فهرس الكتاب

- باب

رقم الحديث 195 [195] حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بنَ بَكْرٍ حدّثنا حُمَيْدٌ عنْ أَنَسٍ قالَ حَضَرَت الصَّلاَةُ فَقامَ مَنْ كانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ وَبَقِيَ قَوْمٌ فَاُتِيَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ ماءٌ فَصَغُرَ المِخْضَبُ اَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ فَتَوَضَّأَ القَوْمُ كُلُّهُمْ قُلْنَا كَمْ كُنْتُمْ قَالَ ثَمَانِينَ وزِيادَةً.. مُطَابق الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: ( بمخضب من حِجَارَة) إِلَى آخِره.
بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة.
الأول: عبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رواء، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: ابْن الْمُنِير، بِالْألف وَاللَّام.
قلت: يجوز كِلَاهُمَا كَمَا عرف فِي مَوْضِعه، وَقد يلتبس هَذَا: بِابْن الْمُنِير، الَّذِي لَهُ كَلَام فِي تراجم البُخَارِيّ وَفِي غَيرهَا، وَهُوَ بِضَم الْمِيم وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ مُتَأَخّر عَن ذَلِك بزهاء أَرْبَعمِائَة سنة، وَهُوَ: أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن ابي الْمَعَالِي مُحَمَّد كَانَ قَاضِي اسكندرية وخطيبها، وَعبد الله بن مُنِير الْحَافِظ الزَّاهِد السَّهْمِي الْمروزِي، مَاتَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: عبد الله بن بكر أَبُو وهب الْبَصْرِيّ، نزل بَغْدَاد وَتُوفِّي فِي خلَافَة الْمَأْمُون سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ.
الثَّالِث: حميد، بِالتَّصْغِيرِ، ابْن ابي حميد الطَّوِيل، مَاتَ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي، وَقد تقدم فِي بَاب خوف الْمُؤمن أَن يحبط عمله.
الرَّابِع: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وَالسَّمَاع والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وبصري.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن يزِيد بن هَارُون، وَأخرجه مُسلم وَلَفظه: ( كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بالزوراء، والزوراء بِالْمَدِينَةِ عِنْد السُّوق وَالْمَسْجِد، دَعَا بقدح فِيهِ مَاء فَوضع كَفه فِيهِ فَجعل يَنْبع من بَين أَصَابِعه، فَتَوَضَّأ جَمِيع أَصْحَابه.
قَالَ: قلت: كم كَانُوا يَا أَبَا حَمْزَة؟ قَالَ: كَانُوا زهاء الثلاثمائة)
.
وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيره.
بَيَان الْمعَانِي وَالْإِعْرَاب قَوْله: ( حضرت الصَّلَاة) هِيَ صَلَاة الْعَصْر.
قَوْله: ( من كَانَ) فِي مَحل الرّفْع، لِأَنَّهُ فَاعل: قَامَ.
قَوْله: ( إِلَى أَهله) يتَعَلَّق بقوله: ( فَقَامَ) ، وَذَلِكَ الْقيام كَانَ لقصد تَحْصِيل المَاء والتوضىء بِهِ.
قَوْله: ( وَبَقِي قوم) أَي: عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا غَابُوا عَن مَجْلِسه وَلم يَكُونُوا على الْوضُوء أَيْضا، وَإِنَّمَا توضؤوا من المخضب الَّذِي اتى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فأُتي) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( من حِجَارَة) كلمة: من.
للْبَيَان.
قَوْله: ( فصغر المخضب) أَي: لم يسع بسطالْكَفّ فِيهِ لصغره، وَقد علم من ذَلِك أَن المخضب يكون من حِجَارَة وَغَيره، وَيكون صَغِيرا وكبيراً.
قَوْله: ( ان يبسط) اي: لِأَن يبسط، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: لبسط الْكَفّ فِيهِ.
قَوْله: ( فَتَوَضَّأ الْقَوْم) أَي: الْقَوْم الَّذين بقوا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك المخضب الصَّغِير.
قَوْله: ( فَقُلْنَا) وَفِي بعض النّسخ وَفِي بَعْضهَا: قلت.
وَهُوَ من كَلَام حميد الطَّوِيل الرَّاوِي عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( كم كُنْتُم) ؟ مُمَيّز: كم، مَحْذُوف تَقْدِيره: كم نفسا كُنْتُم؟ وَكَذَلِكَ مُمَيّز ثَمَانِينَ مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر للكون الْمُقدر تَقْدِيره: كُنَّا ثَمَانِينَ نفسا وَزِيَادَة على الثَّمَانِينَ.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ دلَالَة على معْجزَة كَبِيرَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
الثَّانِي: فِيهِ التهيء للْوُضُوء عِنْد حُضُور الصَّلَاة.
الثَّالِث: فِيهِ أَن الْأَوَانِي كلهَا، سَوَاء كَانَت من الْخشب أَو من جَوَاهِر الأَرْض طَاهِرَة، فَلَا كَرَاهَة فِي اسْتِعْمَالهَا، وَذكر أَبُو عبيد فِي ( كتاب الطّهُور) عَن ابْن سِيرِين: كَانَت الْخُلَفَاء يتوضأون فِي الطشت، وَعَن الْحسن رَأَيْت عُثْمَان يصب عَلَيْهِ من إبريق يعْنى نُحَاسا.
قَالَ أَبُو عبيد: وعَلى هَذَا أَمر النَّاس فِي الرُّخْصَة والتوسعة فِي الْوضُوء فِي آنِية النّحاس وأشباهه من الْجَوَاهِر إلاَّ مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر من الْكَرَاهَة.
قلت: ذكر ابْن أبي شيبَة عَن يحيى بن سليم عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة: كرهت أَن أتوضأ فِي النّحاس، وَفِي كتاب ( الْأَشْرَاف) : رخص كثير من أهل الْعلم فِي ذَلِك، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، وَمَا علمت أَنِّي رَأَيْت أحدا كره الْوضُوء فِي آنِية الصفر والنحاس والرصاص وَشبهه، والأشياء على الْإِبَاحَة وَلَيْسَ يحرم مَا هُوَ مَوْقُوف على ابْن عمر.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَقد وجدت عَن ابْن عمر أَنه تَوَضَّأ فِيهِ، وَهَذِه الرِّوَايَة أشبه للصَّوَاب، وَكَانَ الشَّافِعِي وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر يكْرهُونَ الْوضُوء فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَبِه نقُول.
وَلَو تَوَضَّأ لَهُ متوضىء أَجزَأَهُ وَقد أَسَاءَ، وَعَن أبي حنيفَة، رَضِي الله عَنهُ، كَانَ يكره الْأكل وَالشرب فِي آنِية الْفضة، وَكَانَ لَا يرى بَأْسا بالمفضض، وَكَانَ لَا يرى بِالْوضُوءِ مِنْهُ بَأْسا.
قلت: أَبُو حنيفَة كَانَ يكره الْأكل فِي آنِية الذَّهَب أَيْضا، وَالْمرَاد من الْكَرَاهَة: كَرَاهَة التَّحْرِيم، وَفِي ( سنَن) أبي دَاوُد، بِسَنَد ضَعِيف عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: ( كنت أَغْتَسِل أَنا وَرَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي تور من شبه) .
وَفِي ( مُسْند) أَحْمد بِسَنَد صَحِيح عَن زَيْنَب بنت جحش: ( أَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَ يتَوَضَّأ من مخضب من صفر) .
الصفر، بِضَم الصَّاد: هُوَ النّحاس الْجيد.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كسر الصَّاد فِيهِ لُغَة وَلم يجزه غَيره، وَيُقَال لَهُ: الشّبَه، أَيْضا بِفتْحَتَيْنِ لِأَنَّهُ يشبه الذَّهَب.


رقم الحديث 196 [196] حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ قَالَ حدّثنا أبُو أسَامَةَ عنْ بُرَيْدٍ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسى أنَّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعا بِقَدَحٍ فِيهِ ماءٌ فَغَسلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فيهِ.
( انْظُر الحَدِيث: 188 وطرفه) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن الْعَلَاء، بِالْمُهْمَلَةِ وبالمد.
الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة حَمَّاد ابْن اسامة.
الثَّالِث: بريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي مُوسَى، وَاسم أبي الْحَارِث، وَيُقَال: عَامر، وَيُقَال: اسْمه كنيته، وَأَبُو مُوسَى اسْمه عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه تقدم فِي بَاب فضل من علم وَعلم.
وَلَا تفَاوت بَينهمَا إلاَّ فِي لفظ حَمَّاد، فَإِنَّهُ ذكر هُنَا بالكنية.
وثمة بِالِاسْمِ.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم كوفيون.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ ثَلَاثَة مكيون.
بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: ( مج فِيهِ) أَي: صب فِيهِ، وَمِنْه: مج لعابه إِذا قذفه.
قَوْله: ( فِيهِ مَاء) ، جملَة إسمية فِي مَوضِع الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة لقدح.
قَوْله: ( فَغسل يَدَيْهِ) : الْفَاء، للْعَطْف على: دَعَا بِالْمُهْمَلَةِ، وَمعنى دَعَا طلب.
قَوْله: ( وَوَجهه) بِالنّصب عطف على قَوْله: ( يَدَيْهِ) .
وَقَوله: ( وَمَج) عطف على ( غسل) .
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: قَالَ الْكرْمَانِي، هَذَا الحَدِيث يدل على الْغسْل فِي الْقدح، بِفَتْح الْغَيْن، لَا على الْغسْل، بِضَم الْغَيْن، وَلَا على الْوضُوء.
الثَّانِي: قَالَ الدَّاودِيّ: فِيهِ جَوَاز الْوضُوء بِمَاء قد مج فيهه.
الثَّالِث: فِيهِ دلَالَة على جَوَاز الشّرْب مِنْهُ، وَكَذَا الإفراغ مِنْهُ على الْوُجُوه والنحور، لِأَن تَمام الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مُعَلّقا عَن أبي مُوسَى فِي بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس، وَقد ذكرنَا بَقِيَّة الْكَلَام هُنَاكَ.


رقم الحديث 197 [197] حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قالَ حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أبي سَلَمَة قَالَ حدّثنا عَمْرُو بنُ يَحْيَى عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ زَيْدٍ قالَ أتَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاخْرَجْنا لَهُ مَاء فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْن مَرَّتَيْن وَمَسَحَ بِرَأسِهِ فَاقْبَلَ بِهِ وَأدْبَرَ وَغَسَلَ رِجلَيْه.. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس، نسب إِلَى جده، تقدم فِي بَاب من قَالَ: الْإِيمَان هُوَ الْعَمَل الصَّالح.
الثَّانِي: عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة، بِفَتْح اللَّام: الْمَاجشون، بِفَتْح الْجِيم، مر فِي بَاب السُّؤَال والفتيا عِنْد رمي الْجمار.
الثَّالِث: عَمْرو بن يحيى.
الرَّابِع: أَبوهُ يحيى بن عمَارَة.
الْخَامِس: عبد الله بن زيد، وَقد تقدمُوا فِي بَاب غسل الرجلَيْن.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومدني.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ اثْنَيْنِ وهما أَحْمد بن يُونُس وَعبد الْعَزِيز، وَكِلَاهُمَا منسوبان إِلَى جدهما، وَاسم أَب كل مِنْهُمَا: عبد الله، وكنية كل مِنْهُمَا: ابو عبد الله، وكل مِنْهُمَا: ثِقَة حَافظ فَقِيه.
بَيَان الْمَعْنى وَالْحكم قَوْله: ( أَتَانَا رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) رِوَايَة الْكشميهني وابي الْوَقْت، وَرِوَايَة غَيرهمَا: ( أَتَى رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) .
قَوْله: ( فِي تور) صفة لقَوْله: ( مَاء) ، وَمحله النصب، وَكلمَة: من فِي: ( من صفر) للْبَيَان، وَتَفْسِير: التور، قد مر عَن قريب قَوْله: ( فَغسل وَجهه) تَفْسِير لقَوْله: ( فَتَوَضَّأ) وَفِيه حذف تَقْدِيره: فَمَضْمض واستنشق، كَمَا دلّت عَلَيْهِ الرِّوَايَات الْأُخَر، والمخرج مُتحد.
قَوْله: ( فِي تور من صفر) زِيَادَة عبد الْعَزِيز.
قَالَ الْكرْمَانِي: فان قلت: لم يذكر فِي التَّرْجَمَة لفظ: التور، وَكَانَ الْمُنَاسب أَن يذكر هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي بعده.
قلت: لَعَلَّ إِيرَاده فِي هَذَا الْبَاب من جِهَة أَن ذَلِك لتور كَانَ على شكل الْقدح، أَو من جملَة أَنه حجر، لِأَن الصفر من أَنْوَاع الْأَحْجَار، أَقُول: رَأَيْت فِي نُسْخَة صَحِيحَة بِخَط المُصَنّف: والتور، بعد قَوْله: ( والخشب وَالْحِجَارَة) .
198 - حدّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُتْبَةَ أنَّ عائِشَةَ قالَتْ لمَا ثَقُلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فاذِنَّ لهُ فَخَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الارْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ قالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فاخبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ ابنَ عَبَّاسٍ فقالَ أتَدْرِي منِ الرَّجُلُ الآخَرُ.

قُلْتُ لَا قالَ هُوَ عَلِيٌّ وكانَتْ عائِشَةُ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا تُحَدِّثُ أنّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَهُ واشْتَدَّ وَجعُهُ هَرِيقُوا عَليَّ مِنْ سَبْع قِرَبٍ لمْ تُحْلَلْ اوْ كِيَتُهُنَّ لعَلِّي أَعْهَدُ إلَى النَّاسِ وأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ لحَفْصَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ من تِلْكَ القِرَبِ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إليْنَا أنْ قدْ فَعَلْتُنَّ ثُمَّ خَرَجَ إلَى النَّاسِ.. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف: واسْمه الحكم ابْن نَافِع.
الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة دِينَار، وَأَبُو بشر الْحِمصِي.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الرَّابِع: عبيد الله بن عبد الله، بتصغير الابْن وتكبير الْأَب، وَالْكل تقدمُوا فِي كتاب الْوَحْي.
الْخَامِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والإخبار، وبصيغة الْإِفْرَاد وَالْقَوْل.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بن حمصي ومدني.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رَاوِيَيْنِ جليلين: الزُّهْرِيّ وَعبيد الله.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي سبع مَوَاضِع هُنَا، وَفِي الصَّلَاة فِي موضِعين، وَفِي حد الْمَرِيض يشْهد الْجَمَاعَة، وَإِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ مُخْتَصرا، وَفِي الْهِبَة، وَالْخمس، وَأجر الْمَغَازِي، وَفِي بَاب مَرضه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي الطِّبّ.
وَأخرجه مُسلموُجُوبه على غَيره بِالطَّرِيقِ الاولى.
الثَّانِي: فِيهِ لبَعض الضرات أَن تهب نوبتها للضرة الْأُخْرَى.
الثَّالِث: فِيهِ اسْتِحْبَاب الْوَصِيَّة.
الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز الإجلاس فِي المخضب وَنَحْوه لأجل صب المَاء عَلَيْهِ، سَوَاء كَانَ من خشب أَو حجر أَو نُحَاس، وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر كَرَاهَة الْوضُوء فِي النّحاس، وَقد ذَكرْنَاهُ وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: أَنا أتوضأ بِالنُّحَاسِ وَمَا يكره مِنْهُ شَيْء إلاَّ رَائِحَته فَقَط.
وَقيل: الْكَرَاهَة فِيهِ لِأَن المَاء يتَغَيَّر فِيهِ، وَرُوِيَ أَن الْمَلَائِكَة تكره ريح النّحاس.
وَقيل: يحْتَمل أَن تكون الْكَرَاهَة فِيهِ لِأَنَّهُ مستخرج من معادن الأَرْض شَبيه بِالذَّهَب وَالْفِضَّة، وَالصَّوَاب: جَوَاز اسْتِعْمَاله بِمَا ذكرنَا من رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة، وَفِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأسوة الْحَسَنَة وَالْحجّة الْبَالِغَة.
الْخَامِس: فِيهِ إِرَاقَة المَاء على الْمَرِيض بنية التَّدَاوِي وَقصد الشِّفَاء.
السَّادِس: فِيهِ دلَالَة على فضل عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لتمريض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيتهَا.
السَّابِع: فِيهِ إِشَارَة إِلَى جَوَاز الرقي والتداوي للعليل، وَيكرهُ ذَلِك لمن لَيْسَ بِهِ عِلّة.
الثَّامِن: فِيهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يشْتَد بِهِ الْمَرَض ليعظم الله أجره بذلك، وَفِي الحَدِيث الآخر: ( إِنِّي أوعك كَمَا يوعك رجلَانِ مِنْكُم) .
التَّاسِع: فِيهِ جَوَاز الْأَخْذ بِالْإِشَارَةِ.
الْعَاشِر: فِيهِ أَن الْمَرِيض تسكن نَفسه لبَعض أَهله دون بعض.
الأسئلة والاجوبة: الأول: مَا كَانَت الْحِكْمَة فِي طلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَاء فِي مَرضه؟ أُجِيب: بِأَن الْمَرِيض إِذا صب عَلَيْهِ المَاء الْبَارِد ثَابت إِلَيْهِ قوته، لَكِن فِي مرض يَقْتَضِي ذَلِك، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم ذَلِك فَلذَلِك طلب المَاء، وَلذَلِك بعد اسْتِعْمَال المَاء قَامَ وَخرج إِلَى النَّاس.
الثَّانِي: مَا الْحِكْمَة فِي تعْيين الْعدَد بالسبعة فِي الْقرب؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون ذَلِك من نَاحيَة التَّبَرُّك، وَفِي عدد السَّبع بركَة، لِأَن لَهُ دُخُولا كثيرا فِي كثير من أُمُور الشَّرِيعَة، وَلِأَن الله تَعَالَى خلق كثيرا من مخلوقاته سبعا.
قلت: نِهَايَة الْعدَد عشرَة، وَالْمِائَة تتركب من العشرات، والالوف من المئات، والسبعة من وسط الْعشْرَة، وَخير الْأُمُور أوساطها، وَهِي وتر، وَالله تَعَالَى يحب الْوتر، بِخِلَاف السَّادِس وَالثَّامِن، وَأما التَّاسِع فَلَيْسَ من الْوسط وَإِن كَانَ وترا.
الثَّالِث: مَا الْحِكْمَة فِي تعْيين الْقرب؟ أُجِيب: بِأَن المَاء يكون فِيهَا مَحْفُوظًا وَفِي مَعْنَاهَا مَا يشاكلها مِمَّا يحفظ فِيهِ المَاء، وَلِهَذَا جَاءَ فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي هَذَا الحَدِيث من آبار شَتَّى.
الرَّابِع: مَا الْحِكْمَة فِي شَرطه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الْقرب عدم حل أوكيتهن؟ أُجِيب: بِأَن أولى المَاء أطهره وأصفاه، لِأَن الْأَيْدِي لم تخالطه وَلم تدنسه بعد، والقرب إِنَّمَا توكى وَتحل على ذكر الله تَعَالَى، فَاشْترط أَن يكون صب المَاء عَلَيْهِ من الأسقية الَّتِي لم تحلل ليَكُون قد جمع بركَة الذّكر فِي شدها وحلها مَعًا.
الْخَامِس: مَا الْحِكْمَة فِي أَن عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا، قَالَت: ( وَرجل آخر) وَلم تعينه، مَعَ أَنه كَانَ هُوَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ كَانَ فِي قَلبهَا مِنْهُ مَا يحصل فِي قُلُوب الْبشر مِمَّا يكون سَببا فِي الْإِعْرَاض عَن ذكر اسْمه، وَجَاء فِي رِوَايَة: ( بَين الْفضل ابْن عَبَّاس) ، وَفِي أُخْرَى: ( بَين رجلَيْنِ أَحدهمَا أُسَامَة) ، وَطَرِيق الْجمع أَنهم كَانُوا يتناوبون الْأَخْذ بِيَدِهِ الْكَرِيمَة، تَارَة هَذَا وَتارَة هَذَا، وَكَانَ الْعَبَّاس أَكْثَرهم أخذا بِيَدِهِ الْكَرِيمَة، لِأَنَّهُ كَانَ أدومهم لَهَا إِكْرَاما لَهُ واختصاصاً بِهِ، وَعلي وَأُسَامَة وَالْفضل يتناوبون الْيَد الْأُخْرَى، فعلى هَذَا يُجَاب بِأَنَّهَا صرحت بِالْعَبَّاسِ وأبهمت الآخر لكَوْنهم ثَلَاثَة، وَهَذَا الْجَواب أحسن من الاول.
السَّادِس: قَالَ الْكرْمَانِي: أَيْن ذكر الْخشب فِي هَذِه الاحاديث الَّتِي فِي هَذَا الْبَاب؟ ثمَّ أجَاب بقوله: لَعَلَّ الْقدح كَانَ من الْخشب.
46 - ( بابُ الوُضُوء مِنَ التَّوْرِ) أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْوضُوء من التور، وَقد مر تَفْسِير التور مُسْتَوفى، وَوَقع فِي حَدِيث شريك عَن أنس فِي الْمِعْرَاج فَأتى بطشت من ذهب فِيهِ تور من ذهب، فَدلَّ هَذَا أَن التور غير الطشت، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن يكون التور إبريقاً وَنَحْوه، لِأَن الطشت لَا بُد لَهُ من ذَلِك.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة.