فهرس الكتاب

- باب التناوب في العلم

رقم الحديث 94 [94] حدّثنا عَبْدَةُ قَالَ: حدّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ المُثَنَّى قَالَ: حدّثنا ثُمامَةُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ عنْ أَنسٍ عَن النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ كانَ إذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاثاً وإذَا تَكَلَّمَ بكلِمَةٍ أعادَها ثَلَاثًا.
[/ نه 95 - حدّثنا عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ حدّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حدّثنا عَبْدُ اللَّه بنُ المُثَنَّى قَالَ: حدّثنا ثُمَامَةُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ عنْ أنسٍ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ كانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أعادَها ثَلاثاً حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وإذَا أتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهْم سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاثاً.
(انْظُر الحَدِيث: 94 وطرفه) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَبدة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد اللَّه بن عَبدة الصفار الْخُزَاعِيّ الْبَصْرِيّ، أَبُو سهل، أَصله كُوفِي، روى عَنهُ الْجَمَاعَة إلاَّ مُسلما.
قَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق.
.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: ثِقَة، توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
وَفِي الْكتب السِّتَّة: عَبدة، ثَلَاثَة أخر: عَبدة بن سُلَيْمَان الْمروزِي روى لَهُ أَبُو دَاوُد.
وَعَبدَة ابْن عبد الرَّحْمَن الْمروزِي روى لَهُ النَّسَائِيّ.
وَعَبدَة بن أبي لبَابَة روى لَهُ خَلاد.
الثَّانِي: عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث بن سعيد بن ذكْوَان التَّمِيمِي الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ، أَبُو سهل الْحَافِظ الْحجَّة، مَاتَ سنة سبع وَمِائَتَيْنِ.
وَفِي الْكتب السِّتَّة: عبد الصَّمد، ثَلَاثَة هَذَا أحدهم.
الثَّانِي: عبد الصَّمد بن حبيب العوذي، أخرج لَهُ أَبُو دَاوُد وَفِيه لين.
الثَّالِث: عبد الصَّمد بن سُلَيْمَان الْبَلْخِي الْحَافِظ، روى عِنْد التِّرْمِذِيّ.
الثَّالِث: عبد اللَّه بن الْمثنى بن عبد اللَّه بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ وَالِد مُحَمَّد القَاضِي بِالْبَصْرَةِ، روى عَن عمومته وَالْحسن، وَعنهُ ابْنه وَغَيره.
قَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره: صَالح.
.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: لَا أخرج حَدِيثه.
روى لَهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه.
الرَّابِع: ثُمَامَة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الميمين: ابْن عبد اللَّه بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ، قاضيها.
روى عَن جده والبراء، وَعنهُ عبد اللَّه ابْن الْمثنى وَمعمر وعدة، وَثَّقَهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ،.

     وَقَالَ  ابْن عدي: ارجو أَنه لَا بَأْس بِهِ، وَأَشَارَ ابْن معِين إِلَى تَضْعِيفه.
وَقيل: إِنَّه لم يحمد فِي الْقَضَاء.
وَذكر حَدِيث الصَّدقَات لِابْنِ معِين فَقَالَ: لَا يَصح، يرويهِ ثُمَامَة عَن أنس وَهُوَ فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) كَمَا سَيَأْتِي، وَانْفَرَدَ بِحَدِيث: كَانَ قيس بِمَنْزِلَة صَاحب الشرطة من الْأَمِير، وَهُوَ فِي البُخَارِيّ أَيْضا كَمَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وروى حَمَّاد عَنهُ عَن أنس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على صبي فَقَالَ: لَو نجى أحد من ضمة الْقَبْر لنجى هَذَا الصَّبِي، وَهَذَا مُنكر، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة ثُمَامَة بن عبد اللَّه غير هَذَا، فَافْهَم.
وَفِيهِمْ ثُمَامَة سِتَّة عشر.
بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ من هُوَ مُنْفَرد فِي البُخَارِيّ لَيْسَ غَيره.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان عَن إِسْحَاق ابْن مَنْصُور عَن عبد الصَّمد.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور أَيْضا، وَفِي المناقب عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن سَالم بن قُتَيْبَة عَن عبد اللَّه بن الْمثنى بِبَعْضِه: كَانَ يُعِيد الْكَلِمَة ثَلَاثًا لتعقل عَنهُ،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح غَرِيب، إِنَّمَا نعرفه من حَدِيث عبد اللَّه بن الْمثنى.
بَيَان الْإِعْرَاب والمعاني: قَوْله: (كَانَ) قَالَ الأصوليون: مثل هَذَا التَّرْكِيب يشْعر بالاستمرار.
قلت: لِأَن: كَانَ، تدل على الثُّبُوت والدوام بِخِلَاف: صَار، فَإِنَّهُ يدل على الِانْتِقَال.
فَلهَذَا يجوز أَن يُقَال: كَانَ الله، وَلَا يجوز: صَار الله.
وَاسم: كَانَ، مستتر فِيهِ، وَالْجُمْلَة الَّتِي بعده خَبره.
قَوْله: (بِكَلِمَة) أَي: بِكَلَام هَذَا من بَاب إِطْلَاق اسْم الْبَعْض على الْكل، كَمَا فِي قَوْله: إِن أصدق كلمة قَالَهَا شَاعِر قَول لبيد: (أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل) قَوْله: (أَعَادَهَا) خبر: إِذا.
قَوْله: (ثَلَاثًا) أَي: ثَلَاث مَرَّات.
قَوْله: (حَتَّى تفهم مِنْهُ) أَي: حَتَّى تعقل مِنْهُ، كَمَا فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول، و: حَتَّى، هُنَا مرادفة: لكَي، التعليلية وَقد ذكرنَا عَن قريب وَجه الْإِعَادَة والتكرار.
قَوْله: (فَسلم) لَيْسَ جَوَاب: إِذا، وَإِنَّمَا هُوَ عطف على قَوْله: (أَتَى) من تَتِمَّة الشَّرْط، وَالْجَوَاب هُوَ قَوْله: (سلم) وَوجه الثَّلَاث فِي التَّسْلِيم يشبه أَن يكون عِنْد الاسْتِئْذَان، وَقد رُوِيَ عَن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَهُ وَهُوَ فِي بَيته، فَسلم فَلم يجبهُ، ثمَّ سلم ثَانِيًا ثمَّ سلم ثَالِثا، فَانْصَرف.
فَخرج سعد فَتَبِعَهُ.

     وَقَالَ : يَا رَسُول الله بِأبي تسليمك، وَلَكِن أردْت أَن استكثر من بركَة تسليمك) .
وَفِيه نظر، لِأَن تَسْلِيمَة الاسْتِئْذَان لَا تثنى إِذا حصل الْإِذْن بِالْأولَى وَلَا تثلث إِذا حصل بِالثَّانِيَةِ.
ثمَّ إِنَّه ذكره بِحرف إِذا الْمُقْتَضِيَة لتكرار الْفِعْل كرة بعد أُخْرَى وتسليمه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،على بَاب سعد نَادِر، وَلم يذكر عَنهُ فِي غير هَذَا الحَدِيث.
وَالْوَجْه فِيهِ أَن يُقَال مَعْنَاهُ: كَانَ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِذا أَتَى على قوم سلم عَلَيْهِم تَسْلِيمَة الاسْتِئْذَان، وَإِذا دخل سلم تَسْلِيمَة التَّحِيَّة، ثمَّ إِذا قَامَ من الْمجْلس سلم تَسْلِيمَة الْوَدَاع.
وَهَذِه التسليمات كلهَا مسنونة.
وَكَانَ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يواظب عَلَيْهَا وَلَا يزِيد عَلَيْهَا فِي هَذِه السّنة على الْأَقْسَام.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: حرف: إِذا، لَا يَقْتَضِي تكْرَار الْفِعْل إِنَّمَا الْمُقْتَضى لَهُ من الْحُرُوف: كلما، فَقَط.
نعم التَّرْكِيب مُفِيد للاستمرار، ثمَّ مَا قَالَ هُوَ أَمر نَادِر لم يذكر فِي غَيره مَمْنُوع، وَكَيف وَقد صَحَّ حَدِيث: (إِذا اسْتَأْذن أحدكُم ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ فَليرْجع) ؟ قلت: نعم: إِذا لَا يَقْتَضِي تكْرَار الْفِعْل، وَلَكِن من اقتضائه الثَّبَات والدوام، وَيصدق عَلَيْهِ التّكْرَار.
وَقَوله: (إِذا اسْتَأْذن أحدكُم ثَلَاثًا) أَعم من أَن يكون بِالسَّلَامِ وَغَيره.
وَقَالَ ابْن بطال: وَفِيه أَن الثَّلَاث غَايَة مَا يَقع بِهِ الْبَيَان والأعذار.
قلت: اخْتلف فِيمَا إِذا ظن أَنه لم يسمع هَل يزِيد على الثَّلَاث؟ فَقيل: لَا يزِيد أخذا بِظَاهِر الحَدِيث.
وَقيل: يزِيد.
وَالسّنة أَن يسلم ثَلَاثًا، فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم، أَدخل.


رقم الحديث 96 [96] حدّثنا مُسَدَّدُ قَالَ: حدّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ أبي بِشْرٍ عنْ يُوسُفَ بنِ ماهِكٍ عنْ عَبْدِ اللَّه بنِ عَمْرٍ وَقال: تخَلَّفَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ سافَرْناهُ فادْرَكَنَا وقَدْ أَرْهقنا الصَّلاةُ، صلاةَ العَصْرِ، ونَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنا نَمْسَحُ عَلى أرْجُلْنا، فَنادَى بأعْلَى صَوْتِهِ: (وَيْلٌ لْلأعْقابِ مِنَ النارِ) مَرَّتَيْنِ أَو ثَلاثاً.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا) .
وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد قد مر فِي: بَاب من رفع صَوته بِالْعلمِ، غير أَنه أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان عَن أبي عوَانَة، وَهنا عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة، واسْمه: الوضاح، وَأَبُو بشر اسْمه: جَعْفَر بن إِيَاس.
وَالِاخْتِلَاف فِي الْمَتْن فِي موضِعين: احدهما: قَوْله: (فِي سفر سافرناه) ، وَهُنَاكَ: (فِي سفرة سافرناها) وَالْآخر: قَوْله: (صَلَاة الْعَصْر) : لَيْسَ بمذكور هُنَاكَ.
قَوْله: (فَأَدْرَكنَا) ، بِفَتْح الرَّاء أَي: النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أدركنا، وَالْحَال أَن صَلَاة الْعَصْر قد أدركتنا.
قَوْله: (ارهقنا الصَّلَاة) بِوَجْهَيْنِ.
أَحدهمَا: بِسُكُون الْقَاف، وَنصب الصَّلَاة على المفعولية.
وَالْآخر: بتحريك الْقَاف وَرفع الصَّلَاة على الفاعلية.
وَقَوله: (صَلَاة الْعَصْر) بِالرَّفْع وَالنّصب بدل من الصَّلَاة، أَو بَيَان.
وَالْوَاو فِي: وَنحن، أَيْضا للْحَال.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
31 - (بَاب تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أمَتَهُ وأهْلَهُ) أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَعْلِيم الرجل جَارِيَته وَأهل بَيته.
الْأمة: أَصله: أموة بِالتَّحْرِيكِ لِأَنَّهُ يجمع على آم، وَهُوَ أفعل، مثل نَاقَة وأنيق، وَلَا يجمع فعلة بالتسكين على ذَلِك، وَيجمع على إِمَاء أَيْضا.
وَيُقَال: أَمُوت أموة، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا أموى بِالْفَتْح، وتصغيرها: أُميَّة، وَهُوَ اسْم قَبيلَة أَيْضا، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا أموى أَيْضا بِالْفَتْح، وَرُبمَا تضم.
وَالْفرق بَين الجمعين أَن الأول جمع قلَّة، وَالثَّانِي جمع كَثْرَة.
وأصل آم: أءمؤ، على وزن أفعل، كأكلب، فأبدل من ضمة الْوَاو يَاء فَصَارَ: اءمى، ثمَّ أعل إعلال قاضٍ، فَصَارَ: اءم، ثمَّ قلبت الْهمزَة الثَّانِيَة الْفَا فَصَارَ: آم، وأصل إِمَاء: إماو، كعقاب، فابدلت الْوَاو همزَة لوقوعها طرفا بعد ألف زَائِدَة، وَيجمع أَيْضا على: إموان، مثل إخْوَان.
قَالَ الشَّاعِر.
(إِذا ترامى بَنو الإموان بالعار) فَإِن قلت: الْأمة من أهل الْبَيْت فَكيف عطف عَلَيْهِ الْأَهْل؟ قلت: هُوَ من عطف الْعَام على الْخَاص، فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ؟ قلت: من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول هُوَ التَّعْلِيم الْعَام، وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب هُوَ التَّعْلِيم الْخَاص، فتناسبا من هَذِه الْجِهَة.
97 - حدّثنا مُحَمَّدٌ هُوَ ابنُ سَلاَمٍ حدّثنا المُحَارِبِيُّ قَالَ: حدّثنا صالِحُ بنُ حَيَّانَ قالَ: قالَ عامِرٌ الشَّعْبِيُّ: حدّثني أبُو بُرْدَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ثَلاَثُةٌ لَهُمْ أجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمَنِ، بِنَبِيِّهِ وآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالعَبْدُ المَمْلُوكُورحل، وَلِهَذَا قَالَ الشّعبِيّ، وَهُوَ من كبار التَّابِعين بقوله: وَقد كَانَ يركب.
فَإِن قلت: هَل كَانَ سُؤال الْخُرَاسَانِي من الشّعبِيّ عَمَّن يعْتق أمته ثمَّ يَتَزَوَّجهَا مُجَرّد تعلم هَذِه الْمَسْأَلَة، أم لِمَعْنى آخر؟ قلت: بل لِمَعْنى آخر، وَهُوَ مَا جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم: (أَن رجلا من أهل خُرَاسَان سَأَلَ الشّعبِيّ، فَقَالَ: يَا عَامر! إِن من قبلنَا من أهل خُرَاسَان يَقُولُونَ فِي الرجل إِذا أعتق أمته ثمَّ تزَوجهَا فَهُوَ كالراكب بدنته) .
وَفِي طَرِيق: (كالراكب هَدْيه) ، كَأَنَّهُمْ توهموا فِي الْعتْق والتزوج الرُّجُوع بِالنِّكَاحِ فِيمَا خرج عَنهُ بِالْعِتْقِ، فَأَجَابَهُ الشّعبِيّ بِمَا يدل على أَنه محسن إِلَيْهَا إحساناً بعد إِحْسَان، وَأَنه لَيْسَ من الرُّجُوع فِي شَيْء، فَذكر لَهُم الحَدِيث.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ بَيَان أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة من النَّاس لَهُم أَجْرَانِ.
قَالَ الْكرْمَانِي: مَا الْعلَّة فِي التَّخْصِيص بهؤلاء الثَّلَاثَة، وَالْحَال أَن غَيره كَذَلِك أَيْضا مثل من صلى وَصَامَ، فَإِن للصَّلَاة أجرا، وللصوم أجرا آخر، وَكَذَا مثل الْوَلَد إِذا أدّى حق الله وَحقّ وَالِديهِ؟ قلت: الْفرق بَين هَذِه الثَّلَاثَة وَغَيرهَا أَن الْفَاعِل فِي كل مِنْهَا جَامع بَين أَمريْن بَينهمَا مُخَالفَة عَظِيمَة، كَأَن الْفَاعِل لَهما فَاعل للضدين عَامل بالمتنافيين، بِخِلَاف غَيره عَامل.
قلت: هَذَا الْجَواب لَيْسَ بِشَيْء، بل الْجَواب الصَّحِيح أَن التَّنْصِيص باسم الشَّيْء لَا يدل على نفي الحكم عَمَّا عداهُ، وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور.
فَإِن قلت: التَّنْصِيص بِعَدَد مَحْصُور يدل على نفي الحكم عَن غَيره، وَإِلَيْهِ مَال صَاحب (الْهِدَايَة) ، لِأَن إِثْبَات الحكم فِي غَيره إبِْطَال الْعدَد الْمَنْصُوص، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقوله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (خمس من الفواسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم) .
فَإِن ذَلِك يدل على نفي الحكم عَمَّا عدا الْمَذْكُور.
قلت: الصَّحِيح من الْمَذْهَب أَن التَّنْصِيص باسم الشَّيْء لَا يدل على النَّفْي فِيمَا عداهُ وَإِن كَانَ فِي الْعدَد المحصور، وَالْحكم فِي غير الْمَذْكُور إِنَّمَا يثبت بِدلَالَة النَّص، فَلَا يُوجب إبِْطَال الْعدَد الْمَنْصُوص، فَافْهَم.
الثَّانِي: قَالَ الْمُهلب: فِيهِ دَلِيل على من أحسن فِي مَعْنيين من أَي فعل كَانَ من أَفعَال الْبر فَلهُ أجره مرَّتَيْنِ، وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء.
الثَّالِث: قَالَ النَّوَوِيّ: فِي قَول الشّعبِيّ جَوَاز قَول الْعَالم مثله تحريضاً للسامع.
الرَّابِع: فِيهِ بَيَان مَا كَانَ السّلف عَلَيْهِ من الرحلة إِلَى الْبلدَانِ الْبَعِيدَة فِي حَدِيث وَاحِد، أَو مَسْأَلَة وَاحِدَة.
الْخَامِس: قَالَ ابْن بطال: وَفِيه إِثْبَات فضل الْمَدِينَة، وَأَنَّهَا مَعْدن الْعلم، وإليها كَانَ يرحل فِي طلب الْعلم، وتقصد فِي اقتباسه.
وَبَعض الْمَالِكِيَّة خصصواً الْعلم بِالْمَدِينَةِ بقول الشّعبِيّ، وَهُوَ تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح، فَلَا يقبل.
32 - (بَاب عِظَةِ الإِمامِ النِّساءَ وتَعْلِيمهنَّ) أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وعظ الإِمَام النِّسَاء، وَهُوَ التَّذْكِير بالعواقب.
وتعليمه النِّسَاء من الْأُمُور الدِّينِيَّة، والعظة، بِكَسْر الْعين: بِمَعْنى الْوَعْظ، لِأَنَّهُ مصدر من: وعظ يعظ وعظاً، فَلَمَّا حذفت الْوَاو تبعا لفعله عوضت عَنْهَا الْهَاء.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق تَعْلِيم الرجل أَهله، وَهُوَ خَاص.
وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب تَعْلِيم الإِمَام النِّسَاء وَهُوَ عَام، فتناسقا من هَذِه الْحَيْثِيَّة.
وَالْمرَاد من الإِمَام هُوَ الإِمَام الْأَعْظَم أَو من يَنُوب عَنهُ.