فهرس الكتاب

- باب الوضوء من التور

رقم الحديث 209 [209] حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبرنا مالِكٌ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشيْرِ بنِ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حارِثَةَ أنّ سُوَيْدَ بن النُّعْمانِ أخْبرَهُ أنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام خَيْبَرَ حتَّى إذَا كانُوا بالصَّهْبَاءِ وَهْيَ أدْنَى خَيْبَرَ فَصَلَّى العَصْرَ ثُمَّ دَعا بِالاَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إلاَّ بِالسَّوِيق فأمرَ بِهِ فَتُرِّي فَأكَلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأكلْنَا ثُمَّ قامَ إلَى المَغْرِبِ فمَضْمَضَ ومَضْمَضْنَا ثُمَّ صلي ولَمْ يَتَوَضَّأ.. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الثَّلَاثَة الأُول تكَرر ذكرهم، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَبشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة: ابْن يسَار بِفَتْح، الْيَاء آخر الْحُرُوف: كَانَ شَيخا كَبِيرا فَقِيها فَقِيها أدْرك عَامَّة الصَّحَابَة، وسُويد بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو سُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن النُّعْمَان، بِضَم النُّون: الْأنْصَارِيّ الأوسي الْمدنِي من أَصْحَاب بيعَة الرضْوَان، رُوِيَ لَهُ سَبْعَة أَحَادِيث للْبُخَارِيّ مِنْهَا حَدِيث وَاحِد، وَهُوَ هَذَا الحَدِيث.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع، والإخبار كَذَلِك والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مدنيون إلاَّ شيخ البُخَارِيّ.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ، كِلَاهُمَا من أكَابِر التَّابِعين.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم أَئِمَّة أجلاء فُقَهَاء كبار.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي سَبْعَة مَوَاضِع من الْكتاب فِي الطَّهَارَة فِي موضِعين، وَفِي أَحدهمَا عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الآخر عَن خَالِد بن مخلد، وَأخرجه فِي الْمَغَازِي عَن القعْنبِي عَن مَالك، وَعَن مُحَمَّد بن بشار، وَفِي الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَفِي موضِعين فِي الْأَطْعِمَة أَحدهمَا: عَن عَليّ بن عبد الله، وَعَن سُلَيْمَان بن حَرْب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث، وَفِي الْوَلِيمَة عَن مُحَمَّد بن بشار.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب قَوْله: ( عَام خَيْبَر) ، عَام: مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة.
و: خَيْبَر، بَلْدَة مَعْرُوفَة بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة نَحْو أَربع مراحل.
.

     وَقَالَ  ابو عبيد: ثَمَانِيَة برد، وَسميت باسم رجل من العماليق نزلها وَكَانَ اسْمه خَيْبَر بن فانية بن مهلائل، وَكَانَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مصَّرها، وَهِي غير منصرف للعلمية والتأنيث، فتحهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  عِيَاض: اخْتلفُوا فِي فتحهَا، فَقيل: فتحت عنْوَة، وَقيل: صلحا، وَقيل: جلا أَهلهَا عَنْهَا بِغَيْر قتال، وَقيل: بَعْضهَا صلحا وَبَعضهَا عنْوَة وَبَعضهَا جلاء أَهلهَا بِغَيْر قتال.
قَوْله: ( بالصبهاء) بِالْمدِّ، مَوضِع على رَوْحَة من خَيْبَر، كَذَا رَوَاهُ فِي الْأَطْعِمَة،.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: على بريد، على لفظ تَأْنِيث أصهب.
قَوْله: ( وَهِي أدنى خَيْبَر) أَي: اسفلها وطرفها جِهَة الْمَدِينَة.
قَوْله: ( فصلى الْعَصْر) ، الْفَاء: فِيهِ لمحض الْعَطف وَلَيْسَت للجزاء إِذْ قَوْله: إِذا لَيست جزائية بل هِيَ ظرفية.
قَوْله: ( بالأزواد) جمع زَاد، وَهُوَ طَعَام يتَّخذ للسَّفر.
قَوْله: ( فَأمر بِهِ) أَي: بالسويق.
قَوْله: ( فثرى) بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي، من التثرية، وَمَعْنَاهُ: بلَّ، وَقد مر مَعْنَاهُ عَن قريب مُسْتَوفى.
قَوْله: ( فَأكل رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) أَي: مِنْهُ.
قَوْله: ( وأكلنا) زَاد فِي رِوَايَة سُلَيْمَان: ( وشربنا) ؛ وَفِي الْجِهَاد من رِوَايَة عبد الْوَهَّاب: ( فأكلنا وشربنا) .
قَوْله: ( فَمَضْمض) اي: قبل الدُّخُول فِي الصَّلَاة.
فَإِن قلت: مَا فَائِدَة الْمَضْمَضَة مِنْهُ وَلَا دسم لَهُ؟ قلت: يحتبس مِنْهُ شَيْء فِي أثْنَاء الْأَسْنَان وجوانب الْفَم فيشغله تتبعه عَن أَحْوَال الصَّلَاة.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: أَن فِيهِ اسْتِحْبَاب الْمَضْمَضَة بعد الطَّعَام، للمعنى الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا،.

     وَقَالَ  بَعضهم: اسْتدلَّ بِهِ البُخَارِيّ على جَوَاز صَلَاتَيْنِ فَأكْثر بِوضُوء وَاحِد.
قلت: البُخَارِيّ لم يضع الْبَاب لذَلِك، وَإِن كَانَ يفهم مِنْهُ ذَلِك.
الثَّانِي: فِيهِ دلَالَة على عدم وجوب الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: فِيهِ دَلِيل على أَن الْوضُوء مِمَّا مست النَّار مَنْسُوخ لِأَنَّهُ مُتَقَدم، وخيبر كَانَت سنة سبع،.

     وَقَالَ  بَعضهم: لَا دلَالَة فِيهِ لِأَن أَبَا هُرَيْرَة حضر بعد فتح خَيْبَر.
قلت: لَا يستبعد ذَلِك، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة رُبمَا يروي حَدِيثا عَن صَحَابِيّ كَانَ ذَلِك قبل أَن يسلم فيسنده إِلَى النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، لِأَنالصَّحَابَة كلهم عدُول.
الثَّالِث: فِيهِ دلَالَة على جمع الرفقاء على الزَّاد فِي السّفر، لِأَن الْجَمَاعَة رَحْمَة وَفِيهِمْ الْبركَة.
الرَّابِع: اسْتدلَّ بِهِ الملهب على أَن للْإِمَام أَن يَأْخُذ المحتكرين بِإِخْرَاج الطَّعَام عِنْد قلته ليبيعوه من أهل الْحَاجة.
الْخَامِس: فِيهِ الدّلَالَة على أَن على الإِمَام أَن ينظر لأهل الْعَسْكَر فَيجمع الزَّاد ليصيب مِنْهُ من مَا لَا زَاد لَهُ.


رقم الحديث 210 [21] حدّثنا أصْبَغُ قالَ أخْبرنا ابنُ وَهْبٍ قَالَ أخْبرني عَمْرٌ وعَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أنّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكلَ عِندها كتِفاً ثُمَّ صلَّى ولَمْ يَتَوضَّأْ.. كَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله لمطابقة التَّرْجَمَة، وَلَا مُطَابقَة لَهُ للتَّرْجَمَة فِي هَذَا الْبَاب، وَكَذَا سَأَلَ الْكرْمَانِي بقوله: فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث لَا يتَعَلَّق بالترجمة، ثمَّ أجَاب بقوله: قلت: الْبَاب الأول من هذَيْن الْبَابَيْنِ هُوَ أصل التَّرْجَمَة، لَكِن لما كَانَ فِي الحَدِيث الثَّالِث حكم آخر سوى عدم التوضىء، وَهُوَ الْمَضْمَضَة، أدرج بَين أَحَادِيثه بَابا آخر مترجماً بذلك الحكم، تَنْبِيها على الْفَائِدَة الَّتِي فِي ذَاك الحَدِيث الزَّائِدَة على الأَصْل، أَو هُوَ من قلم الناسخين، لِأَن النُّسْخَة الَّتِي عَلَيْهَا خطّ الْفربرِي هَذَا الحَدِيث مِنْهَا فِي الْبَاب الأول، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب إلاَّ الحَدِيث الأول مِنْهُمَا، وَهُوَ ظَاهر.
أَقُول: هَذَا بِلَا شكّ من النساخ الجهلة، لِأَن غَالب من يستنسخ هَذَا الْكتاب يسْتَعْمل نَاسِخا حسن الْخط جدا، وغالب من يكون خطه حسنا لَا يَخْلُو عَن الْجَهْل، وَلَو كتب كلَّ فن أَهله لقل الْغَلَط والتصحيف، وَهَذَا ظَاهر لَا يخفى.
بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة: أصبغ، وَعبد الله بن وهب، وَعَمْرو بن الْحَارِث تقدمُوا قَرِيبا.
وَبُكَيْر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مُصَغرًا: ابْن عبد الله الاشج الْمدنِي التَّابِعِيّ، وكريب مُصَغرًا تقدما.
ومَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ تقدّمت فِي بَاب السمر بِالْعلمِ.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن النّصْف الأول مصريون، وَالنّصف الثَّانِي مدنيون.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ إسمين مصغَّرين وهما تابعيان.
بَيَان من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن احْمَد بن عِيسَى عَن ابْن وهب.
بَيَان الْمَعْنى وَالْحكم قَوْله: ( كَتفًا) اي: كتف لحم.
وَفِيه عدم الْوضُوء عِنْد أكل اللَّحْم، أَي لحمٍ كَانَ.
( بَاب هَل يمضم من اللَّبن) بَاب، بِالسُّكُونِ: غير مُعرب، لِأَن الْإِعْرَاب يَقْتَضِي التَّرْكِيب، فَإِن قدر شَيْء قبله نَحْو: هَذَا بَاب، يكون معرباً على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف.
قَوْله: ( يمضمض) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُضَارع، وَفِي بعض النّسخ: ( هَل يتمضمض) ، وَكلمَة: هَل، للاستفهام على سَبِيل الاستفسار.
211 - حدّثنا يَحْيىَ بنُ بُكَيرٍ وقُتَيْبَةُ قالاَ حدّثنا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ عُبَيْدَ اللَّهِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ عتْبَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَرِبَ لَبَناً فَمَضْمَضَ.

     وَقَالَ  إنّ لَهُ دَسمَاً.
( الحَدِيث 211 طرفه فِي: 569) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم سَبْعَة تقدم ذكرهم، وَبُكَيْر بِضَم الْبَاء، وَعقيل بِضَم الْعين، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعبد الله بن عبيد الله بتصغير الابْن وتكبير الاب، وَعتبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الثَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ شيخين للْبُخَارِيّ وهما: ابْن بكير وقتيبة بن سعيد، كِلَاهُمَا يرويان عَن اللَّيْث بن سعد، وَهَذَا أحد الْأَحَادِيث الَّتِي أخرجهَا الْأَئِمَّة السِّتَّة غير ابْن مَاجَه عَن شيخ وَاحِد وَهُوَ قُتَيْبَة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين مصري وَهُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير، وَاللَّيْث وَعقيل، وبلخي وَهُوَ قُتَيْبَة ومدني وَهُوَ ابْن شهَاب وَعبيد الله.
بَيَان من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن حَرْمَلَة بن يحيى، وَعَن أَحْمد بن عِيسَى.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن دُحَيْموسُفْيَان.
الْخَامِس: لَا يقنقص إلاَّ نوم الرَّاكِع، وَهُوَ قَول عَن أَحْمد ذكره ابْن التِّين.
السَّادِس: لَا ينْقض إلاَّ نوم الساجد، رُوِيَ أَيْضا عَن أَحْمد.
السَّابِع: من نَام سَاجِدا فِي مُصَلَّاهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وضوء.
وَإِن نَام سَاجِدا فِي غير صَلَاة تَوَضَّأ، وَإِن تعمد النّوم فِي الصَّلَاة فَعَلَيهِ الْوضُوء، وَهُوَ قَول ابْن الْمُبَارك.
الثَّامِن: لَا ينْقض النّوم الْوضُوء فِي الصَّلَاة، وينقض خَارج الصَّلَاة، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي.
التَّاسِع: إِذا نَام جَالِسا مُمكنا مقعدته من الأَرْض لم ينْقض، سَوَاء قل أَو كثر، وَسَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي، رَحمَه الله تَعَالَى؛.

     وَقَالَ  أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: تتبع عُلَمَاؤُنَا مسَائِل النّوم الْمُتَعَلّقَة بالأحاديث الجامعة لتعارضها، فوجدوها أحد عشر حَالا: مَاشِيا، وَقَائِمًا، ومستنداً، وراكعاً، وَقَاعِدا متربعاً، ومحتبياً، ومتكئاً، وراكباً، وساجداً، ومضطجعاً، ومستقراً.
وَهَذَا فِي حَقنا، فَأَما سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن خَصَائِصه أَنه لَا ينْتَقض وضوؤه بِالنَّوْمِ، مُضْطَجعا وَلَا غير مُضْطَجع.