فهرس الكتاب

- باب التيمم في الحضر، إذا لم يجد الماء، وخاف فوت الصلاة

رقم الحديث 349 [349] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ.
قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ.
قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ.
.

قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ.
وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى.
حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ.
فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ».
قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ.
قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِدْرِيسَ قَالَ: "مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا مُوسَى.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولاَنِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ».
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً.
قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ.
فَرَاجَعني فَوَضَعَ شَطْرَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا.
فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ.
فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ.
فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ.
فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ.
ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ».
[الحديث طرفاه في: 1636، 3342] .
وبالسند قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن يونس) بن يزيد ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن أنس بن مالك) وسقط لفظ ابن مالك لابن عساكر ( قال) : ( كان أبو ذر) رضي الله عنه ( يحدّث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فرج) بضم الفاء وكسر الراء أي فتح ( عن سقف بيتي) أضافه لنفسه لأن الإضافة تكون بأدنى ملابسه وإلاّ فهو بيت أُم هانئ كما ثبت ( وأنا بمكة) جملة حالية اسمية ( فنزل جبريل) عليه السلام من الوضع المفروج في السقف مبالغة في المفاجأة ( ففرج) بفتحات أي شق ( صدري) ولأبي ذر عن صدري ( ثم غسله بماء زمزم) وإنما اختاره عن غيره من المياه لفضله على غيره من المياه أو لأنه يقوّي القلب، ( ثم جاء بطست) بفتح الطاء وسكون السين المهملة وهي مؤنثة وتُذكّر على معنى الإناء ( من ذهب) لا يقال فيه استعمال آنية الذهب لأنّا نقول إن ذلك كان قبل التحريم لأنه إنما وقع بالمدينة ( ممتلئ) بالجرّ صفة لطست وذكر على معنى الإناء ( حكمةً وإيمانًا) بالنصب فيهما على التمييز أي شيئًا يحصل بملابسته الحكمة والإيمان، فأطلقا عليه تسمية للشيء باسم مسبّبه أو هو تمثيل لينكشف بالمحسوس ما هو معقول كمجيء الموت فى هيئة كبش أملح والحكمة كما قاله النووي عبارة عن العلم المتّصف بالأحكام المشتملة على المعرفة بالله تعالى المصحوبة بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصدّ عن اتباع الهوى والباطل، وقيل: هي النبوّة، وقيل: هي الفهم عن الله تعالى.
( فأفرغه) أي ما في الطست ( في صدري ثم أطبقه) أي الصدر الشريف فختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء، فجمع الله تعالى له أجزاء النبوّة وختمها فهو خاتم النبيين وختم عليه فلم يجد عدوّه سبيلاً إليه لأن الشيء المختوم عليه محروس، وإنما فعل به ذلك ليتقوّى على استجلاء الأسماء الحسنى والثبوت في المقام الأسنى كما وقع له ذلك أيضًا في حال صباه لينشأ على أكمل الأخلاق وعند المبعث ليتلقّى الوحي بقلب قوي.
قال عليه السلام: ( ثم أخذ بيدي) جبريل ( فعرج) أي صعد ( بي إلى السماء الدنيا) ولأبي ذرّ عن الكشميهني وابن عساكر به على الالتفات أو التجريد جرّد من نفسه شخصًا وأشار إليه ( فلما جئت إلى السماء الدنيا) وبينها وبين الأرض خمسمائة عام كما بين كل سماءين إلى السابعة وسقط لفظ الدنيا عند الأربعة.
( قال جبريل لخازن السماء) الدنيا: ( افتح) أي بابها، أو في رواية شريك عند المؤلّف فضرب بابًا من أبوابها.
( قال) الخازن: ( مَن هذا) الذي يقرع الباب، ( قال: جبريل) ولغير أبي ذر قال: هذا جبريل لم يقال أنا للنهي عنه ( قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: أرسل إليه) للعروج به وليس السؤالعن أصل رسالته لاشتهارها في الملكوت، ولأبي ذر أأرسل إليه بهمزتين الأولى للاستفهام وهي مفتوحة والأخرى للتعدية وهي مضمومة، وللكشميهني كما في الفتح أو أرسل بواو مفتوحة بين الهمزتين، وفي رواية شريك قال أو قد بعث إليه ( قال) جبريل: ( نعم) أرسل إليه ( فلما فتح) الخازن ( علونا السماء الدنيا) ضمير الجمع فيه يدلّ على أنه كان معهما ملائكة آخرون ولعله كان كلما عديا سماء تشيعهما الملائكة حتى يصلا إلى سماء أخرى والدنيا صفة السماء في موضع نصب، ( فإذا) بالفاء وللأصيلي وابن عساكر إذا ( رجل قاعد على يمينه أسودة) أشخاص جمع سواد كأزمنة جمع زمان ( وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة ( يمينه ضحك وإذا نظر قبل) أي جهة ( يساره بكى) وللأربعة شماله، ( فقال) أي الرجل القاعد: ( مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح) أي أصبت رحبًا لا ضيقًا وهي كلمة تُقال عند تأنيس القادم ولم يقل أحد مرحبًا بالنبي الصادق لأن الصلاح شامل لسائر الخصال المحمودة الممدوحة من الصدق وغيره، فقد جمع بين صلاح الأنبياء كأنه قال: مرحبًا بالنبي التامّ في نبوّته والابن البارّ في نبوّته.
( قلت لجبريل) عليه السلام: ( مَن هذا؟ قال: هذا آدم) عليه السلام ( وهذه الأسودة) التي ( عن يمينه وشماله نسم بنيه) بفتح النون والسين المهملة جمع نسمة وهي نفس الروح أي أرواح بنيه، ( فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار) .
يحتمل أن النار كانت في جهة شماله ويكشف له عنها حتى ينظر إليهم لا أنها في السماء لأن أرواحهم في سجين الأرض السابعة، كما أن الجنة فوق السماء السابعة في جهة يمينه كذلك، ( فإذا نظر عن يمينه قبل شماله بكى.
حتى عرج بي)
جبريل ولابن عساكر به ( إلى السماء الثانية فقال لخازنها: افتح.
فقال له خازنها مثل ما قال الأول ففتح)
.
( قال) وفي رواية فقال ( أنس) ( فذكر) أبو ذر ( أنه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم صلوات الله عليهم ولم يثبت) من الاثبات ( كيف منازلهم) أي لم يعين أبو ذر لكل نبي سماء ( غير أنه ذر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة) نعم في حديث أنس عن مالك بن صعصعة عند الشيخين أنه وجد آدم في السماء الدنيا كما مرّ وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم وفيه بحث يأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
( قال أنس) : ظاهره أن أنسًا لم يسمع من أبي ذر هذه القطعة الآتية وهي ( فلما مرّ جبريل بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مصاحبًا بالنبي ( بإدريس) عليه السلام يتعلق الجار والمجرور في الموضعين بمرّ إلا أن الباء الأولى للمصاحبة كما مرّ والثانية للإلصاق أو بمعنى على.
( قال) إدريس: ( مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح) لم يقل والابن كآدم لأنه لم يكن من آبائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ( فقلت: مَن هذا) يا جبريل؟ ( قال) وللأصيلي فقال: ( هذا إدريس) عليه السلام قال عليه السلام: ( ثم مررت بموسى) عليه السلام ( فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح) سقط قوله والأخ الصالح في رواية الأربعة كما في الفرع قال عليه السلام.
( قلت) وفي رواية فقلت: ( مَن هذا) يا جبريل؟ ( قال هذا موسى.
ثم مررت بعيسى فقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح)
قال عليه السلام: ( قلت) وفي رواية فقلت: ( مَن هذا) يا جبريل؟ ( قال: هذا عيسى) وسقطت لفظة هذا عند أبي ذر، وليست ثم هنا على بابها في الترتيب إلاّ أن قيل بتعدّد المعراج لأن الروايات قد اتفقت على أن المرور به كان قبل المرور بموسى.
قال عليه السلام: ( ثم مررت بإبراهيم) عليه السلام ( فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح.
قلت: مَن هذا)
يا جبريل؟ ( قال: هذا إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
( قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( فأخبرني) بالإفراد ( ابن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي أبو بكر بن محمد بن عمرو بنحزم الأنصاري قاضي المدينة وأميرها زمن الوليد، المتوفّى سنة عشرين ومائة عن أربع وثمانين سنة ( أن ابن عباس وأبا حبة) بفتح المهملة وتشديد الموحدة على المشهور البدري ( الأنصاري) وعند القابسي وأبا حبة بمثناة تحتية وغلط، ورواية أبي بكر بن حزم عن أبي حبة منقطعة لأنه استشهد بأُحُد قبل مولد أبي بكر بدهر، بل قبل مولد أبيه محمد أيضًا، ففي هذه الرواية وهم لأنه إما أن يُراد بابن حزم أبو بكر أو أبوه محمد، فالأول لم يدرك أبا حبة والثاني لم يدركه الزهري إلاّ أن يقال أن أبا بكر رواه عنه مرسلاً إذ قال إن ولم يقل سمعت ولا أخبرني وحينئذ فلا وهم، واختلف في اسم أبي حبة بالموحدة فقيل: عامر بن عبد عمرو بن عمير بن ثابت، وقيل: مالك، وأنكر الواحدي أن يكون في البدريين مَن يكنّى أبا حبّة بالموحدة، قال في الإصابة: وروى عنه أيضًا عمّار بن أبي عمّار وحديثه عنه في مسند ابن أبي شيبة وأحمد، وصحّحه الحاكم وصرّح بسماعه منه، وعلى هذا فهو غير الذي ذكر ابن إسحاق أنه استشهد بأُحد، وله في الطبراني آخر من رواية عبد الله بن عمرو بن عثمان عنه وسنده قوي إلاّ أن عبد الله بن عمرو بن عثمان لم يدركه، قال ابن حزم: ( كانا) أي ابن عباس وأبو حبّة ( يقولان) : ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ثم عرج بي) بفتحات أو بضم الأول وكسر الثاني ( حتى ظهرت) أي علوت ( لمستوى) بواو مفتوحة أي موضع مشرف يستوي عليه وهو المصعد واللام فيه للعلّة أي علت لاستعلاء مستوى، وفي بعض الأصول بمستوى بموحدة بدل اللام ( أسمع فيه صريف الأقلام) أي تصويتها حالة كتابة الملائكة ما يقضيه الله تعالى مما تنسخه من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله أن يكتب لما أراد الله تعالى من أمره وتدبيره، والله تعالى غنيّ عن الاستذكار بتدوين الكتب إذ علمه محيط بكل شيء.
( قال ابن حزم) عن شيخه، ( و) قال ( أنس بن مالك) عن أبي ذر قال الحافظ ابن حجر: كذا جزم أصحاب الأطراف، ويحتمل أن يكون مرسلاً من جهة ابن حزم ومن رواية أنس بلا واسطة.
( قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ففرض الله) زاد الأصيلي عزّ وجل ( على أمتي خمسين صلاة) أي في كل يوم وليلة كما عند مسلم من حديث ثابت عن أنس، لكن بلفظ ففرض الله عليّ، وذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على أمته وبالعكس إلاّ ما يستثنى من خصائصه، ( فرجعت بذلك حتى مررت على موسى) عليه الصلاة والسلام ( فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال) موسى: ( فارجع إلى ربك) أي إلى الموضع الذي ناجيته فيه ( فإن أمتك لا تطيق ذلك) سقطت لفظة ذلك في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر ( فراجعني) وللأربعة وعزاها في الفتح للكشميهني فراجعت والمعنى واحد ( فوضع) أي ربي ( شطرها) وفي رواية مالك بن صعصعة فوضع عني عشرًا وفي رواية ثابت فحط عني خمسًا وزاد فيها أن التخفيف كان خمسًا خمسًا، قال الحافظ ابن حجر: وهي زيادة معتمدة يتعيّن حمل ما في الروايات عليها، ( فرجعت إلى موسى قلت) وللأصيلي فقلت: ( وضع شطرها: فقال) ولأبي ذر والوقت قال: ( راجع ربك) وفي رواية راجع إلى ربك ( فإن أمتك لا تطيق) ذلك ( فراجعت) ربي ولابن عساكر فرجعت ( فوضع) عني ( شطرها) فيه شيء على تفسير الشطر بالنصف، لأنه يلزم منه أن يكون وضع اثنتي عشرة صلاة ونصف صلاة وهو باطل فتفسيره بجزء منها أولى وأحسن منه الحمل على ما زاده ثابت خمسًا خمسًا كما مرّ، ( فرجعت إليه) أي إلى موسى ( فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعته) تعالى ( فقال) جلّ وعلا: ( هي خمس) بحسب الفعل ( وهي خمسون) بحسب الثواب قال تعالى: { مَن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] ولأبي ذر عن المستملي، ونسبها في الفتح لغير أبي ذر هنّ خمس وهنّ خمسون، واستدلّ به على عدم فرضية ما زاد على الخمس كالوتر وفيه جواز النسخ قبل الفعل خلافًا للمعتزلة.
قال ابن المنير: لكن الكل متّفقون على أن النسخ لا يتصوّر قبل البلاغ، وقد جاء به حديث الإسراء فأشكل على الطائفتين.
وتعقب بأن الخلاف مأثور نص عليه ابن دقيقالعيد في شرح العمدة وغيره.
نعم هو نسخ بالنسبة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كلف بذلك قطعًا، ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل فالنسخ في حقه صحيح التصوير.
( لا يبدل القول) بمساواة ثواب الخمس الخمسين ( لديّ) أو لا يبدّل القضاء المبرم لا المعلق الذي يمحو الله منه ما يشاء ويثبت ما يشاء، وأما مراجعته عليه الصلاة والسلام ربه في ذلك فللعلم بأن الأمر الأوّل ليس على وجه القطع والإبرام.
قال عليه الصلاة والسلام: ( فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك) وللأصيلي ارجع إلى ربك ( فقلت) ولأبي ذر قلت ( استحييت) وللأصيلي قد استحييت ( من ربي) وجه استحيائه أنه لو سأل الرفع بعد الخمس لكان كأنه قد سأل رفع الخمس بعينها، ولا سيما وقد سمع قوله تعالى: { لا يبدّل القول لديّ} [ق: 29] .
( ثم انطلق بي) بفتح الطاء واللام وفي بعض النسخ إسقاط بي والاقتصار ثم انطلق ( حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى) وللأربعة إلى السدرة المنتهى وهي في أعلى السماوات، وفي مسلم أنها في السادسة، فيحتمل أن أصلها فيها ومعظمها في السابعة، وسمّيت بالمنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلاّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها أو تنتهي إليها أرواح الشهداء أو أرواح المؤمنين فتصلي عليهم الملائكة المقرّبون، ( وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أُدخلت الجنة فإذا فيها حبائل اللؤلؤ) بحاء مهملة فموحدة وبعد الألف مثناة تحتية ثم لام كذا هنا في جميع الروايات، وضبب عليها في اليونينية ثم ضرب على التضبيب وصحّح على لفظ حبائل ثلاث مرات.
قيل: معناه أن فيها عقودًا وقلائد من اللؤلؤ، وردّ بأن الحبائل إنما تكون جمع حبالة أو حبيلة، وذكر غير واحد من الأئمة أنه تصحيف وإنما هي جنابذ كما عند المؤلّف في أحاديث الأنبياء بالجيم والنون وبعد الألف موحدة ثم معجمة جمع جنبذة وهي القبة، ( وإذا ترابها المسك) أي تراب الجنة رائحته كرائحة المسك.
ورواة هذا الحديث الستّة ما بين مصري ومدني وفيه رواية صحابي عن صحابي والتحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في الحج مختصرًا وفي بدء الخلق وفي الأنبياء وباب وكلم الله موسى تكليمًا، ومسلم في الإيمان، والترمذي في التفسير، والنسائي في الصلاة.


رقم الحديث 350 [35] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ.
[الحديث طرفاه في 19، 3935] .
وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة ( عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف ( عن عروة بن الزبير) بن العوّام ( عن عائشة أُم المؤمنين) رضي الله عنها ( قالت) : ( فرض الله) أي قدّر الله ( الصلاة) الرباعية ( حين فرضها) حال كونها ( ركعتين ركعتين) بالتكرير لإفادة عموم التثنية لكل صلاة ( في الحضر والسفر) زاد ابن إسحاق قال: حدّثني صالح بن كيسان بهذا الإسناد إلاّ المغرب فإنها ثلاث أخرجه أحمد، ( فأقرّت صلاة السفر) ركعتين ركعتين ( وزيد في صلاة الحضر) لمّا قدِمَ عليه الصلاة والسلام المدينة ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الصبح لطول القراءة فيها وصلاة المغرب لأنها وتر النهار رواه ابنا خزيمة وحبّان والبيهقي، وقد تمسك بظاهره الحنفية على أن القصر في السفر عزيمة لا رخصة، فلا يجوز الإتمام إذ ظاهر قولها أقرّت يقتضيه.
وأُجيب: بأنه على سبيل الاجتهاد، وهو أيضًا معارض بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عند مسلم: فرضت الصلاة في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين.
وفيه نظر يأتي إن شاء الله تعالى في أبواب القصر، وبأن عائشة أتمّت في السفر، والعبرة عندهم برأي الصحابي لا بمرويه أن تؤول الزيادة في قولها: وزيد في صلاة الحضر في عدد الصلوات حتى بلغت خمسًا لا في عدد الركعات، ويكون قولها: فرضت الصلاة ركعتين أي قبل الإسراء فإنها كانت قبل الإسراء صلاة قبل المغرب وصلاة قبل طلوع الشمس، ويشهد له قوله تعالى: { وسبّح بحمد ربك بالعشي والإبكار} [غافر: 4] ودليلنا كمالك وأحمد قوله تعالى: { فليس عليكم جُناح أن تقصروا من الصلاة} [النساء: 11] لأن نفي الجناح لا يدلّ على العزيمة، والقصر يُنبئ عن تمام سابق.
وقوله عليه الصلاة والسلام: ( صدقة تصدّق الله بها عليكم) .
رواه مسلم.
فالمفروض الأربع إلاّ أنه رخص بأداء ركعتين.
وقال الحنفيةالمفروض ركعتان فقط، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أتمّ المسافر يكون الشفع الثاني عندنا فرضًا وعندهم نفلاً.
لنا إن الوقت سبب للأربع والسفر سبب للقصر فيختار أيهما شاء، ولهم قول ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله فرض عليكم على لسان نبيّه عليه الصلاة والسلام والصلاة ( للمقيم أربعة وللمسافر ركعتين) ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في محله في باب التقصير.
ورواة هذا الحديث ما بين مصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وهو من مراسيل عائشة وهو حجّة.
2 - باب وُجُوبِ الصَّلاَةِ فِي الثِّيَابِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ».
فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ أَذًى، وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.
( باب وجوب الصلاة في الثياب) بالجمع على حدّ قولهم: فلان يركب الخيول ويلبس البرود، والمراد ستر العورة، وهو عند الحنفية والشافعية كعامّة الفقهاء وأهل الحديث شرط في صحة الصلاة.
نعم الحنفية لا يشترطون الستر عن نفسه، فلو كان محلول الجيب فنظر إلى عورته لا تفسد صلاته، وقال بهرام من المالكية: اختلف هل ستر العورة شرط في الصلاة أم لا؟ فعند ابن عطاء الله: أنه شرط فيها ومن واجباتها مع العلم والقدرة على المعروف من الذهب، وفي القبس المشهور: أنه ليس من شروطها وقال التونسي: هو فرض في نفسه لا من فروضها، وقال إسماعيل وابن بكير والشيخ أبو بكر: هو من سُننها، وفي تهذيب الطالب والمقدمات وتبصرة ابن محرز: اختلف هل ذلك فرض أو سُنة اهـ.
( و) بيان معنى ( قول الله تعالى) وللأصيلي وابن عساكر عزّ وجلّ { خذوا زينتكم} أي ثيابكم لمواراة عوراتكم { عند كل مسجد} [الأعراف: 31] لطواف أو صلاة، وفيه دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة، ففي الأوّل إطلاق اسم الحال على المحل، وفي الثاني إطلاق اسم المحل على الحال بوجود الاتصال الذاتي بين الحال والمحل، وهذا لأن أخذ الزينة نفسها وهي عرض محُال فأُريد محلها وهو الثوب مجازًا، لا يقال سبب نزولها أنهم كانوا يطوفون عُراة، ويقولون لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها فنزلت، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا عامّ لأنه قال: { عند كل مسجد} ولم يقل المسجد الحرام فيؤخذ بعمومه ( ومَن صلّى ملتحفًا في ثوب واحد) كذا ثبت للمستملي وحده قوله، ومَن صلّى إلخ ساقط عند الأربعة من طريق الحموي والكشميهني.
( ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه ( عن سلمة بن الأكوع أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: يزرّه) بالمثناة التحتية المفتوحة وتشديد الراء المضمومة أي بأن يجمع بين طرفيه كي لا ترى عورته، وللأصيلي تزره بالمثناة الفوقية، وفي رواية يزرّ بحذف الضمير، ( ولو) لم يكن ذلك إلاّ بأن يزره ( يشوكه) ويستمسك بها فليفعل، وهذا وصله المؤلّف في تاريخه وأبو داود وابنا خزيمة وحبّان من طريق الدراوردي عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن سلمة بن الأكوع قلت: يا رسول الله إني رجل أتصيد أفأصلّي في القميص الواحد؟ قال: ( نعم زرّه ولو بشوكة) هذا لفظ ابن حبّان.
ورواه المؤلف عن إسماعيل بن أبي أُويس عن أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة فزاد في الإسناد رجلاً، ورواه أيضًا عن مالك بن إسماعيل عن عطاف بن خالد قال: حدّثنا موسى بن إبراهيم قال: حدّثنا سلمة فصرّح بالتحديث عن موسى وسلمة، فاحتمل أن تكون رواية ابن أبي أُويس من المزيد في متصل الأسانيد، أو كان التصريح في رواية عطاف وهما فهذا وجه قول المؤلّف ( في) وللأربعة وفي ( إسناده نظر) أو هو من جهة أن موسى هو ابن محمد التيمي المطعون فيه كما قاله ابن القطّان، وتبعه البرماوي وغيره، لكن ردّه الحافظ ابن حجر بأنه نسب في رواية البخاري وغيره مخزوميًا وهو غير التيمي بلا تردّد.
نعم وقع عند الطحاوي موسى بن محمد بن إبراهيم، فإن كان محفوظًا فيحتمل على بُعد أن يكونا جميعًا رويا الحديث، وحمله عنهما الدراوردي وإلاّ فذكر محمد فيه شاذّ اهـ.
من الفتح.
وحينئذ فمَن صلىّ في ثوب واسع الجيب وهو القدر الذي يدخل فيه الرأس ترى عورته من جيبه في ركوع أو سجود فليزره أو يشدّ وسطه، ( ومن) أي وباب من ( صلّى في الثوب الذي يجامع فيه) امرأته أو أمته ( ما لم يرَ فيه أذًى) أي نجاسة وللمستملي والحموي ما لم يرَ أذًى بإسقاط فيه، ( وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما رواه أبو هريرة في بعث عليّ فيحجة أبي بكر مما وصله المؤلف قريبًا لكن بغير تصريح بالأمر ( أن لا يطوف بالبيت) الحرام ( عريان) وإذا منع التعرّي في الطواف فالصلاة أولى إذ يشترط فيها ما يشترط فيه وزيادة.