فهرس الكتاب

- باب: ليبلغ العلم الشاهد الغائب

رقم الحديث 115 [115] حدّثنا صَدَقَةُ قَالَ: أخبرنَا ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِنْدٍ عنْ أمِّ سَلَمَة وعَمْرٍ وويَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَن الزُّهْرِيِّ عنْ هِنْدٍ عنْ أمِّ سَلَمَةَ قَالَت: اسْتَيْقَظَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: ( سُبْحانَ اللَّهِ { ماذَا أنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتن} وماذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِن { أَيْقَظُوا صَوَاحِبَ الحُجَرِ، فَرُبَّ كاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ) .. الْبَاب لَهُ ترجمتان: الْعلم والعظة، أَو الْيَقَظَة بِاللَّيْلِ، فمطابقتة الحَدِيث للتَّرْجَمَة الأولى فِي قَوْله: ( مَا أنزل اللَّيْلَة من الْفِتَن} وماذا فتح من الخزائن!) .
وَقَوله: ( فَرب كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية فِي الْآخِرَة) .
ومطابقته للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة فِي قَوْله: ( أيقظوا صَوَاحِب الْحجر) .
بَيَان رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة: الأول: صَدَقَة بن فضل الْمروزِي، أَبُو الْفضل، انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ البُخَارِيّ عَن السِّتَّة، وَكَانَ حَافِظًا إِمَامًا، مَاتَ سنة ثَلَاث، وَقيل: سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث: معمر بن رَاشد.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: عمر بن دِينَار.
السَّادِس: يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ.
وَأَخْطَأ من قَالَ: إِنَّه يحيى بن سعيد الْقطَّان.
لِأَنَّهُ لم يسمع من الزُّهْرِيّ وَلَا لقِيه.
السَّابِع: هِنْد بنت الْحَارِث الفراسية، وَيُقَال: القرشية، وَعند الدَّاودِيّ: الْقَادِسِيَّة، وَلَا وَجه لَهُ.
كَانَت زَوْجَة لمعبد بن الْمِقْدَاد، وَفِي ( التَّهْذِيب) أسقط معبدًا وَهُوَ وهم، روى لَهَا الْجَمَاعَة إلاَّ مُسلما.
الثَّامِن: أم سَلمَة، هِنْد.
وَقيل: رَملَة، زوج النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بنت أبي أُميَّة حُذَيْفَة.
وَيُقَال: سهل بن الْمُغيرَةالمشرفة بهَا وَهِي عَارِية عَنْهَا فِي الْآخِرَة لَا تنفعها إِذا لم تضمها مَعَ الْعَمَل.
قَالَ تَعَالَى: { فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون} ( الْمُؤْمِنُونَ: 101) قَوْله: ( كاسية) على وزن: فاعلة، من: كسا، وَلَكِن بِمَعْنى مَكْسُورَة، كَمَا فِي قَول الحطيئة.
واقعد فَإنَّك أَنْت الطاعم الكاسي قَالَ الْفراء: يَعْنِي المكسو.
كَقَوْلِك: مَاء دافق، وعيشة راضية.
لِأَنَّهُ يُقَال: كسي الْعُرْيَان، وَلَا يُقَال: كسا.
قَوْله: ( عَارِية) بتَخْفِيف الْيَاء.
قَالَ القَاضِي: أَكثر الرِّوَايَات بخفض عَارِية على الْوَصْف.
.

     وَقَالَ  السُّهيْلي: الْأَحْسَن عِنْد سِيبَوَيْهٍ الْخَفْض على النَّعْت لِأَن: رب، عِنْده حرف جر يلْزم صدر الْكَلَام، وَيجوز الرّفْع كَمَا تَقول: رب رجل عَاقل على إِضْمَار مُبْتَدأ، وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع النَّعْت أَي: هِيَ عَارِية، وَالْفِعْل الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ: رب، مَحْذُوف.
وَاخْتَارَ الْكسَائي أَن يكون رب أسما مُبْتَدأ، وَالْمَرْفُوع خَبَرهَا.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث أَن للرجل أَن يوقظ أَهله بِاللَّيْلِ للصَّلَاة وَلذكر الله تَعَالَى، لَا سِيمَا عِنْد آيَة تحدث أَو رُؤْيا مخوفة، وَجَوَاز قَول: سُبْحَانَ الله، عِنْد التَّعَجُّب واستحباب ذكر الله بعد الاستيقاظ وَغير ذَلِك.
41 - ( بابُ السَّمَر فِي العِلْمِ) أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان السمر فِي الْعلم، هَذِه رِوَايَة أبي ذَر بِإِضَافَة الْبَاب إِلَى السمر، وَفِي رِوَايَة غَيره بَاب السمر فِي الْعلم بتنوين الْبَاب، وَقطع الْإِضَافَة، وارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، كَمَا ذكرنَا.
والسمر، مُبْتَدأ: وَفِي الْعلم، فِي مَحل الصّفة، وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذَا بَاب فِيهِ السمر بِالْعلمِ أَي: بَيَان السمر بِالْعلمِ، و: السمر، بِفَتْح الْمِيم، هُوَ الحَدِيث بِاللَّيْلِ، وَيُقَال: السمر بِإِسْكَان الْمِيم،.

     وَقَالَ  عِيَاض: الأول هُوَ الرِّوَايَة.
قَالَ ابْن سراج: الإسكان أولى، وَضَبطه بَعضهم بِهِ، وَأَصله لون الْقَمَر، لأَنهم كَانُوا يتحدثون إِلَيْهِ، وَمِنْه الأسمر لشبهه بذلك اللَّوْن.
.

     وَقَالَ  غَيره: السمر، بِالْفَتْح: الحَدِيث بِاللَّيْلِ، وَأَصله لَا ُأكَلِّمهُ السمر وَالْقَمَر، أَي: اللَّيْل وَالنَّهَار.
وَفِي ( الْعباب) السمر المسامرة أَي: الحَدِيث بِاللَّيْلِ، وَقد سمر يسمر وَهُوَ سامر والسامر أَيْضا السمار وهم الْقَوْم يسمرون، كَمَا يُقَال للحجاج: حَاج كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: { سامراً تهجرون} ( الْمُؤْمِنُونَ: 67) أَي: سمارا يتحدثون، والسمر اللَّيْل والسمير الَّذِي يسامرك، وابنا سمير: اللَّيْل وَالنَّهَار لِأَنَّهُ يسمر فيهمَا، وَيُقَال: أَفعلهُ مَا سمر ابْنا سمير أَي: أبدا.
وَيُقَال: السمر الدَّهْر، وابناه اللَّيْل وَالنَّهَار.
وَلَا أَفعلهُ سمير اللَّيَالِي، وسجين اللَّيَالِي، أَي مَا دَامَ النَّاس يسمرون فِي لَيْلَة قَمْرَاء.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول الْعلم والعظة بِاللَّيْلِ، وَقد كَانَ التحدث بعد الْعشَاء مَنْهِيّا، وَهُوَ السمر.
وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب هُوَ السمر بِالْعلمِ، وَنبهَ بهما على أَن السمر الْمنْهِي عَنهُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يكون من الْخَيْر، وَأما السمر بِالْخَيرِ فَلَيْسَ بمنهي بل مَرْغُوب.
فَافْهَم.