فهرس الكتاب

- باب الحياء في العلم

رقم الحديث 134 [134] حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: «لاَ يَلْبَسِ الْقَمِيصَ وَلاَ الْعِمَامَةَ وَلاَ السَّرَاوِيلَ وَلاَ الْبُرْنُسَ وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ».
[الحديث أطرافه في: 366، 1542، 1838، 1842، 5794، 5803، 5805، 5806، 5847، 5852] .
وبالسند إلى المؤلف رحمه الله قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس ( قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) بكسر الذال المعجمة والهمزة الساكنة واسمه محمد بن عبد الرحمن المدني ( عن نافع) مولى ابن عمر رضي الله عنهما ( عن ابن عمر) رضي الله عنهما، ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وعن الزهري)
محمد بن مسلم ( عن سالم) هو ابن عبد الله ( عن ابن عمر) بضم العين وهو والد سالم ( عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي والزهري بإسقاط حرف الجر وكلاهما عطف على قوله عن نافع عن ابن عمر فهما إسنادان أحدهما عن آدم عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر، والآخر عن آدم عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، وفي بعض النسخ ح للتحويل قبل، وعن الزهري: ( أن رجلاً) لم أعرف اسمه ( سأله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ما يلبس المحرم) بفتح المثناة التحتية والموحدة مضارع لبس بكسر الموحدة ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( لا يلبس) بفتح الأوّل والثالث ويجوز ضم السين على أن لا نافية وكسرها على أنها ناهية، والأوّل لأبي ذر ( القميص ولا العمامة) بكسر العين ( ولا السراويل ولا البرنس) بضم الموحدة والنون ( ولا ثوبًا مسّه الورس) بفتح الواو وسكون الراء آخره مهملة نبت أصفر من اليمن يصبغ به ( أو الزعفران) بفتح الزاي والفاء للأصيلي مسّه الزعفران أو الورس ( فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفّين وليقطعهما) بكسر اللام وسكونها عطف على فليلبس ( حتى) أن ( يكونا) أي غاية قطعهما ( تحت الكعبين) .
فإن قلت: السؤال قد وقع عما يلبس فكيف أجابه عليه السلام بما لا يلبس؟ أجيب: بأن هذا من بديع كلامه عليه الصلاة السلام وفصاحته لأن المتروك منحصر بخلاف الملبوس، لأن الإباحة هي الأصل فحصر ما يترك ليبيّن أن ما سواه مباح انتهى.
وفي هذا الحديث السؤال عن حالة الاختيار فأجابه عليه الصلاة والسلام عنها وزاده حالة الاضطرار في قوله: فإن لم يجد النعلين وليست أجنبية عن السؤال لأن حالة السفر تقتضي ذلك، وتأتي مباحث الحديث إن شاء الله تعالى في الحج بعون الله وقوته وفضله ومنّته.
وهذا آخر أحاديث كتاب العلم وعدة المرفوع منها مائة حديث وثلاثة أحاديث.
ولما فرغ المؤلف من ذكر أحاديث الوحي الذي هو مادة الأحكام الشرعية وعقبه بالإيمان ثم بالعلم شرع يذكر أقسام العبادات مرتبًا لذلك على ترتيب حديث الصحيحين "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" قدم الصلاة بعد الشهادتين على غيرها لكونها أفضل العبادات بعد الإيمان، وابتدأ المؤلف بالطهارةلأنها مفتاح الصلاة كما في حديث أبي داود بإسناد صحيح ولأنها أعظم شروطها، والشرط مقدّم على المشروط طبعًا فقدّم عليه وضعًا فقال: بسم الله الرحمن الرحيم 4 - كتاب الوضوء ( بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوضوء) وهو بالضم الفعل وبالفتح الماء الذي يتوضأ به، وحكي في كل الفتح والضم وهو مشتق من الوضاءة وهي الحسن والنظافة لأن الصلي يتنظف به فيصير وضيئًا، ولابن عساكر تأخير البسملة عن كتاب الوضوء، ولغير ابن عساكر وأَبي ذر باب بالتنوين في الوضوء.
1 - باب مَا جَاءَ فِي َقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً، وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ، وَثَلاَثًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثٍ.
وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الإِسْرَافَ فِيهِ، وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هذا ( باب ما جاء) من اختلاف العلماء ( في) معنى ( قول الله تعالى) : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} أي مع المرافق، ودلّ على دخولها في الغسل الإجماع، كما استدل به الشافعي في الأم، وفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما رواه مسلم أن أبا هريرة توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم اليسرى حتى أشرع في العضد الحديث.
وفيه: ثم قال هكذا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوضأ، فثبت غسله عليه الصلاة والسلام لها، وفعله بيان للوضوء المأمور به ولم ينقل تركه ذلك، ودل عليه الآية أيضًا بجعل اليد التي هي حقيقة إلى المنكب، وقيل إلى الكوع مجازًا إلى المرفق مع جعل إلى للغاية الداخلة هنا في المغيا أو للمعية كما في { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] أو بجعل اليد باقية على حقيقتها إلى المنكب مع جعل إلى غاية للغسل أو للترك المقدّر كما قال بكلٍّ منهما جماعة، فعلى الأوّل منهما تدخل الغاية لا لكونها إذا كانت من جنس ما قبلها تدخل كما قيل لعدم اطّراده كما قال التفتازاني وغيره فإنها قد تدخل كما في قرأت القرآن إلى آخره، وقد لا تدخل كما في قرأت القرآن إلى سورة كذا، بل لقرينتي الإجماع والاحتياط للعبادة، قال المتولي: بناء على أنها حقيقة إلى المنكب لو اقتصر على قوله: { وأيديكم} لوجب غسل الجميع، فلما قال: { إلى المرافق} أخرج البعض عن الوجوب فما تحقّقنا خروجه تركناه وما شككنا فيه أوجبناه احتياطًا للعبادة انتهى.
المعنى اغسلوا أيديكم من رؤوس أصابعها إلى المرافق، وعلى الثاني تخرج الغاية، والمعنى اغسلوا أيديكم واتركوا منها إلى المرافق { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} بالجر، وللأصيلي بالنصب { إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] هل فيه تقدير أو الأمر على ظاهره وعمومه، فقال بالأوّل الأكثرون وأنه مطلق أُريد به التقييد، والمعنى إذا أردتم القيام إلى الصلاة محدثين.
وقال الآخرون: بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف إلا أنه في حق المحدث واجب وفي حق غيره مندوب، وقيل كان ذلك في أول الأمر ثم نسخ فصار مندوبًا.
واستدلوا له بحديث عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره بالوضوء لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث رواه أبو داود وهو ضعيف لقوله عليه الصلاة والسلام: "المائدة من آخر القرآن نزولاً فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامها" وافتتح المؤلف رحمه الله الباب بهذه الآية للتبرّك أو لأصالتها في استنباط مسائله وإن كان حق الدليل أن يؤخر عن المدلول لأن الأصل في الدعوى تقديم المدّعى، وعبّر عن إرادة الفعل في قوله: { إذا قمتم} بالفعل المسبب عنها للإيجاز والتنبيه على أن من أراد العبادة ينبغي له أن يبادر إليها بحيث لا ينفك الفعل عن الإرادة.
واختلف في موجب الوضوء فصحح في التحقيق والمجموع، وشرح مسلم الحدث والقيام إلى الصلاة معًا وبعضهم القيام إلى الصلاة، ويدل له حديث ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة" رواه أصحاب السُّنن.
وقال الشيخ أبو علي: الحدث وجوبًا موسعًا وعليه يتمشى نيّة الفرضية قبل الوقت، ويجوز أن يقال ما يعني بها لزوم الإتيان ولهذا يصح من الصبي، بل المعنى إقامة طهارة الحدث المشروطة للصلاة وشروط الشيء تسمى فروضه، وهل الحدث يحل جميع البدن كالجنابة حتى يمنع من مس المصحف بظهره وبطنه، أو مختص بالأعضاء الأربعة؟ خلاف.
والأصح الثاني؟ ووقع في رواية الأصيلي ما جاء في قوله الله دون ما قبله، وفي فرع اليونينية كأصلها ما جاء في الوضوء.
وقال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلى { الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] ولكريمة باب في الوضوء وقول الله الخ.
وفي نسخة صدر بها في فرع اليونينية عقب البسملة كتاب الطهارة باب ما جاء في الوضوء، وهو أنسب من السابق لأن الطهارة أعمّ من الوضوء، والكتاب الذي يذكر فيه نوع من الأنواع ينبغي أن يترجم بنوع عام حتى يشمل جميع ذلك، ولا بدَّ من التقييد بالماء لأن الطهارة تطلق على التراب كما قاله الشافعي، والطهارة بالفتح مصدر طهر بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح يطهر بالفتح فيهما وهي لغة النظافة والخلوص من الأدناس حسيّة كالأنجاس أو معنوية كالعيوب يقال: تطهرت بالماء وهم قوم يتطهرون أي يتنزهون عن العيب وشرعًا، كما قال النووي في شرح المهذب رفع حدث أو إزالة نجس، أو ما في معناهما أو على صورتهما كالتيمم والاغتسالات المسنونة وتجديد الوضوء والغسلة الثانية والثالثة ومسح الأُذنين والمضمضة ونحوها من نوافل الطهارة وطهارة المستحاضة وسلس البول.
( قال أبو عبد الله) يعني البخاري مما سيأتي موصولاً ( وبيَّن) وفي رواية الأصيلي قال: وبين ( النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن فرض الوضوء) المجمل في الآية السابقة غسل الأعضاء ( مرة) للوجه ( مرة) لليد إلى آخره، فالتكرار لإرادة التفصيل والنصب على أنه مفعول مطلق أو على الحال السادّة مسدّ الخبر أي يفعل مرة.
وقال في الفتح: وهو في روايتنا بالرفع على الخبرية اهـ.
وهو أقرب الأوجه، والأوّل هو الذي في فرع اليونينية فقط.
( وتوضأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أيضًا) وضوءًا ( مرتين مرتين) كذا في رواية أبي ذر ولغيره مرتين بغير تكرار، ( و) توضأ عليه الصلاة والسلام أيضًا ( ثلاثًا) أي ثلاث مرات، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وثلاثًا بالتكرار ( ولم يزد) عليه الصلاة والسلام ( على ثلاث) أي ثلاث مرات، بل ورد أنه ذم من زاد عليها كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند أبي داود وغيره بإسناد جيد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ ثلاثًا ثلاثًا ثم قال: "من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم" أي ظلم بالزيادة بإتلاف الماء ووضعه في غير موضعه، وظاهره الذم بالنقص عن الثلاث وهو مشكل.
وأجيب: بأن فيه حذفًا تقديره من نقص من واحدة فقد أساء.
ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد مرفوعًا: "الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا فمن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث فقد أخطأ".
وهو مرسل ورجاله ثقات.
وقال في المجموع عن الأصحاب وغيرهم: إنّ المعنى زاد على الثلاث أو نقص منها.
قال: واختلف أصحابنا في معنى أساء وظلم، فقيل: أساء في النقص وظلم في الزيادة.
فإن الظلم مجاوزة الحدود ووضع الشيء في غير محله، وقيل: عكسه لأن الظلم يستعمل بمعنى النقص لقوله تعالى: { آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] وقيل: أساء وظلم فيهما.
واختاره ابن الصلاح لأنه ظاهر الكلام اهـ.
وأجيب أيضًا: بأن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه، بل أكثرهم اقتصر على قوله فمن زاد فقط كما رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره بل عدّ مسلم قوله أو نقص مما أنكر على عمرو بن شعيب، وإنما تحسب غسله إذا استوعب العضو فلو شك في العدد أثناء الوضوء، فقيل: يأخذ بالأكثر حذرًا من زيادة رابعة، والأصح بالأقل كالركعات والشك بعد الفراغ لا عبرة به على الأصح لئلا يؤدّيه الأمر إلى الوسوسة المذمومة، وفي رواية أبي ذر وابن عساكر على ثلاثة بالهاء، والأصل عدمها إذ المعدود مؤنث لكنه أوّله بأشياء، وفي أخرى على ثلاث.
( وكره أهل العلم) المجتهدون ( الإسراف فيه) كراهة تنزيه وهذا هو الأصح من مذهبنا وعبارة إمامنا الشافعي في الأم: لا أحب أن يزيد المتوضئ على ثلاث، فإن زاد لم أكرهه أي لم أحرمه لأنه قوله: لا أحب يقتضي الكراهة.
وقال أحمد وإسحاق وغيرهما: لا تجوز الزيادة على الثلاث، وقال ابن المبارك: لا آمن أن يأثم.
ثم عطف المؤلف على السابق لتفسيره قوله ( وأن يجاوزوا) أي أهل العلم ( فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ، فليس المراد بالإسراف إلا المجاوزة عن فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الثلاث، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: ليس بعد الثلاث شيء.
2 - باب لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُور هذا ( باب) بالتنوين ( لا تقبل) بضم المثناةالفوقية على ما لم يسم فاعله ( صلاة) بالرفع نائب عنه.
وفي رواية بفرع اليونينية موافقة لما عند المؤلف في ترك الحيل لا يقبل الله صلاة ( بغير طهور) بضم الطاء الفعل الذي هو المصدر، والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل وبفتحها الماء الذي يتطهر به.
وهذه الترجمة لفظ حديث ليس على شرط المؤلف رواه مسلم وغيره من حديث ابن عمر، وقد قال القاضي عياض في شرحه: إنه نص في وجوب الطهارة، وتعقبه أبو عبد الله الأبّي بأن الحديث إنما فيه أنها شرط في القبول والقبول أخصّ من الصحة وشرط الأخص لا يكون شرطًا في الأعم، وإنما كان القبول أخص لأن حصول الثواب على الفعل، والصحة وقوع الفعل مطابقًا للأمر فكل متقبل صحيح دون العكس، والذي ينتفي بانتفاء الشرط الذي هو الطهارة القبول لا الصحة، وإذا لم تنتف الصحة لم يتم الاستدلال بالحديث، والفقهاء يحتجون به وفيه من البحث ما سمعت.
فإن قلت إذا فسرت الصحة بأنها وقوع الفعل مطابقًا للأمر فالقواعد تدل على أن الفعل إذا وقع مطابقًا للأمر كان سببًا في حصول الثواب، قلت: غرضنا إبطال التمسك بالحديث من قبل االشرطية وقد اتّضح، ثم نمنع أنها سبب في حصول الثواب لأن الأعم ليس سببًا في حصول أخصه المعين انتهى.
ويجاب بأن المراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الأجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة، ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الأجزاء الذي القبول ثمرته عبّر عنه بالقبول مجازًا لأن الغرض من الصحة مطابقة العبادة للأمر، وإذا حصل ذلك ترتب عليه القبول، وإذا انتفى القبول انتفت الصحة لما قام من الأدلة على كون القبول من لوازمها، فإذا انتفى انتفت.
وأما القبول النفي في نحو قوله: من أتى عرّافًا لم يقبل له صلاة فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلّف القبول، ولهذا كان بعض السلف يقول لأن تقبل لي صلاة واحدة أحبّ إلي من جميع الدنيا.
قال ابن عمر: لأن الله تعالى قال: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} [المائدة: 27] .