فهرس الكتاب

- باب من أدرك من الصلاة ركعة

رقم الحديث 990 [990] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى".
وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا) ولأبي ذر في نسخة: حدّثنا ( مالك) الإمام ( عن نافع) مولى ابن عمر ( وعبد الله بن دينار) كلاهما ( عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، ( أن رجلاً سأل) قيل: هو ابن عمر كما هو في المعجم الصغير.
وعورض برواية عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر، عند مسلم: أن رجلاً سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنا بينه وبين السائل.
وقيل: هو من أهل البادية، ولا تنافي لاحتمال تعدد من سأل ( رسول الله) ولأبي ذر، والأصيلي: سأل النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) عدد ( صلاة الليل) أو: عن الفصل والوصل ( فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) .
( صلاة الليل مثنى مثنى) غير مصروف للعدل، والوصف والتكرير للتأكيد لأنه في معنى: اثنين، اثنين: أربع مرات.
والمعنى: يسلم من كل ركعتين، كما فسره به ابن عمر في حديثه عند مسلم.
واستدلّ بمفهومه للحنفية على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعًا.
وعورض بأنه مفهوم لقب، وليس حجة على الراجح، ولئن سلمناه لا نسلم الحصر في الأربع.
على أنه قد تبين من رواية أخرى أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به، ففي السنن وصححه ابن خزيمة، وغيره من طريق علي الأزدي، عن ابن عمر، مرفوعًا: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى".
لكن أكثر أئمة الحديث أعلوا هذه الزيادة، وهي قوله: والنهار، بأن الحفاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه، وحكم النسائي على راويها بأنه: أخطأ فيها.
( فإذا خشي أحدكم الصبح) أي: فوات صلاة الصبح ( صلّى ركعة واحدة توتر له) تلك الركعة الواحدة ( ما قد صلّى) .
فيه أن أقل الوتر ركعة، وأنها تكون مفصولة بالتسليم مما قبلها، وبه قال الأئمة الثلاثة خلافًا للحنفية حيث قالوا: يوتر بثلاث كالمغرب، لحديث عائشة: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يوتر بها.
كذلك رواه الحاكم وصححه.
نعم، قال الشافعية: لو أوتر بثلاث موصولة فأكثر وتشهد في الأخيرتين، أو فيالأخيرة جاز للاتباع، رواه مسلم: لا أن تشهد في غيرهما فقط، أو معهما، أو مع أحدهما، لأنه خلاف المنقول بخلاف النفل المطلق، لأنه لا حصر لركعاته وتشهداته.
لكن الفصل، ولو بواحدة، أفضل من الوصل، لأنه أكثر أخبارًا وعملاً، ثم الوصل بتشهد أفضل منه بتشهدين، فرقًا بينه وبين المغرب.
وروى الدارقطني بإسناد رواته ثقات حديث: "لا توتروا بثلاث، ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب".
وثلاثة موصولة أفضل من ركعة لزيادة العبادة، بل قال القاضي أبو الطيب: إن الإيتار بركعة مكروه.
اهـ.
واستدلّ به المالكية على تعيين الشفع قبل الوتر، لأن المقصود من الوتر أن تكون الصلاة كلها وترًا لقوله عليه الصلاة والسلام صلّى ركعة توتر له ما قد صلّى.
وأجيب: بأن سبق الشفع شرط في الكمال لا في الصحة، لحديث أبي داود والنسائي، وصححه ابن حبان، عن أبي أيوب مرفوعًا: الوتر حق، فمن شاء أوتر بخمس، ومن شاء بثلاث، ومن شاء بواحدة.


رقم الحديث 993 [993] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْصَرِفَ فَارْكَعْ رَكْعَةً تُوتِرُ لَكَ مَا صَلَّيْتَ».
قَالَ الْقَاسِمُ: وَرَأَيْنَا أُنَاسًا مُنْذُ أَدْرَكْنَا يُوتِرُونَ بِثَلاَثٍ، وَإِنَّ كُلاًّ لَوَاسِعٌ، أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ بِشَىْءٍ مِنْهُ بَأْسٌ.
وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي، نزيل مصر ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ابن وهب) المصري، ولأبي ذر: عبد الله بن وهب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عمرو أن عبد الرحمن) بإسكان الميم بعد العين المفتوحة، ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي، عن المستملي: عمرو بن الحرث: أن عبد الرحمن ( بن القاسم حدثه، عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم، ( عن عبد الله عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما.
( قال: قال النبي) ولأبي ذر، في نسخة، قال رسول الله: ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف، فاركع ركعة) وحدة ( توتر لك ما صليت) .
وفيه ردّ على من ادعى من الحنفية أن الوتر بواحدة مختص بمن خشي طلوع الفجر، لأنه علقه بإرادة الانصراف، وهو أعم من أن يكون لخشية طلوع الفجر، وغيره.
( قال القاسم) بن محمد بن أبي بكر بالإسناد السابق، كما في مستخرج أبي نعيم، أو هو معلق.
لكن، قال الحافظ ابن حجر: جعله معلقًا وهم، وتعقبه صاحب عمدة القارئ بأن فصله عما قبله يصيره ابتداء كلام، فالصواب أنه معلق.
( ورأينا أناسًا منذ أدركنا) بلغنا الحلم، أو عقلنا ( يوترون بثلاث، وإن كلاًّ) من الوتر بركعة واحدة وثلاث ( لواسع، أرجو) ولأبي ذر: وأرجو ( أن لا يكون بشيء منه بأس) فلا حرج في فعل أيهما شاء.
994 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً كَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ -تَعْنِي بِاللَّيْلِ- فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلاَةِ".
وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن) ابن شهاب محمد بن مسلم ( الزهري، عن عروة) بن الزبير، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر، قال: حدثني بالإفراد، عروة ( أن عائشة) رضي الله عنها ( أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي إحدى عشرة ركعة) هي أكثر الوتر عند الشافعي لهذا الحديث، ولقولها ما كان، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يزيد في رمضان، ولا غيره، على إحدى عشرة ركعة ولا يصح زيادة عليها، فلو زاد عليها لم يجز، ولم يصح وتره بأن أحرم بالجميع دفعة واحدة فإن سلم من كل ثنتين صح إلا الإحرام السادس فلا يصح وترًا، فإن علم المنع وتعمده فالقياس البطلان، وإلا وقع نفلاً كإحرامه بالظهر قبل الزوال غالطًا.
ولا تنافي بين حديث عائشة هذا وحديث ابن عباس السابق، ثلاثة عشر، فقد قيل: أكثره ثلاثة عشر، لكن تأوله الأكثرون بأن من ذلك ركعتين، سنة العشاء.
قال النووي: وهذا تأويل ضعيف منابذ للأخبار.
قال السبكي: وأنا أقطع بحل الإيتار بذلك وصحته، لكني أحب الاقتصار على إحدى عشرة فأقل، لأنه غالبِ أحواله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
( كانت تلك صلاته تعني) عائشة ( بالليل فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر) سنته ( ثم يضطجع على شقه الأيمن) لأنه كان يحب التيمن.
لا يقال: حكمته أن لا يستغرق في النوم لأن القلب في اليسار، ففي النوم عليه راحة له فيستغرق فيه، لأنا نقول: صح أنه عليه الصلاة والسلام كان: تنام عينه ولا ينام قلبه.
نعم، يجوز أن يكون فعله لإرشاد أمته وتعليمهم.
( حتى يأتيه المؤذن للصلاة) ولابن عساكر: بالصلاة بالموحدة بدل اللام.
2 - باب سَاعَاتِ الْوِتْرِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَوْصَانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ.
( باب ساعات الوتر) أي: أوقاته.
( قال) ولأبي ذر: وقال ( أبو هريرة) مما وصله إسحاق بن راهويه، في مسنده: ( أوصاني النبي) ولأبي ذر: في رواية رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالوتر قبل النوم) محمول على من لم يثق بتيقظه آخر الليل جمعًا بينه وبين حديث: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا".
995 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: "قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ أُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ وَكَأَنَّ الأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ".
قَالَ حَمَّادٌ: أَىْ سُرْعَةً.
وبالسند قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي ( قال: حدّثنا حماد بن زيد، قال: حدّثنا أنس بن سيرين) أخو محمد بن سيرين ( قال: قلت لابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما: ( أرأيت) بهمزة الاستفهام، أي: أخبرني عن ( الركعتين) اللتين ( قبل صلاة الغداة أطيل فيهما القراءة) ؟ كذا للكشميهني: أطيل، بجعل المضارع فيه للمتكلم، وهمزة الاستفهام محذوفة.
وللحموي: أتطيل بهمزة الاستفهام معجعل المضارع للمخاطب.
وللباقين من غير اليونينية: نطيل بنون الجمع من أطال يطيل إذا طول؛ وفي الفرع لأبي ذر عن الحموي والمستملي: تطيل، بالفوقية من غير همز.
( فقال) أي: ابن عمر، ولأبي ذر والأصيلي، وابن عساكر: قال: ( كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي من الليل) .
ولابن عساكر: يصلّي بالليل- ( مثنى مثنى) فيه فضل الفصل لأنه أمر به وفعله، بخلاف الوصل فإنه فعله فقط.
( ويوتر بركعة، ويصلّي الركعتين) السنة، ولأبوي ذر، والوقت، ويصلّي ركعتين ( قبل صلاة الغداة) أي: الصبح، ( وكأن الأذان) أي الإقامة ( بأذنيه) بالتثنية والكاف حرف تشبيه، ونون كأن مشددة، والجملة حال من فاعل يصلّي في قولها: يصلّي ركعتين قبل صلاة الغداة.
لا يقال: إنها لإنشاء التشبيه، لأن الجملة الإنشائية لا تقع حالاً، قاله في المصابيح.
( قال حماد) المذكور بالسند السابق في تفسير: كأن الأذان ( أي سرعة) ولأبوي ذر، والوقت، كما في الفرع، وزاد في الفتح، وابن شبويه: بسرعة، بموحدة قبل السين.
والمعنى: أنه عليه الصلاة والسلام كان يسرع بركعتي الفجر إسراع من يسمع إقامة الصلاة خشية فوات أول الوقت، ويلزم منه تخفيف القراءة فيهما، فيحصل به الجواب عن سؤال أنس بن سيرين عن قدر القراءة فيهما.
ورواة الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والقول، وأخرجه مسلم، والترمذي، وابن ماجة: في الصلاة.


رقم الحديث 996 [996] حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ".
وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين، النخعي الكوفي ( قال: حدّثنا أبي) حفص بن غياث، قاضي الكوفة ( قال: حدّثنا) سليمان بن مهران ( الأعمش قال: حدّثني) بالإفراد ( مسلم) هو: أبو الضحى الكوفي، لا ابن كيسان ( عن مسروق) هو: ابن عبد الرحمن الكوفي ( عن عائشة) ، رضي الله عنها، ( قالت) : ( كل الليل) صالح لجميع أجزائه، وكل بالنصب على الظرفية، أو بالرفع: مبتدأ خبره ما بعده.
وهو قوله ( أوتر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وانتهى وتره إلى السحر) قبيل الصبح.
ولأبي داود، عن مسروق، قلت لعائشة: متى كان يوتر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقالت: أوتر أوّل الليل، وأوسطه، وآخره، ولكن انتهى وتره حين مات إلى السحر.
فقد يكون أوتر من أوّله لشكوى حصلت له، وفي وسطه لاستيقاظه إذ ذاك، وكان آخر أمره أن أخره إلى آخر الليل.
ويحتمل أن يكون فعله أوله وأوسطه لبيان الجواز، وأخره إلى الليل تنبيهًا على أنه الأفضل لمن يثق بالانتباه.
"من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوّله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة" وذلك أفضل.
وورد عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم واستحبه مالك، وقد قال عليه الصلاة والسلام لأبي بكر: متى توتر؟ قال: أوّل الليل.
وقال لعمر: متى توتر؟ قال: آخر الليل.
فقال لأبي بكر: أخذت بالحزم، وقال لعمر: أخذت بالقوّة.
واستشكل اختيار الجمهور لفعل عمر في ذلك مع أن أبا بكر أفضل منه.
وأجيب بأنهم فهموا من الحديث ترجيح فعل عمر، لأنه وصفه بالقوّة، وهي أفضل من الحزم لمن أعطيها.
وقد اتفق السلف والخلف على أن وقته من بعد صلاة العشاء إلى الفجر الثاني، لحديث معاذ، عند أحمد مرفوعًا: زادني ربي صلاة، وهي الوتر، وقتها من العشاء إلى طلوع الفجر.
قال المحاملي: ووقتها المختار إلى نصف الليل.
وقال القاضي أبو الطيب وغيره: إلى نصفه، أو ثلثه.
والأقرب فيهما أن يقال: بعيد ذلك ليجامع وقت العشاء المختار، مع أن ذلك منافٍ لقولهم: يسن جعله آخر صلاة الليل، وقد علم أن التهجد في النصف الثاني أفضل، فيكون مستحبًا.
ووقته المختار إلى ما ذكر، وحمل البلقيني ذلك على من لا يريد التهجد.
ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض: الأعمش ومسروق ومسلم، والتحديث، والعنعنة والقول، وأخرجه: مسلم، وأبو داود في الصلاة.
3 - باب إِيقَاظِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْلَهُ بِالْوِتْرِ ( باب إيقاظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهله بالوتر) وللكشميهني: للوتر، باللام بدل الموحدة.
وإيقاظ مصدر مضاف لفاعله وأهله مفعوله.
997 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ".
وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( قال حدّثنا يحيى) القطان ( قال: حدّثنا هشام) هو: ابن عروة ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أبي) عروة بنالزبير بن العوام ( عن عائشة) رضي الله عنها ( قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) صلاة الليل ( وأنا راقدة) حال كوني ( معترضة على فراشه) ولأبي ذر: معترضة، بالرفع ( فإذا أراد أن يوتر أيقظني) فقمت وتوضأت ( فأوترت) امتثالاً لقوله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: 132] واستدلّ به على جعل الوتر آخر الليل، ولو نام قبله سواء تهجد، أي: صلّى بعد الهجود، أي: النوم أو لم يتهجد، ومحله إذا وثق أن يستيقظ بنفسه أو بإيقاظ غيره.
ولا يلزم من إيقاظه عليه الصلاة والسلام لها لأجل الوتر وجوبه؛ نعم، يدل على تأكيده، وأنه فوق غيره من النوافل.
4 - باب لِيَجْعَلْ آخِرَ صَلاَتِهِ وِتْرًا هذا ( باب) بالتنوين ( ليجعل) أي: المصلي ( آخر صلاته) بالليل ( وترًا) .


رقم الحديث 998 [998] حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا».
وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد ( قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان ( عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ( قال: حدّثني) بالإفراد ( نافع عن عبد الله) ولأبي ذر، والأصيلي: عن عبد الله بن عمر، أي: ابن الخطاب رضي الله عنهما ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:) .
( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا) .
قيل: الحكمة فيه أن أول صلاة الليل المغرب، وهي وتر، وللابتداء والانتهاء اعتبار زائد على اعتبار الوسط، فلو أوتر ثم تهجد لم يعده، لحديث أبي داود والترمذي، وحسنه: "لا وتران في ليلة".
وروي عن الصديق أنه قال: أما أنا فأنام على وتر، فإن استيقظت صليت شفعًا حتى الصباح لأن إعادته تصير الصلاة كلها شفعًا، فيبطل المقصود منه.
وكان ابن عمر ينقض وتره بركعة، ثم يصلّي مثنى مثنى، ثم يوتر.
والأمر ليس للوجوب بقرينة صلاة الليل، فإنها غير واجبة اتفاقًا.
فكذا آخرها.
وأما قوله في حديث أبي داود: "فمن لم يوتر فليس منا"، فمعناه: ليس آخذًا بسنتنا.
5 - باب الْوِتْرِ عَلَى الدَّابَّةِ ( باب) صلاة ( الوتر على الدابة) بعير وغيره.
999 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: "كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ لَحِقْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ.
قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ".
[الحديث 999 - أطرافه في: 1، 195، 196، 198، 115] .
وبالسند قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب) ليس له في البخاري غير هذا الحديث الواحد، ( عن سعيد بن يسار) بالمثناة التحتية والمهملة المخففة ( أنه قال:) .
( كنت أسير مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ( بطريق مكة، فقال سعيد: فلما خشيت الصبح) بكسر الشين المعجمة، أي: دخول وقت الصبح ( نزلت) أي: عن مركوبي ( فأوترت) على الأرض ( ثم لحقته) .
( فقال) لي ( عبد الله بن عمر: أين كنت؟ فقلت) له: ( خشيت الصبح فنزلت فأوترت فقال عبد الله: أليس لك في رسول الله أسوة حسنة) بكسر الهمزة وضمها، أي: قدوة.
( فقلت: بلى والله، قال: فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يوتر على البعير) وسيأتي إن شاء الله تعالى أن ابن عمر كان يصلّي من الليل على دابته وهو مسافر.
فلو كان واجبًا لما جازت صلاته على الدابة، وأما ما رواه عبد الرزاق عن ابن عمر أيضًا أنه كان يوتر على راحلته، وربما نزل فأوتر بالأرض، فطلب الأفضل، لا أنه واجب.
لكن، يُشْكِلُ على ما ذُكِرَ أن الوتر كان واجبًا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكيف صلاه راكبًا؟.
وأجيب: باحتمال الخصوصية أيضًا كخصوصية وجوبه عليه.
وعورض بأنه أنه دعوى لا دليل عليها لأنه لم يثبت دليل وجوبه عليه حتى يحتاج إلى تكلف هذا الجواب.
اهـ.
أو يقال، كما في اللامع: إنه تشريع للأمة بما يليق بالسنة في حقهم، فصلاه على الراحلة لذلك، وهو في نفسه واجب عليه، فاحتمل الركوب فيه لمصلحة التشريع.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة في الصلاة.
6 - باب الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ ( باب الوتر في السفر) كالحضر.
1 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلاَةَ اللَّيْلِ إِلاَّ الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ".
وبالسند قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعبل) التبوذكي ( قال: حدّثنا جويرية بن أسماء) بفتح الهمزة ممدودًا ( عن نافع، عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ( قال) : ( كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي في السفر على راحلته حيث توجهت به) فيصير صوب سفره قبلته حال كونه ( يومئ إيماء) نصب على المصدرية ( صلاة الليل) نصب على المفعولية ليصلّي، وفيه أن المراد بقوله تعالى: { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144، و15] ، الفرائض ( إلا الفرائض) أي: لكن الفرائض فلم يكن يصلّيها على الراحلة، فالاستثناء منقطع لا متصل، لأن المراد خروج الفرائض من الحكم، ليلية أو نهارية، ولابن عساكر: إلا الفرض، بالإفراد ( ويوتر) بعد فراغه من صلاة الليل ( على راحلته) .
وفي الحديث ردّ على قول الضحاك: لا وتر على المسافر، وأما قول ابن عمر، المروي في مسلم وأبي داود.
"لو كنت مسبحًا في السفر لأتممت".
فإنما أراد به راتبة المكتوبة لا النافلة المقصودة: كالوتر، قاله في الفتح.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين: بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول.
7 - باب الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ ( باب) مشروعية ( القنوت) وهو: اللهم اهدني فيمن هديت.
الخ ... ( قبل الركوع وبعده) في جميع الصلوات الشاملة للوتر.
وغيره.


رقم الحديث 1001 [11] حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: "سُئِلَ أَنَسٌ أَقَنَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَقِيلَ لَهُ: أَوَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا".
[الحديث أطرافه 12، 13، 13، 281، 2814، 364، 317، 488، 489، 49، 491، 492، 494، 495، 496، 6394، 7341] .
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد (قال: حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن محمد) ولأبي ذر: عن محمد بن سيرين (قال سئل أنس) ولأبي ذر، والأصيلي: سئل أنس بن مالك: (أقنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) صلاة (الصبح؟ قال: نعم).
قنت فيها (فقيل: أوقنت) بهمزة استفهام فواو عاطفة، ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فقيل له: أوقنت؟ وزاد رواية أبوي ذر، والوقت: أو قلت؟ وللكشميهني: أقنت؟ بغير واو (قبل الركوع؟ قال: قنت بعد الركوع يسيرًا) أي: شهرًا، كما في رواية عاصم التالية لهذه.
وهي ترد على البرماوي حيث قال، كالكرماني أي: زمانًا قليلاً بعد الاعتدال التام، وقد صح أنه لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا.
رواه عبد الرزاق والدارقطني، وصححه الحاكم، وثبت عن أبي هريرة أنه كان يقنت في الصبح في حياة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبعد وفاته.
وحكى العراقي: أن ممن قال به من الصحابة في الصبح: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليًّا وأبا موسى الأشعري، وابن عباس، والبراء.
ومن التابعين: الحسن البصري، وحميد الطويل، والربيع بن خيثم، وسعيد بن المسيب، وطاوسًا، وغيرهم.
ومن اللأئمة: مالكًا، والشافعي، وابن مهدي، والأوزاعي.
فإن قلت: روي أيضًا عن الخلفاء الأربعة، وغيرهم، أنهم ما كانوا يقنتون.
أجيب: بأنه إذا تعارض إثبات ونفي قدّم الإثبات على النفي.
12 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْقُنُوتِ.
فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ.
قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ.
قَالَ: فَإِنَّ فُلاَنًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ.
فَقَالَ: "كَذَبَ، إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلاً إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد، قال: حدّثنا عبد الواحد) وللأصيلي عبد الواحد بن زياد (قال: حدّثنا عاصم) هو: ابن سليمان الأحول (قال: سألت أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن القنوت) الظاهر أن أنسًا ظن أن عاصمًا سأله عن مشروعية القنوت (فقال) له: (قد كان القنوت) أي: مشروعًا.
قال عاصم (قلت) له: هل كان محله (قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله) أي: لأجل التوسعة لإدراك المسبوق، كذا قرّره المهلب، وهو مذهب المالكية.
وتعقبه ابن المنير: بأن هذا يأباه نهيه عن إطالة الإمام في الركوع ليدركه الداخل، ونوقض بالفذ، وإمام قوم محصورين (قال) أي: عاصم، وللأصيلي.
قلت (فإن فلانًا) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسمية هذا الرجل صريحًا، ويحتمل أن يكون: محمد بن سيرين، بدليل روايته المتقدمة.
فإن فيها: سأل محمد بن سيرين أنسًا (أخبرني) بالإفراد (عنك أنك) ولأبوي ذر، والوقت، عن المستملي، والحموي: كأنك (قلت) إنه (بعد الركوع).
(فقال: كذب) أي: أخطأ إن كان أخبرك أن القنوت بعد الركوع دائمًا، أو أنه في جميع الصلوات.
وأهل الحجاز يطلقون الكذب على ما هو أعم من العمد والخطأ.
(إنما قنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الركوع شهرًا).
أخرج ابن ماجة بإسناد قوي، من رواية حميد عن أنس: سئل عن القنوت فقال: قبل الركوع وبعده.
وعند ابن المنذر عنه: إن بعض الصحابة قنت قبل الركوع وبعضهم بعده.
ورجح الشافعي أنه بعده، لحديث أبي هريرة الآتي إن شاء الله تعالى.
قال أنس: (أراه) بضم الهمزة، أي: أظن أنه عليه الصلاة والسلام (كان بعث قومًا) من أهل الصفة (يقال لهم) ولأبي ذر: لها، وضبب عليها في اليونينية: (القرّاء) حال كونهم (زهاء) بضم الزاي وتخفيف الهاء ممدودًا، أي مقدار (سبعين رجلاً، إلى قوم من المشركين) أهل نجد من بني عامر.
وكان رأسهم أبو براء عامر بن مالك المعروف بملاعبالأسنة ليدعوهم إلى الإسلام ويقرؤوا عليهم القرآن.
فلما نزلوا بئر معونة قصدهم عامر بن الطفيل في أحيائهم: رعل وذكوان وعصية، فقاتلوهم، فلم ينج منهم إلا كعب بن زيد الأنصاري.
وذلك في السنة الرابعة من الهجرة.
(دون أولئك) المدعوّ عليهم المبعوث إليهم (وكان بينهم) أي: بين بني عامر المبعوث إليهم (وبين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد) فغدروا، وقتلوا القرّاء، (فقنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصلوات الخمس (شهرًا) متتابعًا (يدعو عليهم) أي: في كل صلاة إذا قال: "سمع الله لمن حمده" من الركعة الأخيرة، رواه أبو داود والحاكم، واستنبط منه: أن الدعاء على الكفار والظلمة لا يقطع الصلاة.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه: التحديث والسؤال والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: المغازي، والجنائز، والجزية، والدعوات؛ ومسلم في: اللصلاة.


رقم الحديث 1003 [13] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "قَنَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ".
وبه قال: ( أخبرنا) ولابوي ذر والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: حدّثنا ( أحمد بن يونس) هو: أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي ( قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة الكوفي ( عن التيمي) سليمان بن طرخان البصري ( عن أبي مجلز) بكسر الميم وقد تفتح وسكونه الجيم وفتح اللام آخره زي، لاحق بن حميد السدوسي البصري ( عن أنس) ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: عن أنس بن مالك ( قال) : ( قنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهرًا) متتابعًا ( يدعو) في اعتدال الركعة الأخيرة من كل الصلوات الخمس ( على رعل) بكسر الراء وسكون العين المهملة ( وذكوان) بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف آخره نون منصرف، قبيلتان من سليم، لما قتلوا القرّاء.
فقد صح قنوته عليه الصلاة والسلام على قتلة القرّاء شهرًا أو أكثر في صلاة مكتوبة.
وصح أنه لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا، فإن نزل نازلة بالمسلمين، من خوف أو قحط أو وباء أو جراد أو نحوها، استحب القنوت في سائر المكتوبات، وإلاّ ففي الصبح، وكذا في أخيرة الوتر في النصف الأخير من رمضان.
رواه البيهقي.
ورواة هذا الحديث ما بين: بصري وكوفي، وفيه رواية تابعي عن تابعي: سليمان الأحول ولاحق: والتحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: المغازي، ومسلم والنسائي في: الصلاة.
14 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ".
وبه قال: ( حدّثنا مسدد، قال: حدّثنا إسماعيل) بن علية ( قال: حدّثنا) ، وللأربعة: أخبرنا ( خالد) الحذاء ( عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي ( عن أنس) وللأصيلي: عن أنس بن مالك ( قال) : ( كان القنوت) أي في زمنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في) صلاة ( المغرب و) صلاة ( الفجر) .
وللأصيلي: في الفجر والمغرب لكونهما طرفي النهار، لزيادة شرف وقتهما رجاء إجابة الدعاء فكان تارة يقنت فيهما، وتارة في جميع الصلوات حرصًا على إجابة الدعاء، حتى نزل { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] فترك إلا في الصبح.
كما روى أنس: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا.
كما مر.
كذا قرره البرماوي كالكرماني.
وتعقب بأن قوله: في الصبح، يحتاج إلى دليل، وإلاّ فهو نسخ فيهما.
وقال الطحاوي: أجمعوا على نسخه في المغرب، فيكون في الصبح كذلك.
اهـ.
وقد عارضه بعضهم فقال: قد أجمعوا على أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قنت في الصبح، ثم اختلفوا، هل ترك فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه؟.
فإن قلت: ما وجه إيراد هذا الباب في أبواب الوتر ولم يكن في أحاديثه تصريح به؟.
أجيب: بأنه ثبت أن المغرب وتر النهار، فإذا ثبت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية.
وفي حديث الحسن بن علي، عند أصحاب السنن، قال: علمني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت.
تباركت ربنا وتعاليت ... " الحديث .. وصححه الترمذي وغيره، لكن ليس على شرط المؤلّف.
وروى البيهقي، عن ابن عباس وغيره، أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يعلمهم هذه الكلمات ليقنت بها في الصبح والوتر.
وقد صح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قنت قبل الركوع أيضًا، لكن رواة القنوت بعدهأكثر وأحفظ، فهو أولى، وعليه درج الخلفاء الراشدون في أشهر الروايات عنهم، وأكثرها.
فلو قنت شافعي قبل الركوع لم يجزه لوقوعه في غير محله، فيعيده بعده، ويسجد للسهو، قال في الام: لأن القنوت عمل من أعمال الصلاة، فإذا عمله في غير محله أوجب سجود السهو، وصورته: أن يأتي به بنية القنوت، وإلاّ فلا يسجد.
قاله الخوارزمي.
وخرج بالشافعي غيره ممن يرى القنوت قبله، كالمالكي، فيجزيه عنده.
وقال الكوفيون: لا قنوت إلا في الوتر قبل الركوع.
اهـ.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري وواسطي وشامي، وفيه التحديث والإخبار، والعنعنة، والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الصلاة.
بسم الله الرحمن الرحيم 15 - أبواب الاستسقاء.
( بسم الله الرحمن الرحيم أبواب الاستسقاء) أي: الدعاء لطلب السقيا، بضم السين، وهي المطر من الله تعالى عند حصول الجدب على وجه مخصوص.
1 - باب الاِسْتِسْقَاءِ، وَخُرُوجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الاِسْتِسْقَاءِ ( باب الاستسقاء، وخروج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الاستسقاء) إلى الصحراء.
كذا في رواية أبي ذر عن المستملي.
بلفظ: أبواب، بالجمع ثم الإفراد من غير بسملة، وسقط ما قبل باب من رواية الحموي والكشميهني، ولأبي الوقت، والأصيلي: كتاب الاستسقاء.
وثبتت البسملة في رواية أبي عليّ بن شبويه.
والاستسقاء ثلاثة أنواع.
أحدها: أن يكون بالدعاء مطلقًا، فرادى ومجتمعين.
وثانيها: أن يكون بالدعاء خلف الصلاة ولو نافلة كما في البيان وغيره عن الأصحاب، خلافًا لما وقع للنووي في شرح مسلم من تقييده بالفرائض، وفي خطبة الجمعة.
وثالثها: وهو الأفضل، أن يكون بالصلاة والخطبتين، وبه قال مالك، وأبو يوسف، ومحمد.
وعن أحمد: لا خطبة، وإنما يدعو ويكثر الاستغفار.
والجمهور على سنية الصلاة خلافًا لأبي حنيفة.
وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.