فهرس الكتاب

- باب السترة بمكة وغيرها

رقم الحديث 673 [673] حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ، وَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ».
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلاَةُ، فَلاَ يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ.
[الحديث أطرافه في: 674، 5464] .
وبه قال: ( حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة، القرشي الكوفي الهباري، بفتح الهاء والموحدة الثقيلة ( عن أبي أسامة) حماد بن أسامة ( عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ( إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا) أنتم ( بالعشاء) بفتح العين ( ولا يعجل) أحدكم ( حتى يفرغ) من معكم ( منه) بالإفراد نظرًا إلى لفظ أحد، والجمع في: فابدؤوا نظرًا إلى ضمير أحدكم.
قاله الطيبي.
وأجاب البرماوي بأن النكرة في الشرط تعم، فيحتمل أن الجمع لأجل عموم أحد.
انتهى.
وإضافة عشاء لأحدكم تخرج عشاء غيره.
نعم، لو كان جائعًا واشتغل خاطره بطعام غيره فلينتقل إلى مكان غير ذلك المكان، أو يأكل ما يُزيل به اشتغاله، ليتفرغ قلبه لمناجاة ربه في صلاته.
ويؤيد هذا عموم قوله في رواية مسلم، من حديث عائشة: لا صلاة بحضرة الطعام.
واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله: فبدؤوا.
على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل.
وأما من شرع فيه ثم أقيمت الصلاة، فلا يتمادى، بل يقوم إلى الصلاة.
لكن صنيع ابن عمر بن الخطاب الذي أشار إليه المؤلّف بقوله: ( وكان ابن عمر) مما هو موصول عطفًا على المرفوع السابق ( يوضع له الطعام) وهو أعم من العشاء، ( وتقام الصلاة) مغربًا أو غيرها، لكن رواة السراج من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع بلفظ: وكان ابن عمر إذا حضر عشاؤه ( فلا يأتيها) أي الصلاة ( حتى يفرغ) من أكله.
( وإنه يسمع قراءة الإمام) وللكشميهني: وإنه ليسمع، بلام التأكيد يبطل ذلك.
قال النووي: وهو الصواب، وتعقب بأن صنيع ابن عمر اختيار له وإلاّ فالنظر إلى المعنى يقتضي ما ذكروه، لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما يدفع به شغل البال.
نعم.
الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا، ولا يتقيد بكل ولا بعض.
674 -.

     وَقَالَ  زُهَيْرٌ وَوَهْبُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ».
رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ، وَوَهْبٌ مَدِينِيٌّ.
( وقال زهير) بضم الزاي وفتح الهاء، ابن معاوية الجعفي، مما وصله أبو عوانة في مستخرجه ( ووهب بن عثمان) مما ذكر المصنف أن شيخه إبراهيم بن المنذر، رواه عنه كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، ( عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ( إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة) ( رواه) وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي: قال أبو عبد الله، أي: البخاري، رواه أي: الحديث المذكور ( إبراهيم بن المنذر) أي شيخه ( عن وهب بن عثمان) السابق ( ووهب مديني) بالياء بين الدال المكسورة والنون، وفي رواية: مدني بإسقاطها.
وفتح الدال، وكلاهما نسبة لطيبة، رزقنا الله العود إليها بمنّه وكرمه على أحسن حال، غير أن القياس فتح الدال والحديث من تعاليقه لا غير.
43 - باب إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلاَةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ هذا ( باب) بالتنوين ( إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل) أي الذي يأكله، أو وبيده الأكل أي المأكول.
675 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ ذِرَاعًا يَحْتَزُّ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ".
وبالسند قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى الأويسي المدني ( قال: حدّثنا إبراهيم) بن سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني ( عن صالح) هو ابن كيسان ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( جعفر بن عمرو) بفتح العين ( ابن أمية أن أباه) عمرو بن أمية رضي الله عنه ( قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل ذراعًا) من الشاة ( يحتز منها) بالحاء المهملة والزاي أي يقطع من لحمها بالسكين ( فدعي إلى الصلاة) بضم الدال، دعاه بلال إليها ( فقام) إليها ( فطرح السكين) ألقاها من يده ( فصلّى ولم يتوضأ) قدم عليه الصلاة والسلام الصلاة على الأكل، وأمر غيره بتقديم الأكل لعله أخذ من خاصة نفسه بالعزيمة، وأمر غيره بالرخصة، لأنه لا يقوى على مدافعة الشهوة قوّته.
والاستدلال بفعله عليه الصلاة والسلام من كونه ألقى الكتف أثناء أكله منها على أن الأمر في قوله: فابدؤوا بالعشاء، للندب لا للإيجاب، إذ لو كان تقديم أكل واجبًا لما قام عليه الصلاةوالسلام إلى الصلاة متعقب باحتمال أن يكون عليه الصلاة والسلام قضى حاجته من الأكل، فلا تتم الدلالة.
ورواة هذا الحديث مدنيون، وفيه التحديث بالجمع والإخبار بالإفراد والعنعنة والقول.
44 - باب مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَخَرَجَ ( باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج) إليها وترك تلك الحاجة، وهذا بخلاف حضور الطعام، فإن فيه زيادة وتشوّق تشغل القلب، ولو ألحقت به لم يبق للصلاة وقت في الغالب.


رقم الحديث 644 [644] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ».
[الحديث أطرافه في: 657، 242، 7224] .
وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسيّ ( قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد مسلم: فقد ناسًا في بعض الصلوات ( قال) : ( و) الله ( الذي نفسي بيده) أي بتقديره وتدبيره ( لقد هممت) هو جواب القسم، أكده باللام وقد، والمعنى لقد قصدت ( أن آمر بحطب فيحطب) بالفاء وضم المثناة التحتية وبعد الحاء الساكنة طاء مبنيًّا للمفعول منصوبًا عطفًا على المنصوب المتقدم، وكذا الأفعال الواقعة بعده.
وللحموي والمستملي: ليحطب، بلام التعليل، ولابن عساكر وأبي ذر.
يتحطب، بضم التحتية وفتح الفوقية والطاء، ولابن عساكر أيضًا فيحطب، بالفاء وتشديد الطاء.
ولأبي الوقت: فيتحطب، بالفاء ومثناة فوقية مفتوحة بعد التحتية المضمومة وتشديد الطاء أيضًا، وفي رواية: فيحتطب، بالفاء ومثناة فوقية مفتوحة بعد الحاء الساكنة.
وحطب واحتطب بمعنى واحد، قال في الفتح: أي يكسر ليسهل اشتعال النار به، وتعقبه العيني بأنه لم يقل أحد من أهل اللغة إن معنى يحطب يكسر، بل المعنى يجمع ( ثم آمر) بالمد وضم الميم ( بالصلاة) العشاء أو الفجر أو الجمعة أو مطلقًا، كلها روايات ولا تضاد لجواز تعدد الواقعة ( فيؤذن لها) بفتح الذال المشددة، أي يعلم الناس لأجلها.
والضمير مفعول ثانٍ، ( ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف) المشتغلين بالصلاة قاصدًا ( إلى رجال) لم يخرجوا إلى الصلاة ( فأحرّق عليهم بيوتهم) بالنار عقوبة لهم، وقيد بالرجال ليخرج الصبيان والنساء، ومفهومه أن العقوبة ليست قاصرة على المال بل المراد تحريق المقصودين وبيوتهم، وأحرّق بتشديد الراء وفتح القاف وضمها كسابقه وهو مشعر بالتنكير والمبالغة في التحريق.
وبهذا استدلّ الإمام أحمد ومن قال: إن الجماعة فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكان قيامه عليه الصلاة والسلام ومن معه بها كافيًا.
وإلى هذا ذهب عطاء والأوزاعي وجماعة من محدثي الشافعية، كابني خزيمة، وحبان، وابن المنذر وغيرهم من الشافعية، لكنها ليست بشرطفي صحة الصلاة كما قاله في المجموع.
وقال أبو حنيفة ومالك: هي سُنَّة مؤكدة، وهو وجه عند الشافعية لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، ولمواظبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها بعد الهجرة.
وقرأت في شرح المجمع لابن قرشتاه مما عزاه العيني لشرح الهداية.
وأكثر المشايخ على أنها واجبة وتسميتها سُنّة لأنه ثابت بالسُّنَّة اهـ.
وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور أصحابه المتقدمين، وصحّحه النووي في المنهاج كأصل الروضة، وبه قال بعض المالكية، واختاره الطحاوي والكرخي وغيرهما من الحنفية لحديث أبي داود، وصحّحه ابن حبّان وغيره: ما من ثلاثة في قرية أو بلد ولا تقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان أي غلب.
ويمكن أن يقال التهديد بالتحريق وقع في حق تاركي فرض الكفاية لمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية.
وأجيب عن حديث الباب بأنه همّ ولم يفعل، ولو كانت فرض عين لما تركهم، أو أن فرضية الجماعة نسخت، أو أن الحديث ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون، ما يدل عليه السياق.
فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل.
وتعقب بأنه يبعد اعتناؤه عليه الصلاة والسلام بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع علمه بأنه لا صلاة لهم.
وقد كان عليه الصلاة والسلام معرضًا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم.
وأجيب بأنه لا يتم إلاّ أن أدّعي أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبًا عليه ولا دليل على ذلك ْوإذا ثبت أنه كان مخيرًا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم.
وفي قوله في الحديث الآتي، إن شاء الله، بعد أربعة أبواب: ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر، دلالة على أنه ورد في المنافقين.
لكن المراد نفاق المعصية لا نفاق الكفر كما يدل عليه حديث أبي هريرة المروي في أبي داود، ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم ليست بهم علة.
نعم سياق حديث الباب يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلّف عنها.
ومحل الخلاف إنما هو في غير الجمعة، أما هي فالجماعة شرط في صحتها وحينئذ فتكون فيها فرض عين.
ثم إن التقييد بالرجال في قوله: ثم أخالف إلى رجال، يخرج الصبيان والنساء فليست في حقهن فرضًا جزمًا، والخلاف السابق في المؤداة.
أما المقضية فليست الجماعة فيها فرض عين ولا كفاية، ولكنها سنة لأنه عليه الصلاة والسلام صلّى بأصحابه الصبح جماعة حين فاتتهم بالوادي.
ثم أعاد عليه الصلاة والسلام القسم للمبالغة في التأكيد فقال: ( و) الله ( الذي نفسي بيده) بتقديره ( لو يعلم أحدهم) أي المتخلفين ( أنه يجد عرقًا سمينًا) بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالقاف: العظم الذي عليه بقية لحم أو قطعة لحم ( أو مرماتين حسنتين) بكسر الميم وقد تفتح، تثنية مرماة: ظلف الشاة أو ما بين ظلفها من اللحم كذا عن البخاري فيما نقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري، أو اسم سهم يتعلم عليه الرمي ( لشهد العشاء) أي صلاتها.
فالمضاف محذوف.
والمعنى لو علم أنه لو حضر الصلاة يجد نفعًا دنيويًّا وإن كان خسيسًا حقيرًا لحضرها لقصور همّته على الدنيا، ولا يحضرها لما لها من مثوبات الأخرى ونعيمها، فهو وصف بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فبما يحصل به رفيع الدرجات ومنازل الكرامات، ووصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما، واستنبط من قوله: لقد هممت، تقديم التهديد والوعيد على العقوبة، وسرّه أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزواجر اكتفى به على الأعلى، وبقية المباحث المتعلقة بالحديث تأتي في محالها إن شاء الله تعالى.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلاّ شيخ المؤلّف وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الأحكام، والنسائي في الصلاة.
3 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ وَكَانَ الأَسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ.
وَجَاءَ أَنَسٌ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً.
( باب فضل صلاة الجماعة) على صلاة الفذ.
( وكان الأسود) بن يزيد النخعي أحد كبار التابعين ( إذا فاتته الجماعة) أي صلاتها في مسجد قومه ( ذهب إلى مسجد آخر) وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ومطابقته للترجمة منحيث أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عند الأسود لما ترك فضيلة أول الوقت وتوجّه إلى مسجد آخر، أو من حيث أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته، لأنه لو لم يكن مختصًّا بالمسجد لجمع الأسود في بيته ولم يأت مسجدًا آخر لأجل الجماعة.
( وجاء أنس) وللأصيلي وابن عساكر: أنس بن مالك فيما وصله أبو يعلى في مسنده، وقال: وقت صلاة الصبح ( إلى مسجد) في رواية البيهقي أنه مسجد بني رفاعة وفي رواية أبي يعلى أنه مسجد بني ثعلبة.
( قد صُلي فيه) بضم الصاد وكسر اللام ( أذن وأقام وصلّى جماعة) قال البيهقي في روايته جاء أنس في عشرين من فتيانه.


رقم الحديث 645 [645] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».
[الحديث طرفه في: 649] .
وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب ولغير الأصيلي وابن عساكر عن ابن عمر ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : ( صلاة الجماعة تفضل) بفتح أوله وسكون الفاء وضم الضاد ( صلاة الفذ) بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة أي المنفرد ( بسبع وعشرين درجة) فيه أن أقل الجمع اثنان لأنه جعل هذا الفضل لغير الفذ وما زاد على الفذ فهو جماعة، لكن قد يقال: إنما رتب هذا الفضل لصلاة الجماعة وليس فيه تعرض لنفي درجة متوسطة بين الفذ والجماعة كصلاة الاثنين مثلاً، لكن قد ورد في غير حديث التصريح بكون الاثنين جماعة، فعند ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اثنان فما فوقهما جماعة" لكنه فيه ضعف.
646 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».
وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد ( الليث) بن سعد إمام المصريين ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة، ونسبه لجدّه لشهرته به ( عن عبد الله بن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة وبعد الألف موحدة ثانية، الأنصاري المدني التابعي، وليس هو ابن الأرت، إذ لا رواية له في الصحيحين ( عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه ( أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( يقول) : ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس) وللأصيلي تفضل خمسًا ( وعشرين درجة) .
وهذا الحديث ساقط في رواية غير الأربعة، وفي حديث ابن عمر السابق: بسبع وعشرين، وفي حديث أبي سعيد هذا: بخمس وعشرين، وعامّة الرواة عليها إلا ابن عمر كما قال الترمذي، واتفق الجميع على الخمس والعشرين سوى رواية أُبيّ فقال: أربع أو خمس على الشك، ولأبي عوانة بضعًا وعشرين وليست مغايرة لصدق البضع على الخمس ولا أثر للشك فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع واختلف في الترجيح بينهما، فمن رجح الخمس لكثرة رواتها، ومن رجح السبع لزيادة العدل، الحافظ، وجمع بينهما بأن ذكر القليل لا ينفي الكثير، إذ مفهوم العدد غير معتبر، وأنه عليه الصلاة والسلام أخبر بالخمس، ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع، لكنه يحتاج إلى التاريخ.
وعورض بأن الفضائل لا تنسخ فلا يحتاج إلى التاريخ أو الدرجة أقل من الجزء، والخمس والعشرون جزءًا هي سبع وعشرون درجة، ورد بأن لفظ الدرجة والجزء وردا مع كلٍّ من العددين.
قال النووي: القول بأن الدرجة غير الجزء غفلة من قائله، أو أن الجزء في الدنيا والدرجة في الجنة، قال البرماوي في شرح العمدة: أبداه القطب القسطلاني احتمالاً.
انتهى.
أو هو بالنظر لقرب المسجد وبُعده، أو لحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع.
أو الخمس بالسرية والسبع بالجهرية.
فإن قلت ما الحكمة في هذا العدد الخاص؟.
أجيب باحتمال أن يكون أصله كون المكتوبات خمسًا.
فأريد المبالغة في تكثيرها، فضربت في مثلها فصارت خمسًا وعشرين، وأما السبع فمن جهة عدد ركعات الفرائض ورواتبها.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول والسماع.
647 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ.
فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ.
وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ».
وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي ( قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زيادالعبدى ( قال: حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا ( الأعمش) سليمان بن مهران ( قال: سمعت أبا صالح) ذكوان حال كونه ( يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( صلاة الرجل في الجماعة) وللحموي والكشميهني في جماعة ( تضعف) بضم الفوقية وتشديد العين أي تزاد ( على صلاته في بيته وفي سوقه) منفردًا ( خمسًا وعشرين ضعفًا) وفي لفظ للبخاري بخمس وعشرين جزءًا.
ووجه حذف التاء من خمسًا بتأويل الضعف بالدرجة أو بالصلاة، وتوضيحه أن ضعفًا مميز مذكر فتجب التاء، فأول بما ذكر.
وقَوّى البرماوي كالكرماني بأن التزام التاء حيث ذكر المميز وإلاّ فيستوي حذفها وإثباتها، أي: وهو هنا غير مذكور، فجاز الأمران.
ولأبوي ذر والوقت: خمسة وعشرين ضعفًا لإثبات التاء.
ومذهب الشافعي كما في المجموع أنه: من صلّى في عشرة فله سبع وعشرون درجة، ومن صلّى مع اثنين كذلك، لكن صلاة الأول أكمل وهو مذهب المالكية.
لكن قال ابن حبيب منهم: تفضل صلاة الجماعة الجماعة بالكثرة وفضيلة الإمام اهـ.
وروى الإمام أحمد، وأصحاب السُّنن، وصحّحه ابن خزيمة وغيره، من حديث أُبيّ بن كعب مرفوعًا: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى.
واستدلّ بالحديث على سنية الجماعة لأنه أثبت صلاة الفذ، وسماها صلاة، وهل التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد؟ قال في الفتح: جاء عن بعض ْالصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد العام، مع تقرير الفضل في غيره.
وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاصي: أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلّى في بيته؟ قال: حسن جميل.
قال: فإن صلّى في مسجد عشيرته؟ قال: خمس عشرة صلاة.
قال: فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلّى فيه؟ قال: خمس وعشرون.
( وذلك) التضعيف المذكور سببه ( أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج) من منزله ( إلى المسجد لا يخرجه إلاّ الصلاة) أي إلا قصد الصلاة المكتوبة في جماعة ( لم يخط خطوة) بفتح المثناة التحتية وضم الطاء في الأول وفتح الخاء في الثاني.
قال الجوهري: بالضم ما بين القدمين، وبالفتح المرة الواحدة ( إلا رفعت له بها) بالخطوة ( درجة، وحط عنه بها خطيئة) بضم راء رفعت وحاء حط مبنيين للمفعول، ودرجة وخطيئة رفعًا نائبين عن الفاعل ( فإذا صلّى) صلاة تامة ( لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه) الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد، وكذا لو قام إلى موضع آخر من المسجد مع دوام نيّة انتظاره للصلاة، فالأول خرج مخرج الغالب، وقد مرّ مبحث ذلك في باب: من جلس في المسجد ينتطر الصلاة ( اللهمَّ صلّي عليه، اللهم ارحمه) أي لم تزل الملائكة تصلي عليه حال كونهم قائلين: يا الله ارحمه.
وزاد ابن ماجة اللهم تب عليه.
واستنبط منه أفضلية الصلاة على سائر العبادات، وصالحي البشر على الملائكة، كما لا يخفى ( ولا يزال أحدكم في) ثواب ( صلاة ما انتظر الصلاة) .
ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وبصري ومدني، وفيه رواية تابعي عن تابعي، والتحديث والسماع والقول.
31 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ ( باب فضل صلاة الفجر في جماعة) وللأصيلي وابن عساكر: فضل الفجر، وفي رواية في الجماعة بالتعريف.


رقم الحديث 648 [648] حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: تَفْضُلُ صَلاَةُ الْجَمِيعِ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ».
ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} .
وبالسند قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم ابن شهاب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي التابعي، المتفق على أن مرسلاته أصح المراسيل ( وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، اسمه عبد الله أو إسماعيل ( أن أبا هريرة) رضي الله عنه ( قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( يقول) : ( تفضل) أي تزيد ( صلاة الجميع صلاة أحدكم) إذا صلّى ( وحده بخمس وعشرين جزءًا) بحذف التاء من خمس على تأويل الجزء بالدرجة، أو لأن المميز غير مذكور، وفي أكثر الأصول، وصحح عليه في اليونينية، بخمسة.
بالتاء ولا إشكال فيه ( وتجتمع) بالواو الفوقية للكشميهني، وفي روايةأبوي ذر والوقت يجتمع ( ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر) لأنه وقت صعودهم بعمل الليل ومجيء الطائفة الأخرى لعمل النهار.
( ثم يقول أبو هريرة) مستشهدًا لذلك ( فاقرؤوا وإن شئتم) قوله تعالى ( { إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ} ) ولابن عساكر وقرآن الفجر إن قرآن الفجر { كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء من الآية: 78] تشهده الملائكة.


رقم الحديث 653 [653] ثُمَّ قَالَ «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
.

     وَقَالَ : «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ».
[الحديث أطرافه في: 72، 2829، 5733] .
(ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (الشهداء خمسة:) جمع شهيد، سمي بذلك لأن الملائكة يشهدون موته فهو مشهود، فعيل بمعنى مفعول، ولأبي ذر عن الحموي خمس بغير تاء بتأويل الأنفس أو النسمات، أو المميز غير مذكور فيجوز الأمران (المطعون) أي الذي يموت في الطاعون، أي الوباء، (والمبطون): صاحب الإسهال أو الاستسقاء، أو الذي يموت بداء بدنه: (والغريق) بالياء بعد الغين المعجمة والراء وللأصيلي الغرق في الماء، (وصاحب الهدم) بفتح الهاء وسكون الدال، أي الذي مات تحت الهدم، (والشهيد) القتيل (في سبيل الله) أي الذي حكمه أن لا يغسل ولا يصلّى عليه، بخلاف الأربعة السابقة.
فالحقيقة الأخير والذي قبله مجاز، فهم شهداء في الثواب كثواب الشهيد.
وجوّز الشافعي الجمع بينهما، واستشكل التعبير بالشهيد في سبيل الله، مع قوله: الشهداء خمسة، فإنه يلزم منه حمل الشيء على نفسه، فكأنه قال: الشهيد هو الشهيد.
وأجيب بأنه من باب: أنا أبو النجم وشعري شعري، أو معنى، الشهيد القتيل.
وزاد في الموطأ صاحب ذات الجنب، والحريق، والمرأة تموت بجمع.
وعند ابن ماجة من حديث ابن عباس: موت الغريب شهادة، وإسناده ضعيف.
وعند ابن عساكر من حديث ابن عباس أيضًا الشريق، ومن أكله السبع.
ويأتي مزيد لذلك في محاله إن شاء الله تعالى.
(وقال:) عليه الصلاة والسلام.
(لو يعلم الناس ما في النداء) التأذين للصلاة (والصف الأوّل، ثم لم يجدوا) شيئًا (إلا أن يستهموا، لاستهموا عليه) أي إلا أن يقترعوا عليه لاقترعوا، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه.
654 - وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».
(ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في الحتمة والصبح لأتوهما ولو) كان إتيانًا (حبوًا) وفي هذا المتن كما ترى ثلاثة أحاديث وكأن قتيبة حدث بذلك مجموعًا من مالك فلم يتصرف فيه المصنف كعادته في الاختصار.
ورواته الخمسة كلهم مدنيون إلا قتيبة فبلخي، وفيه التحديث والعنعنة.
وأخرج المؤلّف حديث: بينما رجل في الصلاة، ومسلم في الأدب، والترمذي في البرّ، وقال: حسن صحيح.
وحديث: الشهداء.
في الجهاد، وقوله: لو يعلم الناس ما في النداء، أخرجه المؤلّف في الصلاة، والشهادة.
وكذا النسائي.
وبقية مباحث ذلك تأتي، إن شاء الله تعالى، في محالها بعون الله وقوّته.
33 - باب احْتِسَابِ الآثَارِ (باب احتساب الآثار) أي الخطوات إلى المسجد للصلاة.
655 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ».
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} قَالَ: خُطَاهُمْ.
[الحديث 655 - طرفاه في: 656، 1887] .
وبالسند قال (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة آخره موحدة، الطائفي (قال: حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: حدّثنا) بالجمع وفي بعض الأصول: حدّثني (حميد) الطويل (عن أنس) وللأصيلي: أنس بن مالك (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا بني سلمة) بفتح السين وكسر اللام بطن كبير من الأنصار (ألا تحتسبون آثاركم) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه، أي: ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد، فإن بكل خطوة إليه درجة، وإنما خاطبهم عليه الصلاة والسلام بذلك حين أرادوا النقلة إلى قرب المسجد.
ورواة هذا الحديث ما بين طائفي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول.
(وقال مجاهد في) تفسير (قوله) تعالى ({ ونكتب ما قدموا وآثارهم} قال: خطاهم) رواه ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد مما ذكره في تفسيره وللأصيلي وأبي ذر وقال: قال مجاهد: خطاكم، آثار المشي بأرجلكم في الأرض.
ولابن عساكر، قال مجاهد: خطاهم: آثارهم، هي المشي في الأرض بأرجلهم.
656 -.

     وَقَالَ  ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ حَدَّثَنِي أَنَسٌ: "أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُعْرُوا الْمَدِينَةَ فَقَالَ: أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ".
قَالَ مُجَاهِدٌ: خُطَاهُمْ: آثَارُهُمْ، أَنْ يُمْشَى فِي الأَرْضِ بِأَرْجُلِهِمْ.
وبه قال (حدّثنا) بواو العطف، ولغير أبي ذر، وقال (ابن أبي مريم) سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي البصري (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي المصري (قال:حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه، ولأبي ذر: عن أنس (أن بني سلمة) بكسر اللام (أرادوا أن يتحوّلوا عن منازلهم) لكونها كانت بعيدة من المسجد (فينزلوا) منزلاً (قريبًا من النبي) أي من مسجده (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) أنس: (فكره رسول الله) ولأبي ذرّ: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يعروا المدينة) بضم المثناة التحتية وسكون العين المهملة وضم الراء أي: يتركوها خالية، وللكشميهني: أن يعروا منازلهم، فأراد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تبقى جهات المدينة عامرة بساكنيها، (فقال) (لا تحتسبون أثاركم) أي: ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد، زاد في رواية الفزاري: في الحج، فأقاموا.
ولمسلم، من حديث جابر، فقالوا: ما يسرنا أنّا كنّا تحوّلنا (قال مجاهد: خطاكم: آثارهم، أن يُمشى بضم أوّله وفتح ثالثه، وفي رواية: أن يمشوا.
وفي رواية لأبي ذر: (والمشي في الأرض بأرجلهم).
وزاد قتادة فقال: لو كان الله عز وجل مغفلاً شيئًا من شأنك يا ابن آدم، اغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار، ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله حتى أحصى عليه هذا الأثر فيما هو من طاعة الله تعالى، أو من معصيته.
فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله فليفعل.
وأشار المؤلّف بهذا التعليق، المسوق مرتين، إلى أن قصة بني سلمة كانت سبب نزول هذه الآية، وقد ورد مصرحًا به عند ابن ماجة بإسناد قوي، وكذا عند ابن أبي حاتم، قال الحافظ ابن كثير: وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية والسورة بكمالها مكية اهـ.
قلت قال أبو حيان: السورة كلها مكية، لكن زعمت فرقة أن قوله: { ونكتب ما قدّموا وآثارهم} نزل في بني سلمة من الأنصار، وليس هذا زعمًا صحيحًا.
اهـ.
لكن يترجح الأوّل بقوّة إسناده.
ورواة هذا الحديث ما بين طائفي وبصري، وفيه التحديث والقول.
34 - باب فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ (باب فضل صلاة العشاء).
حال كونها (في الجماعة) وسقط لفظ صلاة لابن عساكر.


رقم الحديث 657 [657] حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا.
لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلاً مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لاَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ بَعْدُ».
وبالسند قال ( حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين ( قال: حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي.
( قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أبو صالح) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( ليس صلاة أثقل) بالنصب، خبر ليس، كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية أبي ذر وكريمة عنه وللأكثرين: ليس أثقل ( على المنافقين) ، بحذف اسم ليس ( من الفجر) .
ولأبي الوقت وابن عساكر: من صلاة الفجر ( و) صلاة ( العشاء) لأن وقت الأولى وقت لذة النوم، والثانية وقت سكون واستراحة.
وفي تعبيره بالفعل التفضيل دلالة على أن الصلاة جميعها ثقيلة على المنافقين، والصلاتان المذكورتان أثقل من غيرهما لقوّة الداعي المذكور إلى تركهما، وأطلق عليهم النفاق، وهم مؤمنون، على سبيل المبالغة في التهديد، لكونهم لا يحضرون الجماعة ويصلون في بيوتهم من غير عذر ولا علة، وقد تقدم التنبيه على ذلك في باب وجوب الجماعة ( ولو يعلمون ما فيهما) أي الفجر والعشاء من مزيد الفضل ( لأتوهما) إلى المسجد للجماعة ( ولو) كان إتيانهم ( حبوًا) .
يزحفون إذا تعذّر مشيهم كما يزحف الصغير، ولم يفوتوا ما في مسجد الجماعة من الفضل والخير، ومطابقة الحديث للترجمة في الجزء الثاني.
( لقد) بغير واو، ولأبوي ذر والوقت: ولقد ( هممت أن آمر) بالمدّ وضم الميم ( المؤذن فيقيم ثم آمر) بالنصب عطفًا على آمر المنصوب بأن مثل فيقيم ( رجلاً يؤم) برفع الميم ( الناس) بنصب السين.
والجملة في موضع نصب صفة لرجل المنصوب بثم آمر ( ثم آخذ شعلاً من نار) بضم الشين المعجمة وفتح العين، والنصب مفعول آخذ المنصوب عطفًا على آمر ( فأحرّق) بفتح الحاء وتشديد الراء المكسورة ونصب عطفًا على آخذ، وللكشميهني: فأحرق بسكون الحاء، ( على مَن لا يخرج إلى الصلاة بعد) نقيض قبل، مبني على الضم.
أي بعد أن يسمع النداء إلى الصلاة.
وللكشميهني وأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر:يقدر، بمثناة تحتية فقاف ساكنة فدال مكسورة فراء، بدل بعد.
أي: لا يخرج إلى الصلاة حال كونه يقدر.
وفي رواية ادّعى في المصابيح أنها للجمهور: إلى الصلاة بعذر، بموحدة ثم عين مهملة مضمومة فذال معجمة فراء، وهي مشكلة لما لا يخفى، لا سيما ولم أرها في شيء من النسخ، نعم وقع عند الداودي الشائع فيما نقله الزركشي والحافظ ابن حجر: لا بعذر، بحرف النفي، وهي واضحة.
لكن قال في الفتح: لم نقف عليها في شيء من الروايات عند غيره.
ولأبي داود من حديث أبي هريرة: ثم آتي قومًا يصلون في بيوهم ليس بهم علة فأحرقها عليهم.
35 - باب اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ هذا ( باب) بالتنوين ( اثنان فما فوقهما جماعة) كذا رواه ابن ماجة من حديث أبي موسى، وكذا رواه غيره.
وكلها ضعيفة.


رقم الحديث 658 [658] حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا».
وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد الأسدي البصري الثقة ( قال: حدّثنا يزيد ابن زريع) الأوّل من الزيادة، والثاني تصغير زرع، العايشي ( قال: حدّثنا خالد) وللأصيلي: خالد الحذاء ( عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد ( عن مالك بن الحويرث) بضم الحاء مصغرًا الليثي: رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) لرجلين أتياه يريدان السفر: ( إذا حضرت الصلاة) المكتوبة ( فأذنا وأقيما) أي أحدكما ( ثم ليؤمكما أكبركما) .
فإن قلت ليس في حديث الباب ذكر صلاة الاثنين، وحينئذٍ فلا مطابقة بينه وبين الترجمة، أجيب: بأنه بالاستنباط من لازم الأمر بالإقامة، لأنه لو استوت صلاتهما معًا مع صلاتهما منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة، كان يقول: أذنًا وأقيما وصليا.
قاله ابن حجر، وتعقبه العيني، بأن هذا اللازم لا يستلزم كون الاثنين جماعة على ما لا يخفى، فكيف يستنبط منه مطابقته للترجمة؟ وأجاب بأنه يمكن أن يذكره وجه، وإن كان لا يخلو عن تكلف وهو أنه عليه الصلاة والسلام، إنما أمرهما بإمامة أحدهما الذي هو أكبرهما، التحصيل لهما فضيلة الجماعة.
فصار الاثنان هاهنا كأنهما جماعة بهذا الاعتبار، لا باعتبار الحقيقة.
وقال الدماميني: لما كان لفظ حديث الترجمة ضعيفًا، لا جرم أن البخاري اكتفى عنه بحديث مالك بن الحويرث، ونبّه في الترجمة عليه.
36 - باب مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ، وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ ( باب) بيان فضل ( من جلس في المسجد) حال كونه ( ينتظر الصلاة) ليصلّيها مع الجماعة ( و) بيان ( فضل المساجد) .
659 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ.
لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ الصَّلاَةُ».
وبالسند قال ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي الحارثي البصري المدني الأصل ( عن مالك) هو ابن أنس، إمام دار الهجرة ( عن أبي الزناد) بالزاي المكسورة وبالنون، عبد الله بن ذكوان القرشي المدني ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : ( إن الملائكة تصلي على أحدكم) أي تستغفر له ( ما دام في مصلاه) ينتظر الصلاة وهل المراد البقعة التي صلّى فيها من المسجد حتى لو انتقل إلى بقعة أخرى في المسجد لم يكن له هذا الثواب المرتب عليه، أو المراد بمصلاه جميع المسجد الذي صلّى فيه؟ يحتمل كلاًّ منهما، والثاني أظهر بدليل رواية: ما دام في المسجد وبه بوّب هنا، ويؤيد الأوّل ما في رواية مسلم وأبي داود: ما دام في مجلسه الذي صلّى فيه، ( ما لم يحدث) بإخراج شيء من أحد السبيلين، أو فاحش من لسانه أو يده، حال كونهم، أي الملائكة المصلين على المصلي، قائلين: ( اللَّهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه) وعبر: بتصلي ليناسب الجزاء العمل ( لا) بغير واو في رواية: ولا ( يزال أحدكم في) ثواب ( صلاة ما دامت الصلاة تحبسه) أي مدّة دوام حبس الصلاة له، وللكشميهني: ما كانت الصلاة تحبسه ( لا يمنعه أن ينقلب) أي لا يمنعه الانقلاب، وهو الرواح ( إلى أهله إلاّ الصلاة) أي لا غيرها.
ومقتضاه أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه الثواب المذكور، وكذا إذا شارك نيّة الانتظار أمر آخر.
66 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.
[الحديث 66 - أطرافه في: 1423، 6479، 686] .
وبه قال ( حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة ولابن عساكر ابن بشار بندار وهو لقب محمد ( قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن عبيد الله) بالتصغير، العمري ( قال: حدّثني) بالإفراد ( خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وموحدتين، أولاهما مفتوحةبينهما مثناة تحتية، الأنصاري المدني ( عن حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو جدّ عبيد الله المذكور، لأبيه، كما أنّ خبيبًا خاله ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:) : ( سبعة) من الناس، ( يظلهم الله في ظله) أي ظل عرشه ( يوم لا ظل) في القيامة ودنو الشمس من الخلق ( إلاّ ظله) أحدهم.
( الأمام) الأعظم ( العادل) التابع لأوامر الله، فيضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، وقدّم على تاليه لعموم نفعه، ويلتحق به من ولي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه، لحديث: إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا.
( و) الثاني من السبعة ( شاب نشأ في عبادة ربه) لأن عبادته أشق لغلبة شهوته وكثرة الدواعي لطاعة الهوى، فلازمة العبادة حينئذٍ أشدّ وأدلّ على غلبة التقوى، وفي الحديث يعجب ربك من شاب ليست له صبوة.
( و) الثالث: ( رجل قلبه معلق) بفتح اللام كالقنديل ( في المساجد) من شدة حبه لها، وإن كان جسده خارجًا عنها، وكُنِّيَ به عن انتظار أوقات الصلوات، فلا يصلّي صلاة في المسجد ويخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليصلّيها فيه فهو ملازم للمسجد بقلبه وإن عرض لجسده عارض، وبهذا تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة.
ولأبي ذر عن المستملي والحموي: متعلق بزيادة مثناة فوقية بعد الميم مع كسر اللام.
( و) الرابع: ( رجلان تحابا في الله) أي لأجله لا لغرض دنيوي ( اجتمعا عليه) سواء كان اجتماعهما بأجسادهما حقيقة أم لا، وللحموي والمستملي: اجتمعا على ذلك أي: على الحب في الله.
كالضمير في قوله ( وتفرّقا عليه) أي استمرا على محبتهما لأجله تعالى حتى فرّق بينهما الموت، ولم يقطعاها لعارض دنيوي، وتحابا بتشديد الموحدة.
وأصله، تحاببا.
فلما اجتمع المثلان أسكن الأوّل منهما وأدغم في الثاني، وليس التفاعل هنا كهو، أي: أظهر الجهل من نفسه، والمحبة من نفسه.
بل المراد التلبس بالحب كقوله: باعدته فتباعد.
فهو عبارة عن معنى حصل عن فعل متعدّ.
وقع في رواية حماد بن زيد: ورجلان قال كل منهما للآخر: إني أحبك في الله فصدرا على ذلك.
( و) الخامس: ( رجل طلبته ذات) وفي رواية كريمة طلبته امرأة ذات ( منصب) بكسر الصاد المهملة، أصل أو شرف أو مال ( وجمال) حسن للزنا ( فقال) بلسانه زجرًا لها عن الفاحشة، أو بقلبه زجرًا لنفسه: ( اني أخاف الله) .
زاد في رواية كريمة ربّ العالمين والصبر على الموصوفة، بما ذكر من الأصل والشرف والمال والجمال المرغوب فيها عادة، لعزّة ما جمع فيها من أكمل المراتب وأكمل المناصب، لا سيما وقد أغنت عن مشاق التوصّل إليها بمراودة ونحوها، وهي رتبة صدّيقية، ووراثة نبوية.
( و) السادس: ( رجل تصدّق) تطوعًا حال كونه قد ( أخفى) الصدقة، ولأحمد: تصدق فأخفى.
وللمؤلّف، في الزكاة، كمالك: فأخفاها.
فحمل على أن راوي الأوّل حذف العاطف.
وللأصيلي: تصدّق.
إخفاء بكسر الهمزة والمدّ أي صدقة إخفاء.
فنصب بمصدر محذوف، أو حالاً من الفاعل، أي مخفيًّا.
قال البدر على تأويل المصدر باسم الفاعل جعل كأنه نفس الإخفاء مبالغة ( حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) جملة في موضع نصب بتعلم ذكرت للمبالغة في إخفاء الصدقة والإسرار بها.
وضرب المثل بهما لقربهما وملازمتهما.
أي لو قدّر أن الشمال رجل متيقظ لما علم صدقة اليمين للمبالغة في الإخفاء فهو من مجاز التشبيه أو من مجاز الحذف، أي حتى لا يعلم ملك شماله أو حتى لا يعلم من على شماله من الناس، أو هو من باب تسمية الكل بالجزء، فالمراد بشماله نفسه، أي أن نفسه لا تعلم ما تنفق يمينه.
ووقع في مسلم: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ولا يخفى أن الصواب ما في البخاري، لأن السُّنَّة المعهودة إعطاء الصدقة باليمين لا بالشمال، والوهم فيه من أحد رواته، وفي تعيينه خلاف.
وهذا يسميه أهل الصناعة: المقلوب.
ويكون في المتن والإسناد.
( و) السابع: ( رجل ذكر الله) بلسانه أو بقلبه حال كونه ( خاليًا) من الخلق لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء، أو خاليًا من الالتفات إلى غير المذكور تعالى، وإن كانفي ملأ ويدل له رواية البيهقي بلفظ: ذكر الله بين يديه ( ففاضت عيناه) من الدمع لرقة قلبه وشدة خوفه من جلاله أو مزيد شوقه إلى جماله.
والفيض انصباب عن امتلاء، فوضع موضع الإمتلاء للمبالغة، أو جعلت العين من فرط البكاء كأنها تفيض بنفسها.
وذكر الرجال في قوله: ورجل لا مفهوم له، فتدخل النساء؟ نعم.
لا يدخلن في الإمامة العظمى، ولا في خصلة ملازمة المسجد، لأن صلاتهنّ في بيتهنّ أفضل، لكن يمكن في الإمامة حيث يكن ذوات عيال فيعدلن، ولا يقال لا يدخلن في خصلة من دعته امرأة لأنًّا نقول: إنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلاً للزنا، فامتنعت خوفًا من الله مع حاجتها.
وذكر المتحابين لا يصير العدد ثمانية لأن المراد عدّ الخصال لا عدّ المتصفين بها.
ومفهوم العدد بالسبعة لا مفهوم له، بدليل ورود غيرها.
ففي مسلم من حديث أي اليسر مرفوعًا: من أنظر معسرًا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وزاد ابن حبّان، وصححه من حديث ابن عمر المغازي، وأحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف عون المجاهد، وكذا زاد أيضًا من حديثه: إرفاد الغارم، وعون المكاتب.
والبغوي في شرح السُّنَّة: التاجر الصدوق.
والطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف: تحسين الخلق.
ومن تتبع دواوين الحديث وجد زيادة كثيرة على ما ذكرته.
وللحافظ ابن حجر مؤلف سماه: ( معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال) .
ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في الزكاة والرقاق.
ورواته الستة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، ورواية الرجل عن خاله وجده، وأخرجه في الزكاة وفي الرقاق، ومسلم في الزكاة والنسائي في القضاء والرقاق.


رقم الحديث 661 [661] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: "سُئِلَ أَنَسٌ: هَلِ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَخَّرَ لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَقَالَ: صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا.
قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ".
وبه قال ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي ( قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر) هو ابن كثير الأنصاري المدني ( عن حميد) الطويل ( قال: سئل أنس) وللأصيلي: أنس بن مالك ( هل اتخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا؟ فقال: نعم) اتخذه ( أخَّر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل) نصفه ( ثم أقبل علينا بوجهه) الكريم ( بعدما صلّى فقال) : ( صلى الناس) أي غيركم ممن صلّى في داره أو مسجد قبيلته ( ورقدوا ولم تزالوا في) ثواب ( صلاة منذ انتظرتموها) أي الصلاة.
( قال) أنس: ( فكأني) بالفاء وفي رواية وكأني ( أنظر إلى وبيص خاتمه) بكسر الموحدة آخره صاد مهملة أي بريقه ولمعانه.
وسبق الحديث في باب وقت العشاء إلى نصف الليل، وهو مطابق للجزء الأوّل من الترجمة في قوله: ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها.
وبقية مباحثه تأتي في محالها إن شاء الله تعالى.
37 - باب فَضْلِ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَنْ رَاحَ بيان ( فضل من غدا إلى المسجد ومن راح) إليه.
وللكشميهني: من خرج.
بلفظ الماضي، وللحموي والمستملي: من يخرج بلفظ المضارع، والأولى موافقة للفظ الحديث الآتي إن شاء الله تعالى في الغدوّ والرواح، وأصل غدا: والأولى موافقة للفظ الحديث الآتي إن شاء الله في الغدوّ والرواح، وأصل غدا: خرج بغدوة، أي مبكرًا.
وراح: رجع بعشي، وقد يستعملان في الخروج مطلقًا توسعًا، وتبين بالروايتين الأخيرتين أن المراد بالغدوّ الذهاب، وبالرواح الرجوع.
662 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ».
وبالسند قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر المديني البصري ( قال: حدّثنا يزيد بن هارون) بن زاذان الواسطي ( قال: أخبرنا محمد بن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشدّدة وبالفاء، الليثي المدني، وفي رواية ابن المطرّف: بالألف واللام ( عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام، المدني، مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( عن عطاء بن يسار) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة، الهلالي، مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحرث ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) ( من غدا إلى المسجد وراح أعدّ الله) أي هيّأ ( له نزله) بضم النون والزاي مكانًا ينزله ( من الجنة) وقد تسكن الزاي كعنق وعنق أو هيأ له ضيافته وللمستملي نزلاً بالتنكير ولابن عساكر فى الجنة ( كلما غدا أو راح) للطاعة.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وواسطي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول وروايةتابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه مسلم أيضًا.
38 - باب إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ هذا ( باب) بالتنوين ( إذا أقيمت الصلاة) أي إذا شرع في الإقامة لها ( فلا صلاة) كاملة أو لا تصلوا حينئذٍ ( إلا المكتوبة) .
هذا لفظ رواية مسلم والسنن الأربعة وغيرها، ولم يخرجها البخاري لكونه اختلف على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه، لكن حكمه صحيح، فذكره ترجمة، وساق لها ما يغني عنه.
لكن حديث الباب مختص بالصبح، وحديث الترجمة أعم لشموله كل الصلوات.


رقم الحديث 663 [663] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ ... " قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ مَالِكٌ ابْنُ بُحَيْنَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَثَ بِهِ النَّاسُ،.

     وَقَالَ  لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصُّبْحَ أَرْبَعًا، الصُّبْحَ أَرْبَعًا" تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ فِي مَالِكٍ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ سَعْدٍ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ.
.

     وَقَالَ  حَمَّادٌ: أَخْبَرَنَا سَعْدٌ عَنْ حَفْصٍ عَنْ مَالِكٍ.
وبالسند قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي المدني ( قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين، الزهري المدني ( عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ( عن حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب ( عن عبد الله بن مالك) هو ابن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة ( ابن بحينة) بضم الموحدة وفتح المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح النون آخره هاء تأنيث بنت الحرث بن المطلب بن عبد مناف، وهي أم عبد الله، ويكتب ابن بحينة بزيادة ألف، ويعرب إعراب عبد الله رضي الله عنه ( قال: مر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجل) هو عبد الله الراوي، كما عند أحمد من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه بلفظ: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ به وهو يصلّي، ولا يعارضه ما عند ابني حبان وخزيمة: أنه ابن عباس، لأنهما واقعتان ( قال:) أي البخاري ( وحدّثني) بالإفراد ( عبد الرحمن) زاد ابن عساكر: يعني ابن بشر، بكسر الموحدة وسكون المعجمة، أي الحكم النيسابوري ( قال: حدّثنا بهز بن أسد) بفتح الموحدة وسكون الهاء آخره زاي، العمي البصري ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال: أخبرني) بالإفراد، وللأصيلي: حدّثني بالإفراد أيضًا ( سعد بن إبراهيم) بسكون العين، ابن عبد الرحمن بن عوف ( قال: سمعت حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب ( قال: سمعت رجلاً من الأزد) بفتح الهمزة وسكون الزاي، وللأصيلي من الأسد، بالسين بدل الزاى، أي أسد شنوأة ( يقال له: مالك بن بحينة) تابع شعبة على ذلك أبو عوانة وحماد بن سلمة، لكن حكم ابن معين وأحمد والشيخان والنسائي والإسماعيلي والدارقطني وغيرهم من الحفاظ بوهم شعبة في ذلك في موضعين، أحدهما: أن بحينة أم عبد الله لا مالك.
ثانيهما: أن الصحبة والرواية لعبد الله لا لمالك.
ولم يذكر أحد مالكًا في الصحابة.
نعم ذكره بعض من لا تمييز له ممن تلقاه من هذا الإسناد ( أن رسول الله رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة) هو ملتقى الإسنادين، والقدر المشترك بين الطريقين، إذ تقديره: مر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجل.
أو قال: قد رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة، أي نودي لها بالألفاظ المخصوصة، حال كونه ( يصلّي ركعتين) نفلاً، ( فلما انصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من صلاة الصبح ( لاث به الناس) بالثاء المثلثة أي داروا به وأحاطوا ( فقال) ولغير ابن عساكر وقال ( له) أي لعبد الله المصلي ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) موبخًا بهمزة الاستفهام الإنكاري الممدودة وقد تقصر.
( الصبح) نصب بتقدير أتصلي الصبح حال كونه ( أربعًا الصبح) أي أتصلي الصبح حال كونه ( أربعًا) ورفع بتقدير الصبح تصلي أربعًا مبتدأ أو الجملة التالية خبره، والضمير المنصوب محذوف.
وأعرب البرماوي كالكرماني أربعًا على البدلية من سابقه، إن نصب، أو مفعول مطلق، إن رفع.
وابن مالك على الحال.
والمراد بذلك النهي عن فعله لأنها تصير صلاتين، وربما يتطاول الزمان فيظن وجوبهما.
ولا ريب أن التفرغ للفريضة والشروع فيها تلو شروع الإمام أولى من التشاغل بالنافلة، لأن التشاغل بها يفوّت فضيلة الإحرام مع الإمام.
وقد اختلف في صلاة سنة فريضة الفجر عند إقامتها، فكرهها الشافعي وأحمد وغيرهما وقال الحنفية لا بأس أن يصلّيها خارج المسجد إذا تيقن إدراك الركعة الأخيرة مع الإمام، فيجمع بين فضيلة السُّنَّة وفضيلة الجماعة.
وقيّدوه بباب المسجد لأن فعلها في المسجد يلزم منه تنفله فيه مع إشغال إمامه بالفرض، وهو مكروه لحديث: إذا أقيمت الصلاة.
وقال المالكية لا تبتدأ صلاة بعد الإقامة لا فرضًا ولا نفلاً لحديث: إذا أقيمت الصلاةفلا صلاة إلا المكتوبة، أي الحاضرة.
وإن أقيمت وهو في صلاة قطع إن خشي فوات ركعة.
وإلاّ أتم.
ورواة هذا الحديث ما بين نيسابوري ومدني وواسطي، وفيه التحديث والقول واثنان من التابعين وأخرجه مسلم في الصلاة.
( تابعه) أي تابع بهز بن أسد في روايته عن شعبة بهذا الإسناد ( غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة، محمد بن جعفر ابن زوج شعبة، مما وصله أحمد ( ومعاذ) بالذال المعجمة، ابن معاذ البصري، مما وصله الإسماعيلي ( عن شعبة) بن الحجاج في الرواية ( عن مالك) أي ابن بحينة ولأبوي ذر والوقت ومعاذ عن مالك ( وقال ابن اسحاق) محمد صاحب المغازي ( عن سعد) بسكون العين، ابن إبراهيم ( عن حفص) هو ابن عاصم ( عن عبد الله بن بحينة) وهذه موافقة لرواية إبراهيم بن سعد عن أبيه، وهي الراجحة ( وقال حماد) هو ابن أبي سلمة لا ابن زيد ( أخبرنا سعد عن حفص عن مالك) فوافق شعبة في قوله عن مالك ابن بحينة والأول هو الصواب كما مر.
39 - باب حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ ( باب) بيان ( حد المريض) بالحاء المهملة أي ما يحدّ للمريض ( أن يشهد الجماعة) حتى إذا جاوز ذلك الحد لم يشرع له شهودها.
وقال ابن بطال وغيره: معنى الحدّ هنا الحدة، كقول عمر في أبي بكر: كنت أداري منه بعض الحد، أي الحدة، والمراد الحض على شهودها.
وقال ابن قرقول، مما عزاه للقابسي: باب جد بالجيم، أي اجتهاد المريض لشهود الجماعة.


رقم الحديث 664 [664] حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الأَسْوَدُ: قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأُذِّنَ، فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ.
وَأَعَادَ، فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ.
فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَِخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ".
قِيلَ لِلأَعْمَشِ: وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ بِرَأْسِهِ: نَعَمْ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الأَعْمَشِ بَعْضَهُ.
وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا.
وبالسند قال ( حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين ولغير الأصيلي زيادة ابن غياث ( قال: حدّثني) بالإفراد، وللأربعة حدّثنا ( أبي) حفص بن غياث بن طلق، بفتح الطاء وسكون اللام ( قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران ( عن إبراهيم) النخعي ( قال الأسود) ابن يزيد بن قيس النخعي المخضرم الكبير ( كنّا) ولأبوي ذر والوقت: عن إبراهيم عن الأسود قال: كنا فقال: الثانية ثابتة مع عن ساقطة مع قال الأسود كنا ( عند) أم المؤمنين ( عائشة: رضي الله عنها، فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها) بالنصب عطفًا على المواظبة ( قالت) عائشة: ( لما مرض رسول الله) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مرضه الذي مات فيه) واشتد وجعه، وكان في بيت عائشة رضي الله عنها، ( فحضرت الصلاة) أي وقتها ( فأذن) بالصلاة بالفاء وضم الهمزة مبنيًّا للمفعول من التأذين وللأصيلي: وأذن، قال ابن حجر: وهو أوجه.
قال العيني: لم يبين وجه الأوجهية بل الفاء أوجه على ما لا يخفى، انتهى.
فليتأمل.
وفي الفرع وأصله عن الأصيلي: فأوذن بالفاء وبعد الهمزة المضمومة واو وتخفيف المعجمة، وفي باب: الرجل يأتم بالإمام جاء بلال يؤذن بالصلاة فاستفيد منه تسمية المبهم، وأن معنى أذن أعلم.
قلت وهو يؤيد رواية فأوذن السابقة.
تنبيه: قال في المغني: لما، يكون جوابها فعلاً ماضيًا اتفاقًا نحو: { فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} [الإسراء: 67] .
وجملة اسمية مقرونة بإذا الفجائية نحو: { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] أو بالفاء عند ابن مالك نحو: { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [لقمان: 32] .
وفعلاً مضارعًا عند ابن عصفور نحو: { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا} [هود: 74] .
وهو مؤوّل: يجادلنا.
وقيل في آية الفاء: إن الجواب محذوف، أي انقسموا قسمين، فمنهم مقتصد.
وفي آية المضارع.
إن الجواب جاءته البشرى على زيادة الواو، أو محذوف، أي: أقبل يجادلنا.
قال ابن الدماميني: ولم يذكر في الحديث هنا بعد لما فعلاً ماضيًا مجردًا من الفاء يصلح جوابًا للماء، بل كلها بالفاء.
اهـ.
قلت يحتمل أن يكون الجواب محذوفًا تقديره: لما مرض عليه الصلاة والسلام، واشتد مرضه فحضرت الصلاة، فأذن أراد عليه الصلاة والسلام استخلاف أبي بكر في الصلاة ( فقال) لمن حضره ( مروا) بضمتين بوزن كلوا من غير همز تخفيفًا ( أبا بكر) الصديق رضي الله عنه ( فليصلِّ بالناس) بتسكين اللام الأولى وابن عساكر: فليصلّي بكسرها وإثبات الياء المفتوحة بعد الثانية، والفاء عاطفة أي: فقولوا له قولي فليصل، وقد خرج بهذا الأمر أن يكون من قاعدة الأمر بالأمر بالفعل، فإن الصحيح في ذلك أنه ليس أمرًا بالفعل ( فقيل له) أي قالت عائشة له عليه الصلاة والسلام: ( إن أبا بكر رجل أسيف) بهمزة مفتوحة وسين مهملة مكسورة بوزن فعيل، بمعنى فاعل من الأسف، أي؛ شديد الحزن رقيق القلب سريع البكاء ( إذا قام مقامك) ولغير الأربعة: إذا قام في مقامك ( لم يستطع أن يصلّي بالناس) وفي رواية مالك عن هشام عنها قالت: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر ( وأعاد) عليه الصلاة والسلام ( فأعادوا) أي عائشة ومن معها في البيت.
نعم وقع في حديث أبي موسى فعادت، ولابن عساكر فعاودت ( له) عليه الصلاة والسلام تلك المقالة: إن أبا بكر رجل أسيف، ( فأعاده) عليه الصلاة والسلام المرة ( الثالثة) من مقالته: مروا أبا بكر فليصل بالناس ( فقال) فيه حذف بيّنه مالك في روايته الآتية إن شاء الله تعالى، ولفظه: فقالت عائشة: فقلت لحفصة قولي له: إن أبا بكر إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء، فأمر عمر، فليصلّ بالناس.
ففعلت حفصة، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مه ( إنكن صواحب يوسف) الصديق، أي مثلهن في إظهار خلاف ما في الباطن.
فإن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن الصديق لكونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك، وهو أن لا يتشاءم الناس به، وهذا مثل زليخا، استدعت النسوة وأظهرت لهنّ الإكرام بالضيافة، وغرضها أن ينظرن إلى حُسْن يوسف ويعذرنها في محبته، فعبر بالجمع في قوله: إنكن، والمراد عائشة فقط.
وفي قوله: صواحب، والمراد زليخا كذلك ( مروا أبا بكر فليصل بالناس) بسكون اللام الأولى.
وللأصيلي وابن عساكر: فليصلّي بكسرها وياء مفتوحة بعد الثانية، وللكشميهني: للناس باللام بدل الموحدة.
وفي رواية موسى بن أبي عائشة الآتية إن شاء الله تعالى: فأتى بلال إلى أبي بكر فقال له: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر، وكان رجلاً رقيقًا يا عمر، صلً بالناس.
فقال له عمر: أنت أحق بذلك مني ( فخرج أبو بكر) رضي الله عنه ( فصلى) بالفاء وفتح اللام، ولأبوي ذر والوقت: يصلي، بالمثناة التحتية بدل الفاء وكسر اللام، وظاهره أنه شرع فيها، فلما دخل فيها ( فوجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نفسه خفة) في تلك الصلاة نفسها، لكن في رواية موسى بن أبي عائشة: فصلّى أبو بكر تلك الأيام، ثم إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد من نفسه خفة ( فخرج يهادى) بضم أوله مبنيًّا للمفعول، أي: يمشي ( بين رجلين) العباس وعلي، أو بين أسامة بن زيد والفضل بن عباس، معتمدًا عليهما متمايلاً في مشيه من شدة الضعف ( كأني أنظر رجليه) ولابن عساكر: إلى رجليه ( يخطّان الأرض) أي: يجرهما عليها غير معتمد عليهما ( من الوجع) وسقط لفظ الأرض من رواية الكشميهني، وعند ابن ماجة وغيره من حديث ابن عباس، بإسناد حسن، فلما أحس الناس به سبّحوا ( فأراد أبو بكر) رضي الله عنه ( أن يتأخر فأومأ إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لضعف صوته أو لأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق، وسقط لفظ النبي في رواية الأصيلي ( أن مكانك) نصب بتقدير الجزم، والهمزة مفتوحة والنون مخففة ( ثم أتي به) عليه الصلاة والسلام ( حتى جلس إلى جنبه) أي جنب أبي بكر الأيسر، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في رواية الأعمش، وفي رواية موسى بن أبي عائشة: فقال أجلساني إلى جنبه فأجلساه ( فقيل للأعمش) سليمان بن مهران بالفاء قبل القاف، ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر: قيل للأعمش ( وكان) بالواو، وللأربعة: فكان ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي، وأبو بكر يصلّي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر) أي بصوته الدالّ على فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لا أنهم مقتدون بصلاته، لئلا يلزم الاقتداء بمأموم.
ويأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى، ولأبوي ذر والأصيلي وابن عساكر: والناس يصلون بصلاة أبي بكر ( فقال) الأعمش ( برأسه: نعم) فإن قلت: ظاهر قوله فقيل للأعمش إلخ، إنه منقطع لأن الأعمش لم يسنده، أجيب بأن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متصلاً بالحديث، وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة، وغيرها قاله في الفتح ( رواه) وفي رواية: ورواه أي الحديث المذكور ( أبو داود) الطيالسيمما وصله البزار ( عن شعبة عن الأعمش) سليمان بن مهران ( بعضه) نصب بدل من ضمير رواه، ولفظ البزار: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المقدم بين يدي أبي بكر.
كذا رواه مختصرًا.
( وزاد معاوية) محمد بن حازم الضرير في روايته عن الأعمش، مما وصله المؤلّف في باب: الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم، عن قتيبة عنه ( جلس) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عن يسار أبي بكر) رضي الله عنه ( فكان) وفي رواية وكان ( أبو بكر يصلّي) حال كونه ( قائمًا) وعند ابن المنذر من رواية مسلم بن إبراهيم عن شعيب: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى خلف أبي بكر.
وعند الترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، من رواية شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى خلف أبي بكر.
فمن العلماء من رجح أن أبا بكر كان مأمومًا، لأن أبا معاوية أحفظ لحديث الأعمش من غيره، واستدلّ الطبري بهذا على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به، ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة، وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة، وعلى جواز تقدّم إحرام المأموم على الإمام بناءً على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة، ثم قطع القدوة، وائتمّ برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ومنهم من رجح أنه كان إمامًا لقول أبي بكر، الآتي في باب: من دخل ليؤم الناس ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد جزم بذلك الضياء، وابن ناصر، وقال أنه صحّ، وثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى خلف أبي بكر مقتديًا به في مرضه الذي مات فيه، ولا ينكر هذا إلاّ جاهل انتهى.
وقد ثبت في صحيح مسلم أنه صلّى خلف عبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك صلاة الفجر.
وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد خرج لحاجته، فقدّم الناس عبد الرحمن فصلّى بهم.
فأدرك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحدى الركعتين، فصلّى مع الناس الركعة الأخيرة.
فلما سلم عبد الرحمن قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح.
فلما قضى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاته، أقبل عليهم ثم قال: أحسنتم.
أو قال: قد أصبتم.
يغبطهم أن يصلوا لوقتها.
ورواه أبو داود بنحوه أيضًا.
وقد روى الدارقطني، من طريق المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ما مات نبي حتى يؤمه رجل من قومه.
ورواة حديث الباب كوفيون، وفيه رواية الابن عن الأب، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة، وكذا مسلم والنسائي وابن ماجة.