فهرس الكتاب

- باب: أداء الخمس من الإيمان

رقم الحديث 54 [54] حدّثنا عبدُ اللَّهِ بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ أخْبَرَنَا مالِكٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ مُحَمّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ عَن عَلْقَمَةَ بنِ وَقَّاصٍ عنْ عُمَرَ أنّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الأَعْمَالُ بالنِّيَّةِ ولِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ ورسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ ورسولِهِ ومَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ لدنْيَا يُصِيبُهَا أَو امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُها فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هاجَرَ إِليهِ.
( الحَدِيث 54 انْظُر الحَدِيث رقم 1) .
قد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي أول الْكتاب لِأَنَّهُ صدر كِتَابه بِهَذَا الحَدِيث، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي رِجَاله ومسلمة، بِفَتْح الميمين وَاللَّام،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لما كَانَ الحَدِيث بِتَمَامِهِ صَحِيحا ثَابتا عِنْد البُخَارِيّ لم خرمه فِي صدر الْكتاب؟ مَعَ أَن الخرم جَوَازه مُخْتَلف فِيهِ.
قلت: لأخرم، بِالْجَزْمِ، لِأَن المقامات مُخْتَلفَة، فَلَعَلَّ فِي مقَام بَيَان أَن الْإِيمَان من النِّيَّة، واعتقاد الْقلب سمع الحَدِيث تَمامًا، وَفِي مقَام أَن الشُّرُوع فِي الْأَعْمَال إِنَّمَا يَصح بِالنِّيَّةِ، سمع ذَلِك الْقدر الَّذِي روى، ثمَّ إِن الخرم مُحْتَمل أَن يكون من بعض شُيُوخ البُخَارِيّ لَا مِنْهُ، ثمَّ إِن كَانَ مِنْهُ فخرمه ثمَّة لِأَن الْمَقْصُود يتم بذلك الْمِقْدَار.
فَإِن قلت: كَانَ الْمُنَاسب أَن يذكر عِنْد الخرم الشق الَّذِي يتَعَلَّق بمقصوده، وَهُوَ: أَن النِّيَّة يَنْبَغِي أَن تكون لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: لَعَلَّه نظر إِلَى مَا هُوَ الْغَالِب الْكثير بَين النَّاس.
انْتهى.
قلت: هَذَا كُله إطناب فِي الْكَلَام، وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال، إِن هَذِه الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي هَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله من اخْتِلَاف الروَاة، فَكل مِنْهُم قد روى مَا سَمعه.
فَلَا خرم فِيهِ لَا من البُخَارِيّ وَلَا من شُيُوخه، وَإِنَّمَا البُخَارِيّ ذكر كل مَا رَوَاهُ من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا زِيَادَة ونقصان بِحَسب مَا يُنَاسب الْبَاب الَّذِي وَضعه تَرْجَمَة لَهُ.
55 - حدّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ قَالَ حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ أخْبَرَنِي عَدِيُّ بنُ ثابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ عبَد اللَّهِ بنَ يَزِيدَ عنْ أبي مَسْعُودٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا أنْفَقَ الرَّجُلُ على أهْلِهِ يَحْتَسِبُها فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ.
قد قُلْنَا: إِن الْبَاب مَعْقُود على ثَلَاث تراجم،.
لكل تَرْجَمَة حَدِيث يطابقها، وَهَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة، وَهِي قَوْله ( والحسبة) .
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة.
الأول: الْحجَّاج بن منهال، بِكَسْر الْمِيم، أَبُو مُحَمَّد الْأنمَاطِي السّلمِيّ، مَوْلَاهُم وَغَيره، سمع شُعْبَة من الْأَعْلَام، وروى عَنهُ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي وَابْن وارة وَالْبَغوِيّ وَإِسْمَاعِيل القَاضِي وَالْبُخَارِيّ وَآخَرُونَ، اتّفق على توثيقه، وَكَانَ رجلا صَالحا وَكَانَ سمساراً يَأْخُذ من كل دِينَار حَبَّة، فجَاء خراساني مُوسر من أَصْحَاب الحَدِيث فَاشْترى لَهُ أنماطاً وَأَعْطَاهُ ثَلَاثِينَ دِينَارا، فَقَالَ: خُذ هَذِه سمسرتك، قَالَ: دنانيرك أَهْون عَليّ من هَذَا التُّرَاب، هَات من كل دِينَار حَبَّة، وَأخذ ذَلِك.
قَالَ أَحْمد بن عبد الله: هُوَ بَصرِي ثِقَة، مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سنة سِتّ عشرَة أَو سَبْعَة عشرَة وَمِائَتَيْنِ، قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين فِي ( شَرحه) وروى لَهُ البُخَارِيّ، وروى مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن رجل عَنهُ،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي ( شَرحه) : روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد،.

     وَقَالَ  الْمُزنِيّ فِي ( تهذيبه) : روى لَهُ السِّتَّة، وَالصَّوَاب أَن البُخَارِيّ وَمُسلمًا وَأَبا دَاوُد رووا عَنهُ، وَالثَّلَاثَة الْبَقِيَّة رووا لَهُ، وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة حجاج بن منهال سواهُ.
الثَّانِي: شُعْبَة بن حجاج، وَقد مر ذكره غير مرّة.
الثَّالِث: عدي بن ثَابت الْأنْصَارِيّ الْكُوفِي، سمع جده لأمه عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ والبراء بن عَازِب وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة، روى عَنهُ الْأَعْمَش وَشعْبَة وَغَيرهمَا، قَالَ أَحْمد، ثِقَة:.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: صَدُوق وَكَانَ إِمَام مَسْجِد الشِّيعَة بِالْكُوفَةِ وقاضيهم، مَاتَ سنة سِتّ عشرَة وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الرَّابِع: عبد الله بن يزِيد بن حُصَيْن بن عَمْرو بن الْحَارِث بن خطمة، واسْمه عبد الله بن خَيْثَم بن مَالك بن أَوْس، أخي الْخَزْرَج ابْني حَارِثَة بن ثَعْلَبَة العنقاء، لطول عُنُقه، ابْن عَمْرو مزيقيا ابْن عَامر مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة الغطريف بن امرىء الْقَيْس البطريق بن ثَعْلَبَة البهلول بن مَازِن بن الأزد، الْأنْصَارِيّ الخطمي الصَّحَابِيّ، سكن الْكُوفَة، وَكَانَ أَمِيرا عَلَيْهَا، شهدأَو حُصُول بَيَاض، فَإِنَّهُ مَتى كَانَ المُرَاد بِوَجْه الشّبَه هَذَا كَانَ من بَاب التشابه، وينعكس التَّشْبِيه لعدم اخْتِصَاص وَجه الشّبَه حينئذٍ بِشَيْء من الطَّرفَيْنِ، بِخِلَاف مَا لَو لم يكن وَجه الشّبَه ذَلِك، كالمبالغة فِي الضياء، فَإِنَّهُ لَا يكون من بَاب التشابه، وَلَا مِمَّا ينعكس فِي التَّشْبِيه.
قَوْله ( على أَهله) خَاص بِالْوَلَدِ وَالزَّوْجَة، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْإِنْفَاق فِي الْأَمر الْوَاجِب كالصدقة فَلَا شكّ أَن يكون آكِد، وَيلْزم مِنْهُ كَونه صَدَقَة فِي غير الْوَاجِب بِالطَّرِيقِ الأولى.


رقم الحديث 56 [56] حدّثنا الحَكَمُ بنُ نافعٍ قَالَ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدّثني عامِرُ بنُ سَعْدٍ عنْ سَعْدِ بنِ أبي وَقاصٍ أنَّهُ أخْبَرَهُ أنّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِها وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ أُجِرْتَ عَليْها حتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ.. هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة الثَّالِثَة، كَمَا ذكرنَا، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد ذكر فِي بَاب: إِذا لم يكن الْإِسْلَام على الْحَقِيقَة، وَكَانَ على الاستسلام أَو الْخَوْف من الْقَتْل.
وَالْحكم بِفَتْح الْكَاف: هُوَ أَبُو الْيَمَان الْحِمصِي.
وَالزهْرِيّ: هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: هَذَا الحَدِيث قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل مَشْهُور، أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا كَمَا ترى، وَفِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن يُونُس، وَفِي الدَّعْوَات عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَفِي الْهِجْرَة عَن يحيى بن قزعة، ثَلَاثَتهمْ عَن إِبْرَاهِيم بن سعد، وَفِي الْجَنَائِز عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك، وَفِي الطِّبّ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة، وَفِي الْفَرَائِض عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب أَيْضا، وَعَن الْحميدِي عَن سُفْيَان، خمستهم عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه مُسلم فِي الْوَصَايَا عَن يحيى بن يحيى عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة وَأبي بكر بن أبي شيبَة كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وحرملة بن يحيى كِلَاهُمَا عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْوَصَايَا أَيْضا عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن سُفْيَان بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر عَن سُفْيَان بِهِ،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عُثْمَان بن سُفْيَان عَن سُفْيَان بِهِ، وَفِي عشرَة النِّسَاء عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِبَعْضِه.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْوَصَايَا عَن هِشَام بن عمار، وَالْحُسَيْن بن الْحسن الْمروزِي، وَسَهل بن أبي سهل بن سهل الرَّازِيّ، ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بِهِ.
بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله ( إِنَّك) ، إِن: حرف من الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ، فالكاف إسمها و: ( لن تنْفق) ، خَبَرهَا وَكلمَة: لن، حرف نصب، وَنفي واستقبال، وَفِيه ثَلَاثَة مَذَاهِب: الأول: إِنَّه حرف مقتضب بِرَأْسِهِ، وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَب الْفراء أَن أَصله: لَا، فابدلت النُّون من الْألف، فَصَارَ: لن.
وَالثَّالِث: وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل وَالْكسَائِيّ.
أَن أَصله: لَا إِن، فحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا، وَالْألف لالتقاء الساكنين.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: إِنَّه يُفِيد توكيد النَّفْي، قَالَه فِي ( الْكَشَّاف) .

     وَقَالَ  فِي ( انموذجه) يُفِيد تأييد النَّفْي، ورد بِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيل، وَقَالُوا: لَو كَانَت للتأبيد لِمَ يُقيد منفيها بِالْيَوْمِ فِي: { لن أكلم الْيَوْم إنسياً} ( مَرْيَم: 26) .
ولكان ذكر الْأَبَد فِي: { وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} ( الْبَقَرَة: 95) تَكْرَارا، وَالْأَصْل عَدمه.
قَوْله ( تنْفق) مَنْصُوب بهَا.
وَقَوله ( نَفَقَة) نصب على أَنه مفعول مُطلق.
قَوْله ( تبتغي) ، جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل، وَقعت حَالا من الضَّمِير الَّذِي فِي: لن تنْفق، وَالْبَاء فِي: بهَا إِمَّا للمقابلة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} ( النَّحْل: 32) وَإِمَّا للسَّبَبِيَّة كَمَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( لن يدْخل أحدكُم الْجنَّة بِعَمَلِهِ) وَإِمَّا للظرفية بِمَعْنى: فِيهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا هَكَذَا لِأَن تبتغي، متعدٍ يُقَال: ابْتَغَيْت الشَّيْء وتبغيته إِذا طلبته، من: بغيت الشَّيْء: طلبته.
قَوْله: ( وَجه الله) ، كَلَام إضافي مفعول: تبتغي.
قَوْله ( إِلَّا أجرت) ، بِضَم الْهمزَة، على صِيغَة الْمَجْهُول، والمستثنى مَحْذُوف لِأَن الْفِعْل لَا يَقع اسْتثِْنَاء، وَالتَّقْدِير: لن تنْفق نَفَقَة تبتغي بهَا وَجه الله تَعَالَى إلاَّ نَفَقَة أجرت بهَا.
وَيكون قَوْله أجرت بهَا صفة للمستثنى، وَالْمعْنَى على هَذَا، لِأَن النَّفَقَة الْمَأْجُور فِيهَا هِيَ الَّتِي تكون ابْتِغَاء لوجه الله تَعَالَى.
لِأَنَّهَا لَو لم تكن لوجه الله تَعَالَى لما كَانَت مأجوراً فِيهَا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: التَّقْدِير: إلاَّ فِي حَالَة أجرت بهَا، ثمَّ فسر ذَلِك بقوله: أَي: لن تنْفق نَفَقَة تبتغي بهَا وَجه الله تَعَالَى فِي حَال من الْأَحْوَال إلاَّ وَأَنت فِي حَال مأجوريتك عَلَيْهَا.
قلت: لَو قدر هَكَذَا لن تنْفق نَفَقَة لوجه الله تَعَالَى إلاَّ حَال كونك مأجوراً عَلَيْهَا كَانَ أحسن على مَا لَا يخفى.
فَإِن قلت: الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِل أَو مُنْقَطع؟ قلت: مُتَّصِل، لِأَن الْمُسْتَثْنى من جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ.
قَوْله ( بهَا) ، الْبَاء إِمَّا للسَّبَبِيَّة، وَإِمَّاالْكَلَام، وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب كلمة مُفْردَة تستوفى بهَا الْعبارَة عَن معنى هَذِه الْكَلِمَة، كَمَا قَالُوا فِي الْفَلاح: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب كلمة مُفْردَة تستوفى بهَا الْعبارَة عَن معنى مَا جمعت من خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
أما النَّصِيحَة لله تَعَالَى: فمعناها يرجع إِلَى الْإِيمَان بِهِ، وَنفي الشّرك عَنهُ، وَترك الْإِلْحَاد فِي صِفَاته، وَوَصفه بِصِفَات الْجلَال والكمال، وتنزيهه تَعَالَى عَن النقائص، وَالْقِيَام بِطَاعَتِهِ وَاجْتنَاب مَعْصِيَته، وموالاة من أطاعه ومعاداة من عَصَاهُ، وَالِاعْتِرَاف بنعمته وشكره عَلَيْهَا وَالْإِخْلَاص فِي جَمِيع الْأُمُور.
قَالَ: وَحَقِيقَة هَذِه الْإِضَافَة رَاجِعَة، إِلَى العَبْد فِي نصيحة نَفسه، فَإِنَّهُ تَعَالَى غَنِي عَن نصح الناصح وَعَن الْعَالمين.
وَأما النَّصِيحَة لكتابة، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فالإيمان بِأَنَّهُ كَلَام الله تَعَالَى، وتنزيهه بِأَنَّهُ لَا يُشبههُ شَيْء من كَلَام الْخلق، وَلَا يقدر على مثله أحد من الْمَخْلُوقَات، ثمَّ تَعْظِيمه وتلاوته حق تِلَاوَته، وَإِقَامَة حُرُوفه فِي التِّلَاوَة، والتصديق بِمَا فِيهِ، وتفهم علومه، وَالْعَمَل بمحكمه، وَالتَّسْلِيم لمتشابهه، والبحث عَن ناسخه ومنسوخه، وعمومه وخصوصه، وَسَائِر وجوهه، وَنشر علومه، وَالدُّعَاء إِلَيْهِ.
وَأما النَّصِيحَة لرَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: فتصديقه على الرسَالَة وَالْإِيمَان بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ، وطاعته فِي أوامره ونواهيه، ونصرته حَيا وَمَيتًا، وإعظام حَقه وإحياء سنته، والتلطف فِي تعلمهَا وَتَعْلِيمهَا والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه ومحبة أهل بَيته وَأَصْحَابه.
وَأما النَّصِيحَة للأئمة: فمعاونتهم على الْحق وطاعتهم فِيهِ، وتذكيرهم بِرِفْق وَترك الْخُرُوج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ وَنَحْوه، وَالصَّلَاة خَلفهم، وَالْجهَاد مَعَهم وَأَدَاء الصَّدقَات إِلَيْهِم، هَذَا على الْمَشْهُور من أَن المُرَاد من الْأَئِمَّة أَصْحَاب الْحُكُومَة: كالخلفاء والولاة، وَقد يؤول بعلماء الدّين، ونصيحتهم قبُول مَا رَوَوْهُ وتقليدهم فِي الْأَحْكَام وإحسان الظَّن بهم.
وَأما نصيحة الْعَامَّة: فإرشادهم لمصالحهم فِي آخرتهم ودنياهم، وكف الْأَذَى عَنْهُم: وَتَعْلِيم مَا جهلوا، وإعانتهم على الْبر وَالتَّقوى، وَستر عَوْرَاتهمْ والشفقة عَلَيْهِم، وَأَن يحب لَهُم مَا يحب لنَفسِهِ من الْخَيْر.
السَّابِع: فِي الحَدِيث فَوَائِد.
مِنْهَا: مَا قيل: إِن الدّين يُطلق على الْعَمَل لكَونه سمى النَّصِيحَة: دينا.
وَمِنْهَا: إِن النَّصِيحَة فرض على الْكِفَايَة لَازِمَة على قدر الطَّاقَة إِذا علم الناصح أَنه يقبل نصحه، ويطاع أمره وَأمن على نَفسه الْمَكْرُوه، فَإِن خشِي فَهُوَ فِي سَعَة، فَيجب على من علم بِالْمَبِيعِ عَيْبا أَن يُبينهُ بَائِعا كَانَ أَو أَجْنَبِيّا، وَيجب على الْوَكِيل وَالشَّرِيك والخازن النصح.
وَمِنْهَا: أَن النَّصِيحَة كَمَا هِيَ فرض للمذكورين، فَكَذَلِك هِيَ فرض لنَفسِهِ، بِأَن ينصحها بامتثال الْأَوَامِر وَاجْتنَاب المناهي.
الثَّامِن: قَوْله تَعَالَى: { إِذا نصحوا لله وَرَسُوله} ( التَّوْبَة: 91) فِي سُورَة بَرَاءَة وَأول الْآيَة: { لَيْسَ على الضُّعَفَاء وَلَا على المرضى وَلَا على الَّذين لَا يَجدونَ مَا يُنْفقُونَ حرج إِذا نصحوا لله وَرَسُوله} ( التَّوْبَة: 91) الْآيَة.
أكَّد الحَدِيث الْمَذْكُور بِهَذِهِ الْآيَة، وَالْمرَاد بالضعفاء: الزمنى والهرمى، وَالَّذين لَا يَجدونَ: الْفُقَرَاء.
والنصح لله وَرَسُوله: الْإِيمَان بهما وطاعتهما فِي السِّرّ والعلن.