فهرس الكتاب

- باب حسن إسلام المرء

رقم الحديث 43 [43] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ.
قَالَ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ فُلاَنَةُ -تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا- قَالَ «مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا».
وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.
[الحديث طرفه في: 1151] .
وبالسند إلى المؤلف قال رحمه الله تعالى: ( حدّثنا محمد بن المثنى) بالمثلثة والنون المفتوحة المشدّدة أبو موسى البصري المذكور في باب حلاوة الإيمان قال ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان الأحول ( عن هشام) يعني ابن عروة ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبي) عروة بن الزبير بن العوام ( عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.
( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها و) الحال ( عندها امرأة فقال) بإثبات فاء العطف، وللأصيلي قال بحذفها فيكون جملة استئنافية جواب سؤال مقدّر كأن قائلاً يقول ماذا قال حين دخل قالت قال ( من هذه؟ قالت) عائشة هي ( فلانة) بعدم الصرف للتأنيث والعلمية إذ هو كناية عن ذلك وهي الحولاء بالمهملة والد كما في مسلم بنت تويت بمثناتين مصغرًا ( تذكر) بفتح المثناة الفوقية أي عائشة ( من صلاتها) في محل نصب على المفعولية، ولغير الأربعة يذكر بضم المثناة التحتية مبنيًّا لما لم يسمّ فاعله وتاليه نائب عنه أي يذكرون أن صلاتها كثيرة، وعند المؤلف في صلاة الليل معلقًا لا تنام الليل، ولعل عائشة أمنت عليها الفتنة فمدحتها في وجهها لكن في مسند الحسن بن سفيان كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من هذه يا عائشة قالت: يا رسول الله هذه فلانة وهي أعبد أهل المدينة، فظاهر هذه الرواية أن مدحها كان في غيبتها ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( مه) بفتح الميم وسكون الهاء اسم للزجر بمعنى اكفف نهاها عليه السلام عن مدح المرأة بما ذكرته أو عن تكلّف عمل ما لا يطاق، ولذا قال بعده ( عليكم) من العمل ( بما) بموحدة قبل الميم، وفي رواية الأصيلي ما ( تطيقون) أي بالذي تطيقون المداومة عليه وحذف العائد للعلم به ويفهم منه النهي عن تكليف ما لا يطاق وسبب وروده خاص بالصلاة، لكن اللفظ عامّ فيشمل جميع الأعمال، وعدل عن خطاب النساء إلى خطاب الرجال طلبًا لتعميم الحكم فغلب الذكور على الإناث في الذكر ( فوالله لا يملّ الله حتى) أن ( تملوا) بفتح الميم في الموضعين وهو من باب المشاكلة والازدواج، وهو أن تكون إحدى اللفظتين موافقة للأخرى وإن خالفت معناها.
والملال ترك الشيء استثقالًا وكراهة له بعد حرص ومحبة فيه فهو من صفات المخلوقين لا من صفات الخالق تعالى فيحتاج إلى تأويل، فقال المحققون: هو على سبيل المجاز لأنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالاً عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه أو معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله، ( وكان أحب الدين) أي الطاعة ( إليه) أي إلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية المستملي إلى الله وليس بين الروايتين تخالف لأن ما كان أحبإلى الله كان أحب إلى رسوله وفي رواية أبي الوقت والأصيلي وكان أحب بالرفع اسم كان ( ما داوم) أي واظب ( عليه صاحبه) وإن قلَّ فبالمداومة على القليل تستمر الطاعة بخلاف الكثير الشاق، وربما ينمو القليل الدائم حتى يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة، وهذا من مزيد شفقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأفته بأمته حيث أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه من غير مشقة جزاه الله عنّا ما هو أهله، وسقط عند الأصيلي قوله ما داوم عليه صاحبه، والتعبير بأحب هنا يقتضي أن ما لم يداوم عليه صاحبه من الدين محبوب، ولا يكون هذا إلا في العمل ضرورة أن ترك الإيمان كفر.
قاله في الصابيح.
وفي هذا الحديث الدلالة على استعمال المجاز وجواز الحلف من غير استحلاف وأنه لا كراهة فيه إذا كان لمصلحة وفضيلة المداومة على العمل وتسمية العمل دينًا، وقد أخرجه المؤلف أيضًا في الصلاة ومسلم ومالك في موطئه.
33 - باب زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَزِدْنَاهُمْ هُدًى - وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا) .

     وَقَالَ : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْكَمَالِ فَهُوَ نَاقِص ( باب زيادة الإيمان ونقصانه) بإضافة باب لتاليه فقط.
( وقول الله تعالى) بجر قول عطفًا على زيادة الإيمان، ولأبي ذر وابن عساكر عز وجل بدل قوله تعالى: { وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] لأن زيادته مستلزمة للإيمان أو المراد بالهدى الإيمان نفسه، وقوله تعالى: { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] ( وقال) تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} أي شرائعه.
فإن قلت: إذا كان تفسير الآية ما ذكر فما وجه استدلال المصنف بها على زيادة الإيمان ونقصانه.
أجيب: بأن الكمال مستلزم للنقص واستلزامه للنقص يستدعي قبوله الزيادة.
ومن ثم قال المؤلف: ( فإذا ترك) وللأصيلي فإذا تركت ( شيئًا من الكمال فهو ناقص) لا يقال إن الدين كان ناقصًا قبل وإن من مات من الصحابة كان ناقص الإيمان من حيث إن موته قبل نزول ْالفرائض أو بعضها لأن الإيمان لم يزل تامًّا والنقص بالنسبهَ إلى الذين ماتوا قبل نزول الفرائض من الصحابة صوريّ نسبيّ ولهم فيه رتبة الكمال من حيث المعنى، وهذا يشبه قول القائل إن شرع محمد أكمل من شرع موسى وعيسى لاشتماله من الأحكام على ما لم يقع في الكتب السابقة، ومع هذا فشرع موسى في زمانه كان كاملاً وتجدد في شرع عيسى بعده ما تجدد، فالأكملية أمر نسبيّ، وعبر المؤلف بقال الماضي ولم يقل، وقوله اليوم على أسلوب السابق لأن الاستدلال به نص صريح في الزيادة وهو مستلزم للنقص بخلاف هذه، فإن الصريح فيها الكمال وليس هو نصًّا صريحًا في الزيادة.