فهرس الكتاب

- باب: إفشاء السلام من الإسلام

رقم الحديث 29 [29] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُرِيتُ النَّارَ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ.
قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ.
لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ».
[الحديث أطرافه في: 431، 748، 1052، 3202، 5197] .
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي المدني (عن مالك) يعني ابن أنس إمام الأئمة (عن زيد بن أسلم) مولى عمر رضي الله عنه المكنى بأبي أسامة المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائة (عن عطاء بن يسار) بمثناة تحتية ومهملة مخففة القاص المدني الهلالي مولى أُم المؤمنين ميمونة المتوفى سنة ثلاث أو أربع ومائة، وقيل: أربع وتسعين (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال): (قال النبي) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر في نسخة وأبي ذر عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أريت النار) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول من الرؤية بمعنى أبصرت، وتاء المتكلم هو المفعول الأوّل أقيم مقام الفاعل، والنار هو المفعول الثاني أي أراني الله النار، ولأبي ذر: ورأيت بالواو ثم راء وهمزة مفتوحتين، وللأصيلي فرأيت بالفاء (فإذا أكثر أهلها النساء) برفع أكثر والنساء مبتدأ وخبر، وفي رواية: رأيت النار فرأيت أكثر أهلها النساء بنصب أكثر والنساء مفعولي رأيت، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: رأيت النار بالنصب أكثر بالرفع، وفي رواية أخرى: أريت النار أكثر أهلها النساء بحذف فرأيت، وحينئذ فقوله: أريت بمعنى أعلمت والتاء والنار والنساء مفاعيله الثلاثة وأكثر بدل من النار (يكفرن) بمثناة تحتية مفتوحة أْوّله وهي جملة مستأنفة تدل على السؤال والجواب كأنه جواب سؤال سائل سأل يا رسول الله؟ ولأربعة بكفرهن أي بسبب كفرهن (قيل) يا رسول الله: (أيكفرن بالله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يكفرن العشير) أي الزوج قال للعهد كما سبق أو المعاشر مطلقًا فتكون للجنس (ويكفرن الإحسان) ليس كفران العشير لذاته بل كفران إحسانه، فهذه الجملة كالبيان للسابقة وتوعده على كفران العشير وكفران الإحسان بالنار.
قال النووي: يدل على أنهما من الكبائر (لو) وفي رواية الحموي والكشميهني إن (أحسنت إلى إحداهن الدهر) أي مدة عمرك أو الدهر مطلقًا على سبيل الفرض مبالغة في كفرهن وهو نصب على الظرفية، والخطاب في أحسنت غير خاص بل هو عامّ لكل من يتأتى منه أن يكون مخاطبًا فهو على سبيل المجاز، لأن الحقيقة أن يكون المخاطب خاصًّا لكنه جاء على نحو: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِم} [السجدة: 12] .
فإن قلت: لولا امتناع الشيء لامتناع غيره فكيف صح جعل إن في الرواية الثانية موضعها، أجيب بأن لو هنا بمعنى إن في مجرد الشرطية فقط لا بمعناها الأصلي ومثله كثير أو هو من قبيل: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، فالحكم ثابت على النقيضين، والطرف المسكوت عنه أولى من المذكور، ويسميه البيانيون ترك المعين إلى غير المعين ليعم كل مخاطب.
(ثم رأت منك شيئًا) قليلاً لا يوافق مزاجها أو شيئًا حقيرًا لا يعجبها (قالت ما رأيت منك خيرًا قط) بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة على الأشهر ظرف زمان لاستغراق ما مضى.
وفي هذا الحديث وعظ الرئيس الرؤوس وتحريضه على الطاعة ومراجعة المتعلم العالم والتابع المتبوع فيما قاله إذا لم يظهر له معناه، وجواز إطلاق الكفر على كفر النعمة وجحد الحق وأن المعاصي تنقص الإيمان لأنه جعله كفرًا ولا يخرج إلى الكفر الوجب للخلود في النار، وأن إيمانهنّ يزيد بشكر نعمة العشير، فثبت أن الأعمال من الإيمان.
ورواة هذاالحديث كلهم مدنيون إلا ابن عباس مع أنه أقام بالمدينة وفيه التحديث والعنعنة، وهو طرف من حديث ساقه في صلاة الكسوف تامًّا، وكذا أخرجه في باب من صلى وقدّامه نار، وفي بدء الخلق في ذكر الشمس والقمر، وفي عشرة النساء، وفي العلم.
وأخرجه مسلم في العيدين.
22 - باب الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلاَّ بِالشِّرْكِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ».
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط عند الأصيلي (المعاصي) كبائرها وصغائرها (من أمر الجاهلية) وهي زمان الفترة قبل الإسلام وسمي بذلك لكثرة الجهالات فيه (ولا يكفر) بفتح المثناة التحتية وسكون الكاف، وفي غير رواية أبي الوقت ولا يكفر بضمها وفتح الكاف وتشديد الفاء المفتوحة (صاحبها بارتكابها) أي لا ينسب إلى الكفر باكتساب المعاصىِ والإتيان بها (إلا بالشرك) أي بارتكابه خلافًا للخوارج القائلين بتكفيره بالكبيرة والمعتزلة القائلين بأنه لا مؤمن ولا كافر، واحترز بالارتكاب عن الاعتقاد.
فلو اعتقد حلّ حرام معلوم من الدين بالضرورة كفر قطعًا.
ثم استدل المؤلف لا ذكره فقال: القول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنك امرؤ فيك جاهلية) أي إنك في تعييره بأمه على خُلُق من أخلاق الجاهلية ولست جاهلاً محضًا (وقول الله تعالى) ولأبي ذر والأصيلي عز وجل ولأبي ذر عن الكشميهني، وقال الله: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) أي يكفر به ولو بتكذيب نبيه لأن من جحد نبوّة الرسول عليه الصلاة والسلام مثلاً فهو كافر ولو لم يجعل مع الله إلهًا آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: 48] ، فصير ما دون الشرك تحت إمكان المغفرة، فمن مات على التوحيد غير مخلد في النار وإن ارتكب من الكبائر غير الشرك ما عساه أن يرتكب.