فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ وَاسْتِحْبَابِ التَّدَاوِي

باب لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ وَاسْتِحْبَابِ التَّدَاوِي
[ سـ :4201 ... بـ :2204]
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالُوا حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) الدَّوَاءُ بِفَتْحِ الدَّالِ مَمْدُودٌ ، وَحَكَى جَمَاعَاتٌ مِنْهُمُ الْجَوْهَرِيُّ فِيهِ لُغَةً بِكَسْرِ الدَّالِ . قَالَ الْقَاضِي : هِيَ لُغَةُ الْكِلَابِيِّينَ ، وَهُوَ شَاذٌّ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِحْبَابِ الدَّوَاءِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا ، وَجُمْهُورِ السَّلَفِ ، وَعَامَّةِ الْخَلْفِ .

قَالَ الْقَاضِي : فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جُمَلٌ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، وَصِحَّةِ عِلْمِ الطِّبِّ ، وَجَوَازُ التَّطَبُّبِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَاسْتِحْبَابُهُ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ ، وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ التَّدَاوِيَ مِنْ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ ، وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّدَاوِي .

وَحُجَّةُ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ ، وَأَنَّ التَّدَاوِيَ هُوَ أَيْضًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ ، وَهَذَا كَالْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ ، وَكَالْأَمْرِ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ ، وَبِالتَّحَصُّنِ ، وَمُجَانَبَةِ الْإِلْقَاءِ بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ ، مَعَ أَنَّ الْأَجَلَ لَا يَتَغَيَّرُ ، وَالْمَقَادِيرَ لَا تَتَأَخَّرُ ، وَلَا تَتَقَدَّمُ عَنْ أَوْقَاتِهَا ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْمُقَدَّرَاتِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ : ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْكَثِيرَةَ فِي الطِّبِّ وَالْعِلَاجِ ، وَقَدِ اعْتَرَضَ فِي بَعْضِهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ، فَقَالَ : الْأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْعَسَلَ مُسَهِّلٌ ، فَكَيْفَ يُوصَفُ لِمَنْ بِهِ الْإِسْهَالُ ؟ وَمُجْمِعُونَ أَيْضًا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَحْمُومِ الْمَاءَ الْبَارِدَ مُخَاطَرَةٌ قَرِيبٌ مِنَ الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ يُجَمِّعُ الْمَسَامَّ ، وَيَحْقِنُ الْبُخَارَ ، وَيَعْكِسُ الْحَرَارَةَ إِلَى دَاخِلِ الْجِسْمِ ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ ، وَيُنْكِرُونَ أَيْضًا مُدَاوَاةَ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْحَرَارَةِ الشَّدِيدَةِ ، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ خَطَرًا . قَالَ الْمَازِرِيُّ : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْمُعْتَرِضُ جَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ ، وَهُوَ فِيهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ .

وَنَحْنُ نَشْرَحُ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَنَقُولُ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) فَهَذَا فِيهِ بَيَانٌ وَاضِحٌ ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْأَطِبَّاءَ يَقُولُونَ : الْمَرَضُ هُوَ خُرُوجُ الْجِسْمِ عَنِ الْمَجْرَى الطَّبِيعِيِّ ، وَالْمُدَاوَاةُ رَدُّهُ إِلَيْهِ ، وَحِفْظُ الصِّحَّةِ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ ، فَحِفْظُهَا يَكُونُ بِإِصْلَاحِ الْأَغْذِيَةِ وَغَيْرِهَا ، وَرَدُّهُ يَكُونُ بِالْمُوَافِقِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْمُضَادَّةِ لِلْمَرَضِ .

وَبُقْرَاطُ يَقُولُ : الْأَشْيَاءُ تُدَاوَى بِأَضْدَادِهَا ، وَلَكِنْ قَدْ يَدِقُّ وَيَغْمُضُ حَقِيقَةُ الْمَرَضِ ، وَحَقِيقَةُ طَبْعِ الدَّوَاءِ ، فَيَقِلُّ الثِّقَةُ بِالْمُضَادَّةِ ، وَمِنْ هَاهُنَا يَقَعُ الْخَطَأُ مِنَ الطَّبِيبِ فَقَطْ ، فَقَدْ يَظُنُّ الْعِلَّةَ عَنْ مَادَّةٍ حَارَّةٍ فَيَكُونُ عَنْ غَيْرِ مَادَّةٍ ، أَوْ عَنْ مَادَّةٍ بَارِدَةٍ ، أَوْ عَنْ مَادَّةٍ حَارَّةٍ دُونَ الْحَرَارَةِ الَّتِي ظَنَّهَا ، فَلَا يَحْصُلُ الشِّفَاءُ ، فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ بِآخِرِ كَلَامِهِ عَلَى مَا قَدْ يُعَارَضُ بِهِ أَوَّلُهُ ، فَيُقَالُ قُلْتُ : لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ، وَنَحْنُ نَجِدُ كَثِيرِينَ مِنَ الْمَرْضَى يُدَاوُونَ فَلَا يَبْرَءُونَ ، فَقَالَ : إِنَّمَا ذَلِكَ لِفَقْدِ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْمُدَاوَاةِ ، لَا لِفَقْدِ الدَّوَاءِ ، وَهَذَا وَاضِحٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :4203 ... بـ :2205]
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ جَاءَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَهْلِنَا وَرَجُلٌ يَشْتَكِي خُرَاجًا بِهِ أَوْ جِرَاحًا فَقَالَ مَا تَشْتَكِي قَالَ خُرَاجٌ بِي قَدْ شَقَّ عَلَيَّ فَقَالَ يَا غُلَامُ ائْتِنِي بِحَجَّامٍ فَقَالَ لَهُ مَا تَصْنَعُ بِالْحَجَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أُرِيدُ أَنْ أُعَلِّقَ فِيهِ مِحْجَمًا قَالَ وَاللَّهِ إِنَّ الذُّبَابَ لَيُصِيبُنِي أَوْ يُصِيبُنِي الثَّوْبُ فَيُؤْذِينِي وَيَشُقُّ عَلَيَّ فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ قَالَ فَجَاءَ بِحَجَّامٍ فَشَرَطَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ ) . فَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الطِّبِّ عِنْدَ أَهْلِهِ ، لِأَنَّ الْأَمْرَاضَ الْامْتِلَائِيَّةَ دَمَوِيَّةٌ ، أَوْ صَفْرَاوِيَّةٌ ، أَوْ سَوْدَاوِيَّةٌ ، أَوْ بَلْغَمِيَّةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ دَمَوِيَّةً فَشِفَاؤُهَا إِخْرَاجُ الدَّمِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ فَشِفَاؤُهَا بِالْإِسْهَالِ بِالْمُسَهِّلِ اللَّائِقِ لِكُلِّ خَلْطٍ مِنْهَا ، فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَسَلِ عَلَى الْمُسَهِّلَاتِ ، وَبِالْحِجَامَةِ عَلَى إِخْرَاجِ الدَّمِ بِهَا ، وَبِالْفَصْدِ ، وَوَضْعِ الْعَلَقِ ، وَغَيْرِهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا ، وَذَكَرَ الْكَيَّ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ نَفْعِ الْأَدْوِيَةِ الْمَشْرُوبَةِ وَنَحْوِهَا ، فَآخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ ) إِشَارَةٌ إِلَى تَأْخِيرِ الْعِلَاجِ بِالْكَيِّ حَتَّى يَضْطَرَّ إِلَيْهِ ، لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْأَلَمِ الشَّدِيدِ فِي دَفْعِ أَلَمٍ قَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ أَلَمِ الْكَيِّ .

أَمَّا مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُلْحِدُ الْمَذْكُورُ فَنَقُولُ فِي إِبْطَالِهِ : إِنَّ عِلْمَ الطِّبِّ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلُومِ احْتِيَاجًا إِلَى التَّفْصِيلِ ، حَتَّى إِنَّ الْمَرِيضَ يَكُونُ الشَّيْءُ دَوَاءَهُ فِي سَاعَةٍ ، ثُمَّ يَصِيرُ دَاءً لَهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَلِيهَا بِعَارِضٍ يَعْرِضُ مِنْ غَضَبٍ يَحْمِي مِزَاجَهُ ، فَيُغَيِّرُ عِلَاجَهُ ، أَوْ هَوَاءٍ يَتَغَيَّرُ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُحْصَى كَثْرَتُهُ . فَإِذَا وُجِدَ الشِّفَاءُ بِشَيْءٍ فِي حَالَةٍ بِالشَّخْصِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ الشِّفَاءُ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَجَمِيعِ الْأَشْخَاصِ .

وَالْأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ وَالزَّمَانِ وَالْغِذَاءِ وَالْعَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَالتَّدْبِيرِ الْمَأْلُوفِ ، وَقُوَّةِ الطِّبَاعِ . فَإِذَا عَرَفْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْإِسْهَالَ يَحْصُلُ مِنْ أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا الْإِسْهَالُ الْحَادِثُ مِنَ التُّخَمِ وَالْهَيْضَاتِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْأَطِبَّاءُ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى أَنَّ عِلَاجَهُ بِأَنْ يَتْرُكَ الطَّبِيعَةَ وَفِعْلَهَا ، وَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى مُعِينٍ عَلَى الْإِسْهَالِ أُعِينَتْ مَا دَامَتِ الْقُوَّةُ بَاقِيَةً ، فَأَمَّا حَبْسُهَا فَضَرَرٌ عِنْدَهُمْ ، وَاسْتِعْجَالُ مَرَضٍ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِسْهَالُ لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ أَصَابَهُ مِنَ امْتِلَاءٍ أَوْ هَيْضَةٍ فَدَوَاؤُهُ تَرْكُ إِسْهَالِهِ عَلَى مَا هُوَ ، أَوْ تَقْوِيَتُهُ . فَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشُرْبِ الْعَسَلِ فَرَآهُ إِسْهَالًا . فَزَادَهُ عَسَلًا إِلَى أَنْ فَنِيَتِ الْمَادَّةُ فَوَقَفَ الْإِسْهَالُ ، وَيَكُونُ الْخَلْطُ الَّذِي كَانَ يُوَافِقُهُ شُرْبُ الْعَسَلِ ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْعَسَلَ جَارٍ عَلَى صِنَاعَةِ الطِّبِّ ، وَأَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَلَيْهِ جَاهِلٌ لَهَا ، وَلَسْنَا نَقْصِدُ الِاسْتِظْهَارَ لِتَصْدِيقِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ ، بَلْ لَوْ كَذَّبُوهُ كَذَّبْنَاهُمْ وَكَفَّرْنَاهُمْ ، فَلَوْ أَوْجَدُوا الْمُشَاهَدَةَ بِصِحَّةِ دَعْوَاهُمْ تَأَوَّلْنَا كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ ، وَخَرَّجْنَاهُ عَلَى مَا يَصِحُّ ، فَذَكَرْنَا هَذَا الْجَوَابَ وَمَا بَعْدَهُ عُدَّةً لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ إِنِ اعْتَضْدُوا بِمُشَاهَدَةٍ ، وَلِيَظْهَرَ بِهِ جَهْلُ الْمُعْتَرِضِ ، وَأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الصِّنَاعَةَ الَّتِي اعْتَرَضَ بِهَا وَانْتَسَبَ إِلَيْهَا .

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ لِلْمَحْمُومِ ؛ فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ يَقُولُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِ : ( أَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ ) وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ وَحَالَتَهُ وَالْأَطِبَّاءَ يُسَلِّمُونَ أَنَّ الْحُمَّى الصَّفْرَاوِيَّةَ يُبَرَّدُ صَاحِبُهَا بِسَقْيِ الْمَاءِ الْبَارِدِ الشَّدِيدِ الْبُرُودَةِ ، وَيَسْقُوهُ الثَّلْجَ ، وَيَغْسِلُونَ أَطْرَافَهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ ، فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْحُمَّى وَالْعَسَلِ عَلَى نَحْوِ مَا قَالُوهُ ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هُنَا فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِالْمَرْأَةِ الْمَوْعُوكَةِ ، فَتَصُبُّ الْمَاءَ فِي جَيْبِهَا ، وَتَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( أَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ ) فَهَذِهِ أَسْمَاءُ رَاوِيَةُ الْحَدِيثِ ، وَقُرْبُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْلُومٌ تَأَوَّلَتْ الْحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَاهُ ، فَلَمْ يَبْقَ لِلْمُلْحِدِ الْمُعْتَرِضِ إِلَّا اخْتِرَاعُهُ الْكَذِبَ وَاعْتِرَاضُهُ بِهِ ، فَلَا يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ .

وَأَمَّا إِنْكَارُهُمُ الشِّفَاءَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ فَبَاطِلٌ ؛ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ قُدَمَاءِ الْأَطِبَّاءِ : إِنَّ ذَاتَ الْجَنْبِ إِذَا حَدَّثَتْ مِنَ الْبَلْغَمِ كَانَ الْقُسْطُ مِنْ عِلَاجِهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ جَالِينُوسُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الصَّدْرِ ، وَقَالَ بَعْضُ قُدَمَاءِ الْأَطِبَّاءِ : وَيُسْتَعْمَلُ حَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى إِسْخَانِ عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ ، وَحَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَجْذِبَ الْخَلْطَ مِنْ بَاطِنِ الْبَدَنِ إِلَى ظَاهِرِهِ ، وَهَكَذَا قَالَهُ ابْنُ سِينَا وَغَيْرُهُ ، وَهَذَا يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ هَذَا الْمُعْتَرِضُ الْمُلْحِدُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فِيهِ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ ) فَقَدْ أَطْبَقَ الْأَطِبَّاءُ فِي كُتُبِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يُدِرُّ الطَّمْثَ وَالْبَوْلَ ، وَيَنْفَعُ مِنَ السُّمُومِ ، وَيُحَرِّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ ، وَيَقْتُلُ الدُّودَ وَحُبَّ الْقَرْعِ فِي الْأَمْعَاءِ إِذَا شُرِبَ بِعَسَلٍ ، وَيُذْهِبُ الْكَلَفَ إِذَا طُلِيَ عَلَيْهِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ بَرْدِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ ، وَيَرُدُّهُمَا ، وَمِنْ حُمَّى الْوَرْدِ وَالرِّبْعِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَهُوَ صِنْفَانِ بَحْرِيٌّ وَهِنْدِيٌّ ، وَالْبَحْرِيُّ هُوَ الْقُسْطُ الْأَبْيَضُ ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ صِنْفَيْنِ ، وَنَصَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْبَحْرِيَّ أَفْضَلُ مِنَ الْهِنْدِيِّ ، وَهُوَ أَقَلُّ حَرَارَةً مِنْهُ ، وَقِيلَ : هُمَا حَارَّانِ يَابِسَانِ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ ، وَالْهِنْدِيُّ أَشَدُّ حَرًّا فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنَ الْحَرَارَةِ .

وَقَالَ ابْنُ سِينَا : الْقُسْطُ حَارٌّ فِي الثَّالِثَةِ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ . فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ الْمَنَافِعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْقُسْطِ ، فَصَارَ مَمْدُوحًا شَرْعًا وَطِبًّا ، وَإِنَّمَا عَدَدْنَا مَنَافِعَ الْقُسْطِ مِنْ كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ مِنْهَا عَدَدًا مُجْمَلًا .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامُ ) فَيُحْمَلُ أَيْضًا عَلَى الْعِلَلِ الْبَارِدَةِ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ فِي الْقُسْطِ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَصِفُ بِحَسَبِ مَا شَاهَدَهُ مِنْ غَالِبِ أَحْوَالِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .

وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ فِي مَنْفَعَةِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ الَّتِي هِيَ الشُّونِيزُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً ، وَخَوَاصَّ عَجِيبَةً ، يَصْدُقُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ؛ فَذَكَرَ جَالِينُوسُ أَنَّهَا تَحِلُّ النَّفْخَ ، وَتُقِلُّ دِيدَانَ الْبَطْنِ إِذَا أُكِلَ أَوْ وُضِعَ عَلَى الْبَطْنِ ، وَتَنْفِي الزُّكَامَ إِذَا قُلِيَ وَصُرَّ فِي خِرْقَةٍ وَشُمَّ ، وَتُزِيلُ الْعِلَّةَ الَّتِي تَقَشَّرَ مِنْهَا الْجِلْدُ ، وَتُقَلِّعُ الثَّآلِيلَ الْمُتَعَلِّقَةَ وَالْمُنَكَّسَةَ وَالْخِيلَانَ ، وَتُدِرُّ الطَّمْثَ الْمُنْحَبِسَ إِذَا كَانَ انْحِبَاسُهُ مِنْ أَخْلَاطٍ غَلِيظَةٍ لَزِجَةٍ ، وَيَنْفَعُ الصُّدَاعَ إِذَا طُلِيَ بِهِ الْجَبِينُ ، وَتَقْلَعُ الْبُثُورَ وَالْجَرَبَ ، وَتُحَلِّلُ الْأَوْرَامَ الْبَلْغَمِيَّةَ إِذَا تُضُمِّدَ بِهِ مَعَ الْخَلِّ ، وَتَنْفَعُ مِنَ الْمَاءِ الْعَارِضِ فِي الْعَيْنِ إِذَا اسْتُعِطَ بِهِ مَسْحُوقًا بِدُهْنِ الْأَرَلْيَا ، وَتَنْفَعُ مِنَ انْتِصَابِ النَّفْسِ ، وَيُتَمَضْمَضُ بِهِ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ ، وَتُدِرُّ الْبَوْلَ وَاللَّبَنَ ، وَتَنْفَعُ مِنْ نَهْشَةِ الرَّتِيلَا ، وَإِذَا بُخِّرَ بِهِ طَرَدَ الْهَوَامَّ .

قَالَ الْقَاضِي : وَقَالَ غَيْرُ جَالِينُوسَ ؛ خَاصِّيَّتُهُ إِذْهَابُ حُمَّى الْبَلْغَمِ وَالسَّوْدَاءِ ، وَتَقْتُلُ حَبَّ الْقَرْعِ ، وَإِذَا عُلِّقَ فِي عُنُقِ الْمَزْكُومِ نَفَعَهُ ، وَيَنْفَعُ مِنْ حُمَّى الرِّبْعِ . قَالَ : وَلَا يَبْعُدُ مَنْفَعَةُ الْحَارِّ مِنْ أَدْوَاءٍ حَارَّةٍ بِخَوَاصَّ فِيهَا ، فَقَدْ نَجِدُ ذَلِكَ فِي أَدْوِيَةٍ كَثِيرَةٍ ، فَيَكُونُ الشُّونِيزُ مِنْهَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ أَحْيَانًا مُنْفَرِدًا ، وَأَحْيَانًا مُرَكَّبًا . قَالَ الْقَاضِي : وَفِي جُمْلَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا حَوَاهُ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، وَصِحَّةِ عِلْمِ الطِّبِّ ، وَجَوَازِ التَّطَبُّبِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَاسْتِحْبَابِهِ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْحِجَامَةِ ، وَشُرْبِ الْأَدْوِيَةِ ، وَالسَّعُوطِ ، وَاللَّدُودِ ، وَقَطْعِ الْعُرُوقِ ، وَالرُّقَى .

قَالَ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْزَلَ الدَّوَاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ ) هَذَا إِعْلَامٌ لَهُمْ ، وَإِذْنٌ فِيهِ ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِإِنْزَالِهِ إِنْزَالَ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِمُبَاشَرَةِ مَخْلُوقَاتِ الْأَرْضِ مِنْ دَاءٍ وَدَوَاءٍ . وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( شَرْطَةُ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةُ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٌ بِنَارٍ ) أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى جَمِيعِ ضُرُوبِ الْمُعَافَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( إِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَادَ الْمُقَنَّعَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ .

قَوْلُهُ : ( يَشْتَكِي خُرَاجًا ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ .

قَوْلُهُ : ( أُعَلِّقُ فِيهِ مِحْجَمًا ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ ، وَهِيَ الْآلَةُ الَّتِي تَمُصُّ وَيُجْمَعُ بِهَا مَوْضِعُ الْحِجَامَةِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( شَرْطَةُ مِحْجَمٍ ) فَالْمُرَادُ بِالْمِحْجَمِ هُنَا الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُشْرَطُ بِهَا مَوْضِعُ الْحِجَامَةِ لِيَخْرُجَ الدَّمُ .

قَوْلُهُ : ( فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ ) أَيْ : تَضَجُّرَهُ وَسَآمَتَهُ مِنْهُ .




[ سـ :4206 ... بـ :2207]
وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رُمِيَ أُبَيٌّ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ فَكَوَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَوْلُهُ : ( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : رُمِيَ أُبَيُّ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ ، فَكَوَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَقَوْلُهُ : ( أُبَيُّ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ ، وَهَكَذَا صَوَابُهُ ، وَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ وَالنُّسَخِ وَهُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ ، وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ ، وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ ، لِأَنَّ أَبَا جَابِرٍ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ قَبْلَ الْأَحْزَابِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ .

وَأَمَّا الْأَكْحَلُ فَهُوَ عِرْقٌ مَعْرُوفٌ ، قَالَ الْخَلِيلُ : هُوَ عِرْقُ الْحَيَاةِ ، يُقَالُ : هُوَ نَهَرُ الْحَيَاةِ ، فَفِي كُلِّ عُضْوٍ شُعْبَةٌ مِنْهُ ، وَلَهُ فِيهَا اسْمٌ مُنْفَرِدٌ ، فَإِذَا قُطِعَ فِي الْيَدِ لَمْ يَرْقَأِ الدَّمُ . وَقَالَ غَيْرُهُ : هُوَ عِرْقٌ وَاحِدٌ يُقَالُ لَهُ فِي الْيَدِ الْأَكْحَلُ ، وَفِي الْفَخِذِ النَّسَا ، وَفِي الظَّهْرِ الْأَبْهَرُ . وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي أُجْرَةِ الْحَجَّامِ فَسَبَقَ .




[ سـ :4207 ... بـ :2208]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ قَالَ فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ

قَوْلُهُ : ( فَحَسَمَهُ ) أَيْ كَوَاهُ لِيَقْطَعَ دَمَهُ ، وَأَصْلُ الْحَسْمِ الْقَطْعُ .




[ سـ :4210 ... بـ :2209]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ فِيهِمَا ، وَهُوَ شِدَّةُ حَرِّهَا وَلَهَبِهَا وَانْتِشَارِهَا . وَأَمَّا ( أَبْرِدُوهَا ) فَبِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَبِضَمِّ الرَّاءِ ، يُقَالُ : بَرَدْتُ الْحُمَّى أَبْرُدُهَا بَرْدًا عَلَى وَزْنِ قَتَلْتُهَا قَتْلًا أَيْ أَسْكَنْتُ حَرَارَتَهَا ، وَأَطْفَأْتُ لَهَبَهَا . كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كَوْنِهِ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَضَمِّ الرَّاءِ هُوَ الصَّحِيحُ الْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ وَكُتُبِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهَا ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ أَنَّهُ يُقَالُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ فِي لُغَةٍ قَدْ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ ، وَقَالَ : هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ جَهَنَّمَ مَخْلُوقَةٌ الْآنَ مَوْجُودَةٌ .




[ سـ :4215 ... بـ :2211]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِالْمَرْأَةِ الْمَوْعُوكَةِ فَتَدْعُو بِالْمَاءِ فَتَصُبُّهُ فِي جَيْبِهَا وَتَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ وَقَالَ إِنَّهَا مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَحَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ صَبَّتْ الْمَاءَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ أَنَّهَا مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ

قَوْلُهُ : ( عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِالْمَرْأَةِ الْمَوْعُوكَةِ فَتَدْعُو بِالْمَاءِ فَتَصُبُّهُ فِي جَيْبِهَا وَتَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( صَبَّتِ الْمَاءَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا ) قَالَ الْقَاضِي : هَذَا يَرُدُّ قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ ، وَيُصَحِّحُ حُصُولَ الْبُرْءِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَحْمُومِ الْمَاءَ ، وَأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، لَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ تَأْوِيلِ الْمَازِرِيِّ . قَالَ : وَلَوْلَا تَجْرِبَةُ أَسْمَاءَ لِمَنْفَعَتِهِ لَمَا اسْتَعْمَلُوهُ .