فهرس الكتاب

- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "

رقم الحديث 59 [59] حدّثنا مُحمَّدُ بْنُ سِنَان قَالَ: حدّثنا فُلَيْحُ ( ح) وحدَّثني إبْراهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ: حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْح قَالَ: حدّثني أبي قَالَ: حدّثني هِلاَلُ بْنُ عَليٍّ عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: بَيْنَمَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَجْلِس يُحَدِّثُ القَوْمَ جاءَهُ أعْرَابِيُّ فقالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قالَ: وقالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ.
حَتَّى إِذا قَضى حَدِيثَهُ قَالَ أيْنَ ارَاهُ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟ قالَ: هَا أَنا يَا رَسولَ! الله قَالَ: ( فإذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ) قالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قالَ: ( إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ) .
( الحَدِيث 59 طرفه فِي: 6496) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة: الأول: مُحَمَّد بن سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وبالنونين، أَبُو بكر الْبَاهِلِيّ العوقي الْبَصْرِيّ، روى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ.
قَالَ يحيى بن معِين: ثِقَة مَأْمُون، وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن رجل عَنهُ، توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: فليح، بِضَم الْفَاء وَفتح اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة، ابْن سُلَيْمَان بن أبي الْمُغيرَة، وَهُوَ حنين ابْن أخي عبيد بن حنين، وَكَانَ اسْمه عبد الْملك، ولقبه فليح واشتهر بلقبه، الْخُزَاعِيّ الْمدنِي، وكنيته أَبُو يحيى، روى عَن نَافِع وعدة، وروى عَنهُ عبد اللَّه بن وهب وَيحيى الوحاظي وَابْن أعين وَشُرَيْح بن النُّعْمَان وَآخَرُونَ، قَالَ يحيى بن معِين: هُوَ ضَعِيف مَا أقربه من ابْن أبي أويس، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: لَيْسَ بِقَوي وَلَا يحْتَج بِهِ،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ،.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ أَيْضا: لَيْسَ بِالْقَوِيّ:.

     وَقَالَ  ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي لَا بَأْس بِهِ، وَقد اعْتَمدهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه، وَقد روى عَنهُ زيد بن أبي أنيسَة، روى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ،.

     وَقَالَ  الْحَاكِم: واجتماع البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَيْهِ فِي إخراجهما عَنهُ فِي الْأُصُول يُؤَكد أمره ويسكن الْقلب فِيهِ إِلَى تَعْدِيل، توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر بن عبد اللَّه ابْن الْمُنْذر بن الْمُغيرَة بن عبد اللَّه بن خَالِد بن حزَام بن خويلدأَن كيفيتها هِيَ بالتوسد الْمَذْكُور.
قَوْله: ( فانتظر السَّاعَة) الْفَاء فِيهِ للتفريع، أَو جَوَاب شَرط مَحْذُوف يَعْنِي: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فانتظر السَّاعَة.
وَلَيْسَت هِيَ جَوَاب إِذا الَّتِي فِي قَوْله: ( إِذا وسد الْأَمر إِلَى غير أَهله) لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّن هَهُنَا معنى الشَّرْط.
فَإِن قلت: كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال: لغير أَهله.
قلت: إِنَّمَا قَالَ: إِلَى غير أَهله، ليدل على معنى تضمين الْإِسْنَاد.
بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( مَتى السَّاعَة؟) أَي: مَتى يكون قيام السَّاعَة.
قَوْله: ( فكره مَا قَالَ) : أَي فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَه الْأَعرَابِي، وَلِهَذَا لم يلْتَفت إِلَى الْجَواب.
فَلذَلِك حصل للصحابة، رَضِي الله عَنْهُم، التَّرَدُّد، مِنْهُم من قَالَ: سمع فكره، وَمِنْهُم من قَالَ: لم يسمع، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكره السُّؤَال عَن هَذِه الْمَسْأَلَة بخصوصها.
قَوْله: ( أَيْن السَّائِل عَن السَّاعَة؟) أَي عَن زمَان السَّاعَة.
قَوْله: ( إِذا وسد الْأَمر) المُرَاد بِهِ جنس الْأُمُور الَّتِي تتَعَلَّق بِالدّينِ: كالخلافة وَالْقَضَاء والإفتاء، وَنَحْو ذَلِك.
وَيُقَال: أَي بِولَايَة غير أهل الَّذين والأمانات.
وَمن يعينهم على الظُّلم والفجور، وَعند ذَلِك تكون الْأَئِمَّة قد ضيعوا الْأَمَانَة الَّتِي فرض الله عَلَيْهِم حَتَّى يؤتمن الخائن ويخون الْأمين، وَهَذَا إِنَّمَا يكون إِذا غلب الْجَهْل وَضعف أهل الْحق عَن الْقيام بِهِ.
فَإِن قلت: تَأَخّر الْجَواب عَن السُّؤَال هَهُنَا، وَهل يجوز تَأْخِيره فِيمَا يتَعَلَّق بِالدّينِ؟ قلت: الْجَواب من وَجْهَيْن: الأول: بطرِيق الْمَنْع، فَنَقُول: لَا نسلم اسْتِحْقَاق الْجَواب هَهُنَا، لِأَن الْمَسْأَلَة لَيست مِمَّا يجب تعلمهَا، بل هِيَ مِمَّا لَا يكون الْعلم بهَا إِلَّا لله تَعَالَى.
وَالثَّانِي: بطرِيق التَّسْلِيم فنقوله: سلمنَا ذَلِك، وَلكنه يحْتَمل أَن يكون، عَلَيْهِ السَّلَام، مشتغلاً فِي ذَلِك الْوَقْت بِمَا كَانَ أهم من جَوَاب هَذَا السَّائِل، وَيحْتَمل أَنه أَخّرهُ انتظاراً للوحي، أَو أَرَادَ أَن يتم حَدِيثه لِئَلَّا يخْتَلط على السامعين، وَيحْتَمل أَن يكون فِي ذَلِك الْوَقْت فِي جَوَاب سُؤال سَائل آخر مُتَقَدم، فَكَانَ أَحَق بِتمَام الْجَواب.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام: وَهُوَ على وُجُوه.
الأول: فِيهِ وجوب تَعْلِيم السَّائِل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَيْن السَّائِل) ثمَّ إخْبَاره عَن الَّذِي سَأَلَ عَنهُ.
الثَّانِي: فِيهِ أَن من آدَاب المتعلم أَن لَا يسْأَل الْعَالم مَا دَامَ مشتغلاً بِحَدِيث أَو غَيره، لِأَن من حق الْقَوْم الَّذين بَدَأَ بِحَدِيثِهِمْ أَن لَا يقطعهُ عَنْهُم حَتَّى يتمه.
الثَّالِث: فِيهِ الرِّفْق بالمتعلم وَإِن جَفا فِي سُؤَاله أَو جهل، لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لم يوبخه على سُؤَاله قبل إِكْمَال حَدِيثه.
الرَّابِع: فِيهِ مُرَاجعَة الْعَالم عِنْد عدم فهم السَّائِل، لقَوْله: كَيفَ إضاعتها؟ الْخَامِس: فِيهِ جَوَاز اتساع الْعَالم فِي الْجَواب أَنه يَنْبَغِي مِنْهُ، إِذا كَانَ ذَلِك لِمَعْنى أَو لمصْلحَة.
السَّادِس: فِيهِ التَّنْبِيه على تَقْدِيم الأسبق فِي السُّؤَال لأَنا قُلْنَا: إِنَّه يحْتَمل أَن يكون تَأْخِير الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجَواب لكَونه مَشْغُولًا بِجَوَاب سُؤال سَائل آخر، فنبه بذلك أَنه يجب على القَاضِي والمفتي والمدرس تَقْدِيم الأسبق لاستحقاقه بِالسَّبقِ.
3 - ( بابُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعلْمِ) أَي: هَذَا بَاب من رفع صَوته، فالباب: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف مُضَاف إِلَى: من، وَهِي مَوْصُولَة، وَرفع صَوته، جملَة صلتها.
فَإِن قلت: كَيفَ يتَصَوَّر رفع الصَّوْت بِالْعلمِ، وَالْعلم صفة معنوية؟ قلت: هَذَا من بَاب إِطْلَاق اسْم الْمَدْلُول على الدَّال، وَالتَّقْدِير: من رفع صَوته بِكَلَام يدل على الْعلم.
فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ؟ قلت: من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق سُؤال السَّائِل عَن الْعلم، والعالم قد يحْتَاج إِلَى رفع الصَّوْت فِي الْجَواب لأجل غَفلَة السَّائِل وَنَحْوهَا، لَا سِيمَا إِذا كَانَ سُؤَاله وَقت اشْتِغَال الْعَالم لغيره، وَهَذَا الْبَاب يُنَاسب ذَاك الْبَاب من هَذِه الْحَيْثِيَّة.