فهرس الكتاب

- باب علامة المنافق

رقم الحديث 35 [35] حدّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حدّثنا أبُو الزِّنَادِ عَنِ الأعْرجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا واحْتِسَابا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
( الحَدِيث 35 أَطْرَافه: 37، 38، 1901، 2008، 2009، 2014) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة.
قد ذكرُوا بِهَذَا التَّرْتِيب فِي بَاب: حب الرَّسُول، عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَبُو الْيَمَان: هُوَ الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ ابْن حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد، بالنُّون، عبد الله بن ذكْوَان الْقرشِي، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْمدنِي الْقرشِي قيل: أصح أَسَانِيد أبي هُرَيْرَة عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَنهُ.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصّيام مطولا.
وَأخرجه مُسلم وَلَفظه: ( من يقم لَيْلَة الْقدر فيوافقها، أرَاهُ إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) .
وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ والموطأ، وَلَفْظهمْ: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرغب فِي قيام رَمَضَان من غير أَن يَأْمُرهُم بعزيمة، فَيَقُول: من قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا وإحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) .
فَتوفي رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْأَمر على ذَلِك.
ثمَّ كَانَ الْأَمر على ذَلِك فِي خلَافَة أبي بكر وصدرا من خلَافَة عمر: رَضِي الله عَنْهُمَا، وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا نَحوه، وَأخرج النَّسَائِيّ: ( عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر رَمَضَان بفضله على الشُّهُور) .
.

     وَقَالَ : ( من قَامَ فِي رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه) .
.

     وَقَالَ : هَذَا خطأ، وَالصَّوَاب: أَنه عَن أبي هُرَيْرَة.
بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( من يقم) ، بِفَتْح الْيَاء، من قَامَ يقوم، وَهُوَ مُتَعَدٍّ هَهُنَا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ وَمُسلم: عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ( سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لرمضان: من قامه إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) .
وَفِي رِوَايَة للنسائي: ( فَمن صَامَهُ وقامه إِيمَانًا واحتسابا خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه) .
قَوْله: ( إِيمَانًا) ، أَي تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حق وَطَاعَة.
قَوْله: ( واحتسابا) ، أَي: إِرَادَة وَجه الله تَعَالَى لَا لرياء وَنَحْوه، فقد يفعل الْإِنْسَان الشَّيْء الَّذِي يعْتَقد أَنه صَادِق، لَكِن لَا يَفْعَله مخلصا، بل لرياء أَو خوف أَو نَحْو ذَلِك، يُقَال احتسابا أَي: حَسبه الله تَعَالَى.
يُقَال: احتسبت بِكَذَا أجرا عِنْد الله تَعَالَى، وَالِاسْم الْحِسْبَة، وَهِي الْأجر.
وَفِي ( الْعباب) : احتسبت بِكَذَا أجرا عِنْد الله، أَي: اعتددته أنوي بِهِ وَجه الله تَعَالَى، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: ( من صَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا) الحَدِيث واحتسبت عَلَيْهِ كَذَا: أَي أنكرته عَلَيْهِ، قَالَه ابْن دُرَيْد، وَمِنْه: محتسب الْبَلَد.
قَوْله: ( غفر لَهُ) من الغفر، وَهُوَ السّتْر، وَمِنْه المغفر وَهُوَ الخودة، وَفِي ( الْعباب) الغفر التغطية، والغفر والغفران وَالْمَغْفِرَة وَاحِد، ومغفرة الله لعَبْدِهِ إلباسه إِيَّاه الْعَفو وستره ذنُوبه.
بَيَان الْإِعْرَاب والمعاني: قَوْله: ( من يقم) ، كلمة: من، شَرْطِيَّة، و: يقم، جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَقعت فعل الشَّرْط، قَوْله: ( لَيْلَة الْقدر) كَلَام إضافي مفعول بِهِ، ليقمْ، وَلَيْسَ بمفعول فِيهِ.
قَوْله: ( إِيمَانًا واحتسابا) منصوبان على أَنَّهُمَا حالان متداخلتان أَو مترادفتان على تَأْوِيل: مُؤمنا ومحتسبا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَحِينَئِذٍ لَا تدل على تَرْجَمَة الْبَاب، إِذْ الْمَفْهُوم مِنْهُ لَيْسَ إلاَّ الْقيام فِي حَال الْإِيمَان، وَفِي زَمَانه مشْعر بِأَنَّهُ من جملَته.
قلت: لَيْسَ المُرَاد من لَفظه: إِيمَانًا، هُوَ الْإِيمَان الشَّرْعِيّ، وَإِنَّمَا المُرَاد هُوَ الْإِيمَانمَا قيل: لفظ: من يقم لَيْلَة الْقدر، هَل يَقْتَضِي قيام تَمام اللَّيْلَة، أَو يَكْفِي أقل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْقيام؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يَكْفِي الْأَقَل وَعَلِيهِ بعض الْأَئِمَّة، حَتَّى قيل بكفاية فرض صَلَاة الْعشَاء فِي دُخُوله تَحت الْقيام فِيهَا، لَكِن الظَّاهِر مِنْهُ عرفا أَنه لَا يُقَال: قيام اللَّيْلَة، إلاَّ إِذا قَامَ كلهَا أَو أَكْثَرهَا.
قلت: قَوْله: ( من يقم لَيْلَة الْقدر) .
مثل: من يصم يَوْمًا، فَكَمَا لَا يَكْفِي صَوْم بعض الْيَوْم وَلَا أَكْثَره، فَكَذَلِك لَا يَكْفِي قيام بعض لَيْلَة الْقدر وَلَا أَكْثَرهَا، وَذَلِكَ لِأَن لَيْلَة الْقدر وَقعت مَفْعُولا لقَوْله: يقم، فَيَنْبَغِي أَن يُوصف جَمِيع اللَّيْلَة بِالْقيامِ، لِأَن من شَأْن الْمَفْعُول أَن يكون مشمولاً بِفعل الْفَاعِل.
فَافْهَم.
وَمِنْهَا مَا قيل: مَا معنى الْقيام فِيهَا إِذْ ظَاهره غير مُرَاد قطعا؟ وَأجِيب: بِأَن الْقيام للطاعة كَأَنَّهُ مَعْهُود من قَوْله تَعَالَى: { قومُوا لله قَانِتِينَ} ( الْبَقَرَة: 238) وَهُوَ حَقِيقَة شَرْعِيَّة فِيهِ.
وَمِنْهَا مَا قيل: الذَّنب علم لِأَنَّهُ اسْم جنس مُضَاف، فَهَل يَقْتَضِي مغْفرَة ذَنْب يتَعَلَّق بِحَق النَّاس؟ وَأجِيب: بِأَن لَفظه مُقْتَض لذَلِك مُقْتَض لذَلِك، وَلَكِن علم من الْأَدِلَّة الخارجية أَن حُقُوق الْعباد لَا بُد فِيهَا من رضى الْخُصُوم، فَهُوَ عَام اخْتصَّ بِحَق الله تَعَالَى وَنَحْوه بِمَا يدل على التَّخْصِيص، وَقيل: يجوز أَن تكون: من، تبعيضية.
وَفِيه نظر.
26 - ( بابٌ الْجِهادُ مِنَ الإيمانِ) الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع الأول: قَوْله: ( بَاب) لَا يسْتَحق الْإِعْرَاب إِلَّا بِتَقْدِير: هَذَا بَاب، فَيكون خَبرا مَحْذُوف الْمُبْتَدَأ.
وَقَوله: ( الْجِهَاد) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره: ( من الْإِيمَان) وَلَا يجوز فِيهِ غير الرّفْع.
الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول هُوَ قيام لَيْلَة الْقدر، وَلَا يحصل ذَلِك، إِلَّا بالمجاهدة التَّامَّة ومقاساة الْمَشَقَّة وَترك الِاخْتِلَاط بالأهل والعيال، فَكَذَلِك الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب حَال الْمُجَاهِد الَّذِي لَا يحصل لَهُ الْحَظ من الْجِهَاد، وَلَا يُسمى مُجَاهدًا إلاَّ بالمجاهدة التَّامَّة ومقاساة الْمَشَقَّة الزَّائِدَة وَترك الْأَهْل والعيال، وكما أَن الْقَائِم لَيْلَة الْقدر يجْتَهد أَن ينَال رُؤْيَة تِلْكَ اللَّيْلَة ويتحلى بهَا، وإلاَّ فيكتسب أجورا عَظِيمَة، فَكَذَلِك الْمُجَاهِد يجْتَهد أَن ينَال دَرَجَة الشُّهَدَاء ومنزلتهم وإلاَّ فَيرجع بغنيمة وافرة مَعَ اكْتِسَاب اسْم الْغُزَاة، فَهَذَا هُوَ وَجه الْمُنَاسبَة وَإِن كَانَ التَّرْتِيب الوضعي يَقْتَضِي أَن يذكر بَاب تطوع قيام رَمَضَان عقيب هَذَا الْبَاب، وَبَاب صَوْم رَمَضَان عقيب هَذَا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَل لترتيب الْكتاب وتوسيط الْجِهَاد بَين قيام لَيْلَة الْقدر وَقيام رَمَضَان وصيامه مُنَاسبَة أم لَا؟ قلت: مناسبته تَامَّة وَهِي الْمُشَاركَة فِي كَون كل من الْمَذْكُورَات من أُمُور الْإِيمَان.
وتوسيط الْجِهَاد مشْعر بِأَن النّظر مَقْطُوع عَن غير هَذِه الْمُنَاسبَة.
قلت: يُرِيد بِكَلَامِهِ هَذَا أَن الْمُنَاسبَة بَين هَذِه الْأَبْوَاب كلهَا هِيَ اشتراكها فِي كَونهَا من خِصَال الْإِيمَان، مَعَ قطع النّظر عَن طلب الْمُنَاسبَة بَين كل بَابَيْنِ من الْأَبْوَاب، وَهَذَا كَلَام من يعجز عَن إبداء وَجه الْمُنَاسبَة الْخَاصَّة مَعَ الْمُنَاسبَة الْعَامَّة، وَمَا يَنْبَغِي أَن يذكر مَا ذكرته، فَافْهَم.
الثَّالِث: معنى قَوْله: ( الْجِهَاد من الْإِيمَان) الْجِهَاد شُعْبَة من شعب الْإِيمَان.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال وَعبد الْوَاحِد، الشارحان: هَذَا كالأبواب الْمُتَقَدّمَة فِي أَن الْأَعْمَال إِيمَان، لِأَنَّهُ لما كَانَ الْإِيمَان هُوَ الْمخْرج لَهُ فِي سَبيله، كَانَ الْخُرُوج إِيمَانًا تَسْمِيَة للشَّيْء باسم سَببه، كَمَا قيل للمطر سَمَاء لنزوله من السَّمَاء، وللنبات.
توأ لِأَنَّهُ ينشأ من النوء، وَالْجهَاد الْقِتَال مَعَ الْكفَّار لإعلاء كلمة الله تَعَالَى.