فهرس الكتاب

- باب: هل يمضمض من اللبن؟

رقم الحديث 219 [219] حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعيلَ قَالَ حَدثنَا هَمَّامٌ قَالَ أخبرنَا إسْحاقُ عنْ أنَسِ بن مالِكٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأى أعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ دَعُوهُ حَى إِذا فَرَغَ دَعا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة.
الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي الْبَصْرِيّ، مر فِي كتاب الْوَحْي.
الثَّانِي: همام بن يحيى بن دِينَار العوذي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالذال الْمُعْجَمَة: كَانَ ثِقَة ثبتاً فِي كل الْمَشَايِخ، مَاتَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة بن سهل الْأنْصَارِيّ، تقدم فِي بَاب من قعد حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس.
الرَّابِع: أنس بن مَالك.
بَيَان لطائف اسناده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاث مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن عَمْرو بن يُونُس عَن عِكْرِمَة بن عمار الْيَمَانِيّ عَن إِسْحَاق عَن أنس.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن يحيى بن سعيد، قَالَ: سَمِعت أنسا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا سَيَأْتِي عَن قريب.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي مُوسَى عَن يحيى بن الْقطَّان، وَعَن يحيى بن يحيى وقتيبة، وَكِلَاهُمَا عَن عبد الْعَزِيز بن عمر.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن سعيد ابْن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَفَاتَ الْمزي هَذَا فِي الْأَطْرَاف.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن سُوَيْد بن نصر وَعَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن ابي هُرَيْرَة فِي الطَّهَارَة هَهُنَا، كَمَا يَأْتِي عَن قريب.
وَأخرجه أَيْضا فِي الْأَدَب عَن ابي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن دُحَيْم عَن عَمْرو بن عبد الْوَاحِد عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ بِهِ نَحوه.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة: (أَن أَعْرَابِيًا دخل الْمَسْجِد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس، فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومحمداً، وَلَا ترحم مَعنا أحدا.
فَقَالَ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لقد تحجرت وَاسِعًا، ثمَّ لم يلبث أَن بَال فِي نَاحيَة الْمَسْجِد، فأسرع النَّاس إِلَيْهِ فنهاهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ : إِنَّمَا بعثتم ميسرين وَلم تبعثوا معسرين، صبوا عَلَيْهِ سجلاً من مَاء، أَو قَالَ؛ ذنوباً من مَاء) .
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي آخر الطَّهَارَة، وَالنَّسَائِيّ أَيْضا فِي الطَّهَارَة، وَلم يذكر قصَّة الْبَوْل.
وَأخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث ابي سَلمَة عَن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة، وَمن حَدِيث عَليّ ابْن مسْهر عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: (دخل أَعْرَابِي الْمَسْجِد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس، فَقَالَ: اللَّهُمَّلشَيْء من ذَلِك كَانَ مُبَاحا، وَتَركه أولى.
واما النّوم فِيهِ فقد نَص الشَّافِعِي فِي (الْأُم) أَنه يجوز،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: رخص فِي النّوم فِي الْمَسْجِد ابْن المسيت وَالْحسن وَعَطَاء وَالشَّافِعِيّ،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: لَا تتخذوه مرقداً.
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: إِن كَانَ ينَام فِيهِ لصَلَاة فَلَا بَأْس.
.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: يكره النّوم فِي الْمَسْجِد.
.

     وَقَالَ  مَالك: لَا بَأْس بذلك للغرباء، وَلَا أرى ذَلِك للحاضر.
.

     وَقَالَ  احْمَد: إِن كَانَ مُسَافِرًا أَو شبهه فَلَا بَأْس، وَإِن اتَّخذهُ مقيلاً أَو مبيتاً فَلَا، وَهُوَ قَول إِسْحَاق.
.

     وَقَالَ  الْيَعْمرِي، وَحجَّة من أجَاز نوم عَليّ بن أبي طَالب وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَأهل الصّفة، وَالْمَرْأَة صَاحِبَة الوشاح، والعرنية، وثمامة بن أَثَال، وَصَفوَان بن أُميَّة، وَهِي أَخْبَار صِحَاح مَشْهُورَة.
واما الْوضُوء فِيهِ فَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أَبَاحَ كل من يحفظ عَنهُ الْعلم الْوضُوء فِي الْمَسْجِد إلاَّ أَن يتَوَضَّأ فِي مَكَان يبله ويتأذى النَّاس بِهِ، فَإِنَّهُ مَكْرُوه.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: هَذَا مَنْقُول عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وطاووس وَالنَّخَعِيّ وَابْن الْقَاسِم صَاحب مَالك، وَذكر عَن ابْن سِيرِين وَسَحْنُون أَنَّهُمَا كرهاه تَنْزِيها لِلْمَسْجِدِ،.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا: إِن كَانَ فِيهِ مَوضِع معد للْوُضُوء فَلَا بَأْس، وإلاَّ فَلَا.
وَفِي شرح التِّرْمِذِيّ لليعمري: إِذا اقتصد فِي الْمَسْجِد، فان كَانَ فِي غير الْإِنَاء فَحَرَام، وَإِن كَانَ فِي الْإِنَاء فمكروه، وَإِن بَال فِي الْمَسْجِد فِي إِنَاء فَوَجْهَانِ أصَحهمَا أَنه حرَام، وَالثَّانِي أَنه مَكْرُوه.
وَيجوز الاستلقاء فِي الْمَسْجِد، وَمد الرجل، وتشبيك الْأَصَابِع للأحاديث الثَّابِتَة فِي ذَلِك.
الثَّامِن: فِيهِ الْمُبَادرَة لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر.
التَّاسِع: فِيهِ مبادرة الصَّحَابَة إِلَى الْإِنْكَار بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير مُرَاجعَة لَهُ.
فَإِن قلت: أَلَيْسَ هَذَا من بَاب التَّقَدُّم بَين يَدي الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: لَا، لِأَن ذَلِك مُقَرر عِنْدهم فِي الشَّرْع من مُقْتَضى الْإِنْكَار، فَأمر الشَّارِع مُتَقَدم على مَا وَقع مِنْهُم فِي ذَلِك، وَإِن لم يكن فِي هَذِه الْوَاقِعَة الْخَاصَّة إِذن فَدلَّ على أَنه لَا يشْتَرط الْإِذْن الْخَاص، ويكتفي بِالْإِذْنِ الْعَام.
الْعَاشِر: فِيهِ دفع أعظم المفسدتين بِاحْتِمَال أيسرهما، وَتَحْصِيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما، فَإِن الْبَوْل فِيهِ مفْسدَة، وقطعه على البائل مفْسدَة أعظم مِنْهَا، فَدفع أعظمها بأيسر المفسدتين، وتنزيه الْمَسْجِد عَنهُ مصلحَة وَترك البائل إِلَى الْفَرَاغ مصلحَة أعظم مِنْهَا، فَحصل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما.
الْحَادِي عشر: فِيهِ مُرَاعَاة التَّيْسِير على الْجَاهِل والتألف للقلوب.
الثَّانِي عشر: فِيهِ الْمُبَادرَة إِلَى إِزَالَة الْمَفَاسِد عِنْد زَوَال الْمَانِع، لَان الْأَعرَابِي حِين فرغ أَمر بصب المَاء.
الثَّالِث عشر: فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: (أهريقوا عَلَيْهِ سجلاً من مَاء، أَو دلواً من مَاء) اعْتِبَار الْأَدَاء بِاللَّفْظِ، وَإِن كَانَ الْجُمْهُور على عدم اشْتِرَاطه، وَأَن الْمَعْنى كافٍ، وَيحمل: أَو، هَهُنَا على الشَّك، وَلَا معنى للتنويع وَلَا للتَّخْيِير وَلَا للْعَطْف، فَلَو كَانَ الرَّاوِي يرى جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لاقتصر على أَحدهمَا، فَلَمَّا تردد فِي التَّفْرِقَة بَين الدَّلْو والسجل، وهما بِمَعْنى، علم أَن ذَلِك التَّرَدُّد لموافقة اللَّفْظ، قَالَه الْحَافِظ الْقشيرِي، وَلقَائِل أَن يَقُول: إِنَّمَا يتم هَذَا أَن لَو اتَّحد الْمَعْنى فِي السّجل والدلو لُغَة، لكنه غير مُتحد، فالسجل: الدَّلْو الضخمة المملوءة، وَلَا يُقَال لَهَا فارغة: سجل.
58 - (بابُ صَبِّ المَاءِ عَلَى البَوْلِ فِي المَسْجِدِ) أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صب المَاء على بَوْل البائل فِي مَسْجِد من مَسَاجِد الله تَعَالَى، وَإِذا جعلنَا: الْألف وَاللَّام، فِيهِ للْعهد يكون الْمَعْنى فِي: مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيكون حِكَايَة عَن ذَلِك، وعَلى الأول الحكم عَام سَوَاء كَانَ فِي مَسْجِد النَّبِي اَوْ غَيره.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة لَا تخفى، وَلَيْسَ لذكر الْبَاب زِيَادَة فَائِدَة، وبدونه يحصل الْمَقْصُود.