فهرس الكتاب

- باب: اتباع الجنائز من الإيمان

رقم الحديث 48 [48] حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حدّثناشُعْبَةُ عَن زُبَيْدٍ قَالَ سَأَلت أَبَا وَائِلٍ عنِ المُرجِئَة فَقَالَ حدّثني عبدُ اللهِ أَن النَّبِىَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سِبَابُ المُسْلِم فسُوُقٌ وَقِتالُهُ كُفْرٌ.
قد قُلْنَا آنِفا: إِن حَدِيث عبد الله هَذَا للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة، وهى قَوْله: وَمَا يحذر عَن الْإِصْرَار إِلَى آخِره، فان قلت: كَيفَ مطابقته على التَّرْجَمَة؟ قلت: لما دلّ الحَدِيث على إبِْطَال قَول المرجئة الْقَائِلين بِعَدَمِ تفسيق مرتكبي الْكَبَائِر، وَعدم جعل السباب فسوقاً، وَعدم مقاتلة الْمُسلم كفراناً لحقه، طابق قَوْله: وَمَا يحذر عَن الْإِصْرَار إِلَى آخِره.
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة.
الأول: ابو عبد الله مُحَمَّد بن عرْعرة، بالعينين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالرَّاء المكررة، غير منصرف للعلمية والتأنيث، ابْن البرند، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء الْمَكْسُورَة، وَيُقَال، بفتحهما وَسُكُون النُّون وَفِي آخِره دَال مُهْملَة، وَكَأَنَّهُالبُخَارِيّ أَولا فَجعل ذَلِك كُله دينا.

     وَقَالَ  هَهُنَا جعل ذَلِك كُله من الْإِيمَان قلت أما جعله دينا فَظَاهر حَيْثُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي آخر الحَدِيث " يعلم النَّاس دينهم " وَأما جعله إِيمَانًا فكلمة من إِمَّا تبعيضية وَالْمرَاد بِالْإِيمَان هُوَ الْإِيمَان الْكَامِل الْمُعْتَبر عِنْد الله تَعَالَى وَعند النَّاس فَلَا شكّ إِن الْإِسْلَام وَالْإِحْسَان داخلان فِيهِ وَأما ابتدائية وَلَا يخفى أَن مبدأ الْإِحْسَان وَالْإِسْلَام هُوَ الْإِيمَان بِاللَّه إِذْ لَوْلَا الْإِيمَان بِهِ لم تتَصَوَّر الْعِبَادَة لَهُ 38 - ( بَاب) كَذَا وَقع بِلَا تَرْجَمَة فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي الْوَقْت، وَسقط ذَلِك بِالْكُلِّيَّةِ من رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي وَغَيرهمَا، وَرجح النَّوَوِيّ الأول، قَالَ: لِأَن التَّرْجَمَة، يَعْنِي: سُؤال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، عَن الْإِيمَان لَا يتَعَلَّق بهَا هَذَا الحَدِيث، فَلَا يَصح ادخاله فِيهِ، وَقد قيل: نفي التَّعْلِيق لَا يتم هُنَا على الْحَالين، لِأَنَّهُ إِن ثَبت لفظ بَاب بِلَا تَرْجَمَة فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْفَصْل من الْبَاب الَّذِي قبله، فَلَا بُد لَهُ من تعلق بِهِ، وَإِن لم يثبت فتعلقه بِهِ مُتَعَيّن، لكنه يتَعَلَّق بقوله فِي التَّرْجَمَة: جعل ذَلِك كُله دينا.
وَوجه بَيَان التَّعَلُّق أَنه سمى الدّين: إِيمَانًا فِي حَدِيث هِرقل، فَيتم مُرَاد البُخَارِيّ بِكَوْن الدّين هُوَ الْإِيمَان.
فَإِن قلت: لَا حجَّة لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ مَنْقُول عَن هِرقل.
قلت: إِنَّه مَا قَالَه من قبل اجْتِهَاده.
وَإِنَّمَا أخبر بِهِ عَن استقرائه من كتب الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأَيْضًا فهرقل قَالَه بِلِسَانِهِ الرُّومِي، فَرَوَاهُ عَنهُ أَبُو سُفْيَان بِلِسَانِهِ الْعَرَبِيّ، وألقاه إِلَى ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا، وَهُوَ من عُلَمَاء اللِّسَان، فَرَوَاهُ عَنهُ، وَلم يُنكره، فَدلَّ على أَنه صَحِيح لفظا وَمعنى: وَقد يُقَال: إِن هَذَا لم يكن أمرا شَرْعِيًّا، وَإِنَّمَا كَانَ محاورة، وَلَا شكّ أَن محاوراتهم كَانَت على الْعرف الصَّحِيح الْمُعْتَبر الْجَارِي على الْقَوْلَيْنِ، فَجَاز الِاسْتِدْلَال بهَا.
فَإِن قلت: بَاب، كَيفَ يقْرَأ؟ وَهل لَهُ حَظّ من الْإِعْرَاب؟ قلت: إِن قدرت لَهُ مُبْتَدأ يكون مَرْفُوعا على الخبرية، وَالتَّقْدِير: وَهَذَا بَاب، وَإِلَّا لَا يسْتَحق الْإِعْرَاب لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بعد العقد والتركيب، وَيكون مثل الْأَسْمَاء الَّتِي تعد، وَهُوَ هُنَا بِمَنْزِلَة قَوْلهم بَين الْكَلَام: فصل كَذَا وَكَذَا، يذكرُونَهُ ليفصلوا بِهِ بَين الْكَلَامَيْنِ.