمان وإبطال بعض العبادات لا الكفر انتهى.
ولفظة ( من) ساقطة في رواية ابن عساكر وهي مقدّرة عند سقوطها لأن المعنى عليها، وهذا الباب وضعه المؤلف ردًّا على المرجئة القائلين بأن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط المطلقين الإيمان الكامل مع وجود المعصية.
( وقال إبراهيم) بن يزيد بن شريك ( التيمي) تيم الرباب بكسر الراء الكوفي المتوفى سنة اثنتين وتسعين ( ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبًا) بفتح المعجمة أي يكذبني من رأى عملي مخالفًا لقولي، وإنما قال ذلك لأنه كان يعظ، وفي رواية الأربعة مكذبًاً بكسر الذال وهي رواية الأكثر كما قاله الحافظ ابن حجر، ومعناه: أنه مع وعظه للناس لم يبلغ غاية العمل، وقد ذمّ الله تعالى من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وقصر في العمل فقال: { كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] .
وقال البيضاوي في آية { أَتَأْمُرُونَالنَّاسَ بِالْبِرِّ} [البقرة: 44] أنها ناعية على من يعظ غيره ولا يعظ نفسه سوء صنيعه وخبث نفسه وأن فعله فعل الجاهل بالشرع أو الأحمق الخالي عن العقل، فإن الجامع بينهما تأبى عنه شكيمته، والمراد بها حث الواعظ على تزكية النفس والإقبال عليها بالتكميل ليقوم فيقيم لا منع الفاسق من الوعظ، فإن الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر انتهى.
وهذا التعليق المذكور وصله المصنف في تاريخه عن أبي نعيم وأحمد بن حنبل في الزهد، عن ابن مهدي كلاهما، عن سفيان الثوري، عن أبي حيان التيمي، عن إبراهيم المذكور.
( وقال ابن أبي مليكة) بضم الميم عبد الله بفتح العين ابن عبيد الله بضمها القرشي التيمي المكي الأحول المؤذن القاضي لابن الزبير المتوفى سنة سبع عشرة ومائة ( أدركت ثلاثين من أصحاب النبي) وفي نسخة رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أجلهم عائشة وأختها أسماء وأم سلمة والعبادلة الأربعة، وعقبة بن الحرث والمسور بن مخرمة ( كلهم يخاف) أي يخشى ( النفاق) في الأعمال ( على نفسه) لأنه قد عرض للمؤمن في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص ولا يلزم من خوفهم ذلك وقوعه منهم، وإنما ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنّا بهم، أو قالوا ذلك لكون أعمارهم طالت حتى رأوا من التغيير ما لم يعهدوه مع عجزهم عن إنكاره فخافوا أن يكونوا داهنوا بالسكوت ( ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل) عليهما الصلاة والسلام أي: لا يجزم أحد منهم بعدم عروض ما يخالف الإخلاص، كما يجزم بذلك في إيمان جبريل وميكائيل لأنهما معصومان لا يطرأ عليهما ما يطرأ على غيرهما من البشر، وقد روى معنى هذا الأثر الطبراني في الأوسط مرفوعًا من حديث عائشة بإسناد ضعيف، وفي هذا الأثر إشارة إلى أنهم كانوا يقولون بزيادة الإيمان ونقصانه، ( ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه ( عن الحسن) البصري رحمه الله مما وصله جعفر الفريابي في كتاب صفة المنافق له من طرق ( ما خافه) أي النفاق وفي نسخة عن الحسن أنه قال: ما خافه، وفي رواية وما خافه ( إلا مؤمن ولا أمنه) بفتح الهمزة وكسر الميم ( إلا منافق) جعل النووي الضمير في خافه وأمنه لله تعالى، وتبعه جماعة على ذلك، لكن سياق الحسن البصري المروي عند الفريابي حيث قال: حدّثنا قتيبة، حدّثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلاّ هو ما مضى مؤمن قطّ وما بقي إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضى منافق قطّ ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن، وهو عند أحمد بلفظ: والله ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق ولا أمنه إلا منافق يعين إرادة المؤلف الأوّل وأتى بيذكر الدالة على التمريض مع صحة هذا الأثر لأن عادته الإتيان بنحو ذلك فيما يختصر من المتون أو يسوقه بالمعنى لا أنه ضعيف.
ثم عطف المؤلف على خوف المؤمن قوله: ( وما يحذر) بضم أوّله وفتح ثالثه المعجم مع التخفيف.
وقال الحافظ ابن حجر: بتشديده أي وباب ما يحذر ( من الإصرار على التقاتل والعصيان من غير توبة) ، وفي رواية أبوي ذر والوقت على النفاق بدل التقاتل، والأولى هي المناسبة لحديث الباب حيث قال فيه كما سيأتي إن شاء الله تعالى - وقتاله كفر وهي رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر، ومعنى الثانية كما في الفتح صحيح وإن لم تثبت به الرواية انتهى.
نعم ثبتت به الرواية عن أبي ذر ونسخة السيمساطي كما رقم له بفرع اليونينية كما ترى، وما مصدرية وما بين الترجمتين من الآثار اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه وفصل بها بينهما لتعلقها بالأولى فقط.
وأما الحديثان الآتيان إن شاء الله تعالى- فالأوّل منهما للثانية والثاني للأولى فهو لفّ ونشر غير مرتب، ومراد المؤلف الرد على المرجئة أيضًا حيث قالوا: لا حذر من المعاصي مع حصول الإيمان، ومفهوم الآية التي ذكرها المؤلف يردّ عليهم حيث قال: ( لقول الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل بدل قوله تعالى، وفي رواية الأصيلي لقوله عز وجل ( ولم يصروا على ما فعلوا) ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما رواه الترمذيمن حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة ( وهم يعلمون) ، حال من يصروا أي ولم يصروا على قبيح فعلهم عالمين به، وروى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعًا: ويل للمصرّين الدين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون أي يعلمون أن من تاب تاب الله عليه ثم لا يستغفرون قاله مجاهد وغيره.