فهرس الكتاب

- باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم، ويخبروا من وراءهم

رقم الحديث 90 [90] حدّثنا مُحمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قالَ: أخْبرنا سُفْيانُ عنِ ابنِ أبي خالِدٍ عنْ قَيْسِ بنِ أبي حازمٍ عنْ أبي مَسْعُودٍ الأنْصارِيّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رسولَ الله} لَا أكادُ أُدْرِكُ الصَّلاةِ مَمَّا يُطَوّلُ بِنَا فُلانُ، فَمَا رَأيْتُ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَوْعِظَةٍ أشَدَّ غَضَباً مِنْ يوْمِئذٍ، فَقَالَ: ( أيُّها النَّاسُ، إِنَّكُمْ مُنَفّرُونَ، فَمنْ صَلَّى بالنَّاسِ فَلْيُخَفّفْ فإنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ والضَّعيفَ وذَا الحاجَةِ) .. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فِي موعظة أَشد غَضبا من يومئذٍ) .
بَيَان رِجَاله: الأول: مُحَمَّد بن كثير، بِفَتْح الْكَاف وبالمثلثة: الْعَبْدي، بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، الْبَصْرِيّ أَخُو سُلَيْمَان بن كثير، وَسليمَان أكبر مِنْهُ بِخمْس سِنِين، روى عَن أَخِيه سُلَيْمَان وَشعْبَة وَالثَّوْري، وروى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا، وروى مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَنفَلذَلِك دَخلهَا الْفَاء.
قَوْله: ( فَإِن فيهم) الْفَاء فِيهِ تصلح للتَّعْلِيل.
( وَالْمَرِيض) ، نصب لِأَنَّهُ اسْم: إِن، وَمَا بعده عطف عَلَيْهِ، وخبرها هُوَ قَوْله: فيهم، مقدما.
قَوْله: ( بِالنَّاسِ) أَي: ملتبساً بهم إِمَامًا لَهُم.
قَوْله: ( وَذَا الْحَاجة) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: ( وَذُو الْحَاجة) .
وَجهه أَن يكون مَعْطُوفًا على مَحل اسْم: إِن، وَهُوَ رفع مَعَ الْخلاف فِيهِ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَو هُوَ اسْتِئْنَاف.
قلت: لَا يَصح أَن يكون استئنافاً لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة جَوَاب سُؤال، وَلَيْسَ هَذَا مَحَله.
وَيجوز أَن يكون الْمُبْتَدَأ مَحْذُوف الْخَبَر، وَتَكون الْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة الأولى، وَالتَّقْدِير: وَذُو الْحَاجة كَذَلِك، وَالْفرق بَين الضعْف وَالْمَرَض أَن الضعْف أَعم من الْمَرَض، فالمرض ضد الصِّحَّة.
يُقَال: مرض يمرض مَرضا ومرضاً فَهُوَ مَرِيض ومارض.
وَيُقَال: الْمَرَض، بالإسكان، مرض الْقلب خَاصَّة.
قَالَ الصغاني: وأصل الْمَرَض الضعْف، وَكلما ضعف مرض.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: أصل الْمَرَض النُّقْصَان.
يُقَال: بدن مَرِيض أَي: نَاقص الْقُوَّة، وقلب مَرِيض أَي: نَاقص الدّين.
وَقيل: الْمَرَض اختلال الطبيعة واضطرابها بعد صفائها واعتدالها، والضعف خلاف الْقُوَّة، وَقد ضعف وَضعف، وَالْفَتْح عَن يُونُس: فَهُوَ ضَعِيف، وَقوم ضِعَاف وضعفة.
وَفرق بَعضهم بَين الضعْف والضعف.
فَقَالَ: الضعْف بِالْفَتْح فِي الْعقل والرأي، والضعف بِالضَّمِّ فِي الْجَسَد.
وَرجل ضعوف أَي ضَعِيف.
فَإِن قيل: لم ذكر هَذَا الثَّلَاثَة؟ قلت: لِأَنَّهُ متناول لجَمِيع الْأَنْوَاع الْمُقْتَضِيَة.
للتَّخْفِيف، فَإِن الْمُقْتَضى لَهُ إِمَّا فِي نَفسه أَو لَا، وَالْأول إِمَّا بِحَسب ذَاته، وَهُوَ الضعْف أَو بِحَسب الْعَارِض وَهُوَ الْمَرَض.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: قَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ جَوَاز التَّأَخُّر عَن صَلَاة الْجَمَاعَة إِذا علم من عَادَة الإِمَام التَّطْوِيل الْكثير.
الثَّانِي: فِيهِ جَوَاز ذكر الْإِنْسَان بفلان وَنَحْوه فِي معرض الشكوى.
الثَّالِث: فِيهِ جَوَاز الْغَضَب لما يُنكر من أُمُور الدّين.
الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز الْإِنْكَار على من ارْتكب مَا ينْهَى عَنهُ، وَإِن كَانَ مَكْرُوها غير محرم.
الْخَامِس: فِيهِ التَّعْزِير على إطالة الصَّلَاة إِذا لم يرض الْمَأْمُوم بِهِ وَجَوَاز التَّعْزِير بالْكلَام.
السَّادِس: فِيهِ الْأَمر بتَخْفِيف الصَّلَاة.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَإِنَّمَا غضب رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِأَنَّهُ كره التَّطْوِيل فِي الصَّلَاة من أجل أَن فيهم الْمَرِيض وَنَحْوه، فَأَرَادَ الرِّفْق والتيسير بأمته وَلم يكن نَهْيه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من التَّطْوِيل لِحُرْمَتِهِ، لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجده وَيقْرَأ بالسور الطوَال مثل سُورَة يُوسُف، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَه أجلة أَصْحَابه، ومَن أَكثر همه طلب الْعلم وَالصَّلَاة.
أَقُول: وَلِهَذَا خفف فِي بعض الْأَوْقَات، كَمَا: فِيمَا سمع صَوت بكاء الصَّبِي وَنَحْوه.


رقم الحديث 91 [91] حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ مُحمَّدٍ قَالَ: حدّثنا أبُو عامِرٍ قَالَ: حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ بِلاَلٍ المدِيِنيُّ عنْ رَبِيعَةَ بنِ أبي عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ يَزِيدَ مَوْلَى المُنْبَعِثِ عَن زَيْدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ أنّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سألَهُ رَجُلٌ عنِ اللُّقَطَةِ فقالَ: (اعْرِفْ وكَاءَها) أوْ قَالَ: وِعاءَها.
وعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْها سَنَةً ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِها، فَإنْ جاءَ رَبُّها فَأدِّها إليهِ قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وجْنَتاهُ أوْ قَالَ: أحْمَرَّ وجْهُهُ فَقَالَ: (وَمَا لَكَ ولَهَا؟ مَعَها سِقاؤُها وحذَاؤُها، تَرِدُ الماءَ وتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْها حَتَّى يَلْقاها رَبُّها) قَالَ: فَضَالَّةُ الغنَمِ؟ قَالَ: (لكَ أوْ لأخِيكَ أوْ للْدِّئْبِ) .. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَغَضب حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه) .
بَيَان رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عبد اللَّه بن مُحَمَّد أَبُو جَعْفَر المسندي، بِفَتْح النُّون، وَقد تقدم.
الثَّانِي: أَبُو عَامر عبد الْملك، وَقد تقدم.
الثَّالِث: سُلَيْمَان بن بِلَال الْمَدِينِيّ، وَقد تقدم.
وَفِي بعض النّسخ: الْمدنِي.
قَالَ الْجَوْهَرِي: إِذا نسبت إِلَى مَدِينَة النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قلت: مدنِي، وَإِلَى مَدِينَة الْمَنْصُور: مديني، وَإِلَى مَدَائِن كسْرَى: مدائني.
قلت: فعلى هَذَا التَّقْدِير لَا يَصح الْمَدِينِيّ، لِأَنَّهُ من مَدِينَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.

     وَقَالَ  الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْمَقْدِسِي فِي كتاب (الْأَنْسَاب) : قَالَ البُخَارِيّ: الْمَدِينِيّ هُوَ الَّذِي أَقَامَ بِمَدِينَة رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلم يفارقها.
وَالْمَدَنِي هُوَ الَّذِي تحول عَنْهَا وَكَانَ مِنْهَا.
الرَّابِع: ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف: بربيعة الرَّأْي، وَقد يُقَال: الرئي، بِالتَّشْدِيدِ مَنْسُوبا إِلَى الرَّأْي، وَهُوَ شيخ مَالك وَقد تقدم.
الْخَامِس: يزِيد من الزِّيَادَة مولى المنبعث، اسْم فَاعل من الانبعاث، بالنُّون وَالْمُوَحَّدَة والمهملة والمثلثة، الْمدنِي.
روى عَن أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد، وَعَن ربيعَة وَيحيى بن سعيد، ثِقَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
ووكاءها) دَلِيل بَين على إبِْطَال قَول من ادّعى علم الْغَيْب فِي الْأَشْيَاء كلهَا من الكهنة والمنجمين وَغَيرهم، لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَو علم أَنه يُوصل إِلَى علم ذَلِك من هَذِه الْوُجُوه لم يكن فِي قَوْله فِي معرفَة علاماتها وَجه.
الْعَاشِر: إِن صَاحب اللّقطَة إِذا جَاءَ فَهُوَ أَحَق بهَا من ملتقطها إِذا ثَبت أَنه صَاحبهَا، فَإِن وجدهَا قد أكلهَا الْمُلْتَقط بعد الْحول، وَأَرَادَ أَن يضمنهُ كَانَ لَهُ ذَلِك، وَإِن كَانَ قد تصدق بهَا فصاحبها مُخَيّر بَين التَّضْمِين وَبَين أَن يتْرك على أجرهَا، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر، رَضِي الله عَنْهُم، وَهُوَ قَول طَاوس وَعِكْرِمَة وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه وسُفْيَان الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ رَحِمهم الله.
الْحَادِي عشر: احتجت الشَّافِعِيَّة بقوله: (استمتع بهَا) ، وَبِمَا جَاءَ فِي بعض طرق الحَدِيث: (فَإِن جَاءَ من يعرفهَا وإلاَّ فاخلطها بِمَالك) .
وَفِي بَعْضهَا: (عرفهَا سنة ثمَّ أعرف وكاءها وعفاصها، ثمَّ استنفق بهَا، فَإِن جَاءَ رَبهَا فأدها إِلَيْهِ) .
وَبِمَا جَاءَ فِي مُسلم: (فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فَعرف عفاصها وعددها وكاءها فاعطها إِيَّاه، وإلاَّ فَهِيَ لَك) .
وَفِي بعض طرقه: (ثمَّ عرفهَا سنة، فَإِن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وَدِيعَة عنْدك.
فَإِن جَاءَ طالبها يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ) ، على أَن من عرفهَا سنة وَلم يظْهر صَاحبهَا كَانَ لَهُ تَملكهَا، سَوَاء كَانَ غَنِيا أَو فَقِيرا، ثمَّ اخْتلفُوا: هَل تدخل فِي ملكه بِاخْتِيَارِهِ أَو بِغَيْر اخْتِيَاره؟ فَعِنْدَ الْأَكْثَرين تدخل بِغَيْر الِاخْتِيَار، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب مُسْتَوفى.


رقم الحديث 92 [92] حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ قَالَ: حدّثنا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدٍ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ أشياءَ كَرهَها، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ ثُمَّ قَالَ للِنَّاسِ: ( سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ) قَالَ رَجُلٌ: مَنْ أبي؟ قَالَ: ( أبُوك حُذَافَةُ) فَقامُ آخرُ فَقَالَ: مَنْ أبي يَا رسولَ الله { فَقَالَ: ( أبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ) .
فَلمَّا رأَى عُمَرُ مَا فِي وجْهِهِ قَالَ: رسولَ الله}
إنَّا نَتُوبُ إلَى الله عَزَّ وجَلَّ.
( الحَدِيث 92 طرْقَة فِي: 7291) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَلَمَّا أَكثر عَلَيْهِ غضب) .
بَيَان رِجَاله: هم خَمْسَة قد ذكرُوا أعيانهم بِهَذِهِ السلسلة فِي: بَاب فضل من علم وَعلم، وَكلهمْ كوفيون، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة.
وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد اللَّه، وَأَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، عَامر بن أبي مُوسَى، وَأَبُو مُوسَى عبد اللَّه بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا عَن أبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء، وَفِي كتاب الِاعْتِصَام فِي: بَاب مَا يكره من كَثْرَة السُّؤَال، عَن يُوسُف بن مُوسَى، وَفِي الْفَضَائِل عَن أبي كريب وَعبد اللَّه بن براد، ثَلَاثَتهمْ عَن أُسَامَة عَنهُ بِهِ.
بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب والمعاني: قَوْله: ( عَن أَشْيَاء) : هُوَ غير منصرف، قَالَ الْخَلِيل: إِنَّمَا ترك صرفه لِأَن أَصله: فعلاء كالشعراء جمع على غير الْوَاحِد، فنقلوا الْهمزَة الأولى إِلَى أول الْكَلِمَة، فَقَالُوا: اشياء، فوزنه: أفعاء.
.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش وَالْفراء: هُوَ أفعلاء كالأنبياء، فحذفت الْهمزَة الَّتِي بَين الْيَاء وَالْألف للتَّخْفِيف، فوزنه أفعاء.
.

     وَقَالَ  الْكسَائي: هُوَ أَفعَال كأفراخ، وَإِنَّمَا تركُوا صرفهَا لِكَثْرَة استعمالهم لَهَا، وَلِأَنَّهَا شبهت بفعلاء.
.

     وَقَالَ  فِي ( الْعباب) : الشَّيْء تصغيره شَيْء، وشييء بِكَسْر الشين، وَلَا تقل: شوىء، وَالْجمع: اشياء، غير مصروفة.
وَالدَّلِيل على قَول الْخَلِيل أَنَّهَا لَا تصرف أَنَّهَا تصغر على اشياء وَأَنَّهَا تجمع على أشاوي، وَأَصلهَا: أشائي، قلبت الْهمزَة يَاء فاجتمعت ثَلَاث ياآت فحذفت الْوُسْطَى، وقلبت الْأَخِيرَة ألفا فابدلت من الأول وَاو.
وَحكى الْأَصْمَعِي أَنه سمع رجلا من فصحاء الْعَرَب يَقُول لخلف الْأَحْمَر: إِن عنْدك لأشاوي مِثَال الصحارى، وَيجمع أَيْضا على: أشايا وأشياوات، وَيدخل على قَول الْكسَائي أَن لَا تصرف: أَبنَاء وَأَسْمَاء، وعَلى قَول الْأَخْفَش أَن لَا تجمع على: أشاوى.
قَوْله: ( كرهها) ، جملَة فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة الْأَشْيَاء، وَإِنَّمَا كره لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ سَببا لتَحْرِيم شَيْء على الْمُسلمين فتلحقهم بِهِ الْمَشَقَّة، أَو رُبمَا كَانَ فِي الْجَواب مَا يكره السَّائِل ويسوؤه، أَو رُبمَا أحفوه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، والحقوه الْمَشَقَّة والأذى، فَيكون ذَلِك سَببا لهلاكهم، وَهَذَا فِي الْأَشْيَاء الَّتِي لَا ضَرُورَة وَلَا حَاجَة إِلَيْهَا أَو لَا يتَعَلَّق بهَا تَكْلِيف وَنَحْوه.
وَفِي غير ذَلِك لَا تتَصَوَّر الْكَرَاهَة لِأَن السُّؤَال حينئذٍ إِمَّا وَاجِب أَو مَنْدُوب لقَوْله تَعَالَى: { فاسئلوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} ( النَّحْل: 43، والأنبياء: 7) .
قَوْله: ( فَلَمَّا أَكثر عَلَيْهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: فَلَمَّا أَكثر السُّؤَال على النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، غضب.
وَهُوَ جَوَاب: لما.
وَسبب غَضَبه تعنتهم فِي السُّؤَال وتكلفهم فِيمَا لَا حَاجَة لَهُم فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ( إِن أعظم الْمُسلمين جرما من سَأَلَ عَن شي فَحرم من أجل مَسْأَلته) .
أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث سعد.
قَوْله: ( سلوني) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول.
قَالَ بعض الْعلمَاء: هَذَا القَوْلمِنْهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَحْمُول على أَنه أُوحِي إِلَيْهِ بِهِ، إِذْ لَا يعلم كل مَا يسْأَل عَنهُ من المغيبات إلاَّ بإعلام الله تَعَالَى.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: ظَاهر الحَدِيث أَن قَوْله، عَلَيْهِ السَّلَام: ( سلوني) إِنَّمَا كَانَ غَضبا.
قَوْله: ( عَمَّا شِئْتُم) .
وَفِي بعض النّسخ: ( عَم شِئْتُم) .
بِحَذْف الْألف.
قلت: إِنَّه يجب حذف ألف: مَا، الاستفهامية إِذا جرَّت، وإبقاء الفتحة دَلِيلا عَلَيْهَا، نَحْو: فيمَ وإلام وعلام.
وَعلة الْحَذف الْفرق بَين الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر، فَلهَذَا حذفت فِي نَحْو: { فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا} ( النازعات: 43) .
{ فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} ( النَّمْل: 35) .
{ لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} ( الصَّفّ: 2) وَثَبت فِي { لمسكم فِيمَا افضتم فِيهِ عَذَاب عَظِيم} ( النُّور: 14) { يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك} ( الْبَقَرَة: 4، النِّسَاء: 162) { مَا مَنعك أَن تسْجد لما خلقت بيَدي} ( ص: 75) .
وكما لَا تحذف الْألف فِي الْخَبَر لَا تثبت فِي الِاسْتِفْهَام، وَأما قِرَاءَة عِكْرِمَة وَعِيسَى: { عَمَّا يتساءلون} ( النبأ: 1) ، فنادرة.
وَأما قَول حسان، رَضِي الله عَنهُ: ( علاما قَامَ يَشْتمنِي لئيم ... كخنزير تمرغ فِي رماد) فضرورة.
ويروى: فِي دمان، وَهُوَ كالرماد وزنا وَمعنى.
قَوْله: ( قَالَ رجل) هُوَ عبد اللَّه بن حذافة.
وَقد تقدم تَعْرِيفه فِي: بَاب مَا يذكر من المناولة.
قَوْله: ( من أبي) جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر مقول القَوْل، وَكَذَلِكَ قَوْله: ( أَبوك حذافة) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وبالذال الْمُعْجَمَة المخففة.
فَإِن قلت: لم سَأَلَهُ عَن ذَلِك؟ قلت: لِأَنَّهُ كَانَ ينْسب إِلَى غير أَبِيه إِذا لاحى أحدا، فنسبه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى أَبِيه.
فَإِن قلت: من أَيْن عرف رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَنه ابْنه؟ قلت: إِمَّا بِالْوَحْي، وَهُوَ الظَّاهِر، أَو بِحكم الفراسة، أَو بِالْقِيَاسِ، أَو بالاستلحاق.
قَوْله: ( فَقَامَ إِلَيْهِ) أَي إِلَى النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ( آخر) أَي: رجل آخر.
قَوْله: ( أَبوك سَالم) مُبْتَدأ وَخبر مقول القَوْل.
قَوْله: ( مَا فِي وَجهه) أَي: من أثر الْغَضَب.
وَمَا، مَوْصُولَة، وَالْجُمْلَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا مفعول: رأى، وَهُوَ من الرُّؤْيَة بِمَعْنى الإبصار، وَلِهَذَا اقْتصر على مفعول وَاحِد.
قَوْله: ( قَالَ: يَا رَسُول الله) جَوَاب: لما.
قَوْله: ( إِنَّا نتوب إِلَى الله) جملَة وَقعت مقول القَوْل، أَي: نتوب من الأسئلة الْمَكْرُوهَة مِمَّا لَا يرضاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك عمر، رَضِي الله عَنهُ، لِأَنَّهُ لما رأى حرصهم، وَقدر مَا علمه الله، خشِي أَن يكون ذَلِك كالتعنت لَهُ وَالشَّكّ فِي أمره، فَقَالَ: إِنَّا نتوب إِلَى الله.
وَفِي الحَدِيث: فهمُ عمر وفضلُ علمه، فَإِن الْعَالم لَا يسْأَل إلاَّ فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَفِيه كَرَاهَة لسؤال للتعنت، وَفِيه معْجزَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
29 - ( بابُ مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبتَيْهِ عِنْدَ الإِمامِ أَو المُحِدِّثِ) أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من برك، بتَخْفِيف الرَّاء، يُقَال: برك الْبَعِير بروكاً، أَي استناخ، وكل شَيْء ثَبت وَأقَام فقد برك.
قَالَ الصغاني: وبرك بروكاً اجْتهد، والتركيب يدل على ثبات الشَّيْء، ثمَّ يتَفَرَّع فروع يُقَارب بَعْضهَا بَعْضًا، وَإِسْنَاده إِلَى الْإِنْسَان على طَريقَة الْمجَاز الْمُسَمّى بِغَيْر الْمُقَيد، وَهُوَ أَن تكون الْكَلِمَة مَوْضُوعَة لحقيقة من الْحَقَائِق مَعَ قيد، فيستعملها لتِلْك الْحَقِيقَة لَا مَعَ ذَلِك الْقَيْد بمعونة الْقَرِينَة، مثل أَن يسْتَعْمل المشفر وَهُوَ لشفة الْبَعِير لمُطلق الشّفة.
فَيَقُول: زيد غليظ المشفر.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول غضب الْعَالم على السَّائِل لعدم جريه على مُوجب الْأَدَب، وَفِي هَذَا الْبَاب يذكر أدب المتعلم عِنْد الْعَالم، فتناسبا من هَذِه الْحَيْثِيَّة.