فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ النَّدْبِ إِلَى وَضْعِ الْأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ وَنَسْخِ التَّطْبِيقِ

باب النَّدْبِ إِلَى وَضْعِ الْأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ وَنَسْخِ التَّطْبِيقِ
[ سـ :871 ... بـ :534]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ قَالَا أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ فَقَالَ أَصَلَّى هَؤُلَاءِ خَلْفَكُمْ فَقُلْنَا لَا قَالَ فَقُومُوا فَصَلُّوا فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ قَالَ وَذَهَبْنَا لِنَقُومَ خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ قَالَ فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا قَالَ فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا وَطَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ قَالَ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ إِنَّهُ سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً وَإِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَصَلُّوا جَمِيعًا وَإِذَا كُنْتُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ وَإِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْرِشْ ذِرَاعَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَلْيَجْنَأْ وَلْيُطَبِّقْ بَيْنَ كَفَّيْهِ فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اخْتِلَافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَاهُمْ وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ قَالَ ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ قَالَ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ كُلُّهُمْ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَجَرِيرٍ فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اخْتِلَافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ

مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً : أَنَّ السُّنَّةَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَكَرَاهَةُ التَّطْبِيقِ ، إِلَّا ابْنُ مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ السُّنَّةَ التَّطْبِيقُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّاسِخُ وَهُوَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَالصَّوَابُ : مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِثُبُوتِ النَّاسِخِ الصَّرِيحِ .

قَوْلُهُ : ( أَصَلَّى هَؤُلَاءِ ) يَعْنِي الْأَمِيرَ وَالتَّابِعِينَ لَهُ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِنْكَارِ تَأْخِيرِهِمُ الصَّلَاةَ .

قَوْلُهُ : ( قُومُوا فَصَلُّوا ) فِيهِ : جَوَازُ إِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْبُيُوتِ ، لَكِنْ لَا يَسْقُطُ بِهَا فَرْضُ الْكِفَايَةِ ، إِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ : أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِظْهَارِهَا . وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى فِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَانَ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْأَمِيرِ وَعَامَّةِ النَّاسِ ، وَإِنْ أَخَّرُوهَا إِلَى أَوَاخِرِ الْوَقْتِ .

قَوْلُهُ : ( فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ ) هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبَعْضِ السَّلَفِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ : أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الْأَذَانُ وَلَا الْإِقَامَةُ لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ وَيُقَامُ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْعُظْمَى ، بَلْ يَكْفِي أَذَانُهُمْ وَإِقَامَتُهُمْ . وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ سُنَّةٌ فِي حَقِّهِ وَلَا يَكْفِيهِ إِقَامَةُ الْجَمَاعَةِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَذَانِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُشْرَعُ لَهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يُشْرَعُ ، وَمَذْهَبُنَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشْرَعُ لَهُ الْأَذَانُ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ أَذَانُ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا يُشْرَعُ .

قَوْلُهُ : ( ذَهَبْنَا لِنَقُومَ خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا ، فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ ) وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ ، وَخَالَفَهُمْ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى الْآنَ ، فَقَالُوا : إِذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رَجُلَانِ وَقَفَا وَرَاءَهُ صَفًّا لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَحَبَّارِ بْنِ صَخْرٍ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ عَنْ جَابِرٍ ، وَأَجْمَعُوا إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً أَنَّهُمْ يَقِفُونَ وَرَاءَهُ ، وَأَمَّا الْوَاحِدُ فَيَقِفُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَسَارِهِ ، وَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ ، وَإِنْ صَحَّ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَكَيْفِ كَانَ فَهُمُ الْيَوْمَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ .

قَوْلُهُ : ( إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى ) مَعْنَاهُ يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ ، وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِهَا ، لَا عَنْ جَمِيعِ وَقْتِهَا .

وَقَوْلُهُ : ( يَخْنُقُونَهَا ) بِضَمِّ النُّونِ مَعْنَاهُ يُضَيِّقُونَ وَقْتَهَا وَيُؤَخِّرُونَ أَدَاءَهَا ، يُقَالُ هُمْ فِي خِنَاقٍ مِنْ كَذَا أَيْ فِي ضِيقٍ . وَالْمُخْتَنِقُ : الْمَضِيقُ . ( وَشَرَقُ ) الْمَوْتَى بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ . قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : فِيهِ مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّمْسَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ - وَهُوَ آخِرُ النَّهَارِ - إِنَّمَا تَبْقَى سَاعَةً ثُمَّ تَغِيبُ . وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ شَرَقُ الْمَيِّتِ بِرِيقِهِ . إِذَا لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ إِلَّا يَسِيرًا ثُمَّ يَمُوتُ .

قَوْلُهُ : ( فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً ) : ( السُّبْحَةُ ) بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ هِيَ النَّافِلَةُ ، وَمَعْنَاهُ : صَلُّوا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ يَسْقُطُ عَنْكُمُ الْفَرْضُ ، ثُمَّ صَلُّوا مَعَهُمْ مَتَى صَلَّوْا لِتُحْرِزُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَفَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ ، وَلِئَلَّا تَقَعَ فِتْنَةٌ بِسَبَبِ التَّخَلُّفِ عَنِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ وَتَخْتَلِفُ كَلِمَةُ الْمُسْلِمِينَ . وَفِيهِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى فَرِيضَةً مَرَّتَيْنِ تَكُونُ الثَّانِيَةُ سَقْطٌ ، وَالْفَرْضُ سَقْطٌ بِالْأَوْلَى ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا . وَقِيلَ : الْفَرْضُ أَكْمَلُهُمَا ، وَقِيلَ : كِلَاهُمَا ، وَقِيلَ : إِحْدَاهُمَا مُبْهَمَةٌ ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ مَعْرُوفَةٍ .

قَوْلُهُ : ( وَلْيَجْنَأْ ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ آخِرُهُ مَهْمُوزٌ ، هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي أُصُولِ بِلَادِنَا ، وَمَعْنَاهُ : يَنْعَطِفُ ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : رُوِيَ وَلْيَجْنَأْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَرُوِيَ ( وَلْيَحْنِ ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ . قَالَ : وَهَذَا رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، وَمَعْنَاهُ الِانْحِنَاءُ وَالِانْعِطَافُ فِي الرُّكُوعِ . قَالَ : وَرَوَاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِضَمِّ النُّونِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى أَيْضًا ، يُقَالُ : حَنَيْتَ الْعُودَ وَحَنَوْتَهُ إِذَا عَطَفْتَهُ ، وَأَصْلُ الرُّكُوعِ فِي اللُّغَةِ الْخُضُوعُ وَالذِّلَّةُ ، وَسُمِّيَ الرُّكُوعُ الشَّرْعِيُّ : رُكُوعًا ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ صُورَةِ الذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ وَالِاسْتِسْلَامِ .




[ سـ :873 ... بـ :535]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي قَالَ وَجَعَلْتُ يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيَّ فَقَالَ لِي أَبِي اضْرِبْ بِكَفَّيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ قَالَ ثُمَّ فَعَلْتُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فَضَرَبَ يَدَيَّ وَقَالَ إِنَّا نُهِينَا عَنْ هَذَا وَأُمِرْنَا أَنْ نَضْرِبَ بِالْأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى قَوْلِهِ فَنُهِينَا عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورَ ) هُوَ بِالرَّاءِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسَ - بِكَسْرِ النُّونِ - وَهُوَ أَبُو يَعْفُورَ الْأَصْغَرُ ، وَأَمَّا أَبُو يَعْفُورَ الْأَكْبَرُ فَاسْمُهُ : ( وَاقِدُ ) وَقِيلَ : ( وَقْدَانُ ) ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ : أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ .