فهرس الكتاب

- باب: إذا قال الإمام: مكانكم حتى رجع انتظروه

رقم الحديث 1284 [1284] حَدَّثَنَا عَبْدَانُ وَمُحَمَّدٌ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِ: إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ، فَأْتِنَا.
فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ.
فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا.
فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ.
فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ -قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنٌّ- فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ".
[الحديث أطرافه في: 5655، 6602، 6655، 7377، 7448] .
وبالسند قال: ( حدّثنا عبدان) بفتح العين وإسكان الموحدة، عبد الله بن عثمان ( ومحمد) هو: ابن مقاتل ( قالا: أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا عاصم بن سليمان) الأحول ( عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال) : ( أرسلت ابنة) ولأبي ذر: بنت ( النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زينب، كما عند ابن أبي شيبة وابن بشكوال ( إليه: إن ابنًا لي قبض) أي: في حال القبض، ومعالجة الروح فأطلق القبض مجازًا باعتبار أنه في حالة كحالة النزع.
قيل: الابن المذكور هو علي بن أبي العاص بن الربيع، واستشكل بأنه عاش حتى ناهز الحلم وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أردفه على راحلته يوم الفتح، فلا يقال فيه صبي عرفًا.
أو هو عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما رواه البلاذري في الأنساب: أنه لما توفي، وضعه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجره، وقال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء.
أو: هو، محسن، لما روى البزار في مسنده عن أبي هريرة، قال: ثقل ابن لفاطمة رضي الله عنها، فبعثت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر نحو حديث الباب، ولا ريب أنه مات صغيرًا.
أو: هي أمامة بنت زينب لأبي العاص بن الربيع لما عند أحمد، عن أبي معاوية بسند البخاري.
وصوّبه الحافظ ابن حجر، وأجاب عما استشكل من قوله: قبض، مع كون أمامة عاشت بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى تزوّجها علي بن أبي طالب، وقتل عنها: بأن الظاهر أن الله أكرم نبيه عليه الصلاة والسلام، لما سلم لأمر ربه، وصبر ابنته، ولم يملك مع ذلك عينيه من الرحمة والشفقة بأن عافى ابنة ابنته، فخلصت من تلك الشدة، وعاشت تلك المدّة.
وقال العيني: الصواب قول من قال: ابني، أي: بالتذكير، لا ابنتي: بالتأنيث.
كما نص عليه في حديث الباب.
وجمع البرماوي بين ذلك باحتمال تعدّد الواقعة في بنت واحدة أو بنتين، أرسلت زينب في عليّ أو أمامة، أو رقية في عبد الله بن عثمان، أو فاطمة في ابنها محسن بن علي ( فأْتنا.
فأرسل)
عليه الصلاة والسلام ( يقرئ) عليها ( السلام) بضم الياء من يقرئ ( ويقول) : ( إن لله ما أخذ، وله ما أعطى) أي: الذي أراد أن يأخذه هو الذي كان أعطاه، فإن أخذه أخذ ما هو له، وقدّم الأخذ على الإعطاء، وإن كان متأخرًا في الواقع، لأن المقام يقتضيه.
ولفظ: ما، في الموضعين مصدرية أي: إن لله الأخذ والإعطاء أو موصولة، والعائد محذوف وكذا الصلة ( ¬1) للدلالة على العموم، فيدخل فيه أخذ الولد وإعطاءه وغيرهما.
( وكل عنده) أي: وكل من الأخذ والإعطاء عند الله، أي: في علمه ( بأجل مسمى) مقدّر ومؤجل، ( فلتصبر ولتحتسب) أي: تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها، ليحسب لها ذلك من عملها الصالح.
( فأرسلت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونها ( تقسم عليه ليأتينها، فقام) ووقع في رواية عبد الرحمن بن عوف أنها راجعته مرتين، وأنه إنما قام في ثالث مرة ( ومعه) بإثبات واو الحال، وللحموي والمستملي: معه ( سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال) آخرون ذكر منهم في غير هذه الرواية: عبادة بن الصامت، وأسامة، راوي الحديث، فمشوا إلى أن دخلوا بيتها، ( فرفع إلى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الصبي) أو: الصبية، ورفع بالراء، وفي رواية حماد: دفع، بالدال.
وبين شعبة في روايته أنه وضع في حجره عليه الصلاة والسلام، ( ونفسه تتقعقع) بتاءين في أوّله، أي تضطرب وتتحرك، أي: كلما صار إلى حالة لم يلبث أن ينتقل إلى أخرى لقربه من الموت، والجملة اسمية حالية - ( قال: حسبته أنه قال: كأنها شنّ-) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون، قربة خلقة يابسة، وجزم به في رواية حماد، ولفظه: ونفسه تتقعقع كأنها في شن ( ففاضت) ولأبي ذر: وفاضت ( عيناه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبكاء وهذا موضع الترجمة، لأن البكاء العاري عن النوح لا يؤاخذ به الباكي، ولا الميت.
( فقال سعد) هو: ابن عبادة المذكور: ( يا رسول الله! ما هذا؟) وفي رواية عبد الواحد، قال سعد بن عبادة: تبكي؟ وزاد أبو نعيم في مستخرجه: وتنهى عن البكاء؟ ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( هذه) الدمعة ¬_________ ( ¬1) قوله: "وكذا الصلة" الظاهر أنه من تحريف النساخ؛ لأنها مذكورة كما لا يخفى.
التي تراها من حزن القلب بغير تعمد ولا استدعاء لا مؤاخذة عليها ( رحمة جعلها الله) تعالى ( في قلوب عباده، وإنما) بالواو، ولأبي ذر، فإنما ( يرحم الله من عباده الرحماء) نصب على أن، ما، في قوله: وإنما، كافة، ورفع على أنها موصولة، أي: إن الذين يرحمهم الله من عباده الرحماء، جمع رحيم من صيغ المبالغة، ومقتضاه أن رحمته تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة، وتحقق بها، بخلاف من فيه أدنى رحمة.
لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو، وعند أبي داود وغيره: الراحمون يرحمهم الرحمن، والراحمون: جمع راحم، فيدخل فيه كل من فيه أدنى رحمة.
فإن قلت: ما الحكمة في إسناد فعل الرحمة في حديث الباب إلى الله، وإسناده في حديث أبي داود المذكور إلى الرحمن؟.
أجاب الخوييّ، بما حاصله: أن لفظ الجلالة دال على العظمة، وقد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون الكلام مسوقًا للتعظيم، فلما ذكرها ناسب ذكر من كثرت رحمته وعظمت، ليكون الكلام جاريًا على نسق التعظيم بخلاف الحديث الآخر، فإن لفظ الرحمن دال على العفو، فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة، وإن قلَّت.
ورواة الحديث الثلاثة الأول مروزيون، وعاصم وأبو عثمان بصريان، وفيه: التحديث والإخبار والقول، وأخرجه أيضًا في: الطب، والنذور، والتوحيد، ومسلم في: الجنائز، وكذا أبو داود، والنسائي، وابن ماجة.


رقم الحديث 1285 [1285] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قال حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، قَالَ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، قَالَ فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا.
قَالَ: فَانْزِلْ.
قَالَ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا".
[الحديث طرفه في: 1342] .
وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي ( قال: حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي، ( قال: حدّثنا فليح بن سليمان) الخزاعي ( عن هلال بن عليّ) العامري ( عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال) : ( شهدنا بنتًا لرسول الله) أي: جنازتها، وكانت سنة تسع، ولأبي ذر: بنتًا للنبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هي: أم كلثوم زوج عثمان بن عفان، رضي الله عنه، لا رقية، لأنها توفيت والنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ببدر فلم يشهد جنازتها ( قال: ورسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جملة وقعت حالاً ( جالس على) جانب ( القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان) بفتح الميم، وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى ( قال: فقال) عليه الصلاة والسلام: ( هل منكم رجل لم يقارف الليلة؟) بقاف ثم فاء، وزاد ابن المبارك عن فليح، أراه يعني: الذنب.
ذكره المصنف تعليقًا في باب: من يدخل قبر المرأة.
ووصله الإسماعيلي، وقيل: لم يجامع تلك الليلة، وبه جزم ابن حزم.
وفي رواية ثابت عن أنس عند المؤلّف في التاريخ الأوسط: لا يدخل القبر أحد قارف الليلة، فتنحى عثمان.
( فقال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري: ( أنا) لم أقارف الليلة، قيل: والسر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان قد جامع بعض جواريه تلك الليلة، فتلطف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منعه من النزول في قبر زوجته، حيث لم يعجبه أنه اشتغل عنها تلك الليلة بذلك، لكن يحتمل أنه طال مرضها، واحتاج عثمان إلى الوقاع، ولم يكن يظن أنها تموت تلك الليلة، وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها، بل ولا حين احتضارها.
( قال) عليه الصلاة والسلام لأبي طلحة ( فانزل) بالفاء ( قال: فنزل في قبرها) .
وفي الحديث: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الجنائز.
1286 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: "تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ -رضي الله عنه- بِمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم-، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا -أَوْ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي- فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمَرَ -رضي الله عنهما- لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلاَ تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ".
وبه قال: ( حدّثنا عبدان) بفتح العين وسكون الموحدة، عبد الله بن عثمان، قال: ( حدّثنا عبد الله) بن المبارك، قال: ( أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة) بتصغير عبد الثاني، كمليكة، واسمه زهير، ( قال) : ( توفيت ابنة لعثمان رضي الله عنه بمكة) هي: أم أبان، كما صرح به في مسلم ( وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر) بن الخطاب ( وابن عباس رضي الله عنهم، وإني لجالس بينهما) أي: بين ابن عمر وابن عباس ( -أو قال: جلست إلى أحدهما) شك ابن جريج ( ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي-) زاد مسلم من طريق أيوب، عن ابن أبي مليكة: فإذا صوت من الدار، وعند الحميدي، من رواية عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة: فبكى النساء.
( فقال عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، لعمرو بن عثمان) أخيها: ( ألا تنهى) النساء ( عن البكاء؟ فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) فأرسلها مرسلة، ولمسلم عن عمرة بنت عبد الرحمن، سمعت عائشة، وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت يعذب ببكاء الحيعليه ... الحديث، أي: سواء كان الباكي من أهل الميت أم لا، فليس الحكم مختصًّا بأهله، وقوله: ببكاء أهله، خرج مخرج الغالب، لأن المعروف أنه إنما يبكي على الميت أهله، ووقع في بعض طرق حديث ابن عمر هذا، عند ابن أبي شيبة: من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة، فيحمل المطلق في حديث الباب على هذا المقيد.


رقم الحديث 1289 [1289] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ "إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا".
وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي، قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ( عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية ( أنها أخبرته: أنها سمعت عائشة رضي الله عنها، زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تقول) : أي لما قيل لها: إن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه، فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، كذا في الموطأ ومسلم ( إنما مر رسول الله على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال) : ( إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها) بكفرها، في حال بكاء أهلها، لا بسبب البكاء.
129 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ وَهْوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ -رضي الله عنه- جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: وَاأَخَاهُ.
فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ"؟.
وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن خليل) الخزاز بزاءين معجمتين، الكوفي، قال المؤلّف: جاءنا نعيه سنة خمس وعشرين ومائتين، قال: ( حدثنا عليّ بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء، قال: ( حدّثنا أبو إسحاق) سليمان ( وهو الشيباني) بفتح الشين المعجمة ( عن أبي بردة) الحرث ( عن أبيه) أبي موسى، عبد الله بن قيس الأشعري ( قال) : ( لما أصيب عمر، رضي الله عنه) بالجراحة التي مات منها ( جعل صهيب) رضي الله عنه يبكي و ( يقول: وا أخاه) بألف الندبة، وهاء السكت ساكنة في اليونينية ( فقال عمر) منكرًا عليه بكاءه، لرفعه صوته بقوله: وا أخاه، خوفًا من استصحابه ذلك، أو زيادته عليه بعد موته: ( أما علمت أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) : ( إن الميت ليعذب ببكاء الحي؟) أي: المقابل للميت، أو المراد بالحي: القبيلة وتكون اللام فيه بدلاً من الضمير، والتقدير: يعذب ببكاء حيه، أي: قبيلته، فيوافق قوله في الرواية الأخرى: ببكاء أهله عليه ... وهو صريح في أن الحكم ليس خاصًّا بالكافر، وظاهره أن صهيبًا سمع الحديث من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكأنه نسيه، حتى ذكره به عمر رضي الله عنهما.
ورواته كلهم مدنيون، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في: الجنائز.
34 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ.
( باب ما يكره) كراهة تحريم ( من النياحة على الميت) و: من، لبيان الجنس، والنياحة، رفع الصوت بالندب قاله في المجموع وقيده غيره بالكلام المسجع.
( وقال عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنه) لما مات خالد بن الوليد، رضي الله عنه، سنة إحدى وعشرين بحمص، أو ببعض قراها، أو بالمدينة.
واجتمع نسوة المغيرة يبكين عليه، فقيل لعمر رضي الله عنه: أرسل إليهن فانههن.
فقال: ( دعهن يبكين على أبي سليمان) هي: كنية خالد ( ما لم يكن نقع) بفتح النون وسكون القاف آخره عين مهملة ( أو لقلقة) بلامين وقافين.
وهذا الأثر وصله المؤلّف في تاريخه الأوسط من طريق الأعمش عن شقيق.
قال المؤلّف، كالفراء: ( والنقع: التراب) أي: يوضع ( على الرأس، واللقلقة الصوت) المرتفع.
وقال الإسماعيلي: النقع هنا الصوت العالي، واللقلقة حكاية ترديد صوت النوّاحة، وحكى سعيد بن منصور: أن النقع شق الجيوب، وحكي في مصابيح الجامع، عن الأكثرين: أن النقع رفع الصوت بالبكاء.
قال الزركشي: والتحقيق أنه مشترك، يطلق على الصوت وعلى الغبار.
ولا يبعد أن يكونا مرادين.
يعني في قوله: ما لم يكن نقع أو لقلقة.
لكن حمله على وضع التراب أولى، لأنه قرن به اللقلقة، وهي الصوت، فحمل اللفظ على معنيين أولى من معنى واحد.