فهرس الكتاب

- باب القراءة في العصر

رقم الحديث 1416 [1416] حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ فَتَحَامَلَ، فَيُصِيبُ الْمُدَّ، وَإِنَّ لِبَعْضِهِمُ الْيَوْمَ لَمِائَةَ أَلْفٍ".
وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن يحيى) البغدادي قال: ( حدّثنا أبي) يحيى بن سعيد بن أبان قال: ( حدّثنا الأعمش) سلمان بن مهران ( عن شقيق) أبي وائل بن سلمة ( عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-) أنه ( قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل) بضم المثناة التحتية وكسر الميم وضم اللام فعلاً مضارعًا، ولغير أبي ذر: فتحامل بفتح المثناة الفوقية والميم واللام فعلاً ماضيًا أي تكلف الحمل بالأجرة ليكسب ما يتصدق به ( فيصيب المدّ) في مقابلة أجرته فيتصدق به ( وإن لبعضهم اليوم لمائة ألف) من الدراهم أو الدنانير أو الأمداد فلا يتصدق، واسم إن قوله لمائة والجار والمجرور خبرها فصل بينهما بالظرف وهو متعلق بالظرف المستقر الذي هو الخبر أو بالعامل فيه على الخلاف.
وحكى الزركشي رفع لمائة وبيض لتوجيهه: ووجهه البرماوي بأن اسم أن ضمير الشأن ولمائة مبتدأ خبره لبعضهم والجملة خبر إن أي نحو قوله: إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون، لكن قال البدر الدماميني: يمنع منه اقتران المبتدأ بلام الابتداء وهي مانعة من تقدم الخبر على المبتدأ المقرون بها ودعوى زيادتها ضعيف جدًّا انتهى.
1417 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».
وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( قال: سمعت عبد الله بن معقل) بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف أبا الوليد المزني ( قال: سمعت عدي بن حاتم) الطائي ( -رضي الله- عنه قال: سمعت رسول الله) ولأبي ذر: النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) : ( اتقوا النار ولو) كان الاتقاء ( بشق تمرة) واحدة فإنه يفيد والشق بكسر الشين المعجمة أي نصفها أو جانبها فلا يحقر الإنسان ما يتصدق به وإن كان يسيرًا فإنه يستر المتصدق به من النار.
1418 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْنَا، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَىْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ".
[الحديث 1418 - طرفه في: 5995] وبه قال: ( حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة السجستاني المروزي ( قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن) ابن شهاب ( الزهري قال: حدّثني) بالإفراد ( عبد الله بن أبي بكر بن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمها ولا ابنتيها ( معها ابنتان) كائنتان ( لها) في موضعرفع صفة لابنتان حال كونها ( تسأل) عطاء ( فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة) واحدة ( فأعطيتها إياها) لم تردّها خائبة وهي تجد شيئًا امتثالاً لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: "لا يرجع سائل من عندك ولو بشق تمرة".
رواه البزار من حديث أبي هريرة ( فقسمتها) السائلة ( بين ابنتيها ولم تأكل منها) شيئًا لما جعل الله في قلوب الأمهات من الرحمة، ( ثم قامت فخرجت فدخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علينا فأخبرته) بسكون الراء بشأن السائلة ( فقال) : ( من ابتلي) وفي رواية أبي ذر: فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من ابتلى ( من هذه البنات) الإشارة إلى أمثال من ذكر الفاقة أو إلى جنس البنات مطلقًا ( بشيء) من أحوالهن أو من أنفسهن وسماه ابتلاء لموضع الكراهة لهن ( كن له سترًا) لم يقل أستارًا بالجمع لأن المراد الجنس المتناول للقليل والكثير أي حجابًا ( من النار) ومناسبة الحديث للترجمة قال ابن المنير وتبعه كثير من الشراح من جهة أم البنتين لأنها لما قسمت التمرة بينهما فقد تصدقت على كل واحدة بشق تمرة.
وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حقها كلامًا عامًّا تندرج فيه حيث قال: "من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترًا من النار" لكن تعقبه في المصابيح بأن المؤلّف لم ليدخل تحت عهدة الاستدلال بهذا الحديث بعينه على أن الصدقة بشق التمرة تقي من النار حتى يتكلف له مثل هذا فإنه عقد الباب للأمر باتقاء النار ولو بشق تمرة وللقليل من الصدقة وقد وفى بالأمرين معًا.
فحديث ابن معقل فيه اتقاء النار ولو بشق تمرة، وحديث عائشة رضي الله عنها فيه الأصدقة بالشيء القليل.
كما أن في الأحاديث المتقدمة الإشارة إلى القليل من الصدقة فأي حاجة بعد ذلك إلى التكلف، وليس في حديث عائشة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعرض إلى فعلته من قسم التمرة بين البنتين، وإنما فيه الأخبار بأن الابتلاء بشيء من البنات سبب من الستر من النار على أن ما قاله محتمل، ويحتمل أيضًا أن يكون حديث عائشة مشوقًا للأمرين معًا لقضية بالقليل وهو ما فعلته عائشة من التصدق بالتمرة ولاتقاء النار ولو بشق تمرة وهو ما فعلته أم البنتين.
وفي هذا الحديث التحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في الأدب وكذا مسلم، وأخرجه أيضًا الترمذي في البر وقال: حسن صحيح.
11 - باب أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ وَصَدَقَةُ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ: { وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المنافقون: 10] الآيَةَ.
وَقَوْلِهِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ} [البقرة: 254] الآيَةَ.
هذا ( باب) بالتنوين ( أي الصدقة) من الصدقات ( أفضل) وأعظم أجرًا ( وصدقة الشحيح) صفة مشبهة من الشح وهو بخل مع حرص ( الصحيح) الذي لم يعتره مرض مخوف ينقطع عنده أمله من الحياة ( لقوله) تعالى: ( { وأنفقوا مما رزقناكم} ) من بعض أموالكم ادخارًا للآخرة ( { من قبل أن يأتي أحدكم الموت} ) [المنافقون: 10] أي يرى دلائله وفي بعض الأصول إلى خاتمتها بدل قوله الآية.
( وقوله) تعالى: ( { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم} ) ما وجب عليكم إنفاقه أو الانفاق في سبيل الخير مطلقًا ( { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه} ) [البقرة: 254] أي من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تحصيل ما فرّطتم إذ لا بيع فيه فتحصلون ما تنفقون أو تفتدون به من العذاب ولا خلة حتى تعينكم عليه أخلاؤكم ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن حتى تتكلوا على شفعاء تشفع لكم في حط ما في ذممكم، فمناسبة الآية للترجمة كما نبه عليه ابن المنير من حيث إن الآية معناها التحذير من التسويف بالانفاق استبعادًا لحلول الأجل واشتغالاً بطول الأمل والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الأمنية.
ووقع في رواية أبي ذر باب: فضل صدقة الشحيح الصحيح فأسقط الجملة الأولى المسوقة بصيغة الاستفهام المؤذن بالتردد ثم إنه في رواية أبي ذر قدم آية البقرة على آية المنافقون فقال لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} إلى { الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] وَ { أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المنافقون: 10] .