فهرس الكتاب

- باب الصلاة إلى الأسطوانة

رقم الحديث 733 [733] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: "خَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ، فَصَلَّى لَنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا مَعَهُ قُعُودًا، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: إِنَّمَا الإِمَامُ -أَوْ إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ- لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.
وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا».
وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) ولغير أبوي الوقت وذر وابن عساكر: ابن سعيد، ( قال: حدّثنا ليث) بالمثلثة هو ابن سعد، وللأربعة: الليث بلام التعريف ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، ( أنه قال: خرّ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء، أي سقط ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فرس، فجحش) بتقديم الجيم على الحاء وآخره معجمة أي خدش، وهو قشر جلد العضو، وفي رواية: فجحش ساقه ( فصلّى لنا قاعدًا فصلينا معه) وفي رواية: فصلينا وراءه ( قعودًا، ثم انصرف) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فلما انصرف ( فقال) : ( إنما الإمام -أو وإنما جعل الإمام- ليؤتم به) يحتمل أن يكون جعل بمعنى: سمي فيتعدى إلى مفعولين: أحدهما الإمام القائم مقام الفاعل، والثاني محذوف أي: إنما جعل الإمام إمامًا ويحتمل أن يكون بمعنى صار أي: إنما صير الإمام إمامًا، ويحتمل أن يكون فاعله ضمير الله، أي: جعل الله الإمام، أو ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
واللام في ليؤتم به لام كي، والفعل منصوب بإضمار أن، والشك في زيادة لفظ جعل من الراوي ( فإذا كبر فكبروا) .
الأمر للوجوب، وهو موضع الترجمة ومراده الرد على القائل من السلف إنه يجوز الدخول في الصلاة بغير لفظ بل بالنية فقط، وعلى القائل: إنه يجوز الدخول فيها بكل لفظ يدل على التعظيم، كما مر عن أبي حنيفة ووجوبه على المأموم ظاهر من الحديث، وأما الإمام فمسكوت عنه.
ويمكن أن يقال: في السياق إشارة إلى الإيجاب لتعبير بإذا التي تختص بما يجزم بوقوعه، والأمر شامل لكل التكبيرات.
إلا أن الدليل من خارج أخرج غير تكبيرة الإحرام من الوجوب إلى السنية: كربنا ولك الحمد.
واستدلّ به على أن أفعال المأموم تكون متأخرة عن أفعال الإمام، فيكبر للإحرام بعد فراغ الإمام من التكبير، ويركع بعد شروع الإمام في الركوع وقبل رفعه منه، وكذا سائر الأفعال.
فلو قارنه في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، أو في غيرها كره.
وفاتته فضيلة الجماعة.
واستدلال ابن بطال وابن دقيق العيد بذلك، بأنه رتب فعله على فعل الإمام، بالفاء المقتضية للترتيب والتعقيب، تعقبه الولي العراقي بأن الفاء المقتضية للتعقيب هي العاطفة، أما الواقعة في جواب الشرط فإنما هي للربط.
قال والظاهر أنها لا دلالة لها على التعقيب، على أن في دلالتها على التعقيبمذهبين حكاهما أبو حيان في شرح التسهيل، ولعل أصلهما أن الشرط مع الجزاء أو متقدم عليه، وهذا يدل على أن التعقيب، إن قلنا به، فليس من الفاء، وإنما هو من ضرورة تقدم الشرط على الجزاء، والله أعلم انتهى.
( وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا) مفعول فارفعوا محذوف كمفعول فاركعوا، ( وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد) بغير واو، وفي السابقة بإثباتها، وهما سواء كما قال أصحابنا، نعم في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ولك الحمد، بالواو، وهو يتعلق بما قبله أي: سمع الله لمن حمده، يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا، ولك الحمد على هدايتنا.
( وإذا سجد فاسجدوا) .


رقم الحديث 734 [734] حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ».
وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( قال: قال النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر) تكبيرة الإحرام أو غيرها ( فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) بالواو أي بعد أن تقولوا: سمع الله لمن حمده، كما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام.
وإن كان ظاهر الحديث أن المأموم لا يزيد على: ربنا ولك الحمد، لكن ليس فيه حصر ( وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلّى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون) بالرفع توكيد للضمير في فصلوا، أو للضمير المستكن في الحال.
وهو جلوسًا.
وقيل روي: أجمعين بالنصب على الحال من ضمير جلوسًا لا مؤكدًا لجلوسًا لأنه نكرة فلا يؤكد.
وردّ كونه حالاً بأن المعنى ليس عليه، وأنه لم يجيء في أجمعين إلا التأكيد في المشهور.
لكن أجاز ابن درستويه حالية: أجمعين، وعليه يتخرج رواية النصب إن ثبتت، والأصح على تقدير ثبوتها أنها على بابها للتوكيد، لكن توكيدًا لضمير منصوب مقدّر كأنه قال: أعنيكم أجمعين.
ولا يخفى ما فيه من البعد اهـ.
قلت ثبت فيما سبق في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، من رواية أبوي الوقت وذر: أجمعين بالنصب مع ما فيه.
وهذا الحكم منسوخ بما ثبت في مرض موته.
يستفاد من ذلك وجوب متابعة الإمام.
فيكبر للإحرام بعد فراغ الإمام منه، فإن شرع فيه قبل فراغه لم تنعقد، لأن الإمام لا يدخل في الصلاة إلاّ بالفراغ من التكبير، فالاقتداء به في أثنائه اقتداء بمن ليس في صلاة، بخلاف الركوع والسجود ونحوهما، فيركع بعد شروع الإمام في الركوع، فإن قارنه أو سبقه فقد أساء ولا تبطل، وكذا في السجود يسلم بعد سلامه، فإن سلم قبله بطلت إلا أن ينوي المفارقة، أو معه فلا تبطل، لأنه تحلل، فلا حاجة فيه للمتابعة بخلاف لسبق، فإنه منافٍ للاقتداء.
83 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولَى مَعَ الاِفْتِتَاحِ سَوَاءً ( باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح) بالتكبير أو بالصلاة، وهما متلازمان حال كون رفع اليدين مع الافتتاح ( سواء) .
735 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا.

     وَقَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَكَانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ".
[الحديث 735 - أطرافه في: 736، 738، 739] .
وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) إمام دار الهجرة ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يرفع يديه) استحبابًا ( حذو منكبيه) بالحاء المهملة والذال المعجمة، أي إزاءهما ندبًا لا فرضًا، خلافًا لأحمد بن سيار المروزي فيما نقله القفال في فتاويه، وممن قال بالوجوب أيضًا الأوزاعي والحميدي شيخ المؤلّف، وابن خزيمة من أصحابنا، والمراد بحذو منكبيه، كما قاله النووي في شرح مسلم وغيره؛ أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أُذنيه، وإبهاماه شحمتى أُذنيه، وراحتاه منكبيه ( إذا افتتح الصلاة) أي: يرفعهما مع ابتداء التكبير، ويكون انتهاؤه مع انتهائه كما هو الأصح عند الشافعية، ورجحه المالكية، وقيل: يرفع بلا تكبير، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين وقبل أن يركع.
وقال صاحب الهداية من الحنفية: الأصح يرفع ثم يكبر، لأن الرفع صفة نفي الكبرياء عن غير الله، والتكبير إثبات ذلك له، والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة.
( وإذا كبر للركوع) رفعهما أيضًا ( إذا رفع رأسه) أي أراد رفعها ( من الركوع، رفعهما كذلك) أي حذو منكبيه ( أيضًا) جواب لقوله: وإذا رفع رأسه ( وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك) أي رفع يديه ( في) ابتداء ( السجود) ولا في الرفع منه.
وهذا مذهب الشافعي، وأحمد، وقال الحنفية لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام، وهو رواية ابن القاسم عن مالك.
قال ابن دقيق العيد وهو المشهور عند أصحاب مالك، والمعمول به عند المتأخرين منهم.
وأجابوا عن هذا الحديث بأنه منسوخ.
وقال أبو العباس القرطبي: مشهور مذهب مالك أن الرفع في المواطن الثلاثة هو آخر أقواله وأصحها، والحكمة في الرفع أن يراه الأصم فيعلم دخوله في الصلاة، كالأعمى يعلم بسماع التكبير، أو إشارة إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود، أو ليستقبل بجميع بدنه.
وقال الشافعي هو تعظيم لله واتباع لسُنّة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، وأخرجه النسائي في الصلاة.
84 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ ( باب رفع اليدين إذا كبر، وإذا ركع) أي إذا أراد التكبير للافتتاح وإذا أراد الركوع ( و) رفعهما ( إذا رفع) رأسه من الركوع.


رقم الحديث 736 [736] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ".
وبالسند قال: ( حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي، جاور بمكة وتوفي سنة ست وعشرين ومائتين ( قال: أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا ( عبد الله) بن المبارك ( قال: أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( سالم بن عبد الله) ولابن عساكر زيادة: ابن عمر ( عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، ولأبي ذر: عن أبيه أنه ( قال: رأيت رسول الله) وللأصيلي: النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام في الصلاة) أي شرع فيها ( رفع يديه حتى يكونا) بمثناة تحتية، ولأبي ذر: تكونا بالفوقية، ( حذو منكبيه) بالتثنية ( وكان يفعل ذلك) أي يرفع يديه ( حين يكبر للركوع) أي عند ابتداء الركوع، كإحرامه حذو منكبيه مع ابتداء التكبير ( ويفعل ذلك) أيضًا ( إذا رفع رأسه من الركوع) إذا أراد الرفع منه أيضًا ( ويقول) : ( سمع الله لمن حمده) ( ولا يفعل ذلك) أي الرفع ( في السجود) أي: لا في الهويّ إليه، ولا في الرفع منه.
وروى يحيى القطان، من مالك عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا، هذا الحديث وفيه: ولا يرفع بعد ذلك.
أخرجه الدارقطني في غرائب مالك بإسناد حسن، وظاهره يشمل النفي عمّا عدا هذه المواضع الثلاثة.
وقد روى رفع اليدين في الحديث خمسون من الصحابة، منهم العشرة.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين مروزي ومدني وإيلي، وفيه التحديث بالجمع والإخبار بالجمع والإفراد، والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة، وكذا النسائى.
زاد ابن عساكر هنا: قال محمد، أي البخاري، قال علي بن عبد الله المديني: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند تكبيرة الإحرام وغيرها، مما ذكر لحديث الزهري عن سالم، عن أبيه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.
737 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: "أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَنَعَ هَكَذَا".
وبه قال: ( حدّثنا إسحاق الواسطي) هو ابن شاهين ( قال: حدّثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان ( عن خالد) الحذاء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حدّثنا خالد ( عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد الجرمي ( أنه) أي أن أبا قلابة ( رأى مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو آخره مثلثة، الليثي ( إذا صلّى) أي شرع في الصلاة ( كبر) للإحرام ( ورفع يديه) حتى يكونا حذو منكبيه، ولمسلم: ثم رفع يديه ( وإذا أراد أن يركع رفع يديه) مع التكبير ( وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه) .
وهذا مذهب الشافعي وأحمد خلافًا لأبي حنيفة ومالك في أشهر الروايات عنه.
واستدلّ الحنفية برواية مجاهد: أنه صلّى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك، وأجيب بالطعن في إسناده، لأن أبا بكر بن عياش ساء حفظه بآخره وعلى تقدير صحته، فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما.
والمثبت مقدم على النافي، وأيضًا فإن ابن عمر لم يكن يراه واجبًا ففعله تارة، وتركه أخرى.
وروي عن بعض الحنفية بطلان الصلاة.
وأما الرفع في تكبيرة الإحرام فعليه الإجماع، وإنما قال: أراد في الركوع لأنه فيه عند إرادته بخلاف رفعهما في رفع الرأس منه، فإنه عند نفس الرفعلا عند إرادته، وكذا في: إذا صلّى كبّر التكبير عند فعل الصلاة.
قال أبو قلابة ( وحدّث) مالك بن الحويرث ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صنع هكذا) أي مثل ما صنع مالك بن الحويرث، والواو للحال لا للعطف على رأي لأن المحدث مالك والرائي أبو قلابة.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة.
85 - باب إِلَى أَيْنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ "رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ".
هذا ( باب) بالتنوين ( إلى أين يرفع) المصلي ( يديه) عند افتتاح الصلاة وغيره.
( وقال) وحذف الواو الأصيلي وابن عساكر ( أبو حميد) بضم الحاء عبد الرحمن بن سعد الساعدي الأنصاري، مما هو موصول عنده في باب: سُنّة الجلوس في التشهد ( في أصحابه) أي: حال كونه بين أصحابه من الصحابة رضي الله عنهم: ( رفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يديه ( حذو منكبيه) ولابن عساكر: إلى حذو منكبيه.


رقم الحديث 738 [738] حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلاَةِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَهُ.

     وَقَالَ : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلاَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ".
وبالسند قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: أخبرنا) بالجمع وللأربعة: أخبرني ( سالم بن عبد الله أن) أباه ( عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنهما، قال: رأيت النبي) ولابن عساكر: رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلها حذو منكبيه) بفتح الميم وكسر الكاف، تثنية منكب، وهو مجمع عظم العضد والكتف، أي: إزاء منكبيه.
وبهذا أخذ الشافعي والجمهور، خلافًا للحنفية حيث أخذوا بحديث مالك بن الحويرث عند مسلم ولفظه: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي منكبيه بحيث يحاذي أطراف أصابعه فروع أُذنيه.
وقد جمع الشافعي بينهما فقال: يرفع يديه حذو منكبيه بحيث يحاذي أطراف أصابعه فروع أُذنيه، أي أعلى أُذنيه، وإبهاماه شحمتي أُذنيه، وراحتاه منكبيه.
( وإذا كبّر للركوع فعل مثله) أي مثل المذكور من رفع اليدين حذو المنكبين ( وإذا قال) : ( سمع الله من حمده) ( فعل مثله) من الرفع حذو المنكبين أيضًا ( وقال) : ( ربنا ولك الحمد) ، ( ولا يفعل ذلك) الرفع المذكور ( حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود) ولابن عساكر والأصيلي: ولا حين يرفع من السجود فحذف لفظ رأسه.
86 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ ( باب رفع) المصلي ( اليدين إذا قام من الركعتين) بعد التشهد.
739 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ.
وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مُخْتَصَرًا.
وبالسند قال: ( حدّثنا عياش) بفتح العين المهملة وتشديد المثناة التحتية آخره معجمة، ابن الوليد الرقام البصري ( قال: حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي، بالسين المهملة، البصري ( قال: حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ( عن نافع) مولى ابن عمر ( أن ابن عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنهما، كان إذا دخل) أي أراد الدخول ( في الصلاة) ولابن عساكر: دخل الصلاة ( كبّر ورفع يديه) حذو منكبه ( وإذا ركع) كبّر و ( رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه) حذو منكبيه أيضًا ( وإذا قام من الركعتين) بعد التشهد ( رفع يديه) كذلك، ( ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله) ولأبي ذر: إلى النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أضافه إليه.
وكذا رفعه عبد الوهاب الثقفي، ومعتمر، عن عبيد الله، عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر، كما أخرجه المؤلّف في جزء: رفع اليدين له، وفيه الزيادة.
وقد توبع نافع على ذلك عن ابن عمر.
وهو فيما رواه أبو داود، وصححه المؤلّف في الجزء المذكور من طريق محارب بن دثار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه، وله شواهد؛ منها: حديث أبي حميد الساعدي.
وحديث علي بن أبي طالب، أخرجهما أبو داود وصححهما ابنا خزيمة وحبان.
وقال المؤلّف في جزء: الرفع ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين: صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة، فاختلفوا فيها، وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم.
اهـ.
وقال ابن خزيمة: هو سُنّة وإن لم يذكره الشافعي، والإسناد صحيح، وقد قال: قولوا باليمنة ودعوا قولي انتهى.
وتعقب بأن وصية الشافعي يعمل بها إذا عرف أن الحديث لم يطلع عليه الشافعي، أماإذا عرف أنه اطلع عليه ورده، أو تأوّله بوجه من الوجوه، فلا والأمر هنا محتمل.
وصحح النووي تصحيح الرفع، وعبارة النووي خلافًا للأكثرين، وقد قال أبو داود: إن الحديث رواه الثقفي عن عبيد الله فلم يرفعه وهو الصحيح، وكذا رواه موقوفًا الليث وابن جريج ومالك.
ورواة الحديث الخمسة ما بين بصري ومدني وشيخ المؤلّف من أفراده، وفيه التحديث والعنعنة وأخرجه أبو داود.
( ورواه حماد بن سلمة، عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله المؤلّف في جزء: رفع اليدين عن موسى بن إسماعيل عن حماد مرفوعًا بلفظ: إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع رفع رأسه من الركوع.
( ورواه ابن طهمان) إبراهيم ( عن أيوب، وموسى بن عقبة مختصرًا) وصله البيهقي من طريق عمر بن عبد الله بن رزين، عن إبراهيم بن طهمان، عن أيوب وموسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر أنه: كان يرفع يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا استوى قائمًا من ركوعه، حذو منكبيه، ويقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل ذلك.
وقال الدارقطني: ورواه ابن صخر، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا.
87 - باب وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ( ياب وضع) المصلي يده ( اليمنى على) اليد ( اليسرى) أي في حال القيام.
وزاد الأصيلي والهروي: في الصلاة، وسقط الباب للأصيلي.


رقم الحديث 740 [74] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ.
قَالَ أَبُو حَازِمٍ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ" وَلَمْ يَقُلْ "يَنْمِي".
وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) إمام دار الهجرة ( عن أبي حازم) بالحاء المهملة، ابن دينار الأعرج ( عن سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي الأنصاري ( قال: كان الناس يؤمرون) ، الآمر لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أن) أي: بأن ( يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) أي يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ من الساعد.
كما في حديث واثلة المروي عند أو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة.
والحكمة في ذلك أن القائم بين يدي الملك الجبار يتأدب بوضع يده على يده، أو هو أمنع للعبث، وأقرب إلى الخشوع.
والرسغ المفصل بين الساعد والكف، والسُّنّة أن يجعلهما تحت صدره.
الحديث عند ابن خزيمة: أنه وضعهما تحت صدره.
لأن القلب موضع النية، والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه.
وقال في عوارف المعارف: إن الله تعالى بلطيف حكمته جعل الآدمي محل نظره، ومورد وحيه، ونخبة ما في أرضه وسمائه، روحانيًّا جسمانيًّا، أرضيًا سماويًّا، منتصب القامة، مرتفع الهيئة، فنصفه الأعلى من حدّ الفؤاد مستودع أسرار السماوات، ونصفه التحتاني مستودع أسرار الأرض، فمحل نفسه ومركزها النصف الأسفل، ومحل روحه الروحاني، والقلب النصف الأعلى، فجواذب الروح مع جواذب النفى يتطاردان ويتجاذبان ويتحاربان، وباعتبار تطاردهما وتغالبهما لمة الملك ولمة الشيطان، ووقت الصلاة يكثر التطارد لوجوب التجاذب بين الإيمان والطبع، فيكاشف المصلي الذي صار قلبه سماويًّا مترددًا بين الفناء والبقاء بجواذب النفس، متصاعدًا من مركزها، وللجوارح وتصرفها وحركتها مع معاني الباطن ارتباط وموازنة، فبوضع اليمنى على الشمال حصر النفس ومنع من صعود جواذبها، وأثر ذلك يظهر برفع الوسوسة، وزوال حديث النفس في الصلاة.
وروى ابن القاسم، عن مالك، الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه، وعن الحنفية: يضع يديه تحت سرّته إشارة إلى ستر العورة بين يدي الله تعالى، وكان الأصل أن يقول: يضعون فوضع المظهر موضع المضمر.
( قال أبو حازم) الأعرج: ( لا أعلمه) ولابن عساكر: ولا أعلمه، أي الأمر ( إلاّ) أن سهلاً ( ينمي ذلك) بفتح أوله، أي: يسنده ويرفعه ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال إسماعيل)
هو ابن أبي أويس، لا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ولابن عساكر: قال محمد: قال إسماعيل، ويعني بمحمد المؤلّف ( ينمي ذلك) بضم الياء وفتح الميم، بالبناء للمفعول ( ولم يقل) أبو حازم: ( ينمي) بفتح أوله وكسر الميم، كرواية القعنبي.
ولما فرغ من الكلام في وضع اليمنى على اليسرى، وهي صفة السائل الذليل، وأنه أقرب إلى الخشوع، شرع يذكر الخشوع، حثًّا للمصلّي على ملازمتهفقال.
88 - باب الْخُشُوعِ فِي الصَّلاَةِ ( باب الخشوع في الصلاة) .
الصلاة صلة العبد بربه، فمن تحقّق بالصلة في الصلاة لمعت له طوالع التجلي، فيخشع.
وقد شهد القرآن بفلاح مُصلِّ خاشع قال الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( 1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2] .
أي: خائفون من الله، متذللون له، يلزمون أبصارهم مساجدهم.
وعلامة ذلك أن لا يلتفت الصلي يمينًا ولا شمالاً.
ولا يجاوز بصره موضع سجوده.
صلّى بعضهم في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد، فاجتمع الناس عليها ولم يشعر هو بها.
والفلاح أجمع اسم لسعادة الآخرة، وفقد الخشوع ينفيه، وقد قال تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] .
وظاهر الأمر الوجوب، فالغفلة ضد، فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيمًا للصلاة لذكره تعالى، فافهم واعمل، فليقبل العبد على ربه، ويستحضر بين يدي من هو واقف.
كان مكتوبًا في محراب داود عليه الصلاة والسلام، أيها المصلي، من أنت ولمن أنت؟ وبين يدي من أنت، ومن تناجي؟ ومن يسمع كلامك، ومن ينظر إليك؟ وقال الخراز: ليكن إقبالك على الصلاة كإقبالك على الله يوم القيامة، ووقوفك بين يديه وهو مقبل عليك وأنت تناجيه.


رقم الحديث 741 [741] حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا؟ وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَىَّ رُكُوعُكُمْ وَلاَ خُشُوعُكُمْ، وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي».
وبالسند قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) هو ابن أنس، إمام دار الهجرة ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : ( هل ترون) بفتح التاء، والاستفهام إنكاري أي أتظنون ( قبلتي) أي مقابلتي ومواجهتي ( هاهنا) فقط؟ ( والله ما) ، ولأبي ذر عن الحموي: لا ( يخفى عليّ ركوعكم ولا خشوعكم) تشبيه لهم على التلبس بالخشوع في الصلاة، لأنه إنما قال لهم ذلك لما رآهم يلتفتون غير ساكنين، وذلك ينافي كمال الصلاة.
فيكون مستحبًّا لا واجبًا، إذ لم يأمرهم هنا بالإعادة.
وقد حكى النووي الإجماع على عدم وجوبه، قال في شرح التقريب وفيه نظر، فقد روينا في كتاب الزهد لابن المبارك، عن عمار بن ياسر، قال: لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه، وفي كلام غير واحد من العلماء ما يقتضي وجوبه انتهى.
والخشوع: الخوف أو السكون، أو هو معنى يقوم بالنفس يظهر عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة.
وفي مصنف ابن أبي شيبة، عن سعيد بن السيب، أنه رأى رجلاً يلعب بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.
وقد تتحرك اليد مع وجود الخشوع، ففي سنن البيهقي، عن عمرو بن حريث، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربما مسّ لحيته وهو يصلّي.
وهذا موضع الترجمة.
( وإني لأراكم) بفتح الهمزة، أي: أبصركم ( وراء ظهري) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي.
من وراء ظهري، أي ببصره العهود إبصارًا انخرقت له فيه العادة أو بغيره كما مرّ.
742 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي -وَرُبَّمَا قَالَ- مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ».
وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ( قال: حدّثنا غندر) اسمه محمد بن جعفر البصري ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج، ولابن عساكر: عن شعبة ( قال: سمعت قتادة) بن دعامة يقول ( عن أنس بن مالك) وسقط لفظ: ابن مالك عند ابن عساكر: ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) : ( أقيموا) أي أكملوا ( الركوع والسجود، فوالله إني لأراكم) بفتح اللام المؤكدة والهمزة ( من بعدي) أي: من خلفي ( -وربما قال: من بعد ظهري-) ( إذا ركعتم وسجدتم) ولأبي ذرّ: وإذا سجدتم.
وأغرب الداودي حيث فسر البعدية هنا بما بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني: إن أعمال أمته تعرض عليه، ولا يخفى بعده لأن سياق الحديث يأباه.
89 - باب مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ ( باب ما يقول) وللمستملي وابن عساكر؛ ما يقرأ ( بعد التكبير) .
743 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
وبالسند قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن قتادة) بن دعامة ( عن أنس) وللأصيلي: عن أنس بن مالك ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبا بكر، وعمر) رضي الله عنهما ( كانوا يفتتحون الصلاة) أي قراءتها، فلا دلالة فيه على دعاء الافتتاح ( بالحمد لله ربّ العالمين) بضم الدالعلى الحكاية، لا يقال: إنه صريح في الدلالة على ترك البسملة أولها، لأن المراد الافتتاح بالفاتحة، فلا تعرض لكون البسملة منها أو لا.
ولمسلم لم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، وهو محمول على نفي سماعها، فيحتمل إسرارهم بها.
ويؤيده رواية النسائي وابن حبّان: فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم.
فنفي القراءة محمول على نفي السماع، ونفي السماع على نفي الجهر، ويؤيده رواية ابن خزيمة: كانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم.
وقد قامت الأدلة والبراهين للشافعي على إثباتها، ومن ذلك، حديث أم سلمة المروي في البيهقي وصحيح ابن خزيمة، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة في الصلاة، وعدّها آية.
وفي سنن البيهقي عن علي وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم أن الفاتحة هي السبع المثاني، وهي سبع آيات، وأن البسملة هي السابعة.
عن أبي هريرة مرفوعًا: إذا قرأتم الحمد لله فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أُم القرآن وأُم الكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها.
قال الدارقطني: رجال إسناده كلهم ثقات.
وأحاديث الجهر بها كثيرة عن جماعة من الصحابة، نحو العشرين صحابيًّا كأبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبي هريرة، وأُم سلمة.


رقم الحديث 744 [744] حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً -قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً- فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَاىَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري (قال: حدّثنا عمارة بن القعقاع (قال: حدّثنا أبو زرعة) هرم، أو عبد الرحمن، أو عمرو، أو جرير بن عمرو البجلي، (قال: حدّثنا أبو هريرة قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسكت) بفتح أوله (بين التكبير وبين القراءة إسكاتة) بكسر الهمزة بوزن إفعالة، وهو من المصادر الشاذة إذ القياس سكوتًا، وهو منصوب مفعولاً مطلقًا، أي سكوتًا يقتضي كلامًا بعده.
(قال) أبو زرعة (أحسبه) أي أظن أبا هريرة (قال: هنية) بضم الهاء وفتح النون وتشديد المثناة التحتية من غير همز -كذا عند الأكثر أي: يسيرًا وللكشميهني والأصيلي: هنيهة بهاء بعد المثناة الساكنة.
وفي نسخة: هنيئة بهمزة مفتوحة بعد المثناة الساكنة، قال عياض والقرطبي: وأكثر رواة مسلم قالوه بالهمز، لكن قال النووي: إنه خطأ، قال: وأصله هنوة، فلما صغرت صارت هنيوة، فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ثم أدغمت.
وتعقب بأنه لا يمنع ذلك إجازة الهمزة، فلقد تقلب الواو همزة.
(فقلت بأبي وأمي) أي أنت مفدى أو أفديك بهما (يا رسول الله إسكاتك) بكسر الهمزة وسكون السين والرفع، قال في الفتح: وهو الذي في رواية الأكثرين، وأعربه مبتدأ، لكنه لم يذكر خبره، أو هو منصوب على ما قاله المظهري، أي أسألك إسكاتك، أو في إسكاتك وللمستملي والسرخسي: أسكاتك؟ بفتح الهمزة وضم السين على الاستفهام، ولهما في نسخة أسكوتك؟ (بين التكبير والقراءة) ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت، وابن عساكر: وبين القراءة (ما تقول) فيه؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (أقول) فيه (اللهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق والمغرب) هذا من المجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان، أي: امح ما حصل من خطاياي، خل بيني وبين ما يخاف من وقوعه حتى لا يبقى لها مني اقتراب بالكلية.
وهذا الدعاء صدر منه عليه الصلاة والسلام على سبيل المبالغة في إظهار العبودية، وقيل: إنه على سبيل التعليم لأمته، وعورض بكونه: لو أراد ذلك لجهر به، وأجيب بورود الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار وأعاد لفظ: بين هنا ولم يقل: وبين المغرب لأن العطف على الضمير المخفوض يعاد معه العامل بخلاف الظاهر، كذا قرره الكرماني، لكن يرد عليه قوله: بين التكبير وبين القراءة.
(اللهمَّ نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس) أي الوسخ وقاف نقني بالتشديد في الموضعين.
وهذا مجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها.
وشبه بالثوب الأبيض لأن الدنس فيه أظهر من غيره من الألوان (اللهمّ اغسل خطاياي بالماء والثلج) بالمثلثة وسكون اللام، وفي اليونينية بفتحها (والبرد) بفتح الراء.
وذكر الأخيرين بعد الأول للتأكيدأو لأنهما ماءان لم تمسّهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال قاله الخطابي.
واستدلّ بالحديث على مشروعية دعاء الافتتاح بعد التحرم بالفرض أو النفل خلافًا للمشهور عن مالك.
وفي مسلم حديث عليّ: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين.
زاد ابن حبان: لكن قيده بصلاة الليل.
وأخرجه الشافعي وابن خزيمة وغيرهما بلفظ: إذا صلّى المكتوبة، واعتمده الشافعي في الأم.
وفي الترمذي وصحيح ابن حبّان من حديث أبي سعيد: الافتتاح بسبحانك اللهمّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك.
ونقل الساجي عن الشافعي استحباب الجمع بين التوجيه والتسبيح، وهو اختيار ابن خزيمة وجماعة من الشافعية، ويسنّ الإسرار في السرية والجهرية.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والقول، وأخرجه ابن ماجة.
9 - باب وزاد الأصيلي هنا (باب) بالتنوين من غير ترجمة، وسقط من رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر.
ووجه مناسبة الحديث الآتي للسابق في قوله: حتى قلت: أي رب وأنا معهم.
لأنه وإن لم يكن فيه دعاء ففيه مناجاة واستعطاف، فيجمعه مع السابق جواز دعاء الله تعالى ومناجاته بكل ما فيه خضوع، ولا يختص بما ورد في القرآن لبعض الحنفية.
قاله ابن رشيد فيما نقله في فتح الباري.


رقم الحديث 745 [745] حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا.
وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ: أَىْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ؟ فَإِذَا امْرَأَةٌ -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ، قُلْتُ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، لاَ أَطْعَمَتْهَا، وَلاَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ -قَالَ نَافِعٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- مِنْ خَشِيشِ أَوْ خُشَاشِ الأَرْضِ.
[الحديث طرفه في: 2364] .
وبالسند قال: ( حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم الجمحي، مولاهم البصري ( قال: أخبرنا نافع بن عمر) بن عبد الله بن جميل الجمحي القرشى، المتوفى سنة تسع وستين ومائة ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ابن أبي مليكة) عبد الرحمن واسم أبي مليكة، بضم الميم وفتح اللام، زهير بن عبد الله التيمي الأول المكي ( عن أسماء بنت أبي بكر) وللأصيلي زيادة: الصديق رضي الله تعال عنهما.
( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى صلاة الكسوف) بالكاف.
أي صلاة كسوف الشمس ( فقام) عليه الصلاة والسلام ( فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام) وللأصيلي قال: فأطال القيام ( ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فسجد) وللأصيلي: ثم سجد ( فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم انصرف.
فقال)
: ( قد دنت) أي: قربت ( مني الجنة حتى لو اجترأت عليها) أي على الجنة ( لجئتكم بقطاف من قطافها) .
بكسر القاف فيهما أي بعنقود من عناقيدها، أو اسم لكل ما يقطف.
قال العيني وأكثر المحدثين يروونه بفتح القاف وإنما هو بالكسر.
واجترأت من الجرأءة، وإنما قال ذلك لأنه لأنه لم يكن مأذونًا له من عند الله بأخذه.
( ودنت مني النار حتى قلت: أي ربّ أوَ أنا معهم) بهمزة الاستفهام بعدها واو عاطفة، كذا لأبوي الوقت وذر وللأصيلي، ونسبه في الفتح للأكثرين، قال.
ولكريمة، وأنا معهم بحذف الهمزة، وهي مقدرة وثبت قوله: رب، ولأبي ذر عن الحموي.
( فإذا امرأة) قال نافع بن عمر: ( حسبت أنه) أي ابن أبي مليكة ( قال) : ( تخدشها) بفتح المثناة الفوقية وكسر الدال ثم شين معجمة، أي تقشر جلدها ( هرة) بالرفع، فاعل لتخدشها ( قلت ما شأن هذه) المرأة؟ ( قالوا: حبستها حتى ماتت جوعًا لا أطعمتها) أي: لا أطعمت الهرة، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: لا هي أطعمتها بالضمير الراجع للمرأة ( ولا أرسلتها) وللأصيلي وابن عساكر ولا هي أرسلتها ( تأكل) - ( قال نافع) الجمحي: ( حسبت أنه) أي ابن أبي مليكة وللأصيلي حسبته ( قال) : ( من خشيش) بفتح الخاء المعجمة لا بالمهملة وكسر الشين المعجمة، أي حشرات الأرض ( أو) قال: ( خشاش) ، مثلت الأول.
وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني زيادة: الأرض.
وفي الحديث أن تعذيب الحيوانات غير جائز، وأن من ظلم منها شيئًا يسلط على ظالمه يوم القيامة.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين مصري ومكّي، وفيهتابعي عن صحابية، والتحديث بالجمع والإفراد والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الشرب، والنسائي وابن ماجة في الصلاة.
91 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ .

     وَقَالَتْ  عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ: «فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ».
( باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة) .
( قالت عائشة) رضي الله عنها، مما هو طرف حديث وصلة المؤلّف في باب: إذا انفلتت الدابة ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاة الكسوف) ( فرأيت) بالفاء قبل الراء، ولأبوي الوقت وذر وابن عساكر: رأيت ( جهنم يحطم) بكسر الطاء، أي يأكل ( بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت) .


رقم الحديث 746 [746] حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: "قُلْنَا لِخَبَّابٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ".
[الحديث أطرافه في: 76، 761، 777] .
وبالسند قال: ( حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي ( قال: حدّثنا عبد الواحد) وللأصيلي عبد الواحد بن زياد، بكسر الزاي وتخفيف المثناة ( قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران، ( عن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ( بن عمير) تصغير عمر التيمي الكوفي، ( عن أبي معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن سخبرة الأزدي ( قال: قلنا لخباب) بفتح المعجمة، وتشديد الموحدة الأولى، ابن الأرت، بفتح الهمزة والراء وتشديد المثناة الفوقية ( أكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في) صلاة ( الظهر و) صلاة ( العصر) ؟ أي غير الفاتحة؟ إذ لا شك في قراءتها ( قال: نعم.
قلنا)
ولأبي ذر: فقلنا، بفاء العطف ( بم) بحذف الألف تخفيفًا، ( كنتم تعرفون ذاك) ؟ أي قراءته، ولابن عساكر والأصيلي: ذلك ( قال) أي خباب، ( باضطراب لحيته) بكسر اللام أي بتحريكها.
ويستفاد منه ما ترجم له، وهو رفع البصر إلى الإمام، ويدل للمالكية حيث قالوا: ينظر إلى الإمام وليس عليه أن ينظر إلى موضع سجوده.
ومذهب الشافعية يسن إدامة نظره إلى موضع سجوده لأنه أقرب إلى الخشوع.
ورجال هذا الحديث ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة.
747 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يَخْطُبُ قَالَ: "حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ وَكَانَ غَيْرَ كَذُوبٍ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ".
وبه قال: ( حدّثنا حجاج) هو ابن منهال، لا حجاج بن محمد، لأن المؤلّف لم يسمع منه ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال: أنبأنا) أي أخبرنا، وهو يطلق في الإجازة، بخلاف أخبرنا، فلا يكون إلاّ مع التقييد بأن يقول أخبرنا إجازة ( أبو اسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( قال: سمعت عبد الله بن يزيد) من الزيادة، الأنصاري الخطمي الصحابي، وكان أميرًا على الكوفة، حال كونه ( يخطب، قال: حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا ( البراء) بن عازب، ( وكان غير كذوب، أنهم كانوا إذا صلوا مع رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر: مع النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرفع رأسه) الشريف ( من الركوع، قاموا قيامًا) نصب على المصدرية، والجملة جواب إذا ( حتى يرونه) بإثبات النون بعد الواو، ولأبي ذر والأصيلي: حتى يره، حال كونه ( قد سجد) .
ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه التحديث والإنباء والسماع والقول، ورواية صحابي عن صحابي.
748 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَلَّى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلُ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ.
قَالَ: إِنِّي أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا».
وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) هو ابن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة ( عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية والسين المهملة المخففة ( عن عبد الله بن عباس) رضي عنهما، ( قال: خسفت الشمس) بفتح الخاء المعجمة ( على عهد رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: على عهد النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
فيه دليل لمن يقول: إن الخسوف يطلق على كسوف الشمس، لكن أكثر على استعماله في القمر، والكاف في الشمس، ( فصلى) عليه الصلاة والسلام صلاة الخسوف المذكورة في الباب السابق ( قالوا) ولأبي ذر: فقالوا: ( يا رسول الله! رأيناك تناول) أصله تتناول بمثناتين فوقيتين، فحذفت إحداهما تخفيفًا، وللأصيلي وابن عساكر: تناولت ( شيئًا في مقامك) بفتح الميم الأولى ( ثم رأيناك تكعكعت) أي تأخرت ورجعت وراءك ( قال) : ولأبوي ذر والوقت: فقال: ( إني أريت) بهمزة مضمومة ثم راء مكسورة وللكشميهني رأيت ( الجنة) من غير حائل ( فتناولت) أي أردت أن آخذ ( منها عنقودًا) بضم العين، وعلى هذا التأويل لا تضادّ بينه وبين قوله: ( ولو أخذته) أي العنقود ( لأكلتم) بميم الجمع وللكشميهني: لأكلت ( منه ما بقيت الدنيا) أي مدة بقاء الدنيا إلى انتهائها، لأن طعام الجنة لا يفنى.
فإن قلت: لِمَ لم يأخذ العنقود؟ أجيب بأنه من طعام الجنة الذي لا يفنى، ولا يجوز أن يؤكل في الدنيا إلاّ ما يفنى لأن الله تعالى أوجدها للفناء، فلا يكون فيها شيء مما يبقى.
اهـ.
واختصر هنا الجواب عن تأخره، وذكر في باقي الروايات: إنه لدنوّ نار جهنم.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: رأيناك تكعكعت، لأن رؤية تكعكعه عليه الصلاة والسلام تدلّ على أنهم كانوا يراقبونه عليه الصلاة والسلام.


رقم الحديث 749 [749] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ رَقَا الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ -مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلاَةَ- الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
ثَلاَثًا".
وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون، وبعد الألف نون ثانية، العوفي الباهلي الأعمى، المتوفى سنة ثلاثة وعشرين ومائتين، ( قال: حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام، ابن سليمان بن أبي الغيرة الأسلمي المدني، وقيل اسمه عبد الملك ( قال: حدّثنا هلال بن علي) بن أسامة العامري المدني وقد نسب إلى جده ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، وسقط لابن عساكر لفظ ابن مالك ( قال: صلّى لنا) باللام.
وفي نسخة: بنا ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم رقى) بالألف المقصورة، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: رقي: بكسر القاف وفتح الياء، أي صعد ( المنبر، فأشار بيديه) بالتثنية، وللأربعة: بيده ( قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي جهة، ( قبلة المسجد، ثم قال) : ( لقد رأيت الآن) اسم للوقت الذي أنت فيه، وهو ظرف غير متمكن، وقد وقع معرفة واللام فيه ليست معرّفة لأنه ليس له ما يشاركه حتى يميز، ولا يشكل عليه أن رأى للماضي، فكيف يجتمع مع الحال لدخول قد، فإنها تقرّبه للحال ( منذ) زمان ( صلّيت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين) أي: مصوّرتين ( في قبلة هذا الجدار) حقيقة أو عرض على مثالهما، وضرب له ذلك في الصلاة، كأنهما في عرض الحائط ( فلم أر) منظرًا ( كاليوم) أي مثل نظر اليوم ( في) أحوال ( الخير والشر) .
قال ذلك ( ثلاثًا) .
وقوله: صليت لكم بالماضي قطعًا واستشكل اجتماعه مع الآن، وأجيب بأنه إما أن يكون كما قال ابن الحاجب: كل مخبر أو منشئ فقصده الحاضر، فمثل صليت يكون للماضي الملاصق للحاضر، وإما أنه أريد بالآن ما يقال عرفًا أنه الزمان الحاضر، لا اللحظة الحاضرة الغير المنقسمة.
ووجه مطابقة الحديث للترجمة أن فيه رفع البصر إلى الإمام.
ورواته أربعة، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والرقاق، والله أعلم.
92 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ ( باب) كراهية ( رفع البصر إلى) جهة ( السماء في الصلاة) لأن فيه نوع إعراض عن القبلة، وخروج عن هيئة الصلاة.
75 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ؟ فَاشْتَدَّ .

     قَوْلُهُ  فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ».
وبالسند قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني ( قال: أخبرنا) ، وللأربعة: حدّثنا ( يحيى بن سعيد) القطان ( قال: حدثنا ابن أبي عروبة) بفتح العين المهملة وتخفيف الراء المضمومة وفتح الموحدة، سعيد بن مهران ( قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة ( أن أنس بن مالك حدّثهم) بميم الجمع، ولأبي ذر: حدّثه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بعدما صلّى بأصحابه، وأقبل عليهم بوجهه الكريم كما عند ابن ماجة.
( ما بال أقوام) أبهم خوف كسر قلب من يعنيه، لأن النصيحة في الملأ فضيحة.
وبال: بضم اللام، أي: ما حالهم وشأنهم ( يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم) زاد مسلم، من حديث أبي هريرة: عند الدعاء، فإن حمل المطلق على هذا المقيد اقتضى اختصاص الكراهية بالدعاء الواقع في الصلاة.
قاله في الفتح وتعقبه العيني فقال: ليس الأمر كذلك، بل المطلق يجري على المقيد، والمقيد على تقييده، والحكم عام في الكراهة، سواء كان رفع بصره في الصلاة عند الدعاء، أو بدون الدعاء، لما رواه الواحدي في باب النزول من حديث أبي هريرة: أن فلانًا كان إذا صلّى رفع رأسه إلى السماء، فنزلت: { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] ورفع البصر مطلقًا ينافي الخشوع الذي أصله السكون، ( فاشتد قوله) عليه الصلاة والسلام ( في ذلك) أي في رفع البصر، إلى السماء في الصلاة، ( حتى قال) : والله، ( لينتهُنَّ) بفتح أوله وضم الهاء، لتدل على واو الضمير المحذوفة، لأن أصله: لينتهوننّ، وللمستملي والحموي: لينتهين بضم أوله وفتح المثناة الفوقية والهاءوالمثناة التحتية آخره نون توكيد ثقيلة فيهما، مبنيًّا للفاعل في الأولى، وللمفعول في الثاني ( عن ذلك) أي: عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة ( أو) قال عليه الصلاة والسلام ( لتخطفن) بضم المثناة الفوقية، وسكون الخاء المعجمة وفتح الطاء والفاء، مبنيًّا للمفعول أي: لتعمين ( أبصارهم) .
وكلمة: أو، للتخيير تهديدًا، وهو خبر بمعنى الأمر، أي: ليكوننّ منكم الانتهاء عن رفع البصر أو تخطف الأبصار عند الرفع من الله، وهو كقوله تعالى: { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] أي يكون أحد الأمرين.
وفيه النهي الوكيد والوعيد الشديد، وحملوه على الكراهة دون الحرمة للإجماع على عدمها، وأما رفع البصر إلى السماء في غير الصلاة في دعاء ونحوه، فجوّزه أكثرون، لأن السماء قبلة الداعين، كالكعبة قبلة المصلين، وكرهه آخرون.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة في الصلاة.
93 - باب الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ ( باب) كراهية ( الالتفات في الصلاة) لأنه ينافي الخشوع المأمور به أو ينقصه.