فهرس الكتاب

- باب البول عند سباطة قوم

رقم الحديث 235 [235] حدّثناإسْمَاعِيلُ قَالَ حَدثنِي مَالِكٌ عنِ ابنِ شِهاب عنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ عَن ابْن عَبَّاسَ عنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَلَ عنْ قَارَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقالَ أَلْقُوهًّ وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ وَكُلُوا سَمْنَكُمْ.. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة إِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أويس تقدم فِي بَاب تفاضل أهل الْإِيمَان، وَعبيد الله هُوَ سبط عتبَة بن مَسْعُود وَهُوَ فِي قصَّة هِرقل، وَمَالك هُوَ ابْن أنس، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، ومَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ بنت الْحَارِث، خَالَة ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، تقدّمت فِي بَاب السمر بِالْعلمِ بَيَان لطائف إِسْنَاده مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وبصيغة الْإِفْرَاد، وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مدنيون وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصحابية.
بَيَان ذكر تعدده مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الذَّبَائِح عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن مَالك بِهِ، وَعَن الْحميدِي عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، وَهُوَ من أَفْرَاده عَن مُسلم، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَة عَن مُسَدّد عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن أَحْمد بن صَالح وَالْحسن بن عَليّ، كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق عَن عبد الرَّحْمَن بن بزدويه عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْنَاهُ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن وَأبي عُثْمَانالسفن وَلَا يمس ذَلِك وَلَكِن يُؤْخَذ بعوده فَقلت: يدهن بِهِ غير السفن؟ قَالَ لَا أعلم قلت وَابْن يدهن بِهِ من السفن قَالَ: ظُهُورهَا وَلَا يدهن بطونها.
قلت: فَلَا بُد أَن يمس! قَالَ: يغسل يَدَيْهِ من مَسّه.
وَقد رُوِيَ عَن جَابر الْمَنْع من الدّهن بِهِ وَعَن سَحْنُون.
أَن مَوتهَا فِي الزَّيْت الْكثير غير ضار، وَلَيْسَ الزَّيْت كَالْمَاءِ وَعَن عبد الْملك.
إِذا وَقعت فَأْرَة أَو دجَاجَة فِي زَيْت أَو بِئْر فَإِن لم يتَغَيَّر طعمه وَلَا رِيحه أزيل ذَلِك مِنْهُ وَلم يَتَنَجَّس، وَإِن مَاتَت فِيهِ تنجس وَإِن كثر وَوَقع فِي كَلَام ابْن الْعَرَبِيّ: أَن الْفَأْرَة عِنْد مَالك طَاهِرَة خلافًا لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَلَا نعلم عندنَا حخلافاً فِي طَهَارَتهَا فِي حَال حَيَاتهَا.


رقم الحديث 236 [236] حدّثنا عَلِي بنُ عَبْدَ اللَّهِ قالحدثنا مالِكُ عَن ابنِ شِهابِ عنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عَتْبَةَ بنِ مَسْعُودِ عَن ابنِ عَبَّاسِ عنْ مَيْمُونَةَ أنَّ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ خُذُوها وَمَا حَوْلَها فَاطْرَحُوهُ ( انْظُر الحَدِيث رقم: 235) .
هَذَا هُوَ الطَّرِيق الثَّانِي لحَدِيث مَيْمُونَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي، وَعلي هُوَ ابْن عبد الله الْمَدِينِيّ، تقدم فِي بَاب الْفَهم فِي الْعلم، ومعن، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره نون بن عِيسَى أَبُو يحيى القزار، بِالْقَافِ والزايين المنقوطتين أولاهما مُشَدّدَة، الْمدنِي كَانَ لَهُ علمَان حاكة وَهُوَ يَشْتَرِي القز ويلقي إِلَيْهِم، كَانَ يتوسد عتبَة مَالك، قَرَأَ الْمُوَطَّأ على مَالك للرشيد وبنيه، وَكَانَ مَالك لَا يُجيب الْعِرَاقِيّين حَتَّى يكون هُوَ سائله، مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة.
وفيهالتحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، والعنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِي الطَّرِيق الأولى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ وَفِي هَذِه الطَّرِيق أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن فَأْرَة،.

     وَقَالَ  بعضم السَّائِل عَن ذَلِك هِيَ مَيْمُونَة، وَوَقع فِي رِوَايَة يحيى الْقطَّان وَجُوَيْرِية عَن مَالك فِي هَذَا الحَدِيث أَن مَيْمُونَة استفتت رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره قلت فِي رِوَايَة البُخَارِيّ من طَرِيقين تَصْرِيح بِأَن السَّائِل غير مَيْمُونَة، مَعَ أَنه يحْتَمل أَن لَا يكون غَيرهَا، وَلَكِن لَا يُمكن الْجَزْم بِأَنَّهَا هِيَ السائلة كَمَا جزم بِهِ هَذَا الْقَائِل.
قَوْله: ( خذوها) أَي الْفَأْرَة وَمَا حولهَا أَي: وَمَا حول الْفَأْرَة وَقد قُلْنَا إِنَّه يدل على أَن السّمن كَانَ جَامِدا قَوْله: ( فاطرحوه) الضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الْمَأْخُوذ الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْله: ( خذوها) والمأخوذ هُوَ الْفَأْرَة وَمَا حولهَا ويرمى الْمَأْخُوذ ويؤكل الْبَاقِي كَمَا دلّت عَلَيْهِ الرِّوَايَة الأولى فَإِن قلت: من أَيْن يعلم من هَذِه الرِّوَايَة جَوَاز أكل الْبَاقِي؟ قلت: لِأَن الطرح لأجل عدم جَوَاز مأكوليته، وَيفهم مِنْهُ جَوَاز مأكولية الْبَاقِي بِدَلِيل الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
قَالَ مَعْنٌ حَدثنَا مَالِكٌ مَا لَا أحْصِيهِ يَقُولُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنْ مَيْمُونَةَ رِضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُم أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا الْكَلَام إِلَى أَن الصَّحِيح فِي هَذَا عَن ابْن عَبَّاس عَن ميمونةٍ وَإِن كَانَت هَذِه الطَّرِيقَة أنزل من الطَّرِيقَة الأولى وَذَلِكَ لِأَن فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث اخْتِلَافا كثيرا بيَّنه الدَّارَقُطْنِيّ حَيْثُ رُوِيَ تَارَة بِإِسْقَاط مَيْمُونَة من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذِه رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك من غير ذكر مَيْمُونَة وَكَذَا فِي رِوَايَة القعْنبِي عَن مَالك، وَتارَة بِإِسْقَاط ابْن عَبَّاس، كَمَا لم يذكر فِي رِوَايَة ابْن وهب عَن ابْن عَبَّاس، وَمِنْهُم من لم يذكر ابْن عَبَّاس وَلَا مَيْمُونَة كيحيى ابْن بكير وَأبي مُصعب وَرَوَاهُ عبد الْملك بن الْمَاجشون عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله عَن ابْن مَسْعُود،.

     وَقَالَ : عبد الحبار عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه، وَوهم عبد الْملك وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة وَلَفظه: ( سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن، قَالَ: إِذا كَانَ جَامِدا فالقوها، وَإِن كَانَ مَائِعا فَلَا تقربوه) .

     وَقَالَ  أَبُو عمر: هَذَا اضْطِرَاب شَدِيد من مَالك فِي سَنَد هَذَا الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا الحَدِيث مَعْلُول، وَفِي رِوَايَة: سُئِلَ الزُّهْرِيّ عَن الداربة تَمُوت فِي الزَّيْت وَالسمن وَهُوَ جامد أَو غير جامد: فَقَالَ: بلغنَا إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بفأرة مَاتَت فِي سمن فَأمر بِمَا قرب مِنْهَا فَطرح، ثمَّ أكل.
وَلما كَانَ الْأَمر كَذَلِك بَين البُخَارِيّ أَن الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة هِيَ الْأَصَح أَلا ترى أَن معن بن عِيسَى يَقُول: ( حَدثنَا مَالك) يَعْنِي بِهَذَا الحَدِيث ( مَا لَا أحصيه) يَعْنِي: أمراراً كَثِيرَة لَا يضبطها لكثرتها: يَقُول عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة:.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَالَ معن: هُوَ كَلَامابْن الْمَدِينِيّ، فَهُوَ دَاخل تَحت الْإِسْنَاد، وَيحْتَمل، وَإِن كَانَ احْتِمَالا بَعيدا، أَن يكون تَعْلِيقا من البُخَارِيّ قَالَ بَعضهم: هُوَ مُتَّصِل، وَأبْعد من قَالَ إِنَّه مُعَلّق قلت أحتمال التَّعْلِيق غير بعيد وَلَا يخفى ذَلِك.


رقم الحديث 237 [237] حدّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَّمَدٍ قَالَ أَخْبَرْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرُ عَن هَمَّامِ بنِ مُنَبِهٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِا إذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَماً اللَّوْنُ لونُ الدَّمِ والعَرْفُ عَرْفُ لَمِسْكِ ذكرُوا فِي مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة أوجهاً كلهَا بعيدَة مِنْهَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي: وَجه مُنَاسبَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من جِهَة الْمسك: فَإِن أَصله دم انْعَقَد وفضلة نَجِسَة من الغزال، فَيَقْتَضِي أَن يكون نجسا كَسَائِر الدِّمَاء، وكسائر الفضلات، فَأَرَادَ البُخَارِيّ أَن يبين طَهَارَته بمدح الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ، كَمَا بَين طَهَارَة عظم الْفِيل بالأثر، فظهرت الْمُنَاسبَة غَايَة الظُّهُور، وَإِن استشكله الْقَوْم غَايَة الاستشكال انْتهى.
قلت: لم تظهر الْمُنَاسبَة بِهَذَا الْوَجْه أصلا وظهورها غَايَة الظُّهُور بعيد جدا واستشكال الْقَوْم باقٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: إِيرَاد المُصَنّف لهَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب لَا وَجه لَهُ، لِأَنَّهُ لَا مدْخل لَهُ فِي طَهَارَة الدَّم وَلَا نَجَاسَته، وَإِنَّمَا ورد فِي فضل المطعون فِي سَبِيل الله تَعَالَى، قَالَ بَعضهم: وَأجِيب: بِأَن مَقْصُود المُصَنّف إِيرَاده تَأْكِيدًا لمذهبه فِي أَن المَاء لَا يَتَنَجَّس بِمُجَرَّد الملاقاة مَا لم يتَغَيَّر، وَذَلِكَ لِأَن تبدل الصّفة يُؤثر فِي الْمَوْصُوف، فَكَمَا أَن تغير صفة الدَّم بالرائحة إِلَى طيب الْمسك أخرجه من النَّجَاسَة إِلَى الطَّهَارَة، فَكَذَلِك تغير صفة المَاء إِذا تغير بِالنَّجَاسَةِ، يُخرجهُ عَن صفة الطَّهَارَة إِلَى صفة النَّجَاسَة، فَإِذا لم يُوجد التَّغَيُّر لم تُوجد النَّجَاسَة.
قلت: هَذَا الْقَائِل أَخذ هَذَا من كَلَام الْكرْمَانِي، فَإِنَّهُ نَقله فِي شَرحه عَن بَعضهم، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل وَتعقب، بِأَن الْغَرَض إِثْبَات انحصار التنجس بالتغير، وَمَا ذكر يدل على أَن التنجس يحصل بالتغير وَهُوَ باقٍ إِلَّا أَنه لَا يحصل إلاَّ بِهِ، وَهُوَ مَوضِع النزاع أنْتَهى قلت: هَذَا أَيْضا كَلَام الْكرْمَانِي، وَلكنه سبكه فِي صُورَة غير ظَاهِرَة، وَقَول الْكرْمَانِي هَكَذَا، فَنَقُول للْبُخَارِيّ: لَا يلْزم من وجود الشَّيْء عِنْد الشَّيْء أَن لَا يُوجد عِنْد عَدمه لجَوَاز مُقْتَض آخر، وَلَا يلْزم من كَونه خرج بالتغير إِلَى النَّجَاسَة أَن لَا يخرج إلاَّ بِهِ لاحْتِمَال وصف آخر يخرج بِهِ عَن الطَّهَارَة بِمُجَرَّد الملاقاة، إنتهى حَاصِل هَذَا أَنه وَارِد على قَوْلهم: إِن مَقْصُود البُخَارِيّ من إِيرَاد هَذَا الحَدِيث تَأْكِيد مذْهبه فِي أَن المَاء لَا يَتَنَجَّس بِمُجَرَّد الملاقاة.
وَمِنْهَا مَا قَالَه ابْن بطالإنما ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي بَاب نَجَاسَة المَاء لِأَنَّهُ لم يجد حَدِيثا صَحِيح السَّنَد فِي المَاء، فاستدل على حكم الْمَائِع بِحكم الدَّم الْمَائِع، وَهُوَ الْمَعْنى الْجَامِع بَينهمَا انْتهى.
قلت: هَذَا أَيْضا وَجه غير حسن لَا يخفى.
وَمِنْهَا مَا قَالَه ابْن رشد وَهُوَ أَن مُرَاده أَن انْتِقَال الدَّم إِلَى الرَّائِحَة الطّيبَة هُوَ الَّذِي نَقله من حَالَة الدَّم إِلَى حَالَة الْمَدْح، فَحصل من هَذَا تَغْلِيب وصف وَاحِد، وَهُوَ، الرَّائِحَة، على وصفين، وهما: الطّعْم واللون، فيستنبط مِنْهُ أَنه مَتى تغير أحد اللأوصاف الثَّلَاثَة بصلاح أَو فَسَاد تبعه الأصفان الباقيان انْتهى قلت هَذَا ظَاهر الْفساد لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ إِنَّه إِذا وصف وَاحِد بِالنَّجَاسَةِ أَن لَا يُؤثر حَتَّى يُوجد الوصفان الْآخرَانِ، وَلَيْسَ بِصَحِيح.
وَمِنْهَا مَا قَالَه ابْن الْمُنِير: لما تَغَيَّرت صفته إِلَى صفة طَاهِرَة بَطل حكم النَّجَاسَة فِيهِ.
وَمِنْهَا مَا قَالَه الْقشيرِي: المراعاة فِي المَاء بِتَغَيُّر لَونه دون رَائِحَته، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمى الْخَارِج من جرح الشَّهِيد دَمًا وَإِن كَانَ رِيحه ريح الْمسك، وَلم يقل مسكاً، وَغلب اسْم الْمسك لكَونه على رَائِحَته، فَكَذَلِك المَاء مَا لم يتَغَيَّر طعمه.
وكل هَؤُلَاءِ خارجون عَن الدائرة، وَلم يذكر أحد مِنْهُم وَجها صَحِيحا ظَاهرا لإيراد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، لِأَن هَذَا الحَدِيث فِي بَيَان فضل الشَّهِيد: على أَن الحكم الْمَذْكُور فِيهِ من أُمُور الْآخِرَة، وَالْحكم فِي المَاء بِالطَّهَارَةِ والنجاسة من أُمُور الدُّنْيَا، وَكَيف يلتثم هَذَا بِذَاكَ؟ ورعاية الْمُنَاسبَة فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء بِأَدْنَى وَجه يلمح فِيهِ كَافِيَة، والتكلفات بالوجوه الْبَعِيدَة غير مستملحة، وَيُمكن أَن يُقَال: وَجه الْمُنَاسبَة فِي هَذَا أَنه لما كَانَ مبْنى الْأَمر فِي المَاء بالتغير بِوُقُوع النَّجَاسَة، وَأَنه يخرج عَن كَونه صَالحا للاستعمال لتغير صفته الَّتِي خلق عَلَيْهَا أَو أورد لَهُ نظيراً بِتَغَيُّر دم الشَّهِيد.
فَإِن مُطلق الدَّم نجس، وَلكنه تغير بِوَاسِطَة الشَّهَادَة فِي سَبِيل الله، وَلِهَذَا لَا يغسل عَنهُ دَمه ليظْهر شرفه يَوْم الْقِيَامَة لأهل الْموقف بانتقال صفته المذمومةقَوْله: ( وَعرف المسلك) ، بِكَسْر الْمِيم، وَهُوَ مُعرب، مشك، بالشين الْمُعْجَمَة وَضم الْمِيم، ويروى: عرف مسك، مُنْكرا وَكَذَلِكَ.
الدَّم، يرْوى مُنْكرا قَوْله: ( وَالْعرْف) ينْتج بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخه فَاء وَهِي الرَّائِحَة الطّيبَة والمنتنة أَيْضا.
بَيَان استنباط الْفَوَائِد وَمِنْهَا: أَن الْحِكْمَة فِي كَون دم الشَّهِيد يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة على هَيْئَة إِنَّه يشْهد لصَاحبه بفضله، وعَلى ظالمه بِفِعْلِهِ وَمِنْهَا: كَونه على رَائِحَة الْمسك إِظْهَارًا لفضيلته لأهل الْمَحْشَر، وَلِهَذَا لَا يغسل دَمه وَلَا هُوَ يغسل خلافًا لسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن وَمِنْهَا: الدّلَالَة على فضل الْجراحَة فِي سَبِيل الله.
وَمِنْهَا: أَن قَوْله: ( عرف الْمسك) لَا يسْتَلْزم أَن يكون مسكاً حَقِيقَة بل يَجعله الله شَيْئا يشبه هَذَا وَلَا كَونه دَمًا يسْتَلْزم أَن يكون دَمًا نجسا حَقِيقَة، وَيجوز أَن يحوله الله إِلَى مسك حَقِيقَة لقدرته على كل شَيْء كَمَا أَنه يحول أَعمال بني آدم من الْحَسَنَات والسيئات إِلَى جَسَد ليوزن فِي الْمِيزَان الَّذِي ينصبه يَوْم الْقِيَامَة وَالله أعلم.
68 - ( بَاب البَولِ فِي الماءِ الدَّائِمِ) أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْبَوْل فِي المَاء الراكد، وَهُوَ الَّذِي لَا يجْرِي فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، بَاب لَا تبولوا فِي المَاء الراكد وَفِي بعض النّسخ: بَاب المَاء الدَّائِم، وَفِي بَعْضهَا، بَاب الْبَوْل فِي المَاء الدَّائِم ثمَّ الَّذِي لَا يجْرِي، وَتَفْسِير الدَّائِم هُوَ: الَّذِي لَا يجْرِي وَذكر قَوْله: بعد ذَلِك الَّذِي لَا يجْرِي يكون تَأْكِيدًا لمعناه وَصفَة مُوضحَة لَهُ، وَقيل: للِاحْتِرَاز عَن راكد لَا يجْرِي بعضه كالبرك وَنَحْوهَا.
قلت: فِيهَا تعسف، وَالْألف وَاللَّام فِي المَاء، إِمَّا لبَيَان حَقِيقَة الْجِنْس أَو للْعهد الذهْنِي، وَهُوَ: المَاء الَّذِي يُرِيد الملكف التوضأ بِهِ والاغتسال مِنْهُ.
فَإِن قلت مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ؟ قلت: ظَاهر لِأَن الْبَاب السَّابِق فِي بَيَان السّمن وَالْمَاء الَّذِي يَقع فِيهِ النَّجَاسَة، وَهَذَا أَيْضا فِي بَيَان المَاء الراكد الَّذِي يَبُول فِيهِ الرجل فيتقاربان فِي الحكم وَلم أجد مِمَّن اعتنى بشرح هَذَا الْكتاب أَن يذكر وُجُوه المناسبات بَين الْأَبْوَاب والكتب إلاَّ نَادرا.