فهرس الكتاب

- باب ما جاء في غسل البول

رقم الحديث 224 [224] حدّثنا آدَمُ قَالَ حَدثنَا شُعْبَةُ عنِ الاَعْمَشِ عنْ أبي وائِلٍ عنْ حُذَيْفَةَ قالَ أتَى النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُباطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قائِماً ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ.. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لَا يُقَال: التَّرْجَمَة أَعم، لأَنا ذكرنَا فِيمَا مضى مَا يَكْفِي فِي رده.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة تقدمُوا كلهم، وآدَم: هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَالْأَعْمَش: هُوَ سُلَيْمَان بن مهْرَان، وَأَبُو وَائِل: هُوَ شَقِيق الْكُوفِي، وَحُذَيْفَة: هُوَ ابْن الْيَمَان.
بَيَان لطائف اسناده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَرُوَاته مَا بَين خراساني وكوفي.
وَفِيه: عَن أبي وَائِل، وَلأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش أَنه: سمع أَبَا وَائِل، وَلأَحْمَد عَن يحيى الْقطَّان عَن الْأَعْمَش: حَدثنِي أَبُو وَائِل.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا عَن آدم عَن شُعْبَة، وَأخرجه أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن سُلَيْمَان ابْن حَرْب مُخْتَصرا كَمَا هَهُنَا، وَفِي الطَّهَارَة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن عرْعرة، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير، وَأول حَدِيث مُحَمَّد بن عرْعرة: كَانَ أَبُو مُوسَى يشدد على الْبَوْل، وعَلى مَا سَيَأْتِي عَن قريب.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن يحيى بن يحيى عَن أبي خَيْثَمَة زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش بِهِ وَفِيه ذكر الْمسْح، وَعَن يحيى بن يحيى عَن جرير نَحْو حَدِيث مُحَمَّد بن عرْعرة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر وَمُسلم ابْن إِبْرَاهِيم، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة، وَعَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هناد عَن وَكِيع عَن الْأَعْمَش بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن يحيى بن يُونُس، وَعَن المؤمل بن هِشَام عَن ابْن علية عَن شُعْبَة، كِلَاهُمَا عَن الْأَعْمَش بِهِ، وَعَن ابْن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن مَنْصُور بِهِ، وَعَن سُلَيْمَان بن عبد الله الغيلاني عَن بهز عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش وَمَنْصُور بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الْمسْح إلاَّ فِي حَدِيث عِيسَى بن يُونُس، وَفِي حَدِيث بهز.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن شريك وهشيم ووكيع، ثَلَاثَتهمْ عَن الْأَعْمَش بِهِ من غير ذكر الْمسْح.
بَيَان لغته وَإِعْرَابه قَوْله: ( سباطة قوم) السباطة: على وزن فعالة بِالضَّمِّ، وَهُوَ: الْموضع الَّذِي يرْمى فِيهِ التُّرَاب بالأفينة مرفعاً.
وَقيل: السباطة: الكناسة نَفسهَا، وَكَانَت بِالْمَدِينَةِ، ذكره مُحَمَّد بن طَلْحَة بن مصرف عَن الْأَعْمَش.
قَوْله: ( قَائِما) نصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: ( فَبَال) .
بَيَان الْمَعْنى إِضَافَة السباطة إِلَى الْقَوْم إِضَافَة اخْتِصَاص لَا ملك، لِأَنَّهَا كَانَت بِفنَاء دُورهمْ للنَّاس كلهم، فاضيف إِلَيْهِم لقربها مِنْهُم، وَلِهَذَا بَال، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، عَلَيْهَا، وَبِهَذَا ينْدَفع إِشْكَال من قَالَ: إِن الْبَوْل يوهن الْجِدَار وَفِيه ضَرَر، فَكيف هَذَا من النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام؟ وَقد يُقَال: إِنَّمَا بَال فَوقحَدِيث عمر فَقَالَ التِّرْمِذِيّ: فَحَدِيث ضَعِيف، لِأَن ابْن جريج رَوَاهُ عَن عبد الْكَرِيم بن الْمخَارِق أَبُو امية وَهُوَ ضَعِيف،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: إِنَّمَا رَفعه عبد الْكَرِيم، وَقد ضعفه أَيُّوب، وَتكلم فِيهِ، وروى عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر: قَالَ: عمر: مَا بلت قَائِما مُنْذُ أسلمت، هَذَا أصح من حَدِيث عبد الْكَرِيم.
وَأما حَدِيث جَابر، فَفِي رُوَاته: عدي بن الْفضل وَهُوَ ضَعِيف.
فان قلت: قَالَ أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن أَحْمد بن مَحْمُود الْبَلْخِي فِي كِتَابه الْمُسَمّى ( بِقبُول الْأَخْبَار وَمَعْرِفَة الرِّجَال) : حَدِيث حُذَيْفَة يَعْنِي هَذَا حَدِيث فَاحش مُنكر لَا نراهه إلاَّ من قبل بعض الزَّنَادِقَة.
قلت: هَذَا كَلَام سوء لَا يُسَاوِي سَمَاعه، وَهُوَ فِي غَايَة الصِّحَّة.
فَإِن قلت: رُوِيَ عَن ابْن مَاجَه من طَرِيق شُعْبَة أَن عَاصِمًا روى لَهُ عَن أبي وَائِل عَن الْمُغيرَة: ( أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتى سباطة قوم فَبَال قَائِما) .
قَالَ عَاصِم: وَهَذَا الاعمش يرويهِ عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة.
قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث أبي وَائِل عَن حديفة أصح، يَعْنِي من حَدِيثه عَن الْمُغيرَة، وَأَيْضًا لَا يبعد أَن يكون أَبُو وَائِل رَوَاهُ عَن رجلَيْنِ، وَالرجلَانِ شَاهدا ذَلِك من فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَن أَبَا وَائِل أدّى الْحَدِيثين عَنْهُمَا، فَسَمعهُ مِنْهُ جمَاعَة فَأدى كلٌّ مَا سمع، وَدَلِيله أَن غَيرهمَا حكى ذَلِك عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْضا، مِنْهُم: سهل بن سعد، رَضِي الله عَنهُ.
وَفِي حَدِيثه فِي ( صَحِيح ابْن خزيمه) وَأَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأخرج حَدِيثه الْحَاكِم ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَن حَمَّاد بن غَسَّان الْجعْفِيّ: حَدثنَا معن عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن ابي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَال قَائِما من جرح كَانَ بمآبضه) ،.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: هَذَا مُنكر، وَضَعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر فِي كِتَابه ( مَجْمُوع الرغائب فِي ذكر أَحَادِيث مَالك الغرائب) .
ثمَّ إِن الْعلمَاء تكلمُوا فِي سَبَب بَوْله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم قَائِما فَقَالَ الشَّافِعِي، لما سَأَلَهُ حَفْص الْفَرد عَن الْفَائِدَة فِي بَوْله قَائِما: الْعَرَب تستشفي لوجع الصلب بالبول قَائِما، فنرى أَنه كَانَ بِهِ ذَاك.
قلت: يُوضح ذَلِك حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْمَذْكُور آنِفا.
والمآبض جمع: مأبض، بِسُكُون الْهمزَة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة ثمَّ ضاد مُعْجمَة، وَهُوَ: بَاطِن الرّكْبَة،.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: إِنَّمَا فعله لشغله بِأُمُور الْمُسلمين، فَلَعَلَّهُ طَال عَلَيْهِ الْمجْلس حَتَّى حصرة الْبَوْل وَلم يُمكن التباعد كعادته، وَأَرَادَ السباطة لدمثها، وَأقَام حُذَيْفَة يستره عَن النَّاس.
.

     وَقَالَ  الْمَازرِيّ فِي ( الْعلم) : فعل ذَلِك لِأَنَّهَا حَالَة يُؤمن فِيهَا خُرُوج الْحَدث من السَّبِيل الآخر، بِخِلَاف الْقعُود، وَمِنْه قَول عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: الْبَوْل قَائِما أحصن للدبر.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يجد مَكَانا للقعود فاضطر إِلَى الْقيام لكَون الطّرف الَّذِي يَلِيهِ السباطة عَلَيْهَا مرتفعاً.
.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيّ: لَعَلَّه كَانَت فِي السباطة نجاسات رطبَة، وَهِي رخوة، فخشي أَن يتطاير عَلَيْهِ.
قيل: فِيهِ نظر، لِأَن الْقَائِم أَجْدَر بِهَذِهِ الخشية من الْقَاعِد.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: لكَون ذَلِك سهلاً ينحدر فِيهِ الْبَوْل فَلَا يرْتَد على البائل،.

     وَقَالَ  بَعضهم: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل ذَلِك بَيَان للْجُوَاز فِي هَذِه الْمرة، وَكَانَت عَادَته المستمرة الْبَوْل قَاعِدا.
الحكم الثَّانِي: فِيهِ جَوَاز الْبَوْل بِالْقربِ من الديار.
الثَّالِث: فِيهِ دَلِيل على أَن مدافعة الْبَوْل ومصابرته مَكْرُوهَة لما فِيهِ من الضَّرَر.
الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز طلب البائل من صَاحبه المَاء للْوُضُوء.
الْخَامِس: فِيهِ خدمَة الْمَفْضُول للفاضل، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.
61 - ( بابُ البَوْلِ عنْدَ صاحبِهِ والتَّسَتُّرِ بالحَائِطِ) أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بَوْل الرجل عِنْد صَاحبه، وَبَيَان حكم تستره بِالْحَائِطِ، فالألف وَاللَّام فِي: الْبَوْل، بدل من الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَهُوَ كَمَا قَدرنَا، فَالضَّمِير فِي صَاحبه يرجع إِلَى الْمُضَاف إِلَيْهِ الْمُقدر، وَهُوَ: الرجل البائل.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة.