فهرس الكتاب

- باب القراءة في الظهر

رقم الحديث 1411 [1411] حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا، يَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلاَ حَاجَةَ لِي بِهَا».
[الحديث طرفاه في: 1424، 7120] .
وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( حدّثنا معبد بن خالد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة الجدلي بالجيم والدال المهملة المفتوحتين الكوفي القاص بالقاف والصاد المهملة المشددة العابد ( قال: سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة والمثلثة ووهب بفتح الواو وسكون الهاء الخزاعي أخا عبد الله بن عمر بن الخطاب لأمه رضي الله عنه ( قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) : ( تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل) فيه ( بصدقته) جملة يمشي في محل رفع على أنها صفة لزمان والعائد محذوف أي فيه ( فلا يجد من يقبلها.
يقول الرجل)
: الذي يريد المتصدق أن يعطيه الصدقة ( لو جئت بها بالأمس) حيث كنت محتاجًا إليها ( لقبلتها.
فأما اليوم فلا حاجة لي بها)
وللمستملي والحموي: فيها.
وفي الحديث الحث على الصدقة والإسراع بها.
فإن قلت: إن الحديث خرج مخرج التهديد على تأخير الصدقة فما وجه التهديد فيه مع أن الذي لا يجد من يقبل صدقته قد فعل ما في وسعه كما فعل الواجد لمن قبل صدقته؟ والجواب: أن التهديد مصروف لمن أخرها عن مستحقها ومطله بها حتى استغنى ذلك الفقير المستحق فغنى الفقير لا يخلص ذمة الغني المماطل في وقت الحاجة قاله ابن المنير.
وهذا الحديث من الرباعيات، ورواته عسقلاني وواسطي وكوفي، وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الفتن، ومسلم في الزكاة.
1412 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لاَ أَرَبَ لِي».
وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) ذكوان ( عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( لا تقوم الساعة حنى يكثر فيكم المال فيفيض) بفتح المثناة التحتية من فاض الإناء فيضًا إذا امتلأ منصوب عطفًا على الفعل المنصوب ( حتى يهم رب المال من يقبل صدقته) بضم الياء وكسر الهاء من أهم والهم الحزن.
رب نصب كذا في الفرع وغيره وضبطه الأكثرون على وجهين يهم بفتح أوله وضم الهاء من الهم بفتح الهاء وهو ما يشغل القلب من أمر يهم به، ورب منصوب مفعول يهم، ومن يقبل صدقته في محل رفع على الفاعلية وأسند الفعل إليه لأنه كان سببًا فيما حصل لصاحب المال وبضم الياء وكسر الهاء من أهمه الأمر إذا أقلقه.
قال العيني: فعلى هذا أيضًا الإعراب مثل الأول أي في نصب رب على المفعولية لأن كلاًّ من مفتوح الياء ومضمومها متعد.
يقال: همه الأمر وأهمه.
وقال النووي: ضبطوه بوجهين أشهرهما بضم أوّله وكسر الهاء ورب مفعول والفاعل من يقبل، والمعنى أنه يقلق صاحب المالويحزنه أمر من يأخذ منه زكاة ماله لفقد المحتاج لأخذ الزكاة لعموم الغنى لجميع الناس، والثاني بفتح أوّله وضم الهاء من هم بمعنى قصد ورب فاعل ومن مفعول أي يقصده فلا يجده انتهى.
ففرقوا بينهما فجعلوا الأول متعديًا من الإهمام ورب مفعولاً والثاني من الهم القصد ورب فاعلاً.
وتعقب الزركشي والبرماوي وغيرهما الثاني فقالوا: هذا ليس بشيء إذ يصير التقدير يقصد الرجل من يأخذ ماله فيستحيل وليس المعنى إلا على الأول.
وأجاب البدر الدماميني: بأنه لا استحالة أصلاً فإنهم قالوا المعنى أنه يقصد من يأخذ ماله فلا يجده، وإذا لم يجد الإنسان طلبته التي هو حريص عليها فلا شك أنه يحزن ويقلق لفوات مقصوده فعاد هذا إلى المعنى الأول انتهى.
ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى يهم رب المال من يقبله أي المال صدقة ( وحتى يعرضه) بفتح أوله ( فيقول الذي يعرضه عليه:) بنصب يقول عطفًا على الفعل المنصوب قبله ( لا أرب لي) بفتحات أي لا حاجة لي لاستغنائي عنه.
قال الزركشي والكرماني والبرماوي: كأنه سقط من الكتاب كلمة فيه أي بعد قوله "لا أرب لي" قال العيني مشيرًا إلى الكرماني: السقط كأنه كان في نسخته وهو موجود في النسخ انتهى.
والظاهر أن النسخ التي وقف عليها العيني ليست معتمدة فقد راجعت أصولاً معتمدة فلم أجدها مع ما هو مفهوم كلام الحافظ ابن حجر أو منطوقه في شرحه لهذا الموضع حيث قال قوله لا أرب لي: زاد في الفتن به فلو كانت ثابتة في الرواية هنا لما احتاج أن يقول زاد في الفتن به، بل قال البدر الدماميني: إن رواة البخاري متفقون على رواية هذا الحديث بدون هذه اللفظة والمعنى عليها في كلام المتكلم يقول: لا أرب لي بحذف الجار والمجرور لقيام القرينة انتهى.
وقول البرماوي كالكرماني وغيرهما وقد وجد ذلك في زمن الصحابة كان تعرض عليهم الصدقة فيأبون قبولها يشيرون به إلى نحو حكيم بن حزام إذ دعاه الصديق -رضي الله عنه- ليعطيه عطاء فأبى وعرض عليه عمر بن الخطاب قسمه من الفيء فلم يقبله رواه الشيخان وغيرهما، ولكن هذا إنما كان لزهدهم وإعراضهم عن الدنيا مع قلة المال وكثرة الاحتياج ولم يكن لفيض المال وحينئذ فلا يستشهد به في هذا المقام.


رقم الحديث 1413 [1413] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ الطَّائِيُّ قَالَ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ "كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَهُ رَجُلاَنِ: أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَةَ، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكَ إِلاَّ قَلِيلٌ حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ.
.
وَأَمَّا الْعَيْلَةُ فَإِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَقُومُ حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ لاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ.
ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلاَ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالاً؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى.
ثُمَّ لَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولاً؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى.
فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ.
فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».
[الحديث أطرافه في: 1417، 3595، 623، 6539، 654، 6563، 7443، 7512] .
وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا أبو عاصم النبيل) قال: ( أخبرنا سعدان بن بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة الجهني قال: ( حدّثنا أبو مجاهد) سعد الطائي قال: ( حدّثنا محل بن خليفة) بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام ( الطائي قال: سمعت عدي بن حاتم) الطائي ( رضي الله عنه) والده الجواد المشهور أسلم سنة تسع أو عشر وتوفي بعد الستين وقد أسن، قيل: بلغ مائة وعشرين، وقيل مائة وثمانين ( يقول: كنت عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاءه رجلان) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرفهما ( أحدهما يشكو العيلة) بفتح العين أي الفقر ( والآخر يشكو قطع السبيل) أي الطريق من طائفة يترصدون في المكامن لأخذ مال أو لقتل أو ارعاب مكابرة اعتمادًا على الشوكة مع البعد عن الغوث، ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( أما قطع السيل فإنه لا ويأتي عليك إلا قليل) بالرفع على البدل ( حتى تخرج العير) بكسر العين المهملة وسكون المثناة التحتية الإبل تحمل الميرة ( إلى مكة بغير خفير) بفتح الخاء المعجمة وكسر الفاء المجير الذي يكون القوم في خفارته وذمته ( وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه) لاستغنائه عنها ( ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله) عز وجل ( ليس بينه وبينه حجاب) هذا على سبيل التمثيل وإلاّ فالباري سبحانه وتعالى لا يحيط به شيء ولا يحجبه حجاب، وإنما يستر تعالى عن أبصارنا بما وضع فيها من الحجب للعجز عن الإدراك في الدنيا فإذا كان يوم القيامة كشفها عن أبصارنا وقوّاها حتى نراه معاينة كما نرى القمر ليلة البدر ( ولا ترجمان) بفتح التاء وضمها وضم الجيم ( يترجم له ثم ليقولن له: ألم أوتك مالاً؟) زاد أبو الوقت: وولدًا ( فليقولن: بلى.
ثم ليقولن: ألم أرسل إليك رسولاً؟ فليقولن: بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار فليتقين أحدكم)
بسكون اللام، وزاد أبو ذر عن الكشميهني: ( النار) ، وفي نسخة: ( ولو بشق تمرة) بكسر الشين المعجمة بنصفها ( فإن لم يجد) شيئًا يتصدق به على المحتاج ( فبكلمة طيبة) يردّه بها ويطيب قلبه ليكون ذلك سببًا لنجاته من النار.
وفي هذا الحديث التحديث والأخبار والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في علامات النبوة والنسائي في الزكاة.


رقم الحديث 1414 [1414] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-.
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ ثُمَّ لاَ يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ، وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ، مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت: حدّثني (محمد بن العلاء) بفتح العين والمد أبو كريب قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثى (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء بن عبد الله (عن) جده (أبي بردة) بضم الباء وسكون الراء عامر أو الحرث بن أبي موسى (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله- عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ليأتين على الناس زمان) قيل هو زمان عيسى عليه الصلاة والسلام (يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب) خصه بالذكر مبالغة في عدم من يقبل الصدقة لأن الذهب أعز الأموال وأشرفها فإذا لم يوجد من يأخذه فغيره بطريق الأولى والقصد عدم حصول القبول مع اجتماع ثلاثة أشياء: طواف الرجل بصدقته، وعرضها على من يأخذها، وكونها من ذهب (ثم لا يجد أحدًا يأخذها منه ويرى الرجل) بضم المثناة التحتية وفتح الراء مبنيًا للمفعول (الواحد) حال كونه (يتبعه أربعون امرأة يلذن به) بضم اللام وسكون الذال المعجمة أي يلتجئن إليه (من قلة الرجال) بسبب كثرة الحروب والقتال الواقع في آخر الزمان لقوله عليه الصلاة والسلام: يكثر الهرج (وكثرة النساء).
ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون وأخرجه مسلم بسند البخاري.
1 - باب اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، وَالْقَلِيلِ مِنَ الصَّدَقَةِ { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} الآيَةَ -وَإِلَى قَوْلِهِ- { مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} .
هذا (باب) بالتنوين (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، هذا لفظ الحديث.
(والقليل من الصدقة) بجر القليل عطفًا على سابقه من عطف العام على الخاص أي اتقوا النار ولو بالقليل من الصدقة ({ ومثل الذين ينفقون أموالهم} ) شامل للقليل والكثير ({ ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من أنفسهم} ) [البقرة: 265] أي: وتثبيت بعض أنفسهم على الإيمان فإن المال شقيق الروح فمن بذل ماله لوجه الله ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه ثبتها كلها أو تصديقًا وتيقنًا من أصل أنفسهم أن الله سيجزيهم على ذلك، وفيه تنبيه على ذلك، وفيه تنبيه على أن حكمة الانفاق للمنفق تزكية النفس عن البخل وحب المال (الآية) أي إلى آخرها.
ومعناها: أن مثل نفقة هؤلاء في الزكاة كمثل جنة خبر المبتدأ الذي هو مثل الذين ينفقون كمثل بستان بموضع مرتفع من الأرض فإن شجره يكون أحسن منظرًا وأزكى ثمرًا أصاب الجنة مطر عظيم القطر فأعطت ثمرتها ضعفين بالنسبة إلى غيرها من البساتين فإن لم يصبها وابل فطل أي فيصيبها مطر صغير القطر أو فطل يكفيها لكرم منبتها وبرودة هوائها لارتفاع مكانها يعني نفقاتهم زاكية عند الله وإن كانت متفاوتة بحسب أحوالهم كما أن الجنة تثمر قل المطر أو كثر، (إلى قوله) تعالى: ({ ومن كل الثمرات} [الأعراف: 57] ولأبي ذر: { ومثل الذين ينفقون أموالهم} إلى قوله: { فيها من كل الثمرات} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 15] كأن البخاري أتبع الآية الأولى التي ضربت مثلاً بالربوة بالآية الثانية التي تضمنت ضرب المثل لمن عمل عملاً يفقده أحوج ما كان إليه للإشارة إلى اجتناب الرياء في الصدقة، ولأن قوله تعالى: { والله بما تعملون بصير} [البقرة: 265] يشعر بالوعيد بعد الوعد فأوضحه بذكر الآية الثانية، وكأن هذا هو السر في اقتصاره على بعضها اختصارًا.
1415 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ اليَمَان عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَىْءٍ كَثِيرٍ، فَقَالُوا: مُرَاءٍ.
وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا.
فَنَزَلَتِ { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} الآيَةَ.
[الحديث 1415 - أطرافه في: 1416، 2273، 4668، 4669] .
وبالسند قال: (حدّثنا عبيد الله بن سعيد) بتصغير عبد وكسر عين سعيد بن يحيى اليشكري قال: (حدّثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله) ولأبي ذر: هو الحكم بن عبد الله، ولابن عساكر: الحكم هو ابن عبد الله (البصري) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي وائل) بالهمز شقيق بن سلمة (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري مشهور بكنيته، وجزمالمؤلّف بأنه شهد بدرًا واستخلف مرة على الكوفة وتوفي قبل سنة أربعين أو فيها، وصحح في الإصابة أنه مات بعدها لأنه أدرك إمارة المغيرة على الكوفة.
قال: وذلك بعد سنة أربعين قطعًا (-رضي الله عنه- قال: لما نزلت آية الصدقة) هي قوله تعالى: { خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 13] (كنا نحامل)، بضم النون وبالحاء المهملة أي نحمل الحمل على ظهورنا بالأجرة.
قال الخطابي: يريد نتكلف الحمل لنكسب ما نتصدق به، (فجاء رجل) هو عبد الرحمن بن عوف (فتصدق بشيء كثير)، نصف ماله ثمانية آلاف أو أربعة آلاف ذكره الواقدي، وقيل هو عاصم بن عدي وكان تصدق بمائة وسق (فقالوا) أي المنافقون (مراءٍ، وجاء رجل) هو أبو عقيل بفتح العين الأنصاري (فتصدق بصاع)، من تمر وكان قد آجر نفسه على النزع من البئر بالحبل على صاعين فترك صاعًا له وجاء بالآخر (فقالوا) أي المنافقون (إن الله لغني عن صاع هذا فنزلت: { الذين يلمزون} يعيبون ({ المطوعين} ) أصله المتطوعين فأبدلت التاء طاء وأدغمت التاء في الطاء ({ من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم} الآية) [التوبة: 79] أي: طاقتهم مصدر جهد في الأمر إذا بالغ فيه فيسخرون منهم سخر الله منهم جازاهم على سخريتهم ولهم عذاب أليم على كفرهم.
وذكر الخطيب في المتفق في ترجمة زيد بن أسلم من طريق مغازي الواقدي من اللامزين معتب بن قشير وعبد الرحمن بن نبتل بنون ومثناة فوقية مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة ثم لام.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير والزكاة، ومسلم والنسائي في الزكاة، وابن ماجة في الزهد.