فهرس الكتاب

- باب {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [الحجرات: 9]

رقم الحديث 32 [32] حدّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدّثنا شُعْبَةُ ح قَالَ وحدّثني بِشْرٌ قَالَ حدّثنا مُحَمَّدٌ عَن شُعْبَةَ عَن سُلَيْمَانَ عَن إبْراهِيمَ عَن عَلْقَمَةَ عَن عبدِ اللَّهِ قالَ لَمَّا نَزَلَت الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} قَالَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ فأنْزَلَ {اللَّهُ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لما علم أَن الظُّلم على أَنْوَاع، وَأَن بعض أَنْوَاع الظُّلم كفر وَبَعضهَا لَيْسَ بِكفْر، فَيعلم من ذَلِك ضَرُورَة أَن بَعْضهَا دون بعض، وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين إِحْدَاهمَا: عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله.
وَالْأُخْرَى: عَن بشر بن خَالِد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله.
فَإِن قلت: الحَدِيث عَال فِي الطَّرِيق الأولى لِأَن رجالها خَمْسَة، وَرِجَال الثَّانِيَة سِتَّة، فلِمَ لم يكتف بِالْأولَى؟ قلت: إِنَّمَا أخرجه بِالطَّرِيقِ الثَّانِيَة أَيْضا لكَون مُحَمَّد بن جَعْفَر أثبت النَّاس فِي شُعْبَة، وَأَرَادَ بِهَذَا التَّنْبِيه عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: اللَّفْظ الَّذِي سَاقه لِمَنْ من شيخيه؟ قلت: اللَّفْظ لبشر بن خَالِد.
وَكَذَلِكَ أخرجه النَّسَائِيّ عَنهُ، وَتَابعه ابْن أبي عدي عَن شُعْبَة، وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ فِي تَفْسِير الْأَنْعَام.
وَأما لفظ ابْن الْوَلِيد فساقه البُخَارِيّ فِي قصَّة لُقْمَان بِلَفْظ: ( أَيّنَا لم يلبس إيمَانه بظُلْم) ؟ وَزَاد فِيهِ أَبُو نعيم فِي ( مستخرجه) من طَرِيق سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة بعد قَوْله: {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} ( لُقْمَان: 13) فطابت أَنْفُسنَا.
بَيَان رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة.
الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ، وَقد مر ذكره.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج، وَقد مر ذكره أَيْضا.
الثَّالِث: بشر، بِكَسْر الْبَاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة، ابْن خَالِد العسكري أَبُو مُحَمَّد الفارض، روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ،.

     وَقَالَ : ثِقَة، وَمُحَمّد بن يحيى بن مَنْدَه وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة.
توفّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن جَعْفَر الْهُذلِيّ، مَوْلَاهُم، الْبَصْرِيّ صَاحب الكراديس الْمَعْرُوف بغندر، وَسمع السفيانين وَشعْبَة وجالسه نَحوا من عشْرين سنة، وَكَانَ شُعْبَة زوج أمه، روى عَنهُ أَحْمد وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَبُنْدَار وَخلق كثير، صَامَ خمسين سنة يَوْمًا وَيَوْما،.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين: كَانَ من أصح النَّاس كتابا.
.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: صَدُوق، وَهُوَ فِي شُعْبَة: ثِقَة، وغندر لقب لَهُ لقبه بِهِ ابْن جريج لما قدم الْبَصْرَة، وَحدث عَن الْحسن؟ فَجعل مُحَمَّد يكثر التشغيب عَلَيْهِ، فَقَالَ: أسكت يَا غنْدر.
وَأهل الْحجاز يسمون المشغب: غندراالاقرار وَالْإِنْكَار أَو السُّكُوت، فَإِن كَانَ مَعَه الْإِقْرَار وَكَانَ اختياريا فَهُوَ إِيمَان الْمُقَلّد، وَهُوَ صَحِيح، خلافًا للْبَعْض.
وَإِن كَانَ اضطراريا فَهَذَا يفرع على الصُّورَة الأولى، فَإِن حكمنَا هُنَاكَ بالأيمان وَجب أَن نحكم هَهُنَا بالنفاق، وَهُوَ الْقسم الْخَامِس.
السَّادِس: أَن يكون مَعَه السُّكُوت، فَحكمه حكم الْقسم الثَّالِث اضطراريا أَو اختياريا.
السَّابِع: الانكار القلبي، فإمَّا أَن يُوجد مَعَه الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار أَو السُّكُوت، فَإِن كَانَ مَعَه الْإِقْرَار فَإِن كَانَ اضطراريا فَهُوَ مُنَافِق، وَإِن كَانَ اختياريا فَهُوَ كفر الْجُحُود والعناد، وَهُوَ أَيْضا قسم من النِّفَاق وَهُوَ الْقسم الثَّامِن.
التَّاسِع: أَن يُوجد الْإِنْكَار بِاللِّسَانِ مَعَ الْإِنْكَار القلبي، فَهَذَا كَافِر.
الْعَاشِر: القلبي الْخَالِي فَإِن كَانَ مَعَه الْإِقْرَار فَإِن كَانَ اختياريا يخرج من الْكفْر، وَإِن كَانَ اضطراريا لم يكفر.
الْحَادِي عشر: الْقلب الْخَالِي مَعَ الْإِنْكَار بِاللِّسَانِ فَحكمه على الْعَكْس مَعَ حكم الْقسم الْعَاشِر.
الثَّانِي عشر: الْقلب الْخَالِي مَعَ اللِّسَان الْخَالِي، فَهَذَا إِن كَانَ فِي مهلة النّظر فَذَاك هُوَ الْوَاجِب، وَإِن كَانَ خَارِجا عَن مهلة النّظر وَجب تكفيره، وَلَا يحكم بالنفاق الْبَتَّةَ؛ وَقد ظهر من هَذَا النِّفَاق الَّذِي لَا يُطَابق ظَاهره بَاطِنه، فَافْهَم.