فهرس الكتاب

- باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم

رقم الحديث 64 [64] حدّثنا إسمْاعِيلُ بن عبدِ اللَّه قَالَ: حدّثني إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَن صالِحٍ عَن ابنِ شِهابٍ عَن عُبَيْدِ اللَّه بنِ عبدِ اللَّه بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعودٍ أنّ عبدَاللَّه بنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنْ رسولَ اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ بِكِتابِهِ رَجُلاً وأَمَرَهُ أَن يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ البْحَرَيْنِ، فدَفَعَهُ عَظِيمُ البَحْرَيْن إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ.
فَحَسِبْتُ أنّ ابنَ المُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعا عَلَيْهِم رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ.. مُطَابقَة الحَدِيث لجزئي التَّرْجَمَة ظَاهِرَة، أما للجزء الأول فَمن حَيْثُ إِن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ناول الْكتاب لرَسُوله، وَأمر أَن يخبر عَظِيم الْبَحْرين أَن هَذَا الْكتاب كتاب رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَإِن لم يكن سمع مَا فِيهِ وَلَا قَرَأَهُ، وَأما للجزء الثَّانِي فَمن حَيْثُ إِنَّه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كتب كتابا وَبَعثه إِلَى عَظِيم الْبَحْرين ليَبْعَثهُ إِلَى كسْرَى، وَلَا شكّ أَنه كتاب من سَيِّدي ذَوي الْعُلُوم إِلَى بعض الْبلدَانِ.
بَيَان رِجَاله: وهم سِتَّة، الأول: إِسْمَاعِيل بن عبد اللَّه، وَهُوَ ابْن أبي أويس الْمدنِي.
الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سعد، سبط عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
الثَّالِث: صَالح بن كيسَان الْغِفَارِيّ الْمدنِي.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، بتصغير الابْن وتكبير الْأَب، أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
السَّادِس: عبد اللَّه بن عَبَّاس، وَالْكل قد مر ذكرهم.
بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث، بِالْجمعِ والإفراد، والعنعنة والإخبار.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مدنيون.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن صَالح، وَفِي خبر الْوَاحِد عَن يحيى بن بكير عَن لَيْث عَن يُونُس، وَفِي الْجِهَاد عَن عبد اللَّه بن يُوسُف عَن اللَّيْث عَن عقيل، ثَلَاثَتهمْ عَن الزُّهْرِيّ، وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي السّير عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح عَن ابْن وهب عَن يُونُس، وَفِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، قَاضِي دمشق، عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد الْهَاشِمِي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح بن كيسَان وَابْن أخي الزُّهْرِيّ، كِلَاهُمَا عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ عَن مُسلم.
بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( بكتابه رجلا) أَي: بعث رجلا ملتبساً بكتابه مصاحباً لَهُ، وانتصاب رجلا، على المفعولية.
قَوْله:باذان: إِنَّه بَلغنِي أَن رجلا من قُرَيْش يزْعم أَنه نَبِي، فسر إِلَيْهِ فاستتبه، فَإِن تَابَ وإلاَّ فَابْعَثْ إِلَيّ بِرَأْسِهِ.
فَبعث باذان بكتابه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكتب إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِن الله وَعَدَني بقتل كسْرَى فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا من شهر كَذَا وَكَذَا) .
فَلَمَّا أَتَى باذانَ الكتابُ قَالَ: إِن كَانَ نَبيا سَيكون مَا قَالَ.
فَقتل الله كسْرَى فِي الْيَوْم الَّذِي قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ الزُّهْرِيّ: فَلَمَّا بلغ باذان بعث بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام من مَعَه من الْفرس.
قَوْله: ( فحسبت) الْقَائِل هُوَ: ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ، رَاوِي الحَدِيث.
أَي قَالَ الزُّهْرِيّ.
ظَنَنْت أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ ... إِلَى آخِره.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ جَوَاز الْكِتَابَة بِالْعلمِ إِلَى الْبلدَانِ.
الثَّانِي: فِيهِ جَوَاز الدُّعَاء على الْكفَّار إِذا أساؤوا الْأَدَب وأهانوا الدّين.
الثَّالِث: فِيهِ أَن الرجل الْوَاحِد يجزىء فِي حمل كتاب الْحَاكِم إِلَى الْحَاكِم، وَلَيْسَ من شَرطه أَن يحملهُ شَاهِدَانِ كَمَا تصنع الْقُضَاة الْيَوْم، قَالَه ابْن بطال.
قلت: إِنَّمَا حملُوا على شَاهِدين لما دخل على النَّاس من الْفساد، فاحتيط لتحصين الدِّمَاء والفروج وَالْأَمْوَال بِشَاهِدين.


رقم الحديث 65 [65] حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أُبو الحَسَنِ أخْبَرَنا عبدُ اللَّهِ قَالَ: أخْبَرَنا شُعْبَةُ عَن قَتادَةَ عَن أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: كَتَبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِتَاباً أَو أَرادَ أنْ يَكْتُبَ فَقِيلَ لَهُ: إنِّهمْ لاَ يقْرَأُنَ كِتاباً إلاَّ مَخْتُوماً، فاتَّخَذَ خاتَماً مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رسولُ الله، كأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: مَنْ قَالَ: نَقْشُهُ مُحَمدٌ رسولُ الله؟ قَالَ أنَسٌ.. هَذَا يُطَابق الْجُزْء الْأَخير للتَّرْجَمَة، وَهُوَ ظَاهر.
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مقَاتل، بِصِيغَة الْفَاعِل، من الْمُقَاتلَة بِالْقَافِ وبالمثناة من فَوق، الْمروزِي، شيخ البُخَارِيّ، انْفَرد بِهِ عَن الْأَئِمَّة الْخَمْسَة، روى عَن ابْن الْمُبَارك ووكيع، وروى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَمُحَمّد بن عبد الرحمان النَّسَائِيّ.
قَالَ الْخَطِيب: كَانَ ثِقَة،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: صَدُوق، توفّي آخر سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: عبد اللَّه بن الْمُبَارك، وَقد تقدم ذكره.
الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الرَّابِع: قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي.
الْخَامِس: أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ، وَقد تقدمُوا.
بَيَان لطائف إِسْنَاده: وَمِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وواسطي وبصري، وَمِنْهَا: أَن رُوَاته أَئِمَّة أجلاء.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن عَليّ بن الْجَعْد، وَفِي اللبَاس عَن آدم، وَفِي الْأَحْكَام عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة، وَفِي السّير، وَفِي الْعلم، وَفِي التَّفْسِير عَن حميد بن مسْعدَة عَن بشر بن الْمفضل، خمستهم عَنهُ بِهِ.
بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( مَخْتُومًا) ، من ختمت الشَّيْء ختماً فَهُوَ مختوم، ومختم، شدد للْمُبَالَغَة، وَختم الله لَهُ بِالْخَيرِ، وختمت الْقُرْآن: بلغت آخِره، واختتمت الشَّيْء نقيض افتتحت.
قَوْله: ( خَاتمًا) فِيهِ لُغَات، الْمَشْهُور مِنْهَا أَرْبَعَة: فتح التَّاء، وَكسرهَا، وخاتام، وخيتام، وَالْجمع: الْخَوَاتِم.
وتختمت إِذا لبسته، والختام الَّذِي يخْتم بِهِ.
قَوْله: ( نقشه) ، من نقشت الشَّيْء فَهُوَ منقوش،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: النقش نقشك الشَّيْء بلونين، أَو ألوان كَائِنا مَا كَانَ، والنقاش الَّذِي ينقشه والنقاشة حرفته.
بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( كتابا) مفعول كتب، وَهُوَ مفعول بِهِ لِأَن الْكتاب هُنَا اسْم غير مصدر.
قَوْله: ( أَن يكْتب) ، جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا مفعول: أَرَادَ، وَأَن، مَصْدَرِيَّة أَي: الْكِتَابَة.
قَوْله: ( إلاَّ مَخْتُومًا) ، نصب على الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ من كَلَام غير مُوجب.
قَوْله: ( خَاتمًا) مفعول إتخذ، وَكلمَة: من، فِي: من فضَّة، بَيَانِيَّة.
قَوْله: ( نقشه) كَلَام إضافي مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ.
وَقَوله: ( مُحَمَّد رَسُول الله) جملَة إسمية من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، خبر الْمُبْتَدَأ.
فَإِن قلت: الْجُمْلَة إِذا وَقعت خَبرا لَا بُد لَهَا من عَائِد.
قلت: إِذا كَانَ الْخَبَر عين الْمُبْتَدَأ لَا حَاجَة إِلَيْهِ.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَهِي وَإِن كَانَت جملَة، وَلكنهَا فِي تَقْدِير الْمُفْرد، تَقْدِيره: نقشه هَذِه الْكَلِمَات.
قلت: هَذِه الْكَلِمَات، أَيْضا جملَة، لِأَنَّهَا مُبْتَدأ وَخبر.
قَوْله: ( كَأَنِّي) أصل: كَأَن، للتشبيه لَكِنَّهَا هَهُنَا للتحقيق، ذكره الْكُوفِيُّونَ والزجاج، وَمَعَ هَذَا لَا يَخْلُو عَن معنى التَّشْبِيه.
قَوْله: ( أنظر إِلَى بياضه) جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر: كَأَن.
قَوْله: ( فِي يَده) حَال إِمَّا من الْبيَاض، أَو من الْمُضَاف إِلَيْهِ، أَي كَأَنِّي انْظُر إِلَى بَيَاض الْخَاتم حَال كَون الْخَاتم فِي يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَإِن قلت: الْخَاتم لَيْسَ فِي الْيَد، بل فِي8 - ( بَاب مَنْ قعَدَ حَيْث يَنْتَهِي بِه المَجْلِسُ ومَنْ رَأى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيها) الْكَلَام فِيهِ على نَوْعَيْنِ: الأول: أَن التَّقْدِير: هَذَا بَاب فِي بَيَان شَأْن من قعد ... إِلَى آخِره، وَهُوَ مَرْفُوع على الخبرية مُضَاف إِلَى من، وَهِي مَوْصُولَة، و: قعد، جملَة الْفِعْل وَالْفَاعِل صلتها، و: حَيْثُ، ظرف للمكان مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة محلا، وَبني على الضَّم تَشْبِيها بالغايات.
وَمن الْعَرَب من يعربه.
قَوْله: ( الْمجْلس) ، مَرْفُوع بقوله: يَنْتَهِي.
قَوْله: ( وَمن رأى) عطف على: من قعد، و ( الفرجة) بِضَم الْفَاء وَفتحهَا، لُغَتَانِ، وَهِي الْخلَل بَين الشَّيْئَيْنِ؛ قَالَه النَّوَوِيّ.
.

     وَقَالَ  النّحاس: الفرجة، بِالْفَتْح، فِي الْأَمر، والفرجة بِالضَّمِّ فِيمَا يرى من الْحَائِط وَنَحْوه، وَفِي ( الْعباب) : الفرجة، بِالْكَسْرِ، والفرجة بِالضَّمِّ لُغَتَانِ فِي فُرْجَة الْهم.
.

     وَقَالَ  أَيْضا: الفرجة يَعْنِي، بِالْفَتْح: التفصي من الْهم.
.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: الفرجة: الرَّاحَة من الْغم، وَذكر فِيهَا فتح الْفَاء وَضمّهَا وَكسرهَا، وَقد فرج لَهُ فِي الْحلقَة والصف وَنَحْو ذَلِك، بِفَتْح الْعين، يفرج بضَمهَا، وَلم يذكر الْجَوْهَرِي فِي الفرجة بَين الشَّيْئَيْنِ غير الضَّم، وَفِي التفصي من الْهم غير الْفَتْح، وَأنْشد عَلَيْهِ: ( رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأُم ... ر لَهُ فُرْجَة كحل العقال) ( وَالْحَلقَة) ، هُنَا بِإِسْكَان اللَّام، وَحكى الْجَوْهَرِي فتحهَا، وَالْأول أشهر.
وَفِي ( الْعباب) : الْحلقَة، بالتسكين: الدروع، وَكَذَلِكَ حَلقَة الْبَاب، وحلقة الْقَوْم، وَالْجمع الْحلق على غير قِيَاس،.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: الْجمع الْحلق، مِثَال: بدرة وَبدر، وقصعة وقصع.
وَنهى رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن الْحلق قبل الصَّلَاة، يَعْنِي صَلَاة الْجُمُعَة، نَهَاهُم عَن التحليق والاجتماع على مذاكرة الْعلم قبل الصَّلَاة، وَحكى يُونُس عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء: حَلقَة، فِي الْوَاحِد بِالتَّحْرِيكِ.
وَالْجمع: حلق وحلقات.
.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: كلهم يُجِيز ذَلِك على ضعف.
.

     وَقَالَ  الْفراء فِي نوادره: الْحلقَة، بِكَسْر اللَّام، لُغَة لِلْحَارِثِ بن كَعْب فِي الْحلقَة وَالْحَلقَة.
.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت: سَمِعت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يَقُول: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب حَلقَة، بِالتَّحْرِيكِ، إلاَّ فِي قَوْلهم: هَؤُلَاءِ حَلقَة، للَّذين يحلقون الشّعْر جمع حالق.
الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْبَاب الأول فِيهِ ذكر المناولة، وَهِي تكون فِي مجْلِس الْعلم، وَهَذَا الْبَاب فِي بَيَان شَأْن من يَأْتِي إِلَى الْمجْلس كَيفَ يقْعد، وَالْمرَاد مِنْهُ مجْلِس الْعلم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: مُنَاسبَة هَذَا الْبَاب لكتاب الْعلم من جِهَة أَن المُرَاد بالحلقة: حَلقَة الْعلم، فَيدْخل فِي آدَاب الطَّالِب من هَذَا الْوَجْه.
قلت: هَذَا الْقَائِل أَخذ هَذَا من كَلَام الْكرْمَانِي، وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ هَذَا بَيَان وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان وَجه مُنَاسبَة إِدْخَال هَذَا الْبَاب فِي كتاب الْعلم، وَلَيْسَ الْقُوَّة إلاَّ فِي بَيَان وُجُوه الْمُنَاسبَة بَين الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة فِي كتب هَذَا الْكتاب،.

     وَقَالَ  الشَّيْخ قطب الدّين: هَذَا الْبَاب حَقه أَن يَأْتِي عقب بَاب: من رفع صَوته بِالْعلمِ، أَو عقب بَاب: طرح الْمَسْأَلَة، لِأَن كليهمَا من آدَاب الْعَالم، وَهَذَا الْبَاب من آدَاب المتعلم، وَمَا بعد هَذَا الْبَاب يُنَاسب الْبَاب الَّذِي قبله، وَهُوَ قَوْله: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( رب مبلَّغٍ أوعى من سامع) .
لِأَن فِيهِ معنى التَّحَمُّل عَن غير الْعَارِف، وَغير الْفَقِيه.
قلت: الَّذِي ذَكرْنَاهُ أنسب لِأَن الْبَاب السَّابِق فِي بَيَان مناولة الْعَالم فِي مجْلِس علمه، وَهَذَا الْبَاب فِي بَيَان أدب من يحضر هَذَا الْمجْلس، كَمَا ذكرنَا.