فهرس الكتاب

- باب إقبال الإمام على الناس، عند تسوية الصفوف

رقم الحديث 1361 [1361] حَدَّثَنَا يَحْيَى قال حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ،.
وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ.
ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً.
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا، مَا لَمْ يَيْبَسَا".
وبالسند قال: ( حدّثنا يحيى) هو: ابن جعفر البيكندي كما في مستخرج أبي نعيم، أو هو: يحيى بن يحيى، كما جزم به أبو مسعود في الأطراف.
أو: هو يحيى بن موسى المعروف بخت، كما وقع في رواية أبي علي بن شبويه، عن الفربري قال الحافظ ابن حجر: وهو المعتمد ( قال: حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن مجاهد) هو: ابن جبر ( عن طاوس) هو: ابن كيسان ( عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( أنه مر) ولأبي ذر: قال: مر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بقبرين) أي بصاحبيهما من باب تسمية الحال باسم المحل ( يعذبان.
فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير)
إزالته أو دفعه، أو الاحتراز عنه، ويحتمل أن يكون نفي كونه كبيرًا باعتبار اعتقاد الاثنين المعذبين أو اعتقاد مرتكبه مطلقًا، أو باعتبار اعتقاد المخاطبين.
أي: ليس كبيرًا عندكم ولكنه كبير عند الله، كما جاء في رواية عند المؤلّف: وما يعذبان في كبير فهو كقوله: { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] ( أما أحدهما فكان لا يستتر من البول) يحتمل أن يحمل على حقيقته من الاستتار عن الأعين، ويكون العذاب على كشف العورة، أو: على المجاز، والمراد التنزه من البول بعدم ملابسته، ورجح، وإن كان الأصل الحقيقة، لأن الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، فالحمل عليه أولى كما مر في الوضوء ( أما الآخر فكان يمشي بالنميمة) المحرمة، وخرج به ما كان للنصيحة، أو لدفع مفسدة، والباء للمصاحبة أي: يسير في الناس متصفًا بهذه الصفة، أو: للسببية أي: يمشي بسبب ذلك.
( ثم أخذ) عليه الصلاة والسلام ( جريدة رطبة، فشقها بنصفين) قال الزركشي: دخلت الباء على المفعول زائدة.
اهـ.
يعني في قوله بنصفين، وقد تعقبه صاحب مصابيح الجامع فقال: لا نسلم شيئًا من ذلك، أما دعواه أن نصفين مفعول، فلأن شق إنما يتعدى لمفعول واحد، وقد أخذه وليس هذا بدلاً منه.
وأما دعوى الزيادة فعلى خلاف الأصل وليس هذا من محال زيادتها، ثم قال: والباء للمصاحبة، وهي ومدخولها ظرف مستقر منصوب المحل على الحال، أي: فشقها متلبسة بنصفين، ولا مانع من أن يجتمع الشق وكونها ذات نصفين في حالة واحدة، وليس المراد أن انقسامها إلى نصفين كان ثابتًا قبل الشق، وإنما هو معه وبسبه، ومنه قوله تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} [النحل: 12] اهـ.
( ثم غرز في كل قبر) منهما ( واحدة، فقالوا: يا رسول الله، لِمَ صنعت هذا؟ فقال) : ( لعله أن يخفف عنهما) العذاب ( ما لم ييبسا) بالمثناة التحتية المفتوحة وفتح الموحدة وكسرها في اليونينية، بالتذكير باعتبار عود الضمير إلى: العودين، و: ما، مصدرية زمانية أي: مدة دوامهما إلى زمن اليبس.
و: لعل، بمعنى: عسى، فلذا استعمل استعماله في اقترانه بأن، وإن كان الغالب في: لعل، التجرد.
وليس في الجريد معنى يخصه، ولا في الرطب معنى ليس في اليابس، وإنما ذلك خاص ببركة يده الكريمة.
ومن ثم استنكر الخطابي وضع الناس الجريد ونحوه على القبر، عملاً بهذا الحديث.
وكذلك الطرطوشي في سراج الملوك قائلين: بأن ذلك خاص بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبركة يده المقدّسة وبعلمه بما في القبور، وجرى على ذلك ابن الحاج في مدخله.
وما تقدم من أن بريدة بنالحصيب أوصى بأن يجعل في قبره جريدتان، محمول على أن ذلك رأي له لم يوافقه أحد من الصحابة عليه، أو: أن المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطبًا، فيحصل التخفيف ببركة التسبيح، وحينئذ فيطرد في كل ما فيه رطوبة من الرياحين والبقول وغيرها، وليس لليابس تسبيح، قال تعالى: { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] أي: شيء حي، وحياة كل شيء بحسبه، فالخشب ما لم ييبس، والحجر ما لم يقطع من معدنه، والجمهور أنه على حقيقته، وهو قول المحققين، إذ العقل لا يحيله أو: بلسان الحال باعتبار دلالته على الصانع، وأنه منزه.
وسبق في باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله من الوضوء، مزيد لما ذكرته هنا.
83 - باب مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ} : الأَجْدَاثُ الْقُبُورُ.
{ بُعْثِرَتْ} : أُثِيرَتْ: بَعْثَرْتُ حَوْضِي: أَىْ جَعَلْتُ أَسْفَلَهُ أَعْلاَهُ.
الإِيفَاضُ: الإِسْرَاعُ.
وَقَرَأَ الأَعْمَشُ { إِلَى نَصْبٍ} : إِلَى شَىْءٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ.
وَالنُّصْبُ وَاحِدٌ، وَالنَّصْبُ مَصْدَرٌ.
يَوْمُ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ { يَنْسِلُونَ} : يَخْرُجُونَ.
( باب موعظة المحدث عند القبر) الموعظة مصدر ميمي، والوعظ: النصح والإنذار بالعواقب ( و) باب ( قعود أصحابه) أي أصحاب المحدث ( حوله) عند القبر لسماع الموعظة والتذكير بالموت وأحوال الآخرة.
وهذا مع ما ينضم إليه من مشاهدة القبور، وتذكر أصحابها، وما كانوا عليه، وما صاروا إليه من أنفع الأشياء لجلاء القلوب، وينفع الميت أيضًا لما فيه من نزول الرحمة عند قراءة القرآن والذكر.
قال ابن المنير: لو فطن أهل مصر لترجمة البخاري هذه لقرت أعينهم بما يتعاطونه من جلوس الوعاظ في المقابر، وهو حسن، إن لم يخالطه مفسدة.
اهـ.
وقد استطرد المؤلّف بعد الترجمة بذكر تفسير بعض ألفاظ من القرآن مناسبة لما ترجم له على عادته، تكثيرًا لفرائد الفوائد، فقال في قوله تعالى: ( { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} ) [المعارج: 43] ( الأجداث) معناه، فيما وصله ابن أبي حاتم وغيره من طريق قتادة والسدي: ( القبور) وقوله تعالى: { وَإِذَا الْقُبُورُ ( بُعْثِرَتْ) } [الانفطار: 4] معناه: ( أثيرت) بالمثلثة بعد الهمزة المضمومة، من الإثارة يقال: ( بعثرت حوضي أي: جعلت أسفل أعلاه) قاله أبو عبيدة في المجاز، وقال السديّ، مما رواه ابن أبي حاتم: بعثرت: حركت فخرج ما فيها من الأموات، وعن ابن عباس، فيما ذكره الطبراني: بعثرت: بحثت.
وقوله تعالى: { كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43] ( الايفاض) بهمزة مكسورة ومثناة تحتية ساكنة وفاء ثم ضاد معجمة، مصدر من: أوفض يوفض، إيفاضًا معناه: ( الإسراع) قال أبو عبيد: يوفضون، أي: يسرعون ( وقرأ الأعمش) سلمان بن مهران موافقة لباقي القراء، إلا ابن عامر وحفصًا ( إلى نصب) بفتح النون وسكون الصاد، وفي نسخة زيادة { يُوفِضُونَ} [المعارج: 43] ولأبي ذر: إلى نصب بضم النون وسكون الصاد بالجمع، والأول أصح عن الأعمش: ( إلى شيء منصوب) قال أبو عبيدة: العلم الذي نصبوه ليعبدوه ( يستبقون إليه) أيهم يستلمه أول ( والنصب) بضم النون وسكون الصاد ( واحد، والنصب) بالفتح ثم السكون ( مصدر) قال في فتح الباري: كذا وقع، والذي في المغازي للفراء: النصب والنصب واحد وهو مصدر، والجمع الأنصاب.
فكان التغيير من بعض النقلة.
اهـ.
وتعقبه العيني فقال: لا تغيير فيه لأن البخاري فرق بين الاسم والمصدر، ولكن من قصرت يده عن علم الصرف لا يفرق بين الاسم والمصدر في مجيئهما على لفظ واحد.
اهـ.
والأنصاب: حجارة كانت حول الكعبة تنصب، فيهل عليها ويذبح لغير الله.
وقوله تعالى: { ذَلِكَ ( يَوْمُ الْخُرُوجِ) } [ق: 42] أي: خروج أهل القبور ( من قبورهم) وقوله تعالى: ( { يَنْسِلُونَ} ) [الأنبياء: 96 ويس: 51] أي: ( يخرجون) زاد الزجاج بسرعة.