فهرس الكتاب

عفيرة العابدة

593 عفيرة العابدة روح بن سلمة الوراق قال لعفيرة العابدة: بلغني أنك لا تنامين بالليل؛ فبكت، ثم قالت: ربما اشتهيت أن أنام فلا أقدر عليه، وكيف ينام أو كيف يقدر على النوم، من لا ينام عنه حافظاه ليلاً ولا نهاراً؟ قال: فأبكتني والله، وقلت في نفسي: أراني في شيء وأراك في شيء.
يحيى بن بسطام قال: دخلت مع نفر من أصحابنا على عفيرة، وكانت قد تعبدت وبكت حتى عميت.
فقال بعض أصحابنا لرجل إلى جنبه: ما أشد العمى على من كان بصيراً.
فسمعت عفيرة فقالت له: يا عبد الله عمى القلب، والله، عن الله أشد من عمى العين عن الدنيا، والله وددت أن الله وهب لي كنه محبته وأنه لم تبق مني جارحة إلا أخذها.
عبد الوهاب بن صالح قال: سمعت محمد بن عبيد يقول: دخلنا على امرأة بالبصرة يقال لها عفيرة، فقيل لها: ياعفيرة ادعي الله لنا.
فقالت: لو خرس الخاطئون ما تكلمت عجوزكم، ولكن المحسن أمر المسيء بالدعاء، جعل الله قراكم من بيتي الجنة، وجعل الموت مني ومنكم على بال.
مالك بن ضيغم قال: سمعت عفيرة تقول عصيتك بكل جارحة مني على حدتها، والله لئن أعنت لأطيعنك ما استطعت بكل جارحة عصيتك بها.
قال محمد بن الحسين: وحدثني سعيد العمي قال: قلت لعفيرة: أما تسأمين من طول البكاء قال: فبكت ثم قالت: يا بني كيف يسأم ذو داء من شيء يرجو أن له فيه من دائه شفاء قال: ثم بكت.
فقمت فخرجت وتركتها.
بلغني عن يحيى بن راشد أنه قال: كنا عند عفيرة العابدة فقدم ابن أخ لها كانت طالت غيبته فبشرت به، فبكت فقيل لها: ما هذا البكاء؟ اليوم يوم فرح وسرور، فازدادت بكاء ثم قالت: والله ما أجد للسرور في قلبي مسكناً مع ذكر الآخرة، ولقد أذكرني قدومه يوم القدوم على الله، فمن بين مسرور ومثبور.
ثم غشي عليها.